مقدمة:

«احلقوا لحاكم وارتدوا الملابس الغربية، واستخدموا العطور العامة والعادية التي تحتوي على الكحول، وشفروا هواتفكم». هذه بعض أهم النصائح التي وردت في دليل داعش‏[1] الأمني لخلاياها النائمة، أو ما يسمى الذئاب المنفردة.

قد أصدر داعش مؤخراً نسخةً بالإنكليزية لكتيب «الأمن والسلامة»، الذي كتبه أحد عناصر تنظيم القاعدة باللغة العربية سابقاً، ويُقدّم نصائح للذئاب المنفردة (The Lone Wolf) في الدول الغربية بما يجب فعله حتى لا يتم اكتشافهم. وارتكز دليل «الأمن والسلامة» على «مفاجأة العدو» والتخطيط المناسب والمتروّي. وبحسب ما ورد في هذا الدليل فإنّ «أيّ عملية لا يتوافر فيها أساس قوي للأمن والحذر، محكومةٌ بالفشل، مثلما يحتاج البناء الكبير لأسسٍ قويةٍ، والاحتياطات الأمنية هي أساس أيّ عملية».

وتقول صحيفة ديلي تلغراف (Daily Telegraph) إنّ الكتاب أُصدر أولاً لتنظيم القاعدة وكان باللغة العربية ويتبع تعليمات ونصائح أخرى لأعضاء التنظيم.

هو كتابٌ مؤلفٌ من 62 صفحة، يُقدم أيضاً لائحةً ببرامج التشفير التي يمكن للخلايا النائمة والأفراد أن يستخدموها لتشفير محتويات الهواتف الذكية ورسائل البريد الإلكتروني. وجاء في التعليمات أنّ «أيّ ذئبٍ منفردٍ، يجب أن يحاول الانصهار والاندماج في المجتمع المحلي، بحيث لا يبدو مثل المسلمين، وهذا يعني أن يحلقوا لحاهم، ويرتدوا ملابس غربية، وكذلك عدم الصلاة في المساجد بشكلٍ منتظمٍ». ويُكمل الكاتب قوله: «حاولوا أن تكونوا دائماً مثل أي سائحٍ عادي أو مسافر تقليدي، وحاولو أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود، يجعلكم مَوضع شبهةٍ، ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة، لأنّ ذلك قد يثير الشبهات، والبعض من الأخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين وبقوة».

لقد تمّ التركيز حتّى على العطر الذي يجب أنْ يستخدمه «الذئب المنفرد»، فنصحه الكاتب بقوله: «إذا أردت أن تستخدم العطر، فعليك ألّا تستخدم العطور الزيتية الخالية من الكحول التي يستخدمها المسلمون، بل استخدم العطور التي تحتوي على الكحول كأيّ شخصٍ آخر، وإذا كنت رجـلاً فاستخدم العطور الرجالية العضوية».

لقد أردتُ أن أُبيّن مدى الخطورة التي نحن مقبلون عليها في هذه المقدمة. نعم إنَّه سلاح داعش الجديد «الذئاب المنفردة»؛ إنَّه السلاح الذي يستخدمه وسيستخدمه داعش عند كل استشعار بالخطر أو الخسارة. يجب عدم الاستهانة بهذه الظاهرة الآخذة بالتطور والتزايد أبداً، وإن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حزيران/يونيو 2014 قبل أسابيع قليلة فقط من احتلال داعش الموصل، ثاني أكبر محافظة في العراق، قلل كثيراً من قوة التنظيم معتبراً أنّه لا يمثل تهديداً حقيقياً لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين أو لمصالحها في المنطقة، قائلاً: «إنّ التشبيه الذي نلجأ إليه أحياناً ليس دقيقاً، فأن يرتدي أفراد فريق ما ثياب اللايكرز مثـلاً، لا يجعل منهم كوبي براينت… أعتقد أن هناك فارقاً بين قدرات «بن لادن» وما بلغه وشبكته التي خططت لعمليات إرهابية كبرى في بلادنا، وبين جهاديين طائفيين في الغالب متورطين في نزاعات سياسية ومعارك محلية»‏[2].

لكي نبدأ بحثنا، علينا أولاً أن لا نكون اختزاليين في الطرح، فالمسألة كبيرة وبحاجة إلى تشخيصٍ دقيق، وعلينا الإجابة عن كثير من الأسئلة، ومنها: من هم الذئاب المنفردة؟ إلى أيّ أصولٍ يرجعون؟ ما هي أسباب ظهورهم؟ ما هو العلاج المناسب والناجع لهذه الظاهرة؟

الذئاب المنفردة مصطلح يقابله باللغة الإنكليزية «The Lone Wolves»، وهم أشخاص يقومون بهجمات بصفة منفردة، من دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيمٍ ما. كما أنّ التسمية تصدق على أي شخصٍ يمكن أن يشنّ هجوماً مسلحاً بدوافع عقائدية، وهي استراتيجية تعتمدها الجماعات الجهادية، وخصوصاً داعش، حيث يقوم الشخص أو الأشخاص بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكاناتهم الذاتية من دون أن يكون هناك ارتباط تنظيمي. وأغلب الأشخاص المنفذين لعمليات كهذه يكونون من الشخصيات السويّة والاعتيادية التي لا تبعث على الشك في سلوكها وحركتها اليومية.

أولاً: الجذور والأصول الأولى للذئاب المنفردة

شاع مصطلح الذئب الوحيد أو الذئب المنفرد، في عام 1990، حين دعا العنصريان الأمريكيان ألكس كيرتس (Alex Curtis) وتوم متزغر (Tom Metzger) الخلايا الفردية والصغيرة إلى العمل تحت الأرض وبسريّة تامة، بدلاً من منظمات كبيرة تعمل فوق الأرض. ومنذ عام 1990، ظهرت في الولايات المتحدة هجمات عنصريّة تقوم بها هذه المجموعات بصفة منفردة ومن دون هرم تنظيمي، حيث دعوا إلى القضاء على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، والترويج للاغتيال، وحثوا مناصريهم على القول عند القبض عليهم: «ليس لديّ ما أقول».

من التوضیح السابق الذكر يتضح لنا أنّ أصول «الذئاب المنفردة» ليست إسلامية، فبدايتها عنصرية مقيتة وُلدت في الولايات المتحدة، وللتدليل على ذلك نذكر بعض الأمثلة التي توّضح العمق التاريخي لهذه الظاهرة؛

في شباط/فبراير 1992، أطلق الشرطي جايمس ألن مور (James Allen Moore) النار على ثلاثة رجال كاثوليك قرب المكتب الرئيسي لحزب «نحن أنفسنا» (Sinn Fein) في بلفاست، وهو حزب سياسي جمهوري يدعو إلى توحيد إيرلندا، وأقدم على الانتحار قبل فترة وجيزة من القبض عليه.

وفي 25 شباط/فبراير من عام 1994، فتح باروخ غولدشتاين الإسرائيلي – وهو طبيب يهودي وعضو سابق في رابطة الدفاع عن اليهودية – النار داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل بفلسطين، فقتل 29 شخصاً وأصاب 150 آخرين.

وفي عام 2011، ارتكب المدعو أندرس بهرنغ بريفيك (Anders Behring Breivik) أخطر عمل إرهابي يمكن أحداً أن يقوم به، وهو شخص يعرّف عن نفسه بأنّه مسيحي علماني، سيطر عليه التعصب الديني والعنصرية وخيالات الحروب الصليبية فقتل ما لا يقل عن 85 شاباً في جزيرة أوتويا (Utoya) في النرويج.

أمّا عن الجذور التاريخية لظاهرة الذئاب المنفردة في التنظيمات الإرهابية الإسلامية، فيعود هذا المصطلح إلى عام 2010، حين أطلقه تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» للمرة الأولى عام 2010، ليلقي الضوء على مدى خطورة العمليات الإرهابية التي تعتمد على تحريض مجموعة من الأشخاص، على تنفيذ أعمال إرهابية بصفة منفردة. والذئاب المنفردة لدى هذا التنظيم، هم مجموعة من الأشخاص في الدول التي لا تقع تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، ويستطيع هؤلاء، بأدوات بدائية، تصنيع قنابل شديدة الانفجار وتنفيذ عمليات القتل المخيفة.

من أدبيات «تنظيم القاعدة» إلى خُطب داعش كان أول ظهور للمصطلح «الذئاب المنفردة»، موصوفاً بـ «الجهاد الفردي» الذي ظهر في أحد فصول كتاب دعوة المقاومة الإسلامية العالمية الذي كتبه آنذاك «أبو مصعب السوري»‏[3]. بعد التحديات الأمنية التي واجهها تنظيم القاعدة في إثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، «حيث منذ عمليات قطارات لندن 7 تموز/يوليو 2005، حين قام أربعة إسلاميين متشددين بالتسبب بأربعة تفجيرات انتحارية، أدت إلى مقتل 50 شخصاً وإصابة 700 آخرين، وإلى تاريخ 2016، لم تستطع القاعدة تنفيذ عمليات واسعة، والتي تعتبر من أدبيات واستراتيجيات القاعدة، حيث تسعى القاعدة دوماً إلى تنفيذ عمليات واسعة وصاخبة». وبناءً عليه سعى «أبو مصعب السوري» إلى ابتداع فكرة اللامركزية، بحيث يتحول التنظيم إلى فكرة عابرة للحدود يعتنقها ويمارس مقتضياتها من أعلن ولاءه للتنظيم، وينفذ عمليات منفردة من دون تكليف من التنظيم، في أيّ مكانٍ في العالم. ولخّص تلك الفكرة بمقولة مشهورة: «إنّ كل مسلم يجب أن يمثل جيشاً من رجلٍ واحد».

لقد كانت المجلة الإلكترونية Inspire (الإلهام) باللغة العربية، تصدر من تنظيم الجزيرة العربية واليمن، بإشراف سمير خان وأنور العولقي، وكانت تحمل توقيع «الملاحم ميديا». قدمت هذه المجلة وصفة إرهابية جديدة بعنوان «كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمِّك» لِحضّ المتعاطفين في الدول الغربية على شن هجمات منفردة في بلدانهم.

يمكن القول إنّ أسلوب داعش لم يختلف كثيراً عن أسلوب القاعدة في الاعتماد على الإرهاب المطلق؛ فالأيديولوجيا واحدة، حيث أطلّ الناطق باسم التنظيم «أبو محمد العدناني» عام 2014، في تسجيل صوتي يدعو المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا دول الائتلاف في أيّ مكان، وبأيّ وسيلةٍ متاحة، وهو أمرٌ يمكن تنفيذه من دون الرجوع إلى قيادة داعش بل من دون أن يكون هناك علاقة تنظيمية أصـلاً بين المنفذ والتنظيم.

كما استخدم زعيم تنظيم داعش «أبو بكر البغدادي» مصطلح الذئاب المنفردة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2014، عندما دعا إلى استهداف المواطنين الشيعة في السعودية، كما توعدت داعش عبر مؤسسة «دابق»‏[4] الإعلامية بحربٍ جديدة تحت عنوان «الذئاب المنفردة»‏[5].

ما من شكٍ في أنّ خطاب «العدناني»‏[6] قبل شهر رمضان 2016، هو من الخطابات التي يُستشف منها الاستراتيجية المستقبلية لداعش، ويدل بوضوح على الخطر المحدق، حيث حمل شعوراً بوطأة الخسائر التي تعرّض لها التنظيم كما أنّه بدأ يهيئ أتباعه لتقبل ما هو أكثر وطأة، عندما ألمح في خطابه إلى إمكان أن يخسر التنظيم عاصمته في سورية «الرقة» أو يخسر مدينة «سرت» الليبية، وأكمل خطابه بالتمهيد لاستراتيجية التنظيم المستقبلية، وهي «الذئاب المنفردة» حيث حثّ أنصاره على تنفيذ المزيد من الهجمات على المصالح الغربية في كل مكان، وقال حرفياً في كلمته التي عنونها بـ «يحيى من حيّ عن بيّنة»: «إنّ استهداف من يسمى المدنيين أحب إلينا وأنجع» وأضاف «لا عصمة للدماء ولا وجود للأبرياء» وأكمل بقوله: «إن لم تجدوا سلاحاً فادهسوهم بسياراتكم»‏[7].

نعم هذه هي الاستراتيجية التي سيتبعها التنظيم بعدما خسر الكثير من مناطق نفوذه في كل من سورية والعراق وليبيا حيث خسر الفلوجة المعقل المهم له في العراق وخسر منبج السورية وعلى وشك أن يخسر آخر معاقله في العراق و«العاصمة الروحية» له الموصل.

ما هي إلّا أيام معدودة حتى تعرضت أوروبا وأمريكا لهجمات غير مسبوقة نفذتها الذئاب المنفردة تحت راية تنظيم الدولة، قتـلاً بالسكاكين في فرنسا، أو دهساً في مدينة نيس الفرنسية، فضـلاً عن هجوم أورلاندو في الولايات المتحدة الأمريكية، وآخر قتلاً بالفأس في بافاريا في ألمانيا.

لقد استجيب لدعوات العدناني بسرعة وبقوة، في 12/6/2016، حين أقدم «عمر متين» وهو رجل أمريكي من أصول أفغانية، على قتل 50 شخصاً وإصابة أكثر من 53 شخصاً في هجوم بالأسلحة النارية، نفذّه الأخير على مقهى ليلي للمثليين في أورلندو في ولاية فلوريدا الأمريكية. وقد سارعت وكالة «أعماق» المرتبطة بتنظيم داعش إلى تبني عملية إطلاق النار. لكن الغريب في الأمر أنّ التحقيقات أثبتت أنّ «عمر متين» لديه ميول جنسية مثلية، وذلك سبَّب حرجاً كبيراً للتنظيم، حيث يقوم التنظيم بإعدام الأشخاص الذين لديهم ميول جنسية مثلية رمياً من أماكن مرتفعة إلى الأرض بطريقة وحشية مروِّعة. ويُعد «عمر متين» المثال الأبرز لفكرة الذئاب المنفردة، إضافة إلى كونه شاذاً جنسياً نفى والده أي صلة له بتنظيم داعش.

صحيفة ديلي تلغراف أشارت هي أيضاً إلى قيام المواطن الكندي مايكل زهاف بيبو (Michael Zehaf-Bibeau) بقتل جندي وإطلاق النار داخل البرلمان في العاصمة الكندية. وترجح الصحيفة أن يكون الهجوم رد فعل على قرار كندا المشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش. وتوضح الصحيفة أنّ الهجوم مأخوذ حرفياً من أدبيات داعش الذي يطالب أنصاره بقتل الغربيين والأمريكيين «الكفار» متى ما سنحت الفرصة‏[8].

وبحسب الخبير الألماني رولف توبهوفن «فإن الجديد في ظاهرة الذئاب المنفردة هو محاولة الإرهابيين تقمص شخصية إرهابيّي داعش ومحاولة الانتساب إلى التنظيم»، ويضيف «يعتقد منفذو العمليات المنفردة أنهم سيضخمون من قيمة عملياتهم الإرهابية إذا ما نسبوها إلى داعش»، ما يعني أن غاية الإرهابي يمكن أن تكون في هذه الحالة نشوة البطولة. ويَصدق هذا الكلام على «عمر متين» الذي قالت عنه زوجته: «لقد كان في البداية شخصاً هادئاً لكنه تغير ليصبح مضطرباً يميل إلى العنف».

ثانياً: أبرز عمليات الذئاب المنفردة في الآونة الآخيرة

في 15 نيسان/أبريل عام 2013، قام أخوان من أصل شيشاني بعملية تفجير في بوسطن الأمريكية أدت إلى مقتل 3 أشخاص وجرح 264 من المتسابقين والمشاهدين.

بعد ذلك هرب الأخوان جوهر وتامرلان تسارناييف (Dzhokhar and Tamerian Tsarnaev) وتامرلان تسارناييف، لكن الشرطة تعرفت إليهما ونشرت في 18 نيسان/أبريل صوراً لهما، الأمر الذي ساعد على مطاردتهما، حيث جرى إطلاق نار كثيف قُتل في إثره تامرلان وجُرح جوهر الذي نُقل إلى المستشفى؛ وخلال التحقيق معه اعترف بأنه آمن بأفكار إسلامية متشددة نتيجة الحربين ضد العراق وأفغانستان، ولكنه – كما قال المحققون – لم ينتم إلى أي تنظيم ولم يتلقَّ مساعدة، وأفاد أنه وأخاه قد تعلما من نشرة إلكترونية تبثها القاعدة على الإنترنت من اليمن من خلال صحيفة Inspire وتتضمن كيفية تصنیع وتجمیع العبوات المتفجرة.

وكانت الأعوام الأخيرة زاخرة بالعمليات التي رُجح بكونها صادرة عن ذئاب منفردة. ففي لندن، قام مواطنان بريطانيان، وهما مسلمان من أصل نيجيري ويحملان الجنسية البريطانية، بذبح أحد الجنود البريطانيين في أحد شوارع لندن الرئيسية.

وعلى غرار هذه الحادثة، وقعت في كندا حادثتان أخريان في نهايات شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014، حيث أقدم مواطن كندي كان يستعد للذهاب إلى سورية للقتال إلى جانب داعش، على إطلاق النار على أحد المواطنين الكنديين، ما تسبب في مقتله. وفي اليوم التالي اقتحم مواطن آخر، مسلحاً بمسدس، مبنى البرلمان الكندي، ما اضطر المسؤولين إلى إخلاء المبنى وإعلان حالة الطوارىء في الأحياء المجاورة، ضمن عملية البحث عن المواطن الكندي المسلح.

وفي الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر 2014، هاجم هارون مؤنس (رجّح البعض أنه ايراني الأصل)، مقهى لنت (Lindt) في سيدني بأستراليا. وتحت تهديد السلاح احتجز عدة رهائن من رواد المقهى إضافة إلى ثمانية من العاملين فيه. وكان المهاجم يحمل علماً أسود اللون يشبه علم داعش. وطلب التحادث هاتفياً مع توني أبوت (Tony Abbott)، رئيس وزراء أستراليا، لكن طلبه لم يستجب. وفي الساعة الثانية من صباح السادس عشر من كانون الأول، وبعد انقضاء ستة عشر ساعة على احتجاز الرهائن، حضرت الشرطة وقتلت المهاجم، بعد تبادل إطلاق النار، ولكنها تسببت أيضاً بمقتل أحد الرواد المحتجزين.

وجاءت حادثة «لنت» بعد حادثة أخرى وقعت قبل أيام في مدينة ملبورن الأسترالية، عندما طعن عبد الرحمن حيدر، وهو مسلم يقيم في المدينة، أحد رجال الشرطة الأستراليين في مخفر فكتوريا بمدينة ملبورن.

ولم تقتصر الحوادث المنسوبة إلى الذئاب المنفردة على كندا وأستراليا، بل امتدت لتصل إلى أوروبا أيضاً. ففي التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2014، حاول رجل يقود سيارة مفخخة، الدخول إلى مقرّ الحزب الحاكم في مدريد. لكن الشرطة المولجة حماية المبنى استطاعت اعتقاله وتفكيك المتفجرات في السيارة.

وفي العشرين من الشهر ذاته، هاجم مسلح بمدينة «Joué-lès-Tours» عدداً من رجال الشرطة الفرنسيين، فطعن ثلاثة منهم، قبل أن يتمكنوا من قتله. وكان الرجل يصيح طوال عملية هجومه قائلاً «الله أكبر».

وفي اليوم التالي، الواحد والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، وقع هجوم آخر في فرنسا. وكان هذه المرة من نصيب مدينة ديجون (Dijon)، عندما دهس رجل يقود شاحنة أحد عشر فرنسياً، قبل أن يقتل برصاص الشرطة. وكان الرجل يصيح طوال مهاجمته لهم قائلاً: «الله أكبر».

وفي الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر عام 2014، قام رجل آخر يقود شاحنة كبيرة، بمهاجمة حشد من المواطنين المتجمعين في سوق كبيرة في مدينة نانت (Nantes). وكانت السوق مزدحمة بالناس الساعين لشراء ما يحتاجون إليه للاحتفال بعيد الميلاد. وتمكن المهاجم من دهس عشرة فرنسيين قبل أن يحاصره رجال الشرطة. وعندما تأكد بأنهم باتوا قادرين على اعتقاله، قام بطعن نفسه. واختلف شهود العيان حول ما إذا كان الرجل يصيح أثناء هجومه بالقول «الله أكبر» أم لا. ووجّه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يومئذ، خطاباً إلى الفرنسيين، أعلن فيه أن الشرطة الفرنسية تمسك بزمام الأمور جيداً، في محاولة منه لطمأنة مواطنيه، طالباً منهم عدم الاستسلام للرعب بعد هذه الحوادث المتكررة في ثلاثة مدن فرنسية متباعدة، وخلال ثلاثة أيام متعاقبة.

ولكن عام 2015، ظل عاماً هادئاً نسبياً ومبتعداً عن وقوع حوادث تنفذها الذئاب المنفردة. إذ نفذ داعش هجوماً على متحف «باردو» في تونس. وفي 20 آذار/مارس نفذت عملية انتحارية في أحد جوامع اليمن، وفي 26 حزيران/يونيو استهدف بتفجير آخر في أحد جوامع الكويت، ثم في مدينة «سوسة» بتونس، وتفجير عنيف في «ديالا»، عاصمة إحدى المحافظات العراقية، وهجوم انتحاري آخر في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبعده بيوم أو يومين، نفذ الهجوم الكبير في باريس الذي أدى إلى مقتل 103 مواطنين فرنسيين.

ولكن عندما سكنت العلميات الانتحارية لوقت قصير، عادت الذئاب المنفردة إلى العمل.

ففي الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2015، وقع الهجوم المفاجئ على مستوصف طبي في مدينة بيرناردينو، إحدى مدن ولاية كاليفورنيا، كبرى الولايات الأمريكية. وبطبيعة الحال، كان هناك ارتباط أكيد بين توقف العمليات الخارجية لداعش إزاء اشتداد العمليات العسكرية الروسية بالتعاون مع القوات السورية ضدها، والذي عززه إعلان فرنسا انضمامها بجدية أكبر في الحرب ضد الإرهاب نتيجة للغضب الذي اجتاح البلاد في إثر العملية الكبرى التي نفذت قبل قرابة ثلاثة أسابيع في باريس‏[9].

أما في عام 2016، فقد كانت البداية من هجوم أورلاندو في 12/6/2016، الذي تحدثنا عنه سابقاً والذي نفذه عمر متين.

تلاه بشهر تقريباً في 14/7/2016، وتحديداً في العيد الوطني في فرنسا، هجوم «نيس»، حيث نفذ هجوم بمركبة في مدينة نيس الفرنسية أسفر عن مقتل 84 شخصاً وجرح أكثر من 202، وقد تبنى داعش التفجير الذي قام به شخص يدعى «محمد لحويج بوهلال» 31 عاماً. اللافت في الأمر أن شخصية «بوهلال» حيّرت المحققين الفرنسيين، حيث إن الشخص الذي وصفته داعش بأنّه «جندي الدولة الإسلامية» لم يَثبت انتماؤه إلى تنظيم الدولة بل على العكس من ذلك فقد كان يشرب الكحول ويعاني مشاكل نفسية حادة وأزمات عائلية كثيرة.

إلا أنّ مراقب الأحداث يستطيع التنبؤ بأنه نفذ تعليمات أبو محمد العدناني حرفياً، حين قام بدهس المواطنين الفرنسيين بسيارة كبيرة لأنه لم يجد سلاحاً يقتل به الناس، ليأتي تصريح وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازانوف (Bernard Cazeneuve) بعد اجتماع لخلية الحكومة ليقول: «يبدو أنه تطرف بسرعة كبيرة».

بعدها بأربعة أيام هاجم «محمد رياض» اللاجئ الأفغاني، 17 عاماً، ركاب قطار مدينة دويسبرغ (Duisburg) الألمانية في 18/7/2016، بفأس وساطور فجرح أربعة أشخاص. وأكدت الشرطة الألمانية أنها قتلت المهاجم بالرصاص أثناء محاولته الفرار من مكان الحادث. يذكر أن «محمد رياض» بث رسالة مصورة يذكر فيها «أن تنظيم داعش لن يتوقف عن الهجوم في ألمانيا إنما سيواصل هجماته على مواطني الدول الأوروبية». وعثرت الشرطة الألمانية على مذكراته التي قال فيها «إنه سيقوم بالهجوم من أجل الانتقام من الأوروبيين» وكتب أيضاً «صلِّ يا أبي.. لكي أدخل الجنة».

ثالثاً: فوائد داعش من عمليات الذئاب المنفردة

1 – يقول «أبو بكر ناجي» في كتابه إدارة التوحش الذي يعد دستوراً لداعش: «إننا والحمد لله نواجه أهل الصليب وأعوانهم من المرتدّين وجندهم، فلا مانع لدينا من إراقة دمائهم. بل نرى ذلك من أوجب الواجبات ما لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويكون الدين كله لله»‏[10].

إنّ الحالة الثقافية المتوسطة للذئب المنفرد مع تكثيف إعلامي من داعش ووكالته «أعماق» وغيرها، وجهل الذئب المنفرد بحقائق كثيرة في الإسلام، وجهله بالمفاهيم الحديثة في العصر الحالي، ومع تكثيف داعش للسموم التي تنشرها، وإحساس الذئب المنفرد أن الدين الصحيح يقتضي الانتماء إلى هذه «الدولة» ولو فكرياً كأضعف الإيمان، واقتران كل ذلك بفسحة قليلة من التطرف، يدفعه إلى القيام بعملية منفردة يشعر من خلالها أنه يقدم خدمة للدين الإسلامي ولدولته المزعومة. كل ذلك يعتبر ميزة مهمة لداعش.

2 – عودٌ على بدء، عندما يطالب داعش أعوانه بحلق لحاهم، واستخدام العطور الأوروبية والاندماج في ذلك المجتمع بطريقة لا تبعث على الشك، يجعل الأجهزة الأمنية كما لو أنها تطارد أشباحاً. نعم إنها فائدة مهمة لأن تلك الذئاب تسرح وتمرح في المجتمعات الغربية ولا يستطيع أحد أن يراقبها، ولا تستطيع أجهزة الأمن أو أجهزة مكافحة الإرهاب أن تتعقبها. لذلك فإن هؤلاء الأشخاص يمثلون التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية. ولعل تقرير المكتب الأوروبي للشرطة «Europol» في 20/7/2016، يدل على ذلك، حيث يقول التقرير: «إن هجمات الذئاب المنفردة لا تزال الاستراتيجية المفضلة لدى داعش والقاعدة»، ويضيف «في العديد من المرات دعا كلا التنظيمين المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية لارتكاب اعتدءات من مثل هذا القبيل». وقد أورد هذا التقرير إحصاءات تفيد بأنه:

«تم اعتقال 687 من المشتبه بهم في أوروبا في العام 2015، وأُدين 198 منهم بتهم تتعلق بالإرهاب والتطرف. كما كشفت الشرطة الأوروبية عن أن ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعرضت في العام الماضي لـِ 211 اعتداءً إرهابياً إما فشلت أو تمّ إحباطها أو استكملت مخططها. كما أن حصيلة 2015، كانت 151 قتيـلاً وأكثر من 360 جريحاً، وتم اعتقال 1077 شخصاً في الاتحاد الأوروبي، لجرائم تتعلق بالإرهاب، منهم 424 في فرنسا وحدها، وأن 94 بالمئة من الأفراد تمت محاكمتهم ووجدوا مدانين»‏[11]. كل ذلك دفع صحيفة ديلي تيلغراف إلى القول: «إن التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في الغرب، سيكون محاولة منع الذئاب المنفردة المتشددة من ارتكاب أعمال إرهابية».

3 – إن المقارنة بين الهجمات التي تقوم بها الذئاب المنفردة وبين الهجمات التي يخطط لها داعش تنظيمياً تظهر الفارق الكبير من حيث النتائج ولكنه قياس مع الفارق؛ فصحيح أنه لم تكن أغلب العمليات التي نفذتها الذئاب المنفردة على سبيل المثال ناجحة نجاحاً باهراً، ففي ألمانيا مثلاً أدت هجمة القطار في ولاية بافاريا الألمانية التي استخدم فيها المهاجم ساطوراً، إلى جرح أربعة أشخاص لم يكونوا من الألمان، والعملية التي نُفذت في متجر للتسوق في ميونيخ والعملية الثالثة التي قام بها أحد السوريين باستخدام الساطور أيضاً كلها ذات نتائج ضعيفة نسبياً مقارنةً  بالهجمات التي خطط لها داعش كما في هجمات «شارلي إيبدو» التي خلّفت الكثير من الضحايا، وفي هجمات باريس كذلك نهايات 2015، التي حصدت 130 شخصاً، أو في العملية الكبرى التي نفذت في بروكسل عام 2016، التي راح ضحيتها عدد لا يستهان به. كما قلنا سابقاً إنه قياساً بالفارق، أي أن بعض العمليات التي قامت بها الذئاب المنفردة أدت إلى مقتل العديد والعديد من الأشخاص الأبرياء، ومن تلك الهجمات على سبيل المثال، هجمات «أورلاندو» وهجمات فرنسا في نيس، لذلك تبقى عمليات الذئاب المنفردة هي المفضلة لدى داعش لأنها لا تحتاج إلى تخطيط متعمق ولا تحتاج إلى جهد كبير.

4 – السرعة في التطرف: إن أغلب الذئاب المنفردة تتطرف بسرعة ولا يلزم أن تكون لديها تلك القاعدة القوية لمفهوم الجهاد مسبقاً، نظراً إلى أن أغلبهم يعانون مشاكل نفسية أو أن لديهم مشاكل اجتماعية أو ميول جنسية شاذة. وفي ذلك يشير تقرير يوروبول: «إن صعوبتهم تكمن في أنهم يتطرفون بسرعة» . إنّ أقرب مثال يمكن أن نشير إليه في ذلك هو منفذ هجوم نيس حيث قال المدعي العام في باريس فرنسوا مولان (François Molins) إن عمليات التحقيق لم تثبت أن منفذ هجوم نيس على علاقة بالمنظمات الإرهابية، إلّا أنّ فحص حاسوبه الشخصي يُظهر أن لديه اهتماماً بالحركات الإسلامية المتطرفة، ليؤكد ذلك فيما بعد وزير الداخلية الفرنسية بقوله «لقد تطرف بسرعة».

5 – على النقيض من الإدارة المركزية لتنظيم داعش يلجأ مناصروه من الذئاب المنفردة إلى استخدام السلاح الأبيض أو ما شابه ذلك أو حتى السيارات وغير ذلك، فالفأس كانت في ألمانيا، والسيف كان في بلجيكا، والخنجر كان في لندن والدهس في نيس. ولكن محدودية الدخل لم تمنع الذئاب المنفردة من استخدام السلاح الناري كما حصل في ميونيخ وأورلاندو.

ما لا شك فيه أن التنظيم يحاول تدريب أنصاره من الذئاب المنفردة على استخدام الوسائل البسيطة وغير المكلفة كما أشرنا سابقاً إلى مجلة Inspire التي كانت تعلمهم كيفيّة صنع قنبلة بوسائل بسيطة متوافرة في المطابخ المنزلية، والتي اعتمدها بالفعل الأخوان تسارناييف.

6 – إن من مزايا الذئاب المنفردة هي إثارة الرعب بين المدنيين، فاستخدام وسائل قتل تبعث الرعب في قلوب المواطنين في كل أنحاء العالم، وكل ذلك يأتي من قبيل المحاكاة لأسلوب التنظيم في القتل. فاستخدام الفأس والساطور في ألمانيا، وقطع رأس الكاهن الفرنسي قرب مدينة روان (Roan) في منطقة النورماندي، كل ذلك يدل على الدعاية الإعلامية المتطورة والمؤثرة لداعش في عناصر الذئاب المنفردة.

7 – لا يقتصر التنظيم على جذب الرجال، بل يسعى جاهداً لجلب النساء أيضاً، لأن الواجب الديني – حسب مفاهيم التنظيم والذئاب المنفردة على حد سواء – لا يقتصر على الرجال. وتلك ميزة للتنظيم في غاية الأهمية. وبناء على ذلك وفي يوم الاثنين 22/8/2016، أقدمت امرأة مسلمة على طعن ثلاثة أشخاص بالسكين على متن حافلة في العاصمة البلجيكية بروكسل. لم تتضح معالم هذه الحادثة كاملة ولكنها من المرجح أن تكون عملية أخرى للذئاب المنفردة في أوروبا.

كل تلك الإحصاءات والحوادث المؤلمة تدفع بنا إلى البحث عن حلول ناجعة لهذه المشكلة العظيمة التي يمكن القول إنها لم تستشرِ بعد بصورة كبيرة، فعلينا محاولة مكافحة هذه الظاهرة وأخذها على محمل الجد. ولاعتماد أسلوب منهجي علمي في البحث عن الحلول لهذه الظاهرة، يجب أن نقوم بالبحث عن الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة، لأن تشخيص الأسباب بصورة صحيحة يجعل من إيجاد الحلول أمراً أسهل، وعليه يمكن أن نقوم بتعداد الأسباب لهذه الظاهرة:

1 – قد يستغرب البعض قولنا إن السبب المباشر والأول لظاهرة الذئاب المنفردة هو الأمراض النفسية، والاضطرابات النفسية، والسجلات الإجرامية حيث تعاني الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين ينفذون هجمات انفرادية اضطرابات نفسية واجتماعية قد تكون حب الظهور والشهرة وقد تكون نتيجة الإحباط والشعور بخيبة الأمل في نيل الحقوق. على سبيل المثال إن منفذ هجوم «نيس» قد حكم عليه بستة أشهر حبس مع وقف التنفيذ بقضية سرقة، وكان يعاقر الخمر ويرتاد الملاهي الليلية. وحتى عندما اقترب من التطرف والتأثر بأفكار تنظيم داعش الجهادية، حاول أن يصوم شهر رمضان ولكنه لم يستطع بحسب شهادات عائلته، كل تلك المشاكل والاضطرابات تدفع بهم إلى ما يسمى «الانتحار الجهادي».

وقد تكون الدوافع أيضاً فشـلاً دراسياً سابقاً، فالفشل في الحياة يولد لدى الذئب المنفرد شعوراً بالنقص وعدم تقبُّل المجتمع له، وقد يكون هذا الإحساس دافعاً للإنسان لإثبات ذاته من خلال عمليات إرهابية لها صداها الإعلامي الخاص بها.

2 – العامل الاقتصادي: على سبيل المثال إن نسبة المسلمين في بلجيكا تصل إلى ستة بالمئة، وهؤلاء يواجهون تمييزاً عنصرياً لدى بحثهم عن العمل، وحتى وإن كانوا يتقنون اللغة تماماً كباقي البلجيكيين، فهم يعاملون كأجانب. وقد بلغت نسبة العاطلين من العمل عام 2012، من المهاجرين من خارج أوروبا ثلاثة أضعاف نسبة المهاجرين من أوروبا.

3 – عدم الاندماج في المجتمعات الأوروبية: إنّه سبب مزدوج، فهو من جهة خطأ من المهاجرين المسلمين ومن جهة أخرى تقصير الحكومات الغربية في محاولة إدماج هؤلاء المهاجرين. رغم أن هذه المشاكل معروفة جيداً للحكومات الغربية إلا أنّهم يستمرون في اتباع سياسات عنصرية، وتشديد التدابير الأمنية بدلاً من البحث عن سياسة إدماج ناجحة. فقد منعت مدينة أنتويرب (Antwerp) البلجيكية عام 2009، ارتداء الحجاب في الأمكنة العامة؛ وفي عام 2011 سنّت قانوناً آخر يحظر ارتداء النقاب حظراً تاماً على الرغم من وجود 200 ألف مسلمة في بلجيكا، وكذلك فعلت فرنسا في منع الفرنسيين من ارتداء النقاب واتباعهم سياسة جديدة وهي حظر «البوركيني»‏[12]. حيث مُنعت النساء المسلمات لفترة من عام 2016، في أكثر من ثلاثين مدينة فرنسية، من ارتداء لباس البحر الخاص بهن، وسنوضح هذه القضية على نحوٍ مفصل عند البحث عن الحلول المقترحة وبوجه خاص التجربة الفرنسية.

كل ذلك يؤكده رئيس المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة «خالد حاجي» حيث يقول: «إن أسباباً اجتماعية محضة متعلقة بمشاكل الاندماج ومشاكل الانتساب إلى المجتمع الأوروبي بصفة عامة هي المسؤولة عن الانحراف الفكري، إذ يوجد بعض الأفراد لا يشعرون بالانتماء إلى المجتمع الأوروبي ويبادرون إلى الانتقام من ذواتهم ومن مجتمعاتهم».

4 – التمييز العنصري ضد الجالية المسلمة، حيث أوردت صحيفة الإندبندنت أنّ نحو ربع المسلمين البريطانيين لديهم تعاطف مع الدوافع التي تقف خلف الهجوم على مجلة شارلي إيبدو الفرنسية بينما قال نصفهم تقريباً إنهم يواجهون التمييز بسبب دينهم، بحسب استطلاع جديد.

وقد أجرى هذا الاستطلاع هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» في الفترة ما بين 26 كانون الثاني/يناير و20 شباط/فبراير 2015، سألوا ألف مسلم بريطاني حول الحياة في بريطانيا بعد سلسلة من الهجمات في أوروبا ووجدوا أربعة أخماس المشاركين، 78 بالمئة تقريباً أن نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي «محمد» عمل عدائي جداً، بينما لم يندهش 32 بالمئة من المسلمين البريطانيين من الهجوم على مكاتب «شارلي إيبدو»، إلا أن أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع قالوا إن العنف ضد الناشرين ورسامي الكاريكاتور الذين قدموا هذه الرسوم غير مبرر.

والنقطة الأهم في هذا الاستطلاع هي قبول المسلمين في بريطانيا فكرة الاندماج، حيث تحدث نحو 95 بالمئة منهم عن شعورهم بالولاء لبريطانيا واعتقادهم بضرورة الالتزام بالقوانين البريطانية‏[13].

5 – ضعف الأجهزة الأمنية في أوروبا والغرب وعىم تبادل المعلومات فيما بينها: إن ضعف الأجهزة الأمنية أدى في بعض الأوقات إلى سهولة حصول تلك العمليات الإرهابية؛ على سبيل المثال إن «محمد بوهلال» التونسي المولد المقيم في فرنسا كان معروفاً لأجهزة الأمن الفرنسية ولكنّه كان مجهولاً بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات الفرنسية، التي لم تشاركها المعلومات المتوافرة لديها عن منفذ هجوم «نيس» نظراً إلى ضعف التنسيق بين الجهازين، فالرجل أُوقف أكثر من مرة لارتكابه جرائم عادية ومنها السرقة، بل وصدر بحقه حكم بالسجن كما أسلفنا سابقاً. ولم تعلم أجهزة الاستخبارات الفرنسية بذلك، وهو ما سهل عليه تنفيذ عمليته، بل والأغرب من ذلك هو دخوله بشاحنته إلى شارع مخصص للمشاة، ليس ذلك فحسب بل ودهسه المشاة على طول الطريق بمسافة 2 كيلومتر، وهو ما يدل على ضعف آخر للأجهزة الأمنية الفرنسية، التي كان من المفترض أن تحول دون دخول شاحنة كبيرة إلى شارع مخصص للمشاة، وكل ذلك يتم في العيد الوطني الفرنسي، الذي ينبغي أن تكون الحراسة فيه مشددة أكثر من الأحوال العادية.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى «صلاح عبد السلام» المغربي الذي تنقَّل بحرية بين فرنسا وبلجيكا ليخطط وينفذ هجمات باريس 15 تشرين الثاني/نوفمبر، ومن ثم يخطط وينفذ عملية أخرى في بروكسل وتحديداً في مطار بروكسل في آذار/مارس 2016، أي بعد قرابة أربعة أشهر من التحقيقات غير المجدية، فلو تم اكتشافه من قبل، كان من الممكن تفادي أحداث بروكسل.

6 – صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والخطاب العنصري الذي تنادي به: تسبب تدفق اللاجئين غير المسبوق إلى القارة الأوروبية إلى صعود واضح لنجم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وتشير النتائج الانتخابية في أكثر من دولة أوروبية إلى صعود اليمين المتطرف في كل من سويسرا وفرنسا والنمسا وهولندا. ففي سويسرا حقق اليمين فوزاً كبيراً، وأصبح حزب يميني آخر شريكاً في الائتلاف الحاكم في الدنمارك. وفي ألمانيا صاحبة الحصة الكبرى في أعداد اللاجئين ذات الأغلبية المسلمة، تنشط حركة بيغيدا (PEGIDA) التي ترفع شعار معاداة الإسلام والمسلمين والأجانب، وتحرق مخيمات اللاجئين وترمي القنابل اليدوية على مساكنهم، كل ذلك قد يكون دافعاً إلى قيام هؤلاء اللاجئين بردود فعل معاكسة قد تتجاوز الحد المألوف لتتجه وتصبح عمليات «للذئاب المنفردة» التي تشعر بالظلم والاضطهاد.

7 – تقول صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية: «إنّ الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي في «الرقة» تهدف لكسر عزيمتهم. وأنّ المدينة تُعد هدفاً رمزياً، وضربها يستهدف معنويات أفراد التنظيم».

أما رأينا في ذلك: إنّ الضربات الجوية غير قادرة على شل حركة التنظيم أو إنهائه. إن المشكلة في سورية والعراق أكبر من مجرد شن ضربات جوية، وإن كانت تلك الضربات قد قتلت العديد من القيادات المهمة لداعش، إلا أنّ لها تأثيراً سلبياً آخر يخص موضوعنا عندما يتم قصف مبانٍ سكنية تخص المدنيين وحدهم في تلك المناطق.

وبما أنني من مدينة الرقة السورية، ولم أغادرها حتى أواخر 2014، سأضرب مثالاً واحداً فقط يوضح الخطر المحدق والأثر السلبي للضربات الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. فبعد أحداث باريس عام 2015، قامت عشرات الطائرات من القوة الجوية الفرنسية، وتحديداً في تاريخ 16/11/2015، بقصف مدينة الرقة السورية – شرق سورية – بثلاثين غارة جوية أغلبها استهدف الحي الذي كنت أقطنه والذي كانت عائلتي تقطنه أثناء الغارات وهو حي «الرميلة»، قُتل في هذا القصف الجوي أكثر من عشرين شخصاً، 11 منهم أطفال دون الـ 15 من العمر. كانت الهجمات انتقامية أكثر منها استهدافاً لداعش. إن المواطنين الموجودين في مناطق نفوذ داعش أغلبهم من بيئة ريفية بعيدة كل البعد عن أيديولوجية التنظيم، بل إنهم يعيشون في سجن كبير. وعلى هذا يظهر الأثر السلبي الذي تحدثت عنه، وهو أن تلك المناطق هي عبارة عن قنابل موقوتة يجب الحذر عند التعامل معها، فيجب أن يكون التحالف أكثر دقةً عند استهدافه داعش، وذلك أضعف الإيمان إن لم يكونوا «أو لم يريدوا» أن يحلو المعضلة السورية ككل.

تعالت أصوات المواطنين في ذلك اليوم لتقول «إنهم يقتلون أطفالنا وليس داعش»، «مالنا ومال داعش»، «إنّ الفرنسيين يقّسمون الناس إلى طبقتين، طبقة مواطنيهم الذين يحق لهم الحياة والذين يجب ألّا يصابوا بأي أذى، وطبقة أخرى هي السوريين الذين لا يعتبرون بشراً بالنسبة إليهم»، يقول رجل مسن في ذلك الحي: «ليعتبروننا حيوانات ويدافعوا عن حقوقنا، وليس كل الحقوق، فقط حق الحياة».

كل تلك الجمل قِيلت من أناس عانوا الأمَرين في ظل هذا التنظيم القاتل، لذلك يجب الحذر لأنهم قنابل موقوتة بل مشاريع ذئاب منفردة إن لم يتم التعامل معهم بصورة أدق.

8 – هناك سبب تاريخي قد يتعلق بفرنسا فقط، وهو الاستعمار الفرنسي للبلدان العربية، وخصوصاً دول شمال أفريقيا، الذي كان استعماراً جشعاً سعى لضم الأراضي ولاجتذاب أياد عاملة رخيصة. وشعور هؤلاء الأشخاص الذين كانوا خلال الاستعمار وأبنائهم وأحفادهم بأنهم لا ينتمون إلى هذا المجتمع الذي قتل آباءهم وأجدادهم وشردهم وقمع ثوراتهم بوحشية.

9 – يجب ألّا نلقي باللوم على أسباب غير مباشرة لنقوم بتغطية وإخفاء المشكلة الأساسية في كل ذلك، وهي النصوص الدينية والتفسير الخاطئ المتشدد لهذه النصوص. ونحن في سردنا تلك النصوص لسنا في صدد إصدار أحكام وآراء حول هذه النصوص، بل سنوردها كما هي:

كما نعلم أن المشرّع الإسلامي لم يُشرّع الجهاد في الإسلام إلا لسببين الأول الدفاع عن الدولة الإسلامية وحمايتها؛ والثاني، الدفاع عن حرية الاعتقاد ورد العدوان.

على سبيل المثال لم تذكر كلمة «السيف» في القرآن ولو لمرة واحدة، ليأتي المفسرون المتشددون ويطلقوا اسم «السيف» على سورة التوبة الآمرة بقتال الناس عموماً، ناسخين بها كل آيات الصفح والعفو والتعايش الواردة في القرآن.

لم يبدأ النبي بقتالٍ، في جميع غزواته بل إن سبب غزوة «خيبر» هو ورود الأخبار إلى النبي أنّ اليهود يخططون لقتاله. وكما لم يُجبر الإسلام أحداً على الدخول في الإسلام، إنما استمر المسلمون والمسيحيون بالتعايش معاً. وفي ذلك يقول «أبو إسحاق الحويني» وهو من كبار مشايخ السلفية الدعوية المعاصرين: «لم أعلم من أحد قُتل في تاريخ الإسلام لمجرد أنه كافر».

لقد ورد في أوائل كتاب التيمم من الصحيح عن الرسول قوله: «أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصَل، وأُحلت لي المغانم ولم تُحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة».

ولقد وردت أحاديث تدل على العنف صراحة، ففي كتاب البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب «ما قيل في الرمح» أن الرسول قال: «بُعثت بين يدي الساعة مع السيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم».

وقوله «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألّا إله إلا الله»، ولعل من الفتاوى الشنيعة التي تقشعر لها الأبدان ويعتمدها داعش دستوراً له قول «ابن تيمية» بالطائفة العلوية، فيجيب على سؤال السائل فيقول: «الحمد لله رب العالمين هؤلاء القوم المسمّون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية، أكفر من اليهود والنصارى بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد (ﷺ) أعظم من ضرر كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيّع وموالاة أهل البيت، وهم في حقيقة الأمر لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار»‏[14].

وكما سئل عن الطائفة الدرزية فقال: «هؤلاء الدرزية كفار باتفاق المسلمين، لا يحل أكل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، بل ولا يقرّون بالجزية فإنّهم مرتدون عن الإسلام وليسوا مسلمين، ولا يهود، ولا نصارى ولا يقرّون بوجوب الصلوات الخمس، ولا وجوب صوم رمضان ولا وجوب الحج».

بل ويمتد مسلسل التكفير والحض على القتل والإرهاب ليشمل الإخوة في العقيدة، والمجموعات الإرهابية ذات الفكر الواحد، فتكفِّر جبهة النصرة داعش، ويكفر داعش جبهة النصرة وتدعو إلى قتلهم. حيث أعلن أبو مجاهد المصري، وهو أحد شرعيي جبهة النصرة: «أن داعش أعظم مصيبة ابتليت بها الشام وأهلها، هم الخوارج» موضحاً «إن هؤلاء القوم (داعش)، حذر منهم النبي وأمر بقتلهم».

في المقابل قال أبو محمد العدناني الناطق باسم داعش في كلمة صوتية بتاريخ 22/5/2016: «لا عصمة للدماء ولا وجود لما يسمى الأبرياء» ووصف جبهة النصرة ليقول عنها: «إنها جبهة الردة الخاسرة» وكما هاجم الدعاة وعلماء المسلمين ليقول عنهم: «حمير العلم، علماء السوء والدولار، وهيئة السحرة الكبار».

وحقيقة كل ما سبق: من الناحية الأيديولوجية، فإن العقيدة واحدة لكل من داعش وجبهة النصرة ومعظم التنظيمات الإسلامية المتشددة العاملة في سورية، أمّا الخلاف فيما بينهم، فهو صراع على السلطة والنفوذ ولا دخل للعقيدة في ذلك.

إنّ هذه الجماعات المتشددة تستند في جرائمها إلى الأحاديث الضعيفة وأحاديث الآحاد المروية عن الرسول، كما تستند إلى فتاوى أشخاص لهم ضغائن معينة متناسين في كل ذلك كل النصوص الإسلامية الصحيحة التي تدعو إلى المحبة والتسامح، ومنه قول الرسول لمعاذ «لا تقاتل أعداءك حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم رجـلاً، فإن قتلوا منكم رجـلاً، فلا تقاتلهم حتى تريهم القتيل وتقول هل إلى خيرٍ من ذلك؟ فلئن يهدي الله بك رجـلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس».

وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾‏[15].

وحديث أنس عن الرسول قال: «انطلقوا باسم الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفـلاً صغيراً ولا امرأة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»‏[16]، وكما أوصاهم ألّا يقطعوا شجرة، ويحسنوا إلى الحيوانات.

رابعاً: الحلول المقترحة لمشكلة الذئاب المنفردة

سنقوم بسرد بسيط لمجموعة من المقترحات والحلول، أما القسم الأهم وهو تجارب الدول في معالجة مشكلة التطرف.

إن داعش وتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى المتشددة لا تقتصر على مجرد تكوينات، وتنظيمات فاعلة على الأرض، بل لديها فكر متجذر ومتأصل، فمحاربة الشق العملياتي ومكافحة الإرهاب بوسائل عسكرية فقط، غير كافٍ وغير مُجدٍ، بل لا بد من مكافحة ذلك الفكر التكفيري الإرهابي، والفكر لا يحاربه ولا يحد منه إلا الفكر المضاد، فعلينا ألّا نكون اختزاليين في الطرح، وعليه نقترح:

1 – من أهم الحلول المقترحة أولاً وقبل أي شيء، إيجاد حلول سياسية في كل من العراق وسورية، ومساعدة هذه الدول على التخلص من الإرهاب الذي هدم الإنسان قبل العمران، وعدم العبث بهذه البلدان وترك الحرية للشعوب لتقرير مصيرها. فبقاء منابر داعش والقاعدة في سورية والعراق على هذه الشاكلة، لن يحل الأزمة العالمية أبداً. هذه المنظمات تبث سمومها وتغري الذئاب المنفردة للقيام بالأعمال الإرهابية، وعليه يجب اقتلاعها من جذورها.

2 – الكف عن تأجيج الصراع المذهبي بين الدولتين الإقليميتين واللتين لهما التأثير الأساسي في القضايا الإسلامية (السعودية وإيران) والسعي لإيجاد قنوات تواصل وتقريب بين المذاهب الإسلامية والانتقال من مرحلة التنافر إلى مرحلة التوافق والتكامل، ليُفسح في المجال للإسلام المعتدل بأن يقود العالم الإسلامي.

3 – إقامة مراكز إسلامية متسامحة ومعتدلة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وحتى في الدول العربية، ليكون صوتها أعلى وتأثيرها أكبر في الأوساط الإسلامية الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة وإقامة لقاءات دورية مع العناصر الفاعلة في حكومات تلك البلدان لإيصال المشكلات والعقبات التي تواجه هذه المراكز.

4 – الاحترام المتبادل لثقافات الآخرين وأديانهم، فكما أن المسلم مطالب باحترام الثقافة العلمانية والديمقراطية للدول الغربية، فإن الدول الغربية والشارع الغربي مطالبة باحترام الثقافة الإسلامية وعدم المساس بالرموز المقدسة الخاصة بالمسلمين وغيرهم.

5 – السعي لإدماج اللاجئين المسلمين وغير المسلمين في المجتمعات التي فروا إليها، وإقامة دورات تأهيلية للاندماج الكامل والسعي للحد من الشعور بعدم الانتماء لهذه المجتمعات.

6 – جمع آراء إسلامية معتدلة من سائر الأقطار الإسلامية، تحض المسلمين على التسامح والتحابب والتعايش مع مجتمعاتهم ونشرها على نطاق واسع.

7 – حذف النصوص الدينية المغلوطة أو ذات التفاسير المتشددة الخاطئة، الداعية للقتل والكراهية من المناهج التي يتم تدريسها في البلدان الإسلامية، كما فعلت الحكومتان التونسية والمصرية. والبحث عن النصوص الإسلامية الكثيرة الداعية إلى التعايش والتسامح واحترام الإنسان لمجرد أنه إنسان بغض النظر عن دينه ولونه.

8 – الحؤول دون انتشار الكتب الضلالية والفتاوى التكفيرية التي تعتمدها تلك التنظيمات لنشر سمومها.

9 – حظر المواقع الإلكترونية للتنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى تجنيد الأشخاص، والمواقع التي تدعو إلى القتل وبث الكراهية.

10 – تقوية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والتنسيق فيما بينها للكشف المبكر عن العمليات المنفردة وغيرها، لحماية المجتمعات، وكل ذلك ضمن مبادئ احترام الحرية الشخصية وعدم إيذاء الآخرين.

11 – مراقبة السجون ومحاولة عزل العناصر التي تسعى إلى جعل السجون منابر لبث الأفكار الإرهابية، ووضع الأشخاص الخطِرين في أماكن خاصة لمنعهم من الدعوة إلى الأفكار الضلالية.

إن الحلول الممكنة لا يمكن حصرها، ولكننا قمنا بتعداد سريع لهذه الحلول، وأما عند الرجوع إلى الواقع فلا بد لنا من دراسة تجارب قامت بها الدول للحد من ظاهرة الإرهاب ككل وظاهرة الذئاب المنفردة خاصة، وسعيها لدمج المسلمين في مجتمعاتهم.

ففي فرنسا تعتبر التجربة الفرنسية من أسوء التجارب، وخير دليل على ذلك هو الجدل الذي دار في فرنسا حول «البوركيني» وهو اللباس الإسلامي الذي ترتديه النساء المسلمات للسباحة، حيث قررت نحو ثلاثين بلدية في فرنسا حظر «البوركيني» وحظر دخول المسابح العامة والشواطئ لكل شخص لا يرتدي لباساً يحترم العلمانية الفرنسية. ودافع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس (Manuel Valls) عن هذا القرار في أكثر من مناسبة، قائلاً: «إنه لباس مستفز، وإن رؤساء البلديات الذين حاولوا منع ارتدائه كانوا في الواقع يحاربون من أجل الحرية».

ولم يكتفوا بالحظر، ولكن قرروا فرض غرامة مالية على كل مسلمة ترتدي «البوركيني» في الأماكن العامة والشواطئ، وفي أكثر من حادثة أجبرت الشرطة الفرنسية بعض النساء المسلمات على خلع «البوركيني» أمام حشود كثيرة من الناس.

على الرغم من إصدار القضاء الفرنسي قراراً باعتبار قرار الحظر غير قانوني، إلا أن المنع الذي حدث وتصرفات الشرطة الفرنسية ودفاع رئيس الوزراء عن القرار، يوضح بدقة فشل الفرنسيين في دمج المسلمين في مجتمعاتهم.

يُذكر أن صحيفة نيويورك تايمز عنونت في صفحتها الأولى «الحرب اليومية للنساء المسلمات في أوروبا»، وهو عبارة عن شهادة نساء مسلمات أغلبهن من فرنسا وبلجيكا، يروين المعاناة اليومية لهن بسبب دينهن ولباسهن الإسلامي.

تقول شارلوت مونييه (Charlotte Monnier): «إنهم يشتمونني يومياً في المترو، ووسائل النقل العومية، وفي المدرسة، على الرغم من أنني لم أُؤذِ أحداً في حياتي. أنا فقط مسلمة، وأخشى من أن يأتي اليوم الذي أحتاج فيه إلى ارتداء هلال أصفر، أضعه على ملابسي، مثلما كان اليهود مجبرين على وضع نجمة داوود أيام النازية، منذ وقت ليس ببعيد».

وتسرد الصحيفة شهادة أخرى للسيدة سامية أشرف (Samia Ashraf) تقول: «أنا إمرأة فرنسية مسلمة أعيش في لندن مثل باقي النساء الفرنسيات، وأنا سياسية في الحكومة المحلية في لندن، وأرتدي الحجاب، أما لو كنت ألبس حجابي في فرنسا لكان يجب علي أن أنسى العمل كلياً» ‏[17].

وجدير بالذكر أن هذا المقال أثار حفيظة السيد فالس، وقال عنه إنه لا يُحتمل.

لا يقتصر الفشل الفرنسي على منع «البوركيني» بل تعدّاه إلى إغلاق العديد من المساجد بحجة دعمها الأفكار الإرهابية، وحظر الحجاب في الأمكنة العامة، والرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرموز الإسلامية، وما إلى ذلك من التصرفات التي قامت بها الحكومة الفرنسية متذرعةً بالعلمانية الفرنسية، تلك العلمانية التي تفرض على الناس طريقة لباس معينة، وتفرض عليهم طريقة تفكير معينة، وديناً معيناً، كل ذلك يجعل من تلك العلمانية الفرنسية محل شك.

في بريطانيا عام 2015، وضعت الحكومة البريطانية استراتيجية من أربع ركائز لمواجهة التطرف، من بينها محاربة الأيديولوجيا بأيديولوجيا أخرى مضادة وأكثر جاذبية.

يرى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق دايفيد كاميرون، أن القيم «الليبرالية» البريطانية وقيم الحرية، سواء حرية المعتقد أو الرأي، والتعبير والمساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان والتعددية، هي أفضل سلاح ضد التطرف وضد تجربة تنظيم داعش.

إلى جانب هذه الأفكار، اقترح كاميرون برنامجاً لإعادة تأهيل المتطرفين والتصدي للأفراد والتنظيمات الداعية إلى الكراهية. ويظل الركن الأساسي في استراتيجية كاميرون هو الاندماج، ليس اندماج المسلمين فقط بل الأقليات عموماً، ولا تقدم الحكومة البريطانية حـلاً لهذه المشكلة بإعادة توزيع السكان «مناطقياً» فهذا مستحيل عملياً، بل تبحث عن بدائل أخرى من قبيل تقليص البطالة، ورفع مستويات المعيشة وإيجاد فرص عمل ومساعدة النساء وكبار السن على تعلم اللغة الإنكليزية.

من جانبٍ آخر: فاز صديق خان (Sadiq Khan) بمنصب رئيس بلدية لندن ليكون أول مسلم يرأس بلدية عاصمة أوروبية، وهو المسلم المنحدر من أسرة بسيطة كان أبوه يعمل سائق حافلات.

وفي أحدث الإجراءات المتخذة لمكافحة الإرهاب في بريطانيا قالت وزيرة العدل في الحكومة الجديدة ليز تروس (Liz Truss) إن المتطرفين الذين يسعون إلى تسميم عقول الآخرين سوف يودعون في وحدات خاصة داخل إنكلترا وويلز، وكذلك تمّ إعداد خطة للتخلص من الكتب التي تروِّج الفكر المتطرف الموجودة في السجون.

كما قامت مجموعة من السيدات البريطانيات مع سيدات مسلمات، يصل عددهن إلى ثلاثة آلاف امرأة بتنظيم تظاهرة احتجاجية أمام السفارة الفرنسية في لندن، احتجاجاً على قرار منع «البوركيني» في 25/8/2016.

في كندا دخل رئيس الوزراء الكندي الحالي جاستن ترودو (Justin Trudeau) إلى مسجد للمسلمين في شهر رمضان وصلى معهم، وتحدث إليهم، بل ولبس الرداء الإسلامي وقال لهم: «إن القيم الرمضانية هي قيم كندية أيضاً، وتكافح كندا لمحاربة العنصرية والطائفية».

وعندما قامت مجموعة مجهولة بحرق مسجد للمسلمين، أدان ترودو هذا الفعل وتعهد بإلقاء القبض على الفاعلين، وبالفعل تم إلقاء القبض عليهم، وكما فتحت الكنائس الكندية أبوابها للمسلمين الذين حُرق مسجدهم، لإقامة الصلاة هناك، بل وراحت الكنائس تسهم بجمع التبرعات لإعادة ترميم المسجد.

كما أعلنت الحكومة الكندية في 21/8/2016، أن شرطة الخيالة الملكية الكندية سمحت لعناصرها من النساء، بارتداء الحجاب كجزء من تشجيع النساء المسلمات على الانخراط في صفوف الشرطة.

أخيراً، إن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على القضاء على داعش كتنظيم، بل تقتضي اتخاذ إجراءات جدية لمحاربة الأيديولوجيا ككل ومحاولة دمج المسلمين في أنحاء الأرض، للتخلص من الدوافع التي قد تدفعهم إلى القيام بأعمال إرهابية أو هجمات ذئاب منفردة والتخلص من هذا الخطر المحدق الذي ستلجأ إليه داعش عند هزيمتها في سورية والعراق.