المؤلف: عبد المجيد لطفي العيلة

مراجعة: أشرف المبيض(**)

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات: 352 ص

ISBN:  9789953827483

 

– 1 –

شهدت المنطقة العربية في العقد الأخير حراكاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً نشطاً يدعو إلى ثقافة مواجهة الإرهاب والتطرف عبر ندوات ومؤتمرات ولقاءات وبرامج توعوية وأنشطة؛ للحيلولة دون تمكين المنظمات الإرهابية من ضرب مصالح بلدان المنطقة، وعدم جر الشباب إلى الفكر المتطرف ونشره. لكن كانت النتيجة أن ازدادت وتيرة الإرهاب في المجتمعات العربية حتى وصل إلى تقسيم البعض منها. ما يهمنا هنا هو أن إسرائيل استغلت الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب لربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب والتطرف سواء بأسلوب العنف أو اللاعنف؛ وذلك لشرعنة استهدافها حركات المقاومة ورموزها.

لذا فإن أي عملية تثقيف تناط بالمقاومة هي سلاح ذو حدين أمام حركات التحرر والمقاومة؛ الأول يتعلق بأن المستهدف هو شعب محتل أعزل لا يملك وسائل العنف في ظل عدم تكافؤ القوى لمصلحة الاحتلال ما يجعله أكثر فعالية ومشاركة وتحدياً بالوسائل اللاعنفية لمواجهة هذا الاحتلال. وهذا ما أثبتته تجربة النضال الفلسطيني في انتفاضة 1987 التي غلب عليها الطابع المدني. وبالتالي فإن هذه الحركات تمتلك أدوات المقاومة المدنية التي تعتمد على القوى الاجتماعية كخيار قوي مع تجميد خيار المقاومة المسلحة لا إلغائه؛ فهذه ضمانة حقيقة وبخاصة أن تلك المقاومة متاحة وممكنة ويبقى تفعيلها ووضعها في مسارها الصحيح، بمعنى توظيفها من خلال عملية توعوية.

أما الثاني فهو أن الحركات السياسية قائدة المشروع الوطني – والتي هي جزء من المجتمع رغم تباين مواقفها تجاه المقاومة – تفتقر إلى برنامج وطني جامع وواضح يحدد شكل النظام والحدود التي سيستقر عليها المجتمع لإكساب مقاومته وإعطائها زخماً بدلاً من السير في نفق مظلم، وبالتالي فإن وجود هذا الهدف الاستراتيجي يكسبها ثقة في سلوكها أو دورها لتنمية ثقافة المقاومة لدى الجمهور. والجدير بالذكر أن المقاومة المدنية إحدى صور المقاومة تشكل نقطة التقاء لا خلاف بين الحركات الفلسطينية، بينما المسلحة في ظل المتغيرات العربية والدولية مجحفة رغم أنها مكفولة من قبل الشرائع الدولية.

– 2 –

يتضح للوهلة الأولى بقراءة متأنية لعنوان دراسة الباحث عبد المجيد العيلة الموسومة بـ «الدور التربوي للحركات السياسية في تنمية ثقافة المقاومة في المجتمع الفلسطيني»، أن أهم ما ورد في سياقه كلمة تنمية، يعني أن أدوات التثقيف بالمقاومة موجودة فعلياً، وهو ما يؤكد أيضاً أن المشكلة تكمن في تفعيلها وتطويرها من قبل الحركات السياسية عبر تسليط الضوء على سلوكها التربوي من أنشطة وبرامج وفعاليات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية. ويتولد من هذه المشكلة، مشكلة أخرى تتمثل بقدرة هذه الحركات بما تحمله من تناقضات فكرية وأيديولوجية ومجتمعية في القيام بمهامها التربوية حتى ولو في حدها الأدنى تجاه مجتمع وجمهور أنهكته شتى صنوف ممارسات وجرائم الاحتلال اليومية. بل تساوره شكوك وإحباط نتيجة عدم فعالية عملية كفاح ونضال طويلة في سبيل نيل حقوقه وحريته. لذا فإن الإجابة عن هذه المشكلة تتضح من خلال قياس ردود فعل هذا المجتمع على الدور التربوي في تنمية ثقافته من جانب هذه الحركات. وهنا يتطرق الباحث في عملية معقدة بإسهاب إلى تفصيلات هذه المشكلة ويضع تصورات وحلولاً لها.

أبدع الباحث في انتقاء موضوع الدراسة الذي تكاد تخلو معظم المكتبات العلمية منه، أو نادراً ما تجد بحوثاً ودراسات تتناول سلوكيات مجتمعية تحتاج إلى منهجية معقدة في المعالجة، وإن كانت هناك دراسات أخرى فهي جزئية وليست شاملة، بمعنى أنها تستهدف قوى مجتمعية بعينها. فالعرض بدأ من فحص قدرات الحركات السياسية في أداء دورها التربوي بتوعية الجمهور بالقضايا الوطنية عبر البرامج والأنشطة المختلفة، وانعكاس ذلك على الجمهور نفسه، وانتقل إلى قياس معرفة الجمهور بخيارات وصور المقاومة من خلال ما نهجته الحركات السياسية ومدى استجابة الجمهور لذلك، وانتهى الباحث بفحص قدرات الحركات السياسية في استمالة الجمهور أو أفراد المجتمع نحو ثقافة المقاومة أياً كانت صورها مسلحة أو سلمية، مع إمكان المشاركة فيها، مبيناً مجموعة من المعوقات تتصل بالسياق الاجتماعي تارة وقصور واضح في أداء الدور التربوي لهذه الحركات نتيجة التباين الفكري والأيديولوجي تارة أخرى.

– 3 –

عزز الباحث دراسته بخطوات ميدانية عندما أخضع مجتمع الدراسة بقسميه لعيِّنة تعبِّر عن مسؤولي الحركات السياسية؛ وعيِّنة تعبِّر عن جميع أبناء المجتمع الفلسطيني وذلك لمعرفة مدى توافر الوعي بثقافة المقاومة بأبعاده الثلاثة (معرفياً ووجدانياً وسلوكياً) عند أفراد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وأيضاً لمعرفة تصورات الحركات السياسية لثقافة المقاومة، وأوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، فضـلاً عن معرفة مدى إعاقة الوسائط التربوية لتنمية ثقافة المقاومة عند أفراد المجتمع الفلسطيني في غزة، وأخيراً معرفة الصعاب أو العوائق التي تحول دون تأدية الحركات السياسية دورها التربوي في تنمية ثقافة المقاومة.

وفي عرضه المفصل للنتائج التي توصل إليها الباحث من خلال تطبيق أدوات الدراسة مثل مقياس الوعي، واستمارة القابلة، ومقياس الإعاقة، بالإضافة إلى تفسير ومناقشة النتائج، مستخدماً اختبار T للعينة الواحدة، وقام بحساب المتوسطات والوزن النسبي والمستوى لكل مجال من مجالات مقياس المعوقات، وظهر في النتائج أن المعوقات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية احتلت المرتبة الأولى ودرجة مرتفعة في الإعاقة، يليها النظام السياسي الذي حصل على المرتبة الثانية في الإعاقة، ثم المدرسة فالنقابات والجامعات والأسرة والحركات السياسية ووسائل الإعلام والأصدقاء وانتهى بالمسجد، دعم كل نتيجة بدراسات أخرى سابقة تؤكد النتيجة أو تختلف عنها مع شرح أسباب ذلك.

استخدم الباحث منهجاً مناسباً لمشكلة الدراسة وهو منهج الإثنوغرافيا للدراسات الاجتماعية والذي يختص بوصف ثقافات الشعوب من عادات وتقاليد تسلكها، فسؤال البحث الإثنوغرافي الدائم هو ما ثقافة هؤلاء الناس؟ وهل يفترض أن أي مجموعة من الناس تعيش مع بعضها لفترة زمنية معينة ستكون ثقافة معينة خاصة بها؟ وما انعكاسات هذه الثقافة على تشكيل سلوكهم، وممارساتهم الحياتية، إلى الواقع الاجتماعي والثقافي الذي يعيشون فيه؟ وبهذا المنهج أجاب الباحث عن التساؤل الرئيسي للدراسة وكذلك التساؤلات الفرعية، وبما أن المنهج الإثنوغرافي يعتمد في جمع بياناته أساساً على الملاحظة والمقابلة المفتوحة مع عينة الدراسة فإن الباحث تفاعل مع المبحوثين بما أنه من سكان عيِّنة الدراسة.

يؤخذ على الباحث من ناحية منهجية أن عيِّنة دراسته اقتصرت على غزة التي تعيش ظروفاً جغرافية وثقافية وسياسية واقتصادية مختلفة وعدم امتدادها للضفة والقدس، وبخاصة أن المشكلة البحثية تحمل في عنوانها المجتمع الفلسطيني وليس مجتمع غزة في فلسطين، ففي ص 48 وضع الباحث حدوداً مكانية (سكان غزة) وبشرية (أفراد مجتمع غزة وقيادة الحركات محل عينة الدراسة) وموضوعية (أنشطة وبرامج أربع حركات فلسطينية). وإذا كانت هناك صعوبات نتيجة الانقسام الجغرافي تحول دون تمكين الباحث من أخذ عينات للدراسة في الضفة فكان بإمكانه الاستعانة بدراسات سابقة في هذا الموضوع والبناء عليها، وبإمكانه أيضاً الاستعانة بمؤسسات أو باحثين لتوزيع الاستمارة أو المقابلة لقياس الدور التربوي للحركات الفلسطينية وقدراتها في تنمية ثقافة المقاومة.

ما يدعم هذا الرأي أن حركات فتح وحماس والجهاد الإسلامي ومنظمة الجبهة الشعبية كل منهم يعبر عن فصيل واحد سواء بالضفة أو غزة، وينتهج السلوك التربوي نفسه للقيام بمهامه لتنمية ثقافة المقاومة لدى المجتمع، بمعنى أن المقابلة التي أجراها الباحث مع ممثلي الحركات السياسية بغزة يمكن القياس عليها بالضفة والقدس طالما أن كل واحد منهم يعبر عن الفصيل نفسه، والأهم من ذلك أن الباحث رصد انعكاس الدور التربوي للحركات على معظم القوى الاجتماعية من طلاب وجامعات ونقابات وجمعيات أهلية. لذا فإن إجراء دراسة شاملة للضفة والقدس وغزة تعطي زخماً أكثر لموضوعها مع بيان الفروقات في العيِّنة المستهدفة (المجتمع) مهما كان حجمها في عملية التثقيف، ووضع آليات وتصورات لتنميتها وتفعيلها ويتجاوز عقدة الانقسام السياسي بدلاً من الوقوف عندها.

يبدو أن الباحث في دراسته ينتمي إلى مدرسة التحليل الراديكالي الثوري، وقد كان هذا بارزاً في تفاصيل دراسته لعدة أسباب أهمها:

1 – تأثر الباحث بالسلوك التربوي المفاهيمي والمعطيات من قبل حركة حماس، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي اللتين تركزان على الفعل المقاوم العنفي.

2 – تركيز الباحث على الكفاح المسلح ونتائجه والتقليل من شأن المقاومة اللاعنفية وأدواتها، في حين أن هناك لجاناً لفك الحصار عن غزة ونشطاء المقاطعة الذين حققوا نجاحاً في الأرض سواء في الناحية الأكاديمية أو الاقتصادية، وهناك أيضاً حراك شبابي ينظم مسيرات وتظاهرات سلمية على الحدود الشرقية لغزة.

3 – تأثر الباحث بالاعتداءات الإسرائيلية على غزة أعوام 2008 و2012 و2014، وقد بدا ذلك واضحاً بتناولها عدة مرات في متن الدراسة، وبدا أيضاً من المؤيدين والمطالبين من أفراد المجتمع برد عنيف على هذه الاعتداءات، وللأسف فإن اختيار آلية ردع ولجم لهذه الاعتداءات بالوسائل العنفية ستكون عواقبها وخيمة على سكان غزة في ظل عدم توازن للقوى، وردة فعل الباحث جاءت منطقية بسبب شدة الاعتداءات ولكن جرت العادة أن تكون ردة الفعل لحظية، تنتهي بانتهاء الحدث، ويجري بعدها تقدير الموقف والبحث عن بدائل تكون نتائجها مقبولة في ظل إمكانات بسيطة.

4 – لم يول الباحث الاهتمام بأدوات المقاومة المدنية مثل التظاهرات والاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني ولا سيّما أن معظم الأنشطة والبرامج التي تسلكها الحركات السياسية لتنمية ثقافة المجتمع تكون في أساسها مدنية لا عنفية.

– 4 –

لقد نجحت الدراسة في تقديم عرض وحصر مفصل لمعظم النشاطات والبرامج التوعوية التي تضمنتها الأدبيات بخصوص ثقافة المقاومة لدى المجتمع الفلسطيني، والدور التربوي للحركات السياسية في تنمية هذا المفهوم فكراً وممارسة، وأجرت تحليـلاً إحصائياً لمقياس الوعي والمعوقات لمعرفة مدى قبول أفراد المجتمع بعملية التثقيف، كذلك كشفت الدراسة عن نيات هذه الحركات من خلال إجراء مقابلات مع ممثليها لفحص مدى صدقيتها ما بين الحفاظ على الشأن الحزبي أم أنه يخدم المصلحة الوطنية، وبالتالي فإن الدراسة أجابت عن التساؤلات التي وضعتها وأرادت من خلالها إبراز معوقات عملية تنمية ثقافة المقاومة من خلال الدور التربوي للحركات السياسية في فلسطين بعد اتفاقية أوسلو؛ لمواجهة التحديات التي تواجه المجتمع الفلسطيني، وبينت أهميتها في مساعدة صنّاع القرار السياسي لمعرفة الموقف الشعبي تجاه المقاومة، وبالتالي استشراف المستقبل واختيار الوسائل الأكثر نجاعة؛ لدعم ثقافة المقاومة، وبما يتناسب مع متطلبات المرحلة.

– 5 –

يمكن أن تكون تساؤلات الدراسة بحاجة إلى إجابة عن استفسارات لم يتناولها الباحث وهي كالتالي:

– السؤال الأول في الدراسة تمحور حول الأسباب التي أدت إلى تجدد الاهتمام بثقافة المقاومة في المجتمع الفلسطيني؟ وللإجابة عنه وفق التجربة التاريخية للنضال الفلسطيني يمكن القول بأنه كلما اتضح الهدف الوطني من المقاومة كان هناك اهتمام وتجدد بثقافتها، في حين أنه كلما خفي الهدف انحرفت بوصلة المقاومة، بالتالي عدم الاكتراث بأي عملية تثقيفية، من أمثلة ذلك أن الفلسطينيين عندما قاوموا لمواجهة حملات الهجرة اليهودية في ثلاثينيات القرن الماضي، تفاعلوا مع الهدف القاضي بوقف هذه الهجرة، وتجلى ذلك في إضراب عام 1936 الذي استمر ستة أشهر، وكذلك تكرر الأمر في عام 1965 عندما وضعت حركة فتح مع بداية انطلاقتها مشروعها تحرير كامل التراب الفلسطيني، ما شكل دافعاً لتشجيع الشباب على حمل السلاح والانضمام إلى فرق أو كتائب المقاتلين في فتح؛ بمعنى أن الدراسة لم تولِ أهمية لبلوغ المشروع الوطني بكونه محركاً أساسياً في تفعيل ثقافة المقاومة بدءاً من المعرفة بها أو التوجه أو المشاركة بها، وما يجري الآن للفلسطينيين هو حالة تماهٍ للهدف المنشود من مقاومتهم ما بين مشروع يدعو إلى خيار حل الدولتين في حدود عام 67 وآخر مشروع الدولة الديمقراطية الواحدة وكذلك مشروع دولة ثنائية القومية، لذلك تجد قصوراً واضحاً في المقاومة.

– السؤال الثاني كان حول السياق المجتمعي الداعم لثقافة المقاومة في المجتمع الفلسطيني، وللإجابة كان الأفضل تصنيف القوى الاجتماعية كعناوين في الدراسة بوصفها وقود أي مقاومة من طلاب وعمال ودور للمرأة والدور الديني (للمسجد والكنيسة)، إضافة إلى الحركات السياسية التي تكون موجهاً حقيقياً لتلك القوى، بدلاً من عرض الدراسة الذي جاء بوضع الأنشطة والبرامج كعناوين للفصول ما شكَّل نوعاً من الارتباك وعدم الفهم للقارئ، فكان بإمكان الباحث إبراز هذه النشاطات التوعوية التي تقوم القوى الاجتماعية وقدراتها في عملية التثقيف والإسهامات التربوية للحركات السياسية.

– السؤال الثالث حول أهم الأنشطة والفعاليات التربوية التي تقوم بها الحركات السياسية لتنمية المقاومة في المجتمع الفلسطيني، كان من الضرورة باعتقادي في هذه الدراسة إجراء مقارنات لأنشطة وبرامج في تجارب نضالية عالمية مشابهة للحالة الفلسطينية مثل جنوب أفريقيا للاستفادة منها وكشف القصور أو الخلل في التجربة النضالية الفلسطينية وقياس درجة الوعي السياسي والاجتماعي لدى الجمهور بأهمية ثقافة المقاومة وقدرات الحركات السياسية في تنفيذها دوراً تربوياً ناجحاً، لكن هنا الدراسة خلت من مثل هذه المقارنات.

– السؤال الرابع كان حول الصعوبات التي تحول دون تأدية ثقافة المقاومة عند أفراد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، إذا كانت اتفاقية أوسلو معوقاً كما أوردت الدراسة نظراً إلى سعي السلطة الفلسطينية لإنجاح جهودها في عملية السلام والمفاوضات مع إسرائيل. فالموضوعية هنا تقتضي ذكر أن عملية التثقيف بالمقاومة في أي مجتمع لا تتوقف عند حد منع المقاومة العنفية، بل إن أوسلو عززت عملية التثقيف بالمقاومة اللاعنفية. وأعطت أوسلو بعد تمكين السلطة الفلسطينية من بسط سيطرتها في المناطق الفلسطينية مساحة للحركات والقوى الاجتماعية للقيام بدورها من دون قيود أو ملاحقات أمنية لنشر ثقافة المقاومة لدى الجمهور كما في عهد الاحتلال، بل إن أوسلو نقلت المقاومة الفلسطينية من الخارج إلى الداخل.

على سبيل المثال وليس الحصر في ص 166 أوردت الدراسة أنشطة حركتي حماس والجهاد في عملية التثقيف بالمقاومة عبر إقامة المخيمات الصيفية للشباب وحتى الأشبال لتدريبهم على فنون قتالية للدفاع عن الوطن وهو ما أثار حفيظة الاحتلال عبر إعلامه. كذلك في ص 131 ذكرت الدراسة أن وزارة التربية والتعليم في غزة بدأت تجريب برنامج الفتوة في المدارس الثانوية يتضمن التدريب على المهارات شبه العسكرية من خلال التعاون بين ضباط الأمن الوطني ومشرفي التربية الرياضية؛ كل ذلك يعزز صحة أن أوسلو ليست عائقاً مجتمعياً أمام الحركات السياسية والقوى الاجتماعية للقيام بدورها التربوي في تعزيز ثقافة المقاومة.

– 6 – ملاحظات على الدراسة الميدانية ومناقشتها

1 – إن هناك فروقاً إحصائية في مستوى المعرفة بمفاهيم وصور وثقافة المقاومة تُعزى لمتغير حالة المواطنة واللجوء لمصلحة اللاجئين بوصفهم أصحاب قضية لجوء، وهذه نتيجة لا تتناسب وفق الواقع والمنطق، وبخاصة أن غزة كمجتمع للدراسة تعرضت لأبشع الجرائم الإسرائيلية في الحروب الأخيرة على غزة التي لم تميز بين لاجئ ومواطن، وبالتالي من المستغرب أن تكون هناك فروق.

2 – في ص 289 معوقات خاصة بالجامعات في تنمية ثقافة المقاومة جاءت في المرتبة الخامسة والنقابات جاءت في المرتبة الرابعة وهي نتيجة غير منطقية ولا تتناسب مع واقع التجارب النضالية؛ وبخاصة – كما أشرنا – أن الطلاب والعمال من أكثر القوى الاجتماعية تفاعـلاً في مقاومة الاحتلال، مع العلم أن الجامعات والنقابات بغزة تم تأطيرها سياسياً واستحوذت عليها الحركات السياسية وتم تفريغها من مضمونها المهني والعلمي إلى السياسي، وبالتالي كانت محطة للتعبئة الجماهيرية.

بشكل عام تعبر ثقافة المقاومة في المجتمع الفلسطيني عن حالة نضالية وأخلاقية، وثقافة سيكولوجية إرادية تمثلت بوعي الحركات السياسية أو التحررية نحو القيام بمهامهم تجاه المجتمع وصولاً إلى نمط متميز ثقافي سلوكي مبدؤه الدفاع عن النفس والكرامة والوجود والأرض والتاريخ والتراث والجغرافيا والانتماء والهوية، حيث تجلت خصوصية المقاومة في نسيج مجتمعي، ولبّت تطلعات القوى الاجتماعية وأنتجت حالة شعبية استثنائية أنجزت تغييراً في البنية الاجتماعية الطبقية، مما وفر لهذه الثقافة دعماً شعبياً.

أمام كل ذلك يمكن القول بأن تراث المقاومة الفلسطينية يؤكد مجدداً أن العبرة في الاستمرار لأن مجرد استمرار المقاومة هو تأكيد سلوكها، فإذا اعتمدت الحركات السياسية أسلوب اللاعنف فإن نجاحها مرتبط بقدراتها على تنمية المفاهيم والبرامج والأنشطة المجتمعية وقياس المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، شرط وضوح الهدف الوطني والتمسك به قبل البدء بأي خطوات على الأرض.