مقدمة

عرفت القضية الفلسطينية منذ الربيع العربي مرحلة كمون وخفوت لافت للنظر في أولويات المجتمع الدولي وفي حسبانها قضية مركزية في الشرق الأوسط، من خلال تغييب كل مجهودات التسوية التي توقفت منذ عام 2014 وتعزيز التطبيع بين الأنظمة العربية وإسرائيل وعزل قطاع غزة. هذه الدينامية المتعمدة والمتحورة استهدفت إنهاء القضية الفلسطينية من خلال اقتراح صفقة القرن واستمرار التخويف من التغول الإيراني.

عبّرت حماس في أكثر من موضع عن إدراك دقيق ومسبق بطبيعة التحولات في المجتمع الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية، فالمجتمع الإسرائيلي أصبح يميل على نحو متسارع نحو اليمين المتطرف، وبدأت مؤسسات إسرائيل العسكرية والسياسية تأخذ تدريجًا سمة المجتمع المتطرف.

وفي ظل هذا المشهد المتغير الذي يعرف تحولًا كبيرًا في طبيعة النسق الجيوسياسي في منطقة الصراع في الشرق الأوسط، ترعى الولايات المتحدة الأمريكية مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية آخرها تقريب وجهات النظر بين السعودية وإسرائيل، وهو تحول جيوسياسي كبير سيؤدي في حال وقوعه، إلى تجاوز القضية الفلسطينية وترك مصير الفلسطينيين تحت تصرف حكومة نتنياهو المتطرفة.

تعمل الولايات المتحدة على دمج إسرائيل بالمنطقة وبناء نظام إقليمي جديد، بالموازاة يواصل مسار التطبيع طريقه من دون عقبات كبيرة، ويأخذ موضعه في البيئة السياسية للمنطقة بما له من تأثير في الموقف العربي والإسلامي من الدولة العبرية.

في مواجهة ذلك، كان لدى الفلسطينيين خيارات محدودة لمنع تصفية القضية وحسم الصراع لمصلحة إسرائيل، والتصدي لمسار دمج إسرائيل في المنطقة. والخيار الأكثر فاعلية هو المقاومة العسكرية من جانب غزة، التي صممت شكل المعركة الحالية كي تعطل مسارات تصفية القضية وتجاوز الفلسطينيين عبر مسارات محلية وإقليمية ودولية[2].

الكثير من الأسئلة والاستفسارات أصبحت تتناسل حول ردود الأفعال الناجمة عن هذه الضربة النوعية لحماس «طوفان الأقصى» والتي تدخل في إطار الحرب اللاتماثلية[3] حيث خلفت خسائر فادحة في الأرواح والمعدات في قلب إسرائيل لأول مرة في تاريخ المواجهات العسكرية العربية – الإسرائيلية. كما تطرح الكثير من الاستفهامات حول مآلات النظام الدولي في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

تحاول هذه الدراسة ملامسة أبعاد الحرب على غزة، وبخاصة أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى، تحاول أن تستغل الظرفية الحالية لإنجاز أهداف استراتيجية تعذِّر عليها تحقيقها في مراحل سابقة، وكذا مخططات نوعية قد تستهدف إنهاء القضية الفلسطينية من خلال تهجير قطاع عريض من سكان غزة إلى مناطق أخرى في الإقليم وهو ما يجعل الصراع يكتسي طابعًا دوليًا وله الكثير من التداعيات الجيوسياسية على الصراع العربي – الإسرائيلي وعلى منطقة الشرق الأوسط وعلى طبيعة النظام الدولي بوجه عام.

تقدم الدراسة أيضًا قراءة للسيناريوهات الممكنة للصراع والأبعاد الجيوسياسية له من خلال التركيز على دور الفواعل الإقليمية والدولية في النزاع والتحولات التي قد تشمل الأنظمة الإقليمية الفرعية، وسياسات دول المنطقة التي تتعرض لضغوط دولية لتنفيذ المطالب الإسرائيلية – الأمريكية في مقابل الاستفادة المحتملة لأطراف أخرى كالصين وروسيا وتركيا.

أولًا: طوفان الأقصى والبدائل الإسرائيلية

وضعت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، دولةَ الاحتلال الإسرائيلي في مأزق حقيقي أمام اختيار أصعب الخيارات الممكنة؛ فالخيارات العسكرية الإسرائيلية باتت تقليدية ومعروفة، وسبق تجريبها مرارًا من دون أن تحدث فارقًا في المعضلة الأمنية والعسكرية، التي تواجهها مع المقاومة في قطاع غزة، فالهجمات الجوية بالطائرات والقصف المدفعي قد تكون قادرة على إلحاق أضرار في البنية التحتية والمباني في قطاع غزة، ولكن الاحتلال يدرك أن هذا لن يجدي نفعًا في دفع حركة حماس إلى التراجع والانسحاب من المشهد كحركة سياسية وعسكرية مقاومة ولا تهادن الطرف الإسرائيلي من خلال الحروب الستة التي خاضتها ضده. وخاضت حماس عدة حروب مع إسرائيل منذ وصولها إلى السلطة، وأطلقت آلاف الصواريخ على إسرائيل ونفذت هجمات قاتلة أخرى. وردًا على ذلك، هاجمت إسرائيل حماس مرارًا وتكرارًا بضربات جوية، وأرسلت قواتها في عامي 2008 و2014. وقد تم تصنيف حماس – أو في بعض الحالات كتائب القسام – على أنها جماعة إرهابية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إضافة إلى قوى أخرى. وتدعم إيران الجماعة وتوفر لها التمويل والأسلحة والتدريب[4].

بعد عملية طوفان الأقصى، قامت الحكومة الإسرائيلية بالاعتماد في كل الأحوال على الخيار العسكري، نظرًا إلى حاجتها إلى استعادة صورتها وثقة مواطنيها بالجيش والمنظومة الأمنية، اللذين تعرَّضا لنكسة كبيرة سيكون لها تداعيات مقلقة على ثقة الأطراف الدولية ومواطني إسرائيل[5].

أما الخيارات الأخرى المتاحة فتتعلق بعمليات برية جزئية أو شاملة ضد قطاع غزة، إلا أن ذلك يعتريه جملة من التحديات؛ أبرزها أولًا العدد الكبير من الأسرى الذين استطاعت حماس أسرهم واحتجازهم في قطاع غزة، وهم بحسب تقديرات أولية بالمئات، وهو ما سيعرضهم لخطر كبير ربما لا تستطيع حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي تبريره لفئات متنامية من الإسرائيليين المعارضين لتوجهات الحكومة اليمينية، حيث ترى هذه الأخيرة أن موضوع الأسرى موضوع محوري وذو أولوية تتجاوز أهمية الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.

وثاني تحديات العمليات البرية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه حماس في مناطق سكنية مكتظة، ويتسبب ذلك في ضحايا بين المدنيين وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، يصعب تحمل تكلفته على صعيد المجتمع الدولي، وهو ما ينقل الإدانة الدولية ضد دولة الاحتلال وربما الولايات المتحدة، التي تعلن عن دعمها لإسرائيل وتسعى لإرسال مساعدات عسكرية[6].

يُطرح الكثير من السيناريوهات في ظل استمرار العمليات العسكرية الواسعة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي؛ من القصف الجوي المكثف، ونيران المدفعية، والعمليات البرية داخل قطاع غزة، وعمليات التدمير الواسعة للقطاع، والتهجير القسري لسكان القطاع إلى الجنوب. وفي الوقت نفسه يتم تهديد حياة المدنيين الأبرياء، وضحايا القصف والهدم، من الأطفال والنساء والشيوخ، وحالة الحصار والعقاب الجماعي للمدنيين، وتجاوز وانتهاك قانون الحرب، والقانون الدولي الإنساني.

تمثل هذه الجرائم المروعة، والانتهاكات الواسعة في قطاع غزة، جرائم حرب ضد المدنيين الأبرياء. أبرز تجليات هذه الحرب، هو أنها تحظى بدعم أمريكي وأوروبي – بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا – وكندي لإسرائيل، اقتصاديًا وعسكريًا واستخباريًا، وهو ما يثير مجموعة من الملاحظات حول أثر هذا العدوان الإسرائيلي في مستقبل قطاع غزة، والمسألة الفلسطينية[7].

ثانيًا: السيناريوهات الممكنة للحرب

ساهمت عملية «طوفان الأقصى» على نحو مفاجئ، في إحداث كثير من التغيرات في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإزاء بعض مصادر القوة الصلبة التي يمتلكها الاحتلال الإسرائيلي وطابعها الاستيطاني في الضفة الغربية، والمناطق القريبة والمحاذية للقطاع، كما سمحت بالكثير من الملاحظات الجوهرية أهمها:

– وقع المفاجأة، والتخطيط السياسي والعسكري للعملية، والأداء الذي اتسم بالكفاءة والذكاء والتخطيط العسكري، على الرغم من محدودية التقنيات العسكرية وعلى الرغم من خوض حماس حروب مدن خاطفة[8].

– محدودية دور أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية الداخلية (الشاباك، وأمان)، والخارجية (الموساد) في تقديرهم للمخاطر وتقييمهم لها، وتوقعاتهم في شأن سلوك حركة حماس، وهو ما يشير إلى بعض من النمطية في الرؤى الإسرائيلية وضعف الاعتماد على المؤشرات والمعلومات المتاحة لديهم، في تقييمها، وتحليلها، ومآلاتها. مرد ذلك إلى بعض التصورات النمطية الناتجة من مراكمة التقديرات السابقة حول سلوك حركة حماس، وأساليب عملها خلال المواجهات والحروب السابقة[9].

– لقد كشف هذا الهجوم المفاجئ عن انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة، إضافة إلى الفشل الذريع لمختلف مكونات المنظومة العسكرية والأمنية، إذ كابدت إسرائيل خسائر بشرية غير مسبوقة، حيث تضاعف عدد القتلى الإسرائيليين مقارنة بعددهم في حرب عام 1967، وقُتل معظمهم في اليوم الأول للعملية. إن الإخفاقات الأمنية والعسكرية التي حدثت في 7 أكتوبر 2023، تتجاوز كثيرًا تلك التي ارتكبتها إسرائيل في حرب أكتوبر عام 1973 (التي تسمى حرب يوم الغفران)، والتي ينظر إليها الطرف الإسرائيلي على أنها كانت ناجمة عن الإهمال وسوء تقدير القيادات العسكرية الإسرائيلية للموقف المصري[10].

– صدمة قيادة الدولة، من رئيس الوزراء والائتلاف الحاكم والمعارضة، بسبب الطابع المفاجئ لعملية «طوفان الأقصى»، التي كشفت عن بعض من الاستكانة بدلًا من سياسة «غطرسة القوة»، وهو ما سيؤدي على نحو ما إلى إجراء تحقيقات داخلية عندما تسكت الطائرات والمدافع والصواريخ في هذه العملية – أيًا كانت نتائجها – على نحو ما جرى بعد صدمة مفاجأة حرب أكتوبر 1973، حيث أُلفت لجنة تحقيق مستقلة بعد الحرب، أدت إلى نهاية بعض الأدوار السياسية للقادة العسكريين المسؤولين عن إخفاقات الحرب. ومن المرجح أن التحقيقات التي ستُجرى على هامش عملية طوفان الأقصى، قد تؤدي إلى نهاية بعض السياسيين وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع وآخرين، وبعض القادة العسكريين الكبار، ورجال الشاباك وأمان وآخرين[11].

أيًا كانت نتائج الحرب المروعة على قطاع غزة، ونتائج التدخل العسكري الإسرائيلي الميداني في القطاع، سواء تم اغتيال وقتل بعض قادة حركة حماس، أو القضاء على الحركة كلها أو استمرار الحركة. يمكن القول إن ثمة احتمالًا مرجحًا نحو حدوث تغير في الخريطة السياسية الداخلية في إسرائيل، ناهيك ببعض التغير في الفكر العسكري والاستخباري الإسرائيلي[12] .

ومن السيناريوهات المحتملة:

1 – انتصار إسرائيلي ساحق على المقاومة الفلسطينية

الانتصار الذي تريده إسرائيل هو اجتثاث حماس نهائيًا وجعل غزة منزوعة السلاح واسترداد الأسرى، وأي حديث عن بقاء حماس أو بقاء السلاح في غزة والتفاوض على الأسرى يعني لإسرائيل هزيمة مدوية، فهي تريد انتصارًا صفريًا يستسلم فيه الخصم وينتهي تمامًا، وهذا هو الهدف الإسرائيلي والأمريكي المعلن.

هذا الهدف له ما يدعمه وما يخدم تحققه على الأرض من وجود ضوء أخضر أمريكي وغربي باستخدام القوة ضد غزة بلا أي خطوط حمر، والجسر الجوي من الأسلحة الأمريكية المتطورة، وبوارج الردع التي تمنع توسع الحرب في المنطقة، والدعم المالي الكبير الذي يقدمه الغرب إلى إسرائيل حتى بلغ في آخر مطالبات الرئيس الأمريكي جو بايدن للكونغرس الموافقة على تخصيص 14 مليار دولار دعمًا عسكريًا لإسرائيل.[13]

ويقف خلف ذلك، ماكينة إعلامية غربية متعاطفة وداعمة لإسرائيل، وتستغل القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية هذه الظرفية للسعي لإنهاء حماس والمقاومة وسلاح غزة إلى الأبد، فهذه فرصة لن تتكرر لإسرائيل من وجهة نظر القيادة الإسرائيلية.

2 – بقاء المقاومة وقيادتها وسلاحها والأسرى تحت يدها

إن مجرد بقاء المقاومة بقياداتها وسلاحها والأسرى، سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا، بيد المقاومة سواء كان ذلك مع خسائر برية إسرائيلية أو من دون خسائر إسرائيلية، سيمثل فشلًا وهزيمة للحملة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، فكل ما هو دون اجتثاث المقاومة وسلاحها هو انتصار فلسطيني بكل تأكيد.

هذا السيناريو له ما يدعمه من خلال التجارب السابقة في حروب إسرائيل البرية، فحرب عام 2006 في لبنان فاجأت الجميع وصمد حزب الله، وخضعت إسرائيل في النهاية لصفقة تبادل الأسرى، وكابدت خسائر لم تكن تتوقعها. ويمكن تكرار النموذج اللبناني في الحرب البرية على غزة، ولكن هذا يعتمد على مقدار ما أعدته المقاومة الفلسطينية للحرب البرية، وهذا ما سوف تحكم عليه نتائج الحرب البرية[14].

3 – معادلة لا غالب ولا مغلوب

يتحقق هذا السيناريو من خلال عدم إحراز إسرائيل لأهدافها وفي مقدمتها القضاء على «حماس» وتغيير الشرق الأوسط ومحو قطاع غزة من الخريطة وتهجير سكانه، وعدم تحقيق المقاومة لأهدافها (تحرير الأسرى، ووقف مخطط تغيير مكانة الأقصى، ورفع الحصار عن قطاع غزة، ووقف الاستيطان، والتقدم الملموس على طريق إنهاء الاحتلال(.

يتعزز هذا السيناريو إذا صمدت المقاومة ولم تحرز إسرائيل أهدافها، أو أي أهداف سياسية وعسكرية، ويزيد من احتماله فتح الجبهة الشمالية، سواء إذا أدت أو لم تؤد إلى حرب إقليمية. وفي هذه الحالة، يمكن إقناع الرأي العام الإسرائيلي المتعطش إلى الدماء والانتقام والنصر بأن فتح جبهتين، حتى بمشاركة أمريكية في الحرب، لا يضمن النصر، ويضاعف خسائر إسرائيل، ويزيد من احتمال هزيمتها الساحقة[15].

ثالثًا: الانعكاسات المحتملة

من الانعكاسات المباشرة للحرب في غزة، مسألة تهجير الفلسطينيين ونزوحهم، حيث تركز الاستراتيجية الإسرائيلية على تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، بعد دفعهم بالتدريج إلى إخلاء الأحياء السكنية الموجودة في شمال غزة باتجاه الجنوب كمرحلة أولية. ومع تصعيد واستمرار العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، يتجدَّد الحديث على نحو أكبر عن «سيناريو سيناء»، وبعدما أبدت مصر ودول عربية وإقليمية موقفها الرافض لذلك، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز في تقرير لها، أن نتنياهو «يسعى إلى إقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر، لقبول اللاجئين من قطاع غزة. لكن الدول الأوروبية الرئيسية، ولا سيّما فرنسا وألمانيا، إضافة إلى المملكة المتحدة، ترفض هذا الاقتراح وتصفه بأنه «غير واقعي»، مشيرة إلى «مقاومة المسؤولين المصريين المستمرة لفكرة قبول اللاجئين من غزة، ولو على أساس مؤقت»[16].

كل الاقتراحات لحل المسألة الفلسطينية على حساب البلدان العربية، وبخاصة مصر والأردن، تلاقي رفضًا واضحًا من جانب هذه الدول للرضوخ للمطالب الإسرائيلية في شأن إخلاء غزة من الفلسطينيين وجعل سيناء منطقة استقرار نهائي لهم، حيث تصر مصر والأردن على عدم السماح بتغيير جغرافية المنطقة والتلاعب بها وفق أهواء الحكومة العبرية اليمينية المتطرفة.

من الواضح غياب استراتيجية مكتملة الأركان للحكومة الإسرائيلية في شأن أهداف وغايات التدمير العسكري وقتل المدنيين في قطاع غزة، وهذا الأمر قد يجر إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستنقع جديد في منطقة الشرق الأوسط على غرار المستنقع الأفغاني، وبينما تشدد إسرائيل سيطرتها على شمال غزة، يخشى بعض المسؤولين في واشنطن والعواصم العربية أن تتجاهل إسرائيل الدروس المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من التشدد العنيف والتطرف. إذا أُطيحت الحكومة التي تقودها حماس في غزة، ودُمرت بنيتها التحتية ودمر اقتصادها، فإن تطرف السكان الغاضبين يمكن أن يغذي انتفاضة جديدة تستهدف القوات الإسرائيلية في الشوارع الضيقة بالقطاع[17].

من الناحية العملية، فإن غزة تخضع للحصار الإسرائيلي وفق القانون الدولي، إذ إن إسرائيل تحاصر القطاع من البر والبحر والجو، وتفرض الحماية الدولية بكل أوجهها على الفلسطينيين، وتظل حركة «حماس» تنظيمًا فلسطينيًا وحركة مقاومة فلسطينية، وكل التجارب السابقة تشير إلى صعوبة تصفية أي تنظيم فلسطيني. ويبدو أن تطبيق أي سيناريو في القطاع المحاصر في المرحلة المقبلة أمر صعب، إلا اذا تعلق الأمر بإعادة المسار السياسي، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة وفق قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية.

من الناحية الجغرافية، فإن قطاع غزة بقعة صغيرة جدًا بكثافة سكانية مرتفعة، ولا يمكن من الناحية العملية الانتقال من الشمال إلى الجنوب بكل سهولة، حيث توجد تجمعات سكانية مكتظة وطلب انتقال المواطنين مستحيل، وبخاصة أن قطاع غزة بكامله يتعرض لقصف جوي وبحري متواصل، ولا يوجد مكان آمن في كل غلاف غزة، الأمر الوحيد الذي يمكن الحديث عنه في الوقت الحالي هو أن غزة ما زالت حاضنة للمقاومة[18].

ومن الخيارات المطروحة أيضًا، إنشاء قوة حفظ السلام على غرار تلك التي تشرف على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل المبرمة عام 1979. لكن ما زالت هذه الفكرة لم تختمر بعد، وسبقتها فكرة أخرى تتمثل بوضع قوات متعددة الجنسيات في قطاع غزة قد تضم قوات أمريكية[19].

رابعًا: تأثير حرب غزة في طبيعة النظام الدولي
وتراجع الدور الأمريكي

لقد امتدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى الساحة الدولية، حيث تعمّق الاستقطاب السياسي والتحالفات الدولية والإقليمية على هامش هذا الصراع، كما يواجه الاقتصاد العالمي – بما في ذلك أسعار النفط والغذاء – اضطرابًا كبيرًا بسبب تداعيات هذه الحرب. ومن الناحية الجيوسياسية، قد يبدو أن الصين هي واحدة من المستفيدين القلائل من الصراع، وكلما طال أمد الحرب أصبحت المخاطر أكبر وتضاعفت المخاوف بشأن مستقبل المنطقة ومخاطر تدويل النزاع ليشمل المنطقة بأكملها وبخاصة بعد مرحلة غير بعيدة من تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل.

إن التداعيات المترتبة على الصراع بين إسرائيل وحماس قد يعقبها موجات من العنف والتطرف العنيف التي بدأت تنتشر بالفعل في مختلف أنحاء العالم. وتتمثل المخاطر العالمية بالاضطراب الاقتصادي، وتزايد نقاط الضعف العسكرية، والاستقطاب السياسي الأعمق، والتحديات الاستراتيجية الجديدة، والطبيعة المتغيرة للحرب بسبب الجهات الفاعلة المتحاربة من غير الدول[20].

لقد أصبح الصراع في غزة أحدث مسرح لزعزعة الاستقرار وكابوسًا حقيقيًا في عالم متشرذم وفوضوي بصورة لا مثيل لها. إن الرعب الهائل الذي خلفه هجوم حماس على جنوب إسرائيل، ورد الفعل العنيف لإسرائيل الذي يخلف الأعداد المتزايدة من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، خلّف استياءً عالميًا في مختلف أنحاء العالم وجعل صناع القرار السياسي حول العالم في موقف صعب أمام هذا الكم الهائل من الصواريخ التي تقصف المدنيين الفلسطينيين بدعوى القضاء على حركة حماس.

إن أعمال العنف لم تدفع الشرق الأوسط إلى المزيد من الاضطرابات فحسب، بل إنها تثير تساؤلات جدية حول الهيمنة الأمريكية ومستقبل ملامح النظام الدولي. وعقب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح الصراع في قطاع غزة، نموذجًا مصغرًا للفوضى العالمية. لقد سلط هذا الصراع الضوء على انهيار المعايير الدولية، وتقلص سلطة الولايات المتحدة، والانقسام المتزايد بين الغرب ودول الجنوب.

كشفت الحرب في غزة عن محاولة إسرائيلية وأمريكية لتحييد القضية الفلسطينية وإنهائها على نحوٍ كامل، من خلال التخلي، بحكم الأمر الواقع، عن أساس التسوية وهو حل الدولتين.

بحسب اتفاقيات أبراهام المبرمة مع بعض الدول العربية في أيلول/سبتمبر 2020، تتفق إسرائيل والدول العربية «المعتدلة» على طريقة مناسبة من شأنها ترسيخ الاستقرار والأمن الشامل والفعال في الشرق الأوسط، والعمل على احتواء «الطموحات» الإيرانية؛ وعلى مستوى أبعد تمكين واشنطن من التركيز على انشغالها الاستراتيجي الأساسي المتمثل بصعود الصين، واعتبار منطقة الشرق الأوسط أولوية من الدرجة الثانية بالنسبة إلى واشنطن. لكن هذا المسعى تغيرت مساراته في الوقت الحالي، ومهما كانت نتيجة الصراع في قطاع غزة، فقد بات من الواضح أنه لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية كقضية مركزية في الشرق الأوسط. لقد كشفت الحرب عن حدود السلطة الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه بل وتورط واشنطن إلى جانب إسرائيل في قتل المدنيين، حيث تحول القطاع إلى ساحة حرب لا تحترم فيها الأخلاق ومعايير القانون الدولي.

تظل الولايات المتحدة القوة الأقوى في العالم إلى حد بعيد، لكن نفوذها النسبي أصبح يتضاءل بقدر كبير. إن الفشل المستمر (أو عدم الرغبة) في كبح تجاوزات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – تفاقم التمييز ضد الفلسطينيين، والتسامح مع عنف المستوطنين – يشهد على ضعف الموقف الأمريكي وانحيازه الكامل إلى إسرائيل، وهذا الموقف المتخاذل يؤكد مرة أخرى تراجع الدور المهيمن لواشنطن عبر العالم.

وجاء رد الفعل الصيني والروسي، مؤكدًا لمعاداة واشنطن ومعارضة سياستها الخارجية، وبالتالي فمنظور الصين وروسيا للحرب في غزة يركز على المنافسة الصفرية مع واشنطن والمعاداة العميقة للولايات المتحدة الأمريكية ، كما تنظر الصين وروسيا إلى المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية التي قد تجنيها من تدني شعبية واشنطن وتراجع دورها على الصعيد العالمي.

تعتقد بكين أن إدارة بايدن سوف تفشل حتمًا في سياسة الاحتواء الاستراتيجي للصين. ويراهن الكرملين على أن التآكل الواضح بالفعل للدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا سوف يتسارع، وهو ما من شأنه أن يزيد بشكل ملموس من فرص التوصل إلى تسوية سياسية للحرب في أوكرانيا لكن بشروط روسية[21].

قد تستفيد الصين من الصراع في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا، مستغلة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2021 في مساعدة أوكرانيا ومدّها بالعتاد والأسلحة النوعية. وحاليًا تواجه واشنطن التزامات مماثلة تجاه إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تنفق روسيا مواردها العسكرية في حرب الاستنزاف في أوكرانيا، في حين لا تواجه الصين تحديات استراتيجية مماثلة، فهي لا تملك أي عوائق في بناء جيشها، وتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من آسيا، وتوجيه مواردها المالية ونفوذها الدبلوماسي وفق أجندة متوسطة وطويلة الأجل.

في سياق التدافع الأوسع على النفوذ العالمي بداية من القرن الحادي والعشرين، عمّقت الصين علاقاتها مع دول الجنوب والدول النامية، حيث إن الكثير من دول الجنوب متعاطف مع فلسطين، وبالتالي فإن هذه الحرب يمكن الصين استخدامها لحشد الدعم لقيادتها في البلدان النامية، وذلك بهدف «تقليل» مكانة واشنطن العالمية من خلال الاستفادة من التعاطف مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم. وهذا الأمر بدوره يساعد على كسب الدعم للمواقف الصينية بشأن القضايا الأساسية مثل شينجيانغ وتايوان – ولرؤية شي جين بينغ للحوكمة العالمية[22].

على نطاق أوسع، عانت الرؤية الليبرالية «للنظام الدولي القائم على القواعد» بقيادة الولايات المتحدة انتكاسةً مدمرة أخرى. خارج دائرة حلفاء واشنطن، قليلون من يعتقدون أن هذا النظام يمتلك شرعية أخلاقية أو مصداقية سياسية. ويُنظَر إلى «قواعدها» بوصفها خدمة ذاتية، هي ببساطة قواعد مدونة من قبل الغرب، ومن أجل الغرب. نادرًا ما بدت هذه القواعد المعيارية معبرة ومتوافقة مع القواعد التي تؤمن بها بقية دول العالم.

منذ نهاية مرحلة الحرب الباردة، يبدو أنه من الراجح أن لا تكون هناك عودة إلى نظام دولي يتمحور حول توازنات القوى العظمى، وذلك لأن سلطة وقدرة هذه القوى أصبحت أضعف من أي وقت مضى، ولهذا فإن الصراعات الحالية تمثل هزيمة، ليس فقط لصانعي السياسات في الولايات المتحدة والرؤية الليبرالية للحكامة العالمية، لكنها تشير بكل وضوح إلى أزمة أكبر وأعمق يجتازها النظام الدولي والتوجهات النيوليبرالية العالمية.

وعلى الرغم من القيود الواضحة التي يفرضها النظام الليبرالي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فإنه لا يوجد بديل في المستقبل القريب يؤكد انتصارًا كاملًا للتعددية القطبية. إن «النظام المتعدد الأقطاب» الذي يطمح إليه صناع السياسات في روسيا، وبدرجة أقل، في الصين، وأيضًا دول الجنوب، ما زالت ملامحه غير واضحة، ولا يقدم إلا النزر القليل من المؤشرات غير القابلة للتطبيق إلى حدّ الساعة وبخاصة حول «إضفاء الطابع الديمقراطي» على العلاقات الدولية.

لا يوجد رابحون من المأساة المروعة التي تتكشف في قطاع غزة، ومع ذلك، فقد عززت هذه الحرب الأهمية والتأثير المتزايدين لدول الجنوب. ورغم أن الباحثين والمفكرين الغربيين يشككون في صحة هذا الطرح، فقد برزت دول الجنوب كدائرة سياسية قوية وفاعلة ومتناغمة، حيث لا تعمل هذه الكتلة على تكوين وجهات النظر حول الصراع الحالي فحسب، بل إنها تحاول ترسيخ رؤية جديدة للنظام الدولي ورسم سياسات مستقلة تبتعد من التقاطبات، فمقابل تشديد الولايات المتحدة وحلفائها على «قواعد اللعب» التي لا تحظى إلا بقدر ضئيل من الشرعية خارج نطاق الغرب، أو ترتيبات على طراز «الوفاق» من شأنها تكريس صلاحيات القوى العظمى، تطمح معظم دول الجنوب إلى نظام أكثر تنوعًا وتمثيلًا، وأقل تحكمًا وتوجيهًا من القوى الكبرى[23].

في غياب أي أفق للحل في غزة ومستقبل فلسطين، يبدو من الواضح أن تفاعلات الصراع وتعاطي الدول الغربية السطحي والفج وغير الأخلاقي مع المجازر الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، أظهرت أن الوصفات المعتادة لحل المشاكل الدولية لم تعد صالحة ولن تفيَ بالغرض المقصود منها في ظل التهميش الواضح للقانون الدولي وتنفيذ إرادة التوحش والفوضى من دون كوابح أو رغبة جماعية في وقف نزيف الحروب الدموية.

وبالنظر إلى الرهانات التي يطرحها المستقبل، فإن تشبث القوى العالمية بشعارات ومقولات متهالكة من مثل «النظام القائم على القواعد الغربية»، ووهم القيم «العالمية»، وأسطورة حكم القوى العظمى الـ «متعددة الأقطاب»، والانشغال المهووس بالمنافسة الجيوسياسية، سوف يدخل العالم إلى دائرة الفوضى وعدم الاستقرار وبخاصة أن العنف المتصاعد في الشرق الأوسط، سيسهم حتمًا في توليد العنف المضاد والقوى الثورية الرافضة للتعامل مع شكل النظام الدولي الحالي. في المقابل يمكن الدول الكبرى أن تتعامل بواقعية مع التهديدات والتحديات التي يواجهها العالم – فالصراع في الشرق الأوسط وقضايا تغير المناخ وقضايا الأمن الغذائي والصحي وغيرها، تتطلب أساليب مختلفة جوهريًا وأكثر شمولًا وتعاونًا. ولهذا فالاستمرار في تبني سياسات خاطئة سوف يزج بالعالم في حالة فوضى دائمة وغير منتهية.

في عالم يشهد استقطابًا حادًا، حيث امتدت الحرب إلى قارات بعيدة وعواصم قصية، وعرف سجالات علمية متناقضة ومختلفة، أثارت الحرب على غزة انقسامات واضحة لا توصف ببساطة بأنها مؤيدة لإسرائيل أو مؤيدة للفلسطينيين، بل تتجاوز ذلك إلى التهديد بإبادة العرب والمسلمين ومعاداة السامية، حيث خرج مئات الألوف من المحتجين في تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين من لندن إلى كوالالمبور. كما أدت الحرب إلى انقسام كبير في حلف الناتو، على سبيل المثال، أدانت الولايات المتحدة الفظائع الوحشية التي ترتكبها حماس، في حين وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بأنها قوة محتلة ونفى أن تكون حماس جماعة إرهابية[24].

خامسًا: منظور الاتحاد الأوروبي للصراع في قطاع غزة

لقد أدى الصراع في غزة إلى تمزيق وحدة الصف الأوروبي إزاء القضية الفلسطينية في تطوراتها الأخيرة، مع تصاعد المشاعر الناجمة عن الذنب التاريخي والشعور بالظلم، التي وصلت إلى الهويات المتعددة للأوروبيين أنفسهم، أظهر الرد الأول لمؤسسات الاتحاد الأوروبي قيادة منقسمة، مع ردود فعل عنيفة ضد الزيارات التي قام بها رؤساء المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي لإسرائيل، والتي عدّت من جانب واحد وخروجًا عن الدبلوماسية التقليدية للاتحاد، والتي كانت تعتمد دائمًا بيانات متوازنة بشأن القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية[25]. كما شهدت عمليات التصويت على توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحرب في غزة، على انقسام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

حافظ الاتحاد الأوروبي، منذ التسعينيات من القرن الماضي، على الوحدة الشكلية في شأن الاتفاق على حل الدولتين، والعودة إلى حدود 1967، وإدانة المستوطنات الإسرائيلية، كأرضية للتسوية السياسية. بيد أنه في السنوات الأخيرة، طورت بعض الدول الأوروبية علاقات وثيقة مع إسرائيل، بسبب دوافع تاريخية، والحاجة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية المتنامية، وفي بعض الحالات بسبب التقارب السياسي بين القادة السياسيين اليمينيين المتطرفين. يبدو أن الحرب الأخيرة كسرت قاعدة الإجماع الذي كان سائدًا في السابق بين الحكومات الأوروبية، وهذا ما يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي اتخاذ موقف واضح بشأن الصراع في قطاع غزة[26].

كان حجم الرد الإسرائيلي وعدد الضحايا من المدنيين نتيجة للتوغل الإسرائيلي في غزة، سببَا في احتجاجات ضخمة في مختلف أنحاء أوروبا، الأمر الذي كشف عن انقسام آخر بين الرأي العام والحكومات. وكان لزامًا على الدبلوماسية الفرنسية، نظرًا إلى وجود أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في أوروبا بفرنسا[27]، أن تعمل على إيجاد التوازن بين الأصوات المختلفة. وبينما يتردد صدى الصراع على نحوٍ مختلف في كل بلد – من تضامن ألمانيا التاريخي مع إسرائيل إلى تماهي وتأييد إيرلندا للفلسطينيين[28]، فإن بعض الاتجاهات العامة أصبحت آخذة في الظهور: بعض الحكومات أصبحت تناصر وجهة نظر إسرائيل، في حين أن الرأي العام، وبخاصة الأجيال الشابة التي تؤلفها أقليات مسلمة كبيرة، أصبحت تدعم القضية الفلسطينية على نحو غير مسبوق، حيث رأينا خروج الكثير من الشباب للتظاهر ضد الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

ولهذه الانقسامات الحادة بين الدول والشعوب الأوروبية، عواقب أمنية كثيرة على الاتحاد الأوروبي، حيث يرى بعض الباحثين الأوروبيين أنها تمثل أولًا تهديدًا لأمن المجتمعات اليهودية، حيث ترتبط الحركات المعارضة لإسرائيل بحركة معاداة السامية المتزايدة عقب الهجوم الإسرائيلي على غزة. ثانيًا، يسجل من جهة أخرى، تزايد منسوب الإسلاموفوبيا أو ما يسمى الرهاب من الإسلام في الغرب، ويرتبط المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين بدعم حماس ومعاداة إسرائيل. ثالثًا، احتمال وقوع هجمات إرهابية وارتفاع منسوب العنف والتطرف في أوروبا. رابعًا، يتعلق الأمر بالكيفية التي يمكن لروسيا أن تستغل الانقسام في أوروبا وانشغالها بغزة لزيادة هجماتها على أوكرانيا. لأسباب أمنية واستراتيجية، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الحفاظ على وحدته بشأن أوكرانيا، التي تنتمي إلى المحيط الجغرافي الأوروبي نفسه، وفي الوقت نفسه، عليه أن يتقبل أن ليس لهذا الأمر أي تأثير في حرب غزة[29].

مع تزايد الانقسامات بين الدول الأوروبية حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يبدو من الصعب أن يؤدي الاتحاد الأوروبي الدور الدبلوماسي الذي كان من المفروض أن يؤديه. ولكن هناك مجال للمناورة قد يتم استغلاله. على سبيل المثال، على الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، أولًا، تحمّل مسؤولية تحديد موقف واضح للاتحاد الأوروبي التقليدي بشأن الصراع ووضعه موضع التنفيذ. ثانيًا، محاولة القيام بدور الوسيط من خلال اللقاء بمسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين إضافة إلى ممثلي الدول المجاورة المعنية مباشرة بالصراع في غزة وبالقضية الفلسطينية عمومًا.

رغم أن الاتحاد الأوروبي في وضع غير مريح سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا يسمح له بالتأثير في مخرجات الحل السياسي للصراع بسبب إنهاكه نتيجة للحرب الروسية – الأوكرانية، ولكنه على الأقل قادر على تيسير الحوار الدبلوماسي على المستوى الإقليمي، ويمكن أن يشمل ذلك دعم الجهود لمنع التصعيد الإقليمي للصراع[30].

سادسًا: الشرق الأوسط في مفترق الطرق

على صعيد التحولات التي قد تشمل الأنظمة الفرعية في الشرق الأوسط، عادت الولايات المتحدة لتصبح لا جهة دبلوماسية مركزية فقط وإنما اتحدت بقوة مع الموقف الإسرائيلي، إلى حد المشاركة النشطة في صنع قراراتها والمشاركة بفعالية كبيرة في العمل العسكري الميداني، وهو أمر لم يحدث من قبل. على نقيض الحرب في عام 1973، حيث ابتعدت الولايات المتحدة عن قرارات إسرائيل، فإن مشاركتها الحالية في المنطقة هي مشاركة غير مسبوقة، وتبقى عواقبها غير واضحة. أما الاتجاه الإقليمي الثاني فيتمثل أساسًا بتفاقم التحام الشعوب في المنطقة بطريقة تجعل الدبلوماسية متعددة الأطراف أمرًا صعبًا جدًا.

أما على الصعيد الفلسطيني، وإذا تمكنت إسرائيل من حسم العملية العسكرية لمصلحتها في غزة، فقد يدفعها ذلك إلى خلق أزمة إنسانية وإنهاء الحكومة في غزة، وإلى تفكيك البنية العسكرية لحماس هناك. لكن لم يتضح حتى الآن إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق هذا الحسم، ويسود الشعور بعدم اليقين حول كيفية إدارة غزة من دون خطة واضحة، وقد تكون هنالك حاجة إلى وجود دولي أو عربي، وبخاصة إذا استطاعت حماس النجاة بأي شكل من الأشكال، وهو ما قد يؤثر في استراتيجيات الحكامة الدولية[31].

على الصعيد الإسرائيلي يتأثر العامل الأمني بانقسام المجتمع الإسرائيلي خلال المدة الأخيرة، فالاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو شهدت حضور كبار الضباط المتقاعدين، مما يظهر ضرورة الاعتماد على هؤلاء كقادة احتجاج إلى جانب الجماهير الغاضبة من سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة. كما أن تحول إسرائيل إلى زعامة مركزية-يمينية على الصعيد الداخلي، يثير مخاوف كثيرة على الصعيد المحلي والدولي. وفي حين يتم التركيز على غزة، فإن القلق الأكبر هو على مستقبل الضفة الغربية، إذ قد تؤدي الأجندة الواضحة للمعسكر الصهيوني- الديني إلى ما يشبه التطهير العرقي.

 بيّن أندريه بانك، من جانبه، أن قضية فلسطين لها أهمية رمزية وذات بعد محرك على المستوى الدولي، حيث أشعلت التظاهرات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في ألمانيا، التي شهدت تصاعد الانقسامات في السياسات الداخلية، كما حظيت باهتمام واسع يتعدى اهتمام الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب.

الى حد الساعة لم تتمكن الحرب في غزة من التأثير على نحو بعيد في العلاقات الإقليمية، بما في ذلك العلاقات بين إسرائيل من جهة والأردن وسورية من جهة ثانية، حيث تجنبت سورية المشاركة في الحرب على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المستمرة على أراضيها. في حين أن التطبيع بين الدول العربية والنظام السوري لم يتأثر، كما لم تشهد الديناميات الإقليمية تغييرًا كبيرًا.

في المقابل شهدت المنطقة دينامية دبلوماسية ملحوظة بين الخصوم السابقين، ولا سيما التقارب السعودي – الإيراني، وذلك بفضل الوساطة الصينية، الأمر الذي جمع بين خصمين إقليميين مهمين، بمشاركة جهة ليست تقليدية موجودة في المنطقة. إن هجوم حماس الأخير وحرب غزة والخوف من توسع الحرب إلى مناطق مختلفة أوقفا مؤقتًا أي تقدم محتمل على مستوى العلاقات السعودية - الإيرانية، لكن المسؤولين السعوديين والإيرانيين أعربوا عن رغبتهم المستمرة في الحفاظ على أجواء الحوار الإيجابي وعلاقات حسن الجوار.

ومن غير المرجح أن يؤثر الصراع في غزة كثيرًا في تطبيع العلاقات بين الدول العربية وسورية، حيث تتجاوز دوافعها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بينما زادت الأزمة من أهمية التحالف الأردني – المصري، على الرغم من أنها تمثل تحديات حقيقية لجمهورية مصر العربية ومملكة الأردن.

من المرجح أن تمتد تأثيرات حرب غزة إلى المنطقة كلها وتمثل ما هو أبعد من الأزمة الإنسانية، وهو ما يؤدي إلى أزمة حكم في الضفة الغربية وقطاع غزة. من المتوقع أن تستمر هذه الأزمة المزدوجة ويمكن أن تؤدي إلى فراغ في الحكم إذا تم استئصال حماس، وهذا ما قد يجعل الجهات الإقليمية والدولية تسعى لتعويضه، الأمر الذي سيؤثر بصورة دائمة وجذرية في المنطقة.

تواجه مصر والأردن أزمة متعلقة بمخاوف حول تراجع أدوارهما الإقليمية وبخاصة بالنسبة إلى الملف الفلسطيني، وهذا يختلف عن التحديات السابقة، وهو ما يؤدي إلى تعزيز التعاون في التحالف المصري – الأردني. إن كلًا من الدولتين قلقتان بشدة من المشكلات المحتملة الناجمة عن الأزمة الإنسانية والحكم في الأراضي الفلسطينية، التي تتجاوز تقارير إسرائيل حول النزوح ومقترحات تمويل إدارة بايدن، وهو ما يمثل تحديًا جديدًا ومهمًا يتطلب اهتمامَا خاصًا من جانب البلدين وجهودًا دبلوماسية لمقاومة كل السيناريوهات المتحورة في المنطقة.

تمثل حرب غزة تحديًا سياسيًا طويل الأمد لمصر والأردن بسبب مخاوفهما من تكامل أراضيهما وتهجير الفلسطينيين تجاههما، ناهيك بأن هذا النزاع قد يعيد رسم المشهد الإقليمي، محولًا التركيز بعيدًا من التكامل الاقتصادي نحو قضايا الأمن والسلم والحرب. فمن المرجح أن يشجع على التحوُّل في دبلوماسية المنطقة، من خلال إعطاء الأولوية للترتيبات الأمنية وإعادة تفعيل النقاش حول مبادرة السلام العربية وحل الدولتين ومعالجة الأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية[32].

على صعيد آخر، فإن الانقسام أصبح واضحًا في الوطن العربي على واجهتين. أولًا، تعيش بعض البلدان العربية انقسامًا متزايدًا بين الرأي العام الشعبي والسياسات الحكومية. ثانيًا، ظهور هوة شاسعة بين الجماهير العربية والسياسات الغربية، حيث أصبح الانطباع الشائع لدى الجماهير بازدواجية المعايير لدى الغرب، إذ عملت وسائل الإعلام الغربية على استهداف وتشويه صورة الفلسطينيين، والانحياز الفاضح للسياسات الغربية نحو إسرائيل، وإن كان هذا الاستياء لم يصل إلى مستوى التطرف على المستوى الشعبي، إلا أنه خلّف موجة عارمة من عدم الرضا وتجدد مظاهر الرفض العربي لأنماط الهيمنة الغربية.

في ظل هذا التصعيد من جانب إسرائيل بالشراكة مع واشنطن، تجد دول مجلس التعاون الخليجي نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم اعتمادها التقليدي على الضمانات الأمنية الأمريكية، والسياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وفي صلبها الدعم المتواصل لإسرائيل بلا قيد أو شرط. كما أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي العربية تشعر بالقلق إزاء احتمال أن تؤدي أزمة غزة إلى تقويض علاقات العراق غير المستقرة بالفعل مع جيرانه، ناهيك بانهيار قدرته على الحفاظ على النظام السياسي القائم، حيث شهدت الآونة القليلة الماضية التي أعقبت الحرب على غزة، تصعيدًا لتهديد الوحدات العسكرية الأمريكية في شمال العراق وتلك المنتشرة لدعم الميليشيات الكردية في سورية.

ولزيادة الأمور تعقيدًا، كثفت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) المتحالف مع الولايات المتحدة، والتي أعربت عن دعمها الصريح لحماس، من هجماتها على الميليشيات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير كل هذه الاتجاهات إلى أن قدرة الولايات المتحدة على الاستجابة لبؤر التوتر الإقليمية المتعددة قد تتضاءل في المستقبل المنظور[33].

علاوة على ذلك، تشير ردود أفعال دول مجلس التعاون الخليجي إزاء الحرب في غزة، إلى أن هذا التكتل قد يتفق أخيرًا على إدانة إسرائيل والحرب في غزة. وكانت قطر أول من أدانت إسرائيل، مستنكرة احتلالها للأراضي الفلسطينية المستمر منذ 60 عامًا من دون أي أمل في أية تسوية سياسية ممكنة. وفي بداية الأزمة، انتقدت السعودية حماس وإسرائيل بالقدر نفسه من القسوة، وبعد ذلك دعت الرياض إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء حصار غزة، متحولة ضد الموقف الإسرائيلي والأمريكي، كما أدانت دولة الإمارات استخدام العنف وعبرت عن موقف معارض للسياسة الإسرائيلية، حيث دعت بعد ذلك إلى وقف فوري لإطلاق النار، والحفاظ على قنوات الاتصال مع إيران.

يبدو أن من أهم مخرجات حرب غزة على مواقف الدول الخليجية ومعها المغرب والسودان، أنها سلطت الضوء على الانفصال المفاهيمي بين التوقعات الأمريكية بشأن اتفاقيات أبراهام والتطبيع وتوقعات دول مجلس التعاون الخليجي، إذ قامت البحرين، وهي إحدى الدول الأولى الموقعة اتفاقيات أبراهام، بسحب سفيرها من إسرائيل، وقد تحذو حذوها دول أخرى، كما تم إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب.

يكشف عمق الخلاف بين إسرائيل وهذه الدول العربية، عن ضرورة تفاعل الأنظمة العربية – التي سارعت للتطبيع مع إسرائيل – مع المستجدات الحالية في قطاع غزة وضرورة إعادة النظر في مفهوم الشراكة مع تل أبيب ومعرفة المكاسب التي تجنيها من دولة لا تحترم العقود والاتفاقيات الموقعة وتعتمد على الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي للاستمرار في ضرب المدنيين وقتل الألوف من الفلسطينيين من دون أدنى احترام لقواعد القانون الدولي الإنساني.

وفي حين يزعم الأمريكيون أن دول مجلس التعاون الخليجي انضمت إلى الاتفاقيات في المقام الأول لحماية نفسها من إيران، فإن هذا يشكل سوء فهم أكبر لدوافع الدول العربية، لقد عملت الحكومات العربية في المنطقة جاهدة على تخفيف التوترات مع إيران، حتى في الوقت الذي تسعى هذه الحكومات إلى التطبيع مع إسرائيل. وقد أوضحت تلك الدول أن الوصول إلى فرص الاستثمار والتكنولوجيا الإسرائيلية – وليس المخاوف الأمنية في المقام الأول – هو الدافع إلى مبادراتها الدبلوماسية وإلى عقد علاقات طبيعية مع إسرائيل. في الحقيقة لم تعد البلدان العربية، وبخاصة الخليجية، تبالغ في تقدير «الخطر الإيراني». بل سارعت إلى احتواء «الخطر» الشيعي في مجتمعاتها، من خلال توظيف القوة الناعمة والحوار البنّاء واعتماد مقاربة التنمية والبناء.

إن تحسين العلاقات الخليجية مع كل من إسرائيل وإيران يساعد دول مجلس التعاون الخليجي على الابتعاد من أي صراع مستقبلي بين الطرفين المتصارعين. في الواقع، أظهرت الأزمة فوائد التقارب السعودي – الإيراني، ومن المرجح أن تشعر كل من الرياض وطهران بالارتياح لأنهما أنشأتا قنوات اتصال غير مسبوقة لتشجيع الحوار بين البلدين. وإلى جانب بقية دول مجلس التعاون الخليجي، لا تريد السعودية أن تتورط في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، ناهيك بالحرب بين الولايات المتحدة وإيران. إن أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي على إيران قد يثير رد فعل غير متكافئ من جانب إيران، والذي من شأنه أن يضرب البنية التحتية الحيوية للنفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم يؤدي إلى تقويض إيرادات الدولة ويسهم في ضرب الاستقرار الداخلي لهذه البلدان[34].

خاتمة

تكشف الحرب على غزة عن الكثير من المعطيات الجديدة التي تسهم في تغيير معالم النظام الدولي، كما قد تفسح المجال لمسارات جديدة ومخرجات مهمة، وقد تبرز صحة بعض المقولات والمقتربات النظرية التي باتت تقدم نفسها بقوة كآليات تفسيرية، أبرزها نظرية التعقيد الدولي الذي كشفت عنه الحرب من خلال تداخلات وتقاطعات مهمة لعوامل تساهم في تغيير النظام الدولي، واستمرار استخدام القوة في العلاقات الدولية، وتهميش قواعد القانون الدولي، وانبعاث القضية الفلسطينية كقضية محورية بعدما حاولت القوى الكبرى طمسها، بل واقتراح حلول للتسوية تنهي القضية من جذورها على غرار صفقة القرن.

إن ما يجري في غزة إلى حدود الساعة، من قتل متعمد للمدنيين الفلسطينيين بدعم ومشاركة مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية، يستهدف تغيير الأوضاع الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتغيير المعالم الجغرافية والديمغرافية لقطاع غزة والضفة الغربية واستمرار سياسة المستوطنات، والاستفادة من تطبيع بعض الأنظمة العربية العلاقات مع إسرائيل.

بالتأكيد إن التحولات المحتملة على كل الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، قد تجعل من النظام الدولي والإقليمي يجتاز مرحلة مخاض عسير، حيث يتأرجح بين قوة الإرادة الأمريكية والغربية عمومًا في استخدام قواعد سلوك تعتمد على فرض منطق القوة، ومدى قدرة الفواعل الأخرى كالصين وروسيا والدول النامية الاستفادة من الوضع الحالي وتقريب وجهات النظر مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه الأخيرة، أصبحت أكثر يقينًا من ذي قبل بعدم جدوى الاستمرار في وضع الثقة في الفاعل الأمريكي والإسرائيلي، والنأي بنفسها عن الصراع مع إيران وتركيا وضرورة التنسيق مع روسيا.

إن ترسيخ الأدوار الإقليمية لدول محورية كدول الخليج العربية ومصر والأردن، تحتاج إلى عدم الرضوخ للضغوط الغربية، ورفض كل المبادرات الهادفة إلى إقبار القضية الفلسطينية وتغيير معالم المنطقة بما فيها مخططات تهجير الفلسطينيين خارج أرض فلسطين التاريخية، وإعادة النظر في قضية التطبيع مع إسرائيل.

كتب ذات صلة:

غزة: بحث في استشهادها

القضية الفلسطينية والمشكلة الإسرائيلية: رؤية جديدة