مقدمة

في عالم سريع التحول ومعقد من حيث أبنيته، وتركيبة المصالح والقيم، ومتشابك ومتداخل في أنماط التفاعلات السائدة فيه، وتُميِّزه حركية في اكتساب القوة وتحولها وتغير موازين القوى، تجد الدول نفسها مجبرة على حسن التعامل مع دينامية التحولات الحاصلة، وضرورة القراءة الجيدة للوقائع، وواجب البحث في التداعيات والمسارات المحتملة لأي عملية تغيير متوقعة، من خلال الوقوف على مؤشرات تلك التحولات، وتحليلها بعمق يُمَكنها من استجلاء مآلاتها، استعدادًا للتخندق الجيد في مواجهة الانعكاسات الواردة، ورسم الاستراتيجيات الكفيلة بأخذ موطئ قدم حيوي في أي هيكلية دولية قادمة، حيث إن الكثير من المؤشرات، وفقًا لعدة دراسات، تدل على أننا أمام نذر تحولات في ميزان القوة عالميًا، بانتقال مركزها سياسيًا واستراتيجيًا واقتصاديًا من الغرب وعودته نحو الشرق مجددًا، لأن هذا الأخير كان تقليديًا وتاريخيًا موطنًا لقوى وحضارات إنسانية عريقة، وتحول فضاءات التفاعل الأهم من الأطلسي إلى الهادي، وتآكل قوة الغرب تدريجيًا وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وعودة قوى أخرى ساعية لاستعادة دورها التاريخي والحضاري من جديد، في شاكلة الصين والهند وروسيا.

والجزائر مطالبة بمواكبة هذه الصيرورة التحوُّلية، إذا كانت تطمح فعلًا إلى أخذ مكانة تليق بإمكاناتها ورصيدها الثري من المقومات المختلفة، لذلك يأتي هذا الطرح ليوضح أهم مؤشرات انتقال القوة وتحوُّلها من الغرب نحو الشرق، وكيفيات التعامل الجزائري مع هذه الحركية القائمة، والاستعداد للتموضع في العالم الجديد الذي يتشكل، وإعادة النظر في أسس العلاقات التقليدية التي سيطرت على السياسة الخارجية الجزائرية طويلًا، ببلورة سياسة واعية ومتكاملة للتوجُّه شرقًا، وتطوير منظومة العلاقات التي تربطها بالدول الواقعة هناك للارتقاء بها نحو منظور استراتيجي متسق، وليس مجرد علاقات بينية متفرقة، فكيف يمكن الجزائر توجيه خياراتها شرقًا ومسايرة حركية تحول القوة في العلاقات الدولية؟ وما العوائق الواجب تجاوزها لتحقيق ذلك؟ إن تحليل هذه الإشكالية يكون انطلاقًا من اختبار الافتراض القائل بأن كل مرحلة تغيير تتطلب تجديدًا في الفكر والعقيدة الاستراتيجية والتوجهات الدبلوماسية، وهو ما ينطبق على الجزائر في تعاملها مع مرحلة التحول الحالية في النظام الدولي.   

أولًا: عودة الشرق وتراجع الغرب: خلفيات ومؤشرات

لأن القوة محل صراع دائم فالتبدل في المواقع والأدوار دوليًا هو أمر وارد على نحوٍ حتمي. ولكي يحدث تحوُّل للقوة يتعين على الفاعل الجديد الراغب في انتزاع الهيمنة، أن يحصل على مصادر للقوة أكبر مما لدى القوة المهيمنة التقليدية أو تقترب منها وتعادلها. ويبين مفهوم تحوُّل القوة كيفية بدء عملية فقدان القوة المهيمنة لسيطرتها لمصلحة متحَدٍّ صاعد جديد، ويحدث هذا التحول في ميزان القوة بسبب التغيرات التي تطرأ على مستوى الموارد والمصادر والمقومات بين القوة الآفلة وغريمتها الصاعدة، التي تكون مرفوقة بحالة عدم رضى شديدة على الأوضاع الدولية، وعلى سياسات القوة المهيمنة المهددة بفقدان مكانتها[2].

لذلك تعددت مراحل الهيمنة وفرض السلام عالميًا، بحسب قواعد كل قوة مهيمنة، وتصوراتها للأسس التي يجب أن تقوم عليها أنماط التفاعلات الدولية برعايتها وتحت رقابتها وسلطتها قدر الإمكان، فسادَ السلام الروماني مستندًا إلى قوة روما الضاربة وقانون الشعوب والمنتظمات السياسية والإدارية والقانونية المتينة؛ وساد السلام الإسلامي في ظل دولة ممتدة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، بثنائية قوة ناعمة مأخوذة من مبادئ الإسلام العالمية، وقوة صلبة فتكت بالمناوئين من القوى الكبرى آنذاك الروم والفرس؛ وصولًا إلى السلام البريطاني الذي أسست له إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس؛ ثم السلام الأمريكي الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه منذ إطاحتها منافسها الشيوعي العنيد، فذلك هو المبدأ الذي يحكم كل حقبة هيمنة عالمية لقوة أو قوى معينة، الأقوى هو من يفرض قواعده، ويلوح في الأفق بحسب الخبراء السعي لفرض ما يعرف بالسلام الصيني، في حال تمكُّن بكين من فرض هيمنتها عالميًا مستقبلًا.

إن التغيير والتداول وعدم الثبات لمختلف العوامل والمحددات من السنن الكونية الثابتة. ينطبق ذلك على القوة التي لا تستقر بدورها على الصعيد الدولي، وهو ما يفسر تعاقب الدول والإمبراطوريات المختلفة ما بين صعود وهبوط، في ظل صيرورة تاريخية أشبه بالحتمية، التي تقتضي تراجع أي قوة مهما بلغت من جبروت وتوسع، تحت وطأة منافسة قوى أخرى طامحة إلى الهيمنة وزحزحة القوى المسيطرة، أو حتى تحت تأثير ظروف الانقسام الداخلي والعوامل المناخية والطبيعية، لذلك يزخر التاريخ بالشواهد عن قوى أضحت هامشية أو حتى منسية بعد أن كانت تسود العالم، فانحصرت إيطاليا في حدودها الضيقة بعد أن كانت منطلقًا للإمبراطورية الرومانية العظيمة؛ وتوارت اليونان خلف أمواج بحر إيجة ومجموعاتها الجزرية المتناثرة، وهي التي كانت يومًا منارة الفكر والفلسفة وأثرت حتى في ثقافة روما؛ وانهارت الدولة الإسلامية الواسعة الأرجاء، مخلفة وراءها دولًا متفرقة، كانت فريسة للانقسام وللقوى الاستعمارية؛ وتحولت الإمبراطورية النمسوية إلى دولة صغيرة أُلحِقَت في وقت من الأوقات بالأمة الألمانية؛ وعانت الصين تبعات ومآسي قرن الذل لعقود طويلة بعد أن كانت أعرق حضارات العالم[3].

وحاليًا يشهد النظام الدولي حركية على مستوى الصراع على القمة، أبطاله الولايات المتحدة الأمريكية وقوى متحَدِّية متمثلة بالصين وروسيا وحتى الهند، وتمثل أطراف هذا الصراع على مستوىً أعلى، تنافسًا بين الغرب كفضاء جيوسياسي وجيوثقافي تقوده الولايات المتحدة، يقابله الشرق بما يحويه من قوى صاعدة، وتسارع في النمو الاقتصادي، وحيوية في مجال الإبداع ورأس المال البشري والاجتماعي، وتاريخ حضاري عريق.

تعَدّ أحداث من قبيل صعود الصين وتزايد طموحاتها ونفوذها في الهندوباسيفيك والعالم ككل، وتهديدها النفوذ الأمريكي ومصالحه، وكذلك الحرب الروسية – الأوكرانية، التي تعبر عن رفض روسيا للسياسات الغربية التوسعية عبر حلف الأطلسي بالخصوص، ضمن مظاهر الانقسام الكبير للعالم ما بين الشرق الذي تقوده الصين وروسيا شرقًا، والغرب الذي تتزعمه والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، إضافة إلى حلفاء آخرين في آسيا وأوقيانوسيا مثل أستراليا ونيوزيلندا.

يجادل الكثير من الخبراء أنه من ناحية جيوسياسية، انقسم العالم حاليًا بالفعل إلى كتلتين أو منطقتين، تنقسم إلى فضاءين جيوستراتيجيين، مع مناطق صدع جيوستراتيجية واسعة في شرق أوراسيا وغربها، وهي تمثل مصدرَ ومركزَ التفاعلات السياسة العالمية، على الصعد المتعددة المحلية والعالمية. ضمن هذه البنية تتصارع الاستراتيجيات القارية والبحرية معًا، على الجانب الأول تتركز روسيا والصين وحلفاؤهما شرقًا، ومن جانب ثانٍ تتركز الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفاؤهما في فضاء الأطلسي والباسيفيك غربًا، وهذا الانقسام هو نتاج للتطورات المسجلة خلال العقود الثلاثة الماضية، وصعود قوى دولية اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، وتحوُّلها إلى منافس حقيقي للغرب وقواه التقليدية[4].

واعترف مفكرون غربيون وأمريكيون بمستوى كينيث وولتز وجون ميرشايمر وكريستوفر لاين، بأن بنية العلاقات الدولية وما تعرفه من اتجاه متزايد لعدد من الدول إلى موازنة القوة الأمريكية، سيؤدي إلى تقليص مدة الهيمنة الأمريكية لتصبح أقصر نسبيًا[5].

بعد الحربين العالميتين انتقل مركز العالم من أوروبا إلى أمريكا، وهو الآن يتجه نحو آسيا، حيث يتم رسم خريطة جديدة للقوى؛ فقد تراجع نصيب الولايات المتحدة وأوروبا الغربية من سكان العالم من 20 بالمئة في الستينيات إلى 12 بالمئة في مطلع الألفية الجديدة، وسوف ينخفض أكثر إلى 9 بالمئة بحلول منتصف القرن الحالي، بينما مليارات البشر في آسيا يمثلون 60 بالمئة من سكان العالم، ويمثلون ثورة لافتة ورائعة في الحيوية الاقتصادية بحسب هيلموت شميث المستشار الألماني الأسبق.. فما بدأ بصعود اليابان، واستمر بنمو النمور الآسيوية، يكمله الآن الصينيون والهنود.. ويكفي أن نعلم أن الصين استطاعت في 12 عامًا فقط أن تضاعف نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي، بينما استغرقت بريطانيا 60 سنة لتحقيق ذلك، مقابل 40 سنة للولايات المتحدة الأمريكية[6].

إننا شهود على مرحلة تحوُّل استراتيجي حاسمة، تنتقل فيها القوة من الأطلسي إلى الباسيفيك، ومن الغرب نحو الشرق، ومن القوى الإمبريالية الغربية إلى القوى الآسيوية الطموحة والعريقة، وربما يُغفِل الكثيرون أو يجهلون حقيقة أن ما يحدث حاليًا من تحوُّل للقوة، هو فصل جديد من فصول انبعاث قوى كان لها في الأصل تاريخ حضاري عريق، وكانت قوى مهيمنة ولها تقاليد الزعامة والقيادة. ولا داعي هنا إلى التذكير بتفاصيل العراقة الحضارية للصين والهند الضاربة في القدم. وقد كان البلدان معًا أكثر تقدمًا تقنيًا من الدول الأوروبية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكان الناتج القومي للهند في القرن السادس عشر الأعلى عالميًا، وفي الوقت الذي لم يكن يوجد أثر لدولة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى الكثير من الدول الأوروبية، كانت دول آسيوية كاليابان والصين والهند وإيران ذات خلفيات حضارية عريقة، ومؤثرة في التاريخ العالمي، لذلك فنحن اليوم لسنا في صدد صعود قوى وقارة حديثة عهد بالريادة العالمية، بل نحن أمام انبعاث جديد وعودة لدائرة القوى العالمية لقارة تستعيد مكانتها ليس إلا.

فميزة القوى الآسيوية العريقة هي قدرتها على بعث نفسها من جديد، وهو ما أكده زبيغنيو بريجينسكي في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى، معطيًا مثالًا بالصين وما يميزها من قدرة عبر تاريخها على القيام بعمليات تجديد دورية، أو عمليات إحياء وترميم نشيطة، لتكون بذلك مختلفة تمامًا عن الإمبراطوريات الأخرى[7].

في حين أخذ الغرب يتحول إلى نسخة مصغرة من نفسه، فقد بدأ سكانه ينكمشون ويشيخون معًا، وتناقصت روح الإبداع والابتكار، وتراجع نصيبه الاقتصادي، وسوف ينكمش نصيب أوروبا من السوق العالمية الذي كان يعادل ثلاثة أمثال نصيب الصين والهند معًا قبل الحرب العالمية الأولى، إلى 15 بالمئة فقط من القوة الاقتصادية لهذين البلدين مع مطلع 2030. لقد انتقل محور التركيز الاقتصادي بعيدًا من الغرب، وفي الوقت الذي كان المحور الإنتاجي الغربي ينكمش، بانخفاض نصيب الولايات المتحدة في الصادرات العالمية منذ 1960 بمقدار النصف، قامت الأمم الآسيوية بنهضة عملاقة، وهدفها هو فرض السيطرة والهيمنة، وأن يكونوا قادة لا تابعين[8].

يحدث ذلك في إطار توجهات واعية ومتعددة الأبعاد لتعزيز مصادر القوة بما في ذلك القوة الناعمة، لأن السعي إلى المكانة لا تتحكم فيه المصادر المادية للقوة فقط، فتحدي الجذب ونشر القيم وتوسيع اللغة وتسويق الثقافة والنماذج، سواء التنموية منها أو المعرفية لإحداث تأثير فكري وحضاري، يؤدي دورًا كبيرًا في معركة التموضع التي تتطلب تجنيد كل مظاهر القوة ومقوماتها، بما في ذلك المعنوية منها.

يحضرنا هنا نموذج تنامي القوة الناعمة لعدة دول محسوبة على الشرق، حيث تعد الصين رائدة في هذا الجانب، ولها دائرة مختصة بكسب القلوب والعقول، تهتم بتنمية وتعزيز ونشر قوة الصين الناعمة عبر أبعاد مختلفة، مثل نموذجها التنموي كتجربة يمكن أن تلهم الدول التي كانت في مثل حالتها قبل إقلاعها الاقتصادي، ونشر اللغة الصينية وزيادة الناطقين بها عبر العالم، واستقطاب المزيد من الطلاب الأجانب لجامعاتها التي تأخذ مكانة عالمية مضطردة، وحتى من خلال أنشطة أخرى كالمطبخ الصيني، ورياضات تقليدية مثل «الووشو» والكونغ فو وغيرها. وتفخر الهند بديمقراطيتها الأكبر في العالم، وتأثير جاليتها الكبير في الخارج، ومطبخها المتنوع والمنتشر عالميًا، والصناعة السينمائية في بوليوود المنتشرة على نطاق عالمي، وتسعى اليابان وإندونيسيا وماليزيا إلى أمر مماثل بتوظيف رصيدها الثري حضاريًا وقيميًا وتنمويًا.

ثانيًا: محفزات الجزائر لتبني سياسة للاتجاه شرقًا: بدائل عملية ونماذج ناجحة

تزخر الجزائر بمقومات تؤهلها للقيام بدور يفوق كثيرًا ما تكتفي به حاليًا. وفي ظل الواقع الدولي الذي يشهد مسارًا لتحوُّل القوة وميل الكفة نحو الشرق، يكون إدراك طبيعة التحول الحاصل أمرًا مصيريًا، لاكتساب القدرة على وضع سياسات تواكب الواقع الجديد، وهنا يكون من الضرورات الملحة تطوير سياسة للاتجاه شرقًا، بجعل ذلك الفضاء الجيوسياسي أولوية ومركز اهتمام سياسي واستراتيجي واقتصادي بالنسبة إلى الجزائر، فالأولويات الجيدة تتحدد وفقًا لإدراكات جيدة، وقدرة جيدة أيضًا على تعبئة الموارد اللازمة.

لا يكفي فقط أن تمتلك دولة ما مقومات ومصادر قوة متنوعة، مهما كانت جغرافية وطبيعية أو عسكرية واقتصادية أو سكانية وثقافية حضارية، كي تؤدي دورًا فاعلًا أو تكون مؤثرة في محيطيها الإقليمي أو حتى العالمي،  بل الأمر يحتاج بالدرجة الأولى إلى حسن توظيف تلك الإمكانات، وبلورتها في إطار توليفة متكاملة لتتحول إلى مصدر قوة وتأثير حقيقي، وما يتحكم في كل ذلك هو وجود رؤية وتصور واضحين لما تمتلكه الدولة، ولما تمثله من ثقل آني، وما تريد أن تكونه لاحقًا، وهنا يحضر عامل الإدراك بصورة أساسية، سواء تعلق الأمر بإدراك مصادر قوة الدولة وامتداداتها وقيودها، أو إدراك معالم البيئة التي تتفاعل الدولة ضمنها إقليميًا وعالميًا، والقدرة على إدراك واستشعار التحولات الحاصلة على مستوى توزيع القوة وحركيتها، لتقوية وظيفة التكيُّف لدى الدولة مع الماجريات الجديدة، وهو ما يجعل الاستجابات المطلوبة أكثر مرونة وفاعلية، ويكون تبني سياسات واستراتيجيات جديدة للتعامل مع المستجدات، إحدى الآليات المطلوبة لتقوية مركز الدولة وتوطيد موقعها الدولي، وهنا يظهر الارتباط الوثيق بين السياسة الجديدة الجيدة، والقدرة على إدراك الواقع وتغيراته.

تاريخيًا، تمتلك الجزائر علاقات قوية مع قوى الشرق المختلفة، سواء خلال حقبة الثورة التحريرية مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، أو خلال بناء توجهات السياسة الخارجية الجزائرية بعد الاستقلال، حيث كانت العلاقات الجزائرية مع القوى الآسيوية وقوى الشرق عمومًا مميزة، بداية بالعلاقات مع الاتحاد السوفياتي سابقًا أثناء الحرب الباردة، أو حتى مع وريثته روسيا منذ التسعينيات، وكذلك العلاقات مع الصين التي جمعتها بها علاقات اقتصادية ثرية ومستمرة إلى يومنا هذا ومرشحة للتوطد أكثر، بينما الهند شريكة الجزائر تاريخيًا في الكفاح من أجل التحرر، ومن ثم في نشاط حركة عدم الانحياز والتعاون جنوب – جنوب، وتشهد حركية اقتصادية وترتبط بالجزائر بمصالح حيوية للطرفين، وقد كان المحرك الكبير لتلك العلاقات مع القوى المذكورة خلال حقبة الحرب الباردة، هو معارضة الهيمنة الغربية التي يمثلها المعسكر الرأسمالي، سواء في إطار حركة عدم الانحياز مع الهند، أو العلاقات البينية الثنائية مع الصين والاتحاد السوفياتي، ناهيك بقوى آسيوية أخرى تحقق حاليًا قفزات اقتصادية وحتى حضارية، في شاكلة ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وفيتنام وغيرها.

لقد عانت الجزائر في ظل سياساتها وعلاقاتها مع القوى الغربية، وما تحمله من قيم النموذج الغربي سياسيًا واقتصاديًا وحتى ثقافيًا، معاناة كبيرة، من دون أن تجني الفوائد والمكاسب المرجوة، بسبب عدة عوامل مرتبطة بالاختلال الكبير في موازين القوى بين الطرفين، وافتقاد الجزائر في عدة مبادرات واتفاقيات لرؤية متكاملة للوضع فكابدت خسائر معتبرة.

وأهم مثال على ذلك هو اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي أضر بالبلاد، وكان في مصلحة الطرف الأوروبي بالأساس، وهو ما استدعى مساعي لإعادة التفاوض في شأنها، وفق نظرة سيادية ومقاربة رابح – رابح كما جاء في توصية مجلس الوزراء الجزائري الذي انعقد في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2021 [9]، وذلك بعد تضييع أكثر من 15 سنة في شراكة أضرت بمصالح البلاد، على خلاف ما كان يروُّج له من الفوائد التي ستنجر عنها، على الرغم من أن القراءة الأولية في بنودها أثناء توقيعها سنة 2002 كانت تكفي لتوقع ما آل الوضع إليه حاليًا.

ناهيك بالاستعلائية الكامنة في التعامل الغربي عمومًا تجاه الجزائر وغيرها من الدول النامية، وهي عمومًا جزء من النظرة الدونية الغربية للآخر، المرتبطة بنزعته المركزية وإرثه الاستعماري، ونظرة الوصاية التي هيمنت على العلاقات بين الطرفين، وهو ما تجلى في التدخل المباشر في شؤون الجزائر في عدة مناسبات، وتسبب في أزمات دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا أو الاتحاد الأوروبي، ومن بينها تقرير البرلمان الأوروبي المثير للجدل حول وضع حقوق الإنسان في الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، فقد جاء بيان وزارة الخارجية الجزائرية ردًا على التقرير الأوروبي وصفًا محتواه بـ: «اللهجة الحاقدة والتي تشوبها روح الاستعلاء لهذا النص، الذي أبان عن العداء الدفين الممتد للحقبة الاستعمارية، الذي تكنّه بعض الأوساط الأوروبية للشعب الجزائري ولخياراته السيادية»[10].

كل هذه الأمور هي وسائل ضغط تجعل من بعض القضايا مطية للحصول على تنازلات تخدم مصالحها على حساب مصالح الطرف الجزائري، ذلك أنها تتبع نهجًا قائمًا على بنود ما يعرف بـ «إجماع واشنطن» الذي أسس له جون ويليامسون[11]، والذي كرس لتلك المشروطية والتدخلية الغربية في علاقاتها مع أطراف من خارج نطاقها، وبخاصة تلك التي لها تقاليد في معارضة هيمنتها، أو تحكمها نظم تتبع سياسات مخالفة لأهدافها ومصالحها.

في المقابل، تمتاز سياسات القوى المحسوبة على الشرق مثل الصين وروسيا والهند وغيرها، بابتعادها من منطلقات المشروطية السياسية والاقتصادية، والتدخل في الشؤون الداخلية والسيادية، حيث تبني تلك الدول غالبًا علاقاتها وفق مبدأ رابح – رابح أو هذا ما يبدو أو ما تروج له على الأقل، كما أنه لا يوجد في تاريخ العلاقات معها خلفيات كولونيالية تاريخية قد تسمم العلاقات وتحيطها بالحساسية العالية، فتلك الدول تنأى غالبًا عن المساس بالشؤون التي تعدّ من صميم سيادة الدول التي تتعامل معها، وتركز على المصالح الاقتصادية بعيدًا من أي خلفيات أيديولوجية.

ومن ذلك تطوير الصين لما يعرف بـ «إجماع بكين»، الذي يعد اتجاهًا معارضًا لمبادئ ومنطلقات إجماع واشنطن، ورغم أن تسمية إجماع بكين أطلقها الباحث الأمريكي جوشوارامو سنة 2004، وتحفظ عنها الكثير من الباحثين الصينيين، إلا أنه يعدّ وصفًا لطبيعة السياسات التي تمارسها الصين، وتمثل تحديًا حقيقيًا للسياسات الغربية، كونه يبشر بالنموذج الصيني كنموذج جديد للتنمية، مع جعل ما تتبعه مع الدول من إجراءات اقتصادية محفزًا لقوتها الناعمة، وتوظيف سمعتها التنظيمية والعناصر الثقافية وتطوير الخطاب السياسي، وكلها عناصر تلقى قبولًا لدى الدول التي عانت طويلًا الهيمنة الغربية وبخاصة في أفريقيا. وميزة إجماع بكين بحسب أريف ديرليك أنه لا يتوقف فقط عند تمكين الصين اقتصاديًا، بل هو قادر على الحشد لمعارضي إجماع واشنطن «الإمبريالي»[12].

كما أن تلك القوى تقدم اليوم بدائل أفضل وأكثر عملية مما تقدمه الدول الغربية في مجالات كثيرة، لذلك وجب على الجزائر الانخراط بدينامية وقوة، وفي الوقت نفسه بطريقة مدروسة في الفرص المتاحة، التي من بينها وأهمها حاليًا مشروع الحزام والطريق الصيني، بالعمل على مقاومة العراقيل التي تعيق تقدم هياكل المشروع الخاصة بالجزائر، وبخاصة بإتمام إنجاز ميناء الحمدانية وتطوير ميناء بجاية، وهي المشاريع التي تتكفل بها شركات صينية، لكون الجزائر واحدة من الأقطاب التنموية في مشروع الحزام والطريق في أفريقيا، ولها دورها الكبير في تحفيز التوغل الجزائري، بربط ميناء بجاية بطريق الوحدة الأفريقية نحو نيجيريا، ويسمح ميناء الحمدانية بربط الجزائر بجنوب وشرق آسيا والأمريكتين وأفريقيا، بالنظر إلى كثافة حركة النقل البحري المنتظر، لتتحول الجزائر إلى منطقة استقبال للتبادلات التجارية من الدول المنخرطة في المشروع الصيني الضخم.. ولكن مذكرة التفاهم التي وُقِّعت بين الطرفين في بكين في أيلول/سبتمبر 2018، في ما تعلق بموقع الجزائر في هذا المشروع، تبقى بحاجة إلى تفعيل أكثر وإدراك أكبر لحيوية هذا المشروع الاستراتيجي، في أخذ البلاد إلى آفاق أرحب من المكاسب والفرص والبدائل في مختلف المجالات[13].

وتمنح القوى الآسيوية ما هو أبعد من ذلك، حين تقدم تجاربها الرائدة في الخروج من دائرة التخلف وتحقيق التنمية، والأمر هنا لا ينحصر في النموذج الياباني الذي يعدّ باكورة التجارب التنموية الناجحة، ولا في النموذج الصيني المتفرد فقط، وذلك على الرغم من اللمسات الليبرالية والغربية في التجربتين اليابانية والصينية، ولكن التركيز هنا يكون على قدرة البلدين على تنمية رأس مال بشري واجتماعي انطلاقًا من قيمهما الآسيوية العريقة الكونفوشيوسية بالأساس، وهو ما جعل تلك المنطلقات الغربية الليبرالية طيعة في يد واضعي السياسات التنموية في البلدين، وتكييفها مع الواقع الخاص بهما، ليصبح الحديث متمحورًا مثلًا حول اقتصاد سوق بخصائص صينية، تمتزج فيه أيضًا الأيديولوجيا الاشتراكية والقيم المجتمعية الكونفوشيوسية، وهو ما يبشر هنا بإمكان استنهاض الوضع التنموي في الجزائر بإعادة استكشاف القيم وتثمينها وتفعيلها استئناسًا بما حدث في تجارب تنموية آسيوية ناجحة.

تقدم دول أخرى إلينا دروسًا في استنهاض ذاتها، وهي دول قريبة للجزائر حتى من حيث قيمها المجتمعية العامة، وبخاصة الدول الآسيوية المسلمة مثل إندونيسيا وماليزيا، وتتشابه معها حتى من حيث بنيتها الاقتصادية. فإندونيسيا كانت مثل الجزائر دولة ريعية ومصدرة للنفط، ولكنها انسحبت من أوبك سنة 2008 لقلة إنتاجها، ومع أنها كانت منتجة للنفط على امتداد 100 سنة، تمكنت من تجاوز حالة الكبح البنيوي الاقتصادي التي كانت تعيشها، وحققت إقلاعًا اقتصاديًا مكّنها من دخول عالم التصنيع من أوسع أبوابه وفي قطاعات استراتيجية مهمة[14]، وهو ما يمكن أن يكون بعد دراسة دقيقة منطلقًا للجزائر للخروج من اقتصاد الريع، ولا سيما أن الجزائر يجب أن تعترف بافتقادها حتى الآن لمنهج أو منطلق متين لتحقيق ذلك، رغم ما يعج به الخطاب السياسي والاقتصادي الجزائري من طرح للمعضلة، من دون وجود بدائل وخطط ملموسة لحد الساعة.

كما قدمت ماليزيا نموذجًا عمليًا لتنمية رأس المال الاجتماعي، ونجحت في تجاوز تداعيات الأزمة الآسيوية بجهودها الذاتية، ومن دون الاعتماد على مشورة وحزم مساعدات صندوق النقد الدولي. ومعلوم ما عانته الجزائر من برامج الخصخصة والإصلاحات الهيكلية التي أوصى بها الصندوق سابقًا، وهو ما عبّر عنه رائد النهضة الماليزية مهاتير محمد بقوله: «من الدروس المهمة التي قدمتها أزمة 1997، أنه على الآسيويين أن لا يتقبلوا الاستراتيجيات الغربية كما هي، بل يجب أن تخضع لاختبارات وانتقادات، وإذا أثبتت فشلها أو عدم صلاحيتها لوضعيتنا رفضناها»[15]، وهذه التجارب القريبة من الجزائر، بل والمتطابقة أحيانًا مع وقائع عايشتها، تجعل إمكان الاستفادة المتبادلة واردة إلى حدٍ كبير، بعيدًا من السياقات الغربية التي أثبتت فشلها في الجزائر وفي الدول المماثلة لها.

ثالثًا: عوائق ومحاذير في طريق سياسة الجزائر للتوجه شرقًا

يتوقف تطوير الجزائر سياسةً للاتجاه شرقًا على مدى قدرتها على الإحاطة بالفرص المتوافرة، وإدراك المخاطر والتحديات المطروحة، وكذلك تحديد العوائق والعراقيل التي تقف في وجه هذا التوجه، والعمل على تذليلها وتجاوزها.

فرغم الروابط التاريخية العميقة للجزائر بقوى الشرق، وكذلك الخطاب السياسي الذي يحمل رؤية إيجابية لتلك القوى، إلا أن ذلك يبقى في إطار رؤى وعلاقات متفرقة، تفتقد لوضعها في سياق واحد متناغم صوغَ سياسة للاتجاه شرقًا، قوامها نظرة جامعة تقوم باستقراء واقع القارة الآسيوية، من حيث كونها مركز التفاعلات الاستراتيجية العالمية، وتحديد الفرص التي توفرها هذه التحولات لاستغلالها، واستكشاف المحاذير والمخاطر التي يمكن أن تنجر عن هذه التحولات والتحضير للتعامل معها، والاستفادة في ذلك من خبرات دول أخرى نهجت هذه السياسة في صورة تركيا وروسيا وحتى إيران، وذلك لتنويع البدائل أمام صانع القرار الجزائري.

وكذلك استحداث مراكز تفاعل ومواطن مصالح جديدة، وكسب أوراق قوة أخرى لتعزيز موقف الجزائر التفاوضي في أي من القضايا الحساسة، وبخاصة الاقتصادية والاستراتيجية، مع أطراف غربية جمعتها بالجزائر علاقات واسعة من قبل مثل الاتحاد الأوروبي كتكتل، وعدد من دوله ذات الارتباط الكبير بالجزائر مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، ومع الولايات المتحدة الأمريكية طبعًا، لأن مشكلة العلاقات الحالية للجزائر مع فضاء الشرق، هو أنها تفتقد وحدة الرؤية والهدف، لأنها تتعامل مع دوله في إطار علاقات بينية محدودة وتقليدية في عدة مجالات، ولا تتعامل مع ذلك المجال الجيوسياسي ككل كوحدة واحدة، تمثل منطقة مصالح وصانعة للمستقبل، ومحور تفاعلات السياسة العالمية في القرن الحالي.

ذلك أن بعض المؤشرات مثل كثافة التعاملات الاقتصادية والتجارية مع الشرق، وبخاصة الصين التي تحولت إلى الشريك الأول للجزائر ابتداءً من سنة 2013، وزحزحت فرنسا عن تلك المكانة، بوصول التجارة بين البلدين إلى 8 مليارات دولار سنة 2019، وارتفاعها إلى 9 مليارات دولار سنة 2020 [16]، لا تعبر عن وجود إرادة لتغيير أولوية التعامل والسياسات التي ما تزال متجهة نحو الغرب، لأن الصين هي من فرضت قوة حضورها في المشهد الجزائري، بفضل نموها الهائل كنوع من سياسات الأمر الواقع، وهو ما تشهده حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني عجزًا تجاريًا رهيبًا مع الصين، ومرد ذلك ليس رغبة واعية وموجهة لدى صناع القرار في الجزائر للانعتاق من تبعية طالت للغرب. فما تزال فرنسا مثلًا تمتلك نفوذًا أكبر في الجزائر من حيث التأثير في القرارات السياسية وفي الجوانب الثقافية، وكنموذج لدى الكثير من أفراد النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية المتشبعة بالثقافة الفرنكوفونية، ليكون بذلك التوجه الاقتصادي نحو الصين بالأخص ذا بعد مادي ومدفوع بقوة اقتصادها.

وهو ما يجعل تلك التوجهات المادية والتجارية غير حاسمة فعلًا كمؤشر على وعي النخب السياسية الجزائرية بأهمية الاتجاه شرقًا، وتشكيل بدائل عن المستعمر السابق وغيره من دول الاتحاد الأوروبي، وما يزال إلى الآن مثلًا سفراء فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أوروبية، أكبر مكانة معنويًا من سفير الصين أو أية دولة آسيوية صاعدة. فرغم تلك التعاملات التجارية والاقتصادية النشيطة مع دول آسيوية وبخاصة الصين، فهي بمنزلة تحصيل حاصل، ولا تعبّر عن توجه عام وواع نحو الشرق كبديل مستقبلي وكمركز قوة عالمي ناشئ، يمكن استغلاله كعامل موازن في علاقاتنا التقليدية مع القوى الغربية.

ومن الناحية الثقافية كذلك، نلاحظ غيابًا في الجزائر للانفتاح على الثقافات الشرقية الآسيوية، وذلك على الرغم مما لهذا العامل من دور في تعزيز العلاقات وتحقيق التقارب، وخلق دينامية مجتمعية وشعبية بين الجزائر ومختلف القوى في آسيا، وهو ما يدل على نظرة قاصرة في علاقاتنا بالشرق، جعلت منا مجرد سوق لتصريف منتجات اقتصادات بلدانه، مع تغييب البعد الحضاري والثقافي الذي يمكن أن يُحدث تلاقحًا بين قيمنا والقيم الآسيوية التي تتشابه وتتقارب مع القيم خاصتنا في نواح كثيرة، حيث ما يزال هنالك انغلاق في الجزائر في هذا المجال، وهي ما تزال فضاء لانتشار نماذج ثقافية غربية وفرنكوفونية بالأساس.

على سبيل المثال، ورغم وجود أكثر من 500 من معاهد كونفوشيوس، وأكثر من 1113 حلقة من حلقات دراسية مرتبطة بها في 146 دولة، تعلم اللغة الصينية وتنشر ثقافتها، وتقوم بأنشطة ذات صلة بالتاريخ والثقافة والحضارة الصينية، وتنشط إما داخل الجامعات أو خارجها، وتؤدي دورًا كبيرًا في التعريف بالصين عالميًا، ونشر وتعزيز قوتها الناعمة، وتساهم في فهم أكبر للقوة الصينية الصاعدة والطامحة لاستعادة أمجاد المملكة الوسطى[17]، إلا أنه لا وجود في الجزائر لفرع لهذا المعهد مع أنه موجود في دول مجاورة، على الرغم من الوجود المكثف للصين في الجزائر في مختلف المشاريع، وكونها الشريك التجاري الأول لها، وهو ما يمثل ثغرة كبيرة لا تساعد على فهم جيد للآخر، ويؤثر في أي مساع لبناء سياسة فعالة.

إن الفضاء الجيوسياسي في الشرق، يمنحنا فرصًا متنوعة وبتكلفة تبدو ولو نظريًا أقل مما تعودناه في تعاملاتنا مع الفضاء الغربي طوال عقود، تم فيها استنزاف الكثير من الموارد وتضييع الفرص، في علاقات كان عبؤها وتكلفتها أكبر من عائداتها ومنافعها، في حين يبدو التقارب مع الأطراف والفواعل الصاعدة في الشرق، التي تعرف نهضة اقتصادية تنموية وسياسية أجدر بالسعي نحوه، والتخطيط للاستفادة القصوى منها، فميزة أي سياسة جيدة هو المرونة التي تختص بها، والتي تستطيع أن تُحَيِّد أي حالة جمود أو تأثير لنمط تفكير تقليدي تجاوزه الزمن لدى صانع القرار.

تبرز هنا إشكالية نسق وهيكل التفكير الخاص بالنخب القرارية في الجزائر، التي تعودت لعدة عقود اعتماد منظور مألوف ومتكرر للتعامل تجاه فضاء غربي، متأثرة غالبًا بتصوره للعالم وحتى بقيمه، وتستقي منه الكثير من رؤاها وتحليلاتها، وهو ما يحجب عنها التفكير على نحوٍ مختلف أو خارج الصندوق، نظرًا إلى هيمنة قيود التفكير التي عمرت طويلًا، وحتى عدم إدراكها لخطورة التحولات المرتقبة، بل وحتى استبعادها لحدوث تحولات تزحزح الفضاء الغربي بمكوناته المتعددة عن الريادة العالمية، وذلك ما ينجرّ عنه سوء إدراك ذو عواقب وخيمة على تفكيرنا في المستقبل والتخطيط له.

غير أنه يتبلور حاليًا توجه أكثر وعيًا نحو الشرق، ونحو فهم طبيعة التحولات الدولية الحاصلة، وتجسد ذلك في تقديم الجزائر رسميًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، طلب انضمامها إلى عضوية مجموعة البريكس BRICS))، التي تعد الهيكل المؤسسي الجامع لأهم القوى الصاعدة عالميًا (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا)، وفي حال قبول الطلب فسيكون ذلك دفعًا كبيرًا لسياسة الاتجاه شرقًا، ولا سيما أن دول بريكس تقود مسار تشكيل عالم متعدد الأقطاب، وتمثل 40 بالمئة من مساحة العالم، وتسهم بربع إجمالي الناتج المحلي العالمي، ويبلغ عدد سكانها نحو 40 بالمئة من سكان العالم[18].

وينبغي أن يتدعم هذا الاتجاه الاستراتيجي الوليد حديثًا، بالعمل على عضوية هياكل أخرى ذات صلة بالقوى الصاعدة، وبمخرجات التطورات على مستوى النظام الدولي، ومن ذلك السعي لعضوية منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وخصوصًا أن هذه المنظمة تضم القوى الصاعدة الرئيسية الصين وروسيا والهند، ودولًا إسلامية مثل باكستان وإيران وجمهوريات من آسيا الوسطى، وتضم أكثر من 44 بالمئة من سكان العالم، وتسيطر على 20 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي[19]، وهذا ما يجب على الجزائر أن تستغله ولو لطلب العضوية بصفة مراقب في مرحلة أولى، ثم الارتقاء إلى مرحلة طلب العضوية الرسمية والكاملة لاحقًا، فعضوية المنظمة آخذة في التوسع إلى حدٍ كبير، وهي منفتحة على قوى حتى من خارج نطاقها الجيوسياسي المباشر، وتضم قوى تجمعها بالجزائر علاقات وطيدة، ورؤى متطابقة حول الكثير من القضايا الإقليمية والعالمية المطروحة.

فضلًا عن ذلك، من الضروري أن تتجه الجزائر في حالة الحاجة نحو التعامل مع المؤسسات المالية المستحدثة خارج النطاق الغربي، وعلى رأسها بنك التنمية الجديد[20] التابع لمجموعة بريكس، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIIBا[21] الذي تقوده الصين، والانضمام إلى عضويتها كذلك، وهي مؤسسات أوجدت خصيصًا لتكون بدائل إقراض ومساعدة للبلدان النامية، بعيدًا من سطوة المؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي انحرفت عن أهدافها الموضوعة، وتحولت إلى أدوات في يد الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لفرض الهيمنة المالية والاقتصادية، والتدخل حتى في الشؤون السياسية الداخلية للدول مقابل تقديم القروض والمساعدات إليها، وهو ما عانته الجزائر خلال التسعينيات بعد أن اعتمدت الانفتاح الاقتصادي وبرامج الخصخصة والتكيُّف الهيكلي، ودفعت ثمن ذلك غاليًا.

ولا نتصور أن أي مسعى من الجزائر لتعزيز علاقاتها بقوى الشرق، قد يتم هكذا بسلاسة وسهولة من دون أن يثير حفيظة القوى الغربية، ويرفع درجة القلق لديها من تلك التطورات، لأنها اعتادت تحقيق مكاسب كبيرة من وراء مصالحها الاقتصادية والتجارية مع الجزائر، ولذلك لن تفرط بسهولة في علاقاتها بالجزائر، أو تسمح لقوى أخرى بأخذ مكانتها التقليدية كشريك كبير للطرف الجزائري، وهنا على الجزائر أن تستغل ذلك لفرض توجهاتها على نحوٍ أكبر في علاقاتها بتلك القوى، والوصول بها إلى درجة تعامل الند للند، لأن مقومات الجزائر مغرية وتمثل مصدر قوة من جهة، ولأن البدائل بالنسبة إلى الجزائر أصبحت متوافرة من جهة أخرى، ولأن الأوضاع مضطربة في أوروبا من جرّاء الحرب الروسية – الأوكرانية وتزايد نسب التضخم من جهة ثالثة، وما تهافت الدول الأوروبية وبخاصة إيطاليا وفرنسا والاتحاد الأوروبي عمومًا على الجزائر، من أجل الحصول على عقود الغاز الطبيعي بعد تداعيات الحرب في أوكرانيا سوى دليل واضح على ذلك.

تحضرنا هنا أيضًا التوجهات السياسية الجديدة للجزائر المتمركزة حول تفعيل دورها الإقليمي عمومًا، وفي المنطقتين العربية والأفريقية على وجه الخصوص، الذي يمثل عودة إلى تقاليد الدبلوماسية الجزائرية في ممارسة التأثير والانفتاح على هاتين الدائرتين الاستراتيجيتين المهمتين ضمن بقية دوائر سياستها الخارجية، وهو ما يمكن أن يكون نقطة قوة في توجهها شرقًا، لأن الأمر لا يتعلق بالجوانب والقدرات الاقتصادية التي تمتلكها الجزائر فقط، بل يتعلق أيضًا بمدى تبنيها سياسة واضحة في محيطها الإقليمي بخاصة، وهو ما يمكنها من تقديم نفسها كبوابة بالنسبة إلى قوى الشرق الصاعدة لتعزيز علاقاتها وحضورها في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، وهذا ما يدخل في إطار جزئية مهمة من الإجابة عن سؤال ماذا يمكن أن تقدمه الجزائر إلى تلك القوى في المقابل، لأن العلاقة في الأخير قائمة على البراغماتية وتبادل المنافع، لا على الجوانب الرمزية والتاريخية فحسب، فهذه الأخيرة يمكن أن تكون محفزًا وعامل تعبئة في العلاقة، ولكن لا يمكنها لوحدها إنجاحها.

وبرزت مؤخرًا عدة مظاهر لاتجاه الجزائر إلى القيام بدور جديد وأكثر عملية وفعالية عربيًا وأفريقيًا، فهي من جهة قامت برعاية مبادرة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، التي توجت بتوقيع اتفاق الجزائر في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2022، الذي وقّعته الفصائل الفلسطينية، على رأسها فتح وحماس و12 فصيلًا آخر، اتفاق برعاية جزائرية، خلافًا للمرّات السابقة، التي كانت فيها الوساطة منحصرة بالنظام المصري أو دولة قطر أو بحوارات داخلية، ورغم ما يحيط بالاتفاق من صعوبات ومخاوف من فشله كسابقيه، فإن توقيع الاتفاق يدل ولو من ناحية رمزية، على المكانة الكبيرة التي تحظى بها الجزائر لدى الجانب الفلسطيني بمختلف أطيافه، بوصفها دولة متبنية للقضية الفلسيطنية، ولها علاقات قوية بمختلف الفصائل، وهو ما كان عاملًا حاسمًا في توقيع الاتفاق بهدوء، وجمع الفرقاء الفلسطينيين في لقاء واحد معًا بعد طول تشتت[22].

واستمرار هذا المسعى حتى بعد توقيع الاتفاق، وعقد القمة العربية في الجزائر التي كانت تحت شعار لم الشمل العربي، حيث بدأت الجزائر مساعي لتحريك ملف المصالحة الفلسطينية مجددًا، بعد شهر من القمة العربية التي كُلفت الجزائر بإدارة مشاورات مع الدول الأعضاء في لجنة فلسطين، بهدف تأليف فريق عربي يشرف على تنفيذ المصالحة الوطنية الفلسطينية [23].

ومعلوم أيضًا دور الجزائر في مناهضة التطبيع منذ بداياته الأولى، إلى غاية ما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، وتأكيدها خطورة تلك الخطوة على المدى البعيد، سواء على الدول التي تبنت ذلك النهج، أو على مستقبل القضية الفلسطينية، وحتى الأمن القومي العربي، والمصير المشترك لدول المنطقة. وكانت القمة العربية في الجزائر فرصة لتأكيد تلك المواقف والإصرار على إبقاء القضية الفلسطينية في صلب جدول أعمال القمة، وما صاحب تلك القمة من دعوة إلى تفعيل العمل العربي المشترك، والتحرك الفعلي لحل قضايا حساسة مثل الأمن الغذائي العربي.

إن وجود رؤية جزائرية واضحة ومتكاملة لتطورات المنطقة العربية والقارة الأفريقية بوصفهما مجالها الاستراتيجي المباشر، يساعدها على تقوية موقفها كلاعب إقليمي فاعل، وهو ما تبحث عنه قوى مثل الصين وروسيا، لتكون الجزائر بالنسبة إليهما نقطة ارتكاز نحو تحقيق أهدافهما السياسية والاقتصادية في هذا النطاق الإقليمي الحساس، بما يختزنه من فرص تطمح تلك القوى لاستغلالها لتقوية مركزها بدورها.

لكن هذا لا يعني أن التوجه نحو الشرق لا يفرض بدوره مخاطر ومحاذير لا بد من التحوط منها، فسياسات أي قوى صاعدة أو طامحة إلى الريادة، لا تخلو في مرحلة ما من نزعة هيمنة تفرضها مقتضيات المكانة والصدارة، فحتى وإن كانت بدايات الصعود سلمية ومراعية للتوازنات بما يخدم هدف كسب شرعية وتأييد لتبوئها المكانة المرجوة من مختلف الأطراف، إلا أن هنالك لحظة دولية تجعل من ممارسة الهيمنة وفرض القيم والقواعد الخاصة بتلك القوة الصاعدة في صلب أجندتها، ثم تأتي مرحلة بحثها عن تبريرات لسياساتها الخاصة بالهيمنة، وهو ما يدفع باتجاه أخذ هذا المتغير في الحسبان في رسم أية سياسة، لأن الهدف من السياسات البديلة لدى الجزائر، هو تحقيق المصالح والأهداف بفاعلية أكبر وبتكاليف أقل، وليس استبدال هيمنة بهيمنة أخرى، وتبعية بتبعية أخرى، كي لا نكون مثل العبد الذي يتمثل أقصى طموحه، في أن يكون تحت إمرة سيد أقل سوءًا من سيده الأول.

ومن الجانب الاقتصادي كذلك، الذي يمثّل عماد التعاملات الجزائرية مع الدول الآسيوية، وبخاصة الصين، فقد تكون تلك التعاملات مدخلًا إلى توليد هيمنة على نحوٍ مختلف، وهو ما وقع به بعض الدول الأفريقية وحتى بعض الدول في آسيا الوسطى أو المجر واليونان، وغيرها، التي أصبحت مدينة للصين بمليارات الدولارات في إطار ما عرف باسم «فخ الديون»، في إطار إنجاز منشآت وهياكل مشروع طريق الحرير، أو الاستدانة لتغطية عجز في الميزانية وغيرها، وهو ما يمكن أن يرهن القرار السياسي لتلك الدول من طرف الصين في أي وقت، ليتم استبدال المشروطية السياسية والاقتصادية الغربية بمعضلة الديون الصينية.

وحتى روسيا التي تعدّ شريكًا تقليديًا للجزائر، ومع عملها منذ وصول بوتين للحكم على استعادة دورها العالمي، وهو ما بدأ يتجسد بوضوح في دورها الفعّال في الساحة السورية في مقابل تراجع الدور الأمريكي، نجدها بدورها تمس بمصالح وأدوار الجزائر ومساعيها في إيجاد حل سلمي في ليبيا، مع وجود عناصر جماعة «فاغنر» في ليبيا، المؤيدة لخليفة حفتر والدول التي تدعمه، ووقوفها ضد الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس، وهو ما يمثل تعارضًا مع المصالح الجزائرية، على الرغم من نفي روسيا لكون تلك الجماعة تمثل الدولة الروسية هناك، بوصفها شركة أمنية خاصة وليست تابعة للدولة.

لذلك يجب أن يكون إدراك الجزائر لعلاقاتها بقوى الشرق ولأي سياسة للاتجاه شرقًا قويًا وعمليًا، من طريق وضع هدف واضح ولا يمكن التراجع عنه، وهو هدف اكتساب المكانة اللائقة، وتجنُّب الوقوع في فخ تبعية من نوع آخر ولقوى أخرى، وذلك بالإدراك الجيد للذات وللمقومات وللمصالح وللدور المرسوم وللتحديات والمحاذير، فالفضاء الدولي المتغيِّر يمنح دومًا الكثير من الفرص التي تحطم هيكل القيود الستاتيكية، التي كانت تفرضها القوى المهيمنة الغربية التي كانت تسعى للحفاظ على الوضع القائم الذي يخدمها، قبل أن تواجه تحديًا من قوى أخرى غير راضية بهيمنتها من الشرق أساسًا، واقتناص تلك الفرص يكون فقط لمن يجيد قراءة طبيعة التحولات وحتى توقعها واستباقها، واستكشافها وتحويرها لمصلحته.

خاتمة

إن براغماتية التوجهات والسياسات، وتقديم مصالح الدولة وأولويتها، والسعي لتعظيم المكاسب والمنافع، والعمل على التموضع المناسب في خضم بيئة متغيرة، كلها عوامل تدفع باتجاه ضرورة التعامل بمنظور متطور ومختلف مع الواقع الدولي، ووضع تصورات مسبقة لفهم التحولات التي تحدث، وبما أن التحولات الحاصلة في حركيتها الحالية، وحتى المتوقعة على المديين المتوسط والبعيد، تمنح الفضاء الجيوسياسي في الشرق غلبة تدريجية على كفة الفضاء الغربي، من حيث ميزان القوى المادي أو غير المادي أو الصلب والناعم، يكون من الواجب جعل سياسات الجزائر تعطي الأولوية للفضاء الأكثر احتمالًا لكسب ميزان القوة، وعدم التمسك بالمنظور التقليدي للتفكير في العالم والتعامل معه، لأن العالم يتحول وينبغي على صناع القرار الجزائريين أن يتتبعوا مسارات هذه العملية المنضوية ضمن السنن الكونية للتغيير، وعدم الالتزام بسيناريو المسار الخطي الذي يفترض ثبات الأوضاع، ويورث عجزًا مزمنًا في توقع التغيرات، وبالتالي العجز عن التعامل معها أو التخطيط للاستفادة القصوى منها.

وترتبط مصائر الأمم بشدة بعامل التغيير، حيث يُفْرَضُ عليها أحيانًا أن تنتهج تغييرًا في سياساتها وفي توجهاتها، وتجد نفسها أحيانًا أخرى مجبرة على التكيف مع تغيرات البيئة المحيطة بها، كما أنها قد تقع ضحية جهلها بالتغيرات الحاصلة وبسوء قراءتها وإدراكها لتلك التغيرات، والأسوأ من ذلك تجاهل التغيرات وعدم التسليم بوقوعها إلى أن تتبدى تداعياتها، وتنتفي حينها أي إمكان للتملص من انعكاساتها السلبية، فالتغيير يفرض تحديات يكون حسن الاستجابة لها هو الفيصل، ومن يهدف إلى تحقيق مصالحه وأهدافه عليه أن يدرك ويعي حجم التحدي الذي يواجهه.

وفي خضم بيئة متغيرة يتحتم على الجزائر أن تمتلك ذلك الوعي بالتحديات التي تفرضها، وأن تتحلى بالفهم الوافي لماجريات عملية التحول الجارية، والانطلاق من أن تغير موازين القوى هو حتمية من الحتميات التاريخية وشواهد الماضي البعيد والقريب تؤكد ذلك، والتسليم بأن التغيير سيحدث يومًا ما، والمطلوب هو الاستعداد له، ومن منطلق المعطيات المتوافرة التي تؤكدها مختلف الدراسات والباحثين، تتجه العلاقات الدولية نحو عالم تميزه ريادة الشرق، المتمثل خاصة في القارة الآسيوية وروسيا، مع ما تشهده الصين والهند وقوى آسيوية أخرى من نمو طموحاتها للتموضع ضمن القوى الفاعلة دوليًا، من النواحي السياسية والاستراتيجية والاقتصادية وحتى الثقافية والحضارية، وتقديمها نماذج ناجحة تنمويًا، وإحراجها للقوى التقليدية الغربية وتهديدها لمكانتها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يشي بضرورة توجيه بوصلة أولويات السياسية والاقتصادية والتنموية للجزائر صوب الشرق، حيث يبرز فضاء يتطور ويتقدم وينمو، في مقابل فضاء غربي تثبت المؤشرات تراجعه، وبشهادة كبار المفكرين والمنظّرين الغربيين أنفسهم، لذلك فمقتضيات المصلحة والبراغماتية تفرض علينا تبني سياسة واعية ومتكاملة للاتجاه شرقًا، وهي إطار مختلف تمامًا عن نسق تعاملنا التقليدي مع القوى الآسيوية على نحوٍ مشتت وثنائي غالبًا وفي قضايا الاقتصاد بالأساس، مع غياب تصور لبلورة سياسة ذات هدف موحد عمومًا، وهو توسيع نطاق التحالفات، وتوسيع هامش المناورة بتوفير بدائل وخيارات أخرى، والاستعداد للمستقبل بالتموضع مع الطرف الذي يحقق الطموحات والأهداف بحسب ما تقتضيه المصالح العليا للجزائر، مع مراعاة موازنة مصالحها وارتباطاتها مع الشركاء التقليديين الغربيين، ولكن بمنح أولوية أكبر لنسج علاقات واستخلاص دروس التنمية والاستنهاض الذاتي في مختلف المجالات من ناحية الشرق، مع الوعي بوجود محاذير في التعامل مع تلك القوى، حتى لا نقع في فخ هيمنة أخرى، لأن الهيمنة والتبعية تظلان أمرًا سيئًا مهما كانت طبيعة وموقع  المهيمن أو الفارض للتبعية.