مقدمة:

تتكرر الأحداث التي توحي بانعكاس الحرب الروسية – الأطلسيىة في أوكرانيا على العلاقات الروسية – الإسرائيلية وبالتالي على التنسيق الروسي – الإسرائيلي في الميدان السوري، وهو تنسيق يثير أسئلة قلقة لدى مختلف الأطراف الإقليمية المعنية بالصراع العربي – الإسرائيلي، بمن فيهم إسرائيل نفسها، حول طبيعة الشراكة الروسية – السورية وسقفها الاستراتيجي، وحول حدود الالتزام الروسي بالدفاع عن أمن سورية، وبخاصةٍ حين يتعلق الأمر بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية، وحول طبيعة العلاقة وحدود الأدوار المقبولة روسيًّا لكل من إيران وحزب الله على الساحة السورية، وبخاصةٍ الأدوار المتعلقة بالمواجهة الاستراتيجية مع إسرائيل وتعزيز محور المقاومة في المنطقة.

حدثان عرفتهما الساحتان السورية والروسية في الآونة الأخيرة، يستثيران البحث في مدى وجود مؤشرات جدِّية على حصول تحولات في العلاقات الروسية – الإسرائيلية في ضوء المشهد الأوكراني، وبالتالي مدى جِدِّ حصول تحولات في المعادلة التي تحكم الموقف الروسي تجاه الدور الإسرائيلي في سورية، وبخاصة تجاه أنشطة إيران وحزب الله العسكرية والأمنية والتسليحية في الأراضي السورية. الحدث الأول هو استخدام الجيش السوري لأول مرة منذ عشرة أعوام منصة صواريخ S-300 ضد غارة جوية إسرائيلية في مصياف في الرابع عشر من شهر أيار/ مايو الماضي، والحدث الثاني هو قرار روسيا إيقاف أنشطة الوكالة اليهودية على الأراضي الروسية كافة في 5 تموز/ يوليو الحالي.

إسرائيل والتعاطي الحرج مع الحرب في أوكرانيا

بعد أيام من إطلاق صاروخ الـ S-300 من جانب الجيش السوري في أيار/ مايو الماضي عقب استهداف إسرائيل أحد المواقع في مصياف، سارع وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس إلى تقديم تطمينات إلى الجانب الروسي بأن إسرائيل لم تذهب في أوكرانيا أبعد من تزويد القوات الأوكرانية أسلحة دفاعية غير موجّهة ضد روسيا. يعكس هذا الموقف خشية إسرائيل أن تقرر روسيا الإخلال بقواعد التنسيق العملياتي بين الطرفين في الميدان السوري، بما في ذلك تفعيل بطاريات الـ S-300 التي بحوزة الجيش السوري انتقامًا من إسرائيل على موقفها في المواجهة الروسية – الأطلسية في أوكرانيا، الذي يتناغم في النهاية مع الموقف الأمريكي والأطلسي. وهو قرار إذا ما اتُخذ فعلًا سيمثل سابقة على مستوى تحديد السقف الذي  تتيحه روسيا لإسرائيل في تدخلها العسكري في سورية، بعدما أبقت روسيا في السنوات الماضية الأجواء السورية مفتوحة أمام إسرائيل لتوجيه ضربات ضد البنى التحتية لإيران وحزب الله في سورية.

عاصفة السوخوي والتنسيق الروسي – الإسرائيلي

كانت عودة الروس مرة أخرى إلى شرق المتوسط فرصة كبيرة وضرورة استراتيجية في الوقت نفسه، بعد تحّول الصراع في سورية إلى حرب حُشد لها عشرات آلاف المقاتلين السوريين والمتعددي الجنسيات المدعمين بالأسلحة والأموال والمعلومات الكافية لقلب الوضع في سورية لمصلحة القوى الإقليمية والغربية الداعمة لهذه الحرب بهدف تغيير موقع سورية في الاستقطابات الإقليمية والدولية، وهي حرب لم يكن بمقدور الجيش السوري آنذاك إلى جانب الحضور العسكري لإيران ومحور المقاومة في سورية مواجهتها على أمام ضخامة الهجمة والإمكانيات البشرية والعسكرية والمالية والمعلوماتية المجنّدة فيها. وكانت هذه التحديات والمخاطر لحظة مؤاتية لدعم صمود سورية ودرء هذه المخاطر ولانتشار روسيا في سورية وعودتها إلى المياه الدافئة وحماية المكتسبات الروسية في شبه جزيرة القرم والدونباس، واستعادة جزء من الطوق السوفياتي القديم.

وعلى المقلب الآخر، وقبل عشرة أيام من بدء العملية الروسية في سورية في الحادي والثلاثين من أيلول/ سبتمبر 2015، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس الأركان غادي إيزنكوت، ورئيس الاستخبارات العسكرية هرتسي هاليفي، يضعون سويّة إطار التفاهم والتنسيق مع روسيا في سورية، وحصل الإسرائيليون على ضمانات حرية العمل لمنع نقل أسلحة من سورية إلى حزب الله في لبنان، وحماية الحدود بين المناطق المحتلة والمناطق المحررة من الجولان السورية، وحق إسرائيل في توجيه ضربات استباقية لعمليات موجّهة ضدها انطلاقًا من سورية، وعدم إدخال أسلحة روسية متقدمة كاسرة للتوازنات في سورية، واحتواء إيران ومنافستها على مركزية القرار في دمشق.

خرج  التنسيق الروسي – الإسرائيلي إلى النور  في سورية فور انطلاق المقاتلات الروسية من قاعدة حميميم، وتحوَّل إلى مؤسسة مشتركة تتمتع بهيكلية أمنية وسياسية غير مسبوقة بين الطرفين، تفتح نافذة لتحويلها إلى شراكة استراتيجية لدى قطاع واسع من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في ظل الحديث عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة. قام التنسيق على أساس تفهُّم متبادل لمصالح الطرفين في قلب سورية التي تعصف بها الحرب من كل جانب، وتتعرض لعملية تدمير منهجي من تحالف إقليمي دولي وقفت وراءه الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا والإمارات وقطر والسعودية والأردن وفرنسا.

شمل التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سورية، خطًا هاتفيًا ساخنًا بين رئاسة الوزراء الإسرائيلية، ومكتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. كما ضم حلقة استراتيجية مؤلفة من رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروتشيف، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شباط، وشكل أيمن منصور مساعده لشؤون سورية، حلقة الوصل مع المستوى التكتيكي الإسرائيلي وخصوصًا مع الوحدة 848 للاستخبارات الإسرائيلية وفروعها في تلال الجولان المحتل. في حين كان المستوى التكتيكي الروسي يشمل قاعدة حميميم، والاستخبارات العسكرية الروسية في سورية، التي تعد أعلى مستوى في القرار التكتيكي الروسي. ويعمل التنسيق على منع الصدام في الجو بين سلاح الجوي الإسرائيلي وسلاح الجو الروسي، وإعلام الروس مسبقًا قبل نصف ساعة تقريبًا من القيام بأي عملية في سورية، لتحييد بطاريات الـS-400 التي نشرها الروس حول قاعدتهم الجوية في حميميم، مشترطين عدم تعريض الجيش السوري لأي ضربة، مقابل ترك المجال مفتوحًا أمام إسرائيل لشن غارات ضد مواقع حزب الله أو الحشد الشعبي العراقي في شرق الفرات أو القواعد والحشود الإيرانية.

ماذا حقق التنسيق الأمني لإسرائيل ولروسيا

فضلًا عن إدخال إسرائيل رسميًا إلى الملف السوري، وتحت غطاء شراكة تكتيكية مع روسيا في سورية، والاعتراف بمصالحها الأمنية، نفذت المقاتلات والصواريخ الإسرائيلية حربًا متقطعة ضد إيران ومحور المقاومة والجيش السوري، ضمن استراتيجيات المعارك ما دون الحرب، لاستنزافهم في سورية التي تحولت إلى ساحة نزال لمنع محور المقاومة من استكمال بناء توازن الردع على طول خط الجبهة السورية مع فلسطين المحتلة.

نفذ الطيران الإسرئيلي منذ عام 2015  وحتى عام 2018 أكثر من عشرين غارة سنويًا استهدفت مقارّ قيادات الوحدات السورية والحرس الثوري الإيراني، ومرابض المدفعية، ومستودعات الأسلحة والذخائر، ومراكز البحث العلمي  ومصانع الأسلحة والصواريخ والمسيّرات، وتجمعات الحشد الشعبي العراقي في سورية. كما نفذ 26 غارة في عام 2018 و23 غارة عام 2019 و39 غارة عام 2021، و12 غارة من مطلع عام 2022 حتى مطلع الشهر الخامس منه.

تبنى الروس المطلب الإسرئيلي بإبعاد حزب الله، والقوات الرديفة للحرس الثوري الإيراني، 60 كلم من خط وقف إطلاق النار في الجولان، مقابل تسهيل الإسرائيليين والأردنيين وقف تسليح الفصائل السورية في الجولان المحرَّر ودرعا،  وإغلاق غرفة عمليات عمَّان، وتسهيل المصالحات، وتولي الروس مباشرة الإشراف على تلك العملية. إلا أن هذا المطلب لم يتحقق، لأنه يعني إخلاء كل الجبهة الجنوبية من المقاومة، وإبقاءها في محيط دمشق. ومنذ عام 2018 أعادت دمشق إحكام سيطرتها على المنطقة ونزع أسلحة المعارضين، واستعادت التلال الاستراتيجية فيها، ورممت منظومة الدفاع الجوي التي دمرتها الفصائل المسلحة. ويبدي الأردن احتجاجًا واضحًا على تراجع القبضة الروسية وضماناتها في الجبهة الجنوبية،كما عبر عن ذلك الملك عبد الله الثاني في واشنطن، مبديًا خشيته “أن يؤدي خروج روسيا من المنطقة الجنوبية، المحاذية للأردن إلى فراغ تملأه إيران”.

قدم التنسيق الروسي مع إسرائيل في سورية فرصة إلى تل أبيب لإعاقة أو تأخير بناء القوة الصاروخية ومنظومة الدفاع الجوي، إذ رغم حصول سورية على بطاريات الـ S-300 القادرة على إيقاع خسائر كبيرة في الـ F-16 الإسرائيلية بوجه خاص، إلا أن القيادة الروسية كانت تضمن عدم تشغيلها حتى الأسابيع الماضية.

هل تدخل العلاقات الروسية – الإسرائيلية في مرحلة جديدة؟

لا يبدو أن التفاهم الروسي – الإسرائيلي على الساحة السورية عرضة للتصدُّع بسبب ارتفاع وتيرة التصعيد الإسرائيلي في سورية، ما دام هذا التصعيد ملتزمًا إلى حد بعيد سقف التفاهمات الروسية – الإسرائيلية، ومقتصرًا على استهداف إسرائيل للحضور الميداني والنشاط العسكري والتسليحي والأمني لإيران وفصائل المقاومة، الذي لا يُلزم روسيا الدفاع عن محور المقاومة في وجه إسرائيل في ظل التحولات التي عرفها النظام العالمي منذ تسعينيات القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الشرقي من جهة، وحرب الخليج الثانية من جهة ثانية، وانعكاس هذين الحدثين على موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وإدخال الصراع العربي – الإسرائيلي في حلقة من التسويات التي تشهد ذروتها اليوم مع موجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل برعاية أمريكية ومباركة عالمية واسعة تشمل روسيا، التي لا تضع نفسها في موقع الطرف أمام ما يجري في الشرق الأوسط من استقطاب بين محورين تجاه القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني في المنطقة.

إن أي فتق في نسيج التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سورية وفي العلاقات الروسية – الإسرائيلية بوجه عام لن يحدث إلا بتورط إسرائيلي محتمل في الحرب الروسية – الأطلسية في أوكرانيا، وبدعم إسرائيلي بأسلحة متقدمة لأوكرانيا بضغط أمريكي. علمًا أن إسرائيل لم تُدِن العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا، وبقي في أهدافها لا الحفاظ على الشراكة مع الروس فقط، وإنما إنقاذ التنسيق من عواقب أي موقف لها في أوكرانيا، يغضب موسكو، وهو ما تجنبته حتى الآن بتفهم أمريكي لمصالحها الأمنية.

 

قد يهمكم أيضاً  المواجهة الروسية – الأطلسية في أوكرانيا

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التنسيق_الروسي_الإسرائيلي #روسيا #التعاون_الروسي_الإسرائيلي #الحرب_على_سورية #الغارات_الإسرائيلية_في_سوريا #العلاقات_الروسية_الإسرائيلية #الأزمة_السورية #التنسيق_الروسي_الإسرائيلي_في_سورية