مقدمة

يقول المستشرق الإيطالي كارلو نالينو «اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقًا، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها». هذا الوصف هو من الآخَر المستمع الذي يتذوق العربية، إلى الحد الذي يجعله يقر بتفوقها، ومحاسنها، إذ يحمل الناطقين بها ولا سيَّما العاملين في المعترك الإعلامي، من الصحافيين والإعلاميين والكتاب، مسؤولية التوليف بين العربية العميقة والإعلام في نسق لغوي مميز يتسم بالبساطة والجمال وبلاغة التعبير، يطلق عليه «لغة الإعلام».

تعدّ اللغة هوية حضارية للأمة وسجلًّا لحفظ تراثها ورابطة عميقة الجذور لأبنائها، سواء كانت العربية، أو أي لغة من اللغات العالمية الأخرى. والأمم منذ قرون طويلة تتصارع في ما بينها في سبيل البقاء، أو إثبات الوجود، والتواصل من أجل الوجود وعدم الاندثار. وقد تنتصر أمم، أو دول على دول أخرى، وفقًا لطبيعة المقومات العسكرية أو الاقتصادية التي تمتلكها، ولكن في نظر الأمم والمؤسسات والشخصيات ذات البعد الفكري العميق، لا تقرن الانتصارات هذه على أنها نتائج نهائية وحاسمة، بل بوصفها انتصارات وقتية، أو تصنف على أنها أمور فرعية، لأن المفهوم الفعلي للانتصار عبر التاريخ يبنى على حقائق أخرى جوهرية تتجسد في انتصار الهويات، والثقافات والعناوين الرئيسة لا الفرعية، وقد يطول لقرون تنتهي فيه أجيال، وأجيال تواكب مسيرة الصراع؛ لكن يبقى بديمومة متواصلة. وقتال الحرف بالحرف والصوت بالصوت، واللحن باللحن. والبعد الزمني الذي ينبغي أن يشكل امتدادًا لحاضر ومستقبل، يمكن أن يتشكل بطريقة يطلق عليها «الانتصار الحضاري».

وعليه يمكن طرح السؤال إذا ما كانت أمم متقدمة تكنولوجيًّا وعسكريًا واقتصاديًا في الوقت الحاضر، كما هي الحال بالنسبة إلى الدول الغربية، قد حسمت صراعها بالانتصار المؤكد على دول أقل منها قدرة مثل الدول العربية والصين؟ إن مثل هذا السؤال الذي يحمل دلالة حضارية ببعدين تاريخي ومستقبلي، يجعل متلقّيه يمعن النظر في قراءة خريطة الصراع الثقافي بين هذه الحضارات، ومَن السبب؟ لكي يتصدى للإجابة برؤية يمكن أن تجعلنا نحن العرب في حالة من التفاؤل والطمأنة على ديمومة هويتنا ولغتنا العربية.

أولًا: اللغة الإعلامية: المفهوم والصفات

علاقة الإعلام باللغة العربية علاقة ترابطية وثيقة الصلة، لا يمكن الفصل بينهما، فإذا كانت اللغة تمثل الجسم أو الهيكلية، فإن الإعلام هو الروح وأداتها. وانشغل بعض المهتمين باللغة الإعلامية، إذ شهدنا تحولًا كبيرًا في بيئتها في عصرنا الحديث، وهو ما يجعل العلاقة متبادلة نفعيًا بين اللغة والإعلام (علاقة التخادم). إن اللغة عندما ساعدت على إنجاح وسائل الإعلام في مواكبتها لمتطلبات العصر، وإن كانت أداة فاعلة من أدوات الاتصال وذات تأثير مباشر في مشاعر الناس ومعتقداتهم وسلوكهم، فإنها في المقابل تأثرت بوسائل الاتصال، ما جعل المهتمين يعزون عملية التلقي بأسلوب سهل ومشوق من خلال هذه اللغة، يعود بالفضل لوسائل الاتصال والإعلام التي ساهمت في صقلها وبحثها عن الجمالية الوصفية والسردية[1]. وقد اختلف الباحثون في تعريف لغة الإعلام وفي تحديد مميزاتها، فأطلقوا عليها تسميات مختلفة، مثل اللغة الثالثة التي تتوسط الفصحى والعامية، أو فصحى العصر التي تواكب التطور الاجتماعي والمعرفي للعرب، أو اللغة العربية الجديدة التي تستند في أصولها إلى العربية القديمة، وتستجيب لمستجدات العصر والحاجات التعبيرية للناطقين بها[2]. وذهب بعضهم إلى أنها النثر العملي الذي ظهر مع ظهور الصحافة، ويقع «في منطقة وسطى بين لغة النثر الفني، أي لغة الأدب، والنثر العادي، أي لغة التخاطب اليومي». وهي «اللغة التي تمتاز بالبساطة والوضوح، وتنأى ما أمكن عن صفات التعالي على القراء أو التقعر أو الغرابة. وجاءت تسميتها فصحى العصر تمييزًا لها من فصحى التراث وعامية المثقفين والمتنورين، وهي جامعة لصحة الفصحى وسلامتها. وللغة في الاستخدام ثلاثة مستويات، هي[3]:

– المستوى التذوقي الفني الجمالي، الذي يستعمل في الأدب والفن.

– المستوى العملي النظري التجريدي، الذي يستعمل في أداء العلوم.

– المستوى العملي الاجتماعي، الذي يستعمل في الإعلام؛ وهذا المستوى هو ما يهمنا في دراستنا هذه، لأنه فرض نفسه مع الوقت على ألوان الاستخدامات اللغوية الأخرى. ومثلت لغة الإعلام القاسم المشترك لفروع المعرفة والأعمال. ومن المتعارف عليه أن لغة الإعلام تأتي من ثلاثة مصادر هي:

الأول: اللغة العربية الفصحى أو فصحى التراث، وهي الأساس فيها، لأنها أعطتها المفردات ونظام التركيب.

الثاني: اللغات الأجنبية التي أّثرت في العربية مباشرة في مرحلة الاستعمار وفي حديث الذين درسوا في البلاد الأجنبية، وبصورة غير مباشرة من خلال الترجمة المستمرة والمتزايدة في فروع المعرفة كلها.

الثالث: اللهجات العامية التي أخذت منها وسائل الإعلام مفردات «وتراكيب، أحدثت أحيانًا تغييرًا في نظام الجملة»[4].

إن الإعلام يؤدي مهمتين متعاكستين في لغة الأداء العربية:

الأولى إيجابية: يخدم فيها اللغة العربية وينشرها ويعممها على المتعلمين والأميين.

الثانية سلبية: يشجع فيها المحكيات المحلية، وينشر أخطاء اللغة ويثبتها في الأذهان وعلى الألسنة، ويكرس الحالات الانفصالية بين البلدان العربية[5].

ثانيًا: العربية لغة العصر والحداثة

من أبرز خصوصيات اللغة العربية أنها لغة لا تشيخ ولا تضعف، فهي تتسم بالدينامية والتواصل، وكما يقول المستشرق الفرنسي أرنست رينان «اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة».

فالوطن العربي منذ بداية الألفية الثالثة شهد انفتاحًا إعلاميًا غير مسبوق تبعًا لتطور تقنيات الإعلام الرقمي أو العصري، وساهم إلى حد كبير في إبراز دور الوسائل الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية الناطقة. بموازاة ذلك عانى خبراء اللغة العربية كثيرًا شيوع الأخطاء النحوية في العربية الفصحى المستخدمة في الإعلام، التي هي ركيكة في الأساس[6]. وتتمثل هذه الظواهر بشيوع الكتابة بالعامية في المقالات والإعلانات، وفيما يخص التعامل بها في البرامج التلفزيونية والإذاعية، لم يعد ذلك يلفت الانتباه للأسف، إضافة إلى كثرة استخدام المفردات الأعجمية. بل إن صحفًا ومجلات وبرامج إذاعية وتلفازية، ينبغي أن تكون جادة، نجدها الآن تحمل عناوين أعجمية مكتوبة بالأحرف العربية. ويرصد ياس خضير البياتي وجود الكثير من البرامج ومنها ما يرد باسم «زوم» وآخر عنوانه «فلاش شو» وثالث بعنوان «ويك إند»… إلخ. المعاناة أيضًا شيوع ظاهرة التسكين وهي ظاهرة مألوفة منذ زمن طويل، فاللغة العربية تجيز الوقف، لكن التسكين في وسائل الإعلام بلغ حدًّا غير مقبول. كما انتشرت المفردات والتعبيرات الإنكليزية والفرنسية في رحاب المذيعين وأساليبهم، وتلونت طرائق نطقهم وتنغيمهم ونبرهم بأساليب واستعارات تعود إلى هذه اللغات، وباتت الأدوات اللغوية المستخدمة اليوم تمثل مزيجًا هجينًا يغرف من كل منهل، من دون أن تحمل بالضرورة ملامح شخصية البيئة الثقافية والاجتماعية التي يُفترض بها أن تنتمي إليها (وصورة المذيعة والمذيع تعكس مستوى التأثر والتقليد للنموذج الغربي ومادته بالطبع اللغة). فالتطور الملحوظ في البيئة الإعلامية وتقنياتها وثقافة المرسل والمتلقي الذي غالبًا ما ينظر إلى اللغات الأجنبية نظرة إعجاب أكثر مما يستوجب، هو الذي يثبت اختلالًا في التفكير والابتعاد من معرفة قيمة اللغة العربية[7]. لكن على الرغم من التحديات التي تواجه اللغة العربية، فإن أواصر العلاقة بين حروفها ممتزجة بقوة، وصوت الكلمة يظهر غير مشتت. إن لغتنا على الرغم من كل ما تتلقى من محاولات التذويب بسفاسف الثقافات الأخرى، تحظى بقوة الانتشار، وتثبت يومًا بعد آخر أنها الأجمل بين اللغات، فسمة الدينامية في توافرها وانسجامها وقدرتها الفائقة على التكيف وإيصال المعنى أو المضمون، والانتشار عبر الإنترنت، أبطل أفكار جميع المشككين والمتآمرين على هوية اللغة العربية، فالانتصار بالنتيجة سيكون حليف الواعين[8].

ثالثًا: التخادم بين الإعلام والعربية

على الرغم من الهفوات والسلبيات التي تتعامل بها وسائل الإعلام والعاملون فيها حيال اللغة العربية، فإنه ينبغي الاعتراف بأن هذه الوسائل لديها الكثير من المحاسن والفضائل على لغتنا العربية، ومنها على سبيل المثال إحياء العربية، فبعدما كانت مهددة بالدعوات المغرضة المشبوهة والداعية إلى إحياء اللهجات العامية، ماتت تلك الدعوات البغيضة التي كانت فرص نجاحها كبيرة لولا جهود الصحافة العربية، التي تكون أحيانًا متقدمة على المجامع اللغوية. وبفضل ذلك كانت المظاهر الإيجابية تتمثل بوَحْدة العربية وانتشارها بين مختلف فئات المجتمع، والتقريب بين اللهجات والمستويات اللغوية وتنمية الثروة اللغوية. فاللغة الإعلامية في إعلام التواصل الاجتماعي هي لغة الجماهير العادية التي هي بنفسها تحدد وتختار الرموز والإشارات التي تتطابق مع تلك التي يختزنها المتلقي في الإطار الدلالي (المخزون المعرفي)، وهي التي وُلدت ونمَت في رحم وسائل الاتصال الجماهيري التي أنتجت خطابًا ولغة خاصين، لا تنفصلان عن الزمان والمكان الاجتماعي والإنساني، فكان لها تأثير واسع في الشارع الذي تلقى خطاب هذه الوسائل وسارع لتبني هذه اللغة، وذلك الخطاب القصير والواضح[9]. وفي إطار عملية التخادم والتفاعل الإيجابي بين اللغة والإعلام، ينبغي أن نبيِّن أن بعض وسائل الإعلام العربية قدمت خدمة جليلة إلى اللغة العربية وكان لها دور إيجابي في نشرها وتقريبها من المتلقين، وفي بناء عاطفة واندماج كبيرَين مع اللغة. ومن مزايا اللغة العربية المستعملة في بعض وسائل الإعلام هي أنها لغة فصيحة، سهلة التناول، قريبة من أفهام عامة الناس، وهي لغة مقبولة على الرغم مما قد يشوبها أحيانًا من بعض الأخطاء اللُّغوية أو الأسلوبية أو النحْوية ولكنها أخطاء يمكن تجاوزها والارتقاء بلغة الإعلام، ولا سيَّما إذا ازداد الوعي اللُغوي، ونما الإحساس بأهمية العربية والحرص على ألّا تزاحمَها العاميَّات في هذه الأجهزة التثقيفية المهمة. ومع زيادة التعامل باللغة العربية إعلاميًا تولدت حالة من التطور في تناول المفردات لتؤلف ماديات فكرية تحقق الفهم والاستيعاب لأصعب الموضوعات على المتلقي[10].

إن الإعلام – بما يملك من إمكانات التواصل المذهلة، وبسبب تأثيره البالغ في المتلقّين – يمكن أن يكون من أنجع وسائل الازدهار اللُغوي وتقريب المسافة بين المواطن العربي ولغته القومية، وإنه لقادرٌ على خدمة اللغة العربية خدمةً لا حدود لها ولا سيَّما في عصر ثقافة الاستماع، ثقافة الصورة المصاحبة بالكلمة المنطوقة، واستعلائها على الكلمة المقروءة[11].

رابعًا: اللغة العربية والفاعلية العالمية

تُعرف اللغات بأنّها أصوات تُستخدم للتعبير عن إبداء الآراء والاحتياجات والأغراض والتفاهمات من جانب الشعوب. واللغة مجموعة من الرّموز والتعابير المُتعارف عليها بين مجموعةٍ من الناس تكون لتلك الإشارات عند المجموعة كاملة المعنى نفسه وذلك عند ترتيبها بوجه معين[12]. تعد اللغة العربية بحكم عدد السكان الناطقين بها والذي يتجاوز 400 مليون نسمة، إضافة إلى نسبة كبيرة من المسلمين الذين يقرأون القرآن، لغة حية بارزة بين اللغات العالمية الفاعلة، ويمكن أن يقال عنها بأنها «لغة العلم والعمل». وفي الوقت الحاضر ترتقي إلى مستوى المرتبة الرابعة بين اللغات العالمية الحية وعددها ست لغات. فهي لغة حية تحمل ديمومة الصمود، وكذلك هناك لغة أخرى متنامية مثل اللغة الصينية التي يتحدث فيها ثلث سكان العالم يمثلون سكان الصين فقط، وأخذت تنتشر في المجتمعات الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية منذ عشر سنوات انطلاقًا من قوة التأثير الاقتصادي الذي تمثله السوق الصينية. وكلنا تابع الضجة الكبيرة التي أثارها مقطع فيديو لحفيدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهي تغني وتنشد باللغة الصينية. كما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية مقطعًا آخر لابنة الملياردير الأمريكي جيم روجرز وهي تردد بطلاقة أغنية صينية. وما دام للإعلام أثر بالغ في الحياة اللغوية والثقافية، فإن المسؤولية تتطلب من وسائل الإعلام المختلفة أن تتبنى اعتماد اللغة العربية الفصحى سبيلًا أساسيًا في خطابها وتفاهماتها، كونها أفضل مصدر لتعليم اللغة ومحاكاتها والمساهمة في شهرتها وطرح عذوبتها ولحنها الجميل. والوسائل الإعلامية هي الأنسب للتقريب بين اللغة الفصحى واللغة المحكية. وهي من أصلـح اللغات، ذلك لأنها تتمتع بالدينامية أو الحركية التي تجعلها أصلح اللغات المواكبة لطبيعة الإعلام[13]. إن لدى اللغة العربية القدرة على التعبير عن معان ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبّر عنها كما يصفها المفكر الفرنسي ريجي بلاشير.

ومن أشهر الإحصاءات العالمية كتاب حقائق العالم الصادر من الاستخبارات الأمريكية و«إنكارتا» و«إثنولوج»، وهي تعطي تصنيفًا إحصائيًا بأن اللغة الإنكليزية تأتي في مقدمة اللغات الحية عالميًا، ونسبة متحدثيها في العالم زهاء 25 بالمئة، بينما حلت لغة الماندرين (الصينية) في المرتبة الثانية، وبنسبة متحدثين بلغت 18.05 بالمئة، ثم المرحلة الثالثة، وحلت فيها اللغة الهندية وقد بلغت نسبة متحدثيها تقريبًا 11.51 بالمئة، وجاءت اللغة العربية في المرحلة الرابعة، وبلغت نسبة متحدثيها في العالم 6.6 بالمئة، مع العلم أن اللغة العربية دخلت ضمن اللغات الحية العالمية في عام 1974. وجاءت في المرحلة الخامسة اللغة الإسبانية وبلغت نسبة متحدثيها في العالم 6.25 بالمئة، ثم حلت بالمرتبة السادسة اللغة الروسية، وبلغت نسبة المتحدثين بها 3.95 بالمئة [14].

إن من مفارقات العصر الحالي (الألفية الثالثة) أن اللغة العربية كانت تعامل باحترام كبير حين كانت الأمية سائدة في مجتمعاتنا بنسبة تبلغ 80 بالمئة من السكان، وحين كانت أوضاعنا الثقافية ووسائل الطباعة والنشر والاتصال أكثر تواضعًا مما هي عليه الآن. لكن حين تراجعت نسبة الأمية وتقدمت وسائل الطباعة والنشر وتزايد انتشار تقنيات الإعلام، لقيت اللغة العربية ذلك المصير البائس الذي صرنا بصدده، وبالذات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. حتى باتت تواجه بحرب في أماكن كثيرة وتعاني عدم التوقير[15].

وبلا شك «أن عصر طباعة الجريدة بالطرق البدائية كانت فيه اللغة العربية مهابة وذات انتشار قوي وفاعل» في عمليات التواصل والاتصال حتى كانوا يقولون «يمكن أن توقف الحكومات الصحف عن الإصدار لكنها لن تستطيع إيقاف المطبعة، إذ كانت المنشورات والإعلانات على الرغم من بساطتها من حيث الفكر والوعي والتأثير، تحمل لغة رصينة مفهومة»[16]. وعندما تم الحديث عن بقاء المطبعة، فهذا يعني أن الحرف لن يُلغى أو ينتهي، واللسان العربي بدأ ينحرف عن أصول اللحن اللغوي السليم بتأثير تقنيات الإعلام الرقمي، واندماج ضجيج الأصوات الصاخبة التي تتزاحم على العقول. وأن العاملين في المحطات الفضائية تكاد تختفي اللغة العربية عن الكثير من حواراتهم في المصطلحات المهنية، ولا سيما أدوات التصوير وطرق الإخراج الفني واللقطات والزوايا، حيث تطغى المفردات الإنكليزية كثيرًا وتصبح لغة تفاهم تبدو فيها العربية غريبة، ذلك الذي نلمسه بوضوح لمجرد وجودنا في غرف التحرير والعمل الفني الإعلامي[17].

استنتاجات

1 – ظهر أن العلاقة بين اللغة العربية والإعلام علاقة ذات أواصر علمية ومهنية في آن واحد، لا يمكن الفصل بينهما، وهي يمكن أن تسمى «علاقة تخادم فكري ومعرفي».

2 – ثبت أن وسائل الإعلام قد تكون عامل هدم لأركان اللغة وتشويه لنبعها الصافي إذا ابتعدت من الأصول النحوية، وكما ظهر في بعض المصطلحات التي سوَّقها الإعلام الاجتماعي والتقليدي ضد اللغة العربية.

3 – مثلت اللغة العربية مادة أساسية في طبيعة الرسالة الاتصالية، وهي الأساس في نجاح الخطاب الإعلامي أو فشله، ذلك بحسب قوة اللغة.

4 – يمثل الإعلاميون في مؤسساتهم جنودًا في مملكة المجتمع «اللغة» وكلما تمكنوا من أداء لغتهم، نجحوا في توصيل رسالتهم الاتصالية ببعدها الإنساني والمعرفي، وتحقق ما نسميه «التغذية المرتجعة أو العكسية».

المقترحات

1 – يجب اعتماد اللغة العربية في كليات وأقسام الإعلام والصحافة مادة أساسية لتطوير مهارات الطلاب اللغوية، مع اعتماد أساليب التشويق في تدريسها.

2 – ضرورة ترجمة النصوص الشعرية والأدبية والفكرية المكتوبة بالعربية إلى لغات أجنبية حية، لإيصال وإثبات حقيقة ما تتسم به من سمة الإبداع الفكري والعلمي.

3 – تبنّي مشروع عربي قومي استراتيجي التوجه، للمساعدة على فتح مدارس ومعاهد للغة العربية في البلدان الأجنبية بهدف نشرها، وتوضيح أهمية الثقافة العربية في التقدم الفكري الإنساني العلمي.

4 – تنشيط دور مجمع اللغة العربية في البلدان العربية بتبني مشروع تعريب المصطلحات والعمل على تثقيف وسائل الإعلام في تناولها ونشرها بين الناس جميعًا، فاللغة العربية لا يمكن أن تتعرض للانقراض، لكنها تتعرض للخطورة التي تلقي بظلالها على ركود الذوق اللغوي.