مقدمة:

تتعدد الخلفيات الفكرية والأيديولوجية للأحزاب السياسية في إسرائيل، تنعكس على توجهاتها ودورها في رسم السياسة العامة للدولة، وصنع القرار السياسي. وتمتد جذور الأحزاب الإسرائيلية إلى مرحلة ما قبل الإعلان عن قيام دولة «إسرائيل»، حيث ظهرت على شكل حركات ومجموعات منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وخلال الثلاثينيات بدأت تتشكل الخارطة الحزبية والسياسية.

كانت هذه الأحزاب قبل الإعلان عن قيام إسرائيل أحزاباً فوقية، تميزت مفاهيمها ونشاطاتها بالتناقضات الكثيرة بسبب افتقارها إلى أرضية طبيعية تنمو عليها، فبعضها سعى إلى تحقيق «مجتمع اشتراكي»، والآخر إلى «مجتمع يميني ليبرالي»، فيما تبنت الحركة الصهيونية بناء «اشتراكية كولونيالية» تقوم على تغييب العنصر العربي، وطمس ملامح الشخصية والهوية في فلسطين، وتوظيف المفاهيم الاشتراكية في تحقيق أهداف الاستيطان القائم على الأراضي الفلسطينية حتى يومنا هذا.

على أية حال، وبعيداً من الإسهاب المتعلق بالأحزاب السياسية الإسرائيلية (يمينية ووسطية ويسارية)، تحاول هذه الدراسة عرض وتحليل الدور السياسي الذي يمارسه حزب «البيت اليهودي» برئاسة نفتالي بينيت كنموذج للأحزاب اليمينية المتطرفة، معتمداً في ذلك على سلوكه ومشاركته في الانتخابات المركزية (الكنيست)، وفي تشكيل الائتلافات الحكومية منذ عام 2009، حيث صعد إلى الحلبة السياسية، وأصبح ذا مكانة في التفاعلات الداخلية وفي مخرجات النظام السياسي في إسرائيل.

انطلاقاً من ذلك، تطرح الدراسة تساؤلاً رئيسياً حول الدور الذي يؤديه حزب «البيت اليهودي» في الحياة السياسية الإسرائيلية؟ مستندة إلى فرضية رئيسية مفادها: أن نجاح حزب «البيت اليهودي» في أداء دور فعّال في الحياة السياسية الإسرائيلية كان ترجمة لحالة الاستقطاب نحو التطرف اليميني في المجتمع الإسرائيلي.

واستناداً إلى هذا التساؤل، سيتم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور، هي: عوامل نشأة حزب «البيت اليهودي» وصعوده؛ ودور الحزب في المشاركة السياسية، وموقف الحزب تجاه قضيتي الدولة الفلسطينية والاستيطان.

أولاً: عوامل نشأة حزب «البيت اليهودي» وصعوده

حزب «البيت اليهوديّ» هو عبارة عن كتلة سياسيّة تجمع بين التيّار الصهيونيّ الدينيّ، وتيار اليمين السياسيّ. تشكّلت هذه الكتلة عام 2008 (أواخر الدورة السابعة عشرة للكنيست الإسرائيلي)، وتضمّ عدة أحزاب إسرائيلية، هي‏[1]:

– حزب المفدال‏[2] (الصهيونيّة المتديّنة) الذي يشكّل النواة المركزيّة لهذه الكتلة. حزبَ هئيحود هلئومي (الاتّحاد القوميّ)‏[3] الذي يتشكّل من الأحزاب اليمينيّة الثلاثة: حركة موليدت (الوطن)‏[4]، وحركة تكوماه (النهضة)‏[5]، وحركة آحي (أخي)‏[6] وكان شعاره «الأرض والمجتمع واليهودية)‏[7].

ومن أهمّ الأسباب التي دفعت «المفدال» إلى إقامة «حزب «البيت اليهودي» أو «المفدال الجديد» والتي يمكن اعتبارها شهادة وفاة لحزب «المفدال» – تلك الخلافاتُ والانشقاقات المستمرّة داخل صفوف هذا الحزب منذ بداية الثمانينيّات حتّى إنشاء الكتلة الجديدة. تعود جذور «المفدال» إلى حركة «همزراحي» التي أسّسها في شرق أوروبا «الراب راينس» استجابةً لنداء مؤسس الحركة الصهيونية «ثيودور هرتزل»، حيث أصبحت شريكاً تاريخيّاً للحركة الصهيونيّة‏[8].

عند إقامة دولة إسرائيل، شاركت جميع الحركات الدينيّة، والصهيونيّة الدينيّة على حدٍ سواء في انتخابات الكنيست الأولى في 14 شباط/فبراير عام 1949 تحت اسم «الجبهة الدينيّة الموحّدة»، وفازت بستّة عشر مقعداً. أما في الانتخابات الثانية التي جرت في 20 آب/أغسطس من العام 1951، فقد خاضت هذه الحركات المعركة الانتخابيّة كلّ على حدة، وفازت حركة «همزراحي» بمقعدين وحركة «هبوعيل همزراحي» بثمانية مقاعد. في الانتخابات الثالثة في 15 آب/أغسطس 1955، توحّدت حركتا «المزراحي» و«المبوعيل المزراحي» في الحزب الدينيّ القوميّ الذي اختُصِرت كلماته الثلاث بالتسمية «المفدال» في هذه الانتخابات، حاز هذا الحزب اثني عشر مقعداً. منذ ذلك الحين، شهد الحزب عدّة انشقاقات وائتلافات، ولكنّه حتّى بداية الثمانينيّات كان يُعدّ حزباً صهيونيٍاً دينياً معتدلاً حسب المنظور الإسرائيلي، فقد كان شريكاً في حكومة مناحم بيغين عند توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979‏[9].

أخذ الحزب يتطرّف سياسياً ودينياً في أواسط الثمانينيّات، وتمكّنَ الجمهور الإسرائيلي الديني القومي المتزمت من السيطرة على حزب «المفدال»‏[10]. وكان غالبيّة هذا الجمهور من خرّيجي مدرسة «الرابي كوك»‏[11] الدينيّة. وعلى الرغم من نسبته المنخفضة من مجْمل السكّان اليهود في إسرائيل، إلّا أنّ تأثيره في المجتمع والسياسة كان بالغاً وأكبرُ كثيراً من حصّتهم العدديّة في الكنيست أو الحكومة، ولا سيّما أنّه يسيطر على عدّة مؤسّسات وأطر تعليميّة‏[12]. هذا الجمهور يؤمن بفكرة «أرض إسرائيل» الكاملة، بالإضافة إلى المبادئ الدينيّة المتزمّتة، ومنها تدريس الدين والتوراة في مدارسهم، وزيادة نسبة الولادة، والفصل بين الجنسين في جميع المؤسّسات. ناهيك بدعم الاستيطان في المناطق الفلسطينيّة المحتلّة، بل يُعَدّ من المبادرين إليه. كل هذه المبادئ الدينيّة تُعد حالة تطرُّف قياساً على مبادئ حركة «المفدال» السابقة‏[13].

في أواخر الثمانينيّات، تمكّنت هذه المجموعة من السيطرة على المناصب الأولى والأساسيّة في حزب «المفدال»، واستبعدت جميع القيادات التقليديّة فيه، وأضفت على الحزب صبغة التطرّف الدينيّ والسياسيّ. وخلال هذه الفترة بدأ حزب «المفدال» يتراجع سياسياً، وبخاصّة في منتصف التسعينيّات، بعد بدء العمليّة التفاوضيّة مع الفلسطينيّين، وتُرجِم هذا التراجع إلى خسارة مقاعد في الكنيست‏[14].

ولمعالجة حالة التراجع أعاد «المفدال» عضو الكنيست السابق زفولون هامر الذي عُدّ معتدلاً دينياً وسياسياً إلى رأس قائمته الانتخابيّة لخوض انتخابات الكنيست الرابعة عشرة في 17 حزيران/يونيو 1996، حيث استطاع «المفدال» الحصول على تسعة مقاعد في الكنيست. ولكن بعد وفاة زفولون هامر عام 1998 وانتقال زمام الأمور إلى أيدي مندوبي جماعة «الحردليم» بقيادة الجنرال الاحتياط في الجيش إيفي إيتام (المتشدد سياسياً)، تحوَّلَ «المفدال» إلى حزب المستوطنين، ورجال الدين «الحردليم»، وهذه الصبغة كانت السبب في تراجع حزب «المفدال» واحتضاره‏[15].

أمّا كتلة «هئيحود هلئومي» (الاتّحاد القوميّ)، فهي عبارة عن ائتلافات بين أحزاب يمينيّة متطرّفة. تشكّلت هذه الكتلة في عام 1998 بعد توقيع اتّفاقيّة «واي ريفر» بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة، بغية منع حصول أيّ انسحاب إسرائيليّ من المناطق الفلسطينيّة أو تفكيك مستوطنات. منذ ذلك الحين، تخوض هذه الكتلة انتخابات الكنيست، ولكن بائتلافات مختلفة‏[16]. وتعد النواة الأساسيّة والثابتة لهذه الكتلة هي الحزبان السابقان «موليدت» بقيادة رحبعام زئيفي، وحزب «تكوماه» بقيادة حنان بورات. شاركت الكتلة في عام 1999 لأوّل مرة في انتخابات الكنيست الخامسة عشرة. وفي انتخابات الكنيست السادسة عشرة شباط/فبراير 2003، ائتلفت الكتلة مع حزب «إسرائيل بيتنا» واستُبدِل رحبعام زئيفي – عقب مقتله عام 2001 على أيدي أفراد من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق حياة ريجينسي في القدس. ومنذ العام 2006، تخوض الكتلة الانتخاباتِ مؤتلفةً مع حزب «المفدال». وقد كان هذا التحالف مؤشّراً للتطرّف الذي حصل في صفوف «المفدال»‏[17].

عموماً، يعرّف حزب «البيت اليهودي»، في مقدمة برنامجه السياسي، دولة إسرائيل على أنها دولة اليهود وفقاً للوعد الإلهي الديني، وهي دولة يهودية تحتكم لنظام ديمقراطي. ويقول الحزب: «إنه سوف يعمل على تكثيف وترسيخ الموروث والطابع اليهودي للدولة ومحاربة كل من يعمل لتبديل تعريفها أو تحويلها إلى دولة كل مواطنيها»‏[18]. ويتحدث الحزب عن الوطن اليهودي، وعن مملكة بني إسرائيل التاريخية، وحقهم في استعادتها أرضاً ووطناً، وإن تغيرت وتبدلت، وقامت عليها دولٌ وممالك جديدة، إضافةً إلى أنه يتبنى الاستيطان، ويدعو إلى استعادة الأراضي «اليهودية» من مغتصبيها العرب (على حد زعمه)، وطردهم منها بالقوة، ويعمل من خلال أفكاره على توحيد الشعب اليهودي، وجمع كلمته ليتمكن من مواجهة الأخطار التي تحدق به، وليكون قادراً على الوفاء بعهود الأجيال اليهودية‏[19]. لذلك، دأب الحزب على تقديم نفسه بوصفه حزب الصهيونية المُتجددة في إسرائيل، الحزب الذي يقوم في دعائمه الأيديولوجية على طرح أفكار العودة إلى الجذور، واستحضار الإرث الصهيوني الماضي الذي أطلقه مؤسس الحركة الصهيونية «تيودور هرتزل»، في مواجهة طروحات ومقولات «ما بعد الصهيونية» التي أطلقها عدد من المفكرين والسياسيين في إسرائيل بداية القرن الحالي، ونَظَّروا لها، ومن المحسوبين على بعض ألوان وأطياف اليسار الصهيوني العلماني، ومعهم أيضاً المؤرخون الجُدد، أمثال الفيلسوف اليهودي الأمريكي «نعوم تشومسكي»[20].

1 – قيادة حزب «البيت اليهودي»

يتميز حزب «البيت اليهودي» بوجود مجموعة قيادية متنوعة (الشباب – الحاخامات ورجال الدين – كبار الموظفين – المستوطنين، والقوة النسائية). ويمثل جيل الشباب عصب الحزب وقوته. وقد أفرزت أفكار الحزب، ورغبات العنصر الشبابي المتجددة فيه، إلى وصول أحد القادة الشباب إلى رئاسة الحزب، وهو نفتالي بينيت الرئيس الحالي لهذا الحزب.

لذا، ستسلط الدراسة الضوء على رئيس الحزب نفتالي بينيت من خلال استعراض أبرز محطات حياته، ودوره في رسم خريطة الحزب السياسية في إسرائيل.

ولد نفتالي بينيت في آذار/مارس 1972 في مدنية حيفا لوالدين قَدِما إلى إسرائيل من مدينة كاليفورنيا الأمريكية، بعد حرب حزيران/يونيو عام 1967، وتلقى بينيت تربية دينية‏[21]. عمل والده جامع تبرّعات لمؤسّسة المعهد التقنيّ الإسرائيليّ في حيفا (التخنيون). وانتقل مع والديه إلى الولايات المتّحدة ليعودا بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 إلى إسرائيل مرة أخرى، ثم انتقل مع عائلته إلى كندا في إطار عمل والده في جمع التبرّعات، ومن ثَمّ انتقلت العائلة إلى نيويورك للعمل في قسم الهجرة في الوكالة اليهوديّة. بعد عودتهم إلى إسرائيل، افتتح الأب مكتباً لتجارة العقارات والأراضي في مدينة حيفا‏[22].

تطوَّع بينيت في «سرية الأركان»؛ وهي واحدة من أبرز وحدات النخبة في الجيش الإسرائيليّ. بعد إنهاء خدمته الإلزاميّة، استمرّ في الخدمة الدائمة في صفوف الجيش الإسرائيليّ ليكون أحد الضبّاط في وحدة «مجلان»، وقد شارك بينيت مع هذه الوحدة في العديد من المعارك والحروب التي شنّتها إسرائيل على لبنان في التسعينيّات. سُرّح من خدمته العسكريّة في العام 1996‏[23]. وضمن خدمته في قوّات الاحتياط، شارك بينيت في حرب لبنان الثانية عام 2006‏[24].

بدأ بينيت دراسته الجامعيّة عام 1996 في قسم القانون وإدارة الأعمال في الجامعة العبريّة في القدس. وخلال دراسته عمل في مجال ضمان جودة البرامج في قطاع التقانة العالية (High Tech). وفي عام 1999، أسّس مع مجموعة من الشركاء شركة «سيوطة» لتقنيّات الحاسوب. وفي العام نفسه، انتقل إلى الولايات المتّحدة ليباشر أعمال الشركة من هناك. وفي العام 2005، باع بينيت وشركاؤه شركة «سيوطة» لشركة «RSA» الأمريكية بمبلغ قدره 145 مليون دولار‏[25]. بعد ذلك، عمل مستشاراً لعدّة شركات في قطاع «التقانة العالية» حتّى عام 2009‏[26].

بعد مشاركته في حرب لبنان الثانية عام 2006، قامت «أيلت شاكيد» مديرة مكتب رئيس المعارضة آنذاك بنيامين نتنياهو بتجنيد بينيت للعمل كرئيس طاقم في مكتب نتنياهو، وعمل بينيت في مكتب رئيس المعارضة كرئيس طاقم متطوّع، وأدار حملة نتنياهو الانتخابيّة للانتخابات التمهيديّة في عام 2007. في عام 2008، ترك نفتالي بينيت ومعه أيليت شاكيد مكتب رئيس المعارضة، بسبب خلافات مع بنيامين نتنياهو. وفي عام 2010 شغل بينيت لمدّة عامين منصب المدير العامّ لمجلس المستوطنات‏[27].

في عام 2010، أسّس مع أيليت شاكيد حركة «إسرائيل لي»، التي كانت تُعنى برصد شؤون الإعلام المُعادي لإسرائيل، وتعمل مع شخصيّات إسرائيلية سياسية على تحسين صورة إسرائيل في الإعلام العالميّ. وفي أيار/مايو 2012، أسّس حركة «إسرائيليّون» التي وضعت إعادةَ الصهيونيّة إلى مركز المجتمع الإسرائيليّ والحوار بين المتديّنيّن والعلمانيّين ضمن أهدافها الأساسيّة، وقدم استقالته من حزب الليكود‏[28].

أعلن كلّ من بِينِيتّ ورونتسكي وشاكيد في منتصف العام 2012 انضمامهم إلى صفوف الحزب اليمينيّ الدينيّ «البيت اليهوديّ». وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه تنافس بِينِيتّ في الانتخابات التمهيديّة لرئاسة الحزب مع زفولون أورليف، وتغلّب عليه؛ بعد فوزه، أعلن بِينِيتّ أنّه ينوي تطبيق أهداف حركة «إسرائيليّون» في إطار حزب «البيت اليهوديّ»، وكذلك أعلن أنّه يفتح أبواب الحزب لانضمام العلمانيّين إلى صفوفه، وشجّع ترشيح أيليت شاكيد (العلمانيّة) في الانتخابات التمهيديّة الداخليّة لحزب «البيت اليهوديّ»‏[29].

2 – مبادئ حزب «البيت اليهودي»

يستند حزب «البيت اليهودي» المتطرف في برنامجه السياسي إلى مجموعة من المبادئ، هي:

– دولة إسرائيل هي دولة اليهود وفقاً للوعد الإلهي الديني، فهي دولة يهودية تحتكم لنظام ديمقراطي.

– تكثيف وترسيخ الموروث والطابع اليهودي للدولة، ومحاربة كل من يعمل لتبديل تعريفها أو تحويلها إلى دولة كل مواطنيها‏[30].

– رفض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية كحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

– الحلول المطروحة لتسوية الصراع بواسطة حل الدولتين، أو الأخرى المطالبة بضم (يهودا والسامرة – الضفة الغربية) وسكانها إلى دولة إسرائيل، حلولاً غير عملية، ومن شأنها تهديد دولة إسرائيل.

– وفقاً لبرنامج الحزب «في المنطقة ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن ستكون هناك دولة واحدة، وهي دولة إسرائيل».

– دعم الاستيطان في كل «أرض إسرائيل»‏[31].

– دعم الاقتصاد «الحر الحساس اجتماعياً»، من أجل إعطاء فرصة متساوية لكل مواطني دولة إسرائيل.

– إجراء تغيير جدي في التعليم، وتعزيز المنافسة في السوق، وكسر الاحتكارات.

– خفض الضرائب على الطبقات الوسطى في المجتمع.

– توفير شبكة أمان، وضمانات لغير القادرين على تأمين حياة كريمة‏[32].

 

ثانياً: دور الحزب في المشاركة السياسية (البرلمان، والائتلافات الحكومية)

في هذا المحور من الدراسة سنسلط الضوء على السلوك السياسي لحزب «البيت اليهودي»، مع التركيز على برنامجه، ودوره في الانتخابات البرلمانية والائتلافات الحكومية وخاصة في انتخابات الكنيست الثامنة عشرة 2009، والتاسعة عشرة 2013، والعشرين 2015.

1 – انتخابات الكنيست الثامنة عشرة 2009

خاض حزب «البيت اليهودي» انتخابات الكنيست الثامنة عشرة في 24 شباط/فبراير 2009 بعد فترة وجيزة من تشكيله، وجاء برنامج الحزب متناغماً مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف، وكان برنامجه أكثر وضوحاً مقارنة بالأحزاب الدينية الأخرى، وتضمن المبادئ الآتية‏[33]:

  • يقوم الحزب على أسس الأحزاب الدينية، ويتبنى أيديولوجية يمينية صهيونية، ويؤكد أن إسرائيل دولة يهودية تحكمها الديمقراطية، لكنها للشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم. وعليه، فالحزب يعمل على تعزيز الصبغة اليهودية والدينية للدولة.
  • منح الحقوق للأقليات الموجودة داخل إسرائيل بمن فيهم العرب.
  • يؤمن بضرورة تكثيف الاستيطان في جميع المناطق بفلسطين التاريخية، ومنح أفضلية قومية للاستيطان والتصدي للفلسطينيين في النقب، والضفة الغربية، والجليل، والمثلث، وطردهم من هذه الأراضي، و«إعادتها» إلى السيادة الإسرائيلية.
  • معارضة إقامة أي كيان للشعب الفلسطيني، والاكتفاء بمنح الفلسطينيين نوعاً من الاستقلال الذاتي لإدارة شؤونهم الخدماتية واليومية، وتحسين حياتهم، وظروفهم لتفادي ضغوط المجتمع الدولي على إسرائيل.
  • إطلاق يد الجيش الإسرائيلي للسيطرة على جميع مناطق الضفة الغربية والأغوار.

على الرغم من تأسسه قبيل انتخابات الكنيست الثامنة عشرة، إلا أن الحزب نجح في الحصول على ثلاثة مقاعد في الكنيست الإسرائيلي، وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها صوتاً 96.765 صوتاً، من أصل 5.278.985‏[34] ناخباً، أي من يحق لهم الاقتراع. أما أعضاؤه الفائزون فهم: أوري شراغا أورباخ، وزفولون أورليف، ودانينل هرشكوفيتس‏[35].

عموماً، إن انتخابات الكنيست الإسرائيلية في دورتها الثامنة عشرة، أفرزت بروزاً قوياً للأحزاب اليمينية المتطرفة، وأظهرت في المقابل ضعف وتراجع الأحزاب اليسارية. وبذلك تمكن رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» من تشكيل أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً في تاريخ إسرائيل.

2 – انتخابات الكنيست التاسعة عشرة 2013

يلحظ المتابع للشؤون الإسرائيلية أن انتخابات الكنيست التاسعة عشرة التي جرت في 23 كانون الثاني/يناير 2013، وجاءت بعد احتجاجات اجتماعية في إسرائيل، تصدرتها الاعتبارات الأمنية، والقلق المتزايد من اقتراب امتلاك إيران القوة النووية، ناهيك بإجماع في الخطاب السياسي للأطياف والأحزاب المختلفة حول ضرورة الاستمرار في النشاط الاستيطاني، وبخاصة في مدينة القدس.

إضافة إلى ذلك، أعطت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية «بنيامين نتنياهو» من 32 إلى 33 مقعداً في الكنيست؛ وبتحالفه مع «اليمين المتديّن» و«اليمين الوسط»، تصبح حصته أكثر من 68 مقعداً برلمانياً، مقابل 52 لليسار والوسط؛ وهو ما دفعه لتبكير موعد الانتخابات، والإدلاء بتصريحات، واتخاذ قرارات أكثر تطرفاً بخصوص الاستيطان، والعداء للفلسطينيين‏[36]. وقد تجسد ذلك في العدوان على قطاع غزة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وقرار إنشاء آلاف الوحدات السكنية في القدس، والعديد من التهديدات للرئيس الفلسطيني «محمود عباس» بالحصار الاقتصادي والتحريض عليه، ووصفه بأنه: «ليس شريكاً للسلام قبل توجهه للأمم المتحدة وبعده». ناهيك بخلافاته الائتلافية في الحكومة حول تمرير ميزانية الدولة لعام 2013؛ وذلك بسبب الخلاف مع شركائه في الائتلاف حولها‏[37]. وعليه يمكن تلخيص أبرز الأسباب التي ساهمت في تبكير موعد انتخابات الكنيست التاسعة عشرة 2013‏[38]:

– عجز الائتلاف الحكومي بزعامة الليكود عن تمرير إقرار ميزانية الدولة لعام 2013.

– الخلافات الحزبية الدينية والعلمانية اليهودية، حول التجنيد العسكري الإجباري للشباب المتدين (الحريديم) في الجيش أو فرض الخدمة المدنية (الخدمة الوطنية الإسرائيلية).

– الفشل في تطبيق نظام الخدمة المدنية على المواطنين العرب، وبخاصة فئة الشباب، كبديل من التجنيد العسكري الإلزامي.

– الصراع على المناصب البرلمانية، والمراكز الوزارية العليا؛ فقد دخلت أحزاب وشخصيات سياسية إسرائيلية جديدة على الساحة السياسية، وسعت للحصول مكاسب برلمانية وسياسية لمصلحة أحزابها.

– الانشقاقات التي شهدها الكثير من الأحزاب الإسرائيلية، وتمرد نواب هذه الأحزاب على قياداتها، والرغبة في خوض الانتخابات المبكرة بقوائم حزبية جديدة تلبي المصالح والطموحات الشخصية للمتصارعين على الحلبة الحزبية. والأمثلة كثيرة في هذا المجال نذكر منها: حزب العمل، وحزب كاديما، وحزب الليكود، وحزب إسرائيل بيتنا، وحزب شاس، وغيرها.

– الأزمة الاقتصادية المستفحلة؛ من غلاء المعيشة، وتزايد أسعار العقارات، وارتفاع نسبة البطالة، وغيرها.

– تصاعد الانتقادات من القادة العسكريين لحكومة نتنياهو؛ حيث انتقد العديد من القادة العسكريين الكبار والجنرالات السابقين الحكومة بسبب الإخفاق في معالجة الملف الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو ملف حزب الله اللبناني، والملف الإيراني وإبقاء الحالة الراهنة «لا حرب ولا سلام».

أما في ما يتعلق بمشاركة حزب «البيت اليهودي» في هذه الانتخابات بزعامة رئيسه «نفتالي بينيت»، فقد عزّزت استطلاعات الرأي السياسية مكانة الحزب، وأضافت الكثير من الثقة بالنفس لقادته، حتى بات رئيسه وجمهوره مقتنعين بأنّ حزب «البيت اليهودي» سيكون ثاني أكبر حزب، وأنّه سيكون مرشّحاً شرعيّاً لرئاسة الحكومة‏[39]. وتعقيباً على هذا التوجه، تقول المحللة السياسية الإسرائيلية تال شنايدر: «عند الخروج من مؤتمر «البيت اليهودي» قال لي نفتالي بينيت، رئيس الحزب الذي تتصاعد قوّته في الاستطلاعات: «حسناً، أي نجاح كان لنا في المؤتمر؟ معارك وصرخات في مركز الحزب، هذا يعني أن الديموقراطية حيّة وتمضي، إنّه لشيء رائع. مثل ما لدى حزب العمل، أليس كذلك؟»‏[40].

إذاً، دخل الحزب انتخابات الكنيست التاسعة عشرة 2013 ببرنامج انتخابي متطرف يتناغم مع جمهور اليمين الإسرائيلي، وقد وصف العديد من الصحافيين والمحللين السياسيين في إسرائيل برنامج الحزب بأنه أكثر تطرفاً وعنصريةً من غيره من الأحزاب الإسرائيلية، ومما جاء في برنامج الحزب، ما يأتي:

1 – رفض أوامر إخلاء مستوطنات، وقال: «إن الصهيونية لم تُنه دورها… لا يوجد أي شبر من أرض إسرائيل خاضع للمفاوضات»‏[41].

2 – ضم المناطق المصنفة «ج» حسب اتفاقيات أوسلو؛ التي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، ومنح المناطق «ب» و«أ» حكماً ذاتياً فلسطينياً، مع سيطرة أمنية إسرائيلية، والتخلص من قطاع غزة بضمه إلى مصر‏[42].

3 – فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق في «يهودا والسامرة»، المناطق «ج»، بشكل أحادي الجانب؛ قائلاً: «العالم لن يعترف بسيادتنا هناك؛ مثلما لا يعترف بسيادتنا على حائط المبكى وفي أحياء مستوطنات «راموت وغيلو» في القدس وهضبة الجولان؛ لكن العالم سيعتاد على ذلك مع مرور السنين»‏[43].

4 – لا يدخل أي لاجئ فلسطيني من البلدان العربية إلى داخل الضفة الغربية.

5 – الحاجة إلى وجود عسكري في الضفة الغربية إضافة إلى فكّ الارتباط الكامل بين غزة والضفة‏[44].

6 – تجريم وقف الاستيطان في أي شبر من «أرض إسرائيل»؛ فقد استقال زعيمه «نفتالي بينيت» من حزب الليكود على خلفية تجميد البناء الاستيطاني لمدة عشرة أشهر، الذي جرى بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث علق وقتها قائلاً: «أنا على استعداد للدخول إلى السجن، على أن أقوم بإخلاء يهودي من بيته». وأضاف: «إن ضميري لا يسمح بذلك، وسأطلب من قائدي بفصلي من الخدمة أو إيداعي السجن، على أن أقوم بذلك»‏[45].

لذلك، حث الحزب سكان إسرائيل على التصويت له من أجل منع قيام دولة للفلسطينيين من أي نوع غرب نهر الأردن، ووعد ناخبيه باستمرار الاستيطان في جميع أنحاء إسرائيل‏[46]. ونجح الحزب في الحصول على 12 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، أي بزيادة 4 أعضاء مقارنة بانتخابات الكنيست الثامنة عشرة السابقة.

بلغ عدد من الناخبين في هذه الانتخابات 5.656.705 ناخباً‏[47]، اقترع منهم 3.792.742‏[48] شخصاً، في حين صوّت لمصلحة الحزب 345.985 شخصاً‏[49]، وبذلك حصل الحزب على 12 مقعداً من مقاعد الكنيست الإسرائيلي الـ 120.

وفي تحليل نتائج الانتخابات نلاحظ صعوداً في عدد المقاعد التي حصل عليها حزب «البيت اليهودي» مقارنة بالانتخابات السابقة، إضافة إلى ذلك، فقد حصلت أحزاب اليمين وتحالف الليكود – بيتنا، والبيت اليهودي وشاس، ويهدوت هتوراه على 61 مقعداً مقارنة بـ 65 مقعداً في الانتخابات السابقة، يعني حصولها على نصف مقاعد الكنيست + 1، ولكن من ناحية أخرى خسر ائتلاف الليكود – بيتنا 11 مقعداً، أي انخفض تمثيلهم من 42 مقعداً في الكنيست السابق إلى 31 مقعداً في الكنيست الحالي، منها 5 مقاعد لحزب «البيت اليهودي»‏[50].

بعد ستة أسابيع من المفاوضات، استطاع نتنياهو تشكيل حكومته، وفي الطريق إلى هذه الحكومة سقطت كل الخيارات، وظل الخيار الوحيد الذي يتوافر لنتنياهو حكومة قوية (تضم تحالف الليكود – بيتنا، ويوجد مستقبل، والبيت اليهودي، وتسيفي ليفني). وبحساب مبدأ الربح والخسارة في الطريق لتشكيل الحكومة، فإن الرابحَين الرئيسيين بلا شك، هما حزبا «البيت اليهودي»، و«يوجد مستقبل»، اللذان عقداً حلفاً قوياً ونجحا في إحباط جهود نتنياهو لضرب أحدهما بالآخر، وأجبراه في نهاية الأمر على التسليم بكل مطالبهما الأساسية‏[51].

3 – وزراء حزب البيت اليهودي في الائتلاف الحكومي (الحكومة الثالثة والثلاثون):

1 – نفتالي بينيت (وزير الاقتصاد والتجارة).

2 – أوري أورياح (وزير شؤون المواطنين القدامى).

3 – أوري أريئيل (وزير الإسكان).

ختاماً، يمكن تحليل نتائج الانتخابات الإسرائيلية في ضوء تنامي دور حزب «البيت اليهودي»، والخروج، بعدة نتائج، منها:

– دلّت نتائج الانتخابات على حقيقة أساسية هي أن الجمهور الإسرائيلي يريد التغيير، لكنه لا يجد بديـلاً. فقد وجه «صفعة قوية» لرئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، وعاقبه على سياسته (الفاشلة) على كل الصعد، وخصوصاً في القضايا الاقتصادية والاجتماعية. كذلك، تجاه سياسته الخارجية وتوتر علاقاته بالإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي، كل ذلك أدى إلى تراجع شعبيته (من 42 مقعداً إلى 31 مقعداً)، ومع ذلك، لم ينتخب هذا الجمهور حزباً آخر يمنحه الأكثرية. فالحزب الثاني الذي تلى تكتل «الليكود – إسرائيل بيتنا» من حيث عدد المقاعد في الكنيست الإسرائيلي هو حزب «هناك مستقبل»، حيث حصل على 19 مقعداً. وعلى الرغم من هبوط أحزاب اليمين، ظل معسكر اليمين غالباً ولو بفارق بسيط (61 مقعداً مقابل 59 مقعداً لمعسكر الوسط واليسار والعرب).

– منح الناخبون الإسرائيليون عدداً كبيراً من الأصوات للأحزاب التي طرحت فكرة التغيير. فإذا كان تحالف «الليكود – إسرائيل بيتنا» بقيادة نتنياهو حصل على 884 ألف صوت‏[52]، فإن أحزاب التغيير حصلت على أصوات أكثر، بغض النظر عن سياسة هذه الأحزاب، وانتماءاتها؛ فقد دخل إلى الكنيست 47 عضواً للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، وبات فيه 27 امرأة مقابل 23 في الكنيست الماضي، ضمنهم ثلاث نساء يتزعمن قوائم، هنّ: شيلي يحيموفيتش زعيمة حزب العمل، وتسيبي ليفني زعيمة حزب الحركة، بعدما تركت حزب كاديما، وزهافا غلئون زعيمة حزب ميرتس اليساري)‏[53]. القيمة العددية لهؤلاء النواب الجدد هي حوالى المليون و370 ألف صوت؛ أبرزها ذهبت إلى الحزب الجديد «يوجد مستقبل» بقيادة الإعلامي الإسرائيلي يائير لبيد، الذي يعدّ أكبر المنتصرين في هذه الانتخابات، إذ حصل حزبه وحده على 543 ألف صوت ومُثّل في الكنيست بـ 19 مقعداً. ويليه في هذا الفوز، حزب المستوطنين «البيت اليهودي» بقيادة «نفتالي بينيت»، وهو أيضاً من أبرز شخصيات هذه الانتخابات. وقد حصل على 12 مقعداً و346 ألف صوت، علماً بأن المستوطنين كانوا يمثلون بسبعة مقاعد فقط في الكنيست السابق‏[54].

– كشفت نتائج الانتخابات عمق الأزمة التي تواجه الصهيونيين في مواجهة مشكلتهم الرئيسية وتجذّرها، وهي طبيعة علاقاتهم مع الفلسطينيين، وموقفهم منهم، أو رؤيتهم وخططهم في هذا الشأن؛ وبالتالي شكل إسرائيل وكيانها المستقبليان، وطبيعة تواجدها في المنطقة، وعلاقاتها مع «جيرانها»، والعالم العربي عامة. وتكمن هذه الأزمة أساساً في حقيقة أن أياً من التيارين الصهيونيين الرئيسيين، اليمين أو الوسط، لا يملك في حقيقة الأمر رؤية واضحة للحل مع الفلسطينيين، وحتى لو كان كذلك، فإنه غير قادر بمفرده، نظراً إلى تفتت القوى السياسية في إسرائيل، على تنفيذها، في ما يبدو أن اتفاق التيارين على حل ما يكاد يكون نوعاً من الخيال.

4 – انتخابات الكنيست العشرين (2015)

خاض حزب «البيت اليهودي» انتخابات الكنيست العشرين 2015، برئاسة زعيم الحزب وزير الاقتصاد والتجارة نفتالي بينيت، وقد تسابق الحزب كغيره من الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة بأشكال وأساليب متعددة بهدف كسب أصوات الناخبين وبالتحديد المستوطنين. وضمن حملته الانتخابية وصل زعيم الحزب نفتالي بينت إلى مستوطنة «أرائيل» جنوب مدينة نابلس، مؤكداً موقف حزبه الذي يعارض قيام دولة فلسطينية، ويرفض بالوقت نفسه وبشكل قاطع الانسحاب من أي جزء من أراضي الضفة الغربية، وأعلن بينيت «إن هذه المستوطنة [أريئيل] جزء من إسرائيل وليس فقط أن وجودها ضروري لتأمين الحماية لمدينة كفار سابا ورعنانا»‏[55]. وبالتزامن مع تصريحات «نفتالي بينيت»، أعلن وزير الإسكان المتطرف أوري أريئيل من حزب «البيت اليهودي» عن مناقصة لمصادرة آلاف الدونمات غرب محافظة بيت لحم، ودعا أريئيل المقاولين لتقديم عطاءات لبناء وحدات استيطانية جديدة غرب مستوطنة «بيتار عليت» حيث صودر أكثر من 4000 دونم من أراضي قرى «واد فوكين»، «نحالين»، وبلدة «الجبعة» غرب بيت لحم‏[56]، وبحسب أقوال رئيس مجلس «بيتار عليت»، فإن المناقصات تستهدف تلة جديدة غرب المستوطنة تبعد 500 متر عن حدود الخط الأخضر‏[57].

لذا، خاض الحزب انتخابات الكنيست العشرين ببرنامج أكثر تطرفاً مقارنة بالأحزاب الأخرى، فقد جاء في برنامجه الانتخابي الآتي‏[58]:

– إسرائيل هي دولة يهودية ووطن جميع اليهود.

– يتفاخر بأنه: «الحزب الفاعل الوحيد في إسرائيل الذي يرفض أي نوع من الدولة الفلسطينية إلى الغرب من نهر الأردن».

– هناك خياران فقط: الأول هو حل الدولة الواحدة، بأن تضم إسرائيل 2 مليون عربي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)؛ والثاني هو حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية على غالبية يهودا والسامرة، وأن كلا الخيارين غير ممكن التطبيق، ويمثلان خطراً واضحاً على وجود إسرائيل».

– ضرورة العمل من الأسفل إلى الأعلى، أي نبدأ في تحسين الاقتصاد، ونوعية الحياة لكل السكان في يهودا والسامرة.

وكان استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أظهر أن رئيس الحزب «نفتالي بينيت»، هو المرشح الأوفر حظاً لقيادة المعسكر الوطني «اليميني» في إسرائيل، إذا ما اضطر رئيس الحكومة القائم بنيامين نتنياهو إلى الاستقالة في حال إدانته بسبب التحقيق معه من قبل الشرطة والقضاء.

وكانت استطلاعات الرأي التي نشرتها القناة الإسرائيلية الثانية قبيل الانتخابات، قد أشارت إلى أن رئيس حزب «البيت اليهودي» قد حصل على 15 بالمئة من الجمهور المستطلعة آراؤهم، وبيّن الاستطلاع أنه في حال تفكك الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة من دون مشاركة نتنياهو، وطُلب من الجمهور الإسرائيلي التصويت لمرشحي منصب رئيس الوزراء مباشرة، فسيحصل رئيس حزب «البيت اليهودي» على 14 بالمئة من الأصوات، وقد عقّب الحزب على هذا الاستطلاع بالقول: «سوف نستمر في قيادة القيم التي يمثلها المعسكر الوطني، ونعبر عن سعادتنا بتقدير الجمهور الإسرائيلي لحزبنا»‏[59].

وكانت صحيفة إسرائيل اليوم العبرية قد نشرت في تاريخ 5 كانون الأول/ديسمبر 2014 استطلاعاً للرأي حول شعبية مختلف الأحزاب المزمع خوضها انتخابات الكنيست العشرين، وبحسب الصحيفة، فقد أظهر الاستطلاع حصول حزب «الليكود» الحاكم بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو على ما بين 21 و22 مقعداً برلمانياً، يليه حزب «البيت اليهودي» بزعامة «نفتالي بينيت» على ما بين 16 و18 مقعداً‏[60].

وعلى الرغم من إيجابية نتائج هذه الاستطلاعات بالنسبة إلى حزب «البيت اليهودي» إلا أن الانتخابات قد جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي، إذ تراجعت أحزاب اليمين وتحديداً حزب «البيت اليهودي» من 12 مقعداً في الكنيست التاسعة عشرة إلى 8 مقاعد. وكذلك، حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة المتطرف أفيغدور ليبرمان من 12 مقعداً إلى 6 مقاعد، وكلها صبت لمصلحة الليكود. أما عن سبب تراجع حزب «البيت اليهودي» فيبدو أن سياسات رئيسه نفتالي بينيت الذي تعامل مع الحزب كشركة اقتصادية، وحاول أن يغيره بسرعة، ولم يفهم أن قواعد الحزب الاجتماعية قادمة من أبناء الصهيونية الدينية، الذين يريدون الحفاظ على طابع الحزب الديني‏[61].

كما أن تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول الدولة الفلسطينية الذي ذكر فيه موافقة حزب «البيت اليهودي» عليه في أي تسوية قادمة، قد أضعف الحزب الذي خاطب في وقت لاحق من الانتخابات قواعد اليمين بأنه سيحافظ على الليكود من اليمين، لكي يمنعه من التنازل عن أجزاء من «أرض إسرائيل»، إلا أن إعلان نتنياهو عن موقفه من الدولة الفلسطينية، أفقد الحزب بعض المقاعد لمصلحة الليكود، كما أن قواعد اليمين لم تتحمس لمشروع حزب «البيت اليهودي» بضم مناطق «ج» وإعطاء صفة المواطنة لـ 70 ألف فلسطيني، فهم يريدون الإبقاء على المناطق الفلسطينية سنة 1967 كما هو الوضع الآن بلا حقوق، وهذا ما يقوم به الليكود حالياً‏[62].

ومن المتوقع أن يشارك الحزب في الائتلاف الحكومي بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكن الحزب يشترط دخوله الحكومة والحصول على حقيبة الأمن الداخلي، وتعيين عضو الكنيست أيليت شاكيد. وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ذكرت بتاريخ 8 شباط/فبراير 2015: «أن حزب «البيت اليهودي» سيعلن عن خطة بعنوان «القانون والنظام» ويستعرض من خلالها التغييرات التي يعتزم إدخالها على هذه الوزارة وعلى وزارة القضاء التي أعلن أنه يريد الحصول عليها أيضاً»‏[63]. ويعتقد الحزب أنه: «حان الوقت لانتهاج يد من حديد، لكن ليس ضد المستوى الأخلاقي المنحط في صفوف قيادة الشرطة، وإنما يداً من حديد ضد فلسطينيي القدس المحتلة واللاجئين الأفارقة في جنوب تل أبيب»‏[64].

ورأت المصادر ذاتها أن أيليت شاكيد أثبتت أنها امرأة حديدية تجاه «المخربين»، والمتسللين، و«حان الوقت لأن تكون هناك وزيرة للأمن الداخلي لأول مرة». تشمل الخطة التي طرحتها شاكيد «النقب والجليل»، في إشارة واضحة إلى المواطنين العرب، والقدس الشرقية، وجنوب تل أبيب. وستعلن عن «انتهاء سياسة الاحتواء» والتعامل بيد من حديد ضد أي مخالفة. وقالت المصادر في الحزب إنه: «لن يكون هناك شارع لا تدخل إليه سيارات الشرطة»‏[65].

كذلك، طالب الحزب بنقل صلاحية التعامل مع أراضي عرب النقب، التي تسعى السلطات الإسرائيلية إلى سلبها، إلى وزارة الأمن الداخلي، من أجل تشديد السياسة ضد عرب النقب بشكل أكبر من المخططات التي وضعها الوزير السابق بيني بيغن و«مخطط برافر»، ووزير الزراعة يائير شامير. كما يعتزم حزب «البيت اليهودي» طرح تغييرات في وزارة القضاء بينها الحد من قدرة المحكمة العليا على شطب قوانين عنصرية ومعادية للديمقراطية، وفصل منصب المستشار القضائي للحكومة إلى منصبين، مستشار ومدعٍ عام‏[66].

جدير بالذكر، أن حزب «الليكود» الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في انتخابات الكنيست العشرين (30 مقعداً)، والمرشح لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الرابعة والثلاثين، قد دخل في مفاوضات شاقة مع حزب «البيت اليهودي»، وبخاصة بعد انسحاب حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، وانضمامه إلى معسكر المعارضة في البداية، حيث أصر حزب «البيت اليهودي» على الحصول على حقيبة «وزارة القضاء» رداً على منح «وزارة الأديان والشؤون الدينية» لحزب «شاس»، حزب اليهود الشرقيين المتدينين‏[67]. كما طالب مسؤولون كبار من الحزب بحقيبة «الخارجية» أو «الأمن» وذلك، في ضوء انسحاب حزب «إسرائيل بيتنا» من مفاوضات الائتلاف وانضمامه إلى المعارضة، وبالتالي فإنّ للحزب حقاً في حصوله على وزارة محورية حسب تصور الحزب‏[68]. كما يتخوف أعضاء الحزب أيضاً، من أن بقاء ائتلاف حكومي من 61 عضواً يثير مخاوف من أن ذلك قد يكون المرحلة الأولى نحو تشكيل حكومة وحدة قومية بانضمام حزب «المعسكر الصهيوني» إلى الائتلاف الحكومي، الأمر الذي يثير مخاوف لدى حزب «البيت اليهودي» بأن يتم استثناؤهم من التركيبة الائتلافية‏[69].

عموماً، في 14 أيار/مايو 2015، تمكن بنيامين نتنياهو من الحصول على ثقة الكنيست الإسرائيلي بالمصادقة على حكومته الرابعة والثلاثين بأغلبية دعم 61 نائباً مؤيداً لها، مقابل معارضة 59 نائباً‏[70]، حيث استطاع حزب «البيت اليهودي» الحصول على 4 حقائب وزارية، هي: (التربية والتعليم – الزراعة وتطوير القرى – القدس وشؤون المغتربين – العدل)، إضافة إلى عضوية المجلس الوزاري المصغر، ورئاسة لجنة شؤون التشريع.

ومن الجدير ذكره أن عدد أصحاب حق الاقتراع في انتخابات الكنيست العشرين بلغ 5.881.696 ناخباً وبلغ عدد المقترعين في الانتخابات 4.253.336، إذ بلغت نسبة التصويت 72.36 بالمئة. أما عن حزب «البيت اليهودي» فقد بلغ عدد المقترعين له 283.559، أي 6.74 بالمئة من مجموع الأصوات، وحصل على 8 مقاعد‏[71].

5 – وزراء «البيت اليهودي» في الائتلاف الحكومي (الحكومة الإسرائيلية الرابعة والثلاثون)‏[72]

– نفتالي بينيت، وزير التربية والتعليم، ووزير شؤون القدس والمغتربين، وعضو المجلس الأمني المصغر (الكابينيت).

– أيليت شاكيد، وزيرة العدل، وعضو المجلس الوزاري المصغر، ورئيس لجنة شؤون التشريع.

أوري أريئيل، وزير الزراعة وتطوير القرى.

 

ثالثاً: موقف الحزب تجاه قضيتي الدولة الفلسطينية والاستيطان

تعدّ الأحزاب الدينية والقومية الإسرائيلية أكثر تطرفاً وعنصرية من غيرها من الأحزاب اليمينية أو الوسطية في إسرائيل، وذلك من حيث أيديولوجيتها وبرامجها ورؤيتها وتركيبتها وشخوصها. وتعكس هذه الأحزاب صورة وسلوك التوسعيين والمتشددين والعنصريين، ولا تتوانى في التفاخر بأن أبرز مشاريعها هي رفض المفاوضات مع الفلسطينيين، ومنع قيام دولة فلسطينية، واستمرار الاستيطان في المناطق المحتلة، والبطش والتنكيل بالفلسطينيين. ويعد حزب «البيت اليهودي» المتطرف نموذجاً واضحاً للتطرف والعنصرية التي تميزه من بقية المتطرفة الأحزاب الإسرائيلية الأخرى.

يتميز حزب «البيت اليهودي» بسلوك أعضائه المتطرفة وتصريحاتهم العنصرية المتطرفة وبخاصة تجاه العرب والفلسطينيين، ومن هذه التصريحات لبعض زعمائه على سبيل المثال لا الحصر:

1 – زعيم الحزب «نفتالي بينيت»

أطلق زعيم حزب «البيت اليهودي» المتطرف نفتالي بينيت، سلسلة من التصريحات التحريضية والعنصرية التي تدعو إلى قتل الفلسطينيين، وتوسيع سياسة العقاب الجماعي ضد التجمعات التي يخرج منها منفذو العمليات الفدائية.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، عن بينيت قوله: «يجب أن نعمل على قبر «المخربين» الفلسطينيين في مقبرة سرية، وهدم البيوت في القرية»‏[73]. وزعم المتطرف بينيت، أن مواجهة عمليات الطعن تتطلب الدخول إلى القرى الفلسطينية التي ينطلق منها «المخربون» ومداهمتها بشكل موسع، وقال: «ندخل بيتاً بيتاً، ونمشط المكان، يجب أن يعلم الإرهابي أن كل من حوله يجب أن يتضرر»‏[74]. وفي سياق متصل دعا بينيت إلى شن حملة عسكرية إسرائيلية للجيش في القدس المحتلة لاستئصال ما أسماه البنية التحتية للإرهاب، على غرار عملية «السور الواقي» للجيش الإسرائيلي عام 2002، التي هدفت لاستئصال «الإرهاب» في الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الثانية‏[75].

وفي 22 أب/أغسطس 2013، أعلن رئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، على صفحته الخاصة على موقع «فيسبوك» نعي اتفاق أوسلو، وفكرة إقامة الدولة الفلسطينية. وكتب «بينيت»: «لا يُصدق أن المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين ستؤدي إلى أي شيء، وهو ما دفعه إلى البقاء في الحكومة… إن من واجبي عرض الحقيقة على الإسرائيليين، وإنني سأفعل كل ما بوسعي لمنع هذه الكارثة»‏[76].

واستذكر بينيت موقفاً قبل 20 عاماً، عندما كان جندياً، لدى سماعه بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «إسحق رابين»، قام بمصافحة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقال: «إن التجربة خلال العقدين الماضيين أثبتت أن رابين ارتكب خطأ جسيماً»‏[77].

كما هاجم «بينيت» رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ورأى أنّه لم يعد شريكاً في العملية السياسية. وقال: «إنّ دور عباس التاريخي قد انتهى، ولم يعد له دور مهم، وهو بالنسبة إلى إسرائيل يمارس التحريض والتشهير ضدها، رافضاً تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي بحسب تعبيره هي تقديرات خاطئة، فضرر عباس بات أكثر من نفعه»‏[78].

2 – وزيرة العدل المتطرفة «أيليت شاكيد»

اشتهرت النائبة البارزة بحزب «البيت اليهودي» «أيليت شاكيد» بعدد من المواقف والتصريحات العنصرية بحق الفلسطينيين. فعقب اختطاف الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وحرقه في تموز/يوليو 2014، دعت من خلال موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلى إبادة جماعية للفلسطينيين. وبررت شاكيد موقفها: «أن الشعب الفلسطيني بأكمله عدو، ويشمل ذلك المسنين والنساء، المدن والقرى، المباني والبنى التحتية»‏[79].

وكانت شاكيد أيضاً وراء تعديل على قانون إسرائيلي قد يمنح العفو عن المعتقلين الفلسطينيين، تمت الموافقة عليه عام 2014، وقالت وقتها: «إن إطلاق سراح الإرهابيين بشكل جماعي عبر اتفاقيات دبلوماسية يسخر من الجمهور الإسرائيلي، وكذلك تقصير مدة المجرمين القتلى»‏[80]. كما أدت «شاكيد» دوراً مهماً في مصادقة الحكومة الإسرائيلية على مقترح «قانون القومية»، الذي يقضي بتعزيز الطابع اليهودي لدولة إسرائيل بوصفها «البيت القومي للشعب اليهودي»‏[81].

3 – موقف الحزب من الدولة الفلسطينية

يشدد حزب «البيت اليهودي» في برنامجه السياسي على أن إسرائيل دولة يهودية تحكمها الديمقراطية، لكنها للشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم. وعليه، فالحزب يعمل على تعزيز الصبغة اليهودية والدينية للدولة، لكنه يدعو إلى منح الحقوق للأقليات عن طريق ضم من وصفهم «العرب في إسرائيل»، وأكد أنه سيتصدى لكل من يروِّج لتحويل إسرائيل إلى «دولة جميع مواطنيها».

نجح حزب «البيت اليهودي» بفرض رؤيته حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على الخطاب الإسرائيلي، وبخاصة في معسكر اليمين والوسط، حين دعا رئيس الحزب إلى تبني أجندة ومعتقدات حزبه الرافضة لأي مفاوضات مع السلطة الفلسطينية والإبقاء على الفصل بين غزة والضفة، ومنع عودة اللاجئين إليها كون ذلك «سيؤدي إلى كارثة ديمغرافية تشكل خطراً على مستقبل الدولة اليهودية، وعليه يجب فرض السيادة الإسرائيلية وقوانينها على الضفة، وضم المستوطنات لنفوذ إسرائيل»‏[82].

يصر الحزب على مواقفه المتشددة المعارضة لإقامة أي كيان للشعب الفلسطيني، والاكتفاء بمنح الفلسطينيين نوعاً من الاستقلال الذاتي لإدارة شؤونهم الخدماتية واليومية، وتحسين حياتهم وظروفهم لتفادي ضغوط المجتمع الدولي على إسرائيل، إلى جانب دعم مشاريع استثمارية اقتصادية مشتركة بقصد ما يسميه الحزب «التعايش» ما بين إسرائيل والعرب بدلاً من المفاوضات العبثية، مع إطلاق العنان للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على جميع مناطق الضفة الغربية والأغوار.

وواصل زعيم الحزب نفتالي بينيت رفضه لفكرة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية، مشيراً إلى أنه سيتم إسقاط فلسطين من جدول الأعمال، في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير 2017، وهو موعد تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه بشكل رسمي. وجاءت أقوال بينيت في لقاء مع موقع صحيفة يديعوت أحرنوت، الذي حدد فيه موقف الحكومة الإسرائيلية الرافض إقامة دولة فلسطينية، معتبراً بأن الدولة الفلسطينية موجودة في قطاع غزة والتي تحولت إلى «حمستان». وقال: «هذا ليس موقفي فقط، وإنما موقف الحكومة الإسرائيلية، ومن يقبل بقيام دولة فلسطينية على بعد 5 كيلومترات من كفار سابا لن يجد له مكاناً في هذه الحكومة»‏[83]. وأضاف بينيت: «سيمنح الفلسطينيون الحكم الذاتي فقط ويجب ضم مستوطنة معاليه أدوميم للسيادة الإسرائيلية، والتي ستكون هي البداية ومن ثم ضم مستوطنات أرائيل وعوفرا وغور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية»‏[84]. وكان بينيت قد أشار إلى أنه: «سوف يبدأ العمل على تطبيق القانون الإسرائيلي على المناطق التي يوجد فيها المستوطنون في مناطق الضفة الغربية. وأكد ضرورة البدء في تطبيق سياسة جديدة، تتمثّل بضم تدريجي لمناطق «سي» التي سوف تسهم في تغيير الواقع بشكل كبير مستقبـلاً‏[85].

4 – موقف الحزب من الاستيطان

يؤمن حزب «البيت اليهودي» بضرورة تكثيف الاستيطان في جميع المناطق بفلسطين التاريخية، مع منح أفضلية قومية للاستيطان والتصدي للفلسطينيين بالنقب، والضفة، والجليل، والمثلث ممن وصفهم بالغزاة لـ «أراضي الدولة» وطردهم من هذه الأراضي وإعادتها لسيادة إسرائيل. وينطلق برنامج الحزب من أيديولوجيا دينية متطرفة، فهو يتمسك بمبدأ الصهيونية الدينية القائم على التوسع واقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم. لذلك، يطالب الحزب بعدم إخلاء المستوطنات في ظل أي اتفاق سياسي مع الفلسطينيين، ويتمسك بضرورة إبقاء المستوطنات الإسرائيلية في يهودا والسامرة أي (الضفة الغربية)‏[86].

ويدعو الحزب باستمرار إلى ضم معظم مناطق الضفة الغربية لدولة إسرائيل، ليترك فقط المدن والبلدات الفلسطينية الكبرى في أيدي الفلسطينيين. من هنا يرى الحزب أهمّيّةً بالغةً في دعم الاستيطان على كامل «أرض إسرائيل الكبرى»، وتسهيل ذلك بوسائل عدّة، منها توفير المواصلات العامّة، ودعم السكن في هذه المناطق وتوفير المحفّزات‏[87].

وقد نجح الحزب في 6 شباط/فبراير 2017 في تمرير قانون «شرعنة البؤر الاستيطانية المقامة على أراضٍ فلسطينية ذات ملكية خاصة في الضفة الغربية». وذلك، بعد مداولات استمرت عدة سنوات، حيث صادق الكنيست الإسرائيلي على هذا القانون، ويعد تمرير القانون بداية مرحلة جديدة، ويشكل إنجازاً كبيراً للتيار الديني القومي الذي يمثله حزب «البيت اليهودي» المتطرف الذي يؤمن بما تسمى «أرض إسرائيل الكبرى»، وإن هذه الأرض توراتية، وتعود ملكيتها لليهود فقط، ولا منازع لهم على ملكيتها. وبالتالي، فرض السيطرة والسيادة اليهودية الكاملة عليها، ويجب فرض القوانين والتعليمات التوراتية عليها فقط‏[88]. وبموجب هذا القانون فإنه يشرعن بأثر رجعي وضع نحو أربعة آلاف وحدة استيطانية أقيمت على أرض ذات ملكية فلسطينية خاصة في الضفة الغربية المحتلة‏[89].

عموماً، يعتقد «البيت اليهوديّ» أنّ دولة إسرائيل تخسر مساحات واسعة من «أرض إسرائيل»، بسبب عمليات البناء غير المرخصة لدى السكان البدو في النقب. هذا الوضع لا يتسبّب في خسارة الأرض فحسب، بل يؤدّي كذلك إلى تآكل سلطة القانون، وسيادة الدولة اليهوديّة على أراضيها. لذلك، يجب العمل على فرض القانون والنظام في النقب، والجليل ومنع البناء غير المرخّص والاستيلاء غير القانونيّ على الأرض، ومن جهة أخرى، يجب العمل على توسيع الاستيطان اليهوديّ ودعمه في تلك الأراضي‏[90].

خاتمة

جاء حزب «البيت اليهودي» المتطرف بخطاب سياسي وديني جديد لا يركّز على قضيّة الصراع والمستوطنات فقط، بل أراد أن يكون الحزب بمنزلة بيت لكلّ اليهود داخل الخطّ الأخضر وخارجه، فركّز في خطابه على القيم اليهوديّة، والمساواة في توزيع العبء الاقتصاديّ والعبء العسكريّ، وضرورة تجنيد الجميع في الجيش أو في الخدمة المدنيّة، وأدخلَ إلى قائمة مرشّحية شخصية عنصرية متطرفة غير متديّنة، تمثلت بوزيرة العدل أيليت شاكيد، وذلك للتأثير في قطاعات اجتماعيّة كبيرة جديدة في المجتمع الإسرائيليّ، إضافة إلى أنه سوّق رئيسه نفتالي بينيت وأظهره كشخصيّة متديّنة ملتزمة وصارمة ومتنوّرة وعصريّة في آنٍ واحد. ويرى الحزب أنّه شريك طبيعيّ في أي حكومة إسرائيلية تحافظ على الثوابت والموروث اليهودي في أرض «الآباء والأجداد» ولا تفرط في «ممتلكات» أرض إسرائيل التي خصتها التوراة.

خلاصة

من خلال العرض السابق حول دور حزب «البيت اليهودي» في الحياة السياسية الإسرائيلية، وما تفرع عن هذا العرض من محاور سلطت الضوء وعالجت الكثير من المواضيع المتعلقة بطبيعة الفكر والأيديولوجيا التي ينطلق منها هذا الحزب المتطرف، ومواقفه العنصرية، وسلوكه السياسي المعادي للفلسطينيين أصحاب الحق والتاريخ والجغرافيا في أرض فلسطين؛ يتبين أن المجتمع الإسرائيلي وخلال العقدين الأخيرين بدأ يتماشى مع برامج الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة لدرجة جعلت الأحزاب نفسها تعتمد برامج سياسية أكثر عنصرية وتطرفاً تجاه العرب عموماً، والفلسطينيين في الأراضي المحتلة على وجه الخصوص، وفي غياب وسائل الردع العربية والدولية لحالة التطرف الإسرائيلي غير المسبوقة تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي بات من الصعب لجم حالة التطرف التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي والتي يبدو أن معسكر اليسار الإسرائيلي نفسه أصبح عاجزاً عن التأثير عليها أو التقليل من حدتها، وأصبح الحديث عن اليمين الإسرائيلي المتطرف يشمل السواد الأعظم من المجتمع الإسرائيلي بتركيبته وإثنيته المتعددة.

وعليه، أعتقد أن حزب «البيت اليهودي» أدرك هذه الغاية، وأخذ يعزز برنامجه السياسي القائم على العنصرية والتطرف بمواقف وأفعال وقرارات تتناغم من توجهات المجتمع الإسرائيلي، وتبني سياسات أكثر عنصرية من غيره من الأحزاب، الأمر الذي أسهم في تزايد شعبيته، ناهيك بنجاحه في تسخير تكنولوجيا المعلومات، ومواقع التواصل الاجتماعي لمشاركة الجمهور الإسرائيلي تساؤلاته وهمومه وقضاياه.

من هنا، لا بد من أن يسعى الفلسطينيون بمختلف فصائلهم وتوجهاتهم لإنجاز موضوع المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ الانقسام الذي حدث بين حركتي فتح وحماس في 14 تموز/يوليو 2007، والوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تنفيذ برامج الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة المشجعة للاستيطان والرافضة لحل الدولتين أمثال حزب «البيت اليهودي» وغيرها من الأحزاب المتطرفة الأخرى. كذلك ينبغي على القيادة الفلسطينية ممثلة بالسلطة الفلسطينية العمل على مختلف الصعد، وفي الاتجاهات كافة، وفي المحافل الدولية، لفضح جرائم الاحتلال ومستوطنيه الذين يتمتعون بدعم وتأييد كاملين من حكومتهم المتطرفة التي يشكل حزب «البيت اليهودي» جزءاً أصيـلاً منها.

 

قد يهمكم أيضاً  في المأزق الفلسطيني والمأزق الإسرائيلي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الأحزاب_الإسرائيلية #الأحزاب_الصهيونية #الدولة_الصهيونية #الكيان_الصهيوني_الغاصب #حزب_البيت_اليهودي #التطرف_الإسرائيلي #الحياة_السياسية_الإسرائيلية