(موقفان يتجاذبان المثقف العربي، يمليهما عليه وعيه وواقعه، فالوعي المستمد من تراث الإنسان والحب فيه المنزلة الأولى بين الكائنات يفرض تساميًا في الروح يباعد بين الإنسان ومشاعر البغضاء والعداء، أما الواقع فإنه يغطي بسواده المدى ولا يترك في الأفق مجالًا إلا للثأر والدم … ذلك أن الفكر مثالي في تطلعاته ومتطلباته في حين أن الواقع صعب في قسوته ومراراته).. الياس حنا، دراسات فلسطينية ص 49. 

ليس كما يقول بنيامين نتنياهو، أو كما قال قبله جورج بوش وأريل شارون، بأن المقاومة الفلسطينية إرهاب.. وليس كما يزعم صقور الحرب في البنتاغون والموساد بأن على الشعب الفلسطيني أن يكون مهادنًا ومسالمًا حتى ينال فتات ما يقدمه له بنو صهيون.. ليس ما يقول أولئك وهؤلاء وليس ما يزعمون ويتمنون، فجرح فلسطين أعمق كثيرًا من أن تداويه الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وأكبر كثيرًا من أن تعالجه اتفاقيات الذل وكوابح الانتفاض ومواضعات الراهن.

إذًا، فالرجوع إلى الوراء هو وحده ما يجعل وهج القضية حارًا ولافحًا حتى لا ينسى الناس كيف كان بنو صهيون ينتهبون الأرض الفلسطينية على مرأى من بصر العالم من دون أن يكون لأحد الجرأة على قول الحق، فذهبت فلسطين إلى غير أهلها وذهب أهلها إلى المجهول، فأصبحت بعد ذلك بندًا ثابتًا على طاولات البحث في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية منها والإقليمية، وورقة رابحة يتلاعب الرؤساء بها ليصلوا على ظهره الكسير إلى دست الحكم في دولهم.

لم يحدث في تاريخ البشرية كلها ما حدث على أرض فلسطين، فقد تمالأ العالم أجمع على إخراج شعب بأكمله من دورة الحياة على أرضه، وإحلال شعب آخر كان كل حقه على تلك الأرض مجموعة من العقائد الفاسدة والنصوص المزورة والكيد الخفي، ولعل في رواية النهب القانوني لأرض فلسطين كفاء لكل ذي بصر على عمق الجرح ومرارة الواقع الأليم …، فمن أين بدأت تلك الرواية الأليمة؟ وإلى أين ينتهي مآلها الماحق يا ترى؟

وعد بلفور المشؤوم .. تغيب متعمد لمبادئ العدل والقانون 

ليس هنالك أعمق توصيفًا للوعد الذي أعطته الحكومة البريطانية لليهود والمعروف بوعد بلفور سوى أنه “عطاء من لا يملك إلى من لا يستحق” فلا الحكومة البريطانية تملك أراضي فلسطين ولا اليهود يستحقون أن يجمع شملهم فيها، فالأولى تحايلت على القانون والعدالة بصياغة صك انتدابها على أرض فلسطين لتكافئ بها اليهود مقابل مساعدتهم لها في الحرب، والثاني أراد أن يجمع نفسه على وطن واحد بعد أن نكّل به النازيون وفرقوه أيدي سبأ.

وليس لأحد تجري ذرة من العدالة في دمائه أن يقبل مثل ذلك الاعتساف الجائر. وقبول وعد تعطيه حكومة لشخص أو لمجموعة أشخاص بإخراج شعب بأكمله وتسليمه لآخرين.

أما من ناحية القانون فإن الوعد صادر من المملكة المتحدة متمثلة بوزير خارجيتها إلى الكونت دي روتشلد، باطل في كل وجوهه بالنظر إلى حقيقة الوضع لا إلى الوثائق الصادرة. فالمملكة المتحدة لا تملك أرض فلسطين حتى تستطيع إعطاءها لليهود ولا يمكن لها بموحب صك الانتداب الذي صاغته أن يعطيها الحق في تغيير الخريطة الديمغرافية لبلد من البلدان. وقد أثبتت الوقائع بعد ذلك أن ذلك الوعد الباطل قد تم توظيفه لارتكاب واحدة من الجرائم ضد الإنسانية وهى التهجير القسري للسكان، وجرائم الإبادة الجماعية وهي إحلال قومية مكان أخرى بصورة ممنهجة ومنظمة وفقًا لما نصت عليه الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف لسنة 1949. بالرغم من أن ذلك التصريح المشؤوم يحتوي على مغالطات واضحة من ناحية الوقائع الثابتة على الأرض آنذاك ومن ناحية مبادئ القانون والعدالة – بحسب ما أوضحنا آنفا – إلا أن التصريح قد أشار في وضوح إلى أنه “لن يؤتي عملًا من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”. إلا أن اليهود – كما هو شأنهم – قد اتخذوا من هذا التقرير قاعدة انطلاق نحو الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية عبر نهب قانوني منظم منذ تاريخ التصريح وحتى يوم الناس هذا.

 صك الانتداب وألاعيب الصهيونية العالمية 

كان من المؤمل أن تقوم عصبة الأمم بعد أن تكشف لها بُطلان تصريح بلفور بحسب ما نصت عليه المادة (20) من ميثاقها الأساسي باتخاذ الإجراءات اللازمة لإلغائه ومحو كل ما ترتب عليه من آثار وتوجيه اليهود للبحث عن حل لمشكلتهم في إطار من الشرعية واحترام سيادة الدول واحترام الشعوب، ولكن الأيادي الصهيونية التي ما أجادت غير الألاعيب، عملت في الخفاء وفي العلن للإبقاء على تلك اللاشرعية واستمالة دول الغرب التي وافقت على صك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي كان من بين بنوده تمكين اليهود من فلسطين بأن تكون وطنًا قوميًا لليهود وأوجب على جميع الدول تسهيل الهجرة والتجنس وانتقال أراضي فلسطين للمهاجرين اليهود وإشراكهم في الإدارة والتعليم وبصدور ذلك الصك أصبحت فلسطين تحت الحكم البريطاني تشريعيًا وإداريًا وعسكريًا مما مكنها بالقيام بكل تلك الأفعال ظنًا منها أنها أفعال مشروعة.

هيئة الأمم المتحدة والسير في الطريق المرسوم 

جاءت بعد ذلك هيئة الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم وكان لا بد لها أن تسير في الطريق المرسوم وذلك أن الدول التي أنشأت إسرائيل على أرض فلسطين هي نفسها الدول التي هيمنت على قراراتها منظمة الأمم، سواءٌ بالضغوط المباشرة أو بالتلويح بالحصار والمقاطعات.

أصدرت هيئة الأمم المتحدة أول قراراتها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بتقسيم أرض فلسطين بين اليهود والمواطنين العرب، وهو قرار جائر كجور كل القرارات السابقة له، ولم يصدر بتلك الطريقة إلا لإرضاء تطلعات اليهود غير المحدودة على أرض فلسطين، ومع ذلك فقد خالف القرار مواثيق الأمم المتحدة نفسها ونظام الوصاية المفروضة على دولة فلسطين، كما أنه كان مجرد توصية وليس قرارًا ملزمًا بحسب المادة 14 من ميثاق الأمم المتحدة.

رفض المواطنيون العرب في فلسطين ذلك القرار واستعملوا كل الوسائل لمنع تطبيقه بما فيها وسيلة العنف حتى أذعنت الأمم المتحدة لمطالبهم فقامت بإلغاء قرار التقسيم في 14 أيار/مايو 1948 وأصدرت قرارًا آخر بتكليف وسيط من الأمم المتحدة للعمل على إجراء تسوية للوضع في فلسطين، ولكن ولسخرية القدر قامت إسرائيل في اليوم التالي لصدور القرار بإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 أيار/مايو 1948 والذي يعرف على الجانب الفلسطيني بيوم النكبة، وهي بهذا القرار تكون قد ضربت بمواثيق وقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط. منذ ذلك التاريخ بدأت إسرائيل مباشرة بتنفيذ سياستها المعدة سلفًا لالتهام الأراضي الفلسطينية، وقامت فورًا باحتلال ما يزيد على 22 بالمئة من مساحة الأراضي الممنوحة لها بموجب قرار التقسيم وشردت بذلك نحو 400،000 من مساكنهم.

قامت – إذن – دولة إسرائيل داخل حدود معلومة وباشرت بناءها السياسي والاقتصادي بذات النهج الذي باشرت به ميلادها الأول. وإذا كان الاعتداء هو الخط الاستراتيجي الذي اعتمدت عليه الإدارة الإسرائيلية في توسيع رقعة الدولة، فقد كانت القمة الصغرى لذلك الاعتداء هي العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، ثم تلتها النكسة الكبرى للعرب في حرب 1967 والتي أسفرت عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية في سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الغربية والقدس الغربية الفلسطينيتين، فأصبحت إسرائيل بين ليلة وضحاها دولة ذات منعة وبأس، فالتفتت بعد ذلك إلى الوضع الداخلي واضعة نصب أعينها خطر السكان العرب على التركيبة الديمغرافية للوطن اليهودي.

ملهاة حكم … ومأساة شعب 

لم تجد إسرائيل غير الحكم العسكري الصارم ما تدير به شؤون العرب الفلسطينيين داخل وطنهم ولم تجد غير القوانين الصارمة ما تحدد به طريق العيش لشعب تحول وطنه في غفلة من التاريخ إلى سجن كبير يعيش فيه أهله كالغرباء، تشملهم القوانين الظالمة، وتبيدهم الآلة العسكرية الغاشمة، وتحكمهم عقول فاسدة، وقلوب حاقدة، وينظر إليهم عالم خنوع هلوع، لا يوجد في كل فضائه الواسع من يقول كلمة الحق. ولنا فيم ا نستعرض من قوانين ولوئح خير دليل على ما نقول.

صدرت أيام الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1945 ما يسمى قوانين الدفاع والتي تمنع أي شخص من دخول مناطق معينة وإلزامه بالتبليغ عن مكانه في أي وقت والحضور إلى أقرب محطة بوليس متى ما يطلب منه ذلك، والبقاء خلف أبواب بيته قبل غروب الشمس بساعة وحتى شروق الشمس، كما تمنح القوانين المذكورة القائد العسكري سلطة إصدار أمر اعتقال إلى أي شخص ووضعه في أي معتقل يختاره. كما يجوز لوزير الدفاع أن يصادر الأملاك إذا ثبت أن مالكها قد خالف هذه القوانين، أو ارتكب مخالفة يحاكم عليها أمام محكمة عسكرية.

أما القيود الجماعية التى تفرضها تلك القوانين على الشعب الفلسطيني فتتمثل بالسماح للقائد العسكري بأن يعلن منطقة معينة بأنها منطقة مغلقة فيمنع الدخول إليها أو الخروج منها إلا بإذن خاص.

بعد أن قامت إسرائيل باحتلال الأراضي العربية في عام 1967 صدر أمر لم يحدد في متنه المجال الذي يطبق فيه، أتى بقيود وعقوبات جديدة لم تكن معروفة من قبل مثل منع أي شخص الاتصال بشخص آخر إذا كان هنالك أساس معقول بأنه يعمل “من أجل العدو” ومنع القيام بأي عمل يوجد فيه ما يمنع القوات الإسرائيلية أو العاملين في خدمات حيوية من القيام بأعمالهم. أما اغرب ما في تلك القوانين على الإطلاق فهو إلقاء عبء إثبات البراءة على المتهم بخلاف ما تنص عليه كل قوانين الدنيا.

كان هدف إسرائيل من كل تلك القوانين – وما زال – هو خلق دولة يهودية صرفة على أرض فلسطين باعتبار أن فلسطين هي أرض الميعاد التي يؤوب إليها اليهود ويعيدون بناء الهيكل ويتذوقون فيها طعم السيادة على الآخرين. ولهذا فإن كل استراتيجيات الدولة الصهيونية مبنية على تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وكان هذا واضحًا من كتابات كبار قادته السياسيين، فقد كتب – على سبيل المثال – شمعون بيريز معلقًا على المادة (125) المتعلقة بالمناطق المغلقة أن استعمال تلك المادة هو “استمرار مباشر للنضال من أجل الاستيطان اليهودي والهجرة اليهودية وإذا كنا متفقين على أن للآستيطان مغزى سياسيًا بعيد المدى فإن علينا أن نمنع خلق حقائق تتناقض مع مفهوم صهيونية دولة إسرائيل وتناقض القانون أيضًا”، بل إن بن غوريون نفسه قد أكد “أن الحكم العسكرى جاء ليدافع عن حق الاستيطان اليهودي في جميع أنحاء الدولة”.

على كل فإن أبرز نتائج الحكم العسكري في فلسطين المحتلة هي سياسات الفصل العنصري الذي مارسه ذلك الحكم بانتظام كما قال بذلك نائب الكنيست يعقوب حزان حين أكد أن الحكم العسكري قد عمل على عزل المواطنين العرب بواسطة التمييز بينهم في كل مجالات الحياة، فأصبحت إسرائيل دولة عنصرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وكان هدف تلك العنصرية في حصيلته النهائية هو تحطيم العرب كجماعة قومية، وإقامة دولة يهودية – حسب ما يعتقدون – على أرض فلسطين ليبسطوا نفوذهم بعدها على العالم بأسره.

جريمة تهجير العرب الفلسطينيين بين الواقع والقانون 

أشرنا في ما سبق إلى أن الهدف الأساسي من كل السياسات التي اتبعتها إسرائيل في الأرض الفلسطينية هو خلق دولة يهودية صرفة لاعتقادهم بأن شملهم سيلتئم مرة أخرى ويعيدون بناء الهيكل ثم يبسطون نفوذهم على أرض الميعاد من النيل إلى الفرات.

صدر ما بسمى “قانون الغائبين” والذي قصد منه تهيئة الساحة أمام القوانين اللاحقة التي تهدف إلى مصادرة أراضي الفلسطينيين رغم أنوفهم، وتتركز فكرة هذا القانون الغريب على أنه يعدّ غائبًا “كل إنسان” غادر محل سكنه بعد 29/ 11/ 1948 أو غادر البلاد خارج أرض إسرائيل قبل يوم 1 /9 / 1948 أو قصد مكانًا داخل إسرائيل كانت تسيطر عليه في ذلك التاريخ (أي 1 /9 /1948)، وحتى إذا لم يكن الشخص غائبًا وفق ما ذكرناه، فإنه – بحسب ذلك القانون – يكون غائبًا إذا قرر “القيّم على أحوال الغائبين” أن إنسانًا أو جماعة من الناس هم غائبون، وسلطة القيّم في هذا الخصوص مطلقة وقراره نهائي، وللحصول على أكبر فعالية لهذا القانون فقد تم التنسيق بينه وبين المادة (125) من قوانين الدفاع لسنة 1945 بحيث يستطيع القائد العسكري إغلاق أية منطقة بشكل يمنع عودة أهلها إليها ومن ثم يقوم القيم بممارسة صلاحياته ومصادرة أرضها بوصفها أملاك غائبين.

هذه نصوص قوانين جرى تطبيقها – ولسخرية الأقدار – على أرض الواقع في اثنتي عشرة قرية فلسطينية مع العلم أن تغييب أهل هذه القرى تم بإخلاء قسري بواسطة الجيش الإسرائيلي.

لم تنسَ الإدارة الإسرائيلية الأراضي الزراعية المملوكة للمواطنين الفلسطينيين العرب ولعلمها أن مشروع “تهويد فلسطين” لن يكتمل إلا بمصادرة تلك الأراضي منحت (مواد ساعة الطوارئ لاستغلال الأراضي غير المفلوحة) وزير الزراعة صلاحية الاستيلاء على الأراضي غير المفلوحة لتأمين فلاحتها، وتم عمل تنسيق بين هذه المادة مع المادة (125) من قوانين الدفاع لسنة 1945 بحيث يستطيع الحاكم العسكري منع عودة الفلاحين العرب إلى أراضيهم حتى يستطيع وزير الزراعة وفق صلاحياته مصادرة الأراضي الزراعية.

لم تكن دولة إسرائيل لتكتفي بكل ما سنته من قوانين وما قامت به من إجراءات، لأنها تريد محو الهوية العربية من دولة فلسطين فأصدرت قانون “الاستيلاء على أرض ساعة الطوارئ” والذي منحت لنفسها الحق بموجبه في مصادرة أية أرض أو إسكان متى ما كان ذلك يشكل ضرورة للدفاع عن أمن الدولة وأمن الجمهور أو لتقديم خدمات جماهيرية ضرورية أو استيعاب مهاجرين أو إسكان جنود مسرّحين أو مشوهي حرب، ولا يمكن لإنسان أن يتخيل إلى أي مدى تم استغلال ذلك القانون في تشريد وتهجير المواطنين العرب وإبدالهم بالوافدين اليهود، ولإحكام الحلقة الأخيرة من تلك السلسلة المرعبة التي طوقت بها الإدارة الإسرائيلية كل شبر من أرض فلسطين صدر قانون استملاك الأراضي الفلسطينية لسنة والذي يعطي وزير المالية الحق في نقل ملكية الأراضي التي تم نزعها بموجب قوانيين الطوارئ واملاك الغائبين إلى سلطة التطوير والتي لها وحدها مطلق التصرف فيها.

إذًا، فإن إسرائيل قد أحكمت الخناق كلية حول أرض فلسطين وكان ثمرة ذلك الإحكام هو الاستيلاء على أكثر من مليوني دونم يملكها مواطنون عرب مقيمون في إسرائيل إضافة إلى مساحات شاسعة أخرى يمتلكها مواطنيين عرب مقيمون خارج إسرائيل.

هذه هي – إذن – فصول رواية لم تكتمل بعد وهي فصول مأساوية كان ضحيتها شعب بأكمله قُتل فيه من قُتل وشُرد من شُرد ودخل السجون والمعتقلات نساء وأطفال وشيوخ، وبقي منهم من يعيش على أرضه تحت وطأة احتلال يسيمهم سوء العذاب.

لعله من المناسب هنا أن نذكر بأن كل واحد من حكام إسرائيل وأمريكا على السواء قد خط بقلمه الأسود فصلًا من فصول هذه المأساة، وأن كل واحد منهم يفاخر اليوم بانه كان من صناع المجد اليهودي الذي ما زاد منه شيء إلا بنقصان فلسطين أرضًا وشعبًا وعزة، فلا تثريب إذًا على شباب فلسطين إن توشحوا بالأحزمة الناسفة وقدموا أجسادهم فداءً لتلك المأساة، ولا تثريب على الذين يظنون أن أرض فلسطين ستعود بغير الدم المهراق، فقد كبلتهم كوابح التسويات.

وبعد، هل يعيد اليهود قراءة التاريخ لمراجعة سياساتهم، أم أنهم سيظلون بالمرصاد لكل صوت فلسطيني حر فيذهبون به إلى غير عودة .. تمامًا كما ذهب عز الدين القسام وأحمد ياسين وياسر عرفات وغيرهم كثير… فطابور الشهداء – بلا شك – طويل جدًا ذهب أقله وبقي أكثره على الطريق.