لطالما حصد لبنان ثمار موقعه الجغرافي، ولطالما تمّ التّغنّي بهذا الـ «لبنان» الممدّد على شاطئ البحر المتوسّط، لكن أن يتحوّل موقعه نفسه من نعمة إلى نقمة على اقتصاده واقتصادييه ومستهلكيه، فهذا ما لم يكن في الحسبان.

موقع لبنان في جوار سوريّة كان سبباً كافياً أخيراً، لتراجع حركته التّجاريّة، وربّما لتدهورها، ولا سيّما الصّادرات منها. فإذا استثنينا سوريّة من خرائط الطّرق الّتي تسلكها الصّادرات اللبنانيّة إلى موطن مستورديها، يصبح البحث في أرقام صادرات لا قيمة لها، أمّا إذا أضفنا المنافذ والمعابر السّوريّة التّي تسلكها البضائع اللبنانيّة إلى الدّول المستوردة، فيتحوّل البحث إلى مليارات الدولارات، وهي أرقام تشكّل، بلا أدنى شكّ، سنداً قويّاً وأساسيّاً للاقتصاد اللبناني.

إغلاق معبر «نصيب» عند الحدود السّوريّة – الأردنيّة لم يكن فاتحة الانتكاسات التّي لحقت بالصّادرات اللبنانيّة، وربّما لن يكون آخرها. فالانتكاسات بدأت منذ أعوام عديدة مع انخفاض الطّلب على البضائع اللبنانيّة في بعض أسواق الاستيراد نتيجة سوء الأوضاع الأمنيّة وارتفاع تكاليف التّصدير عبر الأراضي السّوريّة لما تواجهه من مخاطر؛ ثمّ شهدت تراجعاً عام 2014 بنسبة 18 بالمئة بسبب تأزّم الأوضاع الأمنيّة إقليميّاً، ولا سيّما بعد إغلاق الحدود السّوريّة – العراقيّة، واليوم أُغلق آخر المعابر البرّيّة أمام الصّادرات اللبنانيّة، وهو معبر «نصيب» الواقع جنوب درعا، الذّي يمثّل الشّريان الحيوي الوحيد للصّادرات اللبنانيّة بمختلف أنواعها، وبخاصّة الزّراعيّة منها، المتجهة إلى الأسواق العربيّة والخليجيّة، ليضع هذا الإغلاقُ الصّادراتِ اللبنانيّةَ أمام أزمة بالغة الخطورة سوف تنعكس على قدرة لبنان على تصريف بضائعه وستؤدّي إلى خسارة موقعه في هذه الأسواق، الأمر الذي سيولّد خسائر اقتصاديّة على المديين القصير والبعيد‏[1].

إنّ إغلاق معبر «نصيب» حوّل لبنان إلى «جزيرة» لا منافذ برّيّة لها على الأسواق الخليجيّة والعراق والأردن، وبالتّالي يجب توفير خطوط نقل بحريّة، إلّا أنّ المشكلة تكمن في التكاليف الإضافيّة للنّقل البحري الّتي تتجاوز الـ 2000 دولار على كل شاحنة أو برّاد. بحيث يكبّد خيار النّقل البحري صادرات الصّناعة والزّراعة مبلغ 80 مليون دولار إضافيّة سنويّاً‏[2].

من هنا، تطرح إشكالية كيفيّة معالجة الكارثة التّي لحقت ولا تزال بالاقتصاد اللبناني وبالمزارعين تحديداً، من خلال اللجوء إلى الطّريق الأمثل والأكثر أماناً لتصريف إنتاجهم الزّراعي بتكلفة أقلّ وبوقت أسرع. وللإجابة عن هذه الإشكاليّة المطروحة، قمنا بتقسيم البحث إلى قسمين أساسيّين، وكلّ قسم ينقسم إلى ثلاثة مباحث تتكامل فيما بينها لإعطاء صورة واضحة عن طبيعة وواقع التّصدير في لبنان وحالة هذا القطاع في ضوء الأوضاع الإقليميّة الحاليّة.

أولاً: الانعكاسات السلبية للحروب
المجاورة على الاقتصاد اللبناني

من المعروف أنّ لبنان رغم أنّه يعَدّ بلداً مستورداً لا مصدّراً، إلّا أنّ الصّادرات اللبنانيّة لا يُستهان بها، إذ تصل قيمتها إلى حوالى 4 مليارات دولار سنويّاً، تشمل المنتجات الزّراعيّة والمنتجات الصّناعيّة الغذائيّة ومن ثمّ الصّناعات الأخرى، يتمّ تصديرها في مجملها برّاً عبر سوريّة، التّي شكّلت لسنوات عديدة ممرّ ترانزيت لبضائع المنتجين والمزارعين والمصدّرين والمستوردين والصّناعييّن والتجّار اللبنانيّين باتّجاه بلدان الخليج وبعض البلدان العربيّة.

فسورية هي الدّولة الوحيدة التّي للبنان حدود برّيّة عمليّة معها، كون العلاقة الاقتصاديّة مع فلسطين المحتلّة متوقّفة حكماً. يبلغ عدد المعابر البرّيّة التي تربط لبنان بسورية 5 معابر: جديدة يابوس «المصنع» على طريق دمشق – بيروت، الدّبوسيّة «العبّوديّة» على طريق حمص – طرابلس، جوسيّة «القاع» على طريق حمص – بعلبك، طرطوس «العريضة» على طريق طرطوس – طرابلس، وتلكلخ «البقيعة»‏[3]. إضافة إلى ذلك، يوجد على طول الحدود اللبنانيّة – السّوريّة عدّة معابر غير قانونيّة تستخدم لعمليّات التّهريب المختلفة، معظمها في مناطق جبليّة وعرة.

1 – قطاع التّصدير في لبنان

سنتعرّف في هذا المبحث إلى أبرز الدول الّتي تستورد السّلع والمنتجات اللبنانيّة بالإضافة إلى أنواعها، على أهميّة الدور الذي يؤديه المزارعون اللبنانيّون في تعزيز الاقتصاد الوطني. كذلك، سنتحدّث عن أهمّ البرامج الّتي وضعت بغية تنشيط القطاع الزّراعي ودعم الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة.

أ – المنتجات اللبنانيّة: أنواعها والدّول المستوردة لها

هناك غياب للتّكافؤ بحجم الاقتصاد وبحجم السّوق والسّياسات. فلبنان يستورد بـ 21 مليار دولار ويصدِّر بما يقارب الـ 4 مليارات دولار فقط، حيث وصل عجز الميزان التّجاري إلى 17 ملياراً في عام 2014. يستورد لبنان النّفط ثمّ اللحوم الحمر والزّيوت ومشتقّات الحليب، فالسّيارات والملابس والأحذية والمعدّات الصّناعيّة والأدوية، إلّا أنّه يصدّر الخضر والفواكه ومواد غذائيّة ومعلّبات وحبوباً ومربيات وآلات ومعدّات كهربائيّة ومواد أوّليّة للصّناعات الكيميائيّة والورق والكرتون والمجوهرات والصّناعات النّسيجيّة، الّتي تؤمّن فرص العمل وتخفّض العجز في الميزان التّجاري وميزان المدفوعات، إلى الأسواق العربيّة والغربيّة أيضاً مثل أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا وبعض الدول الآسيوية وروسيّا. وبطبيعة الحال، تختلف كميّة الاستيراد ونوعيّته بين دولة وأخرى. فمثـلاً، يصدّر لبنان معدّات إلى السّعوديّة وأفريقيا والعراق بينما يصدّر مواد غذائيّة إلى أوروبا وأمريكا. وتبيّن أرقام غرف التّجارة والصّناعة والزّراعة في المحافظات، ومعها اتّحاد الغرف في بيروت، احتلال البلدان العربيّة المركز الأوّل في استهلاك الصّادرات اللبنانيّة، الّتي تسيّر بمعظمها عبر البرّ. والمقصود بالبلدان العربيّة، بلدان مجلس التّعاون الخليجي الّتي يبلغ عددها 6، والّتي تطلّ على الخليج العربي، وهي: الإمارات، البحرين، السّعوديّة، سلطنة عمان، قطر والكويت، إضافة إلى العراق والأردن، وطبعاً سورية.

الجدول الرقم (1)

حجم الاستيراد من لبنان بحسب الدول‏[4]

اسم الدّولةقيمة السّلع المستوردة سنويّاً (مليون دولار)أنواع السّلع المستوردة
السّعوديّة377المأكولات الجاهزة، المشروبات، المعدّات والآلات الكهربائيّة.
الإمارات320تشمل المجوهرات، الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، لؤلؤ، منتجات كيميائيّة، منتجات صناعة الأغذية ومعادن ثمينة.
جنوب أفريقيا297أحجار كريمة، معادن ثمينة ولؤلؤ.
العراق255الخضر والفواكه، ومنتجات صناعة الأغذية، منتجات الصّناعات الكيميائيّة، وآلات وأجهزة ومعدّات كهربائيّة.
سورية242الخضر والفواكه، بعض المنتجات الكيميائيّة والمعدّات.
تركيّا145الحديد والصّلب ومنتجات الصّناعات الكيميائيّة.
الأردن130الخضر ومنتجات كيميائيّة.

 

ب – «المزارعون اللبنانيّون»: الطّبقة الأكثر اعتماداً على التّصدير

تشكّل الزّراعة في لبنان ثالث أهم القطاعات الاقتصاديّة في البلاد بعد قطاعَي الخدمات والصّناعة. ويعَدّ القطاع الزّراعي ركناً أساسيّاً من أركان الاقتصاد الوطني، إذ يشكّل مورداً لفئة كبيرة من اللبنانيّين، ويسهم بالتّوزيع الدّيمغرافي للشّعب اللبناني، بحيث يحافظ على بقاء السّكّان في الأرياف ويحدّ من أحزمة البؤس في المدينة. هو مصدر من مصادر الدّخل، ومصدر من مصادر العمالة، وكذلك مصدر من مصادر النّقد الأجنبي، بمعنى أنّه عندما يقوم أي بلد من البلدان بتصدير إنتاجه إلى الخارج، ينتظر بالمقابل الحصول على عملات أجنبيّة. بعبارة أخرى وبلغة الاقتصاد إنه يعزّز ميزان المدفوعات للبلد. إذاً، فهو يؤمّن راهناً نحو 6 بالمئة من الدّخل الوطني، ويشغّل ما بين 20 إلى 30 بالمئة من اليد العاملة، ويمثّل نحو 17 بالمئة من قيمة الصّادرات. كذلك، يبلغ الموسم الزّراعي ذروته خلال الصّيف وتحديداً في شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر‏[5].

القطاع الزّراعي هو العمود الفقري للأمن الاجتماعي اللبناني. هو قطاع مهمّ جدّاً، حيث يعيش عليه أو من خلاله أكثر من نصف الشّعب اللبناني، من الشّمال والجنوب والبقاع. هذا الأخير الّذي يُعدّ المنتج الأبرز للزّراعة اللبنانيّة، إذ إنّهم يعتمدون على الصّادرات في تصريف إنتاجهم بنسبة كبيرة، وقد بنوا عبر السّنوات بتعبهم أسواقاً مهمّة جدّاً في مناطق بعيدة من لبنان، سواءٌ في الخليج العربي أو في الأردن أو في العراق وطبعاً في سورية. فهم يقومون بتصدير إنتاجهم الزّراعي من الخضر والفواكه على أنواعها (حمضيّات، تفّاح، زيتون، بطاطا، أكيدنيا، موز، حشائش، حبوب، ورقيّات، ثوم، عنب، كرز، مشمش، خس، ملفوف، بطّيخ… إلخ)، سالكين الأراضي السّوريّة، الّتي تشكّل قناة التّصدير الأساسيّة للسّلع الزّراعيّة اللبنانيّة باتّجاه تلك الأسواق، والّتي تمتلك العديد من المعابر البرّيّة مع الدّول المجاورة لها (العراق، الأردن وتركيّا)، وهي:

(1) المعابر الحدوديّة السوريّة – العراقيّة: على الجانب العراقي، هناك معبر «اليعربيّة» في محافظة الحسكة والمؤدّي إلى ربيعة العراقيّة، ومعبر «البوكمال» في محافظة دير الزّور، الّذي يطلق عليه معبر «القائم» في الجانب العراقي، ومعبر التّنف «الوليد»، جنوب دير الزّور.

(2) المعابر الحدوديّة السّوريّة – الأردنيّة: في الأردن يوجد معبر «نصيب» في درعا يسمىّ «جابر» من الجهة الأردنيّة، هو أحد المعبرين الحدوديّين الرّئيسييّن بين الأردن وسورية. إلى جانب معبر «نصيب»، يوجد معبر «الجمرك القديم» في درعا المؤدّي إلى الرّمثا الأردنيّة.

(3) المعابر الحدوديّة السّوريّة – التّركيّة: على الجانب التّركي توجد 8 معابر منها: معبر «كسب» في محافظة اللاذقيّة (غرباً)، معبر «باب الهوى» في محافظة إدلب، ومعبر «باب السّلامة» في منطقة إعزاز في محافظة حلب (شمالاً). هناك أيضاً معبر «جرابلس» في محافظة حلب، ومعبر «عين العرب». بالإضافة إلى معبر «تل أبيض»، ومعبر «رأس العين» في محافظة الحسكة (شمال شرق). كما يوجد معبر «القامشلي – نصيبين» في محافظة الحسكة ومعبر «عين ديوار» أيضاً‏[6].

الشكل الرقم (1)

خريطة المعابر الحدودية السورية

2 – برامج وطنيّة لدعم الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة

كانت المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «إيدال» وبتكليف من الحكومة، أطلقت في العام 2001 البرنامج الوطني لدعم الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة (Export-Plus)، وذلك بغية تنشيط القطاع الزّراعي والإسهام في زيادة كميّة الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة إلى الأسواق التّقليديّة، من خلال استعادة ثقة المستهلك بالإنتاج الزّراعي اللبناني، والمساعدة على فتح أسواق جديدة عبر تحسين جودة الإنتاج، وذلك عبر دعم تكلفة الشّحن للإنتاج الزّراعي المصدّر عبر البرنامج. ويهدف البرنامج بشكل أساسي إلى:

– زيادة حجم الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة إلى الأسواق التّقليديّة.

– الإسهام في فتح أسواق جديدة لتصدير المنتجات اللبنانيّة إلى الدّول غير العربيّة.

– تحسين جودة المنتجات الزّراعيّة اللبنانيّة عامّةً والمصدّرة خاصّةً، وحفز المزارع على – إنتاج مزروعات ذات جودة عالية قابلة للتّصدير.

– الإسهام في نهضة القطاع الزّراعي وإيجاد حلّ سريع ومؤقّت لمشاكل المزارعين.

وظهر نجاح هذا البرنامج في الحصول على الثّقة بالمنتجات الزّراعيّة اللبنانيّة في الأسواق الخارجيّة، ورفع حجم الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة من 284 ألف طن إلى ما يزيد على 450 ألف طن سنويّاً. كما أنّه خلق ثقافة جديدة لدى المزارعين والمصدّرين من خلال اطّلاعهم على المعايير العالميّة في الإنتاج والتّسويق. كما أنّ البرنامج حقّق أيضاً نتائج غير مباشرة، انعكست إيجابيّاتها على قطاعات اقتصاديّة مرتبطة بالقطاع الزّراعي وخصوصاً الصّناعات التّوضيبّية، وعلى حركة النّقل ولا سيّما البرّي منها، كون معظم الصّادرات تتمّ باتّجاه الوطن العربي. وقد أدّت هذه النّتائج أيضاً إلى خلق المزيد من فرص العمل وإنشاء مراكز جديدة للتّوضيب وتحديث بعض المشاغل القديمة…

وبعد وصول برنامج «Export-Plus» إلى مشارف النّهاية، أقرّ مجلس الوزراء في عام 2011 برنامج «Agri-Plus» الجديد لتنمية الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة، الذي يقوم على منح حوافز ماليّة هادفة للمزارعين والمصدّرين، يهدف إلى زيادة حجم الصّادرات الزّراعيّة، والحفاظ على الأسواق التّقليديّة وفتح أسواق جديدة، والإسهام في زيادة ثقة المستهلك الأجنبي بالمنتج الزّراعي اللبناني، وفي تطوير القدرات المعرفيّة والتّقنيّة للمنتجين والمصدّرين، إضافةً إلى تبادل المعرفة حول حاجات السّوق ومتطلّباته. وهو يرسي أسساً عدّة تتيح تلبية هذه المتطلّبات، كما تمكّنهم من المشاركة في معارض دوليّة متخصّصة في لبنان والخارج، وتشجّعهم على تطوير مراكز التّوضيب والتّبريد. وذلك من خلال 3 محاور هي:

 

  • تحسين الإنتاج عبر توفير التّدريب المناسب للمصدّرين بهدف تحسين نوعيّة إنتاجهم.
  • تحسين التّوضيب من خلال مساعدة المصدّرين على تحسين نوعيّة إنتاجهم وتطوير مراكز التّبريد الّتي يستخدمونها بما يراعي الجودة الدّوليّة.
  • تسويق وتشجيع التّرويج للقطاع على المستويين المحلّي والدّولي باستخدام وسائل متعدّدة (معارض، إعلان…)‏[7].

2 – كيفيّة تأثير الأزمة السّوريّة في الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة

للأسف، لا يختلف اثنان على أنّ الأزمة السّوريّة الممتدّة منذ آذار/مارس عام 2011، أثّرت بشكل كبير ومباشر في مختلف القطاعات اللبنانيّة، بحيث لم يقتصر تأثيرها على الأمن أو السّياسة فقط، بل أصاب الاقتصاد والقطاع الزّراعي تحديداً‏[8].

أ – زيادة تكلفة النّقل البرّي عبر سورية

في البداية، لم تتأثّر الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة إلى البلدان العربيّة والخليجيّة بالأزمة السّوريّة إلا على مستوى التكلفة. فمثـلاً، قبل اندلاع الحرب في سورية، كانت تكلفة النّقل البرّي للشّاحنة الواحدة من لبنان إلى البلدان العربيّة عبر سورية بحسب «إيدال» تبلغ 3500 دولار، في حين أنّ هذه التكلفة ارتفعت بنسبة 28.5 بالمئة بعد اندلاع الحرب إلى 4500 دولار تقريباً بسبب مخاطر المرور إلى سورية وعبرها في ظلّ الاضطرابات الأمنيّة المتصاعدة. لكن على الرّغم من ذلك، بقيت عمليّة التّصدير مستمرّة بشكل ملحوظ إن كان باتّجاه سورية، حيث استفاد المنتج اللبناني (مزارع أو صناعات زراعيّة بشكلٍ رئيسيّ) من تراجع الإنتاج السّوري من جهة لتغذية السّوق السّوريّة بمنتجاته، أو كان أيضاً باتّجاه بلدان الخليج، إذ شكّلت مثـلاً نسبة الصّادرات الزّراعيّة بحسب التّقرير نصف السّنوي لجمعيّة المزارعين إلى السّعوديّة 21 بالمئة؛ تليها الكويت 16 بالمئة؛ الأردن 11 بالمئة؛ الإمارات 10 بالمئة؛ قطر 4 بالمئة؛ عمان 3 بالمئة؛ والبحرين 3 بالمئة. وأكثر من ذلك، يُلحظ خلال تلك الفترة أنّ الواردات اللبنانيّة من السّلع الغذائيّة من باقي دول العالم سجّلت نموّاً بنسبة 20 بالمئة. وقد يعود هذا النّمو إلى تلبية السوق المحلّيّة بعدما توجّه الإنتاج الغذائي لتلبية الأسواق الخارجيّة، أو قد يعود إلى ازدياد الطّلب المحلّي النّاجم عن طلب اللّاجئين السّورييّن.

ب – تراجع الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة

مع تفاقم الأزمة أكثر فأكثر عبر السّنوات، وتأزّم الأوضاع الأمنيّة إقليميّاً، وإغلاق كامل المعابر الّتي تربط المدن السّوريّة بواسطة المعابر الحدوديّة بالدّول المجاورة لها، وارتفاع تكاليف التّصدير عبر الأراضي السّوريّة، تراجعت الصّادرات الزّراعيّة إلى سورية والبلدان العربيّة ولكنّها لم تتوقّف إطلاقاً، بحيث تراجعت وبحسب التّقرير نصف السّنوي لجمعيّة المزارعين بنسبة قدرها 14.3 بالمئة من عام 2010 إلى عام 2013 مسجّلة 192 ألف طن (بينما كانت 224 ألف طن خلال النّصف الأوّل من سنة 2010)، تراجعت سنة 2011 إلى 196 ألف طن بنسبة قدرها 12.5 بالمئة، وتدنّت سنة 2012 إلى 199 ألف طن بنسبة قدرها 11.5 بالمئة أي بارتفاع 1.3 بالمئة سنة 2012 عن سنة 2011.

الشكل الرقم (2)

تراجع كمية الصادرات الزراعية اللبنانية إلى الأسواق العربية

 

وباتت هذه الصّادرات تعتمد على الاستهلاك السّوري الذي انخفض تدريجيّاً بسبب الهجرة وترك الأراضي السّوريّة وتأزّم الأوضاع في البلاد، مع الإشارة إلى أنّ هذه الصّادرات إلى سورية وفقاً لمنظّمة الأغذية والزّراعة (الفاو)، كانت تشكّل 20 بالمئة من الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة قبل بدء النّزاع. وكانت هذه الأخيرة باتّجاه سورية والوطن العربي تقتصر في الأغلب على 3 منتجات هي: البطاطا والحمضيّات والموز.

وعن حركة الصّادرات نسبةً إلى هذه الأصناف وغيرها، أشار التّقرير الصّادر عن جمعيّة المزارعين في النّصف الأوّل من 2013، إلى أنّ صادرات البطاطا قد تراجعت بمقدار 9.6 بالمئة والبصل 32 بالمئة، أمّا الصّادرات من الحمضيّات الّتي تعَدّ عمود الزّراعة اللبنانيّة، فتراجعت 37.5 بالمئة والموز 40.5 بالمئة؛ كلّ ذلك مقارنةً بالفترة نفسها من العام 2010 الّتي كانت آخر سنة من الصّادرات في ظلّ الأجواء العاديّة قبل التّأثّر بالأزمة السّوريّة.

بعدما اعتاد المزارعون اللبنانيّون تصدير الموز والحمضيّات (الليمون على أنواعه، الحامض…) والبطاطا بالأطنان إلى سورية والوطن العربي، تراهم يطرحونه في السّوق المحلّيّة بأسعار مخفضّة جدّاً، بسبب ارتفاع أسعار الشّحن والنّقل إلى الأسواق الخليجيّة عبر الأراضي السّوريّة لما تواجهه من مخاطر (حيث زادت التكلفة بحسب «إيدال» في عام 2013 بنسبة 37.7 بالمئة على عام 2012 لتبلغ 6200 دولار، ثمّ زادت بنسبة 4.7 بالمئة عام 2014 – مطلع 2015 لتصل إلى 6507 دولارات)، وارتفاع قيمة التّأمين بنسبة 34 بالمئة أي من 600 دولار إلى 804 دولارات‏[9]، ودفع الرّشى لقطّاع الطّرق على بعض المعابر، ووقوف الشّاحنات على الحدود، وتعرّضها لعمليّات التّفتيش المتشدّدة، منتظرةً آليّة للدّخول وتصريف الإنتاج إلى الخارج ممّا يؤخّر وصول الشّحنة بين 3 و5 أيّام. حتّى إنّ منتجاتهم لم تعد تنافسيّة في هذه الأسواق، وهو ما يكبّدهم خسائر فادحة، بسبب المنافسة الخارجيّة للإنتاج اللبناني من جرّاء دعم الدّول المحيطة المنتجة للحمضيّات لمزارعيها في عدّة ميادين.

ج – إغراق الأسواق اللبنانيّة بالمنتجات الزراعيّة السورية

كذلك، لم يكن ينقص المزارعين اللبنانيّين إضافة إلى الخسائر الّتي يتكبّدونها من ناحية تراجع نسبة صادراتهم وتكديسها من جرّاء هذه الأزمة، إلّا إغراق الأسواق اللبنانيّة ببعض المنتجات السّوريّة في ظلّ الفوضى القائمة على الحدود، وتراجع الاستهلاك الدّاخلي السّوري ليزيد خسائر المزارع اللبناني الذّي بلغت أسعار منتجاته حدّها الأدنى، علماً أنّها في ذروة إنتاجها في لبنان، وهذا بدوره يؤدّي إلى ضرب صادرات لبنان والإنتاج المحلّي.

في ما يتعلّق بالإنتاج الحيواني والحليب ومشاكله والجبنة البيضاء ومشاكلها، فإنّ السّوق الطّرابلسي في شمال لبنان يعاني بشكل كبير جدّاً، وهي تأتي إمّا تهريباً عبر المعابر غير الشّرعيّة أو تهريباً عبر المعابر الشّرعيّة.

أمّا في ما يخصّ قطاع الخيم البلاستيكيّة وإنتاج الخضر، فتعرّض لمنافسة شديدة من الإنتاج السّوري الّذي لم يجر تصريفه إلا في لبنان.

ولم يسلم قطاع الإنتاج الحيواني من تداعيات الأزمة في سورية، ولا سيّما قطاع الدّواجن والبيض الّذي عانى المشكلة نفسها لأشهر عديدة‏[10].

د – اتّفاقيّة التّيسير العربيّة

من جهة أخرى، إلى جانب تراجع التّصدير وغياب الدّعم، يعاني القطاع الزّراعي أيضاً بدء سريان مفعول «اتّفاقيّة التّيسير العربيّة» بعدما تمّ تأجيل العمل بها منذ العام 2005 بحيث كانت «الرّوزنامة الزّراعيّة» هي البديل. ولمّا رفضت وزارة الزّراعة تجديد العمل بالرّوزنامة الزّراعيّة الّتي بدأ العمل بها بعد حرب تموز/يوليو، والّتي تحدّد 10 سلع زراعيّة تُفرض على استيرادها رسوم جمركيّة، وتنظّم أوقات دخولها إلى لبنان بشكل لا يتضارب مع موعد إنتاجها في لبنان، للتّخفيف من الأضرار الّتي تسبّبها للقطاع الزّراعي اللبناني ومنع منافستها للمنتجات المحلّيّة، يكون لبنان فعليّاً ملزماً باتّفاقيّة التّيسير العربيّة الّتي تسمح بحرّيّة تبادل السّلع الزّراعيّة بين البلدان العربيّة من دون أي رسوم جمركيّة. فإنّ هذا الاتّفاق يضرّ بالقطاع الزّراعي اللبناني، وخصوصاً أنّ كلّ البلدان العربيّة حدّدت مواصفات معيّنة لدخول الخضر أو الفاكهة إلى بلدانها إلا في لبنان، فكلّ المنتجات الزّراعيّة تدخل لبنان من دون مواصفات ومن دون جمرك، بعدما رفضت الدّولة اللبنانية ووزارة الزّراعة تحديد ذلك، وهي بذلك ترفض تقديم الحماية للمنتجات المحلّيّة.

3 – تحليل طبيعة الآثار والمطالب المترتبة على إقفال المنافذ البرية

نتيجة إقفال الحدود بين الأردن وسورية عبر معبر «نصيب» بشكل كامل، وتوقيف عمليّة التّصدير البرّي، تراكمت الخسائر المعنويّة والماديّة الهائلة في القطاعين الزّراعي والصّناعي حيث وصلت إلى مئات ملايين الدّولارات.

فبإقفال هذا المعبر، الّذي هو آخر المعابر البرّيّة الّتي كانت تربط لبنان بأسواق الخليج والأردن والعراق، يكون قد قُضي على قسم كبير من التّجارة والزّراعة والتّصدير والصّناعة والسّياحة في لبنان، حيث تشكّل عمليّة التّرانزيت عليه تكلفة إضافية ونحو 70 بالمئة، وهناك 65 بالمئة فقط من المنتجات الزّراعيّة اللبنانية تصدّر عبر هذا المعبر إلى البلدان العربيّة، أي أكثر من 400 ألف طن سنويّاً. ومن أبرز تداعيّات إقفال معبر «نصيب»، أنّ معظم البضائع المجمّعة الّتي تصدّر في شحنة واحدة رغم كونها مملوكة لمجموعة أشخاص، تمرّ من هذا المعبر. تعود هذه الشّحنات إلى صغار المزارعين وصغار الصّناعيّين الّذين يجمّعون منتجاتهم في شحنة واحدة للتّخفيف من تكلفة تصديرها، علماً أنّ هذه المجموعات ليس لديها القدرة على استعمال خطوط تصدير أخرى لأنّها أصـلاً لا تناسبها.

أ – ضربة موجعة للاقتصاد اللبناني

لا شكّ في أنّ القطاع الزّراعي هو أكثر القطاعات الإنتاجيّة تضرّراً وأكثر من دفع أثمان إقفال معبر «نصيب» وبشكل يوميّ، لأنّه كان الأكثر اعتماداً على طريق البرّ عبر هذا المعبر، ومن ثمّ تليه قطاعات الصّناعات الغذائيّة والصّناعات الأخرى. وتُبيّن الأرقام أنّ الصّادرات الزّراعيّة قبل إقفال المعبر بلغت حوالى 250 ألف طن، وصادرات الصّناعات الغذائيّة 52 ألف طن، وصادرات الصّناعات غير الغذائيّة بحدود 62 ألف طن. كذلك، بلغ عدد الشّاحنات 9165 شاحنة للمنتجات الزّراعيّة، و2100 شاحنة للصّناعات الغذائيّة، و2487 شاحنة للصّناعات الأخرى. ويبلغ عدد الشّاحنات التي تذهب إلى دول الخليج برّاً، حوالى 10206 شاحنات سنويّاً، وهي تتوزّع موسميّاً على أشهر السّنة.

يذهب العدد الأقلّ من الشّاحنات بين «كانون الثّاني/يناير ونيسان/أبريل»، والعدد الأكبر بين «حزيران/يونيو وكانون الأوّل/ديسمبر». يصل المعدّل اليومي لعبور شاحنات التّصدير البرّيّة، إلى ذروته في شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، فيبلغ عدد الشّاحنات 42 و50 شاحنة يوميّاً سعة 25 طناً، وهذه الكمّيّة تصل إلى حدود 1000 طن في النّهار و7000 طن في الأسبوع، وإلى 170000 طن في موسم الصّيف. وهذا ناتج من نضج مواسم الحمضيّات والفواكه الصيفيّة وبعض أنواع الخضر، يليها الموز في تشرين الأوّل/أكتوبر. أمّا الحدّ الأدنى للشّاحنات فيراوح بين 15 و24 شاحنة يوميّاً خلال الفترة الممتدّة بين كانون الثّاني/يناير وأيّار/مايو. لكنّ اليوم ومع إقفال البرّ، لم تعد تقتصر المشكلة على تصدير المنتجات الزّراعيّة اللبنانيّة إلى الأسواق العربيّة والأردنيّة والعراقيّة، إنّما أضيفت إليها مشكلة الاستيراد والتّصدير لجميع المنتجات‏[11].

إنّ صرخة هذا القطاع الّتي بدأت منذ بدء الأزمة السّوريّة، حيث بدأت تقفل الطّرق الدّوليّة وبدأت الشّاحنات تقف على الحدود منتظرة آليّة للدّخول وتصريف الإنتاج إلى الخارج، وصلت اليوم إلى العمق. فمع إقفال هذا المعبر (نصيب)، يقف المزارعون أمام قطاع زراعي متنوّع مقضي عليه، حيث باتت المحاصيل الزّراعيّة مكدّسة ومتراكمة داخل لبنان من دون إيجاد إمكانيّة للتّصدير، وهو ما أثّر بشكل كبير في أسعار المنتجات الّتي تدنّت في السّوق المحلّي نتيجة ارتفاع العرض مقابل انخفاض الطّلب، وتجاوز هذا الانخفاض في الأسعار حوالى 50 بالمئة‏[12].

ب – تكدّس المحاصيل الزّراعيّة محلّيّاً

من هنا فإنّ المزارعين يقفون أمام واقع مرير يهدّد تصريف محاصيلهم وإنتاجهم السّنوي، وبالتّالي تقليص الإيرادات الّتي ينتظرونها سنويّاً من أجل معيشتهم، وبخاصّة أنّ هذا الحدث أتى في وقت تكون حركة التّصدير الزّراعي في أدنى مستوياتها وقبل بدء المواسم الزّراعيّة، أي في نهاية موسم تصدير التفّاح والموز والحمضيّات، بعدما توقّف تصدير البطاطا من لبنان. على سبيل المثال، إنّ أوّل تردّدات الأزمة تلقّاها مزارعو الحمضيّات، أي الليمون الحلو، مثل أبو صرّة والكلمنتين وحتّى الفالنسي، حيث بقيت كميّات كبيرة من هذه الثّمار على الأشجار أو سقطت على الأرض، لأنّ تكلفة جمعها تفوق ثمن بيعها في الأسواق اللبنانيّة المحلّيّة الّتي لا تستوعب أكثر من 20 بالمئة. أكثر من ذلك، إنّ فاكهة الأكيدنيا في ساحل الشّوف المعروف بكثرة إنتاجه لها والّتي يصدّر منها كميّات هائلة (نحو 60 بالمئة من الإنتاج)، نضجت وحان قطافها، الأمر الّذي دفع بمزارعيها إلى وقف القطاف وتركه على الأشجار من دون جني، وخصوصاً أنّ السّوق المحلّيّة لا يمكنها استيعاب سوى ربع الإنتاج. أيضاً، في ما يتعلّق بموسم التّفّاح، إنّ عشرات آلاف الصّناديق من التّفّاح المعدّة للتّصدير موجودة في البرّادات من دون إيجاد وسيلة لتصريفها‏[13].

في المقابل، في هذه الفترة من السّنة، ينتظر المزارعون لتصدير الموسم الجديد من بعض أصناف الفاكهة، لكن لبنان في هذا الوقت عادةً، وخصوصاً في هذه الأيّام، يستورد البطاطا والبندورة والخضر بكميّات كبيرة بفعل ازدياد الطّلب المحلّي النّاجم عن طلب اللاجئين السّوريينّ الّذين بلغ عددهم أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوري، وبالتّالي فإنّ هذه السّلع قد تتأثّر بحسب طبيعة إغلاق المعبر والفترة الزّمنيّة الّتي تبعد الأسواق عن ذروة المواسم أو نهايتها. أيضاً، إنّ المزارعين اللبنانيّين يشترون الأسمدة والأدوية والبذور بأسعار أرخص ممّا هي في لبنان، لكنّهم حاليّاً خسروا كلّ شيء فالطّريق لم تعد صالحة للتّصدير ولا للاستيراد ولا للعبور.

ج – احتمال فقدان الأسواق العربيّة التّقليديّة

يدرك المتتبّع للأمور الاقتصاديّة أنّه لم يكن ينقص اللبنانيين إلّا إقفال الشّريان البرّي التّجاري الذّي يبقى متنفّسهم الوحيد لتصدير مواسمهم الزّراعيّة إلى الأسواق العربيّة والخليجيّة باستثناء العراق، مع أنّه يوجد طريق معبري يربط العراق بلبنان عبر الأردن. فمنذ مطلع نيسان/أبريل وحركة الشّحن البرّي متوقّفة من جرّاء الأوضاع الّتي استجدّت عند معبر «نصيب» السّوري الحدودي مع الأردن، ما يكبّد لبنان خسائر بمليوني دولار يوميّاً في مختلف القطاعات المعنيّة بالإنتاج والتّصدير والتّوضيب والنّقل. وما سيضاعف هذه الخسائر هو فقدان لبنان مكانته في أسواقه العربيّة التّقليديّة الحيويّة للمصدّرين اللبنانيّين من جرّاء استمرار توقّف حركة التّصدير، وهو ما سيدفع هذه الأسواق التي اعتادت الاستيراد من السّوق اللبنانيّة إلى الاستعاضة عن المنتجات اللبنانيّة بمنتجات من بلدان أخرى إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فالعالم اليوم كلّه بات قرية صغيرة وليس هناك أسهل من عمليّة إيصال البضائع الأخرى إلى هذه الأسواق، في وقت يكون المزارعون اللبنانيون أحوج لها ولأسواق أخرى، ممّا سيحمّل القطاع الزّراعي اللبناني مزيداً من الأعباء، وستتكدّس المنتجات أكثر في الأسواق اللبنانيّة الدّاخليّة في خطوة قد تخفض أسعارها وتتدنّى أكثر بسبب الفائض منها وتحمّل المزارعين خسائر لا تحمل، في حين أنّ المصدّر اللبناني في الأصل يعاني منافسة البضائع الأخرى في تلك الأسواق.

د – رحلات التّصدير الأولى جواً وبحراً للمزروعات تنطلق في غياب الدّولة

بعد فشل كلّ المحاولات السّياسيّة لإعادة النّشاط البرّي، وانسداد أفق التّصدير البرّي وتأمين خطّ المعابر الحدوديّة من لبنان باتّجاه سورية والأردن والعراق، عمد المزارعون إلى اعتماد الجوّ عبر الطّائرة للتّصدير كبديل من البرّ الّذي تعذّر عبوره بسبب الأحداث في سورية. فالتّحميل يتمّ في مطار بيروت الدّولي بعد نقل الكميّات من مصدرها الأساسي، والتّفريغ يكون في مطار الدّولة المقصودة مباشرةً. ثمّ تنقل البضائع براً إلى مقصدها النّهائي. لكن هذا الخطّ استعمل لفترة زمنيّة مؤقّتة، ثمّ تخلّوا عنه نظراً إلى:

  • تكلفته المرتفعة جدّاً عليهم، فهي تتراوح بين 80 سنتاً و1.05 دولار على كلّ كلغ. هكذا تصل تكلفة الطّن المشحون بواسطة الطّائرة إلى 1050 دولاراً‏[14].
  • هو غير قادر على نقل كلّ الإنتاج إلّا الأصناف الّتي هي عالية الجودة، كالخس والبامية والبازيلا والحشائش والفاكهة الطّازجة، التي ليست من الأصناف الأساسيّة من ناحية الكميّات والتي لا تحتمل فترة طويلة من الانتظار كما أنّها لا تلاقي منافسة كبيرة من الأسواق المصدّرة إليها.

عندها لجأوا إلى الخيار الأخير المتاح أمامهم والأفضل من لا شيء لتصريف إنتاجهم الزّراعي وهو البحر، علماً أنّ الصّادرات في معظمها غير قادرة على استيعاب أعباء التّصدير بحراً، لأنّها تفقد قدرتها التّنافسيّة في مختلف الأسواق للأسباب الآتية:

 

  • ارتفاع تكلفة الشّحن البحري.
  • التّكاليف الجمركيّة.
  • تأخّر وصول السّلع المصدّرة.

 

ولكنّ المواسم على أنواعها بدأت، والصّعوبات تزداد، وهناك أصناف زراعيّة لا تحتمل الانتظار والسّير على نمط الحكومة البطيء الّذي يهدّد قطاعاً برمّته تعمل فيه الطّبقة الوسطى والفقيرة في لبنان.

انطلقت نهار الجمعة 15 أيّار/مايو 2015 أوّل رحلة تصدير بحري للمزروعات اللبنانيّة من مرفأ طرابلس عبر عبّارة إلى دول الخليج، لكنّ الحلّ الجزئي للأزمة لم يأتِ من قبل الحكومة، بل بمبادرة من القطاع الخاص. ونقلت السّفينة Med Bridge التّابعة لشركة Sea Wise اللبنانيّة، 70 شاحنة لبنانيّة محمّلة بالفاكهة والخضر، معظمها إلى مرفأ «ضبا» السّعودي، وأخرى ترانزيت إلى الكويت وقطر والإمارات.

هذه العبّارة كانت تعمل على خطّ طرابلس – تركيا، وحوّلت مسارها اليوم في إثر إقفال المعابر السّوريّة الشّرعيّة مع الدّول المجاورة لها، إلى السّعوديّة. كما أنّها ستُعتمد كخطّ دائم إلى السّعوديّة‏[15].

ثانياً: النقل البحري: تكاليف وحلول

بعد أن تعرّفنا إلى أهميّة قطاع التّصدير في لبنان ومدى تأثّره بإغلاق معبر «نصيب» على الحدود السّوريّة – الأردنيّة، والخسارة الكبيرة الّتي تكبّدها القطاع الزّراعي بالدّرجة الأولى، واعتماد المزارعين الخيار الأخير، وهو التّصدير عبر البحر على الرّغم من التكلفة الأعلى والوقت الأطول مقارنةً بالبرّ، سنتناول في هذا القسم نقطة مهمّة جدّاً وهي دور الدّولة في مساعدة المزارعين على النّهوض من الأزمة الّتي وقعوا فيها.

1 – مشاكل النقل البحري

بدأ المزارعون بمبادرات فرديّة باستعمال الخطّ البحري لنقل الخضر والفواكه بواسطة عبّارة إلى دول الخليج، لأنّ الإنتاج الزّراعي لا يحتمل الانتظار، وخصوصاً أنّ هناك أنواعاً من الخضر والفواكه سريعة العطب. وعمليّات الشّحن هذه تتمّ على حسابهم الخاص ومن دون أي دعم من الحكومة، كما فعلوا في العام 2013 بعد احتلال الفصائل المسلّحة في سورية الطّرق الأساسيّة الّتي تربط المدن السّوريّة بالمعابر الحدوديّة مع العراق والأردن، وتوقّف حركة التّصدير البرّيّة من لبنان إلى دول الخليج لمدّة 15 يوماً. يومها، صدّر المنتجون اللبنانيّون عن طريق البحر وبواسطة عبّارات RORO لنقل الشّاحنات الّتي تحمل السّلع‏[16].

إلّا أنّ رئيس تجمّع الفلّاحين والمزارعين في لبنان إبراهيم ترشيشي من جهته، يرى أنّ هذا الخطّ البحري المسيّر من قبل القطاع الخاص لا يمكن أن يستمرّ طويـلاً بسبب تكلفته المرتفعة جدّاً على المزارعين. وذكر لـ الجمهوريّة أنّ تكلفة الشّحن البحري عبر هذه العبّارة تبلغ 8000 دولار للشّاحنة الواحدة مقابل 4000 دولار في الشّحن البرّي. واعتبر أنّه مشروع تجربة لن يكون التّاجر المصدّر رابحاً من خلاله بسبب تكلفته. وبالتّالي، رأى أنّ المصدّر لا يمكنه منفرداً تحمّل هذه التكلفة المرتفعة للشّحن البحري، وسينتظر أن تهبط أسعار المنتجات الزّراعيّة إلى مستويات متدنّية جدّاً. وبالتّالي ستطال الخسارة التجّار المصدّرين والزّراعيّين والمستوردين على حدّ سواء. وطالب الدّولة بالإسهام في تكلفة الشّحن بقيمة 2500 دولار للشّاحنة، والتجّار بتقليص أرباحهم كذلك المزارعين بخفض أسعارهم‏[17].

ولكنْ حتّى الصّناعيّون بدورهم أصبحوا يفضّلون أيضاً التّصدير عبر البحر، لأنّ الشّاحنات كانت في الفترة الأخيرة تكلّف أموالاً طائلة لنقلها بسبب المخاطر الموجودة على الحدود. فمن جهته، قال رئيس مجلس تنمية الصّادرات في جمعيّة الصّناعييّن منير البساط لجريدة السّفير، «إنّ الخسارة الكبيرة بالنّسبة للصّادرات الصّناعيّة كانت في هدر الوقت، فقد اضطرّ المصدّرون بسبب المشكلات القائمة إلى اللجوء إلى التّصدير عبر المستوعبات (كونتاينر) الّتي قد تكون أوفر مادّيّاً من النّقل البرّي إنّما تتسبّب في هدر الوقت». وأضاف: «وبالتّالي هناك صناعات لا يمكن نقلها في المستوعبات كالموتورات الكهربائيّة وغيرها، وبالتّالي واجهت مشاكل كبيرة في التّصدير». وعن موضوع النّقل البحري، قال البساط «لا شكّ في أنّ النّقل البحري أفضل لناحية توفير المال من جهة والسّلامة من جهة ثانية، فالشّاحنات كانت في الفترة الأخيرة تكلّف أموالاً طائلة لنقلها بسبب المخاطر الموجودة على الحدود». ولفت إلى أنّ تكلفة النّقل البرّي كانت للتريلّا 1500 دولار وللبرّاد 2500 دولار، وبسبب الوضع القائم، أصبحت تكلفة التريلّا 3000 دولار، وبين 5000 و6000 دولار للبرّاد. إلّا أنّه استدرك بالقول: «لكنّ مشكلة النّقل البحري في الوقت، إذ إنّه من المتوقّع أن يستغرق وقتاً طويـلاً لنقل البضائع، فمثـلاً التّصدير إلى السّعوديّة الّذي كان يستغرق برّاً بين 10 و15 يوماً، سيستغرق بحراً حوالى الشّهر، علماً أنّ مرفأ «جدّة» يعاني مشكلات في الاكتظاظ، أمّا بالنّسبة للأردن فكانت البضائع المنقولة برّاً تصل في اليوم نفسه، مع النّقل البحري ستستغرق بين 4 و5 أيّام لتصل إلى ميناء «العقبة»، ويمكن في هذا الإطار أن ترتفع التكلفة»‏[18].

إذاً خيار النّقل البحري ينطوي على مشكلتين أساسيّتين:

تتعلّق المشكلة الأولى بالتكلفة الإضافيّة الّتي يتكبّدها المصدّرون، وخصوصاً المزارعين الذين لم يكن ينقصهم إلى جانب تكلفة الإنتاج المحلّيّة المرتفعة إلّا ارتفاع تكلفة الشّحن، في غياب حوافز وتقديمات ومسؤوليّات الدّولة. وبالتّالي قد تتعرّض المنتجات الزّراعيّة اللبنانيّة لنكسة إضافيّة بسبب أسعارها المرتفعة. وهو ما يجعل القدرة على المنافسة ضعيفة.

أمّا الثانية فتتعلّق بالفترة الزّمنيّة لبلوغ الشّحنة مقصدها وبتأخير في وصول السّلع المصدّرة، الأمر الذي يسبّب برفع التكلفة على المصدّرين. فبواسطة معبر «نصيب» كانت المنتجات التي تصدّر إلى دول الخليج والأردن والعراق تصل رأساً إلى الزّبون، أمّا اليوم فإنّ التّصدير عبر البحر سيؤدّي إلى إطالة فترة التّسليم ويزيد الضّغط على التزامات الصّناعيّين، لأنّ متوسّط فترة التّصدير عبر البحر هي أصـلاً طويلة وتصل إلى شهر مقارنةً بـ 10 أيّام في البرّ‏[19].

وما زاد الأمور سوءاً أنّ انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدّولار دفع البضائع الأوروبيّة نحو أسواق الخليج بتكلفة إنتاج متدنّية وتنافسيّة جدّاً.

وفي ما يلي نصّ مطالب تجمّع المزارعين في لبنان في لائحتهم المرفوعة إلى وزير الزراعة بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2017: «يتقدّم تجمّع المزارعين في لبنان إلى وزير الزّراعة بما يلي:

– الإسراع في اتّخاذ قرار بتحديد قيمة الدّعم المطلوب لاعتماد التّصدير عبر البحر كخطّ بديل للشّاحنات المبرّدة بواسطة السّفن العبارة «RORO» نظراً لأكلافه المرتفعة جدّاً. مع إعطاء الوعد بإقرار مفعول رجعي عن كلّ ما يشحن حاليّاً من بضائع عبر البحر.

– السّماح للشّاحنات غير المبرّدة الّتي تحمل لوحات لبنانيّة بنقل الحاويات من المشاغل إلى المرفأ، مع تسهيل مرورها في كلّ الأوقات وأيّام الآحاد خارج القرارات الصّادرة عن وزارة الدّاخلية التي تحدّد دوام سير الشّاحنات.

– تهيئة المرافئ («مرفأ بيروت» – «مرفأ طرابلس») بكافّة الشّروط الّتي تضمن سلامة المنتجات الزّراعيّة من حين وصولها إلى أرض المرفأ لحين نقلها إلى البواخر للشّحن (تأمين أكثر من 200 «فيشة» كهرباء للحاويات لاستمرار تبريدها طوال فترة الانتظار في المرفأ)، بالإضافة إلى تسريع عمليّة فحصها بواسطة Scanner وغيرها من طرق المراقبة. كلّ ذلك بسبب وجود كميّات كبيرة هذا العام تزيد عن 300 ألف طن زيادة عن العام الماضي وهي برسم الشّحن عبر هذه المرافئ.

– إصدار القرارات اللازمة لعدم استيراد المنتجات الزّراعيّة من الخارج خاصّةً الّتي تدخل لبنان عبر المنافذ البرّيّة لأنّ جميع أصناف الفاكهة والخضار موجودة لدينا».

2 – دعم التّصدير البحري قيد التّداول والخسائر تتراكم

في هذا المبحث، سوف نتداول مختلف المقترحات التي افترضها المعنيّون بالأمر من خبراء وتجّار ومهندسين زراعييّن وسياسييّن، بشأن الخطوط البحرّية الواجب اعتمادها لانسياب الشّاحنات المبرّدة بحراً، والتكلفة المترتّبة عليها، بالإضافة إلى الدّراسة الشّاملة والمفصّلة الّتي قامت بها «إيدال» حول هذا الموضوع.

أ – خطوط بحريّة مقترحة من قبل المزارعين

في تقرير مفصّل لحلّ مشكلة تصدير المنتجات الزّراعيّة تضمّنت آليّة للتّصدير عبر خطوط بحريّة بدلاً من البرّيّة المقطوعة وهي كما يبينها الجدول التالي:

الجدول الرقم (2)

الخطوط البحرية المقترحة لحل مشكلة تصدير المنتجات الزراعية

البيانالخطوط البحريّة المقترحة
خطّ بيروت (لبنان) ضبا (السّعوديّة) ومنه برّاً إلى كلّ دول الخليج العربيخطّ طرابلس (لبنان) مرسين (تركيّا) ومنه برّاً إلى كردستان والعراقمرفأ بيروت (لبنان) بور سعيد (مصر) ومنه برّاً إلى المدن المصريّة والأردن
نسبة الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة            (بالمئة)65305
فترة الرّحلة البحريّة5 أيّاميومينيومين
الكميّة المصدّرة يوميّاً           (بالطّن)65030050
الكميّة المصدّرة أسبوعيّا        (بالطّن)45502100350
الكميّة المصدّرة موسميّاً         (بالطّن)1000005000010400
تتكلفة العبّارة في الرّحلة الواحدة            (بالدّولار)450000170000180000
عدد الشّاحنات المبرّدة707070
تكلفة النّقل البحري   (بالدّولار)ذهاباً: 4500

إياباً:     3500

ذهاباً: 2200

إياباً:     2200

ذهاباً: 2250

إياباً:     2250

فارق التكلفة البرّيّة   (بالدّولار)3000500500

 

يقدّر المعدّل الوسطي للشّاحنات المصدّرة يوميّاً عبر السّعوديّة بـ 28 شاحنة، بفارق يقدّر بـ 3000 دولار عن الشّاحنة، أي ما مجموعه 84000 دولار في اليوم، بينما فارق تكلفة 13 شاحنة يوميّاً على خط تركيا يقدّر بـ 6500 دولار، أمّا على خطّ مصر (شاحنتان) فالفارق يساوي 1000 دولار يوميّاً، ما مجموعه 91500 دولار يوميّاً على الخطوط الثلاث. وبيّنت الآليّة أنّ فارق أجرة التّصدير عبر البحر عن البرّ، تقدّر بـ 640000 دولار في الأسبوع، أي بحدود 15372000 دولار في الموسم الواحد.

ب – وجهة نظر الدولة اللبنانية

رأى الوزير حسين الحاج حسن أنّ خيار النّقل البحري سيرتّب تكلفة إضافيّة على الزّراعة والصّناعة قدّرها بنحو 80 مليون دولار سنويّاً. وأشار عقب اجتماع عقده حول ملف دعم فارق تكلفة النّقل البحري الّذي سيعتمد بديـلاً من النّقل البرّي عبر معبر «نصيب» للصّادرات الزّراعيّة والصّناعيّة إلى بلدان الخليج والأردن، بحضور كلّ الجهات المختصّة بالموضوع، إلى أنّ «الصّورة واضحة لدينا، والخيار البديل للتّصدير البرّي هو التّصدير البحري الّذي درسناه سابقاً (قبل نحو سنتين)، وقد بدأ المصدّرون اعتماد هذا الخيار رغم انطوائه على مشكلتين أساسيتيّن هما: التكلفة والوقت. لذلك خُصّص هذا الاجتماع لإعلان موقف موحّد تجاه قصّة الدّعم والاتّفاق على سيناريوهات الدّعم ونسبة الدّعم من التكلفة الإضافيّة الإجماليّة، فالصّادرات اللبنانيّة لا يمكنها أن تستمرّ بالمنافسة في الأسواق الخارجيّة إذا زادت أكلافها، وبالتّالي يجب على الإدارات المعنيّة أن تخرج برأي واحد وموحّد من الاجتماع».

ينقسم خيار التّصدير البحري كما يراه الحاج حسن، إلى اثنين: الأوّل، يتعلّق بإمكان التّصدير بواسطة الشّحن البحري للبضائع المحمّلة بالحاويات، وهذا الأمر يناسب الصّادرات الصّناعيّة، سواء كانت صناعات غذائيّة أو كيميائيّة أو ورق وسواها؛ أمّا الثّاني فهو يتعلّق بنقل الشّاحنات المبرّدة المحمّلة بالبضائع الزّراعيّة إلى دول المقصد أو دول قريبة منها بواسطة بواخر عملاقة معروفة باسم عبّارات «RORO».

ويؤكّد الوزير الحاج حسن أنّه إذا كان نصف الإنتاج الزّراعي المتمثّل بمواسم البطاطا والحمضيّات، لا يتأثّر كثيراً بكفاءة التّبريد، وبطول وقت الرّحلة الّتي يستغرقها الشّحن بحراً بواسطة المستوعبات المبرّدة، فإنّ النّصف الباقي من الإنتاج والمتمثّل بالفواكه والخضر يتطلّب شاحنات مبرّدة محمولة على عبّارات بحريّة، كونه يخضع لمواصفات ضروريّة لوصول المنتجات الزّراعية سليمة إلى بلدان الاستهلاك، أبرزها: كفاءة التّبريد، وحسن المراقبة واستمرارها، وقصر المهلة الزّمنية لرحلات التّصدير بين البلد المنتج والبلد المستهلك. وفي حال لجوء المصدّر إلى استعمال برّادات البواخر، فإنّ أعباءه ستزيد حتماً وستكون تكلفة النّقل مضاعفة نظراً إلى التّحميل والتّفريغ أكثر من مرّة، علماً بأنّ نقل الشّاحنة المبرّدة سيكون مكلفاً أيضاً، إذ إنّ الخطوط المقترحة هي على النّحو الآتي:

– التّصدير من مرفأ «طرابلس» إلى مرفأ «بور سعيد» ثمّ إلى مرفأ «جدّة» حيث تنتقل الشّاحنات المبرّدة برّاً، وبحسب المعطيات فإنّ التكلفة الإضافيّة لهذا الخط تبلغ 2000 دولار على كل شاحنة.

– الخطّ الثّاني لا يصل مباشرةً إلى السّعوديّة، بل يصل إلى ميناء «مرسين» ومنه إلى الأردن ثمّ مصر، والتكلفة الإضافيّة على الشّاحنة الواحدة تبلغ 1000 دولار.

وكشف أنّ مشكلة كبيرة تواجه النّقل البحري عبر سفن الـ «RORO»، تتمثّل بأنّ الشّاحنات الّتي تصل إلى مقصدها غير قادرة على العودة بحراً، إذا لم تكن محمّلة بالبضائع، وإلّا فإنّها مضطرّة إلى العودة برّاً بسبب التكلفة والخسائر الّتي ستترتّب على أصحابها، ما سيخلق مشكلة نقص في الشّاحنات اللبنانيّة المتوافرة لتصدير المنتجات اللبنانيّة الزّراعيّة وغير الزّراعيّة.

ج – الدّراسة الّتي أعدّتها المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات (إيدال)

تعدّدت الأرقام والتّوقّعات، وبناءً على قرار مجلس الوزراء، أعدّت المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «إيدال» الدّراسة التالية حول الحلول الممكنة لدعم تصدير الإنتاج اللبناني عبر البحر إلى بلدان الخليج والأردن والأكلاف المقدّرة لها. وهنا أبرز ما ورد في الدّراسة:

– في ما يخصّ طرق النّقل البحريّة المتاحة، تبّين لـ «إيدال» أنّ نقطة انطلاق البضائع اللبنانيّة للتّصدير عبر البحر يمكن أن تكون من 3 موانئ رئيسيّة وهي: مرفأ طرابلس؛ مرفأ بيروت؛ ومرفأ صيدا.

ورأت الدّراسة أنّ المرافئ الثّلاثة المذكورة أعلاه لديها القدرة على استقبال العبّارات والسّفن التي تقوم بشحن الحاويات أو نقل الشّاحنات وإن اختلفت الطّاقة الاستيعابيّة من مرفأ إلى آخر.

في المقابل، تبيّن بعد الدّراسة أنّ مرفأ «ضبا» في السّعوديّة هو الأفضل لشحن البضائع اللبنانيّة عبر استخدام العبّارات الّتي تحمل الشّاحنات، ومنه تذهب الشّاحنات برّاً إلى سائر بلدان الخليج. كما يمكن للعبّارة نفسها أن تحمل البضائع إلى مرفأ «العقبة». في حين تبيّن أنّ الشّحن عبر الحاويات من الأفضل أن يتمّ إلى ميناء «جدّة» في السّعوديّة ومنه إلى سائر الخليج.

– تختلف تكلفة الشّحن باختلاف الوسائل. في هذا السّياق، تتحدّث «إيدال» عن 4 طرق يتمّ من خلالها شحن المنتجات الزّراعيّة عبر البحر وهي:

 

  • الشّحن باستخدام الحاويات إلى مرفأ «جدّة».
  • الشّحن باستخدام العبّارات دون سائق إلى مرفأ «ضبا» في السّعوديّة.
  • الشّحن باستخدام العبّارات مع سائق إلى مرفأ «ضبا» في السّعوديّة.
  • الشّحن باستخدام العبّارات دون سائق إلى مرفأ «ضبا» عبر مرفأي «بور سعيد» أو «دمياط».

 

الشحن باستخدام الحاويات: لكلّ من هذه الوسائل تكلفة وعوائق، فتكلفة الشّحن البحري باستخدام الحاويات يبلغ معدّلها الوسطي حوالى 3650 دولاراً مع تكلفة المعاملات والنّقل الدّاخلي في لبنان.

أما بالنّسبة إلى العوائق، فأوجزتها «إيدال» كالتّالي:

– لا يوجد إمكانيّة للشّحن يوميّاً حيث ينطلق الشّحن البحري أسبوعيّاً وفي يوم واحد فقط.

– إنّ تكلفة النّقل البحري تتضمّن تكلفة الشّحن والتّفريغ عند مرفأ المدينة المصدّر لها لكنّها لا تتضمّن تكلفة النّقل البرّي داخل المدينة المصدّر لها.

– إنّ شركات النّقل البحري لا تؤمّن النّقل البرّي في المدن المصدّر إليها ومن ثمّ على المصدّر أو المستورد أن يؤمّن ذلك.

– المدّة الزّمنيّة الطويلة لوصول المنتجات إلى مقصدها حيث تحتاج الشّحنة إلى 15 يوماً للمنتجات الزّراعيّة و30 يوماً للمنتجات الأخرى، حيث إجراءات التّفريغ في المرافىء الّتي تأخذ وقتاً لا تناسب بعض المنتجات الزّراعيّة من حيث فترة صلاحيّة المنتج ولا تناسب بعض المنتجات الصّناعيّة الّتي تعتمد على التّجميع من أكثر من مقصد.

الشحن باستخدام العبّارات دون سائق:

– يتمّ تحميل البرّاد بالبضاعة في المشغل وينقل إلى مرفأ «طرابلس» أو «بيروت» أو «صيدا»، حيث يتمّ شحن البرّاد بكامله على العبّارة إلى «العقبة» أو «ضبا» أو «بور سعيد» على أن يستقلّ السّائق الطّائرة إلى بلد المقصد.

بالنّسبة إلى التكلفة، فهي تختلف من منطقة إلى أخرى، بحيث تتراوح بين 8450 دولاراً إلى 8700 دولار. هذه التكلفة تتضمّن تكلفة نقل البرّاد ذهاباً وإياباً.

غير أنّه وبخلاف التكلفة هناك عدد من العوائق للنّقل البحري باستخدام تلك الوسيلة أوجزتها «إيدال» كالتّالي:

– لا يوجد خطّ منتظم حاليّاً للعبّارات في لبنان.

– إنّ العبّارات لا تسمح بسفر السّائق مع الشّاحنة، لذا يجب على المصدّر تأمين سفر السّائق عبر الطّائرة ودفع بدل سفر (300 دولار)، علماً أنّ السّعوديّة لا تسمح بدخول السّائقين عبر الجوّ في حال كانت شاحنته قد دخلت بحراً ممّا يتوجّب عليه السّفر إلى مصر جوّاً ومنها بحراً إلى ميناء «ضبا» في السّعوديّة.

– التكلفة مرتفعة جدّاً مقارنة مع تكلفة النّقل بالحاويات أو تكلفة النّقل البحري.

باستخدام العبّارات مع سائق:

– يتمّ تحميل البرّاد بالبضاعة في المشغل وينتقل إلى أحد المرافئ اللبنانيّة حيث يتمّ شحن البرّاد بكامله على العبّارة مع السّائق إلى «العقبة» أو «ضبا» أو «بور سعيد».

– التكلفة الإجماليّة لاعتماد تلك الوسيلة تصل لحدود الـ 9200 دولار من ضمنها تكلفة البرّاد والعبّارة، كما يمكن خفض تكلفة العبّارة في حال تمّ استئجارها بالكامل شهريّاً لتصل إلى 8200 دولار.

بخلاف التكلفة، عوائق عديدة تحدّثت عنها «إيدال» في تلك الدّراسة وأوجزتها كالتّالي:

– عدم وجود خطّ نقل منتظم ويتطلّب ضمان من قبل الدّولة لمدّة 6 أشهر.

– التكلفة مرتفعة مقارنةً مع تكلفة النّقل بالحاويات.

– تقسم العبّارة إلى طابقين مما يتطلّب أن يكون نصف عدد الشّاحنات المبرّدة والتي سوف تكون في الطّابق السّفلي أن تكون مجهّزة بجهاز لتوصيل الكهرباء للبرّاد حيث لا يمكن تشغيل الشّاحنات في الطّابق السّفلي خلال الرّحلة غير أنّ هذا غير متوافر في الأسطول البرّي اللبناني.

الحلول المقترحة:

في النّهاية، تحدّثت «إيدال» عن أنّ الدّولة اللبنانيّة أمام خيارين رئيسييّن هما:

– دعم مباشر لكلّ شاحنة تحمل منتجات لبنانيّة مصدّرة إلى دول الخليج والأردن عبر البحر والتي تستخدم العبّارات على مختلف أشكالها RORO أو ROPAX، وباختلاف خطوط النّقل الّتي يمكن أن تسلكها إن بشكل مباشر إلى ميناء «ضبا» وعبر الموانئ المصريّة، حيث تقوم الدّولة بتغطية فروق الأسعار بين تكلفة النّقل البرّي قبل إغلاق المعابر وتكلفة النّقل البحري، وذلك بتكلفة تبلغ 3.2 ملايين دولار شهريّاً. إذا استخدمت طريقة نقل الشّاحنة والسّائق، فإنّ التكلفة تبلغ 3.9 ملايين دولار شهريّاً. أمّا نقل الشّاحنة بلا سائق فسيكلّف الدّولة نحو 3.2 ملايين دولار شهريّاً، ويمكن أن تكون التكلفة 2.8 مليون دولار شهريّاً في حال اعتماد مسار النّقل إلى «بور سعيد».

– استئجار أو ضمان عبّارة RORO أو ROPAX، فتدفع الدّولة اللبنانيّة تكلفة إيجار 3 عبّارات على مدّة 7 أشهر وتسيّرها لنقل الشّاحنات اللبنانيّة المحمّلة بالمنتجات اللبنانيّة إلى الأسواق المستهدفة، على أن تقوم الدّولة بتغطية فروق الأسعار بين تكلفة النّقل البرّي قبل إغلاق المعابر وتكلفة النّقل البحري على العبّارة المستأجرة، ويقوم المصدّر بدفع التكلفة المتبقّية على أن توكّل إدارة هذه العبّارات إلى القطاع الخاص من خلال استدراج عروض. فتستوفي الدّولة من المصدّرين تكلفة موازية لتكلفة التّصدير البرّي فقط، لكنّ هذا الخيار يتطلّب كادراً بشريّاً خبيراً وجهوزيّة ورقابة شديدة. وبالتّالي تكون التكلفة على الدّولة 2.4 مليون دولار شهريّاً.

في خلاصة الدراسة، أشارت «إيدال» إلى أنّ الفوارق في تكلفة الشّحن للمنتجات اللبنانيّة بين النّقل البرّي والبحري ليست التكلفة الوحيدة الّتي أضيفت على المنتج اللبناني، حيث إنّ القطاعات الإنتاجيّة اللبنانيّة تعاني منذ العام 2011 ازدياد تكلفة النّقل البرّي الّتي ارتفعت من 3500 دولار في العام 2011 إلى 4500 دولار في العام 2012 أي بنسبة 28.5 بالمئة، ثمّ زادت التكلفة عام 2013 بنسبة 37.7 بالمئة لتبلغ 6200 دولار، ثمّ زادت عام 2014 بنسبة 4.7 بالمئة لتصل قيمتها قبل إقفال المعابر البرّيّة في مطلع عام 2015 إلى 6507 دولارات كمعدّل وسطي لكلّ شاحنة. وذلك نتيجة الأزمة السّوريّة، وهذا ما يشكّل ضغطاً إضافيّاً على المنتج اللبناني كون تلك التكلفة تزيد تكلفة المنتج اللبناني وتُضعف قدراته التّنافسيّة في الأسواق الإقليميّة، فينعكس سلباً على حركة الصّادرات اللبنانيّة وما يصحبه من تأثير بالغ في الاقتصاد اللبناني. وتُظهر إحصاءات «إيدال» أنّ 98 بالمئة من الصّادرات الزّراعيّة اللبنانيّة هي إلى البلدان العربيّة. فالعراق ومصر والبحرين والكويت وقطر والسّعوديّة والإمارات العربيّة واليمن وعمان، تستحوذ على 64.5 بالمئة من الصّادرات الزّراعيّة، فيما سورية والأردن تستحوذان على 34.2 بالمئة .

3 – آلية دعم التصدير البحري التي اعتُمدت من جانب الدولة

بعد حالة الجمود التي شهدتها الصّادرات اللبنانيّة ولا سيّما الصّادرات الزّراعية بعد إقفال جميع المعابر البرّيّة من لبنان باتّجاه سورية والأردن والعراق، وما نتج منها من خسائر مُني بها القطاع الزّراعي تقدّر بـ 60 مليون دولار على أثر تلف حوالى 60 ألف طن من المواسم الزّراعيّة، ها هو «باب الفرج» يُفتح أمام المزارعين بعد إقرار مجلس الوزراء أخيراً بند الصّادرات الزّراعية بحراً ودعم فارق التكلفة ما بين التّصدير البرّي والتّصدير البحري تجنّباً لكارثة زراعيّة حتميّة كان من المتوقّع حدوثها لو لم يتمّ تدارك الأمور قبل فوات الأوان.

خصّص مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الّتي انعقدت في السّرايا الحكومية بعد سلسلة من الاجتماعات المتتالية، مبلغ 21 مليار ليرة أي ما يقارب 14 مليون دولار أمريكي لدعم فرق تكلفة تصدير المنتجات الزّراعيّة والصّناعيّة إلى البلدان العربيّة، خلال مدّة 7 أشهر، وسيدفع المبلغ شهريّاً وفقاً لآليّة ستضعها مؤسّسة «إيدال» بالتّنسيق مع وزير الزّراعة. هذا الإعلان هو بمنزلة قرار حيوي حياتي يحاكي أرزاق المواطنين وهمومهم ويردّ الدّور المنتج للمزارع إلى أرضه ويردّ له كرامته ووطنيّته وإيمانه بذاته.

أ – أسس عمل البرنامج وقيمة الدعم

إنّ البرنامج مبني على 3 نقاط أساسيّة تتلخّص بالتّالي:

– الإسهام بفتح خطّ منتظم للنّقل البحري بين الموانئ اللبنانيّة ومرافىء الأسواق المستهدفة لنقل المنتجات اللبنانيّة عبر العبّارات.

– تسهيل مهمّة تأمين نقل حوالى 35 شاحنة يوميّاً محمّلة بالمنتجات اللبنانيّة الزّراعيّة والصّناعيّة إلى الأسواق المستهدفة.

– منح دعم مباشر لكلّ شاحنة تحمل منتجات لبنانيّة مصدّرة إلى الدّول المستهدفة عبر البحر والّتي تستخدم العبّارات على مختلف أشكالها ROPAX أو RORO وباختلاف خطوط النّقل الّتي يمكن أن تسلكها إن بشكل مباشر عبر قناة «السّويس» أو بشكل غير مباشر عبر الموانئ المصريّة، حيث تقوم الدّولة بتغطية بعض فروقات الأسعار بين تكلفة النّقل البرّي قبل إغلاق المعابر وتكلفة النّقل البحري.

– تحدّد قيمة الدّعم بمبلغ مقطوع لكلّ شاحنة يتمّ نقلها عبر البرنامج إلى مرفأي «ضبا» و«العقبة»، إن بشكل مباشر عبر قناة «السّويس» أو بشكل غير مباشر عبر الموانئ المصريّة وباستخدام الأراضي المصريّة، وذلك وفق نوعيّة العبّارة ROPAX أو RORO والطّريق الّتي سوف تسلكها بناء على الدّراسة الّتي كانت قد أعدّتها المؤسّسة حول تكلفة النّقل والّذي يمكن تعديله وفق قرار مجلس الإدارة.

– تقوم المؤسّسة بدفع قيمة الدّعم للشّركات النّاقلة مباشرةً بشكل دوري بعد أن تتمّ رحلة العبّارة ذهاباً وإيّاباً. أمّا بالنّسبة إلى النّقل عبر الموانئ المصريّة، فإنّ المؤسّسة تقوم بدفع قيمة الدّعم للشّركة النّاقلة الّتي تقدّم سلسلة نقل متكاملة من أحد المرافئ اللبنانيّة إلى المقصد النّهائي وصولاً إلى ميناء «ضبا» أو «العقبة» والّتي تتضمّن جميع مراحل النّقل البرّي والبحري.

– يتمّ الدّفع بموجب تحويل مصرفي إلى حساب الشّركات النّاقلة.

ب – آليّة العمل والشركات المصدرة

– تعتمد آليّة العمل على التّعاون بين 4 أطراف رئيسيّين هم: إيدال والمصدّر والشّركات النّاقلة وشركات المراقبة. وتقوم المؤسّسة باعتماد جميع شركات النّقل البحري المؤهّلة لنقل المنتجات اللبنانيّة إلى السّعوديّة (مرفأ «ضبا») إمّا مباشرةً أو عبر الأراضي المصريّة، وإلى الأردن (مرفأ «العقبة») بواسطة عبّارات، وذلك بعد تأهيل هذه الشّركات وفق معايير محدّدة خاصّة بالشّركة النّاقلة والسّفن المستخدمة.

– بعد إعلان المؤسّسة أسماء شركات النّقل البحري والسّفن الّتي تمّ اعتمادها، تقوم «إيدال» بالتّنسيق مع الشّركات النّاقلة المعتمدة بوضع جدول الرّحلات لضمان استمرارية وتوزيع الرّحلات على مدار الأيّام.

– تقوم الشّركات النّاقلة بإعداد جدول بعدد الشّاحنات الّتي تمّ نقلها بحراً يتضمّن رقم الشّاحنة واسم المصدّر والمرفأ المقصد ونوع العبّارة وخطّ النّقل المستخدم وأي معلومات أخرى تطلبها «إيدال» مرفقاً بفاتورة عن قيمة أتعابها المستحقّة لدى «إيدال»، على أن يكون مرفقاً بمانيفست (Manifest) الباخرة.

– تدفع «إيدال» قيمة الدّعم للشّركات النّاقلة بناءً على الفاتورة الّتي ترسلها بعد مقارنتها مع تقرير شركة المراقبة.

– تقوم المؤسّسة بتسجيل الشّركات المصدّرة للمنتجات اللبنانيّة الزّراعيّة (في حال عدم الانتساب إلى برنامج «Agri plus») والصّناعيّة والرّاغبة بشحن بضائعها عبر البرنامج، وذلك بناءً على طلب انتساب تتقدّم به الشّركة لهذه الغاية وفق نموذج يتمّ إعداده من قبل المؤسّسة مرفق بالأوراق الثّبوتيّة المطلوبة. ويمكن الحصول على الطّلب المذكور من مكاتب المؤسّسة أو لدى المراكز الّتي تعتمدها في جميع المحافظات.

– تعتبر الشّركات المصدّرة للمنتجات الزّراعيّة والمسجّلة ضمن برنامج تنمية الصّادرات الزّراعيّة مسجّلة حكما في برنامج «الجسر البحري للصّادرات اللبنانية».

ج – المستفيدون من البرنامج

يستفيد من دعم تكلفة النّقل البحري كافّة الأشخاص اللبنانيّين الطّبيعييّن والمعنوييّن الذين يرغبون في تصدير المنتجات اللبنانيّة بكل أنواعها الزّراعيّة والصّناعيّة والصّناعات الغذائيّة، والذين سوف يشحنون بضائعهم من خلال الشّركات النّاقلة المعتمدة من قبل «إيدال» إلى بلدان الخليج والأردن عبر مرفأي «ضبا» و«العقبة»، على أن يتمّ التّقدّم بطلب إلى المؤسّسة وفق الشّروط التّالية:

– أن يكون شخصاً لبنانيّاً طبيعيّاً أو معنويّاً أو شركة مسجّلة في لبنان وفق القوانين المرعية الإجراء.

– أن يكون مركز الشّركة في لبنان.

– أن يكون محلّه – أو مؤسّسته – مسجّلاً في السّجل التّجاري المختص ولدى إحدى غرف التّجارة والصّناعة والزّراعة في لبنان.

– على المؤسّسة أن تمنح كلّ من يتقدّم بطلب انتساب الموافقة على طلبه إذا كان يستوفي جميع الشّروط المطلوبة خلال مدّة لا تقلّ عن أسبوع ولا تزيد على 4 أسابيع من تاريخ تسجيل طلبه.

– يحقّ للمؤسّسة إلغاء انتساب أي مستفيد في أي وقت في حال تبيّن لها أنّ المنتجات المعدّة للتّصدير غير لبنانيّة وتغريمه مبلغ وقدره 10 أضعاف قيمة الحوافز الماليّة للشّحنة، كما تغرّم شركة المراقبة 10 أضعاف قيمة الحوافز الماليّة للشّحنة على أن تحسم مباشرةً من الفاتورة‏[20].

خلاصة

كان للأزمة السّوريّة الممتدّة منذ عام 2011 تأثير مباشر في مختلف القطاعات اللبنانيّة، ولم يسلم القطاع الزّراعي منها، حيث بدأت الصّادرات الزّراعيّة باتّجاه الأسواق العربيّة تتراجع بسبب: إقفال تدريجيّاً المعابر الّتي تعتبر هدفاً للمصدّرين اللبنانييّن، ارتفاع أسعار الشّحن جرّاء ازدياد المخاطر على الطّرقات، ارتفاع تكلفة التّأمين، وتأخير في وصول البضائع. فانخفض الطّلب عليها ولم تعد تنافسيّة في تلك الأسواق. وما زاد الأمور سوءاً، هو إقفال الشّريان الحيوي الأخير للصّادرات اللبنانيّة وهو معبر «نصيب» السّوري الحدودي مع الأردن. بعد إغلاقه لم يعد هناك من معابر، وتحوّل لبنان إلى «جزيرة». فكانت الضّربة القاضية للمزارعين حيث بدأت المنتجات الزّراعيّة اللبنانيّة تتكدّس وتتراكم أكثر في الأسواق اللبنانيّة الدّاخليّة وتدنّت أسعارها بشكل كبير بسبب الفائض منها، إضافة إلى إغراق الأسواق المحلّيّة اللبنانيّة بالمنتجات السّوريّة الّتي لم يعد لديها سوق تصريف إلا لبنان وهي طبعاً تباع بسعر أرخص من المنتجات المحلّيّة.

بعد العديد من المحاولات السّياسيّة الفاشلة لإعادة استئناف المعبر ضمن شروط مقترحة من الجانب اللبناني، لجأ المزارعون إلى نقل منتجاتهم عبر الجوّ الّذي لم يستمرّ طويـلاً بسبب عدم جدواه الاقتصاديّة. ثمّ اعتمدوا الخطّ البحري الّذي في الأصل تكلفته عالية نسبةً إلى البرّ والّتي تتجاوز الـ 2000 دولار تقريباً، إضافة إلى الفترة الزّمنيّة الّتي تستغرقها الشّاحنات لبلوغ وجهتها. فطلبوا من الدّولة التّحرّك ومساعدتهم على تخطّي محنتهم أي دعمهم، من خلال الإسهام في تكلفة الشّحن البحري وفتح خطوط نقل بحريّة منتظمة وثابتة وآمنة لوصول السّلع سليمة، وتأمين عبّارات، وأمور أخرى لها علاقة بالتّصدير البحري ومتطلّباته ومستلزماته وحاجاته، إضافةً إلى عدد الشّاحنات وتوزّع حمولاتها بين المنتجات الزّراعيّة والصّناعات الغذائيّة وغيرها من الصّناعات، ما يسمح بوصول البضائع بشكل أسرع، نظيفة ومرتّبة وطازجة، بدل إخضاعها للتّفتيش في سورية والأردن والعبث بها وتعرّضها لأشعّة الشّمس والتّلف كما حصل في الفترة الأخيرة على الحدود، ما يقلّل من قيمتها.

لكن كالعادة في لبنان، عند وقوع الكارثة تُستنبط الحلول، وتسارع القيادات المعنيّة لتدارك الأزمة، ليس حتّى مع انطلاقها، بل بعد أن تضرب تداعياتها القطاعات الإنتاجيّة وتبدأ بالتّأثير في أعمالها، وبالتّالي على الدّورة الاقتصاديّة. فبعد العديد من الجلسات والمشاورات والمناقشات الّتي قامت بها كلّ الوزارات المعنيّة بالموضوع، قرّر مجلس الوزراء تخصيص مبلغ 21 مليار ليرة أي ما يقارب 14 مليون دولار لدعم فرق تكلفة تصدير المنتجات الزّراعيّة والصّناعيّة إلى البلدان العربيّة، خلال مدّة 7 أشهر، تدفع شهريّاً وفقاً لآليّة وضعتها مؤسّسة «إيدال» بالتّنسيق مع وزير الزّراعة، وستسهم بمبلغ 2000 دولار من إيجار كلّ شاحنة تؤمّن عبر بواخر الـ «RORO» التي تقوم بالتّصدير، والمبلغ يساوي 5 بالمئة من إيجار كلّ شاحنة.