المؤلفة: أشواق عباس

مراجعة: هيثم غالب الناهي(**)

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات: 142

 

أثر الصراع الدولي في المنطقة في صياغة الدولة العربية

هناك العديد من الأدبيات المؤلفة والمحققة والباحثة حول مشكلة بناء وتأسيس الدول العربية، ودور الكيانات السياسية والأنظمة في تفعيل وجودها المؤسسي. بزغ شمس هذه المؤلفات مع مطلع القرن الواحد والعشرين؛ فبعضها لم يكن يخرج عن إطار ما تسوقه الأنظمة العربية السياسية التي تتّخذ شكل الدولة، وبعضها هجومي محبط ينفي ولا يعالج أي تراكم بنائي للدولة، ويحاول اقتلاعها من جذورها الرتيبة. ولكن لم نجد في الكمِّ الهائل من هذا النِتاج إلا القليل القليل الذي عالج أزمة الدولة ووجودها وبناءها بصورة موضوعية، تستند إلى الوقائع الإقليمية والدولية. ولعل الدولة العربية المعاصرة، ومنذ سقوط الخلافة العثمانية وإلى يومنا هذا، قد مرّت بالأزمنة المظلمة والباهظة الثمن في دفعها فاتورة القتل واستمرارية الحروب واستباحة كل جميل وتفشّي الفساد وعدم الاستقرار ولربما تداولها مع العسكر، إذ انتقل حلم الدولة المدنية إلى الحقيقة التي لا وجود لها، مستبدلة نفسها بالعسكرتاريا. ولعلّنا لا يمكن أن نخفي هذه الإخفاقات والدور الإقليمي والدولي في تفعيل الفشل والتدخل بصور عديدة في هذا الشأن الخاص بضرورة إنشاء الدولة.

– 1 –

هذه الإلمامة البسيطة عن الدولة والشحة في تناول مسألتها، هي التي جعلتنا نُعيد قراءة هذا الكتاب الموسوم أعلاه، لأنه من القلة القليلة التي عالجت بإنصاف قضايا لا حدود لها تسببت في إخفاق قيام الدولة. فالكتاب عالج في الفصل الأول من فصوله الثلاثة النواحي الفكرية والتاريخية من دون أن يتداخل بعضهما مع بعض ليتمكّن من تجسيد الأزمة البنيوية التي تعانيها الأنظمة السياسية العربية المعاصرة؛ ناهيك بالخوض في متاهات عجز تلك الأنظمة العربية السياسية عن إنتاج دولة حديثة يمكنها أن تتماشى مع المعايير المعاصرة. نجد البعد التاريخي لمسار المأسسة وقد طغى بصورة متسلسلة في وقائع هذا الفصل، إيماناً من الكاتبة بضرورة وضع أسس الإصلاح التي تجاوزت حدود المطلب الشعبي العربي اليومي إلى البعد العالمي.

وبرأينا إن البعد العالمي المتوخى في إصلاح الدولة العربية، لم يكن دقيقاً بما فيه الكفاية عند مناقشة هذه الأطوار، إذ كان من المفترض الدخول في متاهات السياسة الغربية ودورها في ترك الدول التي استعمرتها، منغمسةً في الفساد والتوتر وصراع الحدود وتحديد الإنتاج وغيرها من السبل الكفيلة التي تجعل الدولة أو النظام السياسي العربي يلتجئ إليها. لقد أعلمنا العديد من الوثائق الغربية المنشورة حديثاً بعد أن مرّ زمن الإفصاح عنها، أن ما من انقلاب عسكري أو فورة شعبية أو غيرها من سبل عدم الاستقرار، إلا وكان للدولة المستعمرة السابقة دور في فلكها. ويبدو أن حالة العراق وسورية الآن ومن قبل الجزائر وغيرها، هي خير شواهد على ما يفعله الفلك العالمي المتمثّل بالدول الكبرى في يومنا هذا.

– 2 –

لو استدرجنا بشوقٍ ما كتبته أشواق عباس في الفصل الثاني الذي جاء تحت العنوان الموسوم «النظام العربي والنظام الدولي الجديد: الإصلاح واستراتيجية المصالح الدولية» سنجد أن معظم الإشكاليات التي تعانيها دول المنطقة العربية، هي نابعة من النظام العالمي الجديد. فهو نظام تجد الدول ذات المصالح في المنطقة، أن صراع مصالحها لا يمكن أن يستوي إلا في مناطقنا، لا لسبب ما، إلا لكونها غزيرة بالمواد التي تجعل اقتصادهم ذا ديمومة، بفعل الموارد الطبيعية والأولية. وعلى الرغم من أن الدراسة قد أبرزت الموضوعات الأساسية للخطاب النهضوي العربي، وضرورة إنماء الشعور القومي وغيرها من الأهداف، إلا أن الباحثة ركّزت أيضاً على أسباب عدم مقدرة الدول العربية على بناء نظام سياسي يمكّنها من مواجهة التحديات الدولية الخاصة بالعالم المعاصر وفق رؤية الدول الكبرى. فالدراسة ومن خلال المسح التاريخي لتلك المعضلات، تمكّنت من معالجة مسألة اكتساب الشرعية القومية السياسية، مبيّنةً أن هناك قيماً سياسية عديدة ارتبطت به، تتعلّق بالصراع العربي – الإسرائيلي والاستقلال القومي وعدم الانحياز والتنمية المستقلة والأمن وغيرها من مسوغات الاستقلالية وإثبات الوجود بوجه التحديات الدولية الطامعة.

إن البعد الفكري التحليلي الذي اتّصف به المؤلف مكّننا من التوصل إلى مفهوم اتفق معه بكل تفاصيله وهو، أن النظام الغربي الدولي عمل على إنتاج سياسة جديدة تجاه المنطقة العربية ونجح في ذلك. ويبدو وفق وصف الدراسة أن سبب النجاح كان نتيجةً لفهم المراحل السابقة لمأسسة الدولة العربية، فبنى أسس مشاريعه الجديدة على واقعية الوضع الإثني والطائفي والقومي. متوخياً من ذلك المشروع أن يعترف الشارع العربي في كل دول المنطقة أنه عاجز تماماً عن مواجهة المشروع الإسرائيلي ولا بد من التعايش معه، وفق ما تراه الدول الغربية.

وبرأينا أنه كان على الباحثة أن تعرّج – ولو لماماً – على استخدام المؤسسات الدولية وبيان دورها في تجاوبها مع المشروع الغربي المساند لإسرائيل، وخصوصاً في العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، الذي انفردت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي في قيادة العالم وإنجاز مهامها وإكمال المشروع الذي بدأ باحتلال العراق وتفتيته، ومن ثم الانطلاق نحو الدول العربية ذات الثقل في المنطقة أو المناوئة للمشروع.

– 3 –

عالج الكتاب في فصله الثالث الذي جاء تحت عنوان «الأبعاد الاستراتيجية للإصلاح في الوطن العربي ودورها في التكامل العربي العالمي» الإصلاح، وذلك بوصفه مقدمة للتكامل العربي في العلاقات. ومن ثم عالج الأبعاد القومية والدولية للإصلاح ودورهما في التكامل العربي ضمن منظومة العلاقات الدولية الجديدة. وقد ركّز الفصل على: دراسة عدة نماذج لمشاريع إصلاحية غربية تجاه الوطن العربي؛ وعلى مشروع الشرق الأوسط الكبير. وعلى الرغم من الخوض في غمار المشاريع، إلا أن الباحثة أنهت فصلها مستنتجةً أن الإصلاح الفعلي في المنطقة العربية ممكن، ولكن يجب أن يكون محسوباً على أساس إدراك الأولويات الذاتية المتمثلة بالانتماء القومي والوطني. كما أن الباحثة بكل إنصاف، استنتجت أن المشاريع الخارجية ومهما بدت لنا سليمة فإنها تفتقد الأسس الشرعية التي تنطبق على المنطقة وتفتقد قدرتها على الاستمرار.

ومن خلال ما طرح من مشاريع، استنتجت الباحثة في نهاية المطاف نموذجاً صمّمته لمفهوم الإصلاح العقلاني الذي يستند إلى إعادة بناء المنظومة الداخلية للدولة وفق الأسس الصحيحة لفكرة الدولة المبنية على الإصلاح الشامل والجذري. كما يجب أن تكون هناك قدرة للدولة العربية على الاندماج في المحيط العربي. ومع أننا نتّفق مع وردية هذه الصيغة العقلانية، إلا أن الواقع المهم الذي أغفلته الكاتبة سيكون له دور كبير في إجهاض أي حالة تقدم في بناء الدولة على أسس انتمائها إلى المحيط العربي. إذ كان بودّي أن تعرّج الكاتبة على العامل العرقي والطائفي الذي يُستغلّ – دائماً – من جانب الدول الكبرى ذات المصالح بالمنطقة، ومعالجة سبل تفتيتها وفق مشروع وطني كبير يحفظ الثقافات المتعددة والمواطنة للأقليات القومية المتباينة. ولدراسة هذه الحالة أرى أنه يجب الخوض بصورة معمّقة في واقع الدولة الدينية والعرقية التي تطمح إليها الدول الغربية في المنطقة، كي تُعطي التمني الإسرائيلي جانباً من التفاؤل في تحقيق دولتها الدينية.

ومع كل الاتفاق الكبير والاختلاف البسيط في بعض الآراء، لا بد من القول بأن في هذا الكتاب أو الدراسة الفريدة من نوعها، تمكّنت أشواق عباس من فتح آفاق بحث جديدة لا يخوضها إلا القليلون، ولو طُـوّر هذا البحث سيكون في يوم من الأيام مشروعاً يمكن تطبيقه في منطقتنا العربية، وفق الأسس العملية التي كانت كبيرة وكثيرة؛ وخصوصاً أنها ركّزت على الحالة العربية التي تخوض رحاها حروب دمّرت كل البناء المتراكم لأي دولة عربية منذ التأسيس وحتى ظهور داعش والعودة إلى بدايات التاريخ.