مقدمة:

يطرح تعدد الهويات وتنوُّعها على الأرض السورية تشابكاً بين الجغرافيا والتاريخ والأيديولوجيا؛ فمن جهة، لا يمكن تجاهل أن البنية تخلق الأسطورة؛ أي أن قيام كيان معيَّن يخلق قوى تتلاءم معه ولها مصالح ناشئة في الكيان ويخلق تأقلماً أيديولوجياً عند الناس، حيث كان لهذه السيرورة دور بارز في أطوار تبلور «أيديولوجيا» الوطنية السورية‏[1]. بالتأكيد، هذا يخالف ما يقوله الشموليون، سواء الإسلاميون أو القوميون العرب، الذين يرون أن الكيان أو البنية صنيعة الأسطورة، أي أن الأيديولوجيا هي التي تخلق الكيان.

لقد بدأت صيرورة «مورّثات الهوية الوطنية المكتسبة» بالتبلور كحصيلة لانتماءات مختلفة: إثنية وقومية ودينية وطائفية ولغوية، إسلامية ومسيحية… عربية وكردية وشركسية وأرمنية… اختلطت وتفاعلت عبر العقود الماضية مشكِّلة «كتلة حَدَثيّة تاريخية» (un bloc historique événementiel) – عمر سورية الحالية في عام 2018 يصبح مئة عام، وهو أكبر من عمر الدولة الأموية 89 عاماً (661 – 750) – تراكمت ضمن الحدود الجغرافية الراهنة وفق «معايرة خاصة» تعبّر عن صميمية سورية وجوهر فريد لا يمكن استبداله أو تجزئته أنصافاً أو أثلاثاً… أما ملامحها بين السكان فقد بدأت بالظهور في العهد الفيصلي وبشكل جلي في دمشق، بحسب سردية جيمس غيلڤن‏[2]. وتجادل نادين معوشي‏[3] بأن نشوب الثورات المحلية/الوطنية ضد المستعمر الفرنسي التي شارك فيها الأكراد والعلويون والدروز… كانت بداية بروز الانتماء الوطني السوري.

يبرز جدل الأيديولوجيا والإقليم الجغرافي كنتيجة لعملية إعادة تمثّل الحضور الهوياتي منتجة من جانب المجتمع، بهدف تحويل الأيديولوجيا إلى فعل والتطابق الهوياتي مع الإقليم. فالأيديولوجيا والإقليم يُعدّان في النهاية بناءً اجتماعياً للواقع، إذ إن الأيديولوجيا لا يمكن أن تتطور بلا الإقليم وهذا الأخير يعرّف من خلال الأيديولوجيا‏[4]. ويعرّف الإقليم الجغرافي كمجال مخصص من قبل مجموعة اجتماعية من أجل تحقيق وحدتها المادية والفكرية. ويسمح لهذه المجموعة أن تبني هويتها ككيان معروف ومعرّف بدلالة المكان وأوابده التاريخية والذاكرة التاريخية المشتركة التي تشكل الوعي الجمعي لهذه الجماعة. وخير مثال على ذلك هو التأقلم اللبناني بالرغم من خمس عشرة سنة من الحرب الأهلية لم تزعزع روح الانتماء إلى الكيان اللبناني ولم ينادِ خلالها مثـلاً العروبيون أو الإسلاميون بالانفصال أو الاتحاد مع دول أخرى.

في السياق نفسه، يؤدي تداخل التاريخ مع الجغرافية دوراً مهماً في صياغة الهوية. وضمن هذا المحتوى، يُقارِب هذا البحث التاريخ بوصفه صيرورة ويستحضره بكونه خياراً «خيار التاريخ» (Choix de l`histoire)‏[5]؛ أي يمكن إعادة بنائه وتركيبه متحرراً من قيود «ثقل التاريخ (Poid de l`histoire) الذي يفرض نفسه كما هو على الحاضر والمستقبل ككتلة صماء مرة واحدة وإلى الأبد. في ضوء هذه المقاربة لا بد من الغوص في البنية التحتية للتاريخ لإدراكه «كما هو» حقيقة وليس كما يتمظهر أو «كما يتَبدَّى» بهدف تعريته وترويضه واستئناسه. فالجامع الأموي مثـلاً يبدو أنه من رموز الإمبراطورية الإسلامية الأموية ولكنه يضم مقام يوحنا المعمدان‏[6] لأنه أقيم على أرض كنيسة بعد الفتح الإسلامي للشام، والكنيسة كانت في الأصل معبداً رومانياً للإله جوبيتير، وقبل الرومان كان معبداً آرامياً لإله الرعد. إذاً، هوية هذا الصرح الديني تختزن في رمزيتها أبعاداً حضارية آرامية ورومانية وعربية وأبعاداً دينية وثنية ومسيحية وإسلامية. فالهويات الحضارية والدينية تداخلت وتمفصلت بعضها فوق بعض عبر سيرورة تاريخية لا يمكن للهوية الأحدث ومعناها المهيمن أن تتجسد زمنياً ومكانياً من دون التفاعل مع الجذر الأول والهويات اللاحقة به. وفي كل حقبة تتمفصل فيها هويتان مختلفتان، تغيّر الهوية الحديثة ماهية الهوية القديمة لدى الحامل الاجتماعي، وفي الوقت عينه تتغيّر هي ذاتها وتتجسد عنده بصورة جديدة حاملة بعض عناصر الهوية الأقدم. لذلك تجسدت الهوية العربية لغوياً في سورية على نحو مختلف عنه في موريتانيا أو الصومال… ويظهر ذلك على سبيل المثال عبر اللهجات المختلفة في الوطن العربي. كذلك تجسد الإسلام بشكل مختلف حسب المنطقة وهويتها السابقة، وفي هذا الإطار الإسلام الشامي يختلف عن الإسلام المغربي أو الخليجي أو الألباني أو الإندونيسي. وأحياناً يكون التحول جذرياً، مصر كانت شيعية وتسننت زمن صلاح الدين، وإيران كانت سنية وتشيعت زمن الشاه إسماعيل الصفوي، وسوريا‏[7] كانت مسيحية وصارت بأكثرية مسلمة. إذاً الهويات غير ثابتة أو خالدة، فالهوية متخيّلة، ولكن البنية الواقعية للهوية قد تثبت هوية لفترة زمنية أطول من غيرها. لذلك يؤدي تغيُّر حدود الدول دوراً مهماً في ديمومة هوية أو تغيّرها. فالهوية حسب مفردات أنطون سعادة، تفاعل حضاري واجتماعي نحو التطور والارتقاء الذي يخلق الوجدان التاريخي للجماعة داخل حدودٍ جغرافيةٍ معينة.

إن الجيل الذي ولد في سورية الحالية يتصف بروح الانتماء والولاء للكيان الذي نشأ فيه وهو يتعامل مع مؤسسات هذا الكيان من المهد إلى اللحد، فوجود روح القومية العربية أو الروح الإسلامية في المخيلة الجمعية الموروثة أو وجود الهويات المحلية أو الموضعية المحدودة يمكن أن تتعايش مع أولوية الانتماء إلى الوطنية السورية كقوة تسعى نحو التوحيد والانسجام في المضمون والشكل إذا ما تم التحرر من ثقل الماضي الذي يريد فرض خياراته على الحاضر والمستقبل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من إعادة إنتاج التاريخ من أجل بناء رؤية استراتيجية مستقبلية – هنا يصبح التاريخ خياراً – بما يضمن إمكان تجاوز رواسب التاريخ من عصبيات دينية وطائفية والتخلي عن ما يسميه جيلبير دوران (Durant Gilbert) «عبادة التاريخ» وتجاوز السجالات الأيديولوجية وأوهامها والابتعاد من التفكير البيروقراطي و«المخيلة الفاشلة» لمصلحة إتمام بناء المواطنة ذات البعد الإنساني التي تعزز فهم الآخر والتفاعل معه بدلاً من الوقوف ضده. فليس قدراً لسورية أن تعيد إنتاج معركة الجمل وصفين إلى الأبد، إنه خيار تاريخي وليس حتمية تاريخية‏[8].

لا بد أيضاً من الإلحاح على اعتبار التاريخ صيرورةً، أي أنّه لا يمكن الفصل بين الحضارات بحجة اختلاف البنى والأنساق الحضارية، بل لا مناص من الوعي بضرورة القبول بمنهج التاريخ العالمي القائم على التعدد والتواصل؛ فالتاريخ في نهاية المطاف لا يمكن فصله وتقسيمه بخطوط مستقيمة حسب ما يقول برتراند راسل، فمن الطبيعي أن ينهل السوريون من عصر التنوير الأوروبي (كإرث عالمي للبشرية) ومفاهيمه حول حقوق الإنسان والإخاء والعدالة والمساواة في المواطنة. ولكن بالتأكيد ليس من السهل إحداث قطيعة معرفية مع الماضي، ولذلك إذا لم نتبنَّ التاريخ كخيار، المستقبل قد يكون عودة للماضي، والحاضر سيكون اللحظة المكثفة للماضي، ولن يكون هناك مخرج من رؤية ابن خلدون إن «الآتي أشبه بالماضي من القطرة بالقطرة».

أولاً: مورفولوجيا المجتمع السوري

تعود أصول سكان سورية الحاليين أساساً إلى الآراميين، إلا أنه لا توجد شخصية سكانية سورية آرامية صافية تتمثّل بنموذج سوري محدد. فالموجات المهاجرة الكبرى والشعوب السامية الرئيسة التي كونت الشخصية السورية هي: العموريون (الألفية الرابعة قبل الميلاد)؛ الكنعانيون/الفينيقيون‏[9] في الألفية الثالثة قبل الميلاد؛ الآراميون في النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد، إضافة إلى تعدد الإثنيات والقوميات التي مرت أو عاشت على الأرض السورية كالعرب والأكراد والترك والأرمن بحيث جعل التكوين الإثني للسكان شديد التركيب، وكذلك الأمر ينطبق على التعدد اللغوي.

بلا شك، تتداخل العديد من العوامل والظروف التاريخية والجغرافية والسوسيولوجية في شرح وجود وبقاء الكمّ الكبير والمتعدد من المجموعات الدينية والعرقية بالمنطقة التي يطلق عليها اليوم سورية‏[10].

أولاً، إن سوريا الطبيعية تعتبر مهد الديانات السماوية التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) وقد أدى تكوين المذاهب والمدارس المختلفة داخل هذه الأديان إلى اختلافات كبيرة في العقائد. فكان طبيعياً أن تتطور الاختلافات السياسية والدينية كجزء من الاختلافات العشائرية والقومية والتي كرّست بدورها التمايزات الإثنية، الدينية والطائفية.

ثانياً، إن الهلال الخصيب الذي تشكل سوريا جزءاً منه كان دائماً مركزاً للحركات العشائرية والفردية وكان قد تعرض بصفة منتظمة في الماضي لغزوات من قِبل مجموعات سكانية متعددة، مثل العرب والأكراد والمغول والأتراك.

ثالثاً، كان الشرق الأوسط في بعض الأحيان ملجأً للمضطهدين سياسياً أو دينياً من الأقاليم المجاورة، وقد تمكنت تلك المجموعات اللاجئة من الاستقرار في سوريا أو المناطق المحيطة بها كالأرمن والشركس والأكراد.

رابعاً، كثيراً ما تم الحفاظ على الاختلافات الدينية والعشائرية واللغوية بسبب التكوين الجغرافي المنعزل للمناطق التي قطنت بها الأقليات الدينية وبخاصة أولئك الذين اضطهدوا بشدة في الماضي كالعلويين‏[11] والدروز والإسماعيليين، قد تواجدوا أساساً في مناطق يصعب الوصول إليه ولا سيما في الجبال والوديان من منطقة اللاذقية وجبل العرب/الدروز وجبال مصياف. ولا يشذ الأكراد والمسيحيون عن هذا الارتباط بالفضاء الجغرافي والأقاليم الطرفية؛ فنجدهم في جبل الأكراد ووادي النصارى. إن نقص سبل الاتصال في المناطق التي يصعب الوصول إليها وعدم وجود سلطة مركزية قوية قد ساعدا على الحفاظ على الطابع المتميز والمستقل للمجموعات الدينية والقومية، واستطاعت الجاليات التي لم تكن ترغب في الخضوع لرقابة الدولة المركزية أن تنسحب إلى مناطق يصعب الوصول إليها إلى حد ما وتمكنوا نسبياً من العيش من دون قلق. وقلما كانت سلطة الدولة المركزية تمتد أبعد من الساحل وأودية الأنهار والوديان والسهول التي يسهل الوصول إليها، وبالتالي، كانت تقطنها الأغلبية التقليدية السائدة من المجموعات الدينية أو القومية، وبخاصة العرب السنّة. أما اليوم فيتسم التوزع الجغرافي للأقليات بالتبعثر الجغرافي الأفقي، نتيجة التزايد السكاني والهجرة من الريف إلى المدينة، فأحزمة «الفقر» من العشوائيات التي تلف المدن الكبرى وبخاصة العاصمة، شكلت بؤرة للاندماج السكاني وإن اتسمت بعض الأحياء منها بوجود مكثف للون واحد أو اثنين‏[12]. ولكن أصبح الفقر سمة مشتركة بين هؤلاء الناس. وحسب تقارير الأمم المتحدة لعام 2007، فإن 33 بالمئة من الشعب السوري يعاني الفقر و12.5 بالمئة يعيشون تحت خط الفقر.

ولم يمنع كون المجتمع السوري هو الأكثر تنوعاً من بين المجتمعات العربية، الاستقرار السياسي والاجتماعي خلال عهد الرئيس حافظ الأسد المديد (باستثناء المواجهات مع الإخوان المسلمين بين عامي 1979و1982). وإذا كان هذا الاستقرار لعدة عقود في ظل وجود دولة مركزية شديدة التنوع المجتمعي هما السمتان المعياريتان الأبرزان لتلك الحقبة في إطار مقاربة بعثية لـ «تأميم الهويات» نظرت إلى الموروث العربي – الإسلامي نظرة حضارية ثقافية وليس كشريعة أو إثنية؛ وبهذا المنظور أضحى الجميع «عرباً مسلمين» بدءاً من المسيحيين ومروراً بالعلويين والدروز والإسماعيليين… وانتهاءً بالأكراد.

ثانياً: اندماج الأكراد السوريين بين الممانعة الصامتة والعلنية

دفع مخاض الهويات وصراعها المخفي والظاهر، في سورية، الأكراد السوريين إلى الوقوف في حيز من الغموض و«عدم اليقين»؛ أي بما يمكن وصفه أنثروبولوجياً بالـ Liminality (مرحلة ما بين بين)، وهي الوقوف على عتبة التحول ما بين الانفصال والاتصال. فهم كالعامل المؤقت في شركة يعمل فعلياً في هذه الشركة ولكن يحتمل خروجه في لحظة ما إذا لم يوقع عقداً دائماً ليكون من ملاك هذه الشركة.

تاريخياً، يمثّل القرن الحادي عشر نقطة الانتشار الكثيف للأكراد في سواحل سورية ومدنها الداخلية؛ فقد استقر الفرسان الأيوبيون الأكراد في مناطق الحصون الساحلية السورية ومن أهمها «قلعة الحصن» التي بنيت في عام 1031م لمواجهة الإمارات الصليبية على الطريق بين حماه وطرطوس وطرابلس. وفي العهد العثماني سكن في المنطقة العديد من العشائر الكردية الصغيرة، وتحولت المنطقة إلى ملجأ للفارين من الأناضول، وهؤلاء تعرّبوا على نحو كامل في المجتمعات المحلية، وأصبحت تعرف المنطقة باسم «جبل الأكراد» في اللاذقية، وهو مختلف عن جبل الأكراد في عفرين شمال حلب المسمى «كرد داغ» (kurd dagh) والمرتبط بسلطة الآغوات الأكراد، بالرغم من أن الهويات العشائرية ضعيفة في هذه المنطقة ولا تؤدي دوراً مهماً في التنظيم الاجتماعي المحلي والسياسي. ويرتبط أكراد المنطقة اقتصادياً بحلب عبر زراعة الزيتون وإنتاج زيت الزيتون، وأغلبيتهم يعملون كأيدٍ عاملة في حلب ويرجعون في نهاية الأسبوع إلى عفرين، وعبر هذا التدفق المنتظم من وإلى حلب لسكان كرد داغ، اشتركت الجماعة الكردية مع أهالي حلب ليس فقط بروابط اقتصادية بل أيضاً بعادات ثقافية ومخيلة اجتماعية مشتركة.

أما أكراد دمشق فهم يختلفون في تركيبهم ودينامياتهم، فقد استوطنوا منذ القرن الثاني عشر، عندما استقر الجنود الأكراد في الصالحية وحي الأكراد‏[13]، وإن كانوا احتفظوا بهوية إثنية متمايزة إلا أنهم فضلوا الاندماج الثقافي في المجتمع المحلي بسبب بعدهم عن كردستان والتعريب الثقافي غدا ضرورة، ولا سيّما أنهم يؤلفون طبقة متوسطة، ومنهم أطباء ومهندسون ورجال أعمال وحرفيون وموظفون في إدارات الدولة. في المقابل، يشكّل أكراد حلب جماعات كبيرة نتيجة قرب حلب من المناطق الكردية في سورية وهجرتهم إليها بسبب أهميتها الاقتصادية، ولكنهم يمثلون طبقات ما دون متوسطة وفقيرة لأنهم من أصول ريفية تمدنت حديثاً ومعظمهم عمال غير محترفين أو مؤهلين. وتوجد طبقة متوسطة تستثمر في التربية والتعليم والتي تعَدّ أداة للتعبئة الشعبية في المناطق التي يقطن فيها الأكراد بكثافة. وبالنتيجة هم أقل اندماجاً من أكراد دمشق‏[14].

فعلياً، اندمجت مختلف شرائح المجتمع الكردي (الدواخل في المدن الكبرى كدمشق وحلب والأطراف في عفرين/ديريك وعين عرب/كوباني‏[15] والجزيرة) في الفضاء السياسي العام للوطنية السورية في النصف الأول من القرن العشرين وخلال مرحلة ما بعد الاستقلال. وقد انخرطوا منذ وقت مبكر في العمل الوطني السوري ضد الانتداب الفرنسي، واندمجوا بعد الاستقلال في جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها، وشغل بعضهم رئاسة الدولة مثل حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وفوزي سلو‏[16]. غير أنه، إذا كان هذا الاندماج بمعناه التكاملي وليس بمعنى التماهي (Assimilation) لم يواجه مشاكل كبيرة خلال تلك الفترة، حيث إن الهوية الكردية لم تجد نفسها مهددة آنذاك. إلا أنه مع وصول حزب البعث إلى السلطة أصبح الأمر أكثر تعقيداً وأصبح الأكراد أكثر حساسية تجاه الهوية العربية للدولة. على سبيل المثال، الدستور السوري الذي تم الاستفتاء عليه في حزيران/يونيو 1949 في فترة حكومة حسني الزعيم (الكردي الأصل) الذي قاد الانقلاب الأول في سورية، هو أول دستور سوري ينص على أن «سورية جمهورية عربية». وبهذا الاتجاه، كرست مختلف الدساتير السورية التالية حتى الآن هذا التعريف الدستوري. وفي هذه الفترات كلها لم يحدث أدنى جدل حول تعريف الدستور لسورية بوصفها جمهورية عربية‏[17].

في الحقيقة، إن دولة البعث منعت كل تعبير عن الخصوصيات الإثنية واللغوية والثقافية في الفضاء العام، وبخاصة تلك التي لها آثار سياسية وتمتلك خاصيات التعبئة والتحشيد الشعبوية. بَيدَ أنها سمحت في الوقت نفسه بأشكال التعبير الديني غير المسيّس. في المقابل، اختار الأكراد بصفة عامة العمل بمبدأ الممانعة الصامتة أو «التقية (Dissimilation)»‏[18] أي الولاء للحكومة وبنفس الوقت الاختصام مع الأيديولوجيا الرسمية داخل مجتمعاتهم المحلية والاحتفاظ بعلائم هويتهم على نحو مخفي أو غير سافر. فالكردي الذي يعارض ويرفض الأيديولوجيا الرسمية ويحمل الهوية السورية يُنظر إليه كأنه «غير مكتمل الهوية»، غير أنه حقيقةً ليس المطلوب منه أن يعتقد بالأيديولوجيا الرسمية بل أن يتصرف وكأنه يؤمن بها وليس أن يقتنع بها بالمعنى الماكس فيبري أو الغرامشي (Gramscian)، أي بحسب تعبير ليزا ودين «السياسات كما لو أنها» (The Politics of as if)‏[19]، أي إظهارها الاخلاص والولاء للحكومة والتماهي مع سياساتها في الفضاء العام بينما حقيقة قناعتها وموقفها الذي تعبّر عنه في الفضاء الخاص خلاف ذلك. لذلك لم تكن التقية تكيّفاً للأكراد ولكن في «منزلة بين منزلتين» بين الولاء والقبول السلبي بالأيديولوجيا أي التصرف كأنهم يسلّمون بها من جهة وبين رفض هذه الأيديولوجيا الإقصائية والتمرد عليها من جهة أخرى. لذلك تلاشت تقيتهم حين نضجت الشروط الملائمة خلال الأزمة السورية في عام 2011 وأتيح لهم التعبير العلني عن هويتهم.

ثالثاً: سياسات الهوية والاندماج الاجتماعي في ظل دولة البعث

في عهد الرئيس حافظ الأسد لم يخلق الأكراد فضاءً عاماً سياسياً خاصاً بهم، لقد تأرجح انجذابهم بين المشهد الكردي العراقي من جهة والمشهد الكردي التركي من جهة أخرى. فالنزاع البعثي – البعثي بين الدولة السورية والدولة العراقية دفع الحكومة السورية باتجاه دعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي وهذه السياسة أرضت نظراءهم السوريين. كذلك دعمت سورية حزب العمال الكردستاني (PKK) وحمت زعيمه أوجلان منذ بداية الثمانينيات وحتى أواخر التسعينيات. حتى إن الأكراد الترك هيمنوا بشكل أو بآخر على نظرائهم السوريين في تلك الفترة، وكان الزعيم الانفصالي عبد الله أوجلان أصدر فتوى أن الأكراد الذين يعيشون في سورية «كلهم لاجئون من تركيا»‏[20]، هذا التصريح يدلل على غياب فكرة كردستان سورية لدى الأكراد آنذاك. لكن حين صعّدت تركيا مهددة بالحرب بعدما حشدت قواتها على الحدود مع سورية في عام 1998، استجابت سورية وفق منطق توازن القوى والمصلحة السورية بالتخلي عن استضافة أوجلان ووقعت مع تركيا بروتوكول أضنة للتعاون الأمني. وفي العام التالي، نجحت تركيا بمساعدة إسرائيلية – أمريكية‏[21] في القبض على أوجلان في كينيا وهو في طريقه إلى جنوب أفريقيا بعد وعد نلسون مانديلا باستضافته حسب تصريح صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).

في الواقع، لم يُشكل الأكراد مشكلة في سورية كما يرى فيليب روندو‏[22] بل على العكس كانوا حلفاء‏[23] للرئيس حافظ الأسد منذ وصوله إلى السلطة، نظراً إلى خصوصية سياساته تجاه الأقليات الدينية والعرقية. لقد دعم الأكراد الحكومة السورية في معركتها مع الإسلاميين بين عامي 1979و1982. ولم يشكل الأكراد أي معارضة ضد الدولة، ولم يرفعوا السلاح ضدها، ولم يتحالفوا مع المعارضة التقليدية في عهده.

أما استراتيجية الحكومة الاندماجية على مستوى الخطاب الرسمي فانصبت على التوجه للأكراد بوصفهم جزءاً من الأغلبية المسلمة في سورية، والتركيز على الأرضية المشتركة الإسلامية بين العرب والأكراد. والرموز المشتركة بين القوميتين التي أدت دوراً مهماً في الحضارة العربية الإسلامية كصلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين، أو في التاريخ السوري المعاصر كإبراهيم هنانو الذي قاد ثورة الشمال ضد الفرنسيين، ويوسف العظمة وزير الدفاع السوري الذي استُشهد في معركة ميسلون مع الفرنسيين 14 تموز/يوليو 1920. وإبراز هؤلاء كأبطال وطنيين – مسلمين أكثر من كونهم أكراداً.

في السياق عينه، ركزت الحكومة في سياساتها الاندماجية على التقارب والتحالف مع رجال الدين الأكراد كمفتي الجمهورية الشيخ أحمد كفتارو والعلّامة الشيخ سعيد رمضان البوطي وتقديم كل التسهيلات في ما يتعلق بنشر الثقافة والتعليم الإسلامي. كذلك عززت اندماج الأكراد في مؤسسات الدولة سواء في الجيش أو وزارات الدولة أو مجلس الشعب (وصل عدد أعضاء مجلس الشعب الأكراد إلى 13 عضواً عام 1990 أبرزهم مروان شيخو) أو الجبهة الوطنية التقدمية (الحزب الشيوعي بزعامة خالد بكداش ومن ثم زوجته وصال فرحة بكداش ولاحقاً عمار بكداش).

في سياق آخر، على مستوى سياسات التعريب والانصهار الديمغرافي لم يتبنَّ الرئيس حافظ الأسد الأفكار التي طُرحت مع وصول البعث للسلطة عام 1963 تحت عنوان «الحزام العربي»‏[24] في إطار مشروع إصلاح الجزيرة المطروح منذ أيام المليونير الأحمر خالد العظم قبل سقوطه الأخير، وكان الأسد جّمد مشروع «الحزام العربي» في عام 1976‏[25]. فعلياً كانت هذه السياسات اسمية إذا أهملنا ضوضاء الخطاب القومي البعثي والضجة القومية الكردية في هذا الصدد. فانتقال العائلات العربية إلى «القرى النموذجية» التي أنشأتها الدولة (42 قرية) في منطقة الحزام جراء الغمر الناتج من إنشاء بحيرة الأسد على سد الفرات كان محدوداً ولم يتجاوز 24 ألف نسمة‏[26]، ولم يغير التركيبة الديمغرافية والإثنية للمنطقة، والحيازات التي تم منحها للعرب لم تكن على حساب حيازات أكراد المنطقة. أما سياسات التعريب فكانت شكلية ولفظية وتركزت على بعض أسماء المدن والقرى والعلامات التجارية وأسماء المحال وليست قومية بالمعنى الكمالي الأتاتوركي الذي جرى في تركيا، كذلك هي سياسات عامة شملت أنحاء البلاد كافة ولم تستهدف الأكراد فقط. في النتيجة أثبت هذا المشروع نهاية وفشل أفكار وسياسات تذويب الأكراد أو حتمية تعريبهم‏[27].

انتهى نمط التفاهم التعايشي  (Le Modus vivendi) مع الفصائل الكردية الذي ساد في عهد حافظ الأسد، بالتزامن مع إعادة التشكل الإقليمي وفق توازنات جديدة مع بداية عهد الرئيس بشار الأسد. فالتحالف مع حزب العمال الكردستاني انتهى بعد استبعاد زعيمه أوجلان من سورية. كذلك فترت العلاقة مع الفصائل الكردية العراقية بعد أن سقط صدام حسين حيث فضلوا الاستقلالية. وضمن هذا المحتوى الإقليمي الجديد جاءت أحداث القامشلي 2004‏[28]، ومن ثم التظاهر في القامشلي في 5 أيار/مايو عام 2005 إثر اختفاء الشيخ الصوفي معشوق الخزنوي.

رابعاً: تداعيات أزمة 2011 على تفكيك الأكراد السياسي وإعادة تكوينه

دخلت المسألة الكردية في مرحلة جديدة بعد اندلاع أحداث درعا عام 2011. سعى الرئيس بشار الأسد لتهدئة الأكراد في سياق الهندسة السياسية الجديدة في إطار الإصلاحات ما بعد – البعثية‏[29] تجاههم، فعمد إلى إصدار المرسوم التشريعي الرقم (49) في 7 نيسان/أبريل 2011، الذي ينص على إعادة الجنسية العربية السورية للأكراد المسجلين أجانب في دائرة الأحوال المدنية في الحسكة (60 ألف نسمة) الذين انتزعت منهم نتيجة الإحصاء الذي أجرته حكومة الانفصال بناء على المرسوم التشريعي رقم 93 في 13 آب/أغسطس عام 1962. هذا الإحصاء جرد كل الأكراد الذين لا يملكون وثائق قيد تثبت وجودهم قبل عام 1945 وعُدّا إما أجانب أو مكتومين‏[30] ويقدرون حالياً بنحو ألف نسمة‏[31]. كان الهدف من الإحصاء آنذاك، حرمان الأكراد الأتراك المهاجرين من حقوق ملكية الأراضي بالنسبة للذين استفادوا من قانون الإصلاح الزراعي الصادر في عهد الوحدة عام 1959. كما عدّل الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي (رقم 49) الصادر في 10 أيلول/سبتمبر 2008 الذي كان ينص «على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من الهيئات الإدارية المسؤولة في العاصمة دمشق في حال تغيير الحقوق العينية للأراضي الواقعة في المناطق الحدودية»، والذي كان يقيد الاستفادة من العقارات أو الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية. فتم استبداله بالمرسوم الرقم (43) الصادر في 26 آذار/مارس 2011، الذي نقل صلاحية منح التراخيص إلى محافظة الحسكة بدلاً من دمشق. وأدى هذا المرسوم إلى فورة في مشاريع البناء في محافظة الحسكة. وبذلك تم تلبية اثنين من المطالب الأساسية المدرجة في برامج الأحزاب السياسية الكردية.

غير أن الأزمة السورية أتاحت فرصاً وخيارات جديدة أمام المسألة الكردية في سورية بعد عقود من «التقية» المزمنة، بالرغم من محاولة الحكومة تلبية بعض المطالب الكردية في ما يتعلق بالجنسية أو السماح ببعض التعبيرات الثقافية، كالاحتفال بعيد النوروز. لقد وجدت المعارضة الكردية فيها فرصة لن تتكرر لتحقيق مطالبها القومية. لقد عملت أحداث 2011 على تفكيك وإعادة تركيب الحركة الكردية في سورية، فاختفت انقسامات المعارضة الكردية بين اليمين واليسار لتعيد اصطفافها بين النزعة الكردية الوطنية السورية من جهة، التي تسعى للحصول على حقوقها القومية والثقافية بكونها القومية الثانية في البلاد وهذه يمثّلها «المجلس الوطني الكردي في سورية» الذي يضم الأحزاب الكردية‏[32] ما عدا حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ومعظمهم كان منضوياً ضمن تجمع «إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي لعام 2005»، الذي أعلن انضمامه إلى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» في أيلول/سبتمبر 2013 تحت ضغط الولايات المتحدة والسعودية‏[33]، ويراه مسعود البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق العمق الاستراتيجي لأربيل في الأراضي السورية.

ومن جهة أخرى، النزعة القومية الكردية الكردستانية التي تسعى للانفصال والمناداة بمفاهيم مختلفة من حكم ذاتي أو فدرالية أو حق تقرير المصير. وليبرز الاصطفاف الجديد للحركة الكردية عبر الاستقطاب الإقليمي لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات سورية الديمقراطية (التي تضخم عددها من ثلاثة آلاف إلى الخمسين ألفاً بحسب التقديرات الاعلامية) والمجلس الوطني الكردي بين المحورين الإيراني والتركي.

أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي السوري الرديف لحزب العمال الكردستاني) الذي انضم إلى «هيئة التنسيق الوطنية» التي يرأسها الناصري حسن عبد العظيم منذ تأسيسها في أيار/مايو عام 2011 عن إدارة المناطق الكردية في سورية ذاتياً في 21 كانون الثاني/يناير عام 2014 عشية انعقاد مؤتمر جنيف الثاني. ومن ثم أعلن بُعيد استبعاده من جنيف الثالث المنعقد في 14 آذار/مارس 2016 إقامة الفدرالية في شمال سورية.

لكن هناك عوائق موضوعية سنناقشها أدناه تحول دون تلبية الشروط اللازمة لقيام حكم ذاتي فدرالي أو لتطبيق الصيغة المموهة للفدرالية تحت اسم «اللامركزية السياسية» حسب ما يطالب «المجلس الوطني الكردي في سورية».

خامساً: الفدرالية وإزالة الغموض عن الجغرافيا السياسية شمال سورية

أصبحت مفردات ومصطلحات مثل «الفدرالية»، و«اللامركزية»، و«التقسيم»، و«دولة كردستان سورية/روجافا»، و«دولة الساحل»، و«سورية المفيدة»، و«الدولة الإسلامية»، و«إمارة الشام»، و«حكومة المعارضة المؤقتة»… شائعة في الثقافة السياسية السورية بُعيد بداية أزمة عام 2011. وبعضها تحوّل إلى واقع جغرافي أو سياسي؛ فالأكراد أعلنوا حكمهم الذاتي والخليفة البغدادي أعلن قيام الدولة الإسلامية، وكذلك فعل الجولاني بإعلانه إمارة الشام. وبالطبع أعلن الائتلاف الوطني للمعارضة حكومته المؤقتة وهي تستسهل الحديث عن «قيام دولة الساحل» عبر أقطابها. أيضاً صدر العديد من التصريحات من الدول الإقليمية والكبرى حول التقسيم أو الفدرالية. بلا ريب لقد «عاد التاريخ والجغرافية» ليوسما الثقافة السياسية الجديدة للفواعل السياسة المحلية في سورية. وعاد الصراع على جغرافية وتاريخ سورية ليكون عامـلاً أساسياً في حسابات السياسات الإقليمية والعالمية.

إن سورية عبر التاريخ، إذا استثنينا الفترة الأموية، لم تكن دولة مركزية بل احتوت غالباً ولايات أو مدناً متعددة في إطار إمبراطوريات أكبر. كذلك فإن سورية الحالية خبرت النظام الاتحادي المتشابه مع النظام الفدرالي في ظل الانتداب الفرنسي. ولكن لم تستمر التجربة تحت وطأة تصاعد النضال الوطني ضد الاحتلال وبروز ملامح وطنية صميمية سورية متمايزة. لقد لجأت سلطة الانتداب إلى تقسيم الكيان السوري الوليد الذي يعدَّ نواة «الدولة العربية المتخيلة» آنذاك لمنع قيام أي معارضة موحدة ضد الفرنسيين ولجعل طموحات حركة القومية العربية مستحيلة المنال في تحقيق دولة عربية. تم إصدار قرارات تقسيم سورية إلى أربع دويلات على أساس مناطقي وطائفي تراجعت عنها فيما بعد حيث كان التيار الوحدوي الاندماجي أكبر وأقوى من التيار الانفصالي؛ حتى إن الانفصاليين تراجعوا وانضموا فيما بعد إلى التيار المنادي بوحدة سورية واستقلالها. وعبر عقود أصبحت الدولة السورية حقيقة اجتماعية – اقتصادية – نفسية ودولية – عربية لا يمكن القفز عنها.

يضاف إلى الخبرة التاريخية السابقة أن الجغرافيا السياسية في شمال سورية ضد مشاريع الفدرالية أو الانفصال؛ فالمناطق الكردية متناثرة ولها هويات جغرافية محلية مختلفة ولا تشكل اتصالاً جغرافياً واحداً أو مناطق نقية كردياً بل تتخللها مناطق عربية كثيفة.

إضافة إلى ذلك، لا يشكل الأكراد سوسيولوجياً كلّاً متجانساً، فهم يتكلمون عدة لهجات وينتمون إلى عدة أديان وطوائف (سنة وشيعة وعلويين وإيزيديين)، وينقسمون على المستوى الاجتماعي والطبقي والقبلي (بدو وحضر). ولا يمكن تصنيفهم ضمن فئة لها وجود أنثروبولوجي أصيل وجوهري في سورية؛ فالأكراد وصلوا إلى دمشق في القرن الحادي عشر الميلادي وسكنوا في شمال سورية، في حلب والجزيرة‏[34]. لذلك كونهم ليسوا من أصول هذه المناطق السورية، أي لا يقيمون على «أرضهم التاريخية» بل أتى معظمهم حديثاً من كردستان تركيا، وحسب أستاذ اللغات والتاريخ القديم محمد بهجت قبيسي‏[35]، الذي اعتمد في بحثه على خريطة ابن حوقل النصيبي العربي بشكل أساسي ومصادر تاريخية أخرى، يبين أن أول هجرة للأكراد إلى العراق وتركيا وسورية أتت من الهضبة الإيرانية ما بين أعوام (1508 – 1623م) بسبب الحروب الصفوية – العثمانية ونتيجة لفرض التشيّع الصفوي عليهم ولا سيَّما أن أكثرهم من السنة. ومن ثم هجّروا وكُرّدوا مرة أخرى بموجب فرمانات سلطانية عثمانية من قونية وسنجار والأناضول إلى سورية (عفرين)، أما أكراد ديريك/عين العرب وشرق القامشلي الذين يسمون أكراد الحسنان، فقد أتوا من تركستان الشرقية حسب ما يجادل القبيسي في كتابه الذي يذيّله بملحقٍ من الخرائط المقتبسة من مصادر مختلفة تشمل العصور والحضارات كافة – إيبلان، الآكاديين، البابليين، الآشوريين، الآراميين، العموريين، مروراً بمملكة بابل الحديثة والحكم الفارسي الأخميني إلى الدولة التدمرية – ليدلل في النهاية على عروبة ما يُعرف بأرض كردستان اليوم.

إذاً، هذا الغموض في كونهم أصحاب الأرض التاريخيين، يُضعف في الحقيقة شرعية أي مطالب بالانفصال أو المطالبة بكردستان سورية أو كردستان غربية (روجافا (Rojava)) أو غروب الشمس. بالطبع هذا لا ينفي كون أن المصالح الجيوسياسية للقوى الأوروبية وتركيا استولدت اتفاقية لوزان عام 1923 التي «نسخت» بدورها اتفاقية سيفر عام 1920، هي التي حوّلت الأكراد إلى أقلية عرقية في دول متعددة وحرمتهم من الاستقلال بدولة – أمة كردية. يضاف إلى ذلك التعددية اللغوية والاجتماعية والدينية الكردية والإرث التاريخي والثقافي والرمزي للأفستا‏[36] والشاهنامة‏[37] يجعل من فكرة وجود الأكراد كـ «أمة كاملة» مسألة إشكالية بين وجودهم في الماضي القديم، أكراد «عالم الصور» ووجودهم الراهن «أكراد عالم الواقع». لكن في كل الأحوال يشكل الأكراد جماعة/متحدّ (Community) معترف بها منذ بدايات التأريخ العربي. أما اسم كردستان تاريخياً فيعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، حين أسس الإمبراطور السلجوقي سنجر (1084 – 1157) إقليماً إدارياً في قلب إمبراطوريته سماه «كردستان»‏[38].

أما روجافا أو «كردستان الغربية»، فهو مصطلح استُنبط حديثاً بعد احتلال العراق وتأليف حكومة كردستان العراق وانتعش بصورة أكبر بعد أحداث عام 2011 في سورية مع ما بدا «فرصة سانحة» استباقية لاحتمال تفكك الدولة السورية، ولم يُستخدم في الكتب التاريخية أو الجغرافية أو في أدبيات الأحزاب الكردية السورية ومن ثم أسقط على شمال شرق سورية لاعتبارات أيديولوجية وسياسية. ففي الخريطة التي قدمها القوميون الأكراد للأمم المتحدة عام 1948 لكردستان الكبرى لا يظهر في الخريطة من شمال شرق سورية بما فيها الجزيرة إلا جيب كبير في الجزيرة وآخر صغير في منطقة جبل الأكراد بعفرين‏[39]. كذلك الأمر بالنسبة لـ «جمعية خويبون» خلت خرائطها لكردستان القومية من المناطق السورية التي يقطنها الأكراد ولم يكونوا آنذاك يشكلون أكثرية ديمغرافية فيها كالجزيرة وعين العرب وعفرين، ولا سيّما أن سورية لم تكن ضمن مفهوم الحركة الكردية لكردستان الكبرى‏[40]. غير أن الأكراد يعتبرون أن منطقة الجزيرة تشكل امتداداً لأرض «كردستان الكبرى» معتمدين في ذلك على أعمال مستشرقين غربيين‏[41] أو باحثين أكراد‏[42] على خلاف المصادر التاريخية العربية التي تذكر أن العرب عاشوا في الجزيرة منذ الألف الأولى قبل الميلاد.

خاتمة

بغض النظر عن تاريخ وأسبقية الوجود التاريخي للجماعات البشرية في سورية يحتفظ الجميع بحق المساواة الكاملة بالمواطنة، وفي هذا المساق، يميل الذهن الجمعي والسياسي الكردي بجزء كبير منه إلى حل «المسألة الكردية» في إطار الوطنية السورية بالرغم من عدم تجانس مواقف الأكراد سياسياً. إلا أن مواقف أكراد العراق وتركيا وإيران على المستوى الرسمي خلال أزمة عام 2011 تشكل قطيعة مع «أسطورة كردستان كبرى» عابرة للحدود. وإن كان خيار الفدرالية أو الانفصال يتوقف على التطورات الجيوسياسية للأزمة السورية وتفاعلات المناخ الدولي في الإقليم بما يتعلق بإعادة رسم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ومصالح الدول الإقليمية المهيمنة في ضوء تمدد الإسلام السياسي المسلح في المنطقة، حيث يرى عدد من الباحثين والناشطين في هذا الصدد، أن على الفصائل الكردية أن تبقي وجهتها دمشق بدلاً من العواصم الأخرى، فالمسألة الكردية «تُحلّ في دمشق وليس في أنقرة وطهران وبغداد» بحسب تعبير السياسي الكردي الراحل إسماعيل عمر‏[43]. ولكن في المقابل على دمشق أن تلاقيهم في منتصف الطريق. ولا سيَّما أن دمشق لم تنظر إلى الأكراد إلا بوصفهم مكوناً أساسياً من المجتمع السوري فهم شركاء لا خصوم. ومن ثم عليهم التوقف عن محاولة خلق تاريخ متخيّل للافتراق عن المتخيّل الوطني السوري. ولذلك عليهم العمل على تاريخ الوحدة لا الافتراق واستبدال صورتهم في الماضي المتخيل «الأنثروبولوجي» بماضي متخيل «رمزي» يجعلهم مواطنين أصلاء في سورية الحديثة. ومن ثم على المطالبين بالفدرالية أن ينطلقوا من الفكر الفدرالي بماهيته الديمقراطية التي لا يمكن أن ينمو جنينها إلا في رحم دولة موحدة سليمة من التسمم الداخلي وإلا سيكون مصيرها الإجهاض المتكرر والاعتلال الدائم.

 

قد يهمكم أيضاً  عبد الناصر والوحدة العربية: خبرة الماضي وآفاق الحاضر والمستقبل

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #روجافا #كردستان #كردستان_الغربية #الربيع_العربي #الأكراد #الأكراد_السوريين #سورية #كردستان_سورية #الهوية #أنثروبولوجيا #الأكراد_في_سوريا #دراسات

 

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 463 في أيلول/سبتمبر 2017.

(**) حسام عيسى عبد الرحمن: أكاديمي سوري – فرنسا.

البريد الإلكتروني: houssam@mail2syria.com

[1]الهوية الوطنية السورية، وهي تفتقر إلى أيديولوجيا رسمية خاصة بها «أيديولوجيا وطنية سورية» لكن ذلك لا ينفي وجودها.

[2] James L. Gelvin, Divided Loyalties: Nationalism and Mass Politics in Syria at the Close of Empire (Berkeley, CA: University of California Press, 1998).

[3] انظر حول هذا المصطلح: Nadine Méouchy, «Comment interroger les mobilisations sociales de l’Orient arabe en tant qu’histoire,» dans: Gérard D. Khoury et Nadine Méouchy, dirs., Etats et société de l’Orient arabe: En quête d’avenir, 1945‑2005 (Paris: Librairie orientaliste Paul Geuthner, 2007), tome 2: Dynamiques et enjeux, p. 302.

[4] انظر للتفاصيل حول علاقة الأيديولوجيا بالإقليم: Meriem Ababsa, «Idéologie et territoires dans un front pionnier: Raqqa et le projet de l’Euphrate en Jazira syrienne,» (Doctorat en Géographie, Université de Tours, 2006), p. 19.

[5] تستخدم فاليري باربرة روزو هذا المصطلح لتشرح التوتر الحاصل بين خيار التاريخ وثقله في دراسة دور الماضي في صياغة السياسة الخارجية، انظر: Valérie-Barbara Rosoux, Les Usages de la mémoire dans les relations internationales. Le recours au passé dans la politique étrangère de la France à l’égard de l’Allemagne et de l’Algérie, de 1962 à nos jours (Bruxelles: Bruylant, 2001).

[6] انظر للتفاصيل حول تاريخ المسجد: أبو البقاء عبد الله البدري، نزهة الأنام في محاسن الشام (بيروت: دار الرائد العربي، 1980)، ص 19 – 22، ومحمد كرد علي، خطط الشام (دمشق: مطبعة الترقي، 1926)، ج 5، ص 275.

[7] في هذا البحث نشير إلى سوريا الكبرى بالألف الطويلة وسورية الحالية بالتاء المربوطة.

[8] نرى أن وثيقة «الابتدار العلوي» (العلوي في المجتمع: وثيقة إعلان هوياتي) المنشورة على شبكة الويب في آذار/مارس عام 2016، خطوة متقدمة في هذا الاتجاه حيث أعلنوا فيها أن سلائف الاضطهاد التي تعرضوا لها بعد فتوى ابن تيمية لم تعد عنصراً من عناصر تعريف هويتهم…

[9] الفينيقيون هم الكنعانيون واسم الفينيقيين هو تسمية يونانية كما في تاريخ (هيرودوتس) استعملته أوروبا واقتبسه البعض في سورية ولبنان إبان الانتداب الفرنسي.

[10] Nikolaos van Dam, The Struggle for Power in Syria: Politics and Society under Assad and the Ba’th Party (London: I. B. Tauris, 2011), pp. 1‑2, and Albert Hourani, Minorities in the Arab World (London: Oxford University Press, 1947), pp. 15‑22.

[11] كان للكثير من الفتاوى التكفيرية دور رئيسي في تهميش الأقليات الإسلامية اجتماعياً عبر التاريخ (العلويين والدروز والإسماعيليين)، أهمها فتوى العالم الحنبلي ابن تيمية (1263 – 1328م) وفتوى عام 1317م في عهد المماليك (1250 – 1516م) ولا سيما في عهد المملوكي أمير اللاذقية بهادر عبد الله. وقد صدرت فتاوى في العهد العثماني في المشرق العربي (1516 – 1918م)، أهمها في القرن السادس عشر للشيخ نوح الحنفي والفتوى الثانية كانت عام 1820 للشيخ محمد المغربي، وجدير بالذكر أن الفتاوى أصدرت ضمن مناخ سياسي معين، فالسياسة هي التي كانت تُنتج الفتوى وليس العكس. فالتمييز ضد الأقليات الإسلامية واضطهادهم بعنف كان من ملامح الإمبراطوريتين المملوكية والعثمانية وكان لذلك أثره معظم الزمن اللاحق لتاريخ سورية الحديث، فقد كانوا دائماً بحالة ثورة ضد السلطات المركزية إما بسبب الاضطهاد الديني أو لرفضهم دفع الضرائب العالية، أو لرفضهم التجنيد الإجباري، أو لأنهم يريدون إدارة شؤونهم بأنفسهم…. للمزيد من التفاصيل حول الفتاوى، انظر: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، الفتاوى الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، 1987)، ج 3، ص 503 – 510؛ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي بن بطوطة، رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق وتقديم عبد الهادي التازي، سلسلة التراث (الرباط: مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، 1997)، مج 1، ص 292، ومحمد أمين غالب الطويل، تاريخ العلويين (اللاذقية: مطبعة الترقي، 1924)، ص 331 – 345.

انظر أيضاً: Yevette Talhamy, «The Fatwas and the Nusayri/Alawis of Syria,» Middle Eastern Studies, vol. 46, no. 2 (2010), pp. 175‑194, and Leon Goldsmith, «Syria’s Alawites and the Politics of Sectarian Insecurity: A Khaldunian Perspective,» Ortadoğu Etütleri, vol. 3, no. 1 (July 2011), p. 39.

[12] انظر بهذا الصدد: Chaban Abboud, «Les quartiers informels de Damas: une ceinture de misère,» dans: Baudouin Dupret [et al.], dirs., La Syrie au présent: Reflets d’une société (Paris: Sindbad/Actes Sud, 2007).

انظر بصفة عامة حول التوزع الجغرافي للأقليات: Fabrice Balanche, La Région alaouite et le pouvoir syrien (Paris: Karthala, 2006).

[13] حسب المستشرق النمساوي ألفريد كريمر في دراسته عام 1917 إن اسم حي الأكراد قد أطلق على المنطقة الممتدة بين سهلي برزة والقابون شرقاً ومنطقة أبي جرش غرباً وجبل قاسيون شمالاً وشريط من البساتين تواكبه مع نهر يزيد بن معاوية جنوباً. انظر: عز الدين علي ملا، حي الأكراد في مدينة دمشق بين عامي (1250 – 1979): دراسة تاريخية اجتماعية اقتصادية (بيروت: دار آسو للطباعة والنشر، 1998)، ص 22.

[14] حول اندماج الأكراد تاريخياً في سورية، انظر: فريق باحثين، مسألة أكراد سورية: الواقع – التاريخ – الأسطورة (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، وPaulo G. Pinto, «Les Kurdes en Syrie,» dans: Dupret [et al.], dirs., La Syrie au présent: Reflets d’une société, pp. 259‑261.

[15] كوباني: استمدت اسمها من اسم الشركة الألمانية كومباني (Company) التي أنشأت خط قطار الشرق السريع عام 1912. لكن هذا الاسم غدا لاحقاً (عين العرب) في إطار سياسة التعريب المتبعة في المناطق الكردية وغير الكردية. وأجمع العديد من المسنين في المنطقة عن حكاية هذه التسمية. ويروى أنه كان يوجد في المنطقة نبعان: الأول كان يسمى (كانيا مرشدي) أي (نبع مرشد)، في حين سمي الثاني بـ(كاني عربا) نبع العرب، لأن العرب الرحل كانوا يأتون صيفاً مع مواشيهم إلى المنطقة من وادي الرقة، وكان ذلك النبع مصدر مياههم. وهذا معناه أن سكان المنطقة الأكراد هم الذين أطلقوا اسم عين العرب [يقصد كاني عربا] على نبع يقع ضمن منطقتهم هم.

[16] كان أول رئيس جمهورية في سورية في ظل الانتداب، كردي دمشقي، محمد علي العابد (1932 – 1936). ولقد تسلم ثمانية رؤساء حكومة أكراد بين عامي (1926 – 1962). وهم أحمد نامي بك (1926 – 1928) عطا الأيوبي (1936 – 1943)، نصوحي البخاري الآمدي (25 نيسان/أبريل إلى 15 أيار/مايو 1939) ومن (25 آذار/مارس إلى 19 آب/أغسطس 1943)، حسني البرازي (18 نيسان/أبريل 1942 إلى 8 كانون الثاني/يناير 1943)، محسن البرازي 1949، معروف الدواليبي البهديناني (1961 – 1962). انظر: سعاد أسعد جمعة وحسن ظاظا، الحكومات السورية في القرن العشرين: من عام 1918 لعام 2000 (دمشق: دار عكرمة، 2008).

[17] فريق باحثين، مسألة أكراد سورية: الواقع – التاريخ – الأسطورة، ص 56.

[18] انظر حول استخدام هذا المصطلح: Jordi T. Gorgas «Les Kurdes de Syrie, de la dissimulation à la visibilité?,» Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée: La Syrie au quotidien: Cultures et pratiques du changement, nos. 115‑116 (décembre 2006), pp. 117‑133, et Jordi Tejel, Syria’s Kurds: History, Politics and Society (New York: Routledge, 2009), pp. 83‑84.

[19] Lisa Wedeen, Ambiguities of Domination Politics, Rhetoric, and Symbols in Contemporary Syria (Chicago, IL: University of Chicago Press, 1999).

[20] ديفيد مكدول، تاريخ الأكراد الحديث، ترجمة راج آل محمد (بيروت: دار الفارابي، 2004)، ص 714.

[21] Soner Cagaptay, «Arab Spring Heats up Kurdish Issue,» The Washington Institute, (March 2012).

[22] Philippe Rondot, La Syrie, coll. que sais-je, 2ème éd (Paris: Presses universitaires de France,1993).

[23] Tejel, Syria’s Kurds: History, Politics and Society, pp. 62‑68.

[24] وهو منطقة مساحتها 3001911 دونم حسب دراسة مكتب الفلاحين القطري لحزب البعث عام 1966، تمتد من المالكية على الحدود الإدارية بين الحسكة والرقة، وبين قريتي تل جليلة وراجان بعمق عشرة كم، ويقطنها حوالى 20 ألف من الأكراد المهاجرين من تركيا والعراق والمسجلين أجانب. لمزيد من التفاصيل حول مشروع الحزام العربي، انظر: فريق باحثين، مسألة أكراد سورية: الواقع – التاريخ – الأسطورة، ص 38 – 42. مصادر أخرى تتحدث عن منطقة بطول 350 كم وعمق 15 كم، انظر: Myriam Ababsa, «Frontières de développement en Syrie: l’adaptation du projet Baathiste aux logiques tribales dans le front pionnier de la Jazira,» dans: A Contrario, Frontières au Moyen Orient, sous la direction de Riccardo Bocco et Daniel Meier, vol. 3, no. 2 (février 2005), p. 18.

[25] Human Rights Watch-Middle East, Syria: The Silenced Kurds (3 October 1996), vol. 8, no. 4 (1996), p. 49. <http://www.hrw.org/en/reports/1996/10/01/syria-silenced-kurds>. (accessed 22 April 2014).

[26] إجمالي العائلات المنتقلة جراء الغمر: 60 ألف من العرب من ضمنهم 25 ألفاً من الفلاحين بين عامي (1972 – 1977). و30 ألفاً من الأكراد انتقلوا بين عامي (1965 – 1975). انظر: Jean-François Pérouse, «Les Kurdes de Syrie et d’Irak: Dénégation, déplacements et éclatements,» Espace Population Société, Les populations de l’Orient arabe (Université Lille I), no. 1 (1997), p. 79, et Myriam Ababsa, «Idéologie spatiale et discours régional en Syrie,» dans: Alessia de Biase et Christina Rossi, dirs., Chez nous: Identités et territoires dans les mondes contemporains (Paris: Editions de la Villette, 2006), p. 241.

[27] تجدر الملاحظة أن بعض الباحثين الغربيين، والأكراد بصفة خاصة، يربطون بين مشروع الحزام العربي وإحصاء الحسكة 1962 واعتبار هذه السياسات مبدأ رسمياً لدى الدولة في عهد الأسد بالرغم من أنهما تمّا في ظل أنظمة وعهود مختلفة؛ فالإحصاء تم في عهد الانفصال والحزام العربي طرح قبل حافظ الأسد وكان سياسات خطابية غير تنفيذية، انظر مثـلاً: Gorgas «Les Kurdes de Syrie, de la dissimulation à la visibilité?,» pp. 117‑133, et Caroline Donati, L’Exception syrienne entre modernisation et résistance (Paris: La Découverte, 2009), pp. 305‑306.

[28] البداية في 12 آذار/مارس نتيجة مواجهة عنيفة إثر مباراة كرة قدم بين مشجعين عرب لفريق دير الزور ومشجعين أكراد لفريق القامشلي ومن ثم تحولت إلى أحداث شغب ذهب ضحيتها عشرات القتلى.

[29] ما بعد – البعثية هي البعثية المخففة من الأيديولوجية والعقائدية وقد أصبحت مع إلغاء المادة الثامنة ودستور 2012 أكثر انفتاحاً تجاه التعددية والديمقراطية. وهي بدأت مع الانفتاح حيال المجتمع المدني للّبرلة المجتمع وإعادة إحياء مشاركته السياسية، حيث تضاعف عدد الجمعيات المرخصة (ازدادت من 555 جمعية عام 2002 إلى 1485 عام 2010) بينما لم يرخص لأكثر من خمسين جمعية بين عامي 1963 – 2000.

[30] الأجانب مسجلون بدوائر الأحوال المدنية أما المكتومون فليس لهم أي قيد، حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان عام 1996 يقدر عدد الأجانب 67.465 والمكتومين 75.000. انظر: Human Rights Watch-Middle East, Syria: The Silenced Kurds, p. 20.

[31] Donati, L’Exception syrienne entre modernisation et résistance, p. 306.

[32] الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي، سكرتيره عبد الحميد درويش منذ عام 1965؛ الحزب الديمقراطي الوطني الكردي في سورية، سكرتيره طاهر سعدون منذ عام 1988؛ حزب المساواة الديمقراطي الكردي، سكرتيره عزيز داود منذ إنشائه عام 1992؛ حزب آزادي، سكرتيره خير الدين مراد منذ تأسيسه عام 2005؛ الحزب اليساري الكردي في سورية، محمد موسى محمد؛ حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية يكيتي، سكرتيره محي الدين شيخ آلي منذ عام 1993؛ حزب يكيتي في سورية وهو حزب يساري، سكرتيره إسماعيل حمي؛ الحزب الديمقراطي الكردي في سورية – البارتي وهو حليف الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، جناح عبد الحكيم بشار وهو سكرتيره منذ عام 2007؛ الحزب الديمقراطي الكردي في سورية – البارتي، جناح نصر الدين إبراهيم وهو سكرتيره منذ عام 2007؛ الحزب الديمقراطي الكردي السوري، سكرتيره جمال محمد شيخ باقي منذ عام 1997؛ تيار المستقبل الكردي في سورية، الناطق باسه مشعل التمو منذ عام 2005 حتى اغتياله في عام 2011؛ البارتي الديمقراطي الكردي في سورية، سكرتيره عبد الرحمن ألوجي منذ تأسيسه في عام 2004؛ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي ويرأسه صالح مسلم محمد؛ الوفاق الديمقراطي الكردي في سورية – ريفكتين، سكرتيره فوزي إبراهيم منذ انشقاقه عن حزب الاتحاد الديمقراطي في عام 2004.

[33] انظر: بكر صدقي، «استراتيجية النظام تجاه الكرد في الثورة السورية وغيابها لدى المعارضة،» في: مجموعة من الكتّاب، استراتيجية سلطة الاستبداد في مواجهة الثورة السورية (دمشق: مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية، 2014)، ص 43.

[34] Rondot, La Syrie, p. 19.

[35] محمد بهجت قبيسي، الأكراد والنبي: دراسة في تاريخ الأكراد وجغرافيتهم (دمشق: دار طلاس، 2014).

[36] هو الكتاب المقدس للديانة الزردشتية، يقدّر ظهوره في الألف الأول قبل الميلاد ويعَدّ أقدم وثيقة تحتوي على معطيات تاريخية وثقافية تشمل جوانب الحياة المختلفة للشعوب الآرية من الفرس والكرد والأفغان والأرمن والطاجيك. انظر بهذا الصدد: أفستا: الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، إعداد خليل عبد الرحمن، ط 2 (دمشق: روافد للثقافة والفنون، ط2، 2008.

[37] الشاهنامة (Shahnameh) أو كتاب الملوك للشاعر الفارسي أبي القاسم الفردوسي (953 – 1020م)، وهي نص نثري يعتبر أحد كلاسيكيات الأدب العالمي وتضم صوغاً لملاحم الفرس الكبرى وتحتوي على سرديات كثيرة ذات صلة بالثقافة الكردية، ما ينبئ أن التاريخ الكردي كما التاريخ الفارسي موغل في القدم. انظر: أبو القاسم منصور بن فخر فردوسي، الشاهنامة، ترجمة الفتح بن علي البنداري؛ تحقيق عبد الوهاب عزام، ط 2 (الكويت: دار سعاد الصباح، 1993)، ج 1.

[38] فرهاد بيربال، دراسات في تاريخ الكورد، ترجمة ته رزه فائق الجاف (بيروت: كاوا للثقافة الكردية، 1998)، ص 38.

[39] Martin van Bruinessen, Agha, Shaikh, and State: The Social Political Structures of Kurdistan (London; New Jersey: Zed Book Ltd., 1992), pp. 11‑12.

[40] فريق باحثين، مسألة أكراد سورية: الواقع – التاريخ – الأسطورة، ص 64. انظر: محمد جمال باروت، التكوين التاريخي الحديث للجزيرة العربية: أسئلة وإشكاليات التحول من البدونة إلى العمران الحضري (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014)، ص 799 – 800.

[41] انظر على سبيل المثال كتابات بيير راندو (1904 – 2000): Pierre Rondot, Les Tribus montagnardes de l’Asie antérieure: Quelques aspects sociaux des populations kurdes et assyriennes (Le Caire: Institut français d’archéologie orientale, 1937).

[42] على سبيل المثال أعمال جلادت علي بدير خان (1893 – 1951) كردي ولد في إسطنبول ودرس في ألمانيا كان دبلوماسياً وصحافياً وناشطاً سياسياً مختصاً باللسانيات. توفي في دمشق. انظر عمله مع المستشرق الفرنسي روجيه ليسكوت (1914 – 1975): Djeladet Bedir Khan et Roger Lescot, Grammaire kurde: dialecte kurmandji (Paris: J. Maisonneuve, cop. 1991).

[43] دارا عبد الله، «الأكراد في سورية: حيرة بين وطنية سورية وقومية كردية،» في: مجموعة من الكتّاب، استراتيجية سلطة الاستبداد في مواجهة الثورة السورية، ص 76.


بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز