١٥ سبتمبر هو الموعد الذي أعلنته إسرائيل لبدء عمليات استخراج الغاز من الحقل المتنازع عليه مع لبنان بغض النظر عن التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، وقد هدد حسن نصر الله أمين عام حزب الله بقصف المنصة الإسرائيلية عندما تبدأ عملها، ومن هنا يبدو ١٥سبتمبر مرشحاً لكي تحل فيه ساعة صفر لحرب جديدة بين إسرائيل ولبنان أو بالأحرى بين حزب الله وإسرائيل، ولن يتم تفادي الحرب إلا بنجاح جهود تسوية النزاع التي دامت ١٥عاما دون جدوى وينخرط فيها حالياً مبعوث أمريكي، وقد أوجدت اكتشافات الغاز في شرق المتوسط نوعين من نماذج التفاعلات أولهما صراعي ارتبط بخلافات حول ترسيم الحدود البحرية بين بعض دول الإقليم كما في التفاعلات التركية مع اليونان وقبرص والتفاعلات الإسرائيلية مع فلسطين ولبنان، والثاني تعاوني كما في التفاعلات المصرية مع اليونان وقبرص وإسرائيل وفي إطار منتدى الغاز لشرق المتوسط بصفة عامة، ونواجه الآن احتمالات تفجر إحدى بؤر صراع الغاز في المنطقة بين لبنان وإسرائيل بسبب إصرارها حتى الآن على استخراج الغاز من حقل متنازع عليه في ظل وجود قوة ردع عازمة على الرد حال تنفيذ إسرائيل نيتها، وقد أصدر مركز دراسات الوحدة العربية تقدير موقف للاحتمالات المختلفة لتطور الأزمة في إطار ما يصدره من تقديرات موقف قيمة لأهم الأزمات الإقليمية والدولية التي تعنينا كعرب، وقد تضمن هذا التقدير إشارة إلى التصرفات التي أقدم عليها الطرفان لإثبات جدية موقفيهما، فأرسل حزب الله طائرات مسيرة غير مسلحة فوق منصة استخراج الغاز الإسرائيلية، وبث أشرطة إحداثيات المنصة في مرمى صواريخه لإثبات قدرته على الوصول إليها، وردت إسرائيل بإعلان ربط الحقل بشبكة الصواريخ وأنظمة الدفاع البحري والجوي، والتذكير بما يُسمى بعقيدة الضاحية التي تعني تدميراً كاملاً لبنية المقاومة عمرانياً واجتماعياً وبشرياً في جنوب بيروت، وهي تصرفات معتادة تلجأ إليها الأطراف التي تدخل في مباريات الردع المتبادل لإثبات صدقية تهديداتها، وتنطوي عادة على خطورة عالية خاصة وأن الأطراف تحرص على الإيحاء بعدم رشادتها وأنها يمكن أن تفعل أي شئ دون أن تعبأ بالتداعيات المترتبة على أفعالها، كما تفعل الصين عادة عندما تبدي غضبها من المواقف الأمريكية تجاه تايوان بإرسال طائراتها وسفنها لاختراق المجالين البحري والجوي للجزيرة التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الأرض الصينية.

ومع ذلك فقد رصد تقدير الموقف ما يفيد بأن ثمة عوامل قد تقود إلى طريق العقل، بمعنى أن يتم التوصل إلى التسوية الغائبة للنزاع أو الأمل في ذلك بما قد يؤجل ساعة الصفر أي ساعة بدء استخراج الغاز من الحقل المتنازع عليه، ومن هذه العوامل أن إسرائيل تدرك بالتأكيد أن موقف حزب الله وإن كان لا يعبر عن لبنان الرسمي بالضرورة أو يحظى بإجماع شعبي إلا أنه يتمتع بما يشبه الإجماع لأنه لا يرتبط بقضية خلافية لبنانياً كقضية علاقة الحزب بإيران أو تدخله في الصراع في سوريا لصالح نظام الأسد، وإنما بقضية وطنية بامتياز، وهي حق لبنان في استغلال ثرواته خاصة في زمن أزمة خانقة تعصف بالكيان اللبناني، ومن ناحية ثانية فإن إسرائيل تدرك جيداً أن حزب الله لديه قدرة على إلحاق الضرر بها بغض النظر عن قدرتها على الرد الموجع الذي تعلم جيداً أنه مهما بلغ لن يفضي إلى اجتثاث الحزب من الخريطة اللبنانية، ولها في هذا تجربة ٢٠٠٦ التي تمثل قوة الحزب فيها٢٠٪‏ من قوته الحالية، ولعل هذا يفسر التقارير التي ذهبت إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تضغط من أجل ترك اللبنانيين يستفيدون بثرواتهم مما يخلق أوضاعاً طبيعية قد تضعف من قاعدة القوة التي يتمتع بها الحزب حالياً على أساس أنه المدافع الوحيد أو الأقوى عن المصالح الوطنية اللبنانية، بينما لو تفجرت الأزمة وحقق فيها الحزب إنجازاً سوف تزيد شعبيته ربما إلى آفاق غير مسبوقة، بينما يخشى رئيس الوزراء الحالي بالتأكيد من أي أضرار يمكن أن تلحق بإسرائيل بسبب التصعيد عشية انتخابات برلمانية حاسمة بالنسبة لمستقبله السياسي، ويزيد من هذه الكوابح على التصعيد الإسرائيلي أن الظروف الدولية الراهنة غير مشجعة على الإطلاق لتفجر حرب في منطقة غنية بالطاقة في وقت تتلهف فيه أوروبا والولايات المتحدة على إيجاد بدائل لمصادر الطاقة الروسية، ومع ذلك لا يمكن استبعاد سيناريو الحرب لأن الصقور موجودون في إسرائيل دائماً، وهم يتحدثون عن حرب تدوم لأيام قليلة يتم فيها فرض الاستسلام على لبنان، وهو سيناريو شديد التبسيط يتجاهل دروس الخبرة الماضية لصراع الحزب مع إسرائيل سواء ما يتعلق منها بإجبار قواتها على الجلاء من الشريط الجنوبي المحتل في ٢٠٠٠ أو خبرة حرب ٢٠٠٦، وكذلك يتجاهل عمقه الاستراتيجي في سوريا والعراق وإيران.

ثمة أمل إذن في تفادي الحرب، وهو أمل يستند إلى التفكير الرشيد، فهناك أولاً حق لبناني لا شك فيه، وهو حق موضع نزاع من حيث نطاقه الجغرافي وليس وجوده، ومن حسن الحظ أن القانون الدولي للبحار الذي أقرته الأمم المتحدة ينظمه، ومن مصلحة إسرائيل التي تسعى بكل السبل للاندماج في المنطقة أن تقبل بقواعده، ومن مصلحتها كذلك أن تتفادى أضراراً أكيدة ستلحق بها لو تفجر النزاع عسكرياً، خاصة وأن خصومها ليس لديهم ما يخسرونه، كما أن الرسالة التي ستوجهها لشعوب المنطقة والعالم إن هي أصرت على سلوك لا سند أكيداً له من القانون سوف تحمل دلالات بالغة السلبية لمستقبلها في المنطقة خاصة وأن قضية القضايا، وأعني بها فلسطين، مازالت قنبلة موقوتة تهدد كل ما تحقق على طريق السلام حتى الآن، ولعل الزيارة الوشيكة للمبعوث الأمريكي الخاص بتسوية هذا النزاع تحمل رسائل إيجابية للمستقبل.

 

وكان مركز دراسات الوحدة العربية قد نشر تقدير موقف حول الموضوع.. اضغطوا على الرابط للاطلاع عليه

غاز شرق المتوسط وسيناريوهات حرب لبنانية – “إسرائيلية”

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #غاز_شرق_المتوسط #حقل_كاريش #الصراع_على_الغاز #الصراع_على_الغاز_بين_لبنان _وإسرائيل #الحرب_المحتملة_بين_لبنان_وإسرائيل