«إذا كنا نملك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة،

فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي التوراتية»

موشي دیان[1]

مقدمة:

انطلاقًا من هذه المقولة يمكن القول إن سياسات الاحتلال الإسرائيلي نابعة من البعد الديني الذي لا يخلو من التعصب للأصل اليهودي، وعلى مدى سنوات تداخلت العديد من القضايا التي لم تخلُ من التطرُّف والعدوان الذي تم تبريره بمعتقدات ترسخت في أذهان الإسرائيليين الذين لم يلبثوا لحظة واحدة بغية السيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية تحت مسميات كثيرة يُرجعونها إلى التوراة وأوامر الله، كلّها مزاعم تخدم الصهيونية السياسية وتستغل تعصب المتديّنين اليهود لتحقيق مصالحها. فنجد مثالًا حيًّا من التاريخ، إذ إنه في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 اغتال إيغال عامير إسحاق رابين بأمر من الرب ومن جماعته المسلحة، التي تنادي بإعدام كل من يفرّط في الأرض الموعودة «ليهودا وسامرا» (الضفة الغربية حاليًا) ويسلمها للعرب[2].

ومنذ إعلان قيام دولة «إسرائيل» المزعومة في أيار/مايو 1948 تتأرجح فكرة كتابة دستور قِوامه اليهودية بين القبول والرفض. والجاذب في الأمر أنّ الأقليات المعارضة إسرائيلية، وقد شمل الانقسام الأحزاب السياسية أيضًا. وعليه جاءت فكرة دراستنا للتعمُّق في الأسباب والدوافع السياسية والدينية التي جعلت قيام الدستور مجرّد فكرة، لم تدوّن بعد. رُغم ذلك وافق الكنيست عام 1950 على قانون هراري بوصفه دستورًا قائمًا على عدة فصول لكنه لم يأخذ المعنى الرسمي، وظل الأمر محصورًا في دستور «إسرائيل» المسمّى قوانين الأساس.

الطرح الديني- السياسي الذي سنتناوله في ورقتنا البحثية سيشمل الدوافع والأسباب التي عرقلت كتابة الدستور الإسرائيلي، بالرغم من أنّها تغلغلت داخل فلسطين واغتصبت أراضيها بالقوة، والكثير من الدول الغربية منحتها شرعية قيام مؤسساتها، وكذا بعض الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع هذا الكيان علنًا. وعليه، تُعَدّ السياسات الداخلية والفواعل الاجتماعية التي تتبنى معتقدات معينة سببًا في البحث الدائم عن بدائل للدستور تقوم بالأدوار نفسها. فالانقسام أخذ أبعادًا دينية مُسيّسة في وجود أقليات تُطالب بالعلمانية، فأين هو الوجود اليهودي بوصفه المقوّم الأساسي لبلوغ أرض الميعاد؟

الإشكالية: تدور إشكالية دراستنا حول الغموض الذي يكتنف السياسات الإسرائيلية، فكيف للمؤسسات الرسمية أن تعجز عن فرض قراراتها أمام أقليات وجب أن تكون تابعة للقومية اليهودية، والأمر الآخر يتمحور حول أبعاد ما يُعرف بقوانين الأساس، وهل اختلال التسميات دليل على اختلاف المضامين، أم هي مُجرّد تفاصيل تمويهية لتعزيز فكرة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنّ للدمقرطة أبعادًا أخرى لا تنحصر فقط في وجود دستور مكتوب؟ ورغم هذا التناقض أصرّت بعض الدول على مُساندة قيام «إسرائيل» وحقّها التاريخي المزعوم في اغتصاب فلسطين والتركيز بالأكثر على مقوماتها الدينية، كالمسجد الأقصى مثلًا ومنه لماذا لم تضع «إسرائيل» دستورًا يحفظ قوميتها من التزعزع؟ أم أن هناك أقليات من داخل المستوطنات ترفض من الأساس الوجود الإسرائيلي وفي الوقت نفسه تسعى للحفاظ على يهوديتها؟

الفرضية: يُعَدّ الدستور أولى لبنات الأنظمة الديمقراطية، وعليه «إسرائيل» دولة لادستورية فُرضت بالقوة من أجل ترسيخ أبعاد أخرى للاستبداد في المنطقة العربية.

المنهج: تعتمد دراستنا على المنهج البرغماتي الذي تمخّض عن مذهب البرغماتية الذي يرجع بدوره إلى مؤسس المنطق الرمزي (تشارلز ساندرس بيرس)، والذي ينطبق بدوره على عالم الفكر الذي يتفق مع المنطق العملي عند «كانط» في ما يُعرف بالقوانين الأخلاقية، الذي في النهاية يقودنا إلى فن التفكير الواقعي عند «بيرس» الذي اهتم فيه بالمنهج البرغماتي، فهو الفن الذي يجعل التصورات واضحة[3].

هذا ما سيتم إسقاطه على دراستنا، فـ«إسرائيل» تعتمد المنهج البرغماتي الواقعي، إذ إن مصالحها ذات أولوية مهما كانت النتائج، وهذه الأخيرة تخدم نفوذها وسيطرتها، ما يقودها إلى تحقيق تصوراتها بشأن أرض الميعاد، لكن الفكر الإسرائيلي لا يعتمد على البعد السياسي بمعزل عن البعد الديني، بل يُقيّده بالبعد الديني والأخلاقي الذي يخدم أولوياتها أيضًا.

الدراسات السابقة: تناولت عدة دراسات أهداف قانون الأساس الإسرائيلي والمبادئ التي قام عليها، لكنها لم تتطرق إلى الأسباب التي منعت «إسرائيل» من إدراج دستور مكتوب، ومن بين الدراسات المهمة في هذا السياق:

مقال للكاتب والسياسي المتخصص بالشأن الإسرائيلي برهوم جرايسي تحت عنوان: «تقلبات صيغة قانون القومية تكشف تنمُّر وتمدد اليمين الاستيطاني»، قضايا إسرائيلية، العدد 71: تطرق الكاتب في مقاله إلى قانون القومية من حيث تاريخ ظهوره وبالضبط خلفيته التاريخية ومتى تمّ طرحه لأوّل مرة والمبادئ التي قام عليها والتي تتمركز في أساسها على اعتبار أرض «إسرائيل» الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وموقف الأحزاب الصهيونية السياسية والدينية من هذا القانون، وكذا قانون وثيقة الاستقلال الذي يُعَدّ الأساس والمُنطلق. وما يُميز دراستنا عن هذا المقال هو التطرق إلى الأبعاد السياسية والدينية التي دفعت «إسرائيل» إلى إدراج قانون الأساس عوضًا من الدستور، هذا الأخير الذي يُعَدّ حجر أساس في صيرورة العملية الديمقراطية وهو ما يطرح نقاطَا كثيرة متناقضة باعتبار أنّ «إسرائيل» هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط بحسب الطروحات الغربية البرغماتية.

– Mark Goldfeder, «The State of Israel’s Constitution; A Comparison of Civilized – Nations,» Pace International Law Review: vol. 25:

هذا المقال للكاتب مارك غولدفيدير، محاضر أول في كلية الحقوق بجامعة ولاية جورجيا، تحت عنوان: «دستور دولة إسرائيل، مقارنة بين الدول المتحضرة»: حاول الكاتب في مقاله التطرق إلى دور القضاء الإسرائيلي في تطبيق القانون، وكذا عن مشروع الدستور الذي لم يكتمل إلى اليوم، انطلاقًا من نهاية الانتداب البريطاني وحتى النقاشات التي أدت إلى اتفاق عملي عرف باسم «قرار هراري». وعليه، تمّ الاعتماد على جزئية محددة من المقال التي تخدم دراستنا من دون التطرق إلى بقية الجزئيات. وما يُميز دراستنا هو التطرق إلى الأسباب التي جعلت الديمقراطية هشة ومدى ارتباطها بعدم صوغ الدستور واللجوء إلى قانون الأساس كبديل يخدم «إسرائيل» للتغطية على انقساماتها الاجتماعية ومشاكلها الداخلية.

أولًا: البعد السياسي لدستور «إسرائيل» اللامكتوب

تؤسس البنود المختلفة لقانون الأساس الإسرائيلي لفوقية قومية رسمية شمولية في القاعدة الدستورية في إسرائيل، من خلال تحديدها أنّ الأصل القومي اليهودي يُمثِّل قاعدة التمتع بالامتيازات التي تنبع من هذا البند أو ذاك، من دون توفير ترتیبات موازية للمواطنين الفلسطينيين، أي حسم النقاشات القيمية والأيديولوجية حول بلورة دستور مستقبلي في «إسرائيل» من خلال قطع الطريق على النقاشات الجماهيرية، وكذلك توسيع حالة التمييز العميقة بين اليهود والفلسطينيين في البلاد، أو إعادة إنتاجها من خلال إطار دستوري رسمي فوق قانوني، أي أنّ القانون يُعمِّق التمييز بين اليهود والفلسطينيين في «إسرائيل» من خلال إرساء تشريعات تمييزية في ترتيبات دستورية رسمية، ولا يقتصر التمييز على المجالات الرمزية كتعريف الدولة ورموزها فحسب، بل يمضي إلى ما هو أخطر بتغلغله في المجالات التي تلامس جذور المكانة القانونية للفلسطينيين: تقرير المصير؛ الهجرة؛ المواطنة؛ الأراضي؛ الثقافة؛ الدین، وغيرها[4].

ما يمكن استنتاجه ههنا أنّ قانون الأساس هو بمنزلة شمّاعة تُعلّق عليها «إسرائيل» الامتيازات التي توّلد المزيد من العنصرية من خلال منح الأولوية لليهود على حساب الفلسطينيين الذين لهم الأحقية في الأرض، لكن الاحتلال الإسرائيلي اختار العمل على سياسات مختلفة لا تخضع للدستور المكتوب الذي يفرض عليها تطبيق القواعد الديمقراطية وتقاسم الحقوق مع الشعب الفلسطيني، وحتى لو تمّ وضع الدستور فلن يُعَدّ دستورًا، لأنّ «إسرائيل» لن تخرج عن نطاق كونها مُستعمرًا سلب الكثير تحت مسميات أيديولوجية وأفكار مغلوطة.

وعليه سنحاول في هذا المحور التطرق إلى عنصرين أولهما خاص بالمشكلة الديمقراطية التي تحاول «إسرائيل» التغطية على انتهاك مبادئها وكذا محاولة تبني سياسات عنصرية لإخفاء حجم الانقسامات التي تعيشها داخل المستوطنات.

1 – إشكالية الديمقراطية

في الأنظمة الديمقراطية يتم اللجوء إلى الدستور بوصفه الوسيلة الأولى التي تحمي الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف أطياف الدولة، لكن في الحالة الإسرائيلية نجد تملّصًا من كتابة الدستور والاعتماد على قوانين منبعها وثيقة الاستقلال، هذا ما يُثبت أنّ الاحتلال الإسرائيلي يتبنى الدكتاتورية بحذافيرها من خلال طمس حقوق الفلسطينيين في مقابل حماية اليهود والدفاع عن أحقيتهم في أرض الميعاد بوضع تدابير واتخاذ قرارات تحمي الأساسات التي قامت عليها «إسرائيل» الكولونيالية.

وقد استخلص عالم الاجتماع اليهودي جرشون شفير في مقال له بعنوان «أرض وعمل وسكان في الاستعمار الصهيوني: جوانب عامة وخاصة»، أن الحركة الصهيونية احتقنت، ومنذ البدايات الأولى لمشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين، بطابع استعماري – كولونيالي، إزاء الفلسطينيين سُكّان البلد الأصلانيين. ومن الإثباتات المبكرة على هذا الاحتقان يستشهد المؤلف بوقائع المواجهة التي حدثت بين آباء الهجرة اليهودية الأولى وآباء الهجرة اليهودية الثانية (وهما الهجرتان اللتان ترتّب عليهما مشروع الحركة الصهيونية لسرقة فلسطين) حيال ما ينبغي أن تكون عليه المقاربات الصهيونية إزاء شعب فلسطين، أي توصل إلى نتيجة مفادها أن تلك الوقائع لم تكن، في جوهر الأمر، أكثر من مجرد اختلاف بين بدائل مختلفة للاستعمار الكولونيالي في سبيل اعتماد «البديل الأفضل» لإنجاز استعمار فلسطين، كولونياليًا، من طرف الحركة الصهيونية وتيارها الرئيسي المتمثل بـ«حركة العمل»[5].

كما قال المعلّق القضائي زئيف سيغل في مسألة الديمقراطية التي لا تستند إلى قانون مكتوب أو إلى دستور: «إنّ الدفاع عن حقوق الفرد في مهمة المحاكم العليا، حتى في غياب قانون مكتوب… والمحكمة تقوم بذلك، إذ تتوجه إلى إعلان الاستقلال، الذي يشكل المصدر القضائي الأساسي الذي يحدد واجبات الدولة في الدفاع عن حقوق الفرد الأساسية»، أي الاعتماد على الوثيقة الأولى لإعلان الاستقلال في كل قوانينها، وذلك في غياب قانون مكتوب حتى اليوم[6].

يمكن القول إنّ المرجع الأوّل للسياسات الإسرائيلية وقوانينها التي تتنافى ومبادئ الديمقراطية العالمية هو وثيقة الاستقلال، فـ«إسرائيل» فُرضت بمنطق القوة والتحايل على القوانين الدولية، وها هي «إسرائيل» اليوم تتحايل على مبادئ الدمقرطة وحقوق الإنسان بِمَا يتمشّى وسِماتها الكولونيالية التي منذ نزولها على الأراضي الفلسطينية وهي تُحاول فرض أيديولوجياتها استنادًا إلى أبعاد سياسية ودينية بعيدة كل البعد من سمات الديمقراطية، وقريبة كل القرب من السمات العنصرية والإمبريالية.

2 – الانقسام الاجتماعي والسياسي

أجريت أول انتخابات وطنية إسرائيلية في أوائل عام 1949، بهدف تكوين الجمعية التأسيسية بدلًا من الهيئة التشريعية الوطنية. كانت النية المعلنة في ذلك الوقت للممثلين الذين تم اختيارهم لصوغ دستور فوري للوطن القومي اليهودي الذي ولد من جديد. وبرغم ذلك أظهرت التجربة بسرعة كبيرة أنّ التوقعات كانت غير واقعية من أجل الاتفاق على دستور، إذ كان من الضروري حل القضايا ذات الأهمية الأيديولوجية، لأنّ مناقشة تلك الأسئلة بالذات ستشدد على الجدل في وقت كان الانسجام الوطني ذا أهمية حيوية، وكذا التخوُّف من اصطدام الأرثوذكس المتدينين بالعلمانيين. وكان الليبراليون على النمط الغربي يتجادلون بلا نهاية مع الاشتراكيين العقائديين، إلى أن أدركوا أنه لا توجد طريقة للتوصل إلى اتفاق على المبادئ الأساسية[7].

هذه الفقرة تُعَدّ بمثابة حجّة للتهرّب من صوغ الدستور، وأسهل طريقة هي التشبّث بالصراع السياسي والأيديولوجي بين مختلف الفئات بالمجتمع الإسرائيلي، إذ دائمًا ما يتم اللجوء إلى الجدل والاحتقان في الآراء من أجل مواصلة السياسات غير الشرعية بالاختباء تحت عباءة زعزعة الاستقرار الوطني، هذا الأخير الذي تم اختلاسه من مواطنيه الأصليين، من الشعب الفلسطيني الذي سُلبت منه حقوقه.

إضافة إلى الجدل السياسي الحاصل هناك تخوّف دائم من انحسار التضامن في المجتمع الإسرائيلي، فالانقسام الذي طال أمده بين اليهود والعرب لا يزال يُمثّل أعمق هوّة في إسرائيل، في حين أنّ المواطنين ينظرون إلى الانقسام بين اليسار السياسي واليمين، وهذا الصراع المتصور بين اليسار واليمين هو نتيجة لتقلص المجال العام الناجم عن نزع الشرعية عن المعارضة، إذ انتقلت على مدى السنوات الست الماضية أصوات من هوامش الجناح اليميني إلى مركز السلطة، وأعادت تشكيل الخطاب العام، وقد خلق هذا مناخًا ينزع الشرعية عن انتقاد سياسة الحكومة، وفي استطلاع معهد الديمقراطية الإسرائيلي لعام 2014 أظهر أنّ 46 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب منع الانتقادات العلنية القاسية[8].

يعود عدم وجود دستور مكتوب في «إسرائيل» تلافيًا لتحديد حدود الدولة بحيث تبقى مفتوحة للتوسع والضم، وتلافيًا لتحديد العلاقة بين الدولة ومواطنيها حيث تعتبر «إسرائيل» نفسها دولة الشعب اليهودي بعامة، من يسكن فيها ومن لا يسكن فيها، في حين لا تعَدّ دولة مواطنيها الأصليين من غير اليهود أي العرب بالرغم من أنهم السكان الأصليون، يحملون جواز سفر الدولة الإسرائيلية منذ قيامها عام 1948 [9].

وضع دستور يعني أن يتم تقبل التعايش بين العلمانيين والمتدينين وتقاسمهم للسلطة، هذا ما يمكن استخلاصه من كل ما سبق. لكن التصادم في الآراء والرغبات منع تحقيق ذلك، رغم أن هذه لا تعَدّ أسبابًا مقنعة أكثر منها تهربًا من الاعتراف بحق الفلسطينيين في رسم حدودهم، وتقاسم أرضهم مع الاحتلال الإسرائيلي، علمًا أنّ الطرف الفلسطيني لم ولن يعترف بدولة «إسرائيل» المزعومة، والصراعات الداخلية خادمة للمصالح الإسرائيلية، فنهجها البرغماتي يفرض عليها عدم وضع دستور يُقيّد تحركاتها بسلسلة من السياسات التي تعيق مخططاتها الاستيطانية، والجدل حول الدستور اليوم هو بمثابة غطاء أمام العالم لتشتيته عن انتهاكات «إسرائيل» في حق الشعب الفلسطيني، وتحويل الرأي العام العالمي حول المشاكل السياسية والتحديات التي تُعرقل مسارات الدمقرطة.

ثانيًا: البعد الديني لدستور «إسرائيل» اللامكتوب

منذ نشأة دولة «إسرائيل» عام 1948، وهي من دون دستور إلى يومنا هذا، على الرغم من طرح هذه القضية في الكنيست. إلّا أنّ الأحزاب غير الدينية لم تتمكن من اعتماد ذلك الدستور، نتيجة معارضة الأحزاب الدينية بشدة وضع دستور جديد، بحجة أنّ العقيدة الدينية اليهودية ممثلة بالتوراة يجب أن تكون هي الدستور، حيث قال أحد نواب الكتلة الدينية في الكنيست: «إذا كان الدستور مطابقًا للتوراة فإنه يكون دستورًا طيبًا ولكن وضعه يصبح ضربًا من ضروب العبث… وإذا لم يكن مطابقًا للتوراة كان دستورًا سيئًا»[10].

أي أن المتدينين يرفضون فصل الدين عن الدولة من أجل علمنتها، هذا ما يتم كشفه وتداوله، وعليه سنحاول في هذا المحور التعمُّق أكثر في البعد الديني وعلاقته بالانقسامات والصراعات العرقية والأيديولوجية داخل المستوطنات الإسرائيلية، ولماذا تعَدّ عائقًا أمام كتابة الدستور؟

1 – الانقسام الديني العرقي

أوضح بن غوريون فيما مضى أنّ موقف المجتمع الإسرائيلي تجاه مسائل الدين والتقاليد معقد، إذ كان من الضروري مراعاة، لا الأحزاب الدينية فقط ولكن الجمهور عمومًا أيضًا، الديني والعلماني، وكذلك يهود العالم مع الفصائل الدينية المختلفة، إضافة إلى حساسية المشاكل الثقافية ومشكلات الهوية. كما شدّد بن غوريون على خطر محاولة حلها بطريقة رسمية وقانونية، بل فضّل الوصول إلى ترتيبات مرنة مكّنت من تحقيق المشروع الصهيوني، مع استمرار الهجرة وبناء المجتمع والدولة، وغرس أفكار الشراكة المدنية والمسؤولية بين الإسرائيليين[11].

وعلى هذا رأى بن غوريون أنّ الدستور لن يفشل في تعزيز بناء المجتمع والدولة فقط بل سيصبح وسيلة للحجج الأيديولوجية والثقافية، والخطر الملموس الذي يحمله الجدل الدستوري للصهيونية. ورأى بن غوريون أيضًا أن الدستور مشروع – مغامرة، واعتقد أنّ الحياة المشتركة ستنتج «شعورًا بالأمة» وتعزز المسؤولية والشراكة على المستويات الاجتماعية والثقافية والمدنية أكثر من أي دستور مكتوب. ولم يقلق بن غوريون من تحقيق الصهيونية فحسب، بل خشي أيضًا أن الجدل الدستوري سيضر بشدة بالأطر المؤسسية والمدنية، التي يعتقد أنها شرط لا بد منه لوجود الشعب اليهودي وثقافته[12].

هذا وقد حدثت تحولات سريعة وجذرية بعد حربَي 1967 و1973، حيث أدت حرب 1967 إلى إيجاد أزمة أيديولوجية بدلًا من أن تكون حلًّا لهذه الأزمات، ومن أهم نتائج هذه الحرب دمج فكرة التحرر القومي العلماني بفكرة الخلاص الديني، أمّا حرب 1973 فتسببت في إضعاف العنصر العلماني في الصهيونية، ونجم عن ذلك حركة «غوش إيمونيم» التي دمجت الصهيونية بفكرة الخلاص الشامل، فبرز منذ ذلك الوقت الانقسام الديني العلماني على حساب الانقسامات الأُخرى في المجتمع، وتحول إلى ظاهرة شرعية وصِفة أساسية ودائمة، وأخذ هذا التناقض والانقسام يتغلغلان في جهاز الدولة، وحتى في جهاز القضاء، ما تسبّب في مأزق الخيار بين الدولة اليهودية والدولة الديمقراطية[13]. فقد أصبحت الصهيونية عاجزة عن تقديم حلول للمشكلات التي يواجهها الإسرائيليون، وضعفت قدرتها على حل المعضلات والقضايا الساخنة، وعلى بلورة الموقف السياسي للجمهور الإسرائيلي. والصهيونية عقيدة بلاغية، ورمز بلورة الهوية الشخصية للإسرائيلي، وأساس التعريف الرسمي للوجود السياسي اليهودي، على هذا الأساس يرى إريك كوهين عالم الاجتماع الإسرائيلي، «أنّ الصهيونية تحولت من طوباوية ورؤية وخطة عمل مستقبلية لمجتمع مثالي إلى مجرد أيديولوجيا، أي وسيلة للدفاع عن مصالح النخب السياسية واستمرار الوضع القائم»[14].

2 – العلاقة بين الدين والدستور اللامكتوب

يفسر الأستاذ والسياسي الفرنسي أوليفييه دوهاميل (Olivier Duhamel) الدستور بالدين قائلًا: «المتدينون لا يشعرون بالحاجة إلى دستور، من حيث المبدأ وبدافع الضرورة، من حيث المبدأ: لأنّ القانون الأعلى يمكن أن يكون فقط القانون المقدس أو التوراة، وبحكم الضرورة: لأنّ الإعلان الحديث لحقوق الإنسان من المحتمل أن يثبت العلمانية التي يمقتها الأصوليون…»[15].

هذا يعني أنّ الدستور بالنسبة إلى المتدينين، أو كما وصفهم «أوليفييه» بالأصوليين، هو بمنزلة إقرار علني بسيطرة العلمانيين الذين يتشبثون بمبادئ حقوق الإنسان، ومن هذا نفهم أنّ الديمقراطية لا تتناسب والعقيدة الدينية لهؤلاء، لأنها تعيق تطبيق تعاليمهم الدينية أو قانونهم المقدّس، وبما أنّ «إسرائيل» تعمل على حماية الحقوق الفردية لمواطنيها فإنها وقعت بين من يتمسكون بعقيدتهم بتشدد وبين من ينادون بالليبرالية والحرية الفردية في التديُّن من عدمه.

كما تحمي «إسرائيل» الحقوق الفردية مثل الحرية الدينية، ما يضفي الشرعية على القيود المفروضة على الكلام أو العمل المناهض لليهود، وبالتالي فإن الأولويات المجتمعية قد «تقمع الميول الليبرالية لمواطنيها». وينص قانون العودة (Law of Return) لعام 1950 الأصلي على أنّ: «لكل يهودي الحق في القدوم إلى هذه الدولة من دون تحديد من يعتبر يهوديًا»، وأكدت حكومة بن غوريون أن الوضع اليهودي هو مسألة تقرير المصير، ولكن بعد أن عُدّ المزيد والمزيد من المهاجرين إلى «إسرائيل» (بخاصة من بولندا وروسيا) ليسوا يهودًا بالميلاد تمّ تعديل قانون العودة في عام 1970 لتحديد من اليهوديّ: «أي شخص ولد من أم يهودية»، في الوقت الحالي هناك أيضًا مطالب لجعل المواطنة للأقلية العربية أقل شمولًا، وحتى تعديل قانون العودة لمنح الحاخامات الأرثوذكس سلطة تحديد من تعترف به دولة «إسرائيل» على أنه يهودي[16].

ثالثًا: قانون الأساس كبديل للدستور الإسرائيلي

رغم تركيز الاحتلال الإسرائيلي على تنظيف جرائمه وكسب التأييد الدولي، تسعى قوى ومنظمات غربية للتغطية عليها وتقديم المساعدات إليها، وهذا الأمر لا ينفي أنّ «إسرائيل» متغلغلة في صلب النظام الدولي، واللوبيات الصهيونية منتشرة في أمريكا وبمختلف المدن الاقتصادية العالمية وهذا أمر لا يمكن إنكاره، ما يفسر تجاهل الضغط عليها لوضع الدستور وتطبيقه، فالثغر القانونية موجودة دائمًا، وهذا ما تستغله إسرائيل. من هنا سنُحاول في هذا المبحث التطرق إلى نقاط متعددة تُفسِّر عدم كتابة «إسرائيل» لدستورها إلى اليوم وتعويضه بقانون الأساس المنبثق من وثيقة الاستقلال.

1 – ماهية قانون الأساس (القانون القومي)

عُقِد في أوائل عام 1950 نقاش طويل حول مسألة سن الدستور، فعارض الأمر الائتلاف الحاكم برئاسة رئيس الوزراء دايفيد بن غوريون، بما في ذلك الأحزاب الدينية. ومن بين أسباب بن غوريون الرئيسية لمعارضة الدستور هو التخوّف من القيود على سلطات الحكومة والسلطة التشريعية والخوف من المراجعة القضائية على القوانين. كما اعتقد بن غوريون أنّ الأمة الشابة التي كانت تقاتل حرفيًا من أجل حياتها ضد الأعداء الخارجيين، بينما تتعامل في الوقت نفسه مع الصعوبات الاقتصادية واستيعاب عدد المهاجرين الهائل، لا يمكنها أن تسمح لنفسها بترف القيود الهيكلية الشديدة على سلطة الحكومة، ومن ناحية أخرى أرادت المعارضة دستورًا لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان[17].

انتهى النقاش باتفاق عملي عُرف باسم قرار هراري )هو الخطوة الملموسة الأولى في الرحلة نحو الدستور الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه تعلق الأمر أيضًا بالسياسة الخارجية، إذ إنّه من وجهة نظر الحزب الحاكم: لكي يتم قبوله احتاجت «إسرائيل» أولًا إلى إثبات قدرتها على البقاء من خلال تحويل تركيزها بعيدًا من الصراعات السياسية الداخلية مع الاستمرار في الدفاع عن نفسها من التهديدات الفورية( مع تأجيل عملية إنشاء دستور أعلى موحد وأنّ الكنيست سيقر بدلًا من ذلك عددًا من «القوانين الأساسية»[18].

هذا يعني أن النموذج الدستوري الإسرائيلي يستند إلى دستور غير مكتمل بسبب القرار الأصلي بعدم إكمال التصميم الدستوري في وقت إنشاء الدولة، بل تركه كمشروع تدريجي يقوم فيه الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بسَن الدستور على مراحل من خلال سلسلة من القوانين الأساسية. بعبارة أخرى، يتمتع الكنيست بسلطات تشريعية وتأسيسية منذ السنوات الأولى للاستقلال حتى أوائل التسعينيات. علاوة على ذلك، فإن محكمة العدل العليا لديها تقليد محترم في الحماية القضائية على الحقوق والحريات غير المكتوبة في القانون العام[19].

وقد صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون القومية بصورة نهائية في 19/7/2018، بأغلبية 62 عضو كنيست مقابل معارضة 55 عضوًا، وامتنع نائبان عن التصويت، وجاءت المصادقة على القانون حين طرحه الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي عضو الكنيست آفي ديختر، وصادقت عليه اللجنة الوزارية للتشريع في سنة 2017. يُعرّف القانون الذي عُرض أول مرة سنة 2011 «إسرائيل» بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير. وينص القانون على أن الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط، وأن الدولة تبقى مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات[20].

مما سبق يمكن القول إنّ قانون القومية أو قانون الأساس ما هو إلّا واجهة لسن قوانين مُجحفة في حق الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، أي أنّ هذا القانون صورة طبق الأصل عن سياسات عنصرية امتدّت عبر التاريخ؛ فالهدف الأسمى للاحتلال الإسرائيلي هو طمس هوية الشعب الفلسطيني وحرمانه حقوقه كافة استنادًا إلى مغالطات تاريخية لا يستوعبها عقل سليم.

2 – العلاقة بين القانون القومي والديمقراطية

يُنظر إلى «إسرائيل» كإحدى الدول الديمقراطية القليلة التي ليس لديها دستور رسمي مکتوب، لكن الحقيقة ترجع إلى أحد الأسباب التاريخية للفشل في تأسيس دستور، المُتمثل بعدم القدرة على تحقيق رضاء أو توافق في شأن مضمون المقدمة. وقد فضّل الكنيست الإسرائيلي تأسيس الدستور على مراحل، من خلال تبني قوانين أساسية مستقلة التي في إثرها يُبنى قانون الأساس: الكرامة الإنسانية والحرية والقانون الأساسي: حرية الاحتلال في 1992 الذي أعلن بواسطة المحكمة العليا الإسرائيلية، أنها تمثل ثورة دستورية ودستورًا موضوعيًا[21].

تجدر الإشارة إلى أنّ المحاكم الإسرائيلية قد استخدمت إعلان الاستقلال الصادر عام 1948 کشبه مقدمة. وفي عام 1949، عدّل الكنيست قانون الأساس: حرية الاحتلال، والقانون الأساسي: الكرامة الإنسانية والحرية، وقد تضمنت هذه التعديلات قسمين مهمين يعلنان لأول مرة أنّ «إسرائيل» دولة يهودية ديمقراطية وأنّ حقوق الإنسان يجب احترامها في روح المبادئ التي ينص عليها إعلان الاستقلال. وجاء هذا التعديل متناغمًا مع معظم المتطلبات الموضوعية للمقدمة، حيث يعترف التعديل بالقيم الأساسية لـ«إسرائيل» وطابعها الوطني. وقد كانت المرّة الأولى في التاريخ التشريعي لـ«إسرائيل» التي يتم فيها إدماج إعلان الاستقلال في القانون[22].

يمكن القول إنّ الداخل الإسرائيلي مزدحم بالمشاكل الاجتماعية والسياسية التي تنبثق من عدم القدرة على تحديد مواصفات المواطن والمواطنة الحقيقية، فالديمقراطية في هذا السياق لا تخدم «إسرائيل» لأنّها ستعترف حينها بالعرب كمواطنين، وهذا سيتسبب في احتجاجات رافضة للأمر، وبالتأكيد لن يقبل الطرف العربي بهذه المساومات لأنّه في الأساس يرفض الوجود الإسرائيلي ويرى أن دستوره وقوانينه باطلة لا تتجاوز خانة التطرّف والوحشية بغية السيطرة والاستبداد.

كما أنّ جعل حق تقرير المصير حصريًا لليهود سيبرر التفريق في تحقيق الحقوق بين اليهود وغير اليهود، ويحوله إلى تفريق شرعي، لا إلى تمييز مرفوض، في حين تعترف قواعد القانون الدولي المعنية بحقوق الإنسان بتحقيق تقرير المصير ضمن إطار «الدولة القومية» بشرطين: المعاملة المتساوية لجميع المواطنين، وفي حال وجود مجموعات عرقية وإثنية مختلفة، يجب الاعتراف المتساوي بحقوقهم الجماعية إلى جانب المساواة المدنية للجميع، أي أنّ هذا الاعتراف بحق تقرير المصير القومي يضمن من ناحية أولى حظر التمييز بين المواطنين/السكان وتميزهم عن أولئك الذين يعيشون خارج حدود الدولة، في مقابل ذلك يحدد قانون أساس القومية مجالات السيادة «الداخلية» و«الخارجية» على أساس عرقي عنصري[23].

أي أنّ الديمقراطية الإسرائيلية قامت على التطهير العرقي، لا على الدولة اليهودية فقط، لأنّ استبعاد أهل البلد من بلدهم وحرمانهم حتى المشاركة في تقرير مصيرها، هو بمنزلة فصل عنصري كولونيالي على الطريقة الصهيونية، وعلى أساس هذا الفصل الذي قام على التهجير ومنع العودة، نشأت «الأغلبية اليهودية» وقامت الدولة العبرية وقام نظامها وسنت قوانينها وشيدت ديمقراطيتها[24].

يمكن القول إنّ «إسرائيل» تتلاعب بمصطلحات كثيرة للحصول على الشرعية الدولية رغم ممارستها لسياسات تتنافى وما ينص عليه القانون الدولي، كما تسعى للدفاع عن حق اليهود في تحقيق المصير وفي الوقت نفسه تقمع الفلسطينيين داخل وطنهم وتُمارس في حقهم جرائم تتنافى ومنطق الإنسانية. على هذا الأساس أقامت ديمقراطية قِوامها الاستبداد والتلاعب بالقوانين الوطنية وحتى الدولية من دون أن تقف أي قوة في وجهها. فأغلب المنظمات الدولية تُندّد لكنها لا تقوم برد فعل حقيقي، بل أكثر من ذلك هناك قوى غربية متعددة تمنحها الدعم من أجل أن يُحقّق اليهود حلمهم في بناء الوطن القومي، وعودة المواطنين إلى أرضهم التي سلبوها من أصحابها.

تعبير «الدولة القومية» (Nation – state) هو تعبير جديد في التشريعات الإسرائيلية، واستخدامه في هذا القانون ينطوي على جرأة لم يكن صناع التشريعات الإسرائيلية يجرؤون على استخدامها في الماضي. وتظهر أهمية هذا التعبير حين نقرأ الفقرة ج من المادة الأولى، التي جاء فيها أن تعبير الدولة القومية يعني ممارسة حق تقرير المصير للشعب اليهودي، وليس بالضرورة الشعب الإسرائيلي، وإعلان «إسرائيل» مثلما ورد في اسم القانون أنها الدولة القومية للشعب اليهودي[25]، كقولنا على سبيل المثال إن ألمانيا هي الدولة القومية للشعب الألماني، محاولة لتسويق الشعب اليهودي في الأدبيات القانونية والسياسية، على أنه تعبير عادي لا ينطوي على أي آثار عنصرية[26].

ما نفهمه من هذا أنّ تعبير الدولة القومية يحمل الكثير من العنصرية في محتواه، لأنّه يُعطي حق تقرير المصير لأقليّة معينة من دون غيرها، وعليه فقانون الأساس الإسرائيلي وجه آخر للقمع والاستبداد الذي تتم ممارسته في حق الشعب الفلسطيني، ووضع دستور مكتوب لا يخدم الشخصية الاستعمارية والعنصرية الإسرائيلية، لكن الإعلام الإسرائيلي يُصوِّر الأمر على أنّ قانون الأساس انبثق كحل وسط ليتجنب صانع القرار الإسرائيلي الصراعات الداخلية.

خاتمة

كإجابة عن ما ورد في إشكالية دراستنا يمكن القول بأنّ كتابة الدستور الإسرائيلي بمثابة تهديد لمخططاتها بإقامة الوطن القومي لليهود والصهيونية بمختلف أبعادها السياسية والدينية التي تتلاعب على الجهتين من أجل تحقيق مصالحها بمنتهى البرغماتية. فالجدل الحاصل داخل المستوطنات الإسرائيلية بشأن الدستور يُبين مدى هشاشة التماسك الوطني الذي يهدف إليه صانع القرار الإسرائيلي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن التنصّل من الجذور الدينية التي يؤمن بها اليهود المتشددون، ولا يمكن لهم التنازل عنها وهي منبعها التوراة كتابهم المقدّس، فالدستور بالنسبة إليهم لعبة سياسية تلغي الشخصية اليهودية وتعوضها بالعلمانية الغربية التي لا تدعو إلى فصل الدين عن الدولة فقط بل تهدف إلى طمس الهوية الثقافية والدينية لشعب الله المختار.

قامت فرضيتنا على أحقية الوصف الديمقراطي لـ«إسرائيل» التي تفتقر إلى مبدأ أساسي ألا وهو إقرار الدستور وحقوق المواطنين مهما اختلفت عرقياتهم، و«إسرائيل» لا تعترف بغير اليهودي، وتعمل منذ وقت طويل على طمس هوية الفلسطينيين وحرمانهم ليس أرضهم فقط بل حق ممارسة شعائرهم الدينية أيضًا. هذا الأمر يطرح جدلًا، فالدولة اليهودية المزعومة أساسها ديني مقدس لكنها في المقابل تحرم أصحاب الوطن الأصليين دينهم وأرضهم. وعليه فـ«إسرائيل» كيان مُستبد قائم على أبعاد سياسية ودينية متلاعب بها من أجل تحقيق المصالح والتغلغل أكثر ليس في فلسطين فقط بل في المنطقة العربية ككل من طريق نشر أفكارها وأيديولوجيتها وتحقيق توسّع أكثر للصهيونية التي تعَدّ سياسة أكثر وحشية من الكولونيالية ومختلف أوجه الظلم والاستبداد.

«إسرائيل» هي احتلال مارس الكثير من الجرائم ولم تقف أية قوة كبرى لردعه، وفوق هذا يتساءل العالم عن عدم وجود دستور مكتوب لإسرائيل. هنا يمكننا طرح التساؤل التالي وختام دراستنا به: لماذا لا يتساءل العالم عن طرق لاسترجاع حقوق الفلسطينيين وإرجاع أرضهم إليهم؟ فالوجود الإسرائيلي هناك مبني على أساسات كولونيالية، من هنا في حال إدراج دستورها سيُعبِّر عن سياسات أكثر عنصرية وكل الوثائق القانونية التي تُندّد بها تُعَد أيديولوجيات قِوامها صهيوني مُتطرّف تابع للإمبريالية بمختلف أوجهها.

 

قد يهمكم أيضاً  إشكالية “الآخر” في الفكر الصهيوني

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الصهيونية #دستور_إسرائيل #الدستور_الإسرائيلي #التطرف_اليهودي #التعصب_الصهيوني #التوراة #حقوق_الفلسطينيين #الأيديولوجيا_الصهيونية #فلسطين_المحتلة #الممارسات_الصهيونية_في_فلسطين #دستور_إسرائيل_اللامكتوب