مقدمة:

تعَدّ الحرية من القضايا التي انشغل بها الفكر السياسي منذ العصور القديمة والتي تبلورت في شأنها رؤى مختلفة في سياقات متعددة. كما شهد الفكر السياسي الغربي، الذي تأثر به المفكرون السياسيون في الوطن العربي في القرن التاسع عشر، تطوراً ملحوظاً في مضمون الحرية من العصور القديمة إلى العصور الحديثة. في هذا الصدد، رصد المفكر الليبرالي الفرنسي بنجامين كونستان (Benjamin Constant) في القرن التاسع عشر في عمله «عن الحرية عند القدامى مقارنة بالحرية عند المحدثين» (De la liberté des Anciens comparée à celle des Modernes) السمة الأساسية التي ميَّزت الرؤية للحرية في الغرب في كل من العصور القديمة والحديثة. فالحرية عند القدامى، وفقاً له، هي بالأساس الحرية السياسية؛ وتتعلق بمشاركة المواطنين في الحياة السياسية، بينما تعَدّ عند المحدثين بالأساس حرية فردية وتتعلق بإيجاد ضمان لتمتع كل فرد بالمتع الخاصة‏[1]. يتضح إذاً الاختلاف الجوهري، الذي شدّد عليه بنجامين كونستان، بين رؤية القدامى للحرية التي لا يتمتع – بالتالي – بها كل الأفراد‏[2] وبين رؤية المحدثين لها التي ارتبطت بتشديدهم على استقلال الفرد‏[3]. كما تجدر الإشارة إلى أن الفكر السياسي الغربي انشغل بالحرية في القرن الثامن عشر، أي في عصر التنوير أو العقل، كما تُعرَّف فلسفة التنوير أيضاً على أنها «فلسفة الحرية» وذلك مع تأكيدها أهمية العقل والسعي إلى تحقيق السعادة‏[4].

حظيت قضية الحرية أيضاً باهتمام المفكرين السياسيين في الوطن العربي في القرن التاسع عشر في ظل الدولة العثمانية، الذين شغلتهم مسألة تحقيق النهضة العربية في ظل انفتاحهم على النهضة الأوروبية. لقد اتفق هؤلاء المفكرون السياسيون، بالرغم من الاختلافات بينهم، في تشديدهم على أهمية الحرية التي عدُّوها بمثابة مبدأ يسمح بتفسير مجموعة من المقولات والمفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية من ناحية، وركيزة أساسية في الإصلاح السياسي والاجتماعي والقيمي من ناحية أخرى‏[5]. هذه النظرة عكست التطور الذي لحق بتطرق رواد الفكر السياسي العربي للحرية في العصور الحديثة الذي اتضح في اهتمامهم الكبير بالمعاني الاجتماعية والسياسية للحرية مقارنة بسابقيهم‏[6]. كما بلور المفكرون السياسيون العرب في القرن التاسع عشر رؤيتهم للحرية في ظل السياق الذي عاشوا فيه وانطلاقاً من ثلاثة محاور، هي التحرر من التبعية، والتحرر من الاستبداد، والتحرر من الجمود في فهم النص‏[7]. من هنا تطرق هؤلاء المفكرون السياسيون للحرية، باعتبارها أساساً للتقدم المتمثّل بالغرب، في مقابل الاستبداد باعتباره سبباً للتأخر المتمثّل بالشرق‏[8].

انطلاقاً من ذلك، تركز هذه الدراسة على تحليل رؤية أحد أهم رواد الفكر السياسي العربي في القرن التاسع عشر للحرية، وهو المفكر أديب إسحق الذي انشغل بها كقضية على مدى حياته وخصص لها جزءاً من كتاباته.

ولد أديب إسحق في سنة 1856‏[9] في دمشق في عائلة كاثوليكية وتلقى تعليمه في مدرسة الآباء العازاريين في دمشق ثم عند اليسوعيين في بيروت وتميز بثقافته الفرنسية. كما عمل في الصحافة والترجمة والتأليف وتنقل بين لبنان ومصر وفرنسا. وقد كان رئيس تحرير جريدة مصر التي أصدرها في مصر عام 1877، والتي علقتها السلطات المصرية نتيجة انتقادها لرئيس الوزراء في ذلك الوقت، ولكنها صدرت بعد ذلك في باريس في أواخر سنة 1879 وأوائل سنة 1880 تحت عنوان القاهرة ثم مصر – القاهرة. كما حرص أخوه عوني إسحق، بعد وفاته في سنة 1885، وبالتعاون مع الأديب جرجس ميخائيل نحاس، على جمع مؤلفاته في كتاب بعنوان الدرر استهله بمقدمة عن حياته الشخصية، وذلك للحفاظ على إنتاجه الفكري القيِّم ونشره بين الناس.

ستعتمد هذه الدراسة بشكل أساسي على المقالات التي تطرق فيها أديب إسحق إلى الحرية نظرياً والمجمَّعة في كتاب الدرر‏[10]، وذلك بصرف النظر عن ظهور المفهوم في عنوانها ومع الأخذ في الاعتبار إشارته إلى واقع الحرية.

تطرح الدراسة تساؤلاً رئيساً يتمثل بالكيفية التي بلور بها المفكر أديب إسحق رؤيته للحرية في ظل انفتاحه على الثقافة الغربية وتأثره بها والسياق الذي نشأ وعاش فيه. كما تطرح تساؤلات فرعية تتمثل بمعنى الحرية وأنواعها وسماتها ومداها في فكر أديب إسحق، والقيم والمفاهيم التي ربطها بالحرية، وأبرز المفكرين السياسيين الغربيين الذين تأثر بهم، ومدى تشابهه أو اختلافه مع معاصريه من المفكرين السياسيين العرب في تناوله للحرية.

يمكن التمييز بين رؤية كل من الليبراليين والتحرريين والاشتراكيين للحرية عند التطرق إلى الإطار النظري للدراسة. تعَدّ الحرية بالنسبة إلى الليبراليين أهم قيمة أخلاقية وسياسية، وهي شعار الكرامة الإنسانية، وتعتبر من أسس السعادة‏[11] وذلك مع تأكيدهم أهمية الحقوق الأساسية وضرورة قيام الدولة بحمايتها‏[12]. بينما اعتبر التحرريون الحرية بمثابة حالة أو وضعية وأكدوا أن «المجتمع الحر» هو المجتمع الذي يتمتع أفراده بنظام واسع من الحقوق وذلك حتى يستطيعوا القيام بما يرغبون فيه‏[13]. أما الاشتراكيون، فقد اعتبروا الحرية بمنزلة قوة أو قدرة فاعلة، وأكدوا ضرورة توفير «المجتمع الحر» الموارد لكل أعضائه‏[14].

يتمثل المفهوم الرئيسي للدراسة بالحرية التي تأخذ تعريفات مختلفة. في هذا الصدد، وضح عبد الله العروي أن الحرية في اللغة العربية لها أربعة معانٍ متميزة لكنها تدور حول الفرد وتعكس علاقته بغيره‏[15]. يتعلق معناها الأول، وهو المعنى الخلقي، بالأصل الكريم بينما يشير معناها الثاني، أي القانوني، إلى أنها مضادة للعبودية. كما يتعلق المعنى الثالث للحرية، أي معناها الاجتماعي، بالمعفي من الضريبة. ويشير معناها الرابع، أي معناها الصوفي، إلى «الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار». ويلاحظ أن الحرية في استخدامها الاعتيادي تشير إلى «غياب القيود والتحديات» وبالتالي يعَدّ الفرد حراً عندما لا يتم توقيفه عن تحقيق أهدافه أو القيام بما يرغب فيه‏[16].

كما عرَّف التقليد الفلسفي بصفة عامة الحرية على أنها «اختيار الفعل عن روية مع استطاعة عدم اختياره أو استطاعة اختيار ضده»‏[17]. يمكن أيضاً التمييز بين تعريف كل من الليبرليين والجمهوريين للحرية. فهذه الأخيرة تعني بالنسبة إلى الليبراليين «غياب العقبات الخارجية التي تحول دون تحقيق خيارات الأفراد» بينما تتمثل وفقاً للجمهوريين بـ «غياب السيطرة التي يمكن تحقيقها عن طريق خضوع الأفراد على نحوٍ متساوٍ للقانون»‏[18].

تتبنى الدراسة تعريف التقليد الفلسفي للحرية الذي يجعل الاختيار جوهرها. كما تنقسم في تحليلها لرؤية المفكر أديب إسحق لها إلى ثلاثة أقسام. تناقش هذه الأخيرة بالتوالي معنى الحرية وأنواعها عند أديب إسحق، سمات الحرية وحدودها في فكره وتصوره لعلاقة الحرية بكل من الإصلاح والثورة.

أولاً: معنى الحرية وأنواعها

يمكن القول إن أديب إسحق اهتم، في إطار سعيه لبلورة رؤيته للحرية ومن خلال مقالاته المختلفة، بطرح تعريفه للحرية وبالتمييز بين أنواعها بوضوح، وذلك انطلاقاً من تعدد تعريفاتها وبعد عرضه النقدي لبعضها. فقد حرص بداية على التطرق إلى تعريف لها حظي باتفاق بين كثير من النقاد في مقابل تعريف «أهل السلطة الاستبدادية» لها والتعليق عليهما‏[19]. فالحرية، وفقاً لهؤلاء النقاد، تعني «مقدرة المرء على فعل ما لا يضر بغيره من الناس». يرى المفكر أن هذا التعريف يتسق مع القانون الروماني في ما يتعلق بحدّ الحرية، ولكنه ينتقده موضحاً أن حدّ الأضرار مرتبط بالخلل الموجود في الأحكام الموضوعة من ناحية، وأنه لا يتطرق إلى الإضرار بالذات مما يخالف طبيعة الأشياء من ناحية أخرى. أما «أهل السلطة الاستبدادية» فقد عرّفوا الحرية بأنها «الطاعة العمياء» وهذا يعدّ وفقاً للمفكر افتراء عليها.

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى ملاحظتين: في المقام الأول، يتمثل جوهر التعريف الأول للحرية الذي عرضه أديب إسحق بعلاقة الفرد بغيره، أي أن الفرد يتمتع بالحرية في مواجهة الآخرين. لذلك شدد هذا التعريف على عدم الإضرار بهم، ولم يتطرق بالتالي إلى منفعة الفرد أو ضرره لنفسه، لأنه هو الذي يختار الفعل الذي يريد القيام به ويتحمل بالتالي نتائجه. في المقام الثاني، يعَدّ التعريف الثاني للحرية الذي عرضه المفكر مستمداً من المعنى الذي أعطاه للاستبداد كما لمسه في عصره ويعَدّ بالتالي نتيجة منطقية له. فالاستبداد كما عرّفه أديب إسحق هو «تصرفُ واحدٍ من الجماعة بدمائهم، وأموالهم، ومذاهبهم، بما يوجبه هواه، وما يقضي به رأيه، سواء ما كان يجريه مخالفاً لمصلحتهم أو موافقاً لها»‏[20].

حرص أديب إسحق، استناداً إلى رؤيته النقدية للتعريفين السابقين للحرية، على وصفها؛ ثم طرح تعريفاً لها. إن الحرية، وفقاً للمفكر، لها مكانة متميزة ويتطلع إليها الناس في أحوالهم المختلفة. فقد رأى أن الحرية يتمسك بها أنصارها من دون منعها عن الذين يسعون إليها كما أنها «المورد يراه الظمآن، والمأمن يجده الخائف، والسبيل يلقاه التائه، بل مقصد الساعي يناله بعد اليأس، وكلمة العفو يسمعها من كان على النطع، بل هي فوق ما يصف الواصفون وينعت العارفون»‏[21]. من هنا يمكن القول إن الحرية التي وصفها المفكر بهذا الشكل تتمثل دائماً بالخير الذي يأتي للإنسان أياً كان الموقف الصعب الذي يمر به. هذا وقد عرف أديب إسحق الحرية على أنها «حق القيام بالواجبات ليس إلا» مؤكداً أنه «كلما تعدى ذلك منها فهو عسف واستبداد»‏[22]. يلاحظ إذاً أن الحرية بالنسبة إلى المفكر لا تقتصر على هذا الخير، إنما تعَدّ بمنزلة حق ينبغي التمتع به، ويصعب أن ينتج من ممارسته ضرر للآخرين نتيجة تضمُّنه واجبات، أي ممارسات إيجابية تجاههم. من هنا يمكن القول إن أديب إسحق لم يتفق فقط بصراحة مع معاصريه من المفكرين السياسيين العرب في وضعه على هذا النحو للحرية في مقابل الاستبداد، إنما أيضاً مع النقاد السابقين، وحتى لو كان ذلك ضمنياً، في مسألة عدم الإضرار بالآخرين.

ميّز أديب إسحق بين أنواع مختلفة للحرية بناء على رؤيته لكل من معناها وللمراحل المختلفة للوجود الإنسانى التي أشار إليها. فقد تصور أن الوجود الإنساني يمر بثلاث مراحل متتالية وهي الفطرية والمدنية والسياسية‏[23]. كما أكد أن الإنسان في مرحلة الفطرة يتسم بالسذاجة والبحث عن الغذاء والمسكن وسائر حاجاته الطبيعية؛ لكنه يسعى إلى الحفاظ على النوع نتيجة حرصه على ذاته، وإلى طلب المساعدة نتيجة كثرة الحاجات. يؤدي ذلك إلى تجمع الإنسان مع الآخرين ودخوله بالتالي في مرحلة المدنية. إضافة إلى ذلك، شدد المفكر على أن الإنسان الذي يعيش في مرحلة المدنية عندما ينظر في شؤونه ويهتم بأحوال الآخرين ينتقل إلى المرحلة السياسية فيصفه إسحق بأنه «إنسان مدني كامل الحقوق والواجبات» حسب تعبيره.

من هنا يمكن القول إن رؤية أديب إسحق للمراحل المختلفة للوجود الإنساني وبالتالي لأنواع الحرية تأثرت جزئياً بنظريات العقد الاجتماعي التي برزت في القرنين السابع عشر والثامن عشر. فقد ميَّز كل من هوبز (Hobbes) ولوك (Locke) وروسو (Rousseau) بين حالة الطبيعة الأولى والحالة المدنية أو السياسية، ولكنهم اختلفوا في رؤيتهم لطبيعة كل منهما وللحرية في ظلهما‏[24]. كما أكدوا أن الناس يتفقون على إبرام عقد اجتماعي للخروج من حالة الطبيعة الأولى والعيش في إطار الدولة. لقد أكد أديب إسحق فكرة انتقال الناس من العيش في حالة الطبيعة الأولى إلى العيش في إطار الدولة واختلاف طبيعة الحرية في كل منهما، وذلك كما فعل منظّرو العقد الاجتماعي ومن دون الإشارة صراحة إليهم. لكنه ميَّز بين حالتين لاحقتين على حالة الطبيعة الأولى وبالتالي بين نوعين آخرين للحرية على عكس منظّري العقد الاجتماعي.

هناك إذاً ثلاثة أنواع من الحرية وفقاً لأديب إسحق، وهي الحرية الطبيعية والحرية المدنية والحرية السياسية. فقد أكد أن الحرية «ثالوث موحد الذات، متلازم الصفات، يكون بمظهر الوجود فيقال له الحرية الطبيعية، وبمظهر الاجتماع فيعرف بالحرية المدنية، وبمظهر العلائق الجامعة فيسمى الحرية السياسية»‏[25]. جدير بالإشارة أن المفكر لم يركز بدرجة كبيرة على مضمون كل نوع من أنواع الحرية إنما اكتفى بالتأكيد أن شكلها يختلف وفقاً لاختلاف مراحل الوجود الإنساني. كما يلاحظ في هذا الصدد أن أديب إسحق أشار فقط إلى تعريف مونتسكيو لكل من الحرية المدنية والحرية السياسية، موضحاً أن الأولى تشير إلى عدم إجبار الإنسان على ما لا توجبه القوانين، وأن الثانية تتعلق بفعل كل ما تسمح به القوانين‏[26]. لكنه لم يتطرق إلى تمييز مونتسكيو بين كل من الحرية السياسية التي تتضمن «التمتع بالأمان أو على الأقل الاعتقاد في التمتع به» والحرية الفلسفية التي تعني «ممارسة الإرادة أو على الأقل الاعتقاد في ممارستها»‏[27].

ثانياً: سمات الحرية وحدودها

تتضمن رؤية أديب إسحق للحرية، إضافة إلى معناها وأنواعها، إشارته إلى بعض سماتها ومناقشته لحدودها. يمكن في الواقع استخلاص تصوره للسمات المميزة للحرية عن غيرها من القيم، التي تظهر في مواضع متفرقة من مقالاته من دون أن يشير صراحة إلى سعيه إلى حصرها، وذلك على عكس تطرقه إلى تعريف الحرية وأنواعها. كما يلاحظ أنه لم يركز فقط على حدود الحرية بوجه عام، إنما أيضاً على حدود بعض الحقوق – الحريات المرتبطة بالحياة السياسية.

يمكن القول إن الحرية كما تصورها أديب إسحق تتسم بثلاث سمات أساسية: ففي المقام الأول، ترتبط الحرية ارتباطاً وثيقاً بالوطن، فهي لصيقة به ويصعب وجوده من دونها. إن الوطن في اللغة، كما وضح المفكر، هو «محل الإنسان مطلقاً فهو السكن» وعند «أهل السياسة» يعني المكان الذي ينسب إليه الإنسان ويُحفظ حقه فيه ويُعلم حقه عليه ويأمن فيه على نفسه وآله وماله‏[28]. بهذا المعنى، شدد أديب إسحق على اتفاق الكثير من الكتّاب على أنه «لا وطن إلا مع الحرية»، ودافع عن هذا الرأي مع الإشارة بصفة خاصة إلى الكاتب لابروير (La Bruyère) ثم إلى الرومان القدامى‏[29]. فقد وضّح المفكر أن تأكيد الكاتب لابروير أنه «لا وطن في حالة الاستبداد» لا يتناقض مع تصور الرومان القدامى للوطن بوصفه المكان الذي يتمتع فيه الإنسان بالحقوق والواجبات السياسية. هذا وقد انطلق أديب إسحق من تعريفه للحرية، أي حق القيام بالواجبات، ليؤكد أن غياب الحرية يعني غياب الوطن نظراً إلى أنه يتم في إطاره التمتع بنوع معين من الحقوق والواجبات. يلاحظ في هذا الصدد اتفاق أديب إسحق مع المفكرين السياسيين العرب في العصر الحديث، وبصفة خاصة رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي، في تأكيد علاقة الحرية الوثيقة بالوطن‏[30].

في المقام الثاني، تعَدّ الحرية، وفقاً لأديب إسحق، «غاية الحياة السياسية والكمال المدني»‏[31]. فالبلاد الحرة، كما أكد المفكر، يُسمح فيها بعدة أمور مثل الاجتماع والخطابة والكتابة، ولكن من الضروري أن يتلازم ذلك مع التمسك بالفضيلة حتى لا تأتي بعواقب سيئة مثل الخلل والفساد وانتهاك الحقوق وتحول الحرية إلى استبداد. من هنا ربط المفكر بين السياسة والأخلاق وشدد على أن «السياسة لا تصح إلا إذا بنيت على الحرية، والحرية لا تحصل إلا بالفضيلة (والفضيلة غاية علم الأخلاق)»‏[32]. كما رأى أديب إسحق، الذي عارض الاستبداد بوجه عام، أن استبداد الحكام وضعف نفوس الناس يعدّان من الأسباب الرئيسية لتأخر الشرقيين‏[33]. ويلاحَظ أن المفكر اهتم بإبراز اختلاف حال صحيفته باختلاف السياق الذي تنشر فيه أي المصري والفرنسي. فقد أكد في هذا الصدد أن «صحيفة مصر طواها الاستبداد فماتت شهيدة، ثم أحيتها الحرية فعاشت سعيدة»‏[34].

في المقام الثالث، تؤدي الحرية، وفقاً لأديب إسحق، إلى التمتع بالمساواة، أي أن المساواة هي نتيجة للحرية. في هذا الصدد، أشار المفكر إلى اتفاق النقاد على تلازم كل من الحرية والمساواة‏[35]. كما استند إلى هذا الاتفاق ليؤكد أن المساواة، بالنسبة إليه، ليست مبدأ الحرية إنما تنتج من وجودها‏[36]. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هناك من عدّ هوبز رائداً في بروز رؤية جديدة للعلاقة بين الحرية والمساواة في الفكر السياسي الغربي تختلف عن رؤية القدامى لها حيث أكد أنهما طبيعيتان ومتلازمتان‏[37].

يرى أديب إسحق أن الحرية، التي تتسم بهذه السمات الثلاث، ليست مطلقة. من هنا اهتم المفكر في مواضع مختلفة من مقالاته بتوضيح ثلاثة حدود لها. يتمثل الحد الأول للحرية، وفقاً للمفكر، في «القانون الحق» أو «قانون العدل والحق»، أي القانون الذي يحرص على حقوق الجميع ويحفظ حق الفرد‏[38]. من هنا يتضح تأثر أديب إسحق بعامةٍ بالمفكرين السياسيين الغربيين في العصور الحديثة الذين تطرقوا إلى علاقة الحرية بالقانون، مثل منظّري العقد الاجتماعي ومونتسكيو، وبخاصة بتعريف هذا الأخير للحرية عموماً‏[39] على أنها «الحق في عمل كل ما تسمح به القوانين»‏[40]. لكن أديب إسحق اشترط العدل والحق في القانون الذي يحد الحرية. كما يلاحظ في هذا الصدد أن أديب إسحق أشار صراحة إلى روسو فقط بأنه جعل الإرادة العامة حدّاً للحرية التي يتم التمتع بها في إطار الدولة‏[41]. أما الحد الثاني للحرية، فيتمثل بـ «الحق العمومي» وفقاً لتعبير أديب إسحق. في هذا الصدد، أعطى المفكر التعليم مثالاً وركز عليه في مقالاته مؤكداً أن إلزام التعليم واجب على الحكومة مما يقيد حرية الآباء في ما يتعلق بأمور أولادهم‏[42]. إضافة إلى ذلك، يعَدّ العدل، وفقاً للمفكر، الحد الثالث للحرية. فقد أكد أديب إسحق تلازم الحقوق والواجبات بوجه عام، وأن «حق الحرية ملزم بواجب العدل»‏[43]. كما شدَّد على أن الدولة ينبغي أن تسعى إلى تحقيق العدل الذي يتلازم مع حرية الأمة‏[44]. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى اتفاق أديب إسحق مع المفكرين السياسيين المصريين في العصر الحديث في اهتمامهم بكل من الحرية والعدل أو العدالة. فهؤلاء المفكرون، مثل محمد عبده وقاسم أمين، اختلفوا في تصوراتهم لكل من الحرية والعدل أو العدالة لكنهم عدّوهما أساسيين للنظام الاجتماعي المرغوب فيه‏[45].

لم يكتفِ أديب إسحق بتأكيد هذه الحدود الثلاثة للحرية إنما تطرق أيضاً إلى حدود ثلاثة أنواع من الحقوق – الحريات مرتبطة بالحياة السياسية. فقد شدد المفكر على أن حد حرية الرأي هو القياس والحكمة والصواب، وأن حد حرية القول هو «أن يراد به الخير ولا يجاوز فيه حد المنفعة والملايمة، ولا يمس شرفاً مصوناً، ولا يضرّ بريئاً أميناً، ولا ينشر عن غير علم يقين»، وأن حد حرية الانتخاب هو مصلحة الوطن‏[46]. كما رأى أن انتهاك هذه الحدود يجعل الحرية أسوأ من كل من القيد والعبودية‏[47]. هذا ويلاحظ أن أديب إسحق اهتم أيضاً بحرية الصحافة أو حرية الجرائد المرتبطة بكل من حرية الرأي وحرية القول. في هذا الصدد، وضح المفكر اختلاف مواقف الدول منها بصفة عامة وقارن بالتالي حالها في بعض الدول. من هنا شدد على أن حرية الصحافة أو حرية الجرائد لا يحدّها في بعض الدول إلا القانون العام بينما يحدّها في البعض الآخر أحكام معينة «تكون قريبة من الرفق أو بعيدة عنه بمقدار بُعد القوم عن الحرية المدنية والسياسية وقربهم منها»‏[48]. كما وضح اختلاف حال حرية الصحافة أو حرية الجرائد باختلاف الدول الغربية من ناحية، وعدم تمتع «بعض صحائفنا» بالحرية، بل اتبعها «مسلك أهل الرق والعبودية»‏[49] من ناحية أخرى. من هنا يمكن القول إن أديب إسحق لم ينظر إلى الحرية في مقابل الاستبداد فقط وإنما في مقابل العبودية أيضاً.

ثالثاً: الحرية بين الإصلاح والثورة

إذا كان أديب إسحق قد تطرَّق في إطار معالجته لسمات الحرية وحدودها لعلاقتها ببعض القيم، وخصوصاً المساواة والعدل وببعض المفاهيم وبالأخص الوطن والقانون، فإنه ركز أيضاً على علاقتها بكل من مفهومَي الإصلاح والثورة بصفة عامة. تجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بهذين المفهومين أو المفاضلة بينهما يعَدّ سمة مشتركة بين المفكرين السياسيين العرب الذين انشغلوا على نحوٍ مختلف بالحرية في العصر الحديث‏[50]. كما يلاحظ أن أديب إسحق شبَّه حدة الحرية بحدة السلطة مؤكداً أن الخلاف في كليهما يؤدي إلى الغضب وأن الصعوبة في كليهما تؤدي إلى العداوة‏[51]. من هنا يمكن القول إن أديب إسحق بنى ضمنياً وجزئياً على هذا التشبيه تصوُّره لعلاقة الحرية بكل من الإصلاح والثورة، وذلك لأنه يمكن تصور أن الخلاف بين الناس حول مدى التمتع بالحرية ربما يؤدي إلى عدم رضا قد يصل إلى الغضب الذي يصاحب الثورة بدرجة أكبر من الإصلاح.

إن الإصلاح‏[52]، وفقاً لأديب إسحق، مطلق بمعنى أنه لا ينتهي عند تعريف معيَّن وعند حد معيَّن. فمقدار كلية الإصلاح وعموميته، كما أكد المفكر، يتناسب مع مقدار كلية الخلل وعموم الحاجة. يلاحظ أن أديب إسحق لم يقم بالتالي بتعريف مفهوم الإصلاح ولكنه فضَّل توضيح الشروط التي ينبغي أن تتوافر فيه حتى يأتي بثماره. فقد تصور أن هذه الشروط، تتمثل بالأخذ من الأصل والتمكين والتدريج. هذا وقد لفت المفكر الانتباه إلى وجود آفة لكل شرط من هذه الشروط الثلاثة تتمثل بالتوالي في الرضا بالظاهر المموَّه في الباطن المشوَّه، وأنصاف الوسائل، والتهوُّر في ما لا تلائمه أحوال المكان ولا يناسبه استعداد السكان. كما تصور المفكر أن الإصلاح المطلق يتعلق بثلاثة مجالات، أي السياسي، والمدني، والاقتصادي – الاجتماعي، وتطرق إلى أسس كل منها.

في هذا الإطار، ناقش أديب إسحق علاقة الحرية بالإصلاح‏[53]؛ فقد رأى أن التمتع بالحرية هو أحد أسس الإصلاح المدني، وليس السياسي، الذي يقوم أيضاً على عموم المعارف وتحقق المساواة. كما أكد المفكر في هذا الصدد أن حرية الفرد لا تقتصر على تحريك أعضائه كما يشاء إنما تشمل فكره أيضاً. إضافة إلى ذلك، شدد المفكر على أن الفرد الذي يُمنع من إظهار ما يراه لا يعدُّ حراً بل عبداً، وأن إكراه الفرد على القول بخلاف ما يعتقده يعَدّ قتـلاً للحقيقة. من هنا يمكن القول إن أديب إسحق نظر إلى الحرية كأحد أسس الإصلاح المدني في مقابل العبودية وليس الاستبداد. كما يمكن الاستنتاج أن أديب إسحق يعني أن وقوع انتهاكات على الحرية يتطلب السعي إلى إصلاح مدني من أجل وقفها ومعالجة الضرر الناتج منها، بل العمل على توفير مناخ مواتٍ للتمتع بالحرية. كما تجدر الإشارة إلى أن المفكر رأى أن الإصلاح السياسي يقوم على انتظام المالية، وحسن الإدارة واستقامة القضاء، بينما يقوم الإصلاح السياسي على الأمن ووقاية الأعمال وتوزيع الأشغال.

أما بالنسبة إلى الثورة، فقد اهتم أديب إسحق بوضع تعريف لها وتوضيح أهميتها مع التأكيد في هذا الإطار أن علاقتها وثيقة بالحرية. فقد بدأ المفكر بوصف مجموعة من الأفعال والتعليق عليها لينتهي بالتأكيد إلى أنها متعلقة بالثورة. في هذا الصدد، يوضح المفكر أنه تصور الثوار فرقاً يتدافعون في الطرق صائحين، يصدّون هجوم الجند بما قطعوا من الأشجار وبالأحجار، يزحفون ورأسهم مكشوفة وصدورهم مفتوحة، لا يخشون الموت ويصيحون «ليفنى الظلم» و«لتحيى الحرية»‏[54]. من هنا طرح المفكر تساؤلاً حول سبب إراقة الدماء وقتل الرؤساء والإفساد في الأرض؛ وتمثلت الإجابة عنه بـ «حجب الدماء، ودفع الغلبة، وجلب الصلاح»‏[55]. فهذه الأفعال، كما وضّح المفكر، هي الثورة أو هي «الدواء، بالتي كانت هي الداء»‏[56]. من هنا يمكن القول إن الثورة كما تصورها أديب إسحق يقوم بها مجموعة كبيرة من الأفراد وتتضمن أعمال عنف كما تنبع أهميتها من هدفها، أي القضاء على الظلم وتحقيق الحرية. هذا المعنى يقترب من تعريف الثورة على أنها «حركة شعبية واسعة ذات توجه سياسي منظم تعبِّر عن الرغبة العامة لجموع أفراد الشعب وتهدف إلى تغيير النظام السياسي القائم جذرياً وإقامة نظام جديد يعبِّر عن الإرادة الشعبية لجموع أفراد الشعب الذين يمثلون القوة الحقيقة للثورة»‏[57].

لكن يلاحظ أن تعريف أديب إسحق للثورة يتسم بتأكيده صراحة للحرية كقيمة تستحق النضال من أجلها. كما أن الثورة بالنسبة إليه، ليست هدفاً في حد ذاتها إنما هي وسيلة للقضاء على الظلم وتحقيق الحرية. كما يمكن الاستنتاج أن غياب الحرية وليس مجرد انتهاكها، وفقاً للمفكر، من أسباب قيام الثورة وأن هذه الأخيرة تسعى إلى استعادة الحرية المفقودة. بهذا المعنى، ترتبط الثورة بكل من غياب الحرية وبتحقيقها. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن أديب إسحق نظر إلى الحرية في هذا الإطار على أنها وجدان الأمة التي عدّها عزة للوطن‏[58]. في هذا الصدد، وضّح المفكر أن الأمة كمفهوم تشير إلى جماعة من الناس تتسم بوحدة الجنس بالرغم من اختلاف أصولها وغايتها، وينسب إليها اسم تعرف به وتدافع عنه‏[59]. أما الأمة الحرة، فقد شبهها المفكر «بفرس غير مقيد يسير رافعاً رأسه ويتنشق ملء صدره الهواء النفسي، ويسرح في المرعى النضير» وذلك في مقابل الشعب المستبعد‏[60].

يمكن القول إذن أن أديب إسحق لم يفاضل بين الإصلاح والثورة وتصور أن كليهما مرتبط بالحرية. فإذا كانت الحرية، وفقاً للمفكر، تعَدّ أحد أسس الإصلاح المدني الذي يتناسب مع حجم انتهاكها، فإن غيابها يعَدّ من أسباب قيام الثورة التي تسعى أيضاً إلى تحقيقها. لكن في الحالتين، يسعى الإنسان إلى تغير الوضع الحالي سواء جزئياً أو جذرياً حتى يصل إلى وضع يستطيع فيه التمتع بالحرية. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن أديب إسحق رفض المقولة التي مؤداها أن الحرارة تمنع من المطالبة بالحرية وأن البرودة تمنع من قبول العبودية‏[61]. فالحرية، بالنسبة إليه، ليست مرتبطة بالمناخ. هذا لا يمنع أن تمسُّكه بالحرية كأحد مبادئ الثورة الفرنسية التي اندلعت في سنة 1789 جعله يقارن بين وضع الحرية في كل من فرنسا ومصر في عصره وفي الغرب والشرق بعامة‏[62]. كما أنه إذا كان أديب إسحق قد رأى أن فرنسا تمثل الحرية‏[63]، فإنه دعا الأمة المصرية إلى النهوض «من عثرة الغفلة»‏[64] بل إلى النضال من أجل التمتع بالحرية.

الخاتمة

يمكن القول إن أديب إسحق بلور رؤية متميزة للحرية عكست ليس انفتاحه الثقافة الغربية وتأثره بها فقط إنما عكست السياق الذي نشأ وعاش فيه أيضاً. تتسم هذه الرؤية بدرجة كبيرة من الوضوح والاتساق والترابط بين أجزائها بالرغم من تعدد المقالات التي تطرق فيها إلى قضية الحرية. كما تضمنت تعريف المفكر للحرية وتمييزه بين أنواعها، وإشارته إلى بعض سماتها وتعيينه لحدودها بوجه عام ولحدود بعض الحقوق – الحريات المرتبطة بالحياة السياسية بصفة خاصة، وتصوره لعلاقة الحرية بكل من الإصلاح والثورة.

فالحرية، كما وصفها المفكر استناداً إلى رؤيته النقدية لتعريفين لها، تتمثل دائماً بالخير الذي يأتي للإنسان أياً كان الموقف الصعب الذي يمر به. كما تعد، بالنسبة إليه، بمنزلة حق ينبغي التمتع به ويشمل القيام بواجبات تجاه الآخرين، وبالتالي لا ينتج من ممارستها ضرر لهم. كما تصور المفكر، انطلاقاً من رؤيته لمعنى الحرية وإشارته إلى المراحل المختلفة للوجود الإنسانى، أن هناك ثلاثة أنواع للحرية وهي الحرية الطبيعية، والحرية المدنية، والحرية السياسية. ولكنه لم يركز بدرجة كبيرة على مضامينها. إضافة إلى ذلك، تتسم الحرية، وفقاً للمفكر، بثلاث سمات أساسية حيث تعَدّ، ليس فقط لصيقة بالوطن الذي يصعب وجوده من دونها إنما أيضاً غاية «الحياة السياسية والكمال المدني» كما تؤدي إلى التمتع بالمساواة.

هذا وقد تصور المفكر أن الحرية ليست مطلقة، وعيَّن ثلاث حدود لها تتمثل بالتوالي بالقانون الذي يحرص على حقوق الجميع ويحفظ حق الفرد، وبـ «الحق العمومي» الذي ركز في إطاره على التعليم وبالعدل. إذا كان المفكر قد وضح أيضاً حدود كل من حرية الرأي وحرية القول وحرية الانتخاب، فإنه اهتم أيضاً بحرية الصحافة أو الجرائد، موضحاً اختلاف مواقف الدول الغربية منها عن موقف الدول العربية منها، بل اختلاف حال صحيفته باختلاف السياق، أي المصري والفرنسي، الذي تنشر فيه. كما أن المفكر وضع الحرية في مقابل كل من الاستبداد الذي عاينه في الشرق وعاناه والعبودية، وبنى ضمنياً وجزئياً على تشبيهه لحدة الحرية بحدة السلطة تصوره لعلاقة الحرية بكل من الإصلاح والثورة. فقد جعل الحرية أحد أسس الإصلاح المدني الذي يتناسب مع حجم انتهاكها، ورأى أن غيابها يعد من أسباب الثورة التي تسعى أيضاً إلى تحقيقها، وذلك من دون المفاضلة بينهما ومع رفض المقولة التي تربط الحرية بالمناخ. كما تصور أن الحرية هي وجدان الأمة.

يلاحظ أن أديب إسحق لم يُشر صراحة إلى سعيه إلى حصر السمات المميزة للحرية عن غيرها من القيم، وذلك في نقيض لمعالجته للعناصر الأخرى التي شكلت رؤيته للحرية. كما أنه تأثر جزئياً بنظريات العقد الاجتماعي عند تطرقه إلى المراحل المختلفة للوجود الإنساني وبالتالي لأنواع الحرية، وذلك من دون الإشارة صراحة إليها. وقد اتضح انطلاقه من المفكرين الغربيين ليس فقط عند تطرقه إلى علاقة الحرية بالمساواة إنما أيضاً إلى علاقتها بالقانون التي ناقشها أيضاً منظّرو العقد الاجتماعي ومونتسكيو. لكنه تطرق إلى تعريفين للحرية حظيا بالاتفاق بين كثير من النقّاد، فروسو جعل الإرادة العامة حداً للحرية التي يتم التمتع بها في إطار الدولة، ولابروير أكد عدم وجود وطن في ظل الاستبداد. كما اتفق إسحق مع المفكرين السياسيين العرب والمصريين في العصر الحديث في مناقشة بعض المسائل المتعلقة بالحرية التي تطرقوا إليها في مقابل الاستبداد، وهي علاقتها الوثيقة بالوطن، والاهتمام بالعدل أو بالعدالة بالتوازي معها، وعلاقتها بالإصلاح و/‍‌أو بالثورة.

على الرغم من ذلك، لم يكن أديب إسحق ناقـلاً لأفكار سياسية غربية أو عربية عن الحرية إنما كان حريصاً على توضيح بعض التصورات تجاهها ومناقشتها بل والانطلاق من بعضها حتى يبلور ويعرض رؤيته الخاصة بالحرية التي استمدها أيضاً من السياق الذي عاصره، سواء الشرقي أو الغربي. من هنا يتضح إسهام أديب إسحق في الفكر السياسي العربي حيث بلور رؤية متميزة للحرية المرغوب مِنها تربطها بقيمتَي المساواة والعدل وبمفهوم الوطن، والقانون، والإصلاح والثورة وتجعلها وجدان الأمة، وذلك مع الدعوة إلى النضال من أجل التمتع بها.

 

قد يهمكم أيضاً  الثقافة الغربية ومطلب العدل الفكري: نقد الحداثيين أنموذجاً

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الحرية #العقد_الاجتماعي #القيم #أديب_إسحق #فكر #ثقافة #الثقافة_الغربية #الفكر_السياسي #الحرية_الطبيعية #الحرية_المدنية #الحرية_السياسية