أولاً: في الشكل:
1 – كم كنت أتمنى أن لا يعمِّم الكاتب، المتخصص بتشويه صورة «القوميين العرب»، أحكامه على كل القوميين العرب انطلاقاً من مقال هنا أو مقال هناك، أو موقف هنا أو موقف هناك، فهذا من الناحية العلمية غير صحيح، ومن الناحية الأخلاقية غير جائز.
2 – حتى في المقالين المذكورين اللذين تجنب الكاتب الإشارة الصريحة إلى اسمَي كاتبيهما، رغم تعمده التلميح باسمَيهما عبر الصفات المنسوبة إليهما، لكنني كغيري من القراء، لم أجد في ما ذكره الكاتب الدخيل جملة واحدة تشير إلى صحة اتهاماته غير الدقيقة، إلا إذا اعتبر أن مجرد الاعتراض على سياسة بعض حكام الجزيرة العربية هو موقف ممالئ لإيران، علماً أن هذا الاعتراض موجود في الأدبيات والمواقف السياسية العربية قبل سقوط حكم الشاه في إيران، بل هو اعتراض شمل كتّاباً وسياسيين لا ينتمون إلى المدارس «القومية» و«اليسارية» فحسب؛ بل ينتمون أيضاً إلى مدارس إسلامية وليبرالية يعرفها السيد الدخيل أكثر من غيره…
3 – كم كنا نتمنى لو أن الكاتب وهو الإعلامي المحنّك، والأكاديمي المعروف، قدّم عرضاً متوازناً وشامـلاً لمجمل مواقف القوميين العرب، أفراداً وهيئات ومؤسسات، حتى ﴿لا تزر وازرة وزر أخرى﴾، وخصوصاً أن بين يدَي الأخ خالد العديد من الأدبيات التي يمكن الرجوع إليها، ولا سيَّما منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، والمشروع النهضوي العربي، والبيانات الختامية لـ 27 دورة عقدها المؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه عام 1990، وهو المؤتمر المعروف بموقفه من الاحتلال الأمريكي، وقبله من الحصار على العراق، كما بعده من المقاومة العراقية، وهو الموقف الذي كلفه أيضاً، وما زال، الكثير من الحصار والضغوط والاتهامات الظالمة.
ثانياً: في المضمون
1 – إن موقف أغلبية القوميين العرب، وخصوصاً من التقى منهم في إطار هيئة جامعة باسم «المؤتمر القومي العربي» من العلاقات العربية – الإيرانية يقوم على معادلة بسيطة وهي «أن إيران تشكل عمقاً استراتيجياً وحضارياً للأمة العربية وأن يتعامل العرب معها كصديق محتمل لا كعدو محتمل، وعلى أساس أنها صديق محتمل وليس عدواً محتمـلاً، كما أن القادة الإيرانيين مدعوون إلى إدراك جملة الهواجس والالتباسات الموجودة عند أغلبية أبناء الأمة العربية من المواقف الإيرانية تجاه بعض القضايا العربية، ولا سيَّما في العراق والجزر الإماراتية الثلاث، بل تجاه بعض التصريحات الصادرة عن مسؤولين في طهران مثل أن «بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية» وأن طهران «تتحكم اليوم بأربع عواصم عربية» وأن «البحرين فارسية»… إلخ.
2 – إن المشروع النهضوي العربي الذي أعده، على مدى عشر سنوات، مركز دراسات الوحدة العربية (وشارك في إعداده مفكرون وباحثون من التيارات الرئيسية في الأمة)، وأعلنه في 22/2/2010، وكل بيانات المؤتمر القومي العربي، تعتبر أن إقامة علاقات حسن جوار مع دول الجوار الحضاري للأمة العربية هي من ركائز المشروع النهضوي العربي الذي دعا أيضاً إلى أفضل علاقات بين العرب وإيران وتركيا على قاعدة احترام السيادة الوطنية والمصالح المشتركة والعلاقات الندية المتكافئة، فالعربي عربي، والإيراني إيراني، والتركي تركي.
3 – إن القوميين العرب الملتزمين بالمشروع النهضوي العربي، اعتبروا على مدى عقود أن القضية الفلسطينية، بكل جوانبها، هي جوهر القضية العربية وأنها القضية المركزية للأمة العربية، وأن الصراع الرئيسي في المنطقة هو الصراع العربي – الصهيوني، وأن موقف أي طرف داخلي أو خارجي منه هو معيار رئيسي للعلاقة بهذا الطرف أو ذاك؛ بل هو معيار ينبغي أن تعتمده الأنظمة العربية جميعاً في علاقاتها الداخلية والخارجية.
وهنا ينبغي الإقرار بأن موقف إيران من القضية الفلسطينية، ودعمها القوى التي تقاوم الاحتلال، هو موقف ينبغي الاهتمام به من قبل القوميين العرب وتطويره والانتقال منه لتنقية كل الشوائب الأخرى العالقة في العلاقة العربية – الإيرانية.
ومن المفارقات اليوم أن من يدعو إلى اعتبار الصراع مع أيران أولوية، هو من كان يعتبر نفسه بالأمس حليفاً وصديقاً لنظام الشاه الذي كان يفاخر أركانه وحلفاؤه بأنه «شرطي الخليج»، وسكتوا على ضمّه الجزر الإماراتية إليه، ناهيك بدوره في دعم الكيان الصهيوني وتشكيل الأحلاف الاستعمارية.
4 – لقد خصص الكاتب جزءاً رئيسياً من مقاله للحديث عن علاقة «الرئيس بشار الأسد أمين عام حزب البعث العربي» بإيران لكي يثبت صحة مقولاته، متناسياً علاقة والده الرئيس الراحل حافظ الأسد الجيدة، خلال فترة ولايته (1970 – 2000) بدول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، ودورها كجسر بينها وبين إيران، ومتناسياً أيضاً أن أمين عام حزب البعث الآخر الرئيس الشهيد صدام حسين خاض حرباً ضد إيران، مما يؤكد أن المسألة بالدرجة الأولى هي سياسية لا فكرية .
5 – السؤال الخطير هنا: «هل هذه الحملة المتصاعدة على العروبة كهوية جامعة للأمة، وعلى القوميين العرب (كمؤمنين بوحدة الأمة واستقلالها وبقيام أنظمة ديمقراطية عادلة، وبناء تنمية مستقلة، وبتعزيز التجدد الحضاري، وبتعميق الرسالة الإنسانية المنفتحة لهذه الأمة) محاولة ابتزاز هدفها التأثير في «استقلالية» القوميين العرب، أم هي جزء من عملية التمهيد لمشروع تصفية القضية الفلسطينية وتعميم التطبيع مع العدو الصهيوني، وهو المشروع الذي كان وسيبقى القوميون العرب بأغلبيتهم الساحقة طليعة المتصدين له.
6 – إن أي محلل موضوعي ومتجرد يدرك أن السبب الرئيسي لتمدد النفوذ الإيراني والتركي (وكلاهما أمم تربطنا بها روابط عقائدية وحضارية ومصالح سياسية واقتصادية مشتركة) يعود إلى غياب المشروع العربي الذي كلما كان يبزغ فجر نهوضه في مكان ما من الأمة، سارعت قوى من الخارج والداخل للإجهاز عليه.
هل ينسى الكاتب مأساة الأمة في فلسطين، ومأساة التسهيلات «العربية» لاحتلال العراق وشرعنة إفرازاته، ومأساة ليبيا وسورية واليمن حيث نار الفتنة، وبتمويل وتحريض وتسليح عربي وإقليمي، تحرق الأخضر واليابس.
7 – لقد تحامل الكاتب على القوميين العرب في مقالته السابقة حول «عنصرية القوميين العرب ضد أبناء الجزيرة العربية» قافزاً عن جملة حقائق معروفة للجميع، وهو اليوم في حديثه عن «القوميين العرب وإيران» يتحامل من جديد على مشروع عروبي وحدوي ديمقراطي تنموي يضع استقلال الأمة في رأس أهدافه، واستقلالية العمل القومي في رأس التزاماته…
وربما هذه الاستقلالية هي التي تفسّر تحامل الكاتب بالأمس واليوم وغداً…
المصادر:
(*) نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 459.
(**) معن بشور: أمين عام سابق للمؤتمر القومي العربي، ورئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.
مقالات ذات صلة
1 Comment
Add comment إلغاء الرد
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
سيظل القوميين العرب في الطليعة ، مهما شن نظام الأسرة الحاكمة هجماته الوهمية لتبرير بقاءه في السلطة ليس أكثر، فمثلا، ماذا قدم نظام الأسرة الحاكمة للأمة العربية غير تصدير الإرهاب؟ وتشويه صورة الأمة العربية. وتغدية الفتن الداخلية.