مقدمة:

لطالما شعرت «إسرائيل» بالعزلة الدولية في الأمم المتحدة، فمنذ انضمامها إلى المنظمة الدولية في 11 أيار/مايو 1949 صدر عن الأمم المتحدة عدد من القرارات التي أكدت الحق العربي وعززت من عزلة «إسرائيل» في أكبر المحافل الدولية. ومع انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، أخذت العزلة الإسرائيلية في الأمم المتحدة تتقلص وأصبحت بعض قرارات المنظمة الدولية «متوازنة» أكثر من كونها منصفة وعادلة. ومع ذلك واجهت «إسرائيل» كثيراً من الصعوبات في الاندماج في الأمم المتحدة، حتى في العقد الأول لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، وذلك بسبب قوة وصلابة المجموعة العربية في المنظمة الدولية، مدعومة بالمجموعة الإسلامية ومجموعة حركة عدم الانحياز. غير أنّ نفوذاً إسرائيلياً أخذ يتنامى بشكل لافت منذ بداية الألفية الثالثة، حيث انتُخبت «إسرائيل» وبعض من كبار موظفيها لمناصب مختلفة في بعض أجهزة الأمم المتحدة. ففي عام 2005 على سبيل المثال انتُخبت «إسرائيل» في منصب رفيع وهو منصب نائب رئيس الجمعية العامة[1]، ضمن مجموعة نواب رئيس الجمعية العامة البالغ عددهم 21 نائباً. وتم انتخابها للمنصب ذاته عام 2012. وفي عام 2016 انتخب المندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة رئيساً للجنة القانونية للجمعية العامة، وكان هذا تطوراً لافتاً في مساعي «إسرائيل» للخروج من عزلتها في الأمم المتحدة. وخلال العام 2017 تم انتخاب «إسرائيل» مرة أخرى لمنصب أحد نواب رئيس الجمعية العامة.

تحاول هذه الدراسة تحديد الأسباب التي أدت إلى زيادة النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة وتمكنها من اختراق العزلة الدولية التي عاشتها ردحاً من الزمن داخل أروقة الأمم المتحدة، إضافة إلى محاولة التعرف إلى أهم تداعيات مثل هذا التطور على الدول العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

تقوم هذه الدراسة على فرضية مفادها أنّ تغير الواقع الإقليمي والدولي أتاح فرصة النمو للنفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة، ولهذا نجحت المساعي الإسرائيلية والأمريكية في تخفيف العزلة الدولية عن «إسرائيل» في إطار الأمم المتحدة، الأمر الذي من المرجح أن تكون له انعكاسات سلبية على الجانب العربي. وقد اعتمد الباحث في هذه الدراسة على الوصف والتحليل والاستنتاج، لإثبات فرضية الدراسة التي تنقسم إلى ثلاثة مباحث. المبحث الأول هو مدخل تاريخي يتناول تاريخ وطبيعة العلاقة بين «إسرائيل» والأمم المتحدة، وأسباب تنامي النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة. أمّا المبحث الثاني فيتناول مساعي «إسرائيل» المستميتة للخروج من عزلتها الدولية، بما في ذلك من طريق ترشحها لنيل عضوية مجلس الأمن غير الدائمة، واستراتيجيتها للتخلص كلياً من العزلة المفروضة على هذا الكيان في الأمم المتحدة. وأخيراً يعرض المبحث الثالث أهم التداعيات المترتبة على تنامي نفوذ «إسرائيل» في الأمم المتحدة، أو تلك التي يمكن أن تترتب على نجاح مساعيها الحالية لفك ما تبقى من عزلتها في المنظمة الدولية.

أولاً: مدخل تاريخي

يعَدّ بند فلسطين من أقدم البنود على جدول أعمال الأمم المتحدة التي عقدت أول دورة من دورات الجمعية العامة الخاصة عام 1947 في شأن القضية الفلسطينية، حيث أنشأت الجمعية العامة في هذه الدورة بموجب القرار 106 لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)‏[2] التي وضعت خطة تقسيم فلسطين. وكانت اللجنة المذكورة تتكون من إحدى عشرة دولة[3]، لم تكن من بينها أيّ من الدول الخمس دائمة العضوية، حسب ما اتفق عليه في المداولات التي تمت في شأن تشكيل اللجنة التي كان معظم أعضائها من الدول السائرة في الفلك الغربي في ذلك الوقت.

وهكذا يلاحَظ أنّ الأمم المتحدة في بداية عهدها أدّت دوراً سلبياً حين عقدت أول دورة خاصة للجمعية العامة بهدف تقسيم فلسطين التاريخية. ولهذا يمكن القول إنّ الأمم المتحدة شرعنت وجود «إسرائيل» بمنحها اعترافاً دولياً بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 المؤرخ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 والمعنوَن «مستقبل حكومة فلسطين»، الذي أقر توصيات اللجنة آنفة الذكر[4]، بما في ذلك من طريق إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيمها إلى ثلاثة كيانات على النحو التالي: دولة عربية[5]، ودولة يهودية[6]، بينما وضعت القدس بموجب هذا القرار تحت وصاية دولية تقودها الأمم المتحدة[7]. ويلاحَظ أنّ هذا القرار كان منحازاً وغير حيادي على الإطلاق، إذ إنّه تجاهل العوامل التاريخية وحقوق الفلسطينيين في أرضهم التاريخية، ومنح شهادة ميلاد للدولة العبرية. كما أنّ القرار لم يكن منصفاً حتى في توزيع الأراضي، لو افترضنا جدلاً بحقوق مشروعة لكلا الطرفين، فقد منح هذا القرار الدولة العبرية نحو 15 ألف كيلومتر مربع من أرض فلسطين (أي نحو 56 بالمئة من فلسطين التاريخية)، بينما لم تمنح «الدولة العربية» المقترحة سوى 11 ألف كم مربع.

ولا يمكن دراسة العلاقة بين «إسرائيل» والأمم المتحدة من دون الإشارة إلى قضية الوسيط الدولي الكونت برنادوت (من السويد) الذي عينه مجلس الأمن وسيطاً دولياً في فلسطين عام 1948، واغتالته إسرائيل بسبب مواقفه الداعمة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين ومنح منطقة النقب بأكملها أو جزء منها للدولة العربية المقترحة، وهذا ما لقي معارضة من إسرائيل، وكانت النتيجة مقتله من جانب عصابة إسرائيلية مدعومة من السلطات الإسرائيلية[8]. وعقب صدور القرار 181 بنحو ستة أشهر تقدمت «إسرائيل» بطلب للأمم المتحدة لقبول عضويتها في المنظمة الدولية، فوجد مجلس الأمن أنّ «إسرائيل» قد استوفت شروط العضوية ومن بينها كونها «دولة محبة للسلام»، ومن ثمّ أوصى المجلس الجمعية العامة بقبول عضويتها في الأمم المتحدة، وهذا ما فعلته الجمعية العامة التي أقرت هذه التوصية في 11 أيار/مايو 1949‏[9]، فأصبحت «إسرائيل» منذ ذلك اليوم العضو التاسع والخمسين في الأمم المتحدة.

ومن المفارقة أنّ الإسرائيليين ظلوا منذ انضمامهم إلى الأمم المتحدة يشعرون بانحياز المنظمة ضدهم، رغم أنّها منحتهم شهادة الميلاد على الأرض الفلسطينية المغتصَبة. أمّا انحياز الأمم المتحدة ضد «إسرائيل» فيتمثل – من وجهة النظر الإسرائيلية – بالقرارات العديدة التي تتبناها كثير من أجهزة المنظمة ضد ممارسات «إسرائيل» بحق الفلسطينيين، والتقارير التي توثق لهذه الانتهاكات، واللجان والأجهزة المختلفة التي أنشأتها المنظمة الدولية في شأن القضية الفلسطينية كإنشاء شعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة، والاحتفال السنوي بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني[10]. كما أنّ هناك العديد من الإنجازات الأخرى التي تحققت للقضية الفلسطينية في إطار الأمم المتحدة، والتي سنشير إلى بعضها في سياق البحث.

وهكذا يلاحظ أن العلاقة بين «إسرائيل» والأمم المتحدة تقوم على إنكار أي دور للمنظمة الدولية في إنشاء الكيان الصهيوني، وانحيازها ضدهم. لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إنّ بعضهم ينكر على الأمم المتحدة دورها في خلق دولة إسرائيل[11]، ويذهب بعضهم إلى ما هو أكبر من ذلك، إذ يعتقد أنّ الأمم المتحدة في حالة حرب مع إسرائيل[12].

وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أنّ هناك من العرب من يرى أنّ الأمم المتحدة منحازة لإسرائيل لأنّها منحتها شهادة الميلاد التي أعطتها شرعية دولية، ولأنّها (أي الأمم المتحدة) عجزت عن إقامة الدولة العربية في الجزء المخصص لها، هذا فضـلاً عن انحيازها لصالح «إسرائيل» في عدد من قراراتها، وأهمها قرارا مجلس الأمن (242) لعام 1967 و(338) لعام 1973‏[13]. ورغم وجاهة وصحة بعض هذه الشواهد التاريخية، إلا أنّه من غير الموضوعي تجاهل الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الجانب العربي، وإغفال الجوانب الإيجابية للأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية كاعتماد عدد من القرارات الداعمة للحق الفلسطيني، وإنشاء عدد لا بأس به من الأجهزة واللجان الأممية المعنية بهذه القضية كوحدة فلسطين في الأمانة العامة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأنروا) وغيرها. وإذا كان هناك من مآخذ على الأمم المتحدة في شأن القضية الفلسطينية، فهي تقتصر بالدرجة الأولى على مجلس الأمن الذي يخضع القرار فيه للفيتو الذي طالما سخرته الولايات المتحدة للدفاع عن «إسرائيل» ومنع إدانتها.

لقد سعت «إسرائيل» منذ سنواتها الأولى في الأمم المتحدة للحصول على مزيد من الشرعية والاعتراف الدولي عبر الاندماج في منظمات وأجهزة الأمم المتحدة المختلفة. ففي عام 1952 على سبيل المثال، انتُخب أبا إيبان (Abba Eban) لأول مرة كأحد نواب رئيس الجمعية العامة الواحد والعشرين[14] الذين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة عام كامل (طوال فترة الدورة العادية للجمعية العامة). علماً بأنّ ترشيح «إسرائيل» في ذلك العام قد تم بواسطة مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى[15]. وربما يعود نجاح «إسرائيل» حينها في الحصول على هذا المنصب لقوة المعسكر الغربي في ذلك الوقت. أمّا حقبة الستينيات وما بعدها فقد شهدت سيطرة البلدان النامية على الجمعية العامة، بعد أن نالت الكثير من هذه البلدان استقلالها وانضمت إلى الأمم المتحدة، وبرزت خلال حقبة السبعينيات المجموعة العربية كقوة فاعلة في إطار الأمم المتحدة، مدعومة من حركة عدم الانحياز، ثم بعد ذلك من المجموعة الإسلامية، في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى مجموعة الدول الاشتراكية. واستمر الأمر على هذا الحال حتى نهاية حقبة التسعينيات، حيث كان من الصعوبة بمكان على «إسرائيل» الحصول على أيّ منصب، ولو شرفي في المنظمة الدولية.

ومنذ السنوات الأولى للألفية الثالثة كثفت «إسرائيل» من مساعيها لتقليل عزلتها الدولية في الأمم المتحدة، وتمكنت خلال الدورة الستين للجمعية العامة لعام 2005 من الفوز بمنصب نائب رئيس لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح. وفي العام ذاته انتخب دان جيلرمان (Dan Gillerman) المندوب الدائم لإسرائيل من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة كأحد نواب رئيس الجمعية العامة للمرة الثانية في تاريخ إسرائيل[16] (أي بعد 53 سنة من انتخاب أول مندوب إسرائيلي للمنصب).

ولعل أبرز إنجاز دبلوماسي حققته «إسرائيل» في هذا الخصوص نجاح مندوبها الدائم داني دانون في الفوز برئاسة اللجنة القانونية (اللجنة السادسة) للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، رغم معارضة الدول الإسلامية وحركة عدم الانحياز. وقد تحدثت بعض التقارير عن تصويت أربع دول عربية على الأقل لمصلحة المندوب الإسرائيلي[17]. وعلى الرغم من صعوبة التسليم بمثل هذه التقارير، لأنّ هذه الانتخابات تُجرى بطريقة الاقتراع السري، ومن الصعوبة بمكان معرفة لمن صوتت كل دولة، إلا أنّه يمكن القول بوجه عام أنّ مواقف المجموعتين العربية والإسلامية وكذلك حركة عدم الانحياز، لم تكن متماسكة، ولو كانت كذلك لما تمكنت «إسرائيل» من الفوز في هذه الانتخابات. إنّ حركة عدم الانحياز وحدها تتكون من 120 دولة، فكيف يمكن لإسرائيل الحصول على 109 أصوات دون أن يكون من بينها أصوات عديدة من هذه المجموعة، وربما من المجموعتين العربية والإسلامية كذلك. وهكذا يلاحظ من هذا السرد التاريخي زيادة النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة على نحوٍ متزايد، منذ السنوات الأولى للألفية الثالثة (انظر الجدول الرقم (1) الذي يوضح الزيادة في المناصب التي تولتها «إسرائيل» في الأمم المتحدة منذ انضمامها للأمم المتحدة).

الجدول الرقم (1)

قائمة بالمناصب التي تولتها «إسرائيل» في أجهزة الأمم المتحدة

التاريخالجهازالمنصبالتسلسل
1952الجمعة العامةأبا إيبان مندوب «إسرائيل» الدائم لدى الأمم المتحدة نائباً لرئيس الجمعية العامة1
2005لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاحنائب رئيس لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح2
2005الجمعية العامةدان جيلرمان المندوب الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة نائباً لرئيس الجميعة العامة3
2007لجنة البرامج والتنسيق (تابعة للجمعية العامة)روني آدم (وزارة الخارجية) رئيساً للجنة البرامج والتنسيق4
2008اتحاد البريد العالمي (UPU)انتخاب «إسرائيل» لأول مرة لعضوية مجلس العمليات البريدية لاتحاد البريد العالمي5
2012الجمعية العامةرون بروسور المندوب الدائم لإسرائيل لدى الامم المتحدة نائباً لرئيس الجمعية العامة6
2/2/2012برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP)عضو المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي7
تشرين الأول/أكتوبر 2015لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجيعضو لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي8
حزيران/يونيو 2016اللجنة الرابعة (القانونية/لجنة رئيسية للجمعية العامة)داني دانون المندوب الاسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة رئيساً للجنة الرابعة (القانونية)9
حزيران/يونيو 2017الجمعية العامةداني دانون المندوب الاسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة نائباً لرئيس الجمعية العامة10

المصدر: قام الباحث بإعداد هذا الجدول من مصادر مختلفة.

وبالإمكان إجمال الأسباب التي أدت إلى تنامي النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة في عاملين رئيسيين هما المتغير الدولي والمتغير الإقليمي. فمع انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينيات أخذت «إسرائيل» تشعر بنوع من الانعتاق من عزلتها الدولية في الأمم المتحدة؛ إذ خدمها الوفاق الدولي الذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كما ساهم المتغير الإقليمي في خدمة مصالحها بوجه عام، وعزز من فرص خروجها من عزلتها الأممية. وتعزز أثر العامل المتغير الدولي لاحقاً بوصول دونالد طرمب للرئاسة الأمريكية، وتبنيه سياسة أكثر انحيازاً لإسرائيل من سابقاتها. أمّا المتغير الإقليمي فقد تجلى في حادثة الغزو العراقي لدولة الكويت، وقضية إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3379 لعام 1975 الذي يعتبر من أهم القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة وأزعجت كثيراً الدولة العبرية وقضّت مضجعها، حيث اعتبر هذا القرار «الصهيونية شكـلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»[18]. ويمكن اعتبار إلغاء هذا القرار نتيجة من نتائج المتغيرَين الإقليمي والدولي معاً، فقد ساعدت أجواء ما بعد الحرب الباردة وإرهاصات الغزو العراقي للكويت في تشكيل موقف دولي مؤيد لمقترح إلغاء القرار، في سابقة في تاريخ الأمم المتحدة.

ولم تكد تداعيات الغزو العراقي للكويت تضمحل بعد أكثر من عقدين من الزمن، حتى اندلع ما يسمى «الربيع العربي» في نهاية عام 2010، الذي كانت له تداعيات مماثلة إن لم تكن أكبر على كل المنطقة العربية، حيث أفرز حالة من الضعف العربي وعدم الاستقرار في عدد من الدول العربية المحورية، وانعكس ذلك مباشرة على الأداء العربي في الأمم المتحدة، فلم يعد الموقف العربي صلباً مثلما كان قبل حدوث هذا «الربيع العربي» الذي سرعان ما صار خريفاً. وتعمقت حالة الضعف لدى الفلسطينيين نتيجة دخول بعض الفصائل الفلسطينية في الصراع الناتج من «الربيع العربي» وانحيازها إلى بعض أطراف النزاع، كما هو حال موقف حركة حماس الذي انحاز إلى حركة الإخوان المسلمين في مصر وسورية على سبيل المثال[19]. وما لا شك فيه أنّ آثار هذا الواقع الجديد انعكست في صورة مزيد من الضعف في المجموعة العربية في الأمم المتحدة، بعد أن أصبحت دول عربية كثيرة مشغولة بهمومها المحلية، كما ظهرت نتيجة لهذا الوضع بعض حالات الصراع العربي – العربي.

ثانياً: استراتيجية «إسرائيل» للخروج من عزلتها الأممية

حاول الإسرائيليون التعايش مع عزلتهم الدولية في الأمم المتحدة ردحاً من الزمن، إلا أنّهم أخذوا منذ مطلع الألفية الثالثة يفكرون جدياً في مخرج من هذا الوضع. ولهذا يبدو أنّ الإسرائيليين وضعوا استراتيجية طويلة المدى للخروج من هذه الحالة من العزلة الدولية. وتتكون هذه الاستراتيجية من ثلاثة محاور أساسية: الأول، يتمثل بالعمل على إضعاف دور الأمم المتحدة في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية على وجه التحديد؛ أمّا المحور الثاني، فيتمثل بالعمل على دمج «إسرائيل» في المنظمة الدولية من خلال تقديم مشاريع قرارات غير سياسية وطرح قضايا للنقاش تتعلق بإسرائيل كموضوع معاداة السامية الذي ترى فيه «إسرائيل» فرصة للتعبير عن «مظلومية اليهود التاريخية» لكسب المزيد من التعاطف الدولي. ويركز المحور الثالث على السعي نحو حصول «إسرائيل» على عضوية بعض أجهزة الأمم المتحدة على نحوٍ متدرج، بدءاً من الحصول على مناصب شرفية وصولاً نحو نيل عضوية الأجهزة الأهم في المنظمة كمجلس الأمن.

1 – إضعاف دور الأمم المتحدة في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي

إنّ الدور المطلوب إسرائيلياً وغربياً للأمم المتحدة في ما يتعلق بإسرائيل كدولة وبالقضية الفلسطينية يتمثل بمنح «إسرائيل» المزيد من الشرعية الدولية وتعزيز نفوذها من جهة، وتهميش دور المنظمة الدولية في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي من جهة أخرى. لهذا تسعى «إسرائيل» وحلفاؤها في الأمم المتحدة لإعاقة أيّ جهد عربي في هذا المجال. وإذا كان هذا الأمر مألوفاً في مجلس الأمن، فإنّه ليس كذلك في الجمعية العامة بوجه عام. ويمكن القول بوجه عام إنّ فشل الأمم المتحدة في إيجاد حل للقضية الفلسطينية لا يعود إلى قصور مؤسسي في الأمم المتحدة، بل يعود بالدرجة الأولى إلى السياسة الأمريكية التي تعمل على تهميش دور المنظمة الدولية بشأن القضية الفلسطينية ومنعها من القيام بأيّ دور سياسي لحل هذه القضية التي تعود جذورها إلى ما قبل إنشاء الأمم المتحدة[20].

وقد كانت المجموعة العربية تعمل ما في وسعها للتصدي لإسرائيل ومحاولاتها الالتواء على قرارات الشرعية الدولية في شأن فلسطين، ولهذا كانت تواجهها في الأمم المتحدة، وبخاصة خلال مرحلة الحرب الباردة. ففي 15 تشرين الأول/أكتوبر 1985 على سبيل المثال، اعترضت الدول العربية والإسلامية على تقرير لجنة وثائق التفويض الذي كانت تعتمده الجمعية العامة في السابق على نحوٍ روتيني، من دون نقاش. وكان سبب الاعتراض يتعلق بأوراق تفويض الوفد الإسرائيلي الصادرة في مدينة القدس بوصفها عاصمة لإسرائيل، بينما هي مدينة محتلة بموجب قرارات مجلس الأمن. ورغم قوة المجموعة العربية والإسلامية حينها إلا أنّها لم تنجح في مسعاها هذا، بسبب لجوء الدول الغربية لحيلة قانونية تمثلت بتقديم مشروع إجرائي على مشروع القرار العربي يطالب بعدم اتخاذ أي إجراء من المشروع العربي (No Action Motion)، ونجحت «إسرائيل» وحلفاؤها، حيث نال مشروعهم الإجرائي 80 صوتاً مؤيداً، و41 معارضاً، و20 دولة ممتنعة. وأخذت الدول الغربية تلجأ إلى هذه الوسيلة سنوياً، ومع مرور الوقت أخذ الموقف العربي في التراجع، إلى أن تم الاكتفاء بتسجيل الموقف العربي في بيان يلقيه رئيس المجموعة العربية، من دون طرح المشروع العربي للتصويت[21].

وبعد نهاية الحرب الباردة تكثفت مساعي «إسرائيل» وحلفائها الرامية لتهميش دور الأمم المتحدة في القضية الفلسطينية، وتجلى ذلك في مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل ما قبل محادثات مدريد لعام 1991، حيث نصت هذه المذكرة صراحة على أنّه ينبغي عدم السماح للأمم المتحدة بأداء أيّ دور في هذا المجال. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل سعت الولايات المتحدة لإلغاء قرارات سابقة للأمم المتحدة، كقرار الجمعية العامة في شأن مساواة الصهيونية بالعنصرية الذي أشرنا إليه آنفاً. وفي إعلان أوسلو لعام 1993 تم تأكيد هذا النهج، إذ جرى تجاهل الأمم المتحدة. كما تم العمل على تخفيف حدة الانتقاد لإسرائيل في بعض قرارات الجمعية العامة، وعُمل أيضاً على تقليص عدد القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية التي تصدر سنوياً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن أبرز هذه القرارات، تلك المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس[22]. ورغم كون هذه القرارات مجرد توصيات غير ملزمة للدول الأعضاء، إلا أنّ لها تأثيراً سياسياً في أيّ عملية تفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

ولم تكن الأمانة العامة للأمم المتحدة بمنأى من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، إذ مورست الكثير من الضغوط على الأمانة لدفعها للتعاطف مع «إسرائيل» أو عدم انتقادها. ففي عام 2006 على سبيل المثال، قال كوفي عنان الأمين العام للمنظمة الدولية آنذاك إنّ معاملة «إسرائيل» لم تكن عادلة في بعض أجهزة الأمم المتحدة[23]. وما من شك في أنّ الأمين العام لم يقل هذا الكلام لولا ضغوط كبيرة مورست عليه، فهو شخص غير معروف بتعاطفه مع إسرائيل.

وقد مورست أيضاً ضغوط مماثلة على بان كي مون الأمين العام السابق للتعبير عن التعاطف مع إسرائيل، حيث قال بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2016 (قبل انتهاء ولايته الثانية بأيام) إنّ «عقوداً من المناورات السياسية أنتجت عدداً غير متناسب من القرارات والتقارير واللجان ضد إسرائيل». ومن يتفحص هذا الخطاب جيداً يجد أنّه من غير المناسب للأمين العام التفوُّه به مطلقاً، إذ لا يحق للأمين العام الاعتراض على ما تتخذه أجهزة المنظمة الدولية من قرارات أو تشكله من لجان، لأنّ كل ذلك يتم في إطار النظام الداخلي لأجهزة المنظمة وبموافقة أغلبية الدول الأعضاء. أمّا الأمين العام الحالي أنتونيو غوتيريس فقد تبنى خطاباً شبيهاً بالخطاب الإسرائيلي، حين قال مخاطباً المؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك في نيسان/أبريل 2017 إنّه سيتخذ إجراءات ضد ما أسماه الموجة الدولية المتنامية من معاداة السامية، وتحدث عن ما أسماه «شكـلاً حديثاً من أشكال معاداة السامية، وهو إنكار حق «إسرائيل» في الوجود»[24]. فهو هنا يربط موضوع معاداة السامية بدولة «إسرائيل»، وهذا تسييس للموضوع. ولم تتخذ الدول العربية مواقف حازمة تجاه مثل هذه التصريحات المنحازة لإسرائيل.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أمر غوتيريس أيضاً بسحب تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الصادر في آذار/مارس 2017، والذي وصف ممارسات «إسرائيل» بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأنّها شكل من أشكال الفصل العنصري الذي تمارسه «إسرائيل» ضد الفلسطينيين. وقد طلب غوتيريس من الأمين التنفيذي للأسكوا ريما خلف سحب هذا التقرير من على الموقع الإلكتروني للأسكوا، إلا أنّها أبت أن تفعل ذلك وفضلت الاستقالة، وقالت عقب استقالتها إنّ الأمين العام تعرض لضغوط كبيرة لسحب التقرير. وما من شك في أنّ تلك الضغوط كانت من الولايات المتحدة الأمريكية بصورة رئيسية. وقد شكلت المجموعة العربية في نيويورك وفداً من مندوبي فلسطين وعمان والعراق لمقابلة غوتيريس لمتابعة هذا الموضوع[25]، من دون أن تكون لهذا التحرك أيّ نتائج ملموسة.

وقد نال غوتيريس إعجاب الإسرائيليين لاتخاذ مثل هذه المواقف، فنشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريراً في آب/أغسطس 2017 أشاد فيه بمواقف الرجل الداعمة لإسرائيل، بما في ذلك بحثه إمكان تعيين وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني وعضو الكنيست الإسرائيلي في منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، ومعارضته لقرارات اليونسكو في شأن القدس والتراث الفلسطيني، وسحبه تقرير الإسكوا آنف الذكر، وإعلان براءته من احتفال لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان حيال الشعب الفلسطيني الذي أقيم في مقر الأمم المتحدة خلال شهر حزيران/يونيو 2017 بمشاركة ممثلين عن حركة «حماس»، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المصنفتين أمريكياً كمنظمتين «إرهابيتين». ويخلص التقرير إلى أنّ «أفعال غوتيريس وتصريحاته وخطاباته بشأن الموضوعات ذات الصلة بإسرائيل تخلق انطباعاً بأنّه ليس على دراية بالقصور المؤسسي للأمم المتحدة فحسب، بل إنّه ملتزم بتصحيح هذا الوضع»[26]. ومن الإنجازات الأخرى التي حققتها الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد غوتيريس نجاحهما في ثنيه عن قراره في شباط/فبراير 2017 تعيين سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني السابق مبعوثاً للأمم المتحدة في ليبيا[27].

وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) هي الأخرى تقع في مرمى الاستهداف الإسرائيلي، بهدف تهميش دور المنظمة الدولية في معالجة القضية الفلسطينية. وتعبِّر الوكالة من وجهة النظر الإسرائيلية عن انحياز الأمم المتحدة للفلسطينيين، ولهذا طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حزيران/يونيو عام 2017 بتفكيكها ودمج بعض أجزائها في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وطالب الولايات المتحدة بالعمل على تحقيق هذا الهدف[28]. وعلى الرغم من أنّ الجانب العربي لم يتصدَّ لهذا الموقف إعلامياً، إلا أنّ مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري كان له موقف واضح في هذا الشأن، حيث أكد ضرورة الالتزام بالتفويض «الممنوح للأونروا وفق قرار إنشائها (قرار الجمعية العامة ذي الرقم 302 عام 1949) وعدم المساس بولايتها أو مسؤوليتها وعدم تغيير أو نقل مسؤوليتها إلى جهة أخرى…»[29]. ومن الضرورة بمكان عكس هذا الموقف أيضاً في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وبخاصة تلك المتعلقة بالأونروا.

وحري بالذكر أنّ «إسرائيل» كانت تعمل منذ تأسيسها على تهميش قضية اللاجئين الفلسطينيين، معتبرة أن تبادلاً للسكان تم بينها وبين الدول العربية التي لجأ إليها الفلسطينيون بعد «النكبة»، حيث هاجر كثير من اليهود من الدول العربية إلى «إسرائيل». وقد تجلى هذا القلق والخوف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين في الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الإسرائيلي للأمم المتحدة في مطلع تموز/يوليو 1948 بعد حرب الأيام العشرة والتي قال فيها إنّ عودة آلاف العرب الفلسطينيين «سيضر بشكل خطير بحقوقنا وموقفنا»[30]. وتدرك «إسرائيل» أنّ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين 48 يعني نهاية دولة إسرائيل، ولهذا هي تشكك في أعداد هؤلاء اللاجئين الصادرة عن الأونروا أو عن السلطة الفلسطينية، وترى أنّ أيّ عودة محتملة مستقبـلاً للاجئين لا تكون إلا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لا يؤثر ذلك في الوضع الديمغرافي للدولة العبرية ووجودها[31].

ويمكن القول إنّ جهود «إسرائيل» وحلفائها لإضعاف دور الأمم المتحدة في شأن القضية الفلسطينية قد حققت نجاحاً ملحوظاً في مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة وحتى الجمعية العامة إلى حد ما، لكنها لم تنجح بعد في أجهزة أخرى كاليونسكو ومجلس حقوق الإنسان. ومع ذلك، أخذت بعض الدول العربية تلاحظ مؤخراً تقليصاً في مناقشة بعض بنود مجلس حقوق الإنسان الخاصة بالقضية الفلسطينية، على الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تجاه حقوق الإنسان الفلسطيني[32]. ومن المرجح أن تزداد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على هذه الأجهزة مدعومة من عدد من الدول الغربية وأصدقاء «إسرائيل» في المنظمة الدولية. وما لم يكن للدول العربية والإسلامية دور في هذا الخصوص، فإنّ هذه الضغوط قد تحقق مبتغاها في نهاية المطاف.

2 – دمج «إسرائيل» في الأمم المتحدة

للخروج من عزلتها الأممية، تعمل «إسرائيل» منذ مطلع الألفية الثالثة على الاندماج في عمل الأمم المتحدة من خلال تقديم مقترحات ومشاريع قرارات دولية تتناول قضايا ذات أهمية كبرى لها. ففي عام 2005 نجحت «إسرائيل» في تحقيق مكسب تاريخي هام، حيث تمكنت من دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لاعتماد قرار يدعو إلى إحياء ذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكوست) من طريق تحديد يوم 27 من كانون الثاني/يناير من كل عام كــ «يوم عالمي لإحياء ضحايا محرقة اليهود». وبموجب هذا القرار تحث الجمعية العامة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على «وضع برامج تثقيفية لترسيخ الدروس المستفادة من محرقة اليهود في أذهان الأجيال المقبلة للمساعدة في الحؤول دون وقوع أفعال الإبادة الجماعية مستقبـلاً». كما يرفض القرار «أيّ إنكار كلي أو جزئي لوقوع محرقة اليهود كحدث تاريخي»[33]. ولو قيل لدبلوماسي إسرائيلي في حقبة السبعينيات أو الثمانينيات إنّ قراراً كهذا سيصدر مستقبـلاً عن الجمعية العامة لسخر من هذا الكلام.

وفي 19 كانون الأول/ديسمبر 2007 قدمت «إسرائيل» لأول مرة مشروع قرار إلى اللجنة الثانية للجمعية العامة (اللجنة الاقتصادية) تحت عنوان «تسخير التكنولوجيا الزراعية لأغراض التنمية». وقد نجحت في هذا المسعى[34]، حيث أخذت الجمعية العامة تعتمد هذا المشروع على نحوٍ سنوي منذ ذلك العام. ولم تتمكن الدول العربية من إعاقة صدور مثل هذا القرار، وأصبحت تكتفي بالتحفظ عنه بالتصويت بالامتناع، مع الإدلاء بخطابات تشرح فيها موقفها هذا. ففي عام 2013 على سبيل المثال، تحدث ممثل السعودية نيابة عن المجموعة العربية، حيث أوضح أنّ مضمون المشروع الإسرائيلي مشابه لمضمون قرار قدمته مجموعة الــــ 77 والصين، وأنّ المشروع لا يراعي مشاغل الدول النامية، وبخاصة تلك المتعلقة بمتطلبات نقل التكنولوجيا والتمويل. ودعا المندوب السعودي «إسرائيل» إلى الكف عن التلاعب بالأمم المتحدة للتغطية على سياساتها غير الشرعية، بما فيها احتلال الأراضي العربية وغير ذلك من ممارسات بحق الشعب الفلسطيني[35]. إنّ صدور هذا القرار بأغلبية مريحة سنوياً يعكس حالة الضعف التي أخذت تدب في المجموعة العربية في الأمم المتحدة من جهة، وحالة الانعتاق المتنامية لإسرائيل من عزلتها الأممية.

وفي السياق ذاته، نجحت «إسرائيل» في 22 كانون الثاني/يناير 2015 في دفع الجمعية العامة لعقد أول اجتماع غير رسمي في شأن معاداة السامية، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون. وقد اغتنم المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة، رون بروسور هذا الاجتماع للهجوم على الأمم المتحدة، بالقول إنّ وفوداً عديدة في هذه المنظمة مارست معاداة السامية قبل عام من هذا الاجتماع (أي عام 2014)، حين اتهمت «إسرائيل» باتباع سلوك مماثل للنازية وارتكاب «هولوكوست» في غزة[36]، في إشارة واضحة لانتقادات بعض الدول العربية والإسلامية للعدوان الإسرائيلي على غزة.

3 – العمل على الحصول عضوية بعض أجهزة الأمم المتحدة

تسعى «إسرائيل» منذ مطلع الألفية الثالثة نحو الحصول على عضوية بعض أجهزة المنظمة الدولية على نحوٍ تدريجي، حيث شرعت في بادئ الأمر في الحصول على عضوية أجهزة أممية أقل أهمية من غيرها أو شرفية في واقعها، كمنصب نائب رئيس الجمعية العامة على سبيل المثال، ثمّ أخذت تعمل على الحصول على عضوية الأجهزة المهمة في المنظمة الدولية كمجلس الأمن.

لقد ظلت «إسرائيل» منذ مدة طويلة تحلم بالحصول على العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، وسعت لتحقيق هذا الحلم منذ نحو عقدين من الزمن، مستغلة المتغيرات الإقليمية والدولية التي خدمتها في مساعيها تلك، والتي نشير إليها لاحقاً.

ومن الجدير بالذكر أنّ انتخاب الدول الأعضاء والأفراد لعضوية أجهزة الأمم المتحدة المختلفة يتم عبر آلية المجموعات الإقليمية، حيث توجد في الأمم المتحدة خمس مجموعات إقليمية هي: المجموعة الأفريقية، مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، مجموعة أمريكا اللاتينية والكاريبي، مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى، ومجموعة أوروبا الشرقية. وقد ظلت «إسرائيل» خارج أيّ من المجموعات الخمس منذ انضمامها إلى الأمم المتحدة، بسبب العزلة التي كانت مفروضة عليها في المنظمة الدولية، إذ كانت الدول العربية والإسلامية تعارض انضمامها إلى المجموعة الآسيوية. لهذا لم تجد أمامها سوى مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى في نيويورك لتنضم إليها في أيار/مايو 2000، بصورة مؤقتة. وحاولت فيما بعد عدة مرات الانضمام إلى المجموعة الآسيوية، بما في ذلك خلال عام 2004، إلا أنّ محاولاتها باءت بالفشل، بسبب معارضة الدول العربية والإسلامية الأعضاء في المجموعة[37].

وفي كانون الأول/ديسمبر 2013 انضمت «إسرائيل» بصفة دائمة إلى مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى في نيويورك[38]، كما انضمت إلى ذات المجموعة في مقر الأمم المتحدة الأوروبي في جنيف، بعد أن يئست من الحصول على عضوية المجموعة الآسيوية. ومع ذلك لا تزال «إسرائيل» تشعر بالإقصاء في أماكن أخرى موجودة فيها الأمم المتحدة، مثل فيينا ونيروبي، كما أنّ ليس لها تمثيل في الأمانة العامة التي يعمل بها موظفون من عدد كبير من الدول الأعضاء[39]. ويعتقد بعض الخبراء الإسرائيليين في القانون الدولي أنّ نظام المجموعات الإقليمية في الأمم المتحدة هو السبب الرئيسي لحالة العزلة التي تعانيها «إسرائيل» في الأمم المتحدة، لأنّه منع «إسرائيل» فترة طويلة من الزمن من الانضمام إلى مجموعة من المجموعات الخمس التي من طريقها يتم تقديم الترشيحات لمناصب الأمم المتحدة المختلفة. ولهذا لم تتمكن «إسرائيل» ولا أيّ من خبرائها من الفوز بمناصب أممية، رغم محاولاتها المتكررة. ويعتقد الإسرائيليون أنّ في هذا الوضع مخالفة لمبدأ المساواة الذي يؤكده ميثاق الأمم المتحدة[40]، بينما يتعلق مبدأ المساواة المنصوص عليه في الميثاق بمبدأ السيادة بين الدول الأعضاء (المادة 2/1 من الميثاق). أمّا الترشح لعضوية هيئات المنظمة الدولية فليس فيه مساواة بين الدول، إذ إنّ بعض الدول قد لا ترغب في نيل عضوية بعض أجهزة المنظمة، كما أنّ بعضها غير قادرة على الحصول على الدعم المطلوب من الدول لانتخابها لعضوية هذا الجهاز أو ذلك من أجهزة الأمم المتحدة. أما موضوع انضمام «إسرائيل» إلى عضوية المجموعة الآسيوية فهو حق من حقوق الدول الأعضاء في المجموعة، وكان على «إسرائيل» أن تدرك مبكراً أنّها غير مرغوب فيها في هذه المجموعة وهي تحتل أراضي دول أعضاء فيها، ومن ثم كان عليها البحث عن مجموعة أخرى.

إنّ عدم انضمام «إسرائيل» إلى أيّ مجموعة من المجموعات الإقليمية الخمس في الأمم المتحدة حتى عام 2000 يعكس حالة العزلة الدولية التي عاشتها «إسرائيل» ردحاً من الزمن داخل الأمم المتحدة. وهذا جعل من «إسرائيل» عضواً مشلولاً في الأمم المتحدة. وقد تجلت حالة الشلل هذه على نحوٍ بيّن في عدة مناسبات لعل أبرزها ما حدث عام 1995 أثناء مؤتمر الأمم المتحدة العالمي للمرأة، حين قام مندوبو «إسرائيل» باقتحام اجتماع لــــ «مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى» ووقعوا تأييداً لمشروع قرار في شأن العنف ضد المرأة، غير أنّ رئيس المجموعة حينها (مندوب كندا) طلب حذف توقيعهم وأمرهم بمغادرة قاعة الاجتماع، وهذا ما تم بالفعل. وقد عبرت عن هذه الحالة من العزلة الإسرائيلية في الأمم المتحدة أيضاً العريضة التي نشرتها اللجنة اليهودية الأمريكية في صيف عام 1998 على موقع «القدس الافتراضية» التي جاء فيها «صدق أو لا تصدق، «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة من بين الدول الــــ 185 الأعضاء، غير المؤهلة للانضمام لمجلس الأمن الدولي، المجموعة السياسية والأمنية الأهم في العالم، حتى إنّ العراق مؤهل للانضمام، وكذلك إيران وكوبا وليبيا وكوريا الشمالية والسودان وسوريا، السبع الدول المصنفة من قبل الخارجية الأمريكية كرعاة للإرهاب. كلهم لائقون للانضمام وقضاء دورة قانونية كاملة في المجلس، أمّا إسرائيل، الدولة الديمقراطية، وعضو الأمم المتحدة منذ عام 1949 غير لائقة قانونياً لذلك»[41].

ويمكن القول هنا إنّ المساعي الإسرائيلية للحصول على عضوية مجلس الأمن غير الدائمة بدأت شعبياً وإعلامياً في تسعينيات القرن الماضي، كما أشرنا إلى ذلك لاحقاً. أمّا المساعي الرسمية العلنية فتعود إلى العام 2000، حين أعلن سيلفان شالوم وزير الخارجية في حكومة أريل شارون أمام الجمعية العامة أنّ بلاده ستسعى للحصول على العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن[42]. وقد بدأت «إسرائيل» بعد ذلك أولى خطواتها العملية لتحقيق هذا الهدف، حيث تقدمت عام 2008 إلى مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى بترشيحها لنيل أحد المقعدين غير الدائمين المخصصين للمجموعة للمدة 2019 – 2020. ومن المقرر عقد الانتخابات لهذه المدة في شهر حزيران/يونيو 2018 في الجمعية العامة، ويتعين على «إسرائيل» الحصول على أغلبية الثلثين للفوز بالمقعد (أي نحو 128 من مجموع الدول الأعضاء في الجمعية العامة والبالغ حالياً 193 دولة). وهذا أمرٌ في غاية الصعوبة، وبخاصة إذا أخذنا في الحسبان أنّ هناك دولتين أخريين تتنافسان على المقعد مع «إسرائيل» وهما بلجيكا وألمانيا.

ومن الجدير بالذكر أنّه لما ترشحت «إسرائيل» لهذا المقعد لم يكن هناك من المرشحين سوى بلجيكا، غير أنّ ألمانيا دخلت على الخط وأعلنت ترشُّحها لاحقاً، إذ تحرص ألمانيا على نيل العضوية غير الدائمة على نحوٍ متكرر كل عقد من الزمن تقريباً[43]. وقد جعل دخول ألمانيا في المنافسة مسألة حصول «إسرائيل» على تزكية المجموعة أمراً معدوماً، ومن ثم سيكون السباق الانتخابي على المقعد الأوروبي حامي الوطيس.

لقد شهد عام 2016 الكثير من النجاحات للدبلوماسية الإسرائيلية الساعية لفك عزلتها الدولية، إذ بذلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو جهوداً حثيثة في حملتها للحصول على العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، حيث قادت هذه الحملة نتنياهو إلى زيارة أفريقيا مرتين خلال عامين متتاليين (2016 و2017). وكان موضوع الترشُّح الإسرائيلي لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة أحد أهم الموضوعات التي ناقشها نتنياهو مع القادة الأفارقة في زيارته الأولى عام 2016 (إلى أربع دول أفريقية هي أوغندا، كينيا، رواندا، وإثيوبيا) والتي تعد الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ أن زارها إسحاق شامير عام 1987. وعن هذه الزيارة يقول آري أوديد (Arye Oded) السفير الإسرائيلي السابق لدى كينيا وأوغندا أنّ «هناك الكثير من القرارات التي تستهدف «إسرائيل» في الأمم المتحدة، ونحن نريد تغيير ذلك بمساعدة الأفارقة». علماً بأنّ الهدف الأكبر للزيارة هو العودة إلى القارة الأفريقية بعد أن قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها بإسرائيل خلال حرب عام 1973 تضامناً مع مصر والدول العربية، إضافة إلى استياء الأفارقة من موقف «إسرائيل» الداعم لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا[44].

ولم تقف المساعي الإسرائيلية عند هذا الحد، بل استغل نتنياهو مشاركته في الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2016 والتقى بخمسة عشر زعيماً أفريقياً في نيويورك، وتحدث معهم عن إمكانيات «إسرائيل» في مجال التكنولوجيا المتقدمة، واستعدادها للتعاون مع أفريقيا في هذا المجال، حيث أخبرهم أنّ التكنولوجيا تغيِّر كل شيء بما في ذلك الاتصالات والطب والزراعة والتعليم وغيرها. وقد حضر في هذا الاجتماع إلى جانب نتنياهو مسؤولون يمثلون كبريات شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الذين قدّموا عروضاً إلى القادة الأفارقة عن إمكانيات شركاتهم وفرص التعاون المتاحة مع أفريقيا. وبحسب البيان الذي صدر عن مكتب نتنياهو، فإنّ هذا الاجتماع كان ضمن مساعي الأخير للعودة للقارة السمراء. ورغم أنّ البيان الإسرائيلي لم يتطرق إلى علاقة الاجتماع بترشيح «إسرائيل» لعضوية مجلس الأمن ومحاولاتها التخلص من عزلتها في المنظمة الدولية، إلا أنّه يُعتقد أنّ هذا الأمر كان أحد أهداف الاجتماع المذكور.

وشهد شهر آب/أغسطس عام 2016 أيضاً زيارة دوري غولد، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، جمهورية تشاد، إذ تعتبر هذه الدولة من الدول الإسلامية التي تستخدم اللغة العربية، ولهذا فإنّ اختراقها يعني الكثير للإسرائيليين. ويقول غولد في هذا الخصوص إنّ «عدد الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل» في القارة الأفريقية في تناقص سريع»[45]، وهذا أمر ينبغي للدول العربية الانتباه إليه، ودراسة عواقبه السياسية والاقتصادية والأمنية. وحسناً فعل مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته 148 في أيلول/سبتمبر 2017 حين اعتمد قراراً بعنوان «مواجهة الاستهداف الإسرائيلي للقضية الفلسطينية والأمن القومي العربي في القارة الأفريقية» يطلب فيه من الأمين العام للجامعة التشاور مع الدول الأعضاء «لتشكيل لجنة وزارية مفتوحة العضوية للتحرك العاجل لمواجهة المخططات الإسرائيلية بالقارة الأفريقية بما فيها انعقاد قمة بين عدد من الدول الأفريقية وإسرائيل بجمهورية توغو والتي تمثل تحدياً للعلاقات العربية الأفريقية وخروجاً عن السياق الأخوي التاريخي لهذه العلاقات…». كما يطالب القرار مجالس السفراء العرب وبعثات الجامعة العربية في الدول الأفريقية «بمتابعة النشاط الإسرائيلي في القارة الأفريقية وتداعياته على حساب القضية الفلسطينية…»[46].

ولم تقتصر المساعي الإسرائيلية لفك عزلتها في الأمم المتحدة والترويج لترشيحها لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة على الدول الأفريقية، بل توجه نتنياهو أيضاً شرقاً نحو آسيا الوسطى، حيث زار كازاخستان في كانون الأول/ديسمبر 2016 طلباً للحصول على دعمها للترشيح الإسرائيلي. وقال نتنياهو لنظيره الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف «كما تعلمون، فإنّنا دعمنا ترشيحكم الناجح لمجلس الأمن. والآن إذا أردتم تغييراً حقيقياً في العالم، فتخيلوا «إسرائيل» في مجلس الأمن، هذا هو التغيير. هذا من المفترض أن يتم عام 2019، وأنا أعتقد أنّه ممكن، وبدعمكم سيتحقق ذلك»[47]. إنّ هذه الزيارة مؤشر على اختراق «إسرائيل» أيضاً للمجموعة الإسلامية، حيث أصبح عدد من أعضاء هذه المجموعة يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

مع ذلك تبقى القارة الأفريقية الوجهة الأهم لإسرائيل لتعزيز نفوذها في الأمم المتحدة، حيث يعرف قادتها الثقل الكبير الذي تمثله المجموعة الأفريقية في الأمم المتحدة المكونة من 54 دولة، وهي أكبر المجموعات الإقليمية. ومع ذلك أعلن نتنياهو على نحوٍ انفعالي عن نيته قطع المساعدات التي تقدمها بلاده إلى دولتين أفريقيتين صوتتا لمصلحة قرار الاستيطان في مجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر 2016 وهما أنغولا والسنغال. وهذا ما جعل بعض المحللين يرون في هذه الخطوة تأثيراً ضاراً على ترشيح «إسرائيل» لعضوية مجلس الأمن[48]. ولهذا تدارك نتنياهو الأمر خلال زيارته الثانية للقارة الأفريقية التي تمت في شهر حزيران/يونيو 2017، حيث اجتمع بالرئيس السنغالي ماكي سال (Macky Sall) واتفقا على احتواء وإنهاء الأزمة الدبلوماسية التي نتجت من تبني السنغال قرار مجلس الأمن آنف الذكر[49]. ولم يقتصر رد الفعل الإسرائيلي في هذا الخصوص على الدول التي أيدت القرار، بل امتد ليشمل الأمم المتحدة ككل، حيث قررت في بادئ الأمر معاقبة المنظمة الدولية بقطع ستة ملايين دولار من حصتها في ميزانية الأمم المتحدة البالغة 40 مليون دولار. وقد أعلنت البعثة الدائمة لإسرائيل لدى المنظمة أنّ هذه الخطوة تهدف لمنع وصول أي شيء من مساهمتها لأجهزة معادية لإسرائيل على حد قولها مثل الأونروا، وشعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة، ولجنة التحقيق في الممارسات الإسرائيلية وغيرها[50]. وسرعان ما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أنّ المبلغ المقتطع من مساهمة «إسرائيل» في ميزانية المنظمة يبلغ مليوني دولار فقط، وأن هذا المبلغ سيتم استخدامه لدعم الدول الداعمة لإسرائيل[51]. ولم تقطع «إسرائيل» كل المساهمة، حتى لا تحرم من حق التصويت في الأمم المتحدة.

كانت ليبيريا وجهة نتنياهو في زيارته الأفريقية الثانية، بدعوة من المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (ECOWAS)، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها زعيم غير أفريقي في هذا التجمع الأفريقي. وكان موضوع الأمم المتحدة حاضراً في هذه الزيارة أيضاً، إذ قال نتنياهو في هذا الخصوص «إنّ زيارتي ليبيريا هي فصل آخر في محاولة كسر الأغلبية الأوتوماتيكية المعادية لإسرائيل في الأمم المتحدة… هذه العملية سوف تستغرق سنين… في الوقت ذاته، فإنّ «إسرائيل» تعود إلى أفريقيا من الباب الأوسع»[52]. كما قال نتنياهو مخاطباً القادة الأفارقة طالباً دعمهم «في رفض الانحياز ومعاداة «إسرائيل» في الأمم المتحدة وأجهزتها كالجمعية العامة واليونسكو ومجلس حقوق الإنسان». وكانت التكنولوجيا الإسرائيلية الوسيلة الأبرز لدى نتنياهو لإغراء القادة الأفارقة، حيث أبدى استعداد «إسرائيل» لإرسال فرق تكنولوجية لبحث حاجات كل دول المجموعة لمساعدتها في مختلف المجالات، قال «نريد أن نساعد في جعل أرضكم أكثر خصوبة، ومائكم أكثر قابلية للاستخدام ومدنكم أكثر أماناً، وهوائكم أكثر نقاءً»[53]. ويتجلى من هذا العرض معرفة «إسرائيل» الواسعة بمختلف قضايا الدول الأفريقية ومشاكلها، والأهم من كل ذلك الاستعداد لتقديم الدعم إليهم مقابل دعمهم إسرائيل في الأمم المتحدة.

ويلاحظ من الخطاب الرسمي الإسرائيلي ومن اللغة المستخدمة في الصحافة الإسرائيلية في شأن ترشيح «إسرائيل» لعضوية مجلس الأمن أنّ «إسرائيل» تركز في حملتها الانتخابية للفوز بعضوية المجلس على «مظلوميتها» وكونها لم تنضم إلى عضوية المجلس رغم أنّها عضو في الأمم المتحدة منذ عام 1949، وأنّها واحدة من بين الدول الـ 67 الأعضاء في المنظمة الدولية التي لم تنتخب من قبل لعضوية المجلس[54]. وما من شك في أنّ هذا الخطاب مفيد للجانب الإسرائيلي في حملته الانتخابية، غير أنّ هناك ما يضر الحملة الإسرائيلية، كالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وممارساتها وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة، وهذا ما يتعين على الجانب العربي إثارته، لإجهاض وتقويض الجهد الإسرائيلي، فمن غير المعقول أن تنتخب دولة لعضوية مجلس الأمن هي في صراع مع جيرانها وتحتل أراضي عربية منذ عقود من الزمن وتمارس أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان في هذه الأراضي المحتلة.

ثالثاً: التداعيات المترتبة على تنامي النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة

ينبغي التأكيد أنّ مجمل الإنجازات التي تحققت للقضية الفلسطينية في إطار الأمم المتحدة كانت في الجمعية العامة ولجانها المختلفة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والأمانة العامة للمنظمة، إضافة إلى محكمة العدل الدولية التي أصدرت في 9 تموز/يوليو 2004 رأيها الاستشاري القاضي بعدم مشروعية الجدار العازل الذي بنته «إسرائيل» في الأراضي العربية المحتلة[55]. وهناك أيضاً مجلس حقوق الإنسان الذي اعتمد في دورته (31) المنعقدة في جنيف في 25 آذار/مارس 2016 قرارات إيجابية في شأن الاستيطان وبقية جرائم الاحتلال وأكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره[56].

كما أنّ بعض منظمات الأمم المتحدة المتخصصة مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) هي الأخرى أنصفت القضية الفلسطينية عبر منحها فلسطين عضوية كاملة عام 2011، إذ إنّها المرة الأولى التي تقوم فيها إحدى منظمات الأمم المتحدة بمثل هذه الخطوة. وقد صوتت المنظمة على هذا القرار التاريخي على الرغم من الضغوط الدبلوماسية الكبيرة التي مارستها «إسرائيل» والولايات المتحدة[57]، حيث قررت الأخيرة وقف دفع مساهمتها في ميزانية المنظمة والبالغة 60 مليون دولار[58]، كما أوقفت «إسرائيل» هي الأخرى دفع مساهماتها، الأمر الذي جعلهما تفقدان حقهما في التصويت في المنظمة[59]. وأنصفت اليونسكو أيضاً القضية الفلسطينية في عدد من قراراتها، ومنها قرارها الذي يؤكد أنّ الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح يقعان ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنّ أعمال الحفر والتنقيب الإسرائيلية في هذه المواقع مخالفة للقانون الدولي[60]، وقرار لجنة التراث العالمي باليونسكو في تموز/يوليو 2017 وضع مدينة الخليل على قائمة التراث العالمي[61]. أمّا في مجلس الأمن فلم تكن هناك إنجازات للقضية الفلسطينية تحديداً، ذلك بأنّ الفيتو الأمريكي كان – كما أسلفنا لاحقاً – يعوق أيّ مشروع قرار فيه انتقاد لإسرائيل وممارساتها. ومع ذلك لم يسلم مجلس الأمن هو الآخر من النقد في بعض الأدبيات الداعمة لإسرائيل لأنه وفقاً لهذه الأدبيات مرر نحو 40 قراراً فيها نقد لإسرائيل، منها على سبيل المثال القرار 487 (1981) في شأن إدانة قصف «إسرائيل» للمفاعل النووي العراقي[62].

هذه الإنجازات العربية في عدد من أجهزة الأمم المتحدة المهمة لم تقف عائقاً في وجه النفوذ المتنامي لإسرائيل في المنظمة الدولية، بل ربما كانت حافزاً لها للعمل بجد على تعزيز نفوذها في المنظمة، وإضعاف تأثير خصومها من الدول العربية والإسلامية والدول الأخرى المناصرة والداعمة للفلسطينيين والعرب في قضيتهم المركزية. ولهذا يمكن القول وبما لا يدع مجالاً للشك، إنّ الاستراتيجية الإسرائيلية للخروج من العزلة الأممية قد أخذت تؤتي ثمارها، حيث قاربت «إسرائيل» على الخروج كلياً من تلك العزلة. فقد نجحت «إسرائيل» منذ نهاية الحرب الباردة في إقامة علاقات دبلوماسية مع قوى إقليمية كبرى ومؤثرة في الساحة الدولية كالصين والهند وجنوب أفريقيا سبيل المثال. كما عملت ولا تزال تعمل على تعديل أو إلغاء قرارات أممية تتصل بالقضية الفلسطينية كتلك المتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس المحتلة، مستغلة تغير المناخ الإقليمي والدولي[63]. وسيكون انتخابها لعضوية مجلس الأمن، إذا ما تم هذا الأمر، بمنزلة إسدال الستار على تلك العزلة التي طالما عانت منها «إسرائيل» خلال العقود الماضية.

وقد تعزز الموقف الإسرائيلي في الأمم المتحدة بفضل الدعم اللامحدود من إدارة الرئيس طرمب كما أسلفنا. وأفرز هذا الواقع الجديد تداعيات سلبية كثيرة على البلدان العربية وإيجابية لإسرائيل، ومن المرجح أن تزداد هذه التداعيات في مجملها خلال السنوات القليلة القادمة، ما لم تتخذ الدول العربية خطوات جادة لتصحيح المسار العام، أي بمعنى تصحيح حالة الانقسام العربي الراهنة، وتوحيد الجهود لمواجهة العدو الحقيقي للأمة العربية. ويمكن إجمال أبرز التداعيات المترتبة على تنامي النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة أو التي قد تترتب على نجاح «إسرائيل» في مساعيها الحالية في الآتي:

1 – تشعر «إسرائيل» اليوم بنوع من الانعتاق من العزلة التي طالما عانتها كثيراً، بعد أن تفتحت لها الأبواب للخروج من هذه العزلة. وقد انعكست هذه الحالة في تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين كوزيرة العدل أيليت شاكيد (Aylet Shaked) التي قالت «إنّ «إسرائيل» لم تعد أبداً كيس الملاكمة الخاص بالأمم المتحدة»، وأشادت بدعم إدارة الرئيس طرمب لإسرائيل في الأمم المتحدة[64]. هذا الشعور يشجع الإسرائيليين على المضيّ قدماً في استراتيجيتهم التي تحدثنا عنها، والعمل على تحقيق المزيد من الاختراق لأجهزة الأمم المتحدة، ومن ثمّ تسخير هذه الأجهزة في مراحل لاحقة لخدمة المصالح الإسرائيلية والدفاع عنها. وقد أسهم في تعزيز هذا الشعور بالانعتاق من العزلة الدولية الاختراق الذي حققته «إسرائيل» في القارة الأفريقية والذي أشرنا إليه في سياق البحث، ونجاحها في إقامة علاقات دبلوماسية مع الكثير من دول القارة. في المقابل، يشعر الأفارقة منذ الثمانينيات بخيبة أمل في نتائج التعاون العربي – الأفريقي، حيث كانت هذه الدول تأمل في الحصول على المزيد من المساعدات العربية، بعد أن قطعت علاقاتها بإسرائيل[65]. ولم تستغل الدول العربية آلية القمة العربية – الأفريقية لتمتين وتطوير العلاقات بالدول الأفريقية وتحصينها من الاختراق الإسرائيلي، بل تحوت القمة الرابعة التي عقدت في غينيا الاستوائية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 إلى ساحة للخلافات، على خلفية مشاركة «جبهة البوليساريو» في القمة وانسحاب ثماني دول عربية من القمة احتجاجاً على ذلك[66]، وهو ما أدى عملياً إلى فشل هذه القمة. وهذا يعني انتكاسة للعلاقات العربية – الأفريقية، في وقت تتعزز فيه العلاقات الإسرائيلية بأفريقيا، الأمر الذي يخدم المساعي الإسرائيلية لفك عزلتها الدولية في الأمم المتحدة.

2 – بما أنّ بعض المسؤولين الإسرائيليين قد شعروا بحالة الانعتاق هذه حتى قبل فوزهم بالعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، فإنّه من المرجح أن يزداد هذا الشعور ويتعمق في حال نجاح مسعاهم هذا. وقد عبر عن هذا المعنى المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة، داني دانون، حين قال إنّ «إسرائيل» ستصبح أخيراً، حين انتخابها لعضوية مجلس الأمن، دولة مقبولة كعضو كامل العضوية ومتساوٍ مع باقي أعضاء الأمم المتحدة. أمّا اليوم فإنّ مشاريع القرارات التي تُعتمد في معظم الأحيان بالتوافق حين تقدمها الدول الأخرى، تُصبح محل خلاف وجدل حين تُقدم من قبل إسرائيل، على حد تعبير داني دانون[67]. هذا الشعور لدى المسؤولين الإسرائيليين يؤكد استمرار آثار العزلة الدولية لدى بعض هؤلاء المسؤولين، على الرغم من الاختراق الذي أحدثوه خلال العقد والنيف الماضي، إذ تمكنوا من الفوز بعدد من المناصب المهمة في أجهزة المنظمة الدولية، وحققوا نوعاً من الاندماج في مؤسسات وأجهزة الأمم المتحدة.

3 – إذا نجحت المساعي الإسرائيلية في الحصول على العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن فسيكون ذلك بمنزلة الضربة القاضية لمساعي الدول العربية والإسلامية لعزل «إسرائيل» في الأمم المتحدة. ومن المرجح في هذه الحالة أن تتقدم الدولة العبرية بترشيحات لباقي أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومحكمة العدل الدولية وحتى مجلس حقوق الإنسان. ولن يكون بعد ذلك مستبعداً أن يعيِّن الأمين العام للأمم المتحدة مرشحاً إسرائيلياً لأحد المناصب المهمة في الأمانة العامة أو في إحدى بعثات المنظمة الدولية حول العالم. وقد عبّر عن هذا الأمل الإسرائيلي مندوبها الدائم السابق لدى الأمم المتحدة رون بروسور الذي قال بعيد انتخابه نائب رئيس الجمعية العامة عام 2012 أنّه «يأمل في أن تصبح «إسرائيل» في يوم من الأيام عضواً في مجلس الأمن… أضف إلى ذلك، فإنّ ترشيح «إسرائيل» لأحد هذه المناصب الرفيعة قد يخدم كأساس لتطوير ترشيح «إسرائيل» لمناصب مهمة في الأمم المتحدة»[68].

4 – سيكون في إمكان «إسرائيل» القيام بدور مهم بصورة مباشرة في عملية اتخاذ القرار الدولي في مجلس الأمن، من خلال مشاركتها في صوغ جدول أعمال مجلس الأمن، وبخاصة في حال توليها رئاسة المجلس التي تتداولها الدول الأعضاء شهرياً، وفقاً للترتيب الأبجدي. كما سيكون لإسرائيل صوت في اعتماد قرارات المجلس التي تتطلب موافقة أربعة أعضاء غير دائمين، إلى جانب موافقة الدول الخمس دائمة العضوية.

5 – ستنال «إسرائيل» في حال انتخابها لعضوية مجلس الأمن المزيد من الاعتراف الدولي، وهذا أمر بالغ الأهمية لدولة كإسرائيل طالما عانت العزلة الدولية داخل الأمم المتحدة وخارجها[69]. ومن المعلوم أنّ الاعتراف بإسرائيل كان ولا يزال عقدة لدى كثير من ساستها الذين كانوا يطالبون في بداية تأسيس كيانهم باعتراف دولي باستقلالهم وسيادتهم، ثم أصبحوا في مرحلة لاحقة يطالبون باعتراف بما يسمونهم حقهم في الوجود، وبعد ذلك أخذوا يطلبون من الفلسطينيين (منذ عام 2007) اعترافاً بيهودية إسرائيل، وهو ما يعارضه بعض الخبراء الإسرائيليين، كون ذلك يعني أنّهم يرهنون كيانهم اليهودي بأعدائهم الفلسطينيين[70].

6 – ستزداد أهمية «إسرائيل» على المسرح الدولي، لأنّها ستكون مشاركة في أهم محفل دولي يُعنى بجميع قضايا السلم والأمن الدوليين. هذا الوضع سيمنح الدبلوماسيين الإسرائيليين في نيويورك وحول العالم المزيد من الأهمية والمكانة الرفيعة، نتيجة التمتع بالعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن[71]؛ فمن المعروف أنّ الدول الأطراف في أيّ نزاع دولي مطروح على جدول أعمال مجلس الأمن تتقاطر على الدول الأعضاء في المجلس، طلباً لدعمها ومساندتها في قضاياها، وهذا يمنح «إسرائيل» مزيداً من النفوذ الدولي.

7 – إنّ اندماج «إسرائيل» في أجهزة الأمم المتحدة المختلفة من شأنه زيادة الغطرسة الإسرائيلية وتجاهلها لكل مساعي السلام الإقليمية والدولية. وفي هذا الخصوص يقول السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور إنّ «إسرائيل» ستزداد «تطرفاً وتدير ظهرها لكافة المبادرات السلمية بما فيها المبادرة الفرنسية الأخيرة وتوسع نشاطاتها الاستيطانية وتخرق القانون الدولي في كل ممارساتها»[72]. وهذه نتيجة حتمية لمكافأة المجتمع الدولي لها وانتخابها لعدد من جهزة أجهزة الأمم المتحدة.

8 – من المرجح أن تستغل «إسرائيل» وجودها في مجلس الأمن للعبث بالوضع الراهن في الشرق الأوسط، كأن تعمل على سبيل المثال على تغيير ولاية بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وذلك بإدراج التزامات جديدة على الدولة اللبنانية لضمان أمن جبهتها الشمالية، وقد يحدث الشيء ذاته مع قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) الموجودة في القنيطرة على الحدود السورية – الإسرائيلية التي باتت مصدر قلق للجانب الإسرائيلي الذي يخشى فتح هذه الجبهة في حال وقوع حرب مع «حزب الله».

9 – سيتزامن تزايد النفوذ الإسرائيلي في الأمم المتحدة مع ضعف النفوذ العربي في المنظمة الدولية، ولهذا ينبغي على الدول العربية أن تولي هذا الموضوع ما يستحق من اهتمام قبل أن تصبح العودة إلى الخلف مستحيلة. ومن المرجح في وضع كهذا أن تعمل «إسرائيل» بدعم أمريكي وغربي على تهميش دور الأمم المتحدة في الشأن الفلسطيني بالعمل على سبيل المثال على إلغاء بعض أجهزة الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية مثل اللجنة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني المنشأة عام 1968‏[73]، واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف[74] التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975‏[75]. ومن الأجهزة الأخرى التي قد تعمل «إسرائيل» وحلفاؤها في الأمم المتحدة على إلغائها شعبة حقوق الفلسطينيين التابعة لإدارة الشؤون السياسية في الأمانة العامة للأمم المتحدة، التي أنشأتها الجمعية العامة عام 1977 عقب إنشاء اللجنة آنفة الذكر[76]. هذه الأجهزة وما تقوم به من دور في خدمة القضية الفلسطينية تزعج «إسرائيل» وأصدقاءها الذين يطالبون في كل أدبياتهم بإلغائها[77].

10 – يعتقد الإسرائيليون كما أسلفنا أنّ نظام المجموعات الإقليمية الحالي في الأمم المتحدة هو سبب عزلة «إسرائيل» الرئيسي، ولهذا يرى بعض الباحثين والخبراء الإسرائيليين أنّه على «إسرائيل» أن تعمل على تغيير هذا النظام من خلال مقترح قد يتم تقديمه إلى اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة وتعزيز دور المنظمة. غير أنّ مثل هذا الأمر مصيره في نهاية الأمر اللجنة السادسة للجمعية العامة (اللجنة القانونية)، التي تمثل فيها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. كما قد يبادر الإسرائيليون إلى تقديم مقترح بإنشاء لجنة فرعية تعنى بموضوع «المساواة في السيادة»، وهذا يتطلب اعتماد قرار من الجمعية العامة[78]. هذه بعض الخيارات التي تناقش حالياً في بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية وربما في وزارة الخارجية الإسرائيلية أيضاً، قبل توجيه البعثة الدائمة لإسرائيل في الأمم المتحدة بتقديمها بصفة رسمية. ومن المرجح أن يتم التنسيق مع الولايات المتحدة وحلفاء «إسرائيل» في الأمم المتحدة قبل طرح مثل هذه المقترحات، لمعرفة وجهات النظر المختلفة، والاستفادة من أيّ أفكار قد تثار في هذا الخصوص.

11 – قد يتم أيضاً تهميش القضية الفلسطينية في جدول أعمال الأمم المتحدة، إذا لم يتدارك العرب الأمر، ويكثفوا من عملهم الدبلوماسي لإجهاض المساعي الإسرائيلية الرامية إلى الخروج من عزلتها في الأمم المتحدة. ومن الواضح هنا أنّ مشاغل الدول العربية بقضاياها الخاصة تحول دون هذا الأمر، فدول عربية كبيرة تعاني اليوم أوضاعاً داخلية تمنعها من تأدية دورها الذي كانت تأديه سابقاً، مثل سورية والعراق ومصر واليمن، التي تعاني جميعها الإرهاب وأزمات سياسية وأمنية واقتصادية.

12 – شهدت مواقف الأمانة العامة للأمم المتحدة تغيراً واضحاً منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، فبعد أن كان الأمناء العامون يلتزمون سابقاً درجة كبيرة من الحياد في مواقفهم، ظهر نوع من التعاطف أو الانحياز من جانب الأمناء العامين مع إسرائيل. وقد تكرس هذا الانحياز بصورة أكثر وضوحاً منذ وصول أنطونيو غوتيريش الذي قال في الأيام الأولى من ولايته إنّه «واضح كوضوح الشمس بأنّ الهيكل المقدس في القدس الذي قام الرومان بهدمه كان هيكلاً يهودياً». وهذا ما أثار غضب عدد من المسؤولين الفلسطينيين[79]. ورغم ظهور هذا الانحياز بصورة واضحة من غوتيريش لمصلحة إسرائيل، إلا أنّه لم يتبلور بعد موقف عربي واضح من هذه المسألة. وإذا استمرت حالة الصمت العربي هذه فمن المرجح أن يتعمق هذا السلوك في الأمانة العامة للأمم المتحدة، وهو ما من شأنه التأثير سلباً في القضايا العربية المختلفة المطروحة على جدول أعمال المنظمة الدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وقد أخذت جامعة الدول العربية موقفاً واضحاً من مساعي «إسرائيل» للحصول على عضوية أجهزة أممية مختلفة، بما في ذلك ترشحها لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة، حيث عبرت القمة العربية السابعة والعشرين التي عقدت في نواكشوط بموريتانيا في تموز/يوليو 2016 عن «استنكار ترشيح وانتخاب «إسرائيل» (القوة القائمة بالاحتلال) لرئاسة اللجنة القانونية (السادسة) للجمعية العامة للأمم المتحدة، على اعتبار أنّ «إسرائيل» (القوة القائمة بالاحتلال) غير مؤهلة لتولي مثل هذا المنصب، وبخاصة أنّها تمتلك سجـلاً أسودَ مليئاً بانتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الأمم المتحدة، وارتكاب جرائم يومية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته ومقدساته»[80]. وفي ما يتعلق بترشُّح «إسرائيل» لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة، اعتمد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري قراراً في دورته العادية الرقم 146 لعام 2016 بعنوان «رفض ترشُّح «إسرائيل» لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2019 – 2020». يؤكد هذا القرار «رفض انضمام «إسرائيل» إلى مجلس الأمن باعتبارها قوة قائمة بالاحتلال ومخالفة لأحكام ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة وعلى المستوى الوزاري، وكذا في ضوء استمرار سياساتها المتعنتة الرافضة للسلام والمستمرة في سياسة قضم الأراضي وإجهاض حل الدولتين». والأهم من ذلك أنّ هذا القرار يطلب من الأمين العام للجامعة «رصد الترشيحات الإسرائيلية للمناصب في أجهزة ولجان الأمم المتحدة المختلفة وإعداد خطة عمل متكاملة للتصدي لها»[81].

وقد عبر عن الموقف العربي أيضاً الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط عقب اجتماع المجلس الوزاري العادي في أيلول/سبتمبر 2016، حين قال إنّ الدول العربية ستعمل ما في وسعها لإعاقة انتخاب «إسرائيل» لعضوية المجلس[82]. كما عبر عن الموقف العربي كذلك حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حين حث دول العالم على الامتناع عن تأييد هذا الترشيح[83]. وعبر رئيس البرلمان العربي مشعل السلمي هو الآخر عن موقف مشابه بالقول إنّ البرلمان العربي أخذ على عاتقه مهمة التصدي لمساعي «إسرائيل» الهادفة إلى نيل عضوية مجلس الأمن واختراق القارة الأفريقية[84]. هذه المواقف العربية تثير المخاوف لدى الإسرائيليين الذي عبّروا عن هذا الشعور في تقرير نشره موقع واللا الإسرائيلي في شهر آب/أغسطس 2017‏[85].

إنّ تبني استراتيجية عربية متكاملة لمواجهة المساعي الإسرائيلية في الأمم المتحدة في ظل الواقع العربي الحالي يبدو أمراً صعباً جداً، ومع ذلك لا يمكن تجاهل الجهود التي بذلتها جامعة الدول العربية في هذا الخصوص، بما في ذلك عبر مجالس السفراء العرب في عواصم القرار المهمة[86]. أمّا على المستوى الثنائي فإنّ جهود الدول العربية غير معروفة، ولكن من غير المرجح أن يستحوذ هذا الموضوع على اهتمام المسؤولين العرب في علاقاتهم الثنائية، بسبب مشاغلهم بقضاياهم الكثيرة والمتنوعة. وإلى جانب الجهود الدبلوماسية العربية، هناك عامل آخر قد يخدم تلك المساعي الدبلوماسية لإعاقة الترشُّح الإسرائيلي ألا وهو التنافس على المقعدين الأوروبيين في انتخابات عام 2018، فقد تخيب آمال ومساعي «إسرائيل» بسبب هذا التنافس وينجح المرشحان الآخران بالفوز، بلجيكا وألمانيا. ومع ذلك فإنّ هناك سيناريو آخر قد يحدث وهو انسحاب النرويج أو ألمانيا قبيل التصويت، لتقديم المقعد على طبق من ذهب إلى الإسرائيليين، وهذا أمر غير مستبعد، ولهذا يبقى في جميع الأحوال العبء الأكبر في هذه المسألة على الدبلوماسية الفلسطينية التي ينبغي عليها الاستماتة لمنع انتخاب «إسرائيل» لعضوية مجلس الأمن.

وهناك ثلاثة عوامل قد تخدم «إسرائيل» في حملتها الانتخابية: العامل الأول هو عدم انتخابها سابقاً لعضوية مجلس الأمن، على خلاف بلجيكا وألمانيا التي انتخبت كل منهما خمس مرات سابقاً لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة[87]؛ العامل الثاني الذي قد يخدم «إسرائيل» هو ترشحها قبل ألمانيا وهو ما يعني أنّها قد تمكنت طوال المدة السابقة من توقيع العديد من اتفاقيات الدعم المتبادل المعروفة بين الدبلوماسيين العاملين في الأمم المتحدة؛ أمّا العامل الثالث الذي يخدم «إسرائيل» في هذه الانتخابات فهو الدعم الكبير من إدارة الرئيس دونالد طرمب الذي من المرجح أنّه سيسخر جُل إمكانات بلاده لدعم هذا الترشيح.

ولهذا على الدول العربية أن تبذل المزيد من الجهود إن أرادت النجاح في مساعيها لإعاقة الاندماج الإسرائيلي في الأمم المتحدة، فما بذلته حتى الآن لا يكفي للحؤول دون دعم الدول لإسرائيل حين التصويت في انتخابات عام 2018، فلا بد للدول العربية إذا ما أرادت منع نجاح المساعي الإسرائيلية في هذا الخصوص من أن تعمل وفق استراتيجية واضحة، وبشكل ثنائي وجماعي متكامل. وقد يسأل سائل عن ما الذي بإمكان الدول العربية فعله لمواجهة النفوذ المتنامي لإسرائيل في الأمم المتحدة.

ما لا شك فيه أنّ للولايات المتحدة أكبر نفوذ في الأمم المتحدة، كونها الدولة المضيفة، وصاحبة أكبر نسبة مساهمة في ميزانية المنظمة الدولية، فضـلاً عن تأثيرها الدولي كقوة عظمى. ولهذا يصعب على أيّ دولة في المنظمة منافسة النفوذ الأمريكي، غير أنّ تكتـلاً دولياً كالمجموعة العربية في نيويورك، في إمكانه، لو توافرت الإرادة السياسية، ممارسة نوع من الضغط على الأمم المتحدة، كالتهديد على سبيل المثال بتأخير أو وقف سداد جزء من مساهمات الدول العربية مجتمعة في ميزانية الأمم المتحدة. وحري بالذكر أنّ مساهمة الدول العربية في ميزانية الأمم المتحدة العادية تزيد على الـــ 65 مليون دولار أمريكي (انظر الجدول الرقم (2))، هذا بخلاف مساهماتها في ميزانية حفظ السلام التي تزيد على ذلك كثيراً[88]، ومساهمات بعض الدول العربية في الميزانية الطوعية للأمم المتحدة والتي تستفيد منها المنظمة في القيام بالكثير من أنشطتها المختلفة.

استنتاجات

1 – تدرك «إسرائيل» مدى أهمية الأمم المتحدة، كونها أكبر محفل دولي للدبلوماسية المتعددة الأطراف، وأبرز ممثل للمجتمع الدولي. ولهذا تعمل جاهدة من أجل فك العزلة التي طالما عاشتها في هذه المنظمة الدولية، من خلال استراتيجية بعيدة المدى، تعتمد على النفس الطويل. وتستعين «إسرائيل» إلى حد كبير في كل ذلك بالدعم الذي تحظى به من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي يظهر نمط تصويتها في الأمم المتحدة انحيازها الكبير لإسرائيل.

2 – تضع «إسرائيل» المجموعة الأفريقية في سلم اهتماماتها لفك عزلتها في الأمم المتحدة، إدراكاً منها بأهمية أصوات الـــ 54 دولة الأعضاء في هذه المجموعة التي يمكن من طريق كسبها تغيير المعادلة في الأمم المتحدة، ولهذا زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو القارة السمراء مرتين عامي 2016 و2017 على التوالي.

الجدول الرقم (2)

مساهمات الدول العربية في ميزانية الأمم المتحدة العادية لعام 2017

(بالدولار الأمريكي)

تاريخ الدفعصافي المساهمةالدولةالتسلسل
2 شباط/فبراير 20174,060,886الجزائر1
2 شباط/فبراير 20177,188,526الكويت2
10 شباط/فبراير 201725,223جيبوتي3
3 آذار/مارس 2017706,241تونس4
6 آذار/مارس 20171,109,807البحرين5
21 آذار/مارس 201715,234,631الإمارات6
3 نيسان/أبريل 20176,784,960قطر7
27 نيسان/أبريل 2017252,229السودان8
15 أيار/مايو 20173,253,754العراق9
25,223جزر القمر10
3,833,881مصر11
504,458الأردن12
1,160,254لبنان13
3,152,863ليبيا14
50,446موريتانيا15
1,362,036المغرب16
2,850,188عمان17
28,905,441السعودية18
25,223الصومال19
605,349سورية20
252,229اليمن21
65,402,976المجموع

المصدر: اعتمد الباحث في إعداد الجدول على مرجعين هما الموقع الإلكتروني للجنة الاشتراكات في الأمم المتحدة والوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن قسمة النفقات بين الدول الأعضاء في الميزانية العادية للأمم المتحدة. انظر: Committee on Contributions <http://www.un.org/en/ga/contributions/honourroll.shtml> (accessed 17 June 2017), and ST/ADM/SER.B/955, 28 December 2016, Assessment of Member States’ contributions to the United Nations regular budget for the year 2017.

3 – تأمل «إسرائيل» أن تحقق نتائج سياسية واقتصادية وثقافية من خلال اندماجها في مختلف مؤسسات الأمم المتحدة، والتخلص من عقدة العزلة التي تعيشها في الأمم المتحدة.

4 – لقد استفادت «إسرائيل» كثيراً من حالة الضعف العربية الناتجة من مجموعة من المتغيرات الإقليمية، فعملت على التخفيف من حالة العزلة عبر انتخابها لعضوية اللجنة القانونية (اللجنة السادسة) للجمعية العامة عام 2016، وانتخابها بالتزكية كأحد نواب رئيس الجمعية العامة عام 2017.

5 – ومن المرجح أن تستمر المساعي الإسرائيلية لفك ما تبقى من عزلة دولية عليها، وبخاصة إذا نجحت مساعيها في الفوز بعضوية مجلس الأمن غير الدائمة لعامي 2019 – 2020، في الانتخابات المقرر عقدها في الجمعية العامة خلال عام 2018.

6 – ومن المرجح كذلك أن تسعى الإدارة الأمريكية بزعامة دونالد طرمب وحليفتها «إسرائيل» نحو تقليص عدد البنود المطروحة على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، وهو هدف طالما سعت الولايات المتحدة لتحقيقه.

توصيات

1 – في إمكان الدول العربية إذا ما توافرت الإرادة السياسية وتحسنت الظروف الإقليمية غير المستقرة التي تمر بها المنطقة، أن تمارس ضغوطاً معاكسة لمواجهة النفوذ الإسرائيلي المتنامي في الأمم المتحدة، وأن تعمل على إعاقة عودة «إسرائيل» إلى القارة الأفريقية كذلك. وينبغي أن تكون القضية الفلسطينية عامل تقريب وتوحيد بين الدول العربية، مهما كانت الخلافات السياسية فيما بينها. وهناك مؤشرات على عمل عربي مشترك في هذا الخصوص، غير أنّه من السابق لأوانه تقييم فعالية هذا العمل الدبلوماسي.

2 – قد يكون من المناسب أن تقوم الجامعة العربية باستحداث بند جديد على جدول أعمالها بعنوان «مكافحة النفوذ الإسرائيلي المتنامي في الأمم المتحدة»، ويمكن لوفد فلسطين لدى الجامعة العربية أن يتبنى مثل هذا المقترح ويدفع نحو إقراره. ويمكن استحداث آلية عمل في هذا المجال تتمثل بإنشاء لجنة خاصة من الترويكا العربية لدراسة مختلف جوانب الموضوع وتقديم تقارير وتوصيات دورية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري. وحسناً فعل مجلس جامعة الدول العربية في دورته الــــ 148 التي عقدت في شهر أيلول/سبتمبر 2017، حين أنشأ لجنة عربية للتصدي لمساعي «إسرائيل» لنيل عضوية مجلس الأمن غير الدائمة[89]. وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، غير أنّ ولاية اللجنة من وجهة نظرنا ينبغي أن تكون أشمل وأكثر ديمومة، بمعنى أن لا تقتصر على مساعي «إسرائيل» للحصول على عضوية مجلس الأمن فحسب، بل تمتد لتشمل أيّ مساع إسرائيلية لتعزيز نفوذها في المنظمة الدولية بما في ذلك من طريق محاولاتها اختراق القارة الأفريقية للحصول على أصوات أعضاء المجموعة الأفريقية ذات الثقل الأكبر في الأمم المتحدة، وبذلك تكون هذه اللجنة دائمة وعملها استراتيجياً.

3 – على المديين المتوسط والبعيد، يتعين على الدول العربية العمل على زيادة عدد الموظفين العرب العاملين في الأمانة العامة للأمم المتحدة، وبخاصة في المناصب العليا، لما لهؤلاء الموظفين الكبار من تأثير في صنع القرار في المنظمة الدولية. مع العلم أنّ كثيراً من الدول العربية التي تسهم بمبالغ كبيرة في ميزانية المنظمة الدولية، ليس لها موظفون كبار في الأمانة العامة، بما يتناسب ونسبة مساهمتها في ميزانية الأمم المتحدة. وقد يتطلب مثل هذا الأمر تنسيقاً عربياً، كأن يكون هناك قرار عربي في هذا الخصوص من قبل جامعة الدول العربية. إنّ زيادة عدد كبار الموظفين العرب في الأمانة العامة من شأنه أن يعزز من النفوذ العربي الهام في هذا الجهاز المهم من الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية[90].

خاتمة

نجحت «إسرائيل» في استثمار المتغيرات الإقليمية والدولية، واغتنمت الفرص التي أتيحت لها فساعد ذلك كثيراً على تقليص المساعي الرامية إلى تهميشها في الأمم المتحدة. وكان تبنيها استراتيجية واضحة أثر بالغ في نجاح الكثير من مساعيها في هذا الخصوص. وإذا ما أرادت الدول العربية والإسلامية فعـلاً مواجهة النفوذ الإسرائيلي المتنامي في المنظمة الدولية، فإنّ عليها تبني استراتيجية مضادة في إطار جامعة الدول العربية، وحتى في إطار منظمة التعاون الإسلامي أو بالتنسيق بين المنظمتين، رغم صعوبة هذا الأمر في الوقت الحالي، حيث تقيم بعض أعضاء منظمة التعاون الإسلامي علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل. أمّا حركة عدم الانحياز، فلم تعد متماسكة كما كانت في السابق، ولهذا من المستبعد أن يكون لها تأثير كبير في هذه المسألة. ومع ذلك لا بد من الاستعانة بها لأنّها رغم تخلخل بنيانها، إلا أنّها لا تزال تضم مجموعة من الدول (من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) التي بقيت حتى اليوم متعاطفة مع القضايا العربية.

كما توجد حاجة ماسة إلى مواجهة محاولات التمدد الإسرائيلية في القارة الأفريقية بتبني رؤية عربية واضحة لتمتين العلاقات العربية – الأفريقية، ومنع سقوط بعض الدول الأفريقية في الحضن الإسرائيلي. وقد يتحقق ذلك من الاستغلال الجيد لآليات القمة العربية – الأفريقية المختلفة، وكذلك من طريق زيادة الوجود الدبلوماسي العربي في القارة الأفريقية، وتطوير الدعم الاقتصادي والسياسي لدول القارة التي تواجه العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية. وإذا لم تتمكن الدول العربية والإسلامية من فعل ذلك، فإنّ ذلك سيعني مزيداً من الوهن والضعف العربي في الأمم المتحدة، مقابل مزيد من النفوذ الإسرائيلي في المنظمة الدولية.

والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: كيف يمكن للإنسان العربي أن يتصور «إسرائيل» في مجلس الأمن، وهي تحتل الأراضي الفلسطينية وأراضي عربية أخرى! وكيف يمكن تصور المندوب الإسرائيلي يدير جلسة لمجلس الأمن في شأن «بند الحالة في الشرق الأوسط»! وهل يمكن لدولة طرف في نزاع كإسرائيل أن تسهم مع باقي الدول الأخرى في حل هذا النزاع طويل الأمد؟ وما الذي يمكن أن تضيفه «إسرائيل» في مجلس الأمن، وبخاصة في ما يتعلق بأهم أهداف مجلس الأمن، وهو تحقيق السلم والأمن الدوليين؟.

 

قد يهمكم أيضاً  التطبيع والمطبِّعون والمواجهة

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الأمم_المتحدة #مجلس_الأمن #الكيان_الصهيوني #الأمم_المتحدة_وإسرائيل #النفوذ_الاسرائيلي_في_الأمم_المتحدة #دراسات