مقدمة:
تعود العلاقات الخليجية – الكردية إلى فترات زمنية بعيدة؛ فقد شارك عدد من الأكراد العراقيين في النهضة السعودية الأولى، وأسهم العشرات منهم في رفد الدولة السعودية الوليدة بخبراتهم، وتجاربهم، وبخاصة في وزارة الخارجية، حيث شارك العراقي الموصلي المولد عبد الله الدملوجي في تأسيس النواة الأولى للوزارة، وكان يعد بمنزلة أول وزير خارجية للملك عبد العزيز آل سعود قبل إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية في23 أيلول/سبتمبر 1932. وقد عاد الدملوجي إلى العراق، في حين التحق الكثيرون من ذوي القدرات العراقية من الأكراد الذين حصلوا على الجنسية السعودية في وزارة الخارجية، وشكلوا كتلة لا بأس بها، في وقت عمل آخرون في القضاء، والتجارة، والتعليم. وهذا الأمر ينطبق على بعض دول مجلس التعاون الخليجي والتي حصلت على استقلالها في ما بين 1961 و1971، واستمرت العلاقات الخليجية مع الأكراد على الرغم من بعض الآلام، والأخطاء، وبخاصة أثناء الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988[1].
وبعد الغزو العراقي للكويت بدأ تأريخ جديد لإقليم كردستان العراق، إذ صدر في الخامس من نيسان/أبريل 1991 القرار الرقم 688 من مجلس الأمن القاضي بفرض الحظر الجوي، وإنشاء منطقة آمنة شمال العراق، وهو ما شكل بداية تأسيس حكم ذاتي كردي بصلاحيات واسعة. وقد استمر هذا الأمر حتى الغزو الأمريكي للعراق في نيسان/أبريل2003، حيث أدى إقليم كردستان العراق دوراً أكبر، وحصل على مزايا أفضل وضعته في مقام شبه مستقل، وبخاصة في ما يتعلق بالتجارة والعلاقات الدولية[2].
وفي نيسان/أبريل2010 استقبلت السعودية وفي أسبوع واحد، جلال الطالباني بوصفه رئيس جمهورية العراق، ثم مسعود البرزاني، حيث حرص الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز على تقليدهما وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وكان من الطبيعي أن تحرص أربيل على إرسال رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان البرزاني لتقديم العزاء بوفاة الملك عبد الله[3].
إشكاليات البحث: يحفل هذا الموضوع بالعديد من الإشكاليات لعل من أبرزها أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تلتزم الحياد وعدم التدخل، والتموضع في الإقليم الكردي، والنفوذ فيه في ظل الملفات الساخنة مع حكومة بغداد الاتحادية كتوزيع الموازنة، وحل المناطق المتنازع عليها بين بغداد والإقليم، وقضية كركوك وتبعيتها، وقضية استقلال كردستان عن العراق، حيث بدأ المسؤولون الأكراد بالإعلان عن أن كركوك هي جزء من إقليم كردستان العراق، بالرغم من وجود المادة 140 في الدستور العراقي لحل القضايا المتعلقة في كركوك. وسط هذا المناخ المتأزم، تحول النفوذ الخليجي إلى واقع حال، وحضور فعلي في الساحة الكردية، وبخاصة في مجال الاستثمار الاقتصادي في الإقليم، ودعم حكومته في مجال مواجهة تنظيم داعش الإرهابي بعد سقوط الموصل في حزيران/يونيو2014.
فرضية البحث: بني البحث على فرضية مؤادها أنه حدث تغير في الدور الخليجي في الملف الكردي بعد عام 2003، حيث بدأ الموقف بتحفظ واضح في الموقف الخليجي من قضايا الإقليم، إلا أن الموقف الخليجي لم يبقَ على هذه الشاكلة، بل تغيّر باتجاه المصالح الخليجية في الإقليم، من خلال دفع الشركات الخليجية للاستثمار في تلك المنطقة، ودعم مواقف الإقليم مع حكومة بغداد، وبخاصة بعد إجراء استفتاء تمهيداً لانفصال كردستان عن العراق في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر2017، بسبب اعتقاد دول الخليج أن الإقليم يمكن أن يوظَّف لمصلحة الصراع الخليجي – الإيراني هناك، وجعله عامل صد تجاه النفوذ الإيراني في العراق.
هيكلية البحث: ينقسم هذا البحث إلى أربعة أقسام: الأول، يتناول أسباب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالعلاقات مع إقليم كردستان العراق؛ والثاني، يعرض العلاقات الخليجية – الكردية بعد عام 2003؛ والثالث، يتناول الموقف الخليجي من علاقات إقليم كردستان العراق بالحكومة الاتحادية؛ والرابع يستشرف مستقبل العلاقات الخليجية – الكردية.
أولاً: أسباب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي
بالعلاقات مع إقليم كردستان العراق
بدأت تطفو على سطح الاهتمامات الخليجية بإقليم كردستان العراق بعض الأسباب التي تدفع بدول مجلس التعاون الخليجي إلى الاهتمام بالإقليم الكردي العراقي، وهي تتمحور في ما يأتي كما يذكرها الصحافي الكردي «جوشوا ليفكريتس» في صحيفة رادو الكردية[4]:
1 – تحاول دول مجلس التعاون الخليجي عموماً، والسعودية خصوصاً، أن تكون صديقاً جديداً للكورد، وذلك بالتعامل مع حكومة إقليم كردستان، للحد من النفوذ الإيراني في العراق، كما تحاول إضعاف النفوذ الشيعي في الحكومة العراقية، من أجل دعم الكورد نحو الاستقلال، لتستفيد السعودية من الانفتاح المفاجئ لتربك إيران في المنطقة.
2 – الكورد في العراق لهم صلات ثقافية ولغوية مع إيران، وخصوصاً من خلال بعض الأحزاب السياسية الكردية، وإيران لديها تأثير قوي في الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقع مقره الرئيسي في محافظة السليمانية قرب الحدود الإيرانية. إلا أن إيران استطاعت في العقد الأخير أن تعزز علاقتها الأمنية والتجارية مع حكومة إقليم كردستان، ولهذا السبب تقربت أكثر من الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل.
3 – هناك دعم شعبي إيراني كبير لتقوية العلاقات بين إيران وحكومة إقليم كردستان، وبحسب استطلاع للرأي جرى بعد عام 2016 تبين أن90 في المئة من الإيرانيين يؤيدون بشدة مساعدة إيران لحكومة الإقليم في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، واندفاع إيران لبناء خط أنابيب يمكن أن ينقل 250 ألف برميل من نفط إقليم كردستان يومياً عبر إيران إلى مياه الخليج، والإقليم يقوم بتصدير النفط من طريق خط واحد لنقل النفط إلى الأسواق العالمية، وينتهي في ميناء جيهان التركي، وهذه الشراكة ستكون لها تداعيات سياسية واقتصادية على دول مجلس التعاون الخليجي.
4 – واجه إقليم كردستان أزمة اقتصادية، وسياسية، كبيرة، وهو في أمسّ الحاجة إلى رأس مال؛ فهناك ما لا يقل عن250 ألف لاجئ سوري في الإقليم، وبحسب تقارير الأمم المتحدة هناك أكثر من مليون نازح عراقي في مدن الإقليم، فأصبح الضغط متزايداً على الموارد المحدودة.
5 – خشية دول مجلس التعاون الخليجي من أن يكون هناك نفوذ إيراني على العراق بعد 2003 وهو بداية للتمدد الإيراني في الوطن العربي. لذلك كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في أن تكون حكومة الإقليم قوية، وأن تكون شريكاً حقيقياً لهم للحفاظ على المنطقة في وجه السيطرة الإيرانية، إلا أن الصراع في سورية، وظهور تنظيم داعش الإرهابي، وبدء ظهور قوات حزب العمال الكردستاني التركي شكلت جميعها ضغطاً على حكومة الإقليم، وأدت إلى عدم استقرار جدول أعمالها الدبلوماسي والسياسي. ونظراً إلى انخفاض أسعار النفط العالمية، وإشكاليات استحقاقات حكومة الإقليم المالية من ميزانية الحكومة الاتحادية، فقد أصبحت فإن حكومة الإقليم أصبحت حريصة على التعامل مع الجميع، بما في ذلك السعودية ما دامت أنها ستوفر إمكان الوصول إلى الاستثمارات، والتغيير الاقتصادي، وما دامت السعودية تستطيع الاستفادة من الأزمة المالية، ودعم المجتمع الكردي بالمساعدات والاستثمارات.
6 – في رسالة إلكترونية لرئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وضع الشعب الكردي أمام خيارين: إما التبعية، واستمرار المشاكل داخل كردستان، وإما التقدم نحو السيادة والاستقلال. ويفسر تقرير كردي لوكالة مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة برزاني (وكالة روداو، وكالة شبه رسمية تبث من أربيل) كلامه كأنه يغري السعوديين للوقوف إلى جانب الإقليم لنيل استقلاله عن بغداد، ويؤكد أن السعوديين سيستفيدون جداً من هذه الخطوة، بحيث تقوض النفوذ الإيراني على العراق، وتضعف حكومة بغداد (بحسب التقرير) صديقة إيران، كما أن خطوة كهذه وفق التقرير سوف «تُكسب السعودية المزيد من الشعبية بين شعوب كردستان، وعندئذ ستكون المملكة في وضع أفضل، لتحقيق أهداف أكثر طموحاً في دعم منطقة سنية، مستقلة في العراق»[5].
7 – يوجد إصرار خليجي عموماً، وسعودي خصوصاً، على توظيف الملف الكردي للضغط على حكومة بغداد لفك عرى الارتباط والعلاقات مع إيران، وفي هذا الاتجاه أطلت القنصل السعودي في أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) عبد المنعم عبد الرحمن صالح، تصريحاً مهماً مفاده «أن بلاده لن تتخلى عن إقليم كردستان العراق» لتزيد الشكوك بشأن نيّات الرياض إزاء العراق[6] ولا سيَّما أن التوجه السعودي نحو الإقليم يأتي بسببين: الأول وجود بيئة مناسبة اقتصادية تدفع بالإقليم إلى قبول ضغوط سعودية، والآخر اعتقاد الرياض بأن الطرف السياسي في إقليم كردستان يستطيع أن ينسجم بسهولة مع رغباتها، كونه يتمتع باستقلال جغرافي نسبي، واستقلال تام على مستوى القرار السياسي[7].
ويفسر الباحث الكردي الاستراتيجي «فرزند شيركو» مدير مشروع اجتثاث التطرف السياسي في إقليم كردستان، والباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أسباب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالعلاقات مع إقليم كردستان كما يأتي[8]:
أ – هناك توجه قطري وإماراتي للاستثمارات الكبيرة التي تسهم في ازدهار قطاعات الطاقة والبنية التحتية في الإقليم، وذلك في جزء منه بغية الحصول على مكانة أفضل للوصول إلى بغداد من ناحية أخرى. وأتت مشاركة السعودية في الإقليم كجزء من السياسة الإقليمية لتطويق هياكل النفوذ الشيعي، ومواجهة النفوذ الإيراني في العراق جزئياً من طريق حكومة إقليم كردستان.
ب – في البداية ارتبطت السعودية بجماعة الإخوان المسلمين في كردستان، ثم بالحركة الإسلامية هناك التي كانت تتخذ من باكستان مقراً لها منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وهكذا حاولت الرياض في البداية السيطرة على الحركة الجهادية الكردية من خلال توفير الدعم المالي والأيديولوجي عبر أجهزتها الاستخبارية من أجل انتزاع هذا النفوذ من الإيرانيين، وبدأت العلاقة السعودية مع الأحزاب القومية الكردية في الفترة التي أعقبت إسقاط حكم الرئيس صدام حسين، فإطاحة الولايات المتحدة الأمريكية النظامَ الذي هيمن عليه السنّة في العراق تعني أن الرياض خسرت الحاجز الذي كان في وجه انتشار النفوذ الإيراني في الوطن العربي، لذا قاربت الرياض الحركات القومية الكردية على أنها بديل له.
3 – وجود إرادة لإيجاد بيئة لإنشاء تحالف إقليمي جديد من القادة الأكراد، والعرب السنّة في أربيل، وهو تطور لقي دعم الأردن وتركيا والسعودية والإمارات. وبعد غزو تنظيم داعش الإرهابي عام 2014 لشمال غرب العراق، انتقل العديد من الشخصيات السنية البارزة، كما العديد من زعماء القبائل، إلى أربيل، حيث كانوا يوجهون النقد إلى الحكومة العراقية، وقد بثت وسائل الإعلام الخليجية وجهات النظر العربية السنية من أربيل، وصنفت المدينة بين المدن الهامة ذات الأغلبية السنية مثل إسطنبول، والدوحة، وأبو ظبي، وعمّان. حتى إن زعماء السنّة المهددين بالمحاكمة من الحكومة المركزية العراقية اختاروا الإقامة في أربيل، أو الفرار من العراق عبرها.
4 – التركيز المتزايد للقوى الإقليمية على خطوط كردستان الأمامية مع تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما كان له تأثير ملحوظ في الاستقرار الكردستاني الداخلي؛ إذ إن مكافحة تنظيم داعش، والاجتماعات المستمرة بين رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني، ووفود رفيعة المستوى من الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي، أدت إلى تهميش العملية الديمقراطية في الإقليم.
5 – طالب الملك السعودي سلمان من إقليم كردستان العراق دعم منطقة حكم ذاتي سنية في العراق، وتمرير قانون الحرس الوطني من قبل البرلمان العراقي، الذي سيسمح للعرب السنّة في العراق بتنظيم قوة مسلحة تضم 100 ألف رجل تكون تحت السيطرة المباشرة لمحافظ المحافظة بدلاً من الحكومة المركزية في بغداد، ووعد الملك السعودي الإقليم إذا نجح في ذلك، بدعم الرياض حكومة الإقليم مالياً للقضاء على أي حاجة إلى الاعتماد على بغداد.
6 – إن سبب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بإقليم كردستان العراق هو رهانها على جعل الإقليم ساحة لتسوية خلافاتها مع القوى الإقليمية في العراق من خلال ظهور معادلة جديدة تضع أربيل داخل الكتلة السنية. يمكن لهذا التحول أن يغير موازين القوى في المنطقة، ولكنه من الناحية العملية يشكل خطراً كبيراً على مشروع إقامة دولة كردية، مستقلة، على الرغم من أن إقليم كردستان أصدر بياناً نص على «أن إقليم كردستان لن يكون جزءاً من أي من الكتل الشيعية أو السنية».
ثانياً: العلاقات الخليجية – الكردية بعد عام 2003
تنوعت العلاقات الخليجية – الكردية بعد عام 2003 في عدة مجالات، ويمكن عرض المجالات التي تنامت بها تلك العلاقات كما يأتي:
1 – العلاقات السياسية
يمكن تأشير معطيات العلاقات السياسية من خلال المؤشرات التالية:
أ – في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر2013 قام مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان بجولة خليجية ابتدأت بزيارة دولة الإمارات لبحث أوجه العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان والإمارات العربية المتحدة على المستويين السياسي والاقتصادي. وأعرب البرزاني عن سعادته لمستوى هذه العلاقات بين الجانبين، معرباً عن أمله في أن تؤدي الشركات الإماراتية دوراً فاعـلاً في عملية ازدهار الإقليم وتقدم الإعمار فيه، كما جرى خلال لقاءات رئيس الإقليم مع المسؤولين الإماراتيين بحث الأوضاع السياسية، الراهنة في المنطقة، وتبادل الجانبان وجهات النظر بشأن المستجدات السياسية على الساحة العراقية، والمنطقة، وأكدا أهمية تقدم ومواصلة العلاقات بين الإقليم والإمارات[9].
وغادر الرئيس برزاني الإمارات وتوجه إلى الكويت، حيث بحث مع الجانب الكويتي عدداً من المحاور المهمة، منها تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين، وأعرب الجانبان عن سعادتهما لافتتاح القنصلية العامة لدولة الكويت في إقليم كردستان، وتناول الجانبان العلاقات الاقتصادية، وأوجه التعاون لنشاطات القطاع الخاص الكويتي في الإقليم، وتناولت المباحثات مع الجانب الكويتي الأوضاع السياسية والأمنية في العراق[10].
ب – قام مسعود برزاني بجولة خليجية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر2015 شملت السعودية والإمارات. وتباحث رئيس الإقليم مع المسؤولين الإماراتيين المستجدات في المنطقة، وانتصارات قوات البيشمركة ضد الإرهاب، كما تم تبادل وجهات النظر حول سبل مواجهة توسع الإرهاب على مستوى المنطقة، والعالم، واتفق الطرفان على توسيع علاقات الصداقة بين الجانبين.
وأكد المستشار الإعلامي لرئيس الإقليم، كفاح محمود، أن زيارة رئيس الإقليم للإمارات تهدف إلى تمتين أواصر العلاقات بينهما كونهما يواجهان الإرهاب أينما وجد. وأضاف «من المعروف أن إقليم كردستان تبوأ موقعاً متقدماً في المجتمع الدولي، وخصوصاً لدى الرأي العام الأوروبي، والأمريكي، والغربي، لما قدمته قوات البيشمركة من بطولات أثبتت للعالم جدارتها على الأرض في محاربة الإرهاب، وأنها قوات منضبطة، وتحترم المواثيق الدولية»، مضيفاً «لهذا فإن زيارة برزاني إلى دول الخليج تأتي لتمتين هذه الصورة، وتقوية العلاقات بين شعوب المنطقة، وإقليم كردستان»، وأضاف: «هناك استثمارات لدولة الإمارات في إقليم كردستان، كما أن برزاني وكل الوفود الكردستانية التي تتوجه للإمارات تشجع على الاستثمار في كردستان كونها بيئة ممتازة للاستثمار»[11].
ج – طلب النائب عن التحالف الكردستاني «فرهاد كريم» من الحكومة الاتحادية دعم زيارات رئيس الإقليم لدول مجلس التعاون الخليجي، لأنها تدخل في دعم العلاقات الثنائية بين البلدين، مبيناً «أن العراق اليوم يجب أن يعمل على توثيق العلاقات بين البلدين»[12]، لافتاً إلى أنه «من خلال الزيارات إلى الدول يمكن النهوض بالواقع الاقتصادي للعراق، من خلال دعم الشركات العالمية المختلفة إلى الاستثمار، ونقل صور إيجابية عن البلد»[13].
د – اتخذت السعودية قراراً عام 2015 بفتح مقر سفارتها في بغداد، والقنصلية الجديدة في أربيل، وهو الأمر الذي قابله الإقليم بتقديم تسهيلات لأعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية التي تعمل هناك، وإنهاء إجراءات تأشيرة الدخول للعراق[14].
هـ – تفسر بعض التحليلات العلاقات السياسية بين إقليم كردستان ودول الخليج بعد تصاعد نشاط تنظيم داعش الإرهابي، والتمدد الإيراني داخل معظم المناطق العراقية، فضـلاً عن تدهور العلاقة بين بعض دول الخليج وإيران على ملفات كثيرة أبرزها سورية، واليمن، ناهيك بأن زيارة رئيس الإقليم للسعودية يأتي كون الأخيرة تحاول قيادة محور عربي – إقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية. وعليه يرى بعض المراقبين أن الرياض حريصة على أن تحشد معها ما تستطيع من قوى محلية، وإقليمية في صراعها مع إيران، وتنظيم داعش الإرهابي، ولا سيّما في سورية، والعراق، وبعد التهديدات التي أطلقها الإيرانيون ضد السعودية على خلفية مشاركتها في عملية (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين في اليمن[15].
2 – العلاقات الاقتصادية
حافظ الإقليم على استقرار الجانب الأمني، وهو ما أثر إيجاباً في جذب الاستثمارات الأجنبية، وحدوث انتعاش اقتصادي مع أبو ظبي، والدوحة، والرياض، كما أن حكومة الإقليم حرصت على التقرب أكثر من دول الخليج، والاستفادة من تجاربها، وخصوصاً تجربة دبي، والشركات الناشئة عندها، حيث شهدت العلاقات تطوراً ملحوظاً من خلال عقد اللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين من بعض دول الخليج، ومجيء الشركات، ورجال الأعمال إلى أربيل[16].
يمثل النفط ركيزة أساسية للاقتصاد في الإقليم، حيث تشير تقديرات اقتصادية إلى احتواء الإقليم على أكثر من45 مليار برميل بترول من الثروة النفطية للعراق ثالث أكبر منتج للخام الأسود في العالم، وهو ما شجع دول الخليج على تقوية العلاقة معه اقتصادياً وتجارياً[17].
وتظهر إحصاءات حكومة كردستان تحقيق إقليمها نسبة نمو سنوي تناهز 6 في المئة وتمثل التجارة أحد أهم مصادر الدخل الاقتصادي للإقليم، فضـلاً عن وجود أربعة خطوط جوية تسيّر الرحلات الجوية بين الإمارات والإقليم، وتشجيع فرص الاستثمار السعودي والقطري[18].
وفي شهر أيار/مايو 2016 نقلت مصادر صحافية عن مصادر حكومية في إقليم كردستان أن الإقليم شهد زيادة في عدد الشركات الخليجية بأكثر من60 في المئة منذ بداية عام 2016 وسط توقعات بأن تشهد المزيد من الاستثمارات، ولا سيَّما مع انتقال جزء من الاستثمارات الخليجية وبخاصة السعودية من لبنان إلى الإقليم. وأكدت المصادر نفسها أن عدد الشركات الخليجية ارتفع في الإقليم إلى 69 شركة أغلبيتها سعودية، وإماراتية، وكويتية تعمل بمجالات الإسكان، والسياحة، والنفط، والصناعات المعدنية كالحديد، والصلب، وغيرها، مقابل 42 شركة عام 2015 بارتفاع بلغت نسبته 64,2 في المئة.
ومع تصاعد الأزمة السورية باتت العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية بين الخليج ولبنان مهددة، ولا سيّما بعد أن أعلن مجلس التعاون الخليجي مطلع آذار/مارس 2016 أن حزب الله منظمة إرهابية، وهو ما أيدته جامعة الدول العربية، وهذا ما دفع بلداناً خليجية إلى تحويل مكان استثماراتها وأنشطتها الاقتصادية من لبنان إلى أربيل[19].
3 – العلاقات العسكرية
كشف مصدر سياسي عراقي في بداية عام 2016 عن اجتماع قادة أكراد مع مسؤولين في جهاز الاستخبارات السعودية في أربيل لتزويد كردستان صفقة من الأسلحة متوسطة الحجم صنع أمريكي. وقال المصدر «خلال زيارة مسعود برزاني إلى ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز تم الاتفاق حول تزويد إقليم كردستان بصفقة من الأسلحة»، وأضاف أنه «تم عقد اجتماع بين قادة أكراد ومسؤولين في جهاز الاستخبارات السعودي في أربيل لتنفيذ الاتفاقية، وتزويد الإقليم بالأسلحة المتطورة»[20].
ثالثاً: الموقف الخليجي من علاقات
إقليم كردستان العراق بالحكومة الاتحادية
تدرك النخبة الكردية أن هناك تأييداً خليجياً للملفات الساخنة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، ولعل أبرز هذه الملفات قضية استقلال إقليم كردستان عن العراق، وبخاصة بعد إجراء الإقليم استفتاء في يوم الاثنين 25/9/2017 يهدف إلى الانفصال عن العراق، وتأسيس دولة كردية، بعدما صوّت برلمان منطقة كردستان العراق على قرار إجراء استفتاء الانفصال، وحصل على إجماع الأعضاء الحاضرين في الجلسة، وطالب رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم أوميد خوشناو جعل يوم الخامس والعشرين «كرنفالاً جماهيرياً لنصرة طموحات، وأهداف الشعب الكردي التاريخية وتحقيقها»، فيما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن «عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء المخالف للدستور»[21]. وفي هذا يؤكد الكاتب والصحافي الكردي هوشنك أوسي أن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، لم تعد تنظر إلى قيام دولة كردستان من تلك الزاوية القومية الضيقة المتأثرة بالدعاية للنظام السابق، بل صارت تنفتح أكثر على إقليم كردستان، وتحتل الإمارات المرتبة الأولى بين البلدان العربية التي لديها استثمارات في كردستان[22].
وقد أبدت الإمارات استعدادها للاعتراف باستقلال إقليم كردستان في حال قرر الإقليم ذلك، وقد أكدت ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات في جامعة الإمارات ذلك، مشيرة إلى إن بلادها «لديها علاقات قوية مع كردستان، وبنفس الوقت لديها أيضاً علاقات مع بغداد، لكن مسألة استقلال إقليم كردستان هو قرار يعود إلى الإقليم نفسه، لكن إذا قرر ذلك، وأعلنت كردستان استقلالها، فإن الإمارات لن تنأى بنفسها عن الاعتراف بهذا الاستقلال»[23].
ونقلت الأخبار أن المسؤولة الإماراتية وقَّعت مذكرة تفاهم في أربيل للمساعدة على إجراء وتنظيم عملية استفتاء كردستان للانفصال عن العراق، وبخاصة أن مسؤولي الإمارات أعلنوا أنهم مع تطلعات أكراد المنطقة لإقامة دولة خاصة بهم[24].
وترى بعض الدراسات أن دعم الإمارات مشروع انفصال إقليم كردستان عن العراق هو بمنزلة مناكفة لتركيا قدر الإمكان، وكذلك لإيران على اعتبار أن أنقرة ترى أن دولة كردية مستقلة على حدودها خط أحمر، ممنوع بالكامل، وهو موقف لا تبدو طهران بعيدة منه أيضاً، فالخلافات التركية – الخليجية في أزمة قطر في حزيران/يونيو 2017[25] هي الأخرى أحد أسباب دعم الإمارات لانفصال الإقليم؛ فهي تريد من وراء هذه المحاولة بناء قواعد عسكرية لها، للضغط على تركيا التي أنشأت قاعدة عسكرية في قطر، لإزعاج تركيا بإقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية، عبر إثارة الأكراد ضدها، وهذا موجه أيضاً إلى إيران وسورية التي تضم عدداً ليس قليـلاً من الأكراد على أراضيها[26]، فضـلاً عن ذلك ترى الدراسات نفسها أن دعم الإمارات لإقامة دولة كردية سنية على حدود العراق وإيران جاء بطلب أمريكي من أجل دعم مجهودها الحربي في المنطقة، لهذا فهي واسطة لهدف قد يكون، أو لا يكون، تحقيقه مؤكداً بعد. إذ في الوقت الذي تصف فيه الكثير من وسائل الإعلام العربية وغيرها عملية الاستفتاء بالانفصال فإن الإعلام الإماراتي يصفها بـ «الاستقلال»، ويسارع الدور الإماراتي في كردستان العراق منذ زمن من خلال بوابة الاستثمارات بقطاع الإسكان، والصحة، والسياحة، فضـلاً عن الجانب الإغاثي، والصحي تحت عناوين مساعدة النازحين بالشراكة بين «مؤسسة البرزاني الخيرية» والمنظمات الإماراتية، إلا أنه يقتصر على أربيل، وأجزاء من دهوك فقط من دون السليمانية، أو المحافظات العراقية الأخرى[27].
وتطرح بعض الدراسات العوامل المعرقلة للدعم الإماراتي لإجراء استفتاء الإقليم، وانفصاله عن العراق منها[28]:
1 – الاختلاف بين القيادات الكردية منذ تأسيس الإدارة الموحدة في الإقليم منذ عام 2006، إذ لم يكن هناك موقف موحد للأحزاب الكردية حول العديد من القضايا سواء الداخلية أو الإقليمية والدولية. داخلياً لا تزال هناك حكومتان الأولى في أربيل، والأخرى في السليمانية، كذلك يمتلك كل حزب قوات عسكرية خاصة به، كما أن مسألة رئاسة الإقليم، وتفعيل البرلمان لم تحل بعد، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، إضافة إلى معارضة حركة التغيير والاتحاد الوطني لإجراء الاستفتاء، أو الانفصال عن العراق قبل حل القضايا العالقة مع أربيل على أقل تقدير، والانتقادات الكردية الموجهة للإمارات من أن مساعدتها لم تشمل كل الأكراد، بل لأربيل فقط، وذلك بفتح مكاتب داخل كردستان، وتقديم مساعدات إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني لا إلى مواطني كردستان، وبخاصة أن الإقليم يعاني صعوبات اقتصادية، لعدم وجود رواتب، ولعدم وجود خدمات، وهي ليس بسبب قضية البقاء مع العراق، أو الانفصال عنه، بل بسبب الإشكاليات السياسية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
2 – عدم قدرة الإمارات على الاستمرار بهذا الدور؛ فالكل يعرف أن انفصال منطقة من دولة ما ليس بالأمر السهل تحقيقه، فهو يحتاج إلى قوة عسكرية، كبيرة وجاهزة للمواجهة، كما يحتاج إلى دعم دولي واسع، ودور إقليمي مساعد له، لهذا ترى أن قوة الإقليم (البيشمركة) رغم عددها، وتسليحها، إلا أنها لا يمكن قياسها بالقوات العراقية (الجيش والحشد الشعبي)، كذلك الموقف الدولي المعارض لإجراء الاستفتاء، والانفصال، وبخاصة المعارضة الأمريكية والأوروبية. كما أن دول جوار الإقليم هي الأخرى ترى في انفصال الإقليم تهديداً لأمنها القومي، ووحدتها الوطنية، وهي أعلنت موقفها المعارض للانفصال، كذلك عدم امتلاك الإقليم للموارد الاقتصادية الكافية لإدارة مرحلة ما بعد الانفصال، وهي تحتاج إلى أموال طائلة؛ لهذا فإن قدرة الإمارات على توفير حاجات الإقليم بعد الانفصال هي ضعيفة جداً، فهي لا يمكنها مد الإقليم بالقوة العسكرية، وذلك لقلة عدد جيش الإمارات من جهة، واشتراكه في حرب اليمن من جهة أخرى، كذلك فإن توفير أموال لإدارة الانفصال هي الأخرى خارج قدرة الإمارات، لحاجة الإقليم إلى أموال كبيرة جداً للعمليات العسكرية، أو التمويل الداخلي.
3 – تحسن علاقة العراق مع دول الإقليم، حيث إن تعويل الإمارات على الدعم الخليجي لها غير مؤكد، فسياسات هذه الدول متغيرة حسب تغير الظروف الدولية، وليس حسب المصالح بعيدة الأمد، فتحسن العلاقات بين العراق والسعودية سيكون عامل دعم لبغداد في مواجهة انفصال الإقليم، والدول الداعمة له، وبخاصة أن السعودية تمثل القائد لدول الخليج الأخرى، وأي خلاف معها سيخلق المشاكل لهذه الدول، كما هو حاصل مع قطر، لهذا فهو سوف يصطدم اندفاع الإمارات نحو دعم الاستفتاء بالتحرك العراقي المنفتح، وسينعكس الموقف من انفصال الإقليم الجديد على دول الخليج الأخرى.
4 – يعد إقليم كردستان العراق منطقة مغلقة جيوسياسياً، فهو لا يملك سواحل بحرية، ولا يملك مجالاً جوياً، أو أرضياً حراً، بل هو محاصر من قبل دول معارضة للانفصال، بل ولها مصالح، ومطالب أكبر من قدرة الإقليم، أو الإمارات على تحقيقها، لهذا فإن أي أعلان لانفصال الإقليم عن العراق سوف يضعه في خانة «الدول الميتة إقليمياً»، من خلال منع الحكومة الاتحادية دول الإقليم الأخرى من المرور نحو الإقليم، وهنا ستكون الإمارات ليس أول الخاسرين فقط، بل أول دولة تتحمل نتائجه، وتكاليفه الباهظة.
5 – إن انفصال إقليم كردستان عن العراق سيكلف الإقليم أعباء كثيرة على مواطني الإقليم، لأن موافقة دول الجوار على الانفصال لن تمنح مجاناً بل سوف تُلحق بمطالب كثيرة جداً، وسيكون الإقليم عبارة عن أراضٍ مشتركة لدول جوار العراق من ناحية إقامة القواعد العسكرية، والنفوذ الإقليمي، وبخاصة أن تركيا تمتلك عدة قواعد عسكرية في الإقليم، ومطاراً عسكرياً، كما أن إيران لها نفوذ في السليمانية وهي حليف رئيسي للاتحاد الوطني الكردستاني. كما أن هناك خلافات تركية – إماراتية عميقة جداً، وهناك خلافات إماراتية – إيرانية أيضاً. لهذا فإن أي مصلحة للإمارات من دعم انفصال إقليم كردستان عن العراق لن تتحقق، بل سوف تكون لمصلحة دول جوار العراق، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبته دول مجلس التعاون الخليجي عندما ساعدت أمريكا على احتلال العراق عام 2003، ولكن بعدها أصبح العراق ساحة لإيران وتركيا، ولم يكن نصيب دول الخليج سوى دفع فاتورة مشاركتها في هذه الحرب.
6 – إن الإماراتيين يعلمون جيداً استحالة تقسيم العراق، وبخاصة أن بغداد تراقب ما يجري من حراك إماراتي داخل أربيل، وأن الإمارات دولة صغيرة، وذات إمكانات عسكرية محدودة، ودور دولي وإقليمي محدود أيضاً، وهي أضعف من أن تدخل في عداء مع شعب تعداده 35 مليون نسمة، بشكل لن يحصل شعب الإمارات على أي منافع مرجوة منه سوى المشاكل والحروب.
وبالرغم من المعوقات الكابحة لدور الإمارات لدعم انفصال إقليم كردستان عن العراق ألا أن بعض الدراسات تكشف عن الأسباب الحقيقية للدعم الإماراتي والسعودي لانفصال الإقليم عن العراق وهي كما يأتي[29]:
أ – يعود الدعم الإماراتي للاستفتاء لسياسات أبوظبي المناهضة لتركيا، ودورها الداعم لقطر، والمعارض للإمارات والسعودية فيما يتعلق بالأزمة القطرية ومجرياتها.
ب – تأييد السعودية لاستقلال كردستان يفضي إلى إضعاف العراق، والحصول على موطئ قدم من الناحية العسكرية يمكن استخدامها للضغط على دول الجوار، وبخاصة تركيا ذات الباع، والتاريخ الطويل في مقارعة الأكراد. وتسربت معلومات من قيادات كردية معارضة لحكومة أربيل مفادها تلقّي حكومة أربيل دعماً من السعودية لتنفيذ مشروع انفصال كردستان العراق مقابل السماح لها بإنشاء قواعد عسكرية في محافظتي أربيل ودهوك سعياً لتشكيل قوة موازية لإيران وتركيا في المنطقة، ولا يبدو أن هذه المعلومات تتمتع بالصدقية الكافية لجهة التعليل الوارد فيها على الأقل[30].
ج – الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتوافرة في اقتصاد الإقليم، وبخاصة في مجال الطاقة، والسيطرة على الإقليم اقتصادياً، وهو ما يؤدي إلى تبعية الإقليم السياسية، وربما تقوية النزعات الانفصالية للأكراد في دول المنطقة، وتأجيج الصراعات تبعاً لأجندات مسبقة.
ترى بعض الدراسات أن الدعم الخليجي لاستقلال إقليم كردستان عن العراق أثار حفيظة إيران التي تنظر إلى استقلال الإقليم على أنه يمهد الطريق لقطع الإمداد البري من إيران إلى سورية عبر العراق، لأن الإمدادات الجوية، والبحرية يمكن كشفها، والتحكم بها بسهولة. ومن وجهة النظر الإيرانية فإن ذلك يسهل إضعاف النظام السوري الذي سوف يصبح مطوقاً من ثلاث جهات، وهي تركيا من الشمال، والإقليم الكردي شرقاً، والأردن و(إسرائيل) جنوباً، ومن ثم إسقاطه، وتفتيت سورية إلى كيانات طائفية، أو صوملة سورية، لتحقيق الأهداف المرسومة لها[31].
رابعاً: مستقبل العلاقات الخليجية – الكردية
إن قراءة مستقبل العلاقات الخليجية – الكردية تتطلب طرح سيناريوهين: الأول يرجح تطور العلاقات الخليجية – الكردية؛ والثاني يدعو إلى تباطؤ العلاقات الخليجية – الكردية، وسيتم تحليل أبعادهما بشكل مسهب.
1 – سيناريو تطور العلاقات الخليجية – الكردية
إن تحقيق هذا السيناريو له ما يبرره من خلال المعطيات التالية[32]:
أ – القوة السياسية التي يتمتع بها إقليم كردستان داخلياً.
ب – الانفتاح الكردستاني على كل الدول العربية وبخاصة دول الخليج.
ج – فتح قنصليات لأغلب دول الخليج في كردستان.
ويكشف السياسي الكردستاني المعروف ديندار نجمان دوسكي لمجلة كولان الكردية الأسباب لتطوير العلاقات الخليجية – الكردية كما يأتي[33]:
(1) تقدير دول الخليج للدور الذي قام به الإقليم من خلال قواته العسكرية (البيشمركة) لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
(2) إدراك دول الخليج أن الكورد هم جهة رئيسية للمعالجة في مسألة الأزمات الداخلية، ودورهم في الميزان للموازنة بين السنّة والشيعة.
(3) استحسان دول الخليج لموقف الكورد لاستقبال العرب السنّة، والعرب عموماً، حيث قام الإقليم بحماية كل هذه الأعداد، والتيارات السنية العربية من الأخطار المحدقة بهم.
ونشر موقع حكومة إقليم كردستان بياناً أشار فيه إلى القواسم المشتركة بين الكورد ودول الخليج لبناء علاقات مشتركة فيما بينهما وكما يأتي[34]:
(أ) إن ما يجمع الأكراد مع العرب عموماً، ومع دولتهم المعتدلة خصوصاً كالسعودية، إضافة إلى الكويت والإمارات، هو بكل تأكيد أكبر مما يفرقهم، ولعل المطلوب في هذه المرحلة العصيبة، والحرجة من تاريخ المنطقة هو الإسراع في المبادرة إلى بلورة هذه القواسم والمصالح المشتركة، وتطويرها، وتنميتها، وهذا يتطلب أول ما يتطلب توافر إرادة مشتركة لدى العرب، والأكراد كشعبين، تجمعهما قبل أي شيء الجغرافيا التي لا يمكن بأي حال من الأحوال القفز فوق حقائقها الثابتة على الأرض.
(ب) وجود قناعة مشتركة كوردية – عربية، وخليجية، بضرورة تفعيل الإرادة المشتركة، والشروع في ترجمتها إلى واقع عملي ملموس، بما يقود مستقبـلاً إلى بلورة تحالف استراتيجي عربي – كردي في مواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها الشعبان العربي والكردي من قبل قوى إقليمية طامعة في كردستان، والعراق عامة، وتالياً في عموم الوطن العربي، مستندة إلى حال التشرذم، والضعف العربيين.
(ج) إن التحالف الكردي – العربي المنشود سيؤسس لمقاربة حضارية تفاعلية بين شعوب المنطقة برمّتها، ما ينعكس إيجاباً على تعاطيها، بعقلانية، ومسؤولية مع مشاكلها، وأزماتها الداخلية، وخلافاتها البينية، وبما يقود إلى تجاوز المنطقة لمأزقها التاريخي المزمن.
(د) إن انفتاح دول الخليج على كردستان العراق عبر مد الجسور، وتبادل الزيارات والآراء مع القيادة الكردية، إنما هو انفتاح على أمة بأكملها يقارب تعدادها الخمسين مليون نسمة، وتشكل لاعباً بارزاً، ورقماً صعباً في معادلات المنطقة، وتفاعلاتها المتلاحقة، ولا سيَّما أنها أمة مقسمة بين أربع دول مركزية، مأزومة في المنظومة الإقليمية؛ فالقضية الكردية تشكل فاعـلاً موضوعياً لا يمكن تجاهله في ميزان القوى الإقليمي، أو في «لعبة الأمم»، بحسب أصحاب نظرية: «المؤامرة السرمدية».
(هـ) إن الانفتاح والتقارب مع أمة صاعدة من ركام الاضطهاد، والصهر، والتقسيم، هي خطوة ذكية، وبارعة سياسياً، واستراتيجياً، فضـلاً عن صوابها الأخلاقي، وأن السعودية، وغيرها من قوى الاعتدال العربية تدرك جيداً هذه الحقيقة؛ فالسياسة في النهاية هي من توسيع دائرة الأصدقاء، والحلفاء، ولا سيَّما وأن الشعب الكردي ما برح يمد يد الصداقة، والتعاون على أسس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة مع كل شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب العربي بما يؤسس لعلاقات كردية – عربية، صحية، راسخة، تقطع مع رواسب وآثار السياسات الفاشية والعنصرية التي مورست بحق الأكراد في العراق وسورية.
2 – سيناريو تباطؤ العلاقات الخليجية – الكردية
إن دعم دول مجلس التعاون الخليجي إقامة دولة كردية مستقلة عن العراق قد يسبب للإقليم مشاكل داخلية وإقليمية ودولية، في حال رفض الجميع إقامة تلك الدولة المستقلة لأسباب سياسية وجيوسياسية وجيواستراتيجية، ما قد يعرض العلاقات الخليجية – الكردية لنوع من التباطؤ.
وفي هذا المجال يمكن الاستشهاد بما قاله اللواء الركن المتقاعد السعودي أنور ماجد عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، والقانونية بمدينة جدة، والمستشار السابق لمجلس الوزراء السعودي، ومستشار السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن بندر بن سلطان، أمام جلسة عامة، حضرها «دور كولد» المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، بإدارة «إليوت أبرامز» الباحث بمجلس العلاقات الخارجية، وهو أحد مراكز البحوث بالعاصمة الأمريكية، والمحسوب على تيار المحافظين الجدد، وكان عنوان الجلسة «تحديات إقليمية وفرص: رؤى من المملكة السعودية وإسرائيل»؛ إذ يقول عشقي «يجب أن نعمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية، لأن من شأن ذلك أن يخفف من المطامع التركية، والإيرانية، والعراقية، وستقتطع دولة كردستان الكبرى كـلاً من ثلث إيران، وثلث تركيا، وثلث العراق»[35].
إن دعم دول الخليج لإقامة كردستان الكبرى تبدأ بدويلة كردستان العراق، وهذا قد تدعمه بعض المعطيات في الجوار العراقي، وبخاصة ما يحدث في سورية، حيث تبدو تداعيات تقسيم سورية أقرب إلى الواقع منها للخيال، وسينتج في الأغلب نموذج للأكراد أقرب إلى نموذج كردستان العراق، حيث لا يخضع لأي سلطة من حكومة دمشق، كما الحال مع حكومة بغداد، ويشكل الأكراد ما يقرب من 15 في المئة من إجمالي الشعب السوري، ويتمركزون في المناطق الشمالية، والشمالية الشرقية المتاخمة للحدود مع تركيا والعراق، ويعتبر ذلك عامل ضغط، ويسهل باتجاه إنشاء منطقة كبرى يسيطر عليها الأكراد، ويتمتعون فيها باستقلالية تامة، إلى جانب إخوانهم في العراق[36].
إن بقاء دول مجلس التعاون الخليجي على التعامل مع العراق، وكأنه يقع بقربه إقليم ذو استقلالية تامة عنه، يخلق مشاكل بين إقليم كردستان والحكومة المركزية الاتحادية، وهذا بحد ذاته يشكل معوقاً لتقدم العلاقات الخليجية – الكردية، بل يعمل ذلك على تباطؤ تلك العلاقات. وفي هذا الإطار كانت زيارة خالد العطية وزير الخارجية القطري لإقليم كردستان في شهر تموز/يوليو 2015 عامـلاً لاستفزاز حكومة بغداد. وفي هذا الأمر وصف عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية هلال السهلاني زيارة الوزير القطري لأربيل من دون علم الحكومة المركزية بـ «الاستفزازية»، ودعا الحكومة إلى «اتخاذ مواقف جدية، وصارمة لمنع تكرار مثل هكذا ممارسات، مؤكداً أنها تهدف بشكل مقصود لانتهاك السيادة العراقية» بحسب قوله. وقال السهلاني في بيان له «إن الزيارات التي يقوم بها دبلوماسيون لدول عربية وإقليمية إلى أربيل من دون علم الحكومة المركزية باتت معروفة الأهداف، والنوايا، وتسعى إلى إيجاد مزيد من الانقسامات، وتعمّق الخلافات بين حكومتي المركز والإقليم»، مؤكداً أن الزيارة «تمّت من دون اللجوء إلى القنوات الرسمية، والدبلوماسية، وتعد انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية، والقوانين الدولية، وتشكل تدخـلاً سافراً بالشأن الداخلي العراقي»[37].
خاتمة
إن الدور الخليجي في الملف الكردي يمكن أن يتصاعد في المستقبل المنظور لإدراك دول الخليج إمكان توظيف هذا الملف لمصلحة الحفاظ على مصالحها في العراق من جانب ومن جانب آخر يشكل عامل ضغط على حكومة بغداد، في حال إثارته بين فترة وأخرى من باب إثبات النفوذ الخليجي في العراق عبر الملف الكردي لخلق نوع من التوازن الإقليمي هناك بالتوازي مع نفوذ القوى الإقليمية الأخرى كتركيا وإيران.
قد يهمكم أيضاً صورة الأمريكي لدى العقل العراقي بعد عام 2003
المصادر:
(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 465 في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
(**) جاسم يونس الحريري: أستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية المساعد، أكاديمية العلاقات الدولية، إسطنبول – تركيا.
البريد الإلكتروني: jasimunis@gmail.com
[1] عبد الله الشمري، «الأهمية الاستراتيجية لإقليم كردستان خليجياً،» صحيفة اليوم السعودية، 8/12/2015، <http://www.alyaum.com/article/4105200>.
[2] المصدر نفسه.
[3] المصدر نفسه.
[4] جوشوا ليفكريتس، «هل ستقوم المملكة العربية السعودية بدعم استقلال إقليم كردستان،» موقع رووداو، 26 تموز/يوليو 2017 <http://www.rudaw.net/arabic/middleeast/260720164>
[5] نوزاد هادي، «تقرير كردي يغري حكومة الرياض بدعم استقلال كردستان،» <http://www.alaalem.com/?aa=news&cid22=39116>.
[6] ربيع نادر، «تحرك سعودي نحو كردستان يثير المخاوف،» صحيفة الأخبار اللبنانية، 26/2/2016، ص 5.
[7] المصدر نفسه
[8] «المال السعودي يغري بارزاني على الانضمام للتحالف السني داخل العراق،» موقع المسلة، 1 شباط/فبراير 2016، <http://www.almasalah.com/ar/print/news.page.aspx.newsid=68792>.
[9] رئيس إقليم كردستان يختتم جولة في دول الخليج، صحيفة التآخي البغدادية، 6/11/2013، <http://www.altaakhipress.com/printartphp?art=38439>.
[10] المصدر نفسه.
[11] «بيان رئاسي: برزاني والشيخ محمد بن زايد آل نهيان يبحثان العلاقات السياسية والاقتصادية بين إقليم كردستان والإمارات،» موقع باس نيوز، 30 أيار/مايو 2015، <http://www.basnews.com/index.php/ar/news/kurdistan/246116>.
[12] «زيارة برزاني لدول الخليج طبيعية،» موقع موازين، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، <http://www.mawazin.net>
[13] المصدر نفسه.
[14] «جولة بارزاني الخليجية: ما وراء التقارب الخليجي – الكردستاني،» موقع ساسة بوست، 1 كانون الأول/ديسمبر 2015، <http://www.sasapost.com/iraqikurdistan>.
[15] المصدر نفسه.
[16] المصدر نفسه.
[17] المصدر نفسه.
[18] المصدر نفسه.
[19] «شركات خليجية تهجر لبنان وتتجه لكردستان،» موقع كردستان 24، 2/5/2016، <http://www.kurdistan24.net/ar/newsreadr/efI803b6-c6b6‑4372-ae5e-1212e3de822e>.
[20] «ما الاتفاقية التسليحية الجديدة بين الأكراد والسعودية وماذا تتضمن؟،» موقع سكاي برس، 5 كانون الثاني/يناير 2016، <http://www.skypressiq.net/2016/01/05>.
[21] «الكل يرفض انفصال كردستان ماعدا هذه الدولة العربية والكيان الصهيوني،» موقع قناة الكوثر الفضائية، 18/9/2017، <http://www.alkawthartv.com/news/94385>.
[22] هوشنك أوسي، «استقلال كردستان مصلحة شرق أوسطية،» صحيفة الحياة اللندنية، <http://www.alhayat.com/opinion/writers/21678554>.
[23] «الإمارات تبدي استعدادها للاعتراف بدولة كردستان إذا تم إعلانها،» شبكة خلك الاعلامية، <http://www.xelk.org/ar/detailnews.aspx?jimare=2730&babef=important&relat=5200>.
[24] حمد جاسم محمد، «الإمارات ودورها في دعم انفصال إقليم كردستان عن العراق،» شبكة النبأ المعلوماتية، 1/8/2017، <http://www.annabaa.org/arabic/authersarticles/11990>.
[25] الأزمة الدبلوماسية مع قطر 2017: في يوم 5 حزيران/يونيو 2017 قررت كل من السعودية، البحرين، الإمارات، ومصر، ويتبعها اليمن، ليبيا، وجزر القمر، والمالديف، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، بعد أن وجه إليها العديد من الاتهامات مثل دعمها جماعات متطرفة ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد منظمة إرهابية في هذه الدول، وأيضاً الحوثيين، مروراً بتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين. لمزيد من المعلومات انظر: «الأزمة الدبلوماسية مع قطر 2017،» الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).
[26] حمد جاسم محمد، «الإمارات ودورها في دعم انفصال إقليم كردستان عن العراق».
[27] المصدر نفسه.
[28] المصدر نفسه.
[29] «الفخ الذي تنصبه الدول الخليجية لإقليم كردستان العراق،» موقع كنوز ميديا، 19 تموز/يوليو 2017، <http://www.knoozmedia.com/237902>.
[30] علاء اللامي، «استفتاء كردستان ودروس حصار قطر،» موقع البديل العراقي، <http://www.albadeeliraq.com/node/380>.
[31] بثينة أشتيوي، «جولة برزاني الخليجية ما وراء التقارب الخليجي الكردستاني،» موقع ساسة بوست، 1 كانون الأول/ديسمبر2015، <http://www.sasapost.com/iraqikurdistan>
[32] آنس محمود الشيخ مظهر، «دول الخليج العربي وسياسة التغريدات إزاء العراق،» ورد على موقع كردستان 24، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، <http://www.kurdistan24.net/ar/interview/dfbf4972-a0bf-4612‑840b-f80b9b13cf3f>.
[33] السياسي الكردستاني المعروف ديندار نجمان دوسكي لمجلة كولان: وضع علم كردستان بصورة رسمية لاستقبال الرئيس البرزاني من قبل الحكومة التركية كان تطوراً غير متوقع، مجلة كولان (21 كانون الأول/ديسمبر 2015)، <http://www.golan-media.com/arabic/print.php?id=27t§ion=2>.
[34] «الرياض – أربيل: نحو أخراج العلاقات العربية – الكردية من عتمة النفق البعثي،» موقع حكومة إقليم كردستان، 19 نيسان/أبريل 2007، <http://www.cabinet.gov.kur/daspx?r-84&1=14&ca=17359&s=01010400&s=010000>.
[35] محمد المنشاوي، «السعودية ودولة كردستان الكبرى،» موقع C.N.N بالعربية، 12حزيران/يونيو2015، <http://www.arabic.cnn.com/middleeast/2015/06/12/opinion-shorouk-saudi-andkurds>.
[36] المصدر نفسه.
[37] شيماء عادل، «البرلمان العراقي يهاجم زيارة وزير الخارجية القطري إلى أربيل،» صحيفة الزمان اللندنية، 12/7/2015، <http://www.azzaman.com/azzamanmobile/index.phparachives/122006>.
جاسم يونس الحريري
أستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية المساعد، أكاديمية العلاقات الدولية، إسطنبول- تركيا.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.