يُجمع الكثير من المحللين للشأن العربي والإقليمي، والمهتمين بقضايا الأمن القومي العربي وتحدياته، سواء على المستوى النظري، أو على المستوى العملي أو الواقعي، أن الأمن القومي العربي يواجه تحديات كبيرة وسط بيئة دولية وإقليمية عاصفة. فالواقع العربي يشهد تمزقات بين أطراف النظام العربي الرسمي. فسورية خارج الجامعة العربية وهي التنظيم العربي، الذي من المفترض أن يكون لسان حال النظام العربي، وتراجُع دور الجامعة العربية أفصح عن ذلك في عدم صدور أي بيان رسمي تجاه الدول التي خرجت على ثوابت الأمن القومي العربي، بل وصمتت بصورة مخزية عمّن خرج على هذه الثوابت، بعدما كانت المقاطعة العربية للكيان الصهيوني ومن يدعمه هي الثابت المحوري لسياسات الجامعة العربية. وكان يتوجب على الجامعة العربية بكونها لسان حال النظام العربي الرسمي، والأمينة على ثوابت الأمة وحافظة لمقتضيات الأمن القومي العربي، أن توجه التحذير إلى أي دولة عضو في الجامعة إذا ما خرجت، على مستوياتها كافة، وتجميد عضويتها حتى الشطب لمن يصرّ على الخروج. إنما أدى هذا التراخي إلى الكشف عن حالة التردي التي وصل إليها النظام العربي، وبالتالي أدى هذا إلى حدوث اختراقات صهيونية لثوابت الأمن القومي العربي.

فخروج 4 دول عربية جديدة (الإمارات – البحرين – المغرب – السودان) على قرارات الجامعة العربية، إضافة إلى دول أخرى لها علاقات مع الكيان الصهيوني، منها اثنتان عقدتا اتفاقيات رسمية (مصر والأردن)، وكذلك دولة موريتانيا التي أقامت علاقات دبلوماسية وقنصلية بلا مبرر!! فضلاً عن اتصالات وعلاقات علنية لدول عربية أخرى، جميعها في منطقة الخليج العربي؛ كان يستوجب على الجامعة العربية أن ترصد ذلك، وتوجه تحذيرات وتفرض عقوبات على هؤلاء الخارجين على الثوابت. ولكن من أسف، يبدو أن الجامعة العربية هي انعكاس لتلك النظم السياسية التي وصل بها الحال إلى التردي!!

وقد كان وراء ذلك، الضغوط الضخمة التي بذلها الرئيس الأمريكي المتغطرس، الذي رحل غير مأسوفٍ عليه بسقوطه المدوّي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك بهدف تحسين موقفه، وزيادة احتمالات نجاحه وباكتساح، بزيادة الجهد في دعم الكيان الصهيوني من طريق استثمار حالة الضعف العربي، وقدرته على اختراقه بالأوامر والابتزازات والتهديدات والضغوط التي أثمرت فوزًا صهيونيًا بتأسيس علاقات مع 4 دول جديدة!

والآن، رحل ترامب إلى غير رجعة، ونجح جو بايدن وتولى بالفعل موقعه كرئيس جديد للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/يناير 2021، ومن ثم فنحن أمام واقع دولي جديد، وبالتالي واقع إقليمي جديد.

فالأمن القومي العربي يواجه حالة من حالات الاختراق، ويعاني الانكشاف الحقيقي الذي يحتاج إلى جهود ضخمة لرأب الصدع الذي أصابه، وإعادة بناء مفهوم وركائز الأمن القومي العربي، في هذا الوقت الحرج والتحولات الجديدة دوليًا وإقليميًا.

*     *     *

في هذا السياق، فإن الجمعية العربية للعلوم السياسية، من واقع مسؤوليتها في الدفاع عن الأمن القومي العربي، فقد خصصت اللجنة التنفيذية أولى مؤتمراتها السنوية – ولأول مرة في تاريخ الجمعية منذ تأسيسها عام 1985- ليكون تحت عنوان: الأمن القومي العربي.. وتحديات الواقع الإقليمي.

وعُقد المؤتمر بمشاركة العلماء والأساتذة وأعضاء هيئات التدريس ومراكز البحث في الوطن العربي، على مدار يومين (3 و4 تشرين الثاني/نوفمبر 2020)، بطريقة (أون لاين) باستخدام آلية (زووم). وقد شارك في المؤتمر 30 أستاذًا وباحثًا بأوراق علمية متميزة تكشف عن الوعي النخبوي بقضية الأمن القومي العربي وتحدياته الإقليمية. فهؤلاء الباحثون هم الأمناء على وعي الشعب العربي، وأمناء على الفكر العروبي والقومي للأمة العربية. وقد وضعت اللجنة المنسقة بقيادة الأمين العام للجمعية، حسان الأشمر، خمسة محاور للمؤتمر هي:

المحور الأول: الأمن القومي العربي بين الثابت والمتغير؛

المحور الثاني: مستجدات الأمن القومي العربي؛

المحور الثالث: تحديات الأمن القومي العربي،

المحور الرابع: التهديدات الإقليمية؛

المحور الخامس: قضايا الأمن القومي العربي.

وقد عُقدت جلسة ختامية على شكل مائدة مستديرة، شارك فيها أساتذة وباحثون أفاضل، عن “مستقبل الأمن القومي العربي في ضوء الاندفاع نحو التطبيع غير المبرر، وتأثيره على القضية الفلسطينية”. وأتيحت الفرصة لجميع من شاركوا لإعادة مراجعة أوراقهم، ثم حكّمت اللجنة المنسقة أبحاث المشاركين، وأجازت 12 بحثًا، ننشرها كلها في هذا العدد.

وقد قررت اللجنة التنفيذية تخصيص هذا العدد الثالث من المجلة، لنشر جميع الأبحاث التي أُجيزت بعد تحكيم جميع الأبحاث. وها هو العدد الثالث يجسد نشاطات اللجنة التنفيذية ولجانها الفرعية، بنشر جميع الأبحاث المجازة التي شاركت في المؤتمر، وهو بين أيدي جميع أعضاء الجمعية والقراء.

والله المستعان..

 

اضغطوا على الرابط التالي للحصول على العدد  المجلة العربية للعلوم السياسية العدد 3 سنة 2021

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #سياسة #الأمن_القومي_العربي #التطبيع #جامعة_الدول_العربية #حال_الأمة #البلدان_العربية #المنطقة_العربية