I استعراض سنة 2016

هذا هو الإصدار الثامن والأربعون من كتاب سيبري السنوي. وهو يقدّم، مثل الكتب التي سبقته، استعراضاً للأحداث واتجاهات النزاعات، والسلام، والأمن الدولي في السنة السابقة. وقد لاحظ إصدار سنة 2016 أنه لم يكن من الصعب تمييز سنة 2015 باعتبارها واحدة من أحلك السنين في الاستقرار الدولي والأمن الإنساني منذ نهاية الحرب الباردة. ومع ذلك، حدثت تطوّرات إيجابية أيضاً في تلك السنة واستمر الأداء الجيد للنظام الدولي للمحافظة على الأمن والقانون الدولي في العديد من النواحي؛ وليس أقلّها التوصّل إلى اتفاقين دوليين بشأن الحدّ من سرعة تغيّر المناخ والتكيّف مع الاستجابة لأثره، وخطة التنمية العالمية حتى سنة 2030. وعلى الرغم من أن التنفيذ الفعّال يتطلّب جهوداً كبيرة، فقد كان من الممكن التوصّل إلى الاتفاقين لأن دول العالم تمكّنت من نبذ خلافاتها لتحقيق تفاهم عام على اثنين من التحدّيات الكبرى في حقبتنا. وفي حين أنه لم تحدث اتفاقات دولية بارزة مماثلة في سنة 2016، فإن المنظور العام للسنة ما زال متوازناً بين التطوّرات السلبية واستمرار عمل النظام الدولي‏[1]. غير أن السنة انتهت ببواعث واضحة للقلق بشأن اتجاه انتقال ذلك النظام وعافيته على المدى الطويل.

في سنة 2016، لم يُحلّ أي من المشكلات الأساسية التي تغذّي الجانب السلبي للميزانية العمومية للأمن الإنساني والاستقرار الدولي. فقد استمرّت النزاعات في الشرق الأوسط في إنتاج المآسي الإنسانية وحركة اللاجئين الواسعة النطاق (انظر الفصل السابع)، وإن يكن على نطاق أدنى مما كانت عليه في سنة 2015. واستمرّ النزاع العنيف في العديد من أنحاء العالم الأخرى، ولا سيَّما في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا الشرقية بقدر أقل. وشمل العديد من هذه النزاعات تدخّلاً عسكرياً من قبل دول خارجية إلى جانب واحد أو أكثر من أطراف النزاع (انظر الفصل الثاني). وظلّ لإرهاب الأطراف من غير الدول تأثير كبير في العديد من البلدان والمناطق، وبخاصة الشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب آسيا، وأوروبا. وساهمت التطوّرات في شمال شرق آسيا في عدم الاستقرار السياسي الدولي ويمكن أن يكون لها تداعيات خطيرة أخرى. فقد أجرت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية) تجربتين نوويتين وعدة تجارب صاروخية؛ وأكملت بها بفعالية بروزها بمنزلة الدولة التاسعة الحائزة أسلحة نووية في العالم (انظر الفصل الحادي عشر). كل هذه التطوّرات تبعث على القلق؛ لا بشأن النتائج الفورية فحسب، وإنما بشأن إمكان حدوث مزيد من العواقب الخطيرة على المدى البعيد أيضاً.

في الجانب الإيجابي، حاز اتفاق باريس بشأن المناخ، الذي تم التوصّل إليه في كانون الأول/ديسمبر 2015، ما يكفي من التصديقات ليصبح نافذاً في تشرين الثاني/نوفمبر 2016‏[2]. وبدأ تنفيذ اتفاق إيران النووي – خطة العمل المشتركة الشاملة – الموقّعة في أواسط سنة 2015، في الوقت الملائم في أوائل سنة 2016 (انظر الفصل الثاني عشر). وتحقّق تقدّم في العمل لمراقبة التنفيذ المتكشّف لخطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهو مشروع طويل الأجل وواسع الانتشار لا ينتظر أن يكون ذا تأثير على المدى القريب (انظر الفصل السادس). ويشير استمرار تنفيذ هذه القرارات المتخذة في السنوات السابقة إلى أن التعليقات على المدة الفاصلة بين الاتفاق الرسمي وتنفيذه قد يكون مبالغاً فيها في بعض الأحيان. ومن المساهمات الكبرى في القسم الإيجابي من الميزانية العمومية اتفاق السلام في كولومبيا (انظر الفصل الثاني، القسم II). وكان هذا الاتفاق المعقّد قد رُفض بهامش ضيّق في استفتاء أولي أجري في تشرين الأول/أكتوبر 2016 لكن نُقّح بعد ذلك وصدّق عليه البرلمان الكولومبي في الشهر التالي‏[3].

على الرغم من هذه العلامات المشجّعة، فإن هذا الكتاب السنوي يظهر أن كل مؤشّرات السلام والأمن العالمية الكبرى تقريباً تحرّكت في اتجاه سلبي: مزيد من الإنفاق العسكري، وتزايد الاتجار بالأسلحة، ومزيد من النزاعات العنيفة، واستمرار تقدّم التكنولوجيا العسكرية إلى الأمام.

أسئلة محرجة

إزاء هذه الخلفية، برزت بعض الأسئلة المحرجة في سنة 2016. فأثار إدراك أن عدد النزاعات المسلّحة بلغ مستوى لم يشهده منذ أواسط التسعينيات سؤالاً عما إذا كانت المكاسب العظيمة المتحقّقة في العلاقات السلمية منذ نهاية الحرب الباردة قد عُكست (انظر الفصل الثاني). وعلى الرغم من استمرار وظيفة النظام السياسي الدولي، فقد تصاعد القلق بشأن متانة أجزاء رئيسية من هيكل الأمن الدولي، ولا سيَّما أن يكون لعودة المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى تبعات سلبية على إدارة مخاطر النزاعات المتزايدة كما يخشى بعض الأشخاص‏[4]. ويكمن منطق هذا القلق في أن المنافسة على النفوذ تكون مصحوبة بالانقسام بشأن القضايا المهمة في المؤسّسات الدولية مثل الأمم المتحدة. لكن عدّت المشكلة من بعض وجهات النظر بمنزلة وجه للتراجع المتصوّر للغرب، بناء على الافتراض بأن الهيمنة الغربية هي المهمّة في إدارة الصراعات. بالمقابل، رحّب آخرون بتراجع الغرب، وأشاروا إلى الأعمال التي قام بها الغرب وأثّرت تأثيراً سلبياً في السلام. وبصرف النظر عن الموقف المتخذ بشأن الرغبة في هذه الظاهرة، فإن الاستنتاج بأن النفوذ الغربي أخذ يضعف يجد قبولاً بين المعلّقين والسياسيين ذوي الآراء المتباعدة بخلاف ذلك‏[5].

بدا أن التطوّرات السياسية في أوروبا والولايات المتحدة تكشف عن تراجع كبير في الالتزام بالمؤسسات الدولية (انظر القسم III). وأدّى ذلك إلى القلق بشأن الآثار المزعزعة للاستقرار المترتّبة على التشديد المتجدّد في العديد من الدول على المصالح الوطنية الضيّقة التعريف. وبما أنها أسئلة عن الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، فإنها تطرح على مستوى مرتفع من العمومية، ومفتوحة على الخلاف، وغامضة في تعريفها. ومع ذلك فإنها قضايا حقيقية.

العصر الأنثروبوسيني

بعيداً من المسائل الجغرافية السياسية والاستراتيجية، تلوح قضيّة ذات مستوى أعلى وتتعلّق بالشكل الذي يتخذه العصر الحالي. ففي آب/أغسطس 2016، اتخذ اجتماع المؤتمر الجيولوجي الدولي المنعقد في كيب تاون، بجنوب أفريقيا، قراراً بإطلاق اسم الأنثروبوسين على الحقبة الجيولوجية الراهنة‏[6]. ويعني الاسم أن الأنشطة البشرية هي القوى المؤثّرة الحاسمة في الجيولوجيا والإيكولوجيا. وهو يلي الهولوسين، الذي يسم الحقبة الممتدة منذ 12 ألف سنة. وكانت الفكرة بأن اسم الأنثروبوسين هو الاسم الملائم لهذه الحقبة قد طُرحت لأول مرة في مقالة موجزة في نشرة أكاديمية مهنية في سنة 2007‏[7]. وخضع الاقتراح لدراسة أجراها فريق عمل من الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية أنشئ في سنة 2009، ورفع تقريره إلى المؤتمر في سنة 2016‏[8]. وما زال الجيولوجيون يناقشون التاريخ الدقيق والحادث الذي أطلق بداية العصر الأنثروبوسيني. ويفضّل أحد مناحي التفكير بداية الثورة الصناعية، نحو سنة 1800، في حين اختار آخرون بداية العصر النووي في سنة 1945، أو بدء الانبعاثات الكربونية الكثيفة من محطات توليد الطاقة بحرق الفحم، أو بداية تلويث البيئة على نطاق واسع بمخلّفات مثل البلاستِك‏[9].

وعلى الرغم من أن مفهوم الأنثروبوسين يحتوي على قدر من عدم اليقين العلمي وأنه طريقة تفكير في العالم لا حقيقة راسخة، فإنه يستحقّ مكاناً في النقاش المعاصر للاستقرار الدولي والأمن البشري. فتغيّر المناخ وأنواع أخرى من التغيّر البيئي المرتبطة بالأنشطة البشرية هي حقائق تؤثّر في شروط الحياة، مثلما ينطبق الأمر دائماً على البيئة الطبيعية. ويبدو أن الفترة السياسية المعاصرة تعرف إلى حدٍّ ما بتزايد المنافسة بين القوى العظمى. ولذلك من المفيد التأمّل في الحاجة إلى درجة غير مسبوقة من التعاون الدولي لمعالجة تحدّيات البشرية التي تجملها فكرة الأنثروبوسين، بينما ثمة مخاطر بأن يصبح التعاون مستعصياً أكثر مما بدا عليه في معظم الفترة المنقضية منذ انتهاء الحرب الباردة.

II اتجاهات التسلّح ونزع السلاح

المعلومات الأساسية في هذا الكتاب السنوي عن حجم النشاط العسكري لا تزال محبطة. فقد استمرّت المستويات المرتفعة للإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة، وبلغت عمليات نقل الأسلحة على الصعيد الدولي أعلى مستوياتها منذ سنة 1990. ويقدّر أن النفقات العسكرية العالمية بلغت 1686 مليار دولار في سنة 2016، بزيادة 0.4 في المئة بالقيم الحقيقية مقارنة بالسنة الماضية (الفصل التاسع).

زاد حجم عمليات نقل الأسلحة الرئيسية على الصعيد الدولي في الفترة 2012 – 16 بنسبة 8.4 في المئة عما كان عليه في السنوات الخمس الماضية، وهو الحجم الأكثر ارتفاعاً من أي فترة خمس سنوات منذ سنة 1990 (انظر الفصل العاشر). ومع هذا الارتفاع على الطلب على استيراد الأسلحة الرئيسية، تجدر الإشارة إلى أن مبيعات شركات الأسلحة والخدمات العسكرية المئة الكبرى في العالم هبط 0.6 في المئة في سنة 2015، وهي أحدث سنة تتوافر عنها البيانات (انظر الفصل العاشر، القسم V). وهذا يعني أن الشركات خارج المئة الكبرى تزيد مخرجاتها. وأن المنتجين الناشئين مثل كوريا الجنوبية يحقّقون زيادات كبيرة في مبيعاتهم.

أما بالنسبة إلى أسلحة الدمار الشامل، فإن كل دول العالم الحائزة أسلحة نووية لديها برامج تحديث نووي فاعلة، مثلما تفعل كوريا الشمالية بطبيعة الحال، وهي أحدث هذه الدول (انظر الفصل الحادي عشر). وتقوم الهند وباكستان بتوسيع مخزوناتهما من الأسلحة النووية وقدراتهما على إيصالها من طريق القذائف. واستُخدمت الأسلحة الكيميائية ثانية في النزاع المسلّح في سورية (انظر الفصل الثالث عشر).

إضعاف نزع السلاح والحدّ من الأسلحة

السعي للحدّ من عدد الأسلحة وطرق استخدامها نهج رئيسي للمحافظة على السلام والأمن الدوليين في العصر الحديث. وثمة طريقتان لتحقيق هذه الغاية وهما الحدّ من الأسلحة ونزع السلاح. يشمل نزع السلاح خفض الأسلحة أو القوّات المسلّحة أو حتى إزالتها، في حين أن الحدّ من الأسلحة ينطوي على تقييد تطوير الأسلحة أو إنتاجها، أو تخزينها، أو انتشارها، أو نقلها، أو اختبارها، أو نشرها بطرق لا تعني خفض الأعداد بالضرورة.

مضت فترة بعد نهاية الحرب الباردة خفّض فيها مزيج من الحدّ من السلاح ونزع الأسلحة الإنفاق العسكري العالمي وبدأت مخزونات الأسلحة النووية بالتناقص. وفي تلك الفترة، تخلّت جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري عن الطموحات النووية لدولة الفصل العنصري السابقة، في حين أن بيلاروس، وكازاخستان، وأوكرانيا، وهي دول جديدة انبثقت بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي – وكان في وسعها جميعاً أن تتمسّك بالأسلحة النووية السوفياتية وتصبح دولاً نووية – تخلّت أيضاً عن أي طموحات نووية. وقد انخفض عدد الأسلحة النووية بالإجمال من 65.000 في ذروته إلى نحو 14.945 في سنة 2016.

طالما كان هناك توازن بالغ التعقيد ضمن المجال الواسع للتسلّح، والحدّ من الأسلحة، ونزع السلاح بين برامج زيادة القوة العسكرية وإجراءات الحدّ من حجم القوّات المسلّحة أو خفضها. وتظهر الاتجاهات اليوم في هذا المجال أن برامج التسلّح آخذة في التصاعد. وشهدت السنوات الأخيرة تطوّرات ذات آثار عميقة في الأمن البشري والاستقرار الدولي، مع أنها تقنية ومعقّدة.

إن الاتفاقات والعمليات القائمة الثنائية والمتعدّدة الأطراف للحدّ من الأسلحة تتعرّض للتحدّي. ومن أهمّ التطوّرات، في سنة 2015، اتخاذ الخطوة الأخيرة في انسحاب روسيا الطويل الأمد من معاهدة القوّات المسلّحة التقليدية في أوروبا لسنة 1990، وهي عملية بدأت في سنة 2007 (انظر الفصل الرابع عشر، القسم III). وفي سنة 2016، علّقت روسيا تنفيذ الاتفاق الثنائي مع الولايات المتحدة للتخلّص من البلوتونيوم المستخلص من الرؤوس النووية التي تمّ تفكيكها. ولتبرير هذا الإجراء، قالت الحكومة الروسية إن الولايات المتحدة لم تتمكّن من إثبات امتثالها للاتفاق (انظر الفصل الثاني عشر، القسم I). ومع أن المعاهدة الأمريكية – الروسية لسنة 2010 بشأن التدابير الرامية إلى زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحدّ منها (نيو ستارت) لا تزال قيد التنفيذ بما يرضي الطرفين، فإن معاهدة القوات النووية المتوسّطة المدى الأمريكية – الروسية لسنة 1987 تتعرّض لضغوط. وفي سنة 2016، اتهم كل طرف الآخر بانتهاكها. وقد تمت الدعوة إلى تطبيق الآلية التي أنشأتها تلك المعاهدة لحل الخلافات للمرّة الأولى منذ سنة 2003 (انظر الفصل الثاني عشر، القسم I).

يشكّل اتجاه إضعاف الحدّ من الأسلحة تحدّيات أمام تعزيز الإطار القانوني الدولي القائم، وتنفيذه، والتحقّق منه. ويتجسّد ذلك في فشل مؤتمر استعراض اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسمّية المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 في الاتفاق على إحراز تقدّم ملموس (انظر الفصل الثالث عشر). كما أن الفشل حتى في الاتفاق على جوهر الخلاف في مؤتمر استعراض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968 المنعقد في سنة 2015 يمكن أن يشير إلى وجود مشكلات هيكلية في التفاوض على مسائل أسلحة الدمار الشامل‏[10]. ويستمدّ إيضاح مختلف للاتجاه الإشكالي الإجمالي من عدم نفاذ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. في غضون ذلك، ما زال يتعيّن تدمير مخزونات كبيرة من الأسلحة الكيميائية بعد ما يقارب عقدين على نفاذ اتفاقية الأسلحة الكيميائية (انظر الفصل الثالث عشر، القسم IV). ووردت في سنة 2016 عدّة تقارير مؤكّدة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاعين في العراق وسورية (انظر الفصل الثالث عشر، القسمين I وII).

زيادة مساعي الرقابة، وتزايد التحدّيات

في سنة 2016، اعتمدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة قراراً ببدء المفاوضات في سنة 2017 بشأن إزالة الأسلحة النووية (انظر الفصل الثاني عشر، القسم III). وقد تزايد باطراد دعم ما يعرف على العموم الآن باسم «معاهدة الحظر»، لكن ليس في أوساط الدول النووية الرئيسية وحلفائها. وأيّدت كوريا الشمالية الحظر في تصويت الأمم المتحدة، في حين امتنعت الصين والهند وباكستان عن التصويت، وصوّتت الدول الخمس الأخرى ضدّه. ويتعيّن على المفاوضات التغلّب على الاستقطاب المتنامي بين بعض الدول الحائزة على الأسلحة النووية وكثير من الدول غير الحائزة عليها، إذ لن يكون لمعاهدة الحظر تأثير عملي من دون مشاركة الدول الأولى. لكن يمكن القول إن الاتفاق، وحتى مجرّد دخول المفاوضات بشأن مثل هذه المعاهدة، قبل ذلك، يمكن أن يزيد الضغط السياسي والدبلوماسي على الدول الحائزة الأسلحة النووية للسعي لنزع الأسلحة النووية.

وتشكّل خطة العمل المشتركة الشاملة لسنة 2015 مثالاً آخر على الدبلوماسية الدولية لمعالجة الاختلافات بشأن انتشار أسلحة الدمار الشامل عن طريق التعاون والتفاوض‏[11]. وهي لا تزال على المسار الصحيح، وبدأ التنفيذ في الوقت المحدّد في سنة 2016. واستمرّت الجهود أيضاً لتقوية أمن الموادّ النووية الخاصة بالاستخدامات المدنية، من خلال مؤتمر القمّة الرابع والأخير المعني بالأمن النووي في واشنطن دي سي في نيسان/أبريل 2016، مع تركيز رئيسي على مكافحة مشكلة الإرهاب النووي (انظر الفصل الثاني عشر، القسم II). لكن تجدر الإشارة إلى أن التوصّل إلى اتفاق فعّال بشأن أمن كل الموادّ والمرافق ذات الصلة بالأسلحة النووية لا يزال بعيداً. ولا تطبّق اللوائح الدولية الخاصة بالتعامل مع المواد النووية الصالحة للاستخدام في صنع الأسلحة إلا على الموادّ المستعملة في المرافق المدنية، لكن أكثر من 80 في المئة من البلوتونيوم واليورانيوم المخصصين لصنع الأسلحة في العالم مستخدمان عسكرياً. وتعارض الدول الحائزة الأسلحة النووية اقتراحات تطبيق الآليات الخاصة بالاستخدامات المدنية القائمة حالياً على المواد النووية المخصصة للاستخدام العسكري. وقد أعاد البيان الصادر عن قمّة واشنطن في سنة 2016 تأكيد مسؤولية الدول في «المحافظة طوال الوقت على الأمن الفعّال لكل الموادّ النووية والإشعاعية الأخرى، بما في ذلك الموادّ النووية المستخدمة في الأسلحة النووية».‏[12] وفي تطوّر ذي صلة، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مشاركة فريق خبراء رفيع المستوى لإعداد أفكار خاصة بمعاهدة لوقف إنتاج الموادّ الانشطارية مثل اليورانيوم العالي التخصيب لأغراض صنع الأسلحة النووية (انظر الفصل الثاني عشر، القسم III). وقد نوقش هذا الاقتراح، المعروف باسم معاهدة وقف إنتاج الموادّ الانشطارية، مناقشة مستفيضة لمدة تزيد على عقدين منذ أن طُرح لأول مرة في خطاب الرئيس بيل كلينتون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1993. ومع أن من المهمّ بقاء الاقتراح على جدول الأعمال، فإن التوصّل إلى نتيجة إيجابية بشأن هذه المعاهدة لا يزال بعيد المنال.

شهدت السنوات الأخيرة مساعي أخرى مهمّة لتنظيم الأسلحة. فقد أصبحت معاهدة الاتجار بالأسلحة، وهي حدث تاريخي، نافذة في كانون الأول/ديسمبر 2014، لكن لا يزال من المبكّر الحكم على فعّالية تنفيذها. وأدخلت ضوابط تجارية تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة مثل النقل العابر، ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى، والسمسرة، والتمويل ونقل المعرفة. ووسّعت الضوابط أيضاً لتشمل قطاعات جديدة مثل النقل والأعمال المصرفية، ومنصات التجارة على الإنترنت، والأوساط الأكاديمية. وغالباً تثير هذه الضوابط الاختلاف بسبب القيود التي تفرضها على التجارة، والسفر، والبحث العلمي‏[13].

منذ سنة 2013، بدأ التنظيم المحتمل لمنظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل في إطار اتفاقية الأمم لسنة 1981 الخاصة باتفاقية حظر أو تقييد أسلحة تقليدية معيّنة. وتمثّل منظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل تحدّياً جسيماً للحدّ من الأسلحة‏[14]. وتتواصل مسيرة تقدّم التكنولوجيا العسكرية من التشغيل الآلي، مروراً بتعلّم الآلات، إلى الذكاء الاصطناعي والروبوطيات. وينتظر أن توفّر خيارات واقعية للأسلحة الهجومية التي يمكن نشرها في بيئات متغيّرة ومعقّدة من دون مدخلات أو إشراف بشري أو بقليل منهما. ووضع إطار لمناقشة الحدّ من الأسلحة يتعلّق بمنظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل، لكن التقدّم بطيء. وقد حدّدت قلة من الحكومات موافقها، وقرّرت الغالبية تناول المسألة، وما زالت المفاوضات حتى الآن تتسم بطابع غير رسمي بحت ولأغراض إعلامية وتعريفية إلى حدّ كبير. ولم يتضح إذا كانت المفاوضات ستبدأ أو متى، أو ما ستكون غايتها. وتتراوح الخيارات من الحظر التامّ إلى تنظيم النشر والاستخدام. والسؤال الذي يجب طرحه هو هل ستتطابق سرعة الحدّ من الأسلحة مع سرعة تطويرها.

وثمة تحدٍّ أشدّ حدّة في وجه مبدأ الحدّ من الأسلحة قادم من الحرب الإلكترونية والأمن الإلكتروني. والمناقشات الخاصة بتنظيم المجال الإلكتروني أكثر تقدّماً من المناقشات الخاصة بمنظومات الأسلحة الفتّاكة الذاتية التشغيل‏[15]. غير أن وتيرة الهجمات الإلكترونية البارزة، سواء أكانت بإيعاز من دولة، أم ذات أصل إرهابي، توحي بأن التدابير الدفاعية والرقابية ما زالت متأخّرة. وثمة دراسة عن الأمن الروسي تشير إلى أن «خبراء دفاع روسيين أكّدوا أن الحرب الإلكترونية لم تعد حرباً في المستقبل»، وإنما «تحدث الآن»‏[16]. ويلاحظ التقرير أن «الحرب الإلكترونية» من المنظور الروسي «لها الأولوية على الحرب الفتّاكة وتقوم بها الدول باستمرار. وأن الحدود بين الحرب والسلام تتعرّض للزوال بالتدريج». ويجب التشديد على أن الخبراء الروس المذكورين في التقرير معنيون بالتهديد الإلكتروني لروسيا. مع ذلك، لم تكتسب مثل هذه التقديرات وزناً وأهمية إلا بتقدّم سنة 2016، نظراً إلى المخاوف بشأن الاختراق الحاسوبي للانتخابات في أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية‏[17]. وبعيداً من ذلك، فإن كـلاً من خصائص الحرب الإلكترونية التي أفيد أن الخبراء يشدّدون عليها – أولويتها على الحرب التقليدية الفتّاكة، ووضعها بصفتها خاصّية راهنة ومستمرّة للعلاقات السياسية، وطمسها الحدود بين الحرب والسلام – تمثّل تحدّياً عميقاً لإخضاع قدرات الحرب الإلكترونية لشكل من أشكال الرقابة الدولية المتّفق عليها. وربما يكون الأمن الإلكتروني الاقتصادي لمصلحة كل الدول – وبما أن بعض المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الإلكتروني والاضطراب الاقتصادي قد تكون جهات فاعلة من غير الدول، فربما يكون هناك مجال كبير للتعاون الدولي من أجل تحقيق درجة من الحماية الإلكترونية للشركات. لكن احتمالات مثل هذا التعاون في الميدان السياسي والاستراتيجي تبدو ضعيفة أساساً.

III السياسة الدولية والأمن العالمي

 

روسيا والولايات المتحدة

تعكس بعض الخلافات بشأن مسائل الحدّ من الأسلحة، وبخاصة في المجال النووي، تدهور العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة. وتقف الاختلافات السياسية والاستراتيجية المتنامية بين الاثنين في طريق التعاون بشأن مبادرات محدّدة. ففي سنة 2016، عكس اختيار اللغة المستخدمة بين رؤساء الغرب وروسيا تصلّب المواقف من المسائل التي تباعد بينهم. وجرت نقاشات مستفيضة للحرب الباردة الجديدة ويبدو من المرجّح أن ثمة حاجة إلى أن يسبق التحسّن في العلاقات العامة أي اختراق في التعاون بشأن مسائل مثل الأمن النووي وإدارة مخزونات البلوتونيوم‏[18]. وذلك مقلق جداً بالنظر إلى مقدار إلحاح بعض المسائل. على سبيل المثال، سينتهي أجل اتفاق ستارت الجديد في شباط/فبراير 2021، بعد عشر سنوات من نفاذه. ويجب أن تبدأ المفاوضات بشأن اتفاق يخلفه قبل وقت طويل من ذلك التاريخ إذا أريد أن يكون هناك أمل بالنجاح.

اعتُبر انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة سبباً لتوقّع تحسّن وشيك في العلاقات الأمريكية الروسية، بسبب الأدلّة على وجود العديد من الروابط بين شركاء الرئيس القادم وروسيا، ولأن ترمب امتدح قبل انتخابه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين‏[19]. ويوحي إلقاء نظرة أطول أن ذلك يجب ألّا يعتبر أمراً مفروغاً منه بأي حال من الأحوال. فالمسائل التي تباعد بين الدولتين لا تقف عند تفاصيل الحدّ من الأسلحة والاختلاف بشأن الأراضي الأوكرانية، وسورية ومستقبل الشرق الأوسط، بل تتجاوزها بمزيد من الاتساع والعمق إلى حسابات السلطة والنفوذ في السياسة العالمية. فمنذ أن أصبح بوتين رئيساً لروسيا، بمنزلة رئيس بالوكالة أولاً في نهاية سنة 1999 ثم بعد انتخابه الأول الناجح في أيار/مايو 2000، اتبعت السياسة الروسية مساراً مستقـلاً بازدياد عن النفوذ الغربي، وأصبحت ناشطة في معاداة السياسات الغربية في ولايته الرئاسية الثالثة منذ أيار/مايو 2012‏[20]. وفي نهاية سنة 2016، عندما اتخذت روسيا موقفاً قيادياً في السياسات الدولية الخاصة بسورية (انظر أدناه)، وفي غياب أي تحدٍّ فعّال لقيامها بضمّ القرم في سنة 2014، لا توجد أسباب كثيرة تدعو إلى توقّع أن يغيّر الرئيس بوتين مساره. وفي حين يبقى علينا أن نعرف كيف سيدير ترمب، بعد تنصيبه، السياسة الأمريكية تجاه روسيا، فإن من غير المرجّح مسبقاً أن تحدث تنازلات في المسائل ذات الأهمية الجوهرية لإدارة ترمب. ولا يزال احتمال استمرار الخلاف قوياً، مع أن من الممكن أن يوازنه بعض التقارب في المستقبل.

إن تزايد حدّة المواجهة على العموم بين أقوى دولتين في العالم وصولاً إلى نهاية سنة 2016 جزء من سياق فهم العديد من النزاعات الراهنة والديناميات السياسية الإقليمية. ولبعضها تداعيات كبيرة على السياسة الدولية، وبالتالي، أثر كبير في الأمن العالمي. وربما يؤدّي ذلك إلى زيادة تعقيد مسائل النزاع والأمن المعقّدة أصـلاً عندما يصبح للجهات الفاعلة الخارجية مصلحة على المستوى المحلي. لكن التأثير قد يتبع اتجاهاً معاكساً، عندما تصل النزاعات إلى نقطة التوافق والتسوية إلى حدٍّ ما نتيجة مصالح القوى الخارجية وإجراءاتها.

هذه هي الظاهرة العامّة للسياسة العالمية. وتكتسب أهمية شديدة اليوم لأن هناك علامات تدلّ على أن مؤسسات، ومعاهدات، وهيئات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تواجه صعوبات جدّية في البيئة السياسية الدولية. وبما أن هاتين المنظمتين مهمّتان في الحفاظ على السلام والأمن، فقد يكون للتطوّرات التي تعوق سير عملها أثر سيّئ في كليهما. وثمة عوامل عديدة تقف وراء القلق بشأن ذلك. ويسهم تدهور العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في ذلك. كما تغذّيه بيانات شخصيات سياسية قيادية يبدو أنهم يتعاملون مع المؤسّسات المتعدّدة الأطراف بقليل من الجدّية وأنهم أقل استعداداً للاستثمار فيها. وبالنظر إلى أهمية الولايات المتحدة في الهيكل الدولي، فقد حوّل انتخاب دونالد ترمب القلق إلى ذعر.‏[21] فعندما كان لا يزال مرشّحاً – وحتى قبل ذلك – أصدر سلسلة من البيانات المشكّكة ببعض مؤسسات النظام الدولي الكبرى، بما في ذلك بعض المؤسسات التي التزمت بها الولايات المتحدة طويـلاً. على سبيل المثال، قال إن الأمم المتحدة «ليست صديقة للديمقراطية، وإنها ليست صديقة للحرّية». ووجّه انتقاداً شديداً للشراكة بين جانبَي الأطلسي واتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، ولم يكن الوحيد الذي قام بذلك في الانتخابات الرئاسية. وبالنظر إلى آرائه بشأن تغيّر المناخ، فإنه غير معجب ضمناً باتفاق باريس الخاص بالمناخ‏[22]. وعلى العموم، يميل تشكيك ترمب في المؤسسات الدولية إلى زيادة انعدام اليقين بشأن عافيتها وديمومتها.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ظلّت الأحداث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحظى بأهمّية كبيرة في الشواغل الأمنية العالمية في سنة 2016. فموقع المنطقة الاستراتيجي وموارد ثروته الطبيعية من النفط والغاز تضمن بقاءه ساحة لمنافسة حادّة على السلطة والنفوذ. وتضمن التردّدات العاطفية لبعض نزاعاتها أيضاً حصول العديد من التطوّرات الإقليمية – لكن ليس كلها – على أولوية الاهتمام السياسي في كل أنحاء العالم وفي المنتديات الدولية.

لقد كان فشل الحوكمة في معظم البلدان العربية من بين دوافع النزاعات وانعدام الأمن منذ سنة 2011 وأيام «الربيع العربي» (انظر الفصل الثالث، القسم I). ولم تتمكّن الحوكمة الدولية من تعويض هذا القصور. كما أن التبعات المتكشّفة للتدخّل الدولي جزء من تفسير استمرار العنف في العراق منذ غزو الائتلاف الذي قادته الولايات المتحدة في سنة 2003. وتفاقم هذه المشكلات العلاقات المعقّدة والعداوات القائمة بين القوى الإقليمية، ولا سيَّما بين إيران والمملكة العربية السعودية. وهناك أيضاً ميل متزايد إلى تدخّل القوى الإقليمية في شؤون بلدان أخرى في المنطقة. ففي سنة 2016، استخدمت 11 دولة في المنطقة القوة العسكرية في القتال الجاري على أراضي بلدان أخرى. وفي غضون ذلك، لم يقترب الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من الحلّ رغم محاولة فرنسية لعقد مؤتمر سلام دولي في كانون الثاني/يناير 2017، وكانت إسرائيل قد أعلنت عن مقاطعته قبل وقت طويل‏[23]. ولا يزال النزاع قوياً وخطيراً.

كان الشرق الأوسط المنطقة الأولى التي تتدخّل فيها الأمم المتحدة في محاولة لإدارة النزاعات العنيفة وتخفيف أضرارها. واستمرّت مساعي الأمم المتحدة للتوصّل إلى سلام، أو خفض مستوى العنف على الأقل. ورغم كل تلك المساعي والتصميم، فإن المنطقة لا تزال في حالة نزاع شديد، إذا حُكم عليها استناداً إلى عدد النزاعات وشدّة فتكها، وأكثر شعوراً بانعدام الأمن من أي وقت في العقود السبعة الأخيرة. وما استمرار الحرب في سورية طوال سنة 2016، رغم محاولات الأمم المتحدة المتكرّرة لإجراء مفاوضات، سوى تعبير عن المعيار المأسوي في المنطقة. ولم يكن لمحاولات وقف إطلاق النار المتكرّرة بوساطة من جهات دولية فاعلة أخرى إلا تأثير ضئيل.

استخدمت الولايات المتحدة، وروسيا، والجهات الخارجية الفاعلة الأخرى القوّة والدبلوماسية معاً في سورية وغالباً ما ساندت أطرافاً مختلفة في الحرب. فدعمت الحملة الجوّية الروسية والقوّات البرّية الإيرانية حكم بشار الأسد في سورية. ونشطت القوّات الخاصّة الغربية على الأرض، وشنّ ائتلاف من الدول الغربية والعربية ضربات جوّية دعماً لمجموعات المعارضة، وشنّت تركيا هجوماً في شمال سورية (انظر الفصل الثالث).

قيّد النشاط الدبلوماسي، والسياسي، والعسكري للداعمين الخارجيين للأطراف المتنازعة في سورية المجال أمام الأمم المتحدة للعمل كوسيط مستقلّ حقيقي. ولا يعود ذلك إلى أن الأمم المتحدة متحيّزة، وإنما إلى الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسية الممثّلة في مجلس الأمن الدولي والمسائل المتنازع عليها هناك أيضاً. ورغم أن المجال كان محدوداً، فقد قامت الأمم المتحدة بنشاط، وحدث بعض التعاون الدبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة، مثل عملهما معاً لتحقيق اتفاقين لإطلاق النار في سنة 2016. لكن كان هناك تنافس دبلوماسي ولم تشارك الولايات المتحدة في النشاط الدبلوماسي الذي حقّق اتفاقاً ثالثاً لوقف إطلاق النار في نهاية سنة 2016. وأياً يكن مصير وقف إطلاق النار في كانون الأول/ديسمبر 2016، فإن النظام الدولي فشل في تجنّب المأساة التي تكشّفت فصولها على مرّ ست سنوات في سورية.

المنطقة الأوروبية – الأطلسية

في سنة 2016، تزايدت الشكوك بشأن ديمومة ما يعدّه العديد من المعلّقين الغربيين أجزاء رئيسية في هيكل الأمن الدولي. وستؤدّي نتيجة الاستفتاء البريطاني على العضوية في الاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو 2016 في نهاية المطاف إلى إخراج حكومة أوروبية كبرى من ترتيب دولي يعدّه كثيرون، وإن لم يكن الجميع، حجر أساس للسلام في أوروبا‏[24]. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، فاز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأمريكية. وكان قد وصف منظمة معاهدة شمال الأطلسي (حلف الناتو) بأنها قديمة ومكلفة‏[25]، إلى جانب تشكيكه في الأمم المتحدة والمكوّنات الأخرى للنظام الدولي (انظر أعلاه).

وعندما يؤخذ انتخاب ترمب إلى جانب التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، وتصاعد التشكيك وخيبة الأمل المتصوّرة في الاتحاد الأوروبي في أوروبا، فإنه يزيد الانشغال والقلق داخل الجماعة المعنية بالسياسات الأمنية الأوروبية – الأطلسية‏[26]. وشهدت الأماكن الأخرى تعاطفاً محدوداً مع هذه الشواغل الإقليمية. فكان ردّ فعل روسيا والصين على انتخابات الرئاسة الأمريكية مختلطاً ومتبايناً قليـلاً‏[27]. ومع أن المرشّح ترمب فُسّر على نطاق واسع بأنه مؤيّد لبوتين ومعارض صاخب للسياسة التجارية والاقتصادية الصينية، فإن ردّ الفعل الروسي لم يكن متحمّساً من دون تحفّظ، ولم يكن ردّ الفعل الصيني الرسمي معادياً تماماً. لكن الشعور بتعذّر التنبّؤ الذي أحدثه انتخاب ترمب كان ملموساً ومقلقاً لكثير من المنهمكين في تحليل السياسات الأمنية وتخطيطها مهنياً وسياسياً. وقد أجمل تقرير ميونيخ الأمني انعدام اليقين في شعور تلك الجماعة على العموم بعنوانه الفرعي: ما بعد الحقيقة، وما بعد الغرب، وما بعد النظام‏[28].

تعزّزت هذه المشاعر بالتسليم باستمرار النزاع في أوكرانيا وبأن السياسات الغربية في سنة 2016 لم تستطع أن تحدث تحوّلاً عما يبدو مأزقاً أمام التوصّل إلى تسوية دائمة في القسم الصغير من شرق أوكرانيا الذي تسيطر عليه روسيا‏[29]. ولا يعني ذلك القول إن الغرب غير راضٍ عن هذا المأزق بالضرورة، إذ يرى بعض التحليلات أن الاستياء والمساوئ تكمن بشدّة في الجانب الروسي‏[30]. مع ذلك فإن عدم قدرة الغرب على فرض إرادته على روسيا أمر مذلّ بنظر الكثيرين – وذلك ما يصعب البتّ فيه من منظور غربي، وصحيح عند النظر إليه من الجانب الروسي.

وعلى نحو مختلف، كان لمحاولة الانقلاب في تركيا في تموز/يوليو صدى مزعج لمؤيّدي التحالف الغربي (انظر الفصل الرابع، القسم III). فطالما كان لتركيا موقف متناقض في ذلك التحالف بوصفها معقـلاً استراتيجياً في المنطقة الجنوبية الشرقية لحلف الناتو وحليفاً أساسياً في المشاريع داخل العراق وضدّه، وكذلك بمنزلة شريك غير مريح بسبب قضايا حقوق الإنسان، ولا سيَّما في فترات الحكم العسكري. لقد كانت تركيا ذات موقف متناقض بشأن العمليات ضدّ العراق. ففي ستة 2003، فشلت الجمعية الوطنية العليا بفارق ضئيل في التصويت لمصلحة قرار يسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى المطارات والموانئ التركية قبل الغزو الوشيك للعراق‏[31]. وتتسم مسألة عضوية تركيا المحتملة في الاتحاد الأوروبي بالتناقض أيضاً. فقد تقدّمت تركيا للانضمام في سنة 1987 لكن لم تدرج في التوسعات المتعاقبة للاتحاد الأوروبي في العقدين التاليين. ولم تبدأ المفاوضات بشأن الانضمام إلا في سنة 2005‏[32]. وقد أقرّ الاتحاد الأوروبي رسمياً إجراء المفاوضات ولكن بقليل من الحماسة.

قُتل نحو 265 شخصاً في المحاولة الانقلابية‏[33]. وعقب ذلك، أفيد عن وقف 100,000 قاضٍ، ومعلّم، وشرطي، ومسؤول حكومي عن العمل أو طردهم، في حين اعتُقل أكثر من 36,000 شخص في الإجراءات الصارمة المتخذة التي شهدت أيضاً توقيف 81 صحافياً بانتظار محاكمتهم في كانون الأول/ديسمبر‏[34]. وإذا كان الانقلاب قد أظهر هشاشة ظاهرية في قلب مؤسسات الدولة التركية، فإن الإجراءات الصارمة التي كشفت عن تصميم الحكومة على الاحتفاظ بالسلطة، أعادت أيضاً إدخال العناصر المزعجة إلى عضوية تركيا في حلف الناتو وعلاقتها بالاتحاد الأوروبي. فاعتمد البرلمان الأوروبي بتأييد من مختلف الأحزاب قراراً غير ملزم دان «التدابير القمعية غير المتناسبة» عقب المحاولة الانقلابية وحثّ الاتحاد الأوروبي على تجميد المحادثات بشأن عضوية تركيا‏[35]. ووجد استطلاع للآراء في ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي أن الأغلبية الكبرى تعارض عضوية تركيا‏[36].

أحدثت سياسات وإجراءات تركيا المتطوّرة بشأن النزاع السوري مزيداً من الابتعاد عن حلفائها الغربيين. ففي حين أنها سعت إلى إطاحة الأسد سابقاً، فإنها بدأت في سنة 2016 التركيز على أهداف أقل اتساعاً. وكانت تهدف إلى تحسين أمن الحدود، ومجابهة بروز حزب العمال الكردستاني، والمحافظة على قدرتها على التأثير في الأحداث في سورية. وقد عكس ذلك إلى حدّ ما ردّ الحكومة على الموقف المتزايد الخطورة في جنوب شرق تركيا، حيث تجدّد النزاع مع حزب العمال الكردستاني، وزادت أعداد القتلى بين منتصف سنة 2015 وسنة 2016 على 2400 قتيل‏[37]. وفي آب/أغسطس 2016، شنّت تركيا هجوماً في شمال سورية ضدّ مجموعة الدولة الإسلامية والمجموعات الكردية، بما في ذلك تلك التي تحظى بدعم أمريكي متقطّع أو جزئي‏[38].

شمال شرق آسيا

ثمة عدد من مسارات عدم اليقين المتداخلة في شمال شرق آسيا. وتشمل هذه المنطقة اثنين من مراكز القوّة الاقتصادية: الصين واليابان. وتشكل شبه الجزيرة الكورية موقعاً لمواجهة عسكرية دائمة ونزاع لم يحلّ بعد بين الكوريتين. ويشكّل برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي هدفاً لمحاولة منسّقة تقوم الأمم المتحدة لممارسة الضغط السياسي عن طريق العقوبات الاقتصادية. وقد تعمّقت حالات انعدام اليقين الإقليمية عندما حاصرت الفضيحة السياسية رئيسة كوريا الجنوبية بارك جيون هاي‏[39]. ففي كانون الأول/ديسمبر 2016، نحّى البرلمان الرئيسة وكان هناك توقّع عام بإجراء انتخابات مبكّرة‏[40]. (كانت الولاية الرئاسية ستستمرّ سنة أخرى) لكن السؤال المطروح هو هل سيعني ذلك في سنة 2017 أن السياسة الكورية الجنوبية ستسهم في تزايد التوتّرات في شبه الجزيرة أو في مسعى محتمل لخفض حدّة المواجهة.

تزايدت الشكوك بشأن السياسة الأمريكية في المستقبل عندما بدا أن الرئيس المنتخب ترمب غافل عن بعض الحساسيات في العلاقة الأمريكية مع الصين. ومن المفترض أن يكون دعم الأخيرة، وربما مشاركتها الفاعلة، لازمة في تقييد البرنامج النووي الكوري الشمالي. ومع ذلك، اختار ترمب المخاطرة بالإساءة إلى الحساسيات الصينية بقبول تلقّي مكالمة هاتفية من الزعيمة التايوانية تساي إن ون‏[41]. وردّت القيادة الصينية بإيضاح أن تلك مسألة خطّ أحمر، وأنها تعارض كل الاتصالات الرسمية بين تايوان والولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة قد وافقت على هذا القيد منذ سنة 1972. وأشار الرئيس المنتخب إلى نقطة منصفة بتعليقه على المفارقة بأن تقبل الصين أن تبيع الولايات المتحدة أسلحة إلى تايوان لكنها تعترض على مكالمة هاتفية‏[42]. غير أن تلك المفارقة هي من حقائق التسوية السياسية والاستراتيجية، والتوازن، والتعاون في بعض الأحيان في شمال شرق آسيا.

يشكّل برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي شاغـلاً أكثر بعيداً من مسألة تايوان. فقد أجري تفجيران اختباريان وأطلقت عدة قذائف في سنة 2016 (انظر الفصل الحادي عشر، القسم IX). وكان موقف الأمم المتحدة موحّداً ومتسقاً بشأن فرض العقوبات على كوريا الشمالية. ولم يكن هناك نقص في الوضوح بشأن الهدف والوسائل، لكن الهدف لم يتحقّق. وقد شُدّدت العقوبات مرتين في سنة 2016، من قبل الولايات المتحدة في آذار/مارس والأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر‏[43]. والوقت كفيل بأن ينبئنا هل سيكون هذا النهج فعّالاً، ربما مع قيام الصين بفرض عقوبات أشدّ صرامة أيضاً. وفي غضون ذلك، برز مزيد من انعدام اليقين من الطمأنينة الصريحة التي غرّد بها الرئيس المنتخب بُعيد دخول سنة 2017 بأن نشر القذائف الكورية الشمالية العابرة للقارات «لن يحدث»‏[44]. ولم يرد توضيح أو تفسير لأساس هذه الثقة، أو للتخطيط أو التقييم الاستراتيجي الذي قد يقوم عليه في الإحاطات عن المعلومات الأساسية قبل بيان الرئيس المنتخب أو بعده.

بلغ النزاع الطويل الأمد في الشرق الأقصى على السيادات البحرية مرحلة جديدة في سنة 2016 مع ما يترتّب على ذلك من آثار على الاستقرار الإقليمي والعلاقات السياسية بشأن مسائل مثل البرنامج النووي الكوري الشمالي‏[45]. وكانت مطالبة الصين بمساحات واسعة من بحر الصين الجنوبي وجزر باراسل وسبراتلي قد خضعت لتمحيص التحكيم الدولي في القضية التي رفعتها الفيليبين. وقد رفض الحكم الصادر في تموز/يوليو 2016 الادّعاء التاريخي الصيني‏[46]. غير أن الصين أشارت على الفور إلى أنها لا تقبل حكم المحكمة الدولية، وسعت الفيليبين تحت حكم الرئيس رودريغو دوترتي إلى توثيق علاقاتها مع الصين، ما ألقى بظلال من الشكّ على التمسّك بقضية رفعها سلفه‏[47].

هناك قضايا إقليمية في بحر الصين الجنوبي أيضاً. ومع أنها أقل بروزاً من النزاع في بحر الصين الجنوبي، فقد قدّمت الصين مطالبة ضدّ حقّ اليابان، الذي تؤكّد الأخيرة أنه يعود إلى القرن التاسع عشر، بثماني جزر غير مأهولة تسمّيها اليابان جزر سنكاكو وتسمّيها الصين جزر دياويو‏[48]. وترسل الحكومتان باستمرار سفناً إلى المنطقة المتنازع عليها، وفي كانون الأول/ديسمبر 2016، أعلنت اليابان أنها ستعزّز انتشارها البحري هناك‏[49].

تواجه كل الحكومات في المنطقة ما تعتبره تحدّيات أمنية كبرى وبيئة خطرة. وتبرّر كوريا الشمالية برنامجها للأسلحة النووية بالإشارة إلى التمارين العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، التي تزعم أنها تدلّ على نيات عدوانية. وتتوجّس كوريا الجنوبية شرّاً من برامج تطوير الأسلحة النووية والقذائف الكورية الشمالية وقرب القوات العسكرية الكورية الشمالية إلى عاصمتها، سيول. ويساور اليابان قلقاً مماثـلاً من إجراءات كوريا الشمالية وتنظر بعين الخطر إلى نموّ الإنفاق العسكري الصيني المستمرّ باطّراد، وتحديث القوات المسلّحة الصينية، والمطالبات الإقليمية والانتشار البحري الصيني في بحر الصين الجنوبي. وتواصل الصين بدورها اعتبار التحالف الأمريكي مع اليابان وكوريا الجنوبية تهديداً لمصالحها، وطموحاتها، وأمنها. وفي سنة 2016 لاحت علامات مثيرة للقلق تدلّ على أن التوتّرات المحيطة بهذه المسائل الإقليمية الخلافية بدأت تستفحل لتصل إلى نقطة التأزّم.

أفريقيا

في بداية القرن الحادي والعشرين، كان من الشائع التفكير بأن أفريقيا مبتلاة بنزاعات وحشية واسعة الانتشار ومستعصية على الحل. وفي سنة 2012، تذكّر رئيس الوزراء الإثيوبي، مِليس زيناوي، في أثناء حديثه في اجتماع الاتحاد الأفريقي في مبنى مقرّه المفتتح حديثاً في أديس أبابا، الوصف الذي أطلقته مجلّة «إكونومست» على أفريقيا في سنة 2000 بأنها «ميئوس منها»، وسخر منه‏[50]. ففي سنة 2012 أصبح من الشائع أكثر العثور على تقارير عن الأداء الاقتصادي المتحسّن، والتقدّم المتحقّق في مؤشّرات التنمية مثل وفيات الأطفال، وانخفاض النزاع المسلّح، التي اجتمعت معاً ليقدّم رؤية عن النجاح الأفريقي‏[51].

غير أن هناك أسئلة غير مريحة عن أفريقيا أيضاً. فعدد النزاعات المسلّحة في أفريقيا يزيد على عددها في أي منطقة أخرى (انظر الفصل الثاني، القسم I)، على الرغم من أنها لم تشهد التصاعد الحادّ للنزاع منذ سنة 2010 كما حدث في الشرق الأوسط. وعلى العموم، بلغ عدد النزاعات المسلّحة في أفريقيا في سنة 2016 ما كان عليه في سنة 2015 تقريباً‏[52]. مع ذلك، هناك بعض النزاعات المستعصية على الحلّ، مثل جنوب السودان، وشمال نيجيريا، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن العميق، كما في جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال. ويجب أن يحذّر ذلك من الأحكام التعميمية عن نجاح أفريقيا أو فشلها، إذ يختلف الوضع من مكان إلى آخر. ولم تعد أفريقيا بالإجمال حبيسة دورة التخلّف والعنف المستفحل كما كان يتصوّرها بعض المراقبين قبل عقدين من الزمن، لكن لم تبنِ الحكومات الأفريقية والشركاء الدوليون سلاماً مستداماً في كل أنحاء القارّة. وإزاء هذه الخلفية، فإن عدد من فرّوا من منازلهم في ازدياد. وكان هناك 4.4 ملايين لاجئ و11 مليون مشرّد داخلياً في سنة 2016، ويبلغ مجموع الرقمين 15.4 مليون شخص، وذلك يزيد 2.5 مليون شخص عما كان عليه في سنة 2015. وتتوقّع مفوّضية الأمم المتحدة السامية للاجئين مزيداً من الارتفاع في سنة 2017. والأسوأ من ذلك أن مفوّضية الأمم المتحدة السامية للاجئين أفادت في سنة 2016 أن 76 في المئة من اللاجئين لم يحصلوا على مخصّصات يومية كاملة من الأغذية الأساسية، وأن اللاجئين يواجهون مزيداً من خفض المخصّصات من الطعام‏[53].

تتكرّر الفروقات الدقيقة للتوازنات في هذه القصّة المختلطة على الجبهة الاقتصادية. فعقب أربعة عقود منذ سنة 1960 كان فيها الأداء الاقتصادي الأفريقي الإجمالي أفضل من راكد بقليل، بلغ متوسّط معدّلات النموّ الأكثر حداثة في القارة بأكملها 3 في المئة سنوياً. غير أن بنك التنمية الأفريقي ينبّه إلى وجوب مواجهة تحدّيين محدّدين مرتبطين بالنموّ الاقتصادي‏[54]. الأول هو انعدام اليقين المتعلّق بإمكان استدامة طفرة النموّ الذي شهدته في القرن الحادي والعشرين، والثاني هو أن النموّ الاقتصادي لم يقدّم الكثير حتى الآن لخفض الفقر. ويوحي ذلك بدوره بأن النموّ الاقتصادي يغذّي انعدام المساواة الراهن، ما يمكن أن يؤدّي إلى مشكلات انعدام الاستقرار الاجتماعي والسياسي والنزاع المحتمل في المستقبل.

IV استنتاجات

تواجه أفريقيا تحدّي كيفية الحفاظ على التقدّم واتخاذ الترتيبات التي تجعل المنافع تعود على المجتمعات بأكملها، والقيام بذلك في حين أن آثار منافسات القوى العظمى وحالات انعدام اليقين الاستراتيجي قد تصرف انتباه المؤسسات الدولية التي أسهمت في التنمية الأفريقية. وربما يكون ذلك تحدّياً في كل أنحاء العالم. ولا يعني ذلك أنه عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها. فقد أظهرت تجارب مفاوضات عمليات السلام، وتحديد السلاح، والتنمية الدولية، وتغيّر المناخ أن التعاون الدولي يمكن أن ينجح، كما في أفريقيا. والزمن كفيل بالإجابة عمّا إذا كان الدافع إلى التعاون الدولي مستمرّاً كالمشكلات التي يجب أن يعالجها.

إن الأسئلة غير المريحة التي حدّدت سنة 2016 والانتقال إلى سنة 2017 تتراكم منذ عدّة سنين. وتدفعها العديد من الأسباب، مثل التغيّرات في سياسات والنهج المتبع بين القوى الكبرى، وتطوّرات مثل الربيع العربي في سنة 2011، وما تلا الانهيار المالي الدولي والأزمة الاقتصادية في السنوات 2008 – 2010، وضغط انعدام المساواة الاجتماعية الاقتصادية، وعواقب تغيّر المناخ. وغالباً ما تستجيب كل الدول للاتجاهات الطويلة المدى والأحداث على المدى القصير بإجراءات مفهومة وفقاً لطريقتها الخاصّة وفي ضوء مصالح كل دولة على حدة والخيارات المتاحة، لكنها تجتمع مع ذلك لزيادة انعدام الأمن المحيط والمخاطر. وقد آن الأوان لكي يعيد القادة السياسيون التشديد على الأهمية المركزية للتعاون من أجل معالجة المشكلات العالمية الكبرى وتنفيذ ذلك النهج بنجاح. ولا بدّ من التعاون في إطار مؤسّسات دولية تؤدّي عملها كما ينبغي، إذا أُريدَ معالجة المشكلات الكبرى التي نشهدها في زماننا بنجاح.

 

قد يهمكم أيضاً  خلّ السلاح صاحِ! العسكرة والنزاع والتنمية في المنطقة العربية، مع التركيز على الأزمة السورية