مقدمة:

تُطرح قضية العدالة المناخية (Climate justice)‏[1] بحدّة على الأجندات الوطنية والإقليمية والدولية؛ ولا تخلو المناقشات بشأن التّغيرات المناخية من توجيه اللّوم والانتقاد لهذه الدول أو تلك على مسؤوليتها أمام «المجتمع الدولي»، فتتمسّك بعض الأطراف بالمسؤولية التاريخية وأخرى بالمسؤولية المشتركة وثالثة بالمسؤولية المشتركة لكن المتباينة.

ومن الأجدر – في منظورنا – تجاوز هذه الأطروحات لطرح بدائل، كبلورة المقاربة الجيلية التي «تتداخل» فيها العدالة ما بين الجيل نفسه والعدالة ما بين الأجيال‏[2]، ودعم الالتزامات الجماعية وحماية الميراث المشترك للموارد الطبيعية وحماية الحقوق الكونية. ويهدف هذا المنظور إلى طرح قضايا التّغيرات المناخية ضمن قالب يتجاوز تقسيم العالم إلى شمال وجنوب، وبين دول مصنّعة وأخرى نامية… إلخ، لكن دون تغييب حقّ الدول النامية في تطوير اقتصاداتها (الحق في التنمية)‏[3] وفق الحاجات النّوعية لشُعوبها مع التركيز على كلفة التغيرات المناخية وأهمية تبنّي المقاربة الجيلية كاستراتيجية بديلة من المنظور الليبرالي. ولا شكّ في أن المقاربة الجيلية لها مقوّمات وأسس موضوعية تجعلها قابلة للتطبيق من قبل أعضاء المجتمع الدولي.

فرضية البحث: توجد مقاربة جيلية تهدف إلى تعزيز استدامة الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة من جهة أولى، وتضمن الانتقال السّلس لهذه الموارد من جيل إلى آخر من جهة ثانية. وتبعاً لذلك توجد إمكانات اقتصادية هائلة تسمح بتفادي التّعارض بين حاجات الجيل الحالي والأجيال المقبلة، وما بين أولويات الرّفاهية (Welfare) البشرية ومتطلّبات حماية الطبيعة.

منهجية البحث: سنعتمد في هذه الدّراسة على منهجية تفكيكية‏[4]، تُحاول رصد مكامن القوّة ومكامن الضّعف في المُقاربات المؤطّرة للتّغيرات المُناخية، وطرح خيارات منظور جيلي للانحباس الحراري قصد البحث في مدى إمكان استفادة الدول من الفُرص التي توفّرها العدالة الجيلية وتجاوز العقبات التي قد تحدّ من هذا المنظور – اعتماداً على منهجية سووت (SWOT)‏[5] -. ومن المفيد النّظر في تلبية حاجات الأجيال الحالية من دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها. ولن تتحقّق العدالة الجيلية من دون تعاون المجتمع الدولي كبديل من التّنافس الدولي بشأن استنزاف الموارد الطبيعية. فرهان العدالة الجيلية هو التّوفيق بين الحاجات الحالية والمقبلة والعمل على تمويل خُطط التّكيف مع كلفة التغيرات المناخية.

إشكالية البحث الرئيسية: هل نحتاج إلى مقاربة جيلية بشأن العدالة المناخية تتجاوز المقاربات المؤطّرة للعدالة المناخية؟ واعتماداً على نظرية اللعب (Game Theory)‏[6] ما هي المنافع المُنتظر تحقيقها، وما هي الخسائر التي سيكابدها الاقتصاد؟ وما هي السّبل المتاحة لتفادي تراكم الدّيون على الأجيال المقبلة؟

أولاً: المقاربات المؤطرة للعدالة المناخية

1 – مقاربة الدول الصناعية الرأسمالية

ترى هذه المقاربة، أن التطور الاقتصادي وحماية مصالح الدولة وأمنها القومي من أولوياتها؛ أما المسؤولية البيئية فهي مشتركة بين جميع الدول كبيرتها وصغيرتها ما دامت انعكاسات الانحباس الحراري عالمية وشاملة. وتبعاً لذلك، فالمطلوب هو تحرّك جميع الفاعلين بغضّ النّظر عن تحديد أساس المسؤولية التاريخية، لأن السّؤال الأساسي ليس من المسؤول عن الانحباس الحراري بل هو إيجاد سُبل المواجهة من قبل الجميع. وترفض هذه الدول التقسيم الذي جاء به بروتوكول كيوتو دول صناعية تلتزم بخفض الانبعاثات، ودول نامية ليس عليها أي التزامات. والمدخل الحقيقي للتّعاون الدولي البيئي بين «الشّمال» و«الجنوب» هو تفعيل آليات بروتوكول كيوتو (آلية التنمية النظيفة، آلية الاتجار في الانبعاثات وآلية التنفيذ المشترك)‏[7] والاندماج في منظورها الليبرالي.

ولا شك في أن البحوث والتّقارير الرسمية التي تصدرها الدول المصنعة تعترف بخطورة التّحولات المناخية؛ فقد كشف مثـلاً تقرير للمجلس الوطني الأمريكي الاستخباري (NIC) أن التّغيرات المناخية تؤثر في التّوقعات المستقبلية بشأن المناخ ومدى توفّر الموارد الحيوية. ويعترف التّقرير الاستخباري بأن التّغيرات المناخية تحدث اضطرابات اقتصادية واجتماعية يمكن أن تتحوّل إلى صراعات أهلية. ومن المحتمل – يضيف التقرير – أن يزداد تأثير أربعة توجّهات من قوّتها الحالية وهي التّمكين‏[8] الفردي، وانتشار القوة، والأنماط الديمغرافية، وتزايد التّرابط بين الغذاء والماء والطاقة من جهة والتغيرات المناخية من جهة أخرى‏[9].

2 – المقاربة التنموية

تُدافع عن هذه المقاربة مجموعة 77+الصين التي تتمسّك بالمسؤولية التّاريخية للدول الرأسمالية عن الأضرار البيئية التي لحقت البشرية جمعاء منذ الثّورة الصناعية الأولى، لذلك من حقّ دول هذا المحور أن ترفض كل رقابة دولية بيئية على صناعتها «النّاشئة»، بل على العكس من ذلك، يجب أن تُمنح لها نفس الفُرص والإمكانات لتعزيز التطور الاقتصادي وتكثيف التّصنيع وفق مبدأ الحق في التّنمية. و«قد بدأت الصين تتفوق على الولايات المتحدة كأكبر مُصدّر للغازات المسببة للاحتباس الحراري، وما زالت النّخبة في الصين وكذلك الهند وغيرها من البلدان النامية، مصمّمة على إعادة إنتاج الرأسمالية ذات الطّابع الأمريكي المدفوعة بالاستهلاك المفرط»‏[10].

وحسب دراسة قامت بها جامعة تسينغوا (Tsinghua)، أنتجت الدول الصناعية 840 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون بين 1850 و2005 من أصل 1100 مليار طن‏[11]، وإذا قامت بتخفيض 80 بالمئة من انبعاثاتها من الآن إلى حدود 2050، فإنها ستنتج 380 مليار طن من أصل 1000 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون. وللعلم فإن «الولايات المتحدة الأمريكية تنتج لوحدها 36.1 بالمئة من المُلوّثات العالمية»‏[12]ومع ذلك تنصّلت من التزاماتها الدولية ولم تُصادق على بروتوكول كيوتو، أما الصين «التي يُقدّر سكانها بـ 1.3 مليار نسمة فتنتج 13.5 بالمئة من المُلوّثات العالمية»‏[13].

3 – مقاربة منظمة الأمم المتحدة

يشير ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945 صراحة إلى تصميم الشّعوب على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات تكرار الحروب وتجدّدها؛ ومن أجل إيجاد توازن بين المقاربتين السّابقتين معاً وتجاوز ما يسمّى الصّدام المناخي (UNDP, 2008) بين الأمم، حاولت منظمة الأمم المتحدة أن تُبلور مقاربة توفيقية تقضي بأن المسؤولية البيئية مشتركة بين جميع الفاعلين، لكنها متباينة حسب الظّروف الموضوعية والأولويات الوطنية والإقليمية في شأن القضايا التنموية والأهداف التي تسعى إليها كل دولة على حدة. هذه المقاربة التّوليفية هي حجر الزّاوية في إعلان ريو دي جانيرو للعام 1992 حول البيئة والتنمية (في المبدأ السابع) واتفاقية الأمم المتحدة – الإطارية في شأن التّغيرات المناخية (UNFCCC) للعام 1992 (في المادة الثالثة)، وبروتوكول كيوتو لسنة 1997 (في المادة 10). لكن قبل انتهاء مرحلة الحرب الباردة (1991 – 1992)، استعملت الجمعية العامة للأمم المتحدة مفهوم المسؤولية التّاريخية للغرب وأصدرت – في هذا الشأن – قرارين: الرقم 35/8 (30 تشرين الأول/أكتوبر 1980) والرقم 36/7 (27 تشرين الأول/أكتوبر 1981) حول المسؤولية التاريخية للدول عن حفظ الطّبيعة لفائدة الأجيال الحاضرة والمقبلة، وطالبت بالمزيد من الاهتمام بالبيئة واعتماد التّدابير اللازمة، وتعزيز التّعاون الدولي البيئي.

ثانياً: المنظور الجيلي للعدالة المناخية ورهانات الربح والخسارة

 

1 – أسس المنظور الجيلي

من حقّنا أن نتساءل عن جدوى المقاربة الليبرالية (التّعاونية)، ولا سيَّما الآليات الاقتصادية التي طرحها بروتوكول كيوتو التي «تهدف إلى تسهيل مشاريع ابتكارية للتخفيف من الكربون، وتسهيل التنمية البديلة عن طريق الحُصول على التّمويل من باعثي الغازات الدفيئة في الشمال مُقابل السّماح بالتلوث المستمر»‏[14]؛ مع العلم أن بعض البلدان العربية أصدرت تشريعات تنظّم تجارة الكربون كـ «لبنان حيث تمّ إصدار قانون رقم 738 لسنة 2006، وفي الأردن وافق مجلس الوزراء الأردني على بيع الكربون من محطات العقبة الحرارية والسّمراء لتوليد الكهرباء إلى شركات عالمية، وتمّ تأسيس شركات خاصة تعمل على تقليل التّلوّث»‏[15].

وللعلم فإن «نظرية العدالة المحدودة في النّموذج الليبرالي الجديد المعياري تقوم على الفكرة المُخادعة التي فحواها أن المجتمع العادل هو الذي يبحث عن أكبر قدر من الرّفاه لأكبر عدد من الناس، وهو ما يعني تعظيم المجموع (المرجّح) لمنفعة الأفراد الذين يتشكّل منهم المجتمع»‏[16]. ويخشى أن الدول العربية ستتفاجأ بسماسرة الكربون وخوصصة الطبيعة، لأن المقابل الذي ستحصل عليه بشأن بيع حصص التلويث ينتج من العرض والطلب ومنح «حقوق» التلوث للملوّثين، أي للشّركات المتعدّدة الجنسيات (TNC’s)، فحقوق التلوث – في منظورنا – ناتجة من غياب المساواة في الثّروة بين الأقوياء والفُقراء، وهو ما يطرح مشكلة أخلاقية حول دراسة الفجوات الموجودة بين الأمم والدول وتفاوت الأجيال في الاستفادة من الاستدامة، وهو ما يتنافى مع «الحقوق الكونية ما بين الأجيال التي تتحدّث عنها إديث براون ويس»‏[17].

ومن حقّنا أن نتساءل ما مدى استفادة الوطن العربي من «حقوق» التلوث وخوصصة الهواء، وما هي حُدود ذلك في سياق محدودية المحيط الحيوي (Biosphere) أو النظام الإيكولوجي الشّامل على تحمّل عبء اللاوعي البشري؟ وفي مقابل ذلك، أليس حريّاً بالبلدان العربية أن تطوّر جهودها في مجالات الطّاقات البديلة وتُحسّن نمذجة (Modelization) السيناريوهات المناخية وقياس الاستدامة والتنمية المستدامة؛ فـما «يطرحه تغيّر المناخ من فرص ومخاطر يشغل اليوم حيّزاً من المناقشات الدائرة حول موضوع التنمية. وتركّز هذه المناقشات على بناء قُدرات التكيف كخيار استراتيجي لا مفرّ منه، واعتماد سياسات الطاقة النّظيفة لبناء اقتصادات قليلة الكربون في المستقبل»‏[18].

ونعترف أن بعض الدول بذلت جهوداً لا بأس بها في مجالات كالبُنى التحتية والصحة والزراعة… إلخ، إلا أن التربية على احترام حقوق الأجيال المقبلة (كالحق في التنمية، والحق في السّلم وحماية المشترك) لم تحظ بالعناية، وهو ما سيؤثر في قضايا الإنصاف والتكافؤ على قدم المُساواة وبنفس القدر بين الأجيال. يدل هذا التحليل على عدم صحة الفرضية التي انطلق منها هذا البحث؛ فالجهود موجودة لكن آليات المتابعة والتّقييم وضمان استدامة الموارد الطبيعية كلّها عناصر لم تؤخذ في الحسبان. كما أن هشاشة الاقتصادات وضعف قدراتها التّكيفية يزيد أعباء إضافية على ميزانيات الدول.

إن حماية المناخ العالمي هو مصلحة للأجيال البشرية الحالية والمقبلة كما ترى منظمة الأمم المتحدة‏[19]. ولن يتأتى ذلك إلا بتحقيق الأهداف التنموية للألفية الثالثة‏[20]والاعتراف بوجود ترابط وثيق بين القضايا الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز فُرص التنمية المستدامة من جهة والاعتماد على «المسؤولية الجماعية لتعزيز مبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة والإنصاف على المستوى العالمي»‏[21] من جهة ثانية.

وفي ما يخص الشّقّ المتعلق باحترام الطبيعـة، أوجب إعلان الأهداف الألفية توخّي الحذر والحيطة في تدبير جميع أنواع الكائنات الحية والموارد الطبيعية وفق مبادئ التنمية المستدامة؛ وهي الوسيلة الوحيدة التي تمكّننا من الحفاظ على الثّروات الطّبيعية ونقلها إلى أحفادنا، لأنها لا تقدّر بأي ثمن. وبناءً عليه، يجب تغيير الأنماط الحالية للإنتاج والاستهلاك التي تتميز بالاستدامة من أجل مصلحة رفاهيتنا في المستقبل ورفاهية ذريتنا معاً‏[22].

ومن أجل تغيير سلوكيات الإنتاج والاستهلاك، لا بد من دعم مبادئ العدالة داخل الجيل نفسه (Intragenerational)‏[23]، والعدالة ما بين الأجيال (Intergenerational). ويُجسّد العملُ الجماعيُ حماية الميراث المشترك ويرسّخ قيم العدالة والإنصاف والعيش المُشترك بين مختلف الأجيال المتعاقبة. والعدالة البيئية (Environmental Justice) (كجزء من النّقاش حول تطبيقات التنمية المستدامة) تستند في رُوحها ومقوماتها على التّوزيع المُنصف للمخاطر (التّلوث مثـلاً) والمنافع البيئية (ولوج المجال الأخضر مثـلاً) بين الشّعوب والأمم كافّة، ويجب استخدام المُشترك بين الأجيال والأمم بإنصاف وعدل ضماناً لاستدامته الجيلية (الديمقراطية الجيلية)؛ فهل من وسيط (Ombudsman) (كإنشاء مجلس الشّيوخ من أجل المستقبل، أو مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي مصغّر) لتمثيل وحماية حقوق الأجيال المقبلة وصيانتها؟ تلك الأسئلة وغيرها مطروحة على صانعي السياسات العالمية (Global Decision Makers).

2 – كُلفة التّغيرات المناخية ونفعية المقاربة الجيلية

أ – تكلفة التّغيرات المناخية في الوطن العربي

عموماً، يؤكد الاقتصادي البريطاني نيكولاس ستيرن في ما يعرف بتقرير ستيرن للعام 2006 أن تكلفة التّغيرات المناخية في حال عدم القيام بأي جُهد، تقدّر بــــ «5 في المئة من الناتج الوطني الخام (GDP) العالمي كل سنة وإلى الأبد. وفي حال الأخذ في الاعتبار المخاطر الواسعة وتأثير الأضرار المناخية، ستكون التكلفة في حدود 20 في المئة أو أكثر من الناتج الوطني الخام»‏[24]. وتشير منظمة الأمم المتحدة أن تكلفة التّكيف مع التّغيرات المُناخية في مجالات كـ «المياه هي 11 مليار دولار أمريكي كل سنة؛ وتقدّر تكلفة الصحة البشرية بما بين 4 و12 مليار دولار أمريكي كل سنة إلى حدود 2030؛ وتكلفة الفلاحة هي ما بين 11.3 إلى 12.6 مليار دولار أمريكي إلى حدود 2030»‏[25] (تقديرات منظمة الأمم المتحدة بشأن حاجات الاستثمار الإضافي وتدفق النقود في حدود 2030 من أجل تغطية تكاليف التغيرات المناخية (مليار دولار)):

إجمالاً ومن أجل التّكيف في حدود العام 2030، تؤكد الأمم المتحدة الحاجة الإجمالية السنوية إلى ما بين 49 إلى 171 مليار دولار أمريكي، منها ما بين 27 إلى 66 بليون دولار أمريكي في البلدان النامية»‏[26] كما يوضح الجدول التالي:

القطاعالتكاليف الإجماليةتكاليف الدول المتقدمةتكاليف الدول النامية
الفلاحة1477
المياه1129
الصحة البشرية5غير مُقدّرة5
المناطق الساحلية1174
البُنى التحتية130 – 888 – 641 – 2
المجموع171 – 49105 – 2266 – 27

المصدر: معلومات مأخوذة عن: Martin Parry and Nigel Arnell, «Assessing the Costs of Adaptation to Climate Change,» A Review of the INFCCC and other recent estimates (August 2009), p. 9.

ويؤكد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) للعام 1994 «أن 1.3 مليار نسمة في العالم النامي لا تستطيع الولوج إلى المياه النّظيفة، كما أن ما يُقارب مليارين من السكان لا يتوفّرون على الخدمات الملائمة للتّطهير. وبسبب الأنشطة الإنسانية تندثر ما بين 3 و4 ملايين هكتار سنوياً (ما يعادل مساحة دولة النّمسا) وما ينجرّ عن ذلك من تصحر». أما في الدول الصناعية المتقدمة فيشير التقرير إلى أن «أهم التّهديدات هي تلوث الهواء؛ فمدينة لوس أنجلس لوحدها تنتج 3400 طن سنوياً من الملوّثات، وتنتج مدينة لندن 1200 طن سنوياً من الملوّثات، وهو ما يؤثر في الصحة والبيئة معاً. إن تدهور الغابات الأوروبية بسبب تلوّث الهواء، يؤدّي إلى ضياع 35 مليار دولار سنوياً للاقتصادات الأوروبية»‏[27].

وتُشير العديد من الدّراسات والأبحاث إلى أن القارة الأفريقية هي أكثر المناطق تضرّراً من التغيرات المناخية، كما شهدت القارة وستشهد الكثير من النّزاعات بفعل الأمن المائي والأمن الغذائي والرّغبة في الاستيلاء على الموارد الطبيعية إضافة إلى وجود عوامل مساعدة، بل مهيّجة، للعنف والاقتتال كفشل الدول في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والتّداول على السّلطة بطريقة سلمية من جهة أخرى. وقد تحوّلت التغيرات المناخية في أفريقيا إلى قضية سياسية واقتصادية بامتياز بين جميع الفاعلين بهدف نزع الأصوات الانتخابية. عموماً، تحتاج «أفريقيا سنوياً إلى ما بين 67 مليار دولار أمريكي و200 مليار دولار أمريكي كتعويض لها عن القيود الشّديدة التي تفرضها التّغيرات المناخية مقارنة بالمستويات المتدنّية من التنمية في هذه القارة»‏[28].

وتعتبر بعض الدراسات أن المنطقة العربية من أكثر المناطق التي ستتأثر بالتّغيرات المناخية، رغم أن «البلدان العربية مجتمعة تُشارك فقط بنسبة 4.71 بالمئة من مجموع انبعاث غازات الدفيئة العالمية»‏[29]. ولذلك يبدو أساسياً العمل على الحدّ منها ضمن المفاوضات المناخية الماراتونية من طريق بلورة مقاربة عربية مشتركة للتغيرات المناخية. وبلغة الأرقام كشف تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (بيروت) للعام 2009 أنه «عند ارتفاع سطح البحر لمتر واحد، سيتأثر 3.2 بالمئة من السكان بالمنطقة العربية وسينخفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 1.49 بالمئة وستتأثر حياة 1.49 بالمئة من سكان المدن بتلك المنطقة وسيغرق 3.32 بالمئة من الأراضي الرّطبة»‏[30]. وإذا أخذنا في الحسبان تأثر الدول حسب دراسة للبنك الدولي نجد أن «قطر ستكون الدولة الأكثر تأثراً من حيث النسبة المئوية لمساحة الأرض المعرّضة للغرق. أما مصر، فستكون الأكثر تأثّراً من حيث النسب المئوية للضّرر الواقع بالناتج المحلي الإجمالي، والإنتاج الزراعي»‏[31]. و«تتميز البلدان العربية بالنّقص الحادّ لحصّة الفرد السّنوية من المياه المتجدّدة التي انتقلت من 3500 متر مكعب في العام 1960 إلى 1230 متر مكعب في العام 1995؛ وحالياً [أي أثناء صدور التّقرير في العام 2010] نحو 1000 متر مكعب مُقارنة بالمتوسّط العالمي الذي يُقدّر بـ 7240 متراً مكعباً لكل سنة»‏[32].

تبلغ «مساحة أراضي الوطن العربي نحو 14 مليون كيلومتر مربع، تبلغ الأراضي الزراعية فيها 3.4 في المئة؛ و18.8 في المئة مراعٍ، و10 في المئة غابات وأحراج، أي أن الأراضي التي تنتج ثروة نباتية تبلغ نحو 32 في المئة فقط. أما الباقي، نحو 68 في المئة، فهو أراض صحرواية»‏[33].

وبما أن التغيرات المناخية تؤثر في الأمن الغذائي، يمكن الحديث عن الفجوة الغذائية العربية، «فقد كانت قيمتها نحو 35.25 مليار دولار في العام 2011 وبلغت نحو 35.63 مليار دولار في 2013»‏[34]. وتتركز «الفجوة الغذائية في سلع مُعيّنة أهمّها مجموعة الحُبوب (53.62 بالمئة من قيمة الفجوة). بينما تساهم اللحوم بنسبة (16.45 بالمئة) والألبان بنحو (9.51 بالمئة) والسكر المكرّر بنسبة (8.98 بالمئة) والزيوت النباتية بنسبة (8.75 بالمئة)»‏[35].

ويُواجه «التّنوع البيولوجي في المنطقة العربية [بدوره] تحدّي التّخريب والتّدهور المتفاقمين لكل من الموائل البحرية والبرية. وتشكّل المناطق المحمية حالياً أقل من 5 بالمئة من إجمالي اليابسة، وذلك أقلّ من المُتوسط العالمي بشكل واضح (13 بالمئة) حيث يُهدّد الانقراض 1084 نوعاً (24 بالمئة من الأسماك، و22 بالمئة من الطيور، و20 بالمئة من الثّدييات)»‏[36]. وحسب الشّبكة العربية للمعلومات البيئية (AREIN)، فإن عدد الفصائل المُهدّدة بالانقراض في لبنان 58 صنفاً، مقابل 79 صنفاً في تونس و93 صنفاً في الأردن، و83 صنفاً في سورية، و128 صنفاً في مصر، و110 صنوف في الجزائر‏[37]… إلخ.

وكخلاصة ترى منظمة الأمم المتحدة أن استثمار دولار أمريكي واحد في العمل المناخي الاستباقي (الوقائي) سيؤدي في المستقبل إلى ربح 7 دولارات أمريكية‏[38].

ب – نفعية المقاربة الجيلية

من منظورنا المتواضع، نرى أن التمسك بهذه المقاربة أو تلك لن تُؤدّي إلى نتائج عملية ومادية على الصّعيد الدبلوماسي، فكل محور يحاول باستمرار أن يُدافع باستماتة عن أطروحته بُغية إقناع المحور الآخر بجدواها وأهميتها، وتتجدّد هذه السّجالات في كل المفاوضات المناخية الماراتونية التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة؛ وأكيد أن «المجتمع الدولي» لم يُحقّق نتائج عملية في الشّأن المناخي، ومن حقّنا أن نتساءل عن مدى نفعية تجاوز هذه المقاربات نحو مقاربة جيلية (Generational Approach) للتّغيرات المناخية تعتمد عناصر جوهرية، كالاهتمام أولاً، بالعدالة المُناخية بوصفها منظوراً جديداً للعدالة الاجتماعية؛ وثانياً، الأخذ في الاعتبار العدالة داخل الجيل نفسه، والعدالة ما بين الأجيال؛ وثالثاً، الدفاع عن مقاربة الالتزامات الجماعية (ِCollective Obligations) وحماية الميراث المشترك (Common Heritage) للموارد الطبيعية. ويمكن اعتبار أن العدالة الجيلية (العدالة ما بين الجيل نفسه، والعدالة ما بين الأجيال) غير قابلة للتّجزيء بطبيعتها وغير خاضعة للمُساومة بين الدول، فهي تتعلق أساساً بحياة الأجيال وبقائهم سالمين على كوكب يتّسع للجميع.

ومن شأن تحديد وإبراز هذه العناصر الأولية أن تُشكّل أساساً لتعزيز قضايا الاستدامة والإنصاف والعدالة بين جميع الأمم والشّعوب، فالقضايا البيئية تنتمي – بطبيعتها – إلى «المصالح النوعية للبشرية (وهي قواعد آمرة أساسية) لأنها تمسّ قضايا بقاء الجنس البشري في قيد الحياة، تمييزاً لها عن المصالح الجماعية الخاصة (وهي مصالح تتحقّق عن طريق آليات القانون الدولي التقليدي) والمصالح الجماعية العامة (وهي مصالح تتحقّق بفضل القانون الدولي ووظائف المنظمات الدولية ذات الطبيعة العالمية) والمصالح العامة ذات الأهمية (للحفاظ على الأنساق الدولية: القواعد الآمرة)»‏[39].

تتأسّس شرعية نظرية الإنصاف ما بين الأجيال (Intergenerational Equity) – بحسب إديث براون ويس (Edith Brown Weiss) – على قواعد القانون الدولي وديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1945) حيث تمّ الاعتراف بــ «توريث/أو انتقال» الكرامَة والمُساواة والحقّ في الأسرة الإنسانية الواحدة كقاعدة أساسية هدفها إرساء الحرية والعـدالة والسّلـم في العالم أجمع.

ومن أجل بلورة المبادئ التي توجّه التّفاعل الإنساني نحو الإنصاف ما بين الأجيال، تركّز براون على ثلاثة اعتبارات‏[40]: «أولاً، يجب أن نشجّع الإنصاف ما بين الأجيال، فلا نسمح للجيل الحالي باستغلال الموارد وحرمان الأجيال المقبلة منها، ولا نفرض قيوداً غير معقولة على الجيل الحالي لمواجهة الحاجات المستقبلية غير المحددة؛ وثانياً، يجب ألّا نطلب من أحد الأجيال التّنبؤ بأفضليات الأجيال المقبلة، بل (من واجبنا) أن نمنح مرونة للأجيال المقبلة لتحقيق غاياتها انسجاماً مع قيمها؛ وثالثاً، يجب أن نعترف باختلاف التّقاليد الثّقافية، ونَجِدَ المبادئ التي تجتذبُ الجميع».

وللعمل على بناء الذّات العربية وتأهيلها قصد ربح الرّهانات البيئية وتفادي الخسارة في الشّأن المُناخي، نقترح الاعتماد على منظور العدالة الجيلية؛ ونقصد بذلك، مدى إمكان أن تتوافر البلدان العربية على مقاربة تُراعي تلبية حاجات الأجيال العربية الحالية من الموارد الطبيعية من دُون المساس بقُدرة الأجيال العربية المقبلة في الاستفادة من هذه الموارد مُناصفة؟

يتلخّص المنظور الجيلي في أهمية تعزيز العدالة ما بين الجيل نفسه، والعدالة ما بين الأجيال المُتعاقبة في الاستفادة بإنصاف من الموارد الطّبيعية المُتاحة ومدى قدرتها على ضمان استدامة وصيانة الأنظمة الإيكولوجية للأجيال المقبلة، وذلك تطبيقاً لما يمكن تسميته الهوية الجماعية (The collective Identity) الجيلية، أي: الإحساس بالانتماء إلى البشرية جمعاء، وهو ما يستوجب تغيير المنظومة القانونية، لأن الاعتراف بالأجيال المقبلة لا تحكمه بالضّرورة ضوابط قانونية محدّدة بدقّة، كالاستفادة من الحقوق مقابل الالتزامات بالواجبات، أو قاعدة تعزيز التّبادلية (Reciprocity) بين الحقوق والالتزامات، فالأساس هو بلورة قانون للأجيال المقبلة كما يشير إلى ذلك ألكسندر كيس‏[41]. ولا شك في أن المنظومة القانونية مؤسّسة على إعلان ستوكهولم للبيئة البشرية (1972)‏[42] وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 35/8 الصادر بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 1980‏[43]، والاتفاقية الأممية الإطارية للتغيرات المناخية للعام 1992 (المادة 3، الفقرة الأولى)‏[44] والمبدأ الثالث من إعلان ريو للعام 1992 وإعلان اليونسكو (UNESCO) للعام 1997 حول مسؤوليات الأجيال الحالية تجاه الأجيال المقبلة‏[45]. وتمّ التعبير عن ذلك في اتفاقيات كثيرة، منها اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة التّصحّر بتاريخ 17 حزيران/يونيو 1994‏[46]، وفي الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن مشروعية التّهديد بالأسلحة النّووية أو استخدامها الصادر في 8 تموز/يوليو 1996‏[47].

وتقوم فكرة التنمية المستدامة ذاتها على الحفاظ على العلاقة المتوازنة بين الأجيال، بحيث يمكن للتنمية أن تستجيب لحاجات الأجيال الحالية، من دون التضحية بحق الأجيال الجديدة في ثروات بلادها ومواردها‏[48].

ومن أجل إنجاح منظور إعلان ريو للعام 1992، يمكن بلورة مقاربة جيلية تتلخّص في حتمية مُشاركة الجميع في تحمّل التكلفة البيئية أخذاً في الحسبان تعدّد المقاربات وتناقضاتها من جهة أولى؛ وحتمية الاهتمام بالمقاربة الجيلية في قضايا الاستدامة، كتعزيز مفهوم تقرير لجنة براتلاند (The Brundtland Commission Report) للتنمية المستدامة، مع الاستفادة من مفهوم تواصل الأجيال وتعاقبها وفق منطق الاستدامة الجيلية، من جهة ثانية، أي: أحقيّة كل جيل في الاستفادة من الثّروات الطبيعية في حُدود المُمكن مع عدم جواز مُراكمة الدّيون البيئية (التي تترتّب عن تلوّث البيئة واستنفاد الموارد الطبيعية)، والدّيون المالية (من خلال الاقتراض غير الرّشيد)، والدّيون الاجتماعية (بإهمال الاستثمار في تنمية الإنسان وقدراته)، والدّيون الديمغرافية (بالسّماح للنمو السكاني غير المُنظّم ومعدلات التّحضر العالية)‏[49] على الأجيال العربية المقبلة.

إن مفهوم عدم جواز تراكم الدّيون على الأجيال المقبلة، يتجاوز السياجات الحدودية، لأن حماية البيئة لا تعترف بالحدود الجغرافية والسياسية، فـ «كل التّغيير البيئي عالمي، بمعنى أن التّحولات مرتبطة بشكل معقّد»‏[50] و«يحيل الانحلال العالمي النّظامي على التّغيير الذي يؤثر في الأنظمة التي هي بطبيعتها عالمية النّطاق، وأمثلتها الرئيسية هي الغلاف الجوي والمُحيطات. وداخل هذه الأنظمة ليس للحدود معنى»‏[51].

وأمام منطق عدم وُجود سياجات تحكّمية تحدّ من «تدفق» تدهور البيئة واندثارها، يتّجه التّفكير نحو تكثيف فُرص التّكامل والتّعاون والاندماج وسُبُل حماية الموارد الطّبيعية المشتركة وصيانتها من جهة أولى، ورفض المنطق الليبرالي: «دعه يعمل دعه يُلوّث الطّبيعة» ومخاطره على البشرية جمعاء من جهة ثانية، والأخذ في الحسبان التّفاعلات الخارجية في جميع المجالات من جهة ثالثة.

ومن القضايا ذات الأهمية القصوى في مجال العدالة المناخية الأخذ في الحسبان متطلبات السيادة الوطنية من جهة ومخاطر العولمة‏[52] والتّدفقات العابرة للحدود الوطنية من جهة ثانية؛ فالبيئة لم تعد شأناً داخلياً ولن تكون كذلك بالنّظر إلى حجم تأثير الانحباس الحراري العابر للحدود الوطنية؛ ومن ثمّ يجب عدم تقييم السياسات البيئية على أساس مدى قُدرتها على تحقيق رفاهية الجيل الحالي فقط (وإن فشلت في ذلك فشـلاً ذريعاً)، وإنما أيضاً من منظور مصالح الأجيال المقبلة ومنافعها. ولكي تنجح مقاربات تقييم السياسات البيئية، يجب التأكيد: أولاً، قصر نظر الديمقراطيات المعاصرة، فهي تتمسك بـ «حقوق الحاضر» دونما الاهتمام بمنظور بعيد المدى؛ وهي ثانياً، لا تأبه بحاجات المستقبل لأنها سياسات تمثيلية ذات أبعاد انتخابية قصيرة المدى، وهو ما يتنافى مع منظور العدالة المناخية ما بين الأجيال. ومن المنطقي إعادة تحديد المفاهيم كالديمقراطية والسيادة والفضاء العام و«قياس» رفاهية الشّعوب والأمم، وتكييف مفهوم النّمو وفق متطلّبات المحافظة على البيئة كالتزام سياسي واجتماعي.

ولا بد من ذكر بعض الإكراهات التي قد تواجه تطبيق المقاربة الجيلية، كالتّنازع بين مصالح الجيل الحالي ومصالح الأجيال المقبلة، وما هي «الأشياء» التي ننقلها للأجيال المقبلة: هل رأس المال الطبيعي فقط، أم يتضمن ذلك أيضاً الإبداع الإنساني واللغة والجوانب الثقافية الأخرى؟ وما هي الحدود التي تضعها التكنولوجيا والمجتمع والإيكولوجيا؟‏[53]

ولأجل ذلك، بدأت بعض نظريات العدالة – في الفلسفة المعاصرة – تدرس قضايا العدالة انطلاقاً من زاوية مفهومية جديدة، تتمثّلُ بمفهوم «الاعتراف» (Recognition). وهكذا بدلاً من الحديث عن العدالة بوصفها إنصافاً، برز الحديث عن العدالة بوصفها اعترافاً؛ والأساس الذي تنطلق منه نظريات الاعتراف المعاصرة هي: إن اعتراف الآخرين بي ونظرتهم إليّ يساهمان مساهمة كبيرة ومؤثرة في صوغ علاقتي بذاتي وبالآخرين‏[54]. و«قياساً على ذلك» ألا يُمكن أن تكون العدالة أيضاً اعترافاً بحقوق الأجيال المقبلة في سياق العدالة الكونية/العالمية؟

خاتمة

يرتبط موضوع العدالة المُناخية بمقاربات متناقضة (المسؤولية التاريخية، المسؤولية المشتركة، والمسؤولية المشتركة لكن المتباينة) في ما بينها من حيث تحديد مسؤولية وتكلفة الفاعلين (الدول والشركات المتعدّدة الجنسيات… إلخ) عن التغيّرات المناخية؛ لذلك فإن تطبيق المقاربات المؤطّرة «للمسؤولية الدولية المناخية» لن يؤدّي إلى انفراج في المفاوضات المناخية ولا سيَّما ما يتعلق بتمويل استراتيجيات التّكيف مع الانحباس الحراري.

ومن أجل تدارك تناقضات المقاربات، يمكن ممارسة الفعل الإيبيستمي (نسبة إلى الإيبيستمولوجية) من أجل التأسيس لمقاربة جديدة أطلقنا عليها المقاربة الجيلية. ولا يخفى على المهتمّ أهمية وضع الأسُس النّظرية والعملية لهذه «المقاربة البديلة»، وأولى الخُطُوات هي تجاوز منطق العرض والطّلب في التّعامل مع التّغيرات المناخية فالآليات التي يقترحها بروتوكول كيوتو هي آليات لصيقة بـ «قانون» السّوق وبخوصصة الهواء والطبيعة.

لكن من الصعوبة تجاوز المنطق الليبرالي «دعه يعمل دعه يُلوّث» نظراً إلى تسخيره كل الإمكانيات، ولا سيَّما المادية، من أجل إخضاع كل شيء لمنطق السّوق والتنافسية، وهو ما يؤدي حتماً إلى خوصصة المناخ وزيادة معدلات الفقر والتّهميش واللامساواة الاجتماعية وتسليع الحياة والطّبيعة.

وفي أثناء تحديد تكلفة التّغيرات المناخية، تساءلنا هل يمكن الدول العربية أن تتفادى ذلك؟ وهل بإمكانها تطوير الجهود التنموية في مجالات الطاقات البديلة ونمذجة السيناريوهات المناخية وقياس الاستدامة وفق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة؟

ومن أجل بيان نفعية المقاربة الجيلية، حاولنا عرض مكوّناتها الرئيسية، منها الاهتمام بالعدالة المناخية كمنظور جديد للعدالة الاجتماعية، ودعم العدالة داخل الجيل نفسه والعدالة ما بين الأجيال، وتعزيز الالتزامات الجماعية وحماية الميراث المشترك للموارد الطبيعية. وانطلاقاً من مكوّنات المقاربة الجيلية، يمكن الدول أن تبني ذاتها، لكن يبدو أن السياق الدولي والإقليمي (الربيع العربي) يتميزان بالتّعقيد، وهو ما يُؤجّل منح الأجيال المقبلة فرص تحقيق مقاصد العدالة المناخية حسب قيم كل جيل وأفضلياته.

 

 

قد يهمكم أيضاً  التسويق الأخضر : التسويق الصديق للبيئة

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #البيئة #إيكولوجيا #المناخ #التغيرات_المناخية #العدالة_المناخية #المقاربة_الجيلية #العدالة_الإجتماعية #التغير_المناخي_في_العالم_العربي #المخاطر_البيئية #دراسات