تحرير وتقديم: ساري حنفي، نورية بن غبريط – رمعون، مجاهدي مصطفى

مراجعة: ليزا تراكي(**)

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2014

عدد الصفحات:493 ص

ISBN: 9789953826905

يتضمن هذا الكتاب باللغة العربية أوراقاً قدمت في مؤتمر عقد في وهران (الجزائر) في عام 2012 بإشراف مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت، لبنان)، والمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (وهران، الجزائر)، والجمعية العربية لعلم الاجتماع (تونس).

يطرح الكتاب نظرة متبصرة في اهتمامات، ومآزق ومشاغل علماء الاجتماع الذين يكتبون من أماكن مختلفة في الوطن العربي، ويحتوي على مقالات مهمة عن حالة العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، من منظور مطبقيها. يجب الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من أن عنوان الكتاب يقترح ان العلوم الاجتماعية ككل قد اختبرت، الا أن معظم المشاركات تركز على حالة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. النطاق الجغرافي للكتاب واسع، لكن أجزاء محددة من الوطن العربي مثل اليمن وليبيا ومعظم دول الخليج ليست مغطاة في المساهمات المختلفة. للجزائر حصة الأسد بثماني مساهمات، تليها ثلاث من مصر، وثلاث من تونس. ويمكن تفسير التركيز على الجزائر ربما بموقعها كدولة نظم المؤتمر فيها، في المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، الذي لديه خبرته المتراكمة في تنظيم مؤتمرات مماثلة للباحثين الاجتماعيين العرب منذ الثمانينيات.

– 1 –

فصول الكتاب الـ 17 موصوفة في العناوين الفرعية على أنها أوراق بحثية، لكن بعضها يبدو على شكل مقالات يعكس فيها الكتاب خبراتهم الشخصية، ويقدمون حكايات من ملاحظاتهم. ويكمل الكتابَ جزءان يتعلقان بالسّير الذاتية.

من بين المساهمين في الكتاب شخصيات معروفة جداً في مجال علم الاجتماع العربي، مثل عالم الاجتماع المصري المخضرم سعد الدين إبراهيم، وعالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب، وعالم الاجتماع الفلسطيني ساري حنفي، وعالمَي الاجتماع التونسيين، محسن بوعزيزي والراحل عبد القادر الزغل.

كما هو متوقع، فإن المساهمين في الكتاب ناقدون للعلوم الاجتماعية في العالم العربي. في الحقيقة فإن الكتاب والمؤتمر الذي تمخض عنه – هو جزء من سلسلة أطول من التدخلات العربية حول العيوب والإخفاقات في العلوم الاجتماعية في الوطن العربي، وهو اتجاه يستمر إلى يومنا هذا في المؤتمرات، وورش العمل، والصحف، وحتى في وسائل الإعلام والإنترنت والمدونات ومنتديات أخرى.

– 2 –

في هذا الكتاب، يمكن تلخيص عيوب علم الاجتماع العربي، كالتالي وفقاً لمنظور ممارسيها: فقر النظرية وعدم القدرة على توليدها، غياب مجتمع علم الاجتماع أو ضعفه، «حل المشكلة» والتوجه التطبيقي للعلوم الاجتماعية، أو ما يمكن للمرء أن يصفه بـ (مقاربة الهندسة الاجتماعية)، وما يتعلق بهيمنة العمل الاستشاري وتأثير وكالات التمويل الأجنبية وغياب علم الاجتماع العمومي (Public Sociology) وفشل الأكاديمية العربية في تنمية ثقافة البحث. وفي موضوع ذي صلة، عالجت عدة مقالات العوامل التي تستمر في تحديد إنتاج علم الاجتماع في العالم العربي، مثل الإرث الاستعماري، وبخاصة في شمال أفريقيا.

قبل استكشاف بعض الأفكار الرئيسة المشار اليها سابقاً، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن الكثير من المقالات تؤرخ للعلوم الاجتماعية، كما تقدم أمثلة صلبة عن التأثيرات التي تؤدي دوراً حاسماً في تشكيل ملامح العلوم الاجتماعية (بخاصة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا)، في نقاط مختلفة من مسارها التاريخي. كما هو متوقع، فإن الكثير من المقالات تسلط الضوء على تأثير حالة الاستعمار، وفي وقت لاحق في تحديث الدولة الوطنية، والجامعات الوطنية ما بعد الاستقلال.

– 3 –

في قسم بعنوان «أسئلة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا» تختبر عدة مساهمات الاسئلة الكبيرة التي تشغل التعليم والتحقيق الأنثروبولوجي. وتطرح مقالة بقلم محمد صالحي حول تحقيق سوسيولوجي وأنثروبولوجي في الدين والمقدّس في الجزائر أسئلة مهمة تنطبق على بلدان أخرى: كيف نبدأ بدراسة الدين في إطار سوسيولوجي بعيداً من تأثيرات أيديولوجية الدولة، و«تصحيح» تفسيرات الإسلام؟ كيف يمكن لسوسيولوجي، أو لأنثروبولوجي دراسة الممارسات الدينية سوسيولوجيا، واستخدام أدوات سوسيولوجية للتحليل؟

– 4 –

مقالة أخرى لساري حنفي تتناول غياب «علم اجتماع عمومي» مناسب، حيث أجندات البحث تتقرر من قبل ممولين خارجيين، وغير مرتبطة بالاهتمامات الفعلية للعاملين الاجتماعيين. كيف يمكن ان تكون عالِم اجتماع عام وناقداً، وتتغلب على العزلة في برج عاجي هو بالتأكيد اهتمام مشترك في معظم البلدان العربية ويستحق نقاشاً عاماً؟

– 5 –

محسن بوعزيزي، واحد من أكثر الباحثين الاجتماعيين إنتاجاً، يوبخ علم الاجتماع العربي على لغته وكتاباته المضجرة الخالية من الخيال، ويسأل ببلاغة ما إذا كان هناك شيء مثل الكتابات السوسيولوجية العربية أو لغتها، وما إذا كانت هذه اللغة متجذرةً فعلياً في الخبرة الاجتماعية للفاعلين. يستنتج بوعزيزي أن علم الاجتماع العربي لم ينتج مفهوماً واحداً أو مصطلحاً ذا صلة بجذوره الاجتماعية؛ وتهيمن عليه اللغة الذرائعية (أداتية) والغريبة عن المجتمع، متأثرة بالمفاهيم المشتقة من الخبرة الاجتماعية الغربية. برأيه، فإن هذا سبب عدم تمكن أي عالم اجتماع عربي من توقع الثورات العربية في السنوات الاخيرة.

– 6 –

فصل آخر للباحث المصري أحمد بدوي بعنوان «التكون العلمي لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا» يتألف من مقالة نقدية حول العوائق المؤسساتية والمعرفية أمام الأبحاث السوسيولوجية والأنثروبولوجية والتعليم في مصر والسودان. يستنتج بدوي أن تقاليد البحث الضعيفة، وقلّة النظرية، ونقص المنهجيات الصارمة أنتجت أعمالاً انطباعية ووصفية، تفتقر إلى التحليل القوي في مصر والسودان، على الرغم من أن البحث ما يزال مدفوعاً بتأثير عصر مؤسسيه الذهبي، تزداد المساومة عليه بالتأثيرات العقائدية (يحتمل أنها إسلامية).

في موضوع متصل، كان من الممكن أن يكون أكثر أهمية لو أن الكتاب قوّم الجهود المختلفة إزاء أسلمة علم الاجتماع في العالم العربي، وانعكاساتها على مستقبل آفاق مثل هذه الجهود.

باستثناء جزء قصير حول أسلمة العلوم الاجتماعية في الجزائر، وبعض الإشارات إلى التجربة السعودية في أسلمة مناهج علم الاجتماع في الجامعات السعودية بدءاً من السبعينيات، وإصلاح التعليم في الجامعات السودانية، وانتشار الفكر الإسلامي في الأردن، فإن الكتاب لم يشر إلى أن المبادرات الجامعية الإضافية الكثيرة، بما في ذلك مراكز الأبحاث، ومواقع الإنترنت والمدونات في الوطن العربي، مكرسة لأسلمة العلوم الاجتماعية.

– 7 –

بطريقة مماثلة، فإن الكتاب لم يتضمن التفكير في الآثار على تعليم العلوم الاجتماعية خلال زمن تزايد فيه الوعي الإسلامي بين طلاب الجامعات. أي أنّ أستاذاً علّم علم الاجتماع أو الأنثروبولوجيا أو علم النفس، أو أياً من العلوم الاجتماعية والإنسانيات لطلاب الجامعات في العالم العربي يعي جيداً اليوم تحديات الفكر الإسلامي للمفاهيم الأساسية والمنظورات النظرية المهيمنة. ولعل كيفية جري النقاش في الصف حول هذه الموضوعات المهمة، جدير بالدراسة.

في وقت تتزايد فيه الاختصاصات المتعددة في العلوم الاجتماعية، فإن الكتاب لم يتضمن تعليقاً على مستقبل الاختصاصات المتعددة في البحث والتعليم. هذا انعكاس لحقيقة أن برامج العلوم الاجتماعية الأكاديمية العربية يستمر تنظيمها على طول خطوط تعدد التخصصات التقليدية، مع استثناء بعض المعاهد والمراكز المنخرطة في بؤرة تخصصات متعددة أكثر اتساعاً (مثـلاً التحليل الاستراتيجي، أبحاث السياسات، التأييد). هذه المراكز يتم تمويلها أحياناً من قبل مصادر خارجية، ويكون البحث الناتج، بعامة، لا يشي بشيء.

ولم يتضمن الكتاب أيضاً نقاشاً حول مواضيع منهجية وأخلاقية في إجراء البحوث في ظل حالات قمع الدولة، ومراقبة الجامعات، والصراع الجاري حالياً على الأرض. هذا يمكن أن يكون مفهوماً مع نقص الحماية للحرية الأكاديمية في الكثير من البلدان العربية حالياً، وتردد الأكاديميين في جلب الاهتمام لأنفسهم. في الوقت نفسه، قد يكون مهماً رؤية علماء الاجتماع العرب يناضلون لاكتشاف التضاريس الخطرة للصراع الجاري على الأرض، في ظل حالات متغيرة وشديدة التقلب تؤثر في التحقيق الميداني، حول ديناميات حركات الاحتجاج وأعمالها.

– 8 –

في موضوع متصل، قد يكون مهماً معرفة ردود فعل علماء الاجتماع العرب على دورهم ك» مخبرين محليين» لجيش الباحثين العالميين، والصحافيين، والدارسين الذين ينظمون بانتظام جولات الجامعات العربية، ومراكز الأبحاث بحثاً عن معلومات وتحليلات عن السياسة العربية والمجتمع، وبخاصة في هذا الوقت من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

الموضوع الحساس للعلاقات بين علماء الاجتماع العرب والغربيين لم يتم التطرق إليه بأي تفصيل، وبخاصة طبيعة العلاقات غير المتساوية. هذا يستدعي إلى الذهن المقال الذي قُرئ بشكل واسع، لعالمة الاجتماع منى أباظة من الجامعة الأميركية في القاهرة، في ذروة الثورة المصرية عام 2011 وهو بعنوان «سياح أكاديميون يرتادون الربيع العربي»، وعلقت فيه على «الانقسام الأكاديمي الدولي المستمر حول العمل، حيث الانقسام بين ما يسمى «المنظرون» للشمال وبين «المخبرين» الذين هم أيضاً «مواضيع دراسة في الجنوب يستمر بالنمو».

فوق ذلك، فإن الكتاب دليل مفيد للمواضيع والمعضلات التي تواجه العلوم الاجتماعية في العالم العربي. وكان يمكن أن يكون مفيداً تضمين الكتاب منظور أنظمة أكثر في العلوم الاجتماعية، وبخاص علم السياسة، مع تزايد حجم البحث والكتابة التي ولّدها «الربيع العربي».