المؤلف: لجنة من المؤرخين المصريين

إشراف وتقديم: عادل غنيم

مراجعة: محمد حمود(**) 

الناشر: دار المعارف، القاهرة

سنة النشر: 2013

عدد الصفحات: 619

 

ـ 1 ـ

يتضمن الكتاب أبحاثاً قدمت في ندوة أقامتها الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالاشتراك مع المجلس الأعلى للثقافة في كانون الثاني/يناير عام 2008 بمناسبة مرور تسعين عاماً على مولد جمال عبد الناصر وعصره من عام 1918 إلى عام 1970.

ويبدو أن الجمعية كانت حريصة على إتاحة الفرصة لعرض ومناقشة كل الأبحاث التي تتحدث عن إيجابيات عبد الناصر وسلبياته، بما له، وما عليه، مما يضفي على الكتاب مسحة موضوعية، وإن كانت أغلبية الأبحاث أميَل إلى التعاطف مع عبد الناصر وتقدير إنجازاته. وهذا في رأيي أمر طبيعي، وبخاصة إذا قارنا بين أوضاعنا التي بدأت بالتروّي إثر غيابه ـ وهذا ما لاحظته الباحثة نهى عثمان عزمي في البحث الذي قدمته بالإنكليزية بعنوان «ناصر وأيلول الأسود 1970» ـ حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، والعز الذي عرفته الأمة في عهده على جميع المستويات العربية والأفريقية والإسلامية والعالمية.

يشتمل الكتاب على عشرين بحثاً وورقة باللغة العربية، وعلى قصيدتين شعريتين، وعلى بحث باللغة الإنكليزية.

تتناول هذه الأبحاث قضايا مختلفة مثل الدور الذي مثّله عبد الناصر على المستوى المصري الداخلي، وعلى المستوى العربي، وعلى المستوى الأفريقي، وعلى المستويين الإسلامي والعالمي. ولا شك في أن الترابط القائم بين هذه المستويات المختلفة، يجعل من عملية الفصل بينها مسألة في غاية الصعوبة، لكن منهجية البحث تقتضي ذلك. هذا مع التأكيد أن كل ما قام به عبد الناصر، ينطلق من فكرة راسخة في فكره وسلوكه وتوجهاته، وهو إيمانه الذي لا يتزعزع بأن العرب أمة واحدة وأن حلمه الحقيقي هو وحدة هذه الأمة. ومن الطبيعي أن نبدأ الحديث عن عبد الناصر «المصري» إذا جاز لنا استخدام مثل هذا التعبير.

ـ 2 ـ

يؤكد عاصم الدسوقي، بالاستناد إلى يوميات عبد الناصر في حرب فلسطين من المعارك إلى الانسحاب، أن هذه اليوميات «جاءت عفو الخاطر ومن واقع الألم» وأن التفاصيل الواردة فيها تثبت مدى صدق عبد الناصر وإنسانيته وإحساسه القومي، وأنه يشكو «القيادة الهزيلة التي تسببت بالمصائب»، ليخلص إلى التأكيد أن فكرة الإعداد للقيام بالثورة اختمرت تماماً في ذهن عبد الناصر بعد حصار الفالوجة بعشرة أيام…

قد يُغني البحث الذي قدّمه اللواء المتقاعد حمدي الشعراوي بعنوان «الصراعات التي فرضت على عبد الناصر» عن عدد من الأبحاث الأخرى لدقته وشموله وإيجازه؛ إذ يشير إلى ما حدث في الفالوجة وإلى المجازر التي ارتكبها الإنكليز قبل قيام الثورة، واضطراب الوضع السياسي (تغيير خمس وزارات في الأشهر الستة التي سبقت الثورة)، ويرى أن خطة عبد الناصر كانت تقوم على تحقيق المساواة بين البشر، والإصلاح الاجتماعي وتذويب الفوارق، والسيطرة على رأس المال والاحتكار.

ويعتبر أن معركة الجلاء كانت المعركة الأولى لعبد الناصر، وقد بدأها بتحريم الاتصال بالإنكليز، وإثارة العزة الشخصية لدى المواطن المصري، وتحريك الفدائيين لمهاجمة الجنود الإنكليز ومحاربتهم إعلامياً ونفسياً، رافعاً شعار «على الاستعمار أن يضع عصاه على كتفه ويرحل أو يقاتل حتى الموت». وقد حقق عبد الناصر هذا الهدف، وفي 13/6/1956 خرج آخر جندي بريطاني من مبنى البحرية في بور سعيد.

وكانت قضية تأميم قناة السويس حلماً مصرياً قديماً حققه عبد الناصر في 24 تموز/يوليو 1956، وهو ما أدى إلى قيام العدوان الثلاثي؛ ولنا إلى ذلك عودة.

في الشأن الاقتصادي، يرى عبد العزيز سليمان في بحثه التقييم الاقتصادي لثورة تموز/يوليو أن الاقتصاد المصري في أوائل الخمسينيات كان اقتصاداً متخلفاً، فجاءت الثورة لتهتم بالتصنيع، وتعالج مسألة تكدس الثروة في أيدي قلة؛ ولكنه يلاحظ في الوقت نفسه أنه لم يكن لدى الثورة نظرة متكاملة لإصلاح المجتمع، وهذا ما زاد من صعوبة تحقيق ما طمحت إليه.

ويلاحظ محمد عيسى أن القطاع الخاص كان في مرحلة ما قبل الثورة أقوى من القطاع العام، وأن النظام الافتصادي في مصر قبل عام 1952 كان بمنزلة نظام فرعي تابعٍ تبعية تامة داخل الاقتصاد الرأسمالي العالمي، باعتبار مصر شبه مستعمرة داخل الإمبراطورية البريطانية؛ أما بعد الثورة فقد عرف ثلاث مراحل:

ـ مرحلة الحرية الاقتصادية (1952 ـ 1956)

ـ مرحلة الاقتصاد الموجّه (1957 ـ 1960)

ـ مرحلة غلبة القطاع العام (1961 ـ 1971)

هذا وقد بدأ تمصير المؤسسات وإنشاء المؤسسة الاقتصادية والتصنيع وبداية التأميم منذ المرحلة الثانية.

أما علي نجيب فيرى في بحثه «ثورة يوليو والثورة المضادة» أن طموح الثورة إلى بناء اقتصاد وطني مستقل، ورغبتها في تحقيق مصالح الشعب العامل والعمال والفلاحين والمثقفين، حال بينها وبين تحقيق ذلك أن هذه الطبقات لم تكن في السلطة، وسهل على قوى الثورة المضادة المتمثلة بعبد الحكيم عامر والفساد الذي كان يحيط بالسلطة، وعلى السادات في ما بعد، بالانتفاض على مجمل الإنجازات الناصرية والقضاء عليها.

ويتوقف عبد الله عزباوي عند «مشروع ناصر الثقافي» فيرى أن عبد الناصر كان «مثقفاً ويهتم بنشر الثقافة»، وأن أهداف هذا المشروع تقوم على إعادة صوغ الوجدان المصري وتنشئة جيل من المصريين يؤمن بمبادىء الثورة، وأن تصبح الثقافة والفنون الراقية في متناول الجماهير، وأن تشارك جميع الفئات في إنتاج الثقافة.

ويتوقف هذا الباحث عند علاقة الثورة بالمثقفين والصحافة التي راوحت بين كرٍّ وفرٍّ، ليخلص إلى القول: إن ثورة يوليو فرضت قيوداً على العمل السياسي والفكر السياسي الذي يتناقض مع مشروعها، ولكنها تركت الجو الثقافي حراً بلا قيود أو ضغوط، لذلك ازدهرت في ظلها الفنون والآداب.

والواقع أن من يعدْ إلى المرحلة الناصرية يلاحظ ازدهاراً كبيراً في مجالات السينما والفن والآثار والأدب، بحيث يصعب إحصاء كبار الممثلين والفنانين والأدباء والشعراء الذين برزوا في المرحلة الناصرية، إضافة إلى إنشاء العديد من مؤسسات السينما والمسرح وإصدار السلاسل الأدبية والعلمية، والاهتمام بالموسيقى.

ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى التغيير الجذري الذي أصاب المناهج الدراسية في عهد عبد الناصر، وهذا ما ذكره زكي البحيري في بحثه «الاتجاهات القومية الوحدوية في المناهج المدرسية المصرية» إذ أخذت هذه المناهج تركز على القومية العربية ومقوماتها التاريخية واللغوية والحضارية، والعودة إلى التاريخ القديم لتبيان وحدة هذه الأمة، وشرح دور مصر في الثورات العربية، وتأكيد أهمية القضية الفلسطينية والوحدة العربية…

ـ 3 ـ

أما على الصعيد العربي، فمن المعروف أن عبد الناصر كان الزعيم العربي الذي اجتاح قلوب العرب في كل قطر عربي، لما مثّله من شموخ وقدّمه من تضحيات، بدءاً من حرب سنة 1948 وحتى وفاته عقب محاولاته إنهاء كارثة أيلول الأسود مروراً بعدوان 1956، والوحدة مع سورية، والأزمة اللبنانية، والثورة اليمنية، وحرب 1967، وأيلول الأسود سنة 1970…

تكمن أهمية معظم أبحاث هذا الكتاب في المراجع التي تعود إليها، إذ تكاد تكون صفحات المراجع التي يشار إليها لا تقل أهمية عما يرد في هذه الأبحاث.

يرى شعراوي ـ الذي سبقت الإشارة إلى بحثه ـ أن التأميم والجلاء وكسْر احتكار السلاح وضربات وجهها إلى للاستعمار، هو ما أدى إلى العدوان الثلاثي الذي بدأته إسرائيل في 29/10/1956 بالتواطؤ مع بريطانيا وفرنسا. ويرفض الباحث مقولة إن العدوان الثلاثي كان انتصاراً سياسياً وهزيمة عسكرية، ويراه انتصاراً بكل ما للكلمة من معنى مبيّناً ذلك بالوقائع.

وإلى مثل هذا يذهب نبيل الطوخي في بحثه «حرب 1956: شهادة إسرائيلية»؛ مستنداً إلى كتابات موشي ديان وغولدا مائير وإسحاق رابين، الذي رأى أن إسرائيل لم تربح الحرب ضد مصر ويقول: «إن عملية سيناء سنة 1956 لم تضر بهيبة مصر وزعيمها عبد الناصر، فقد جمع عبد الناصر هيبة سياسية وشخصية، ومهد الطريق لتقويض مواقف الغرب في الشرق الأوسط».

«كان هناك انتصاران في سيناء: انتصار إسرائيلي (تعزيز فكرة الردع الإسرائيلية، تأكيد كفاءة إسرائيل العسكرية)؛ وانتصار مصري، بينما كان هناك مهزومان: بريطانيا وفرنسا».

وفي ما يتعلق بالأزمة اللبنانية يبين محمد عبد الوهاب سيد أحمد في بحثه «الأزمة اللبنانية 1957 ـ 1958 وموقف عبد الناصر» مدى محاولة الغرب وإسرائيل بالتعاون مع بعض الأنظمة العربية والإقليمية العمل للقضاء على عبد الناصر والخط القومي الذي يمثله. وبعد أن يبين مدى خطورة ما أقدم عليه رئيس الجمهورية اللبنانية يومذاك كميل شمعون، يخلص إلى حقيقتين لا تزالان ثابتتين: أوضحت الأزمة اللبنانية يومذاك أن أزمات لبنان برغم مظهرها الداخلي، إلا أن ارتباطها بالقوى الخارجية يؤدي دوراً واضحاً في تشكيلها.

كما أن هذه الأزمة كشفت عن عجز النظم المحافظة عن حماية نفسها دون دعم خارجي، وأثبتت أن التيار القومي هو القادر على احتواء الأزمات وتفويت الفرصة على كل القوى سواء كانت من الشرق أو من الغرب.

ويتحدث فوزي أسعد نفيطي عن «دور عبد الناصر في تحرير شبه الجزيرة العربية وتنميتها» مركزاً على دوره في دفع حركة الإصلاح في السعودية، ودوره في تثبيت ثورة أيلول/سبتمبر في شمال اليمن، ودعم ثورة تشرين الأول/أكتوبر في جنوبه ضد الإنكليز، ودوره في تحرير الخليج من السيطرة الإنكليزية وتنمية مجتمعاته.

يقول عبد العزيز المقالح: «سوف يبقى عبد الناصر علامة فاصلة بين عهدين: الماضي بما يعيشه بين جوانبه من تخلّف وفوضى وإرهاب، والحاضر بما يحفل به من احتمالات التقدم والأمل».

ويقول أحد شيوخ النفط «… بعد ثورة يوليو عرفنا المناصفة في الأرباح وأصبحنا أحراراً في إنفاقها، وبريطانيا اليوم هي التي ترعى خواطرنا لأن صوت العرب بالمرصاد».

عملت هذه الهجمة الناصرية على الاستعمار وحلفائه العرب والإقليميين على تشجيع إسرائيل على القيام بعدوان 1967؛ ورغم الهزيمة القاسية الناجمة عن هذا العدوان، يقول اللواء الشعراوي: «عقب الهزيمة كثر الإلحاح على عقولنا حتى قلنا هُزمنا في حرب بينما هي بجميع المقاييس معركة. قال عبد الناصر الاستراتيجي والسياسي العبقري أيضاً: إذا كنا خسرنا معركة فلم نخسر الحرب. إن ما اُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة».

ويحمّل هذا الباحث القسم الكبير من المسؤولية عن هذه الكارثة لعبد الحكيم عامر والبطانة الفاسدة المحيطة به، ليتحدث بعد ذلك عن كيفية بدء عبد الناصر الإعداد للمعركة التالية.

وعن «عبد الناصر وأيلول الأسود» (بحث باللغة الإنكليزية) تؤكد الباحثة أن عبد الناصر أمضى حياته يعمل في سبيل الوحدة العربية، وأنه بعد سنة 1967 أخذ يُعدّ جيشه للمعركة التالية، وتبين مدى الأسى الذي عاناه من انهيار العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، وكيفية دخول الغرب وإسرائيل على خط هذه الأزمة، وكيف أن مصر أثبتت أنها الوحيدة المؤهلة للقيام بدور إيجابي، كاشفة عن حكمة عبد الناصر وصدقه في التعامل مع هذه الأزمة، مبينة كيف أن المشروع الغربي ـ الإسرائيلي أخذ دربه إلى التنفيذ السريع إثر غياب عبد الناصر، وهذا في رأيي على الأقل ما يؤكده الواقع الراهن.

من اللافت حقاً خلوّ هذا المؤتمر من أبحاث تتناول مسألة الوحدة مع سورية، والعلاقات مع العراق بعد ثورة 1958، والكشف عن الدعم الكبير الذي قدمه عبد الناصر للثورة الجزائرية؛ هذا الدعم الذي زاد من حدة حقد فرنسا على عبد الناصر، وقد يسهل فهم هذا الأمر لأن هذا الكتاب ليس تأريخاً للمرحلة الناصرية بكل أبعادها وانجازاتها.

ـ 4 ـ

مصر دولة أفريقية كبرى، وبالتالي أكاد أقول إن زعامة عبد الناصر الأفريقية لم تكن أقل من زعامته العربية. لقب عبد الناصر «مفجر الثورة الأفريقية». يشير إبراهيم جلال أحمد في بحثه «الوحدة الأفريقية في فكر عبد الناصر» إلى أن عبد الناصر زرع في كل أفريقي الإحساس بالعزة والكرامة، وأنه أدرج أفريقيا ضمن الدوائر الثلاث الخاصة بالسياسة المصرية العربية والإسلامية والأفريقية، وأنه يرى أن ما يوحد الأفارقة هو محاربة الاستعمار، ومناهضة التفرقة العنصرية، والتصَدي لسياسة الأحلاف، ومعاداة الصهيونية باعتبارها حركة عدوانية وعنصرية؛ من هنا مساندة عبد الناصر لحركات التحرر الأفريقية بدءاً من المغرب وتونس والجزائر وصولاً إلى كينيا ونيجيريا وغانا والكاميرون.

هذا وقد تزعمت مصر أو شاركت في أغلبية المؤتمرات التي تناولت الشأن الأفريقي مدافعة باستمرار عن حرية شعوب القارة السوداء في تقرير مصيرها وتَخَلصها من التبعية للأجنبي.

كما أولت مصر الناصرية اهتماماً كبيراً بالشأن الاقتصادي الأفريقي، وزودت الدول الأفريقية بالخبراء في المجالين العلمي والثقافي، وأحياناً في المجال العسكري.

والواقع أن عبد الناصر «انتبه وهو في آسيا إلى أهمية تمثيله لأفريقيا»، فعمل أول ما عمل على «إفشال مشروع حلف الدفاع الأفريقي 1951 ـ 1958»؛ وهذا ما بينه أحمد عبد الدايم محمد حسين من خلال «دراسته الوثائقية» وينقل عن عبد الناصر قوله: «بإننا لا نستطيع بحال من الأحوال ـ حتى لو أردنا ـ أن نقف بمعزل عن الصراع الدامي المخيف الذي يدور اليوم في أفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومائتي مليون من الأفريقيين» وقوله: «الرجل الأبيض الذي يمثل عدو دول أوروبية يحاول إعادة تقسيم خريطتها (أفريقيا) ولا نستطيع بحال من الأحوال أن نقف أمام الذي يجري في أفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا ولا يعنينا». وهكذا قام بإنشاء اللجنة المصرية العليا للإشراف على الشؤون الأفريقية (كانون الثاني/يناير 1956).

ويتحدث حلمي شعراوي في بحثه: «القيادة وآليات العمل الأفريقي في الفترة الناصرية» عن أبرز إنجازات عبد الناصر الأفريقية التي عبرت عن نفسها في العديد من التجليات منها:

ـ عقد مؤتمر تضامن الشعوب الأفريقية 26/12/1957 ـ 1/1/1958.

ـ وعقد مؤتمر حركات التحرير الأفريقية، وقيام منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، والاهتمام بالحركات الثقافية والتعليمية وتنامي العلاقات الاقتصادية.

مهما يكن من أمر، فإن الناظر إلى خريطة أفريقيا والدول التي كانت مستقلة فيها قبل قيام الثورة الناصرية، وعدد هذه الدول بعد قيام الثورة، يدرك إلى أي حد ساهمت الثورة الناصرية في تحرير دول أفريقيا.

وهنا أيضاً من الملفت غياب بحث مستقل عن البعد العالمي للناصرية المتمثل بمؤتمر باندونغ وحركة عدم الانحياز، وإن كانت قد تمت الإشارة إليها في ثنايا العديد من الأبحاث.

بقي أن نشير إلى موقف مميز لعبد الناصر من المسألة الكردية ذكره رجائي فايد في ورقته «عبد الناصر والأزمة الكردية» دعا إلى إعطائهم حكماً ذاتياً من دون أن يؤثر ذلك في وحدة وسلامة الأراضي العراقية. وهذا ما جعل البرلمان الكردستاني في عام 2000 يكرم عدداً من الشخصيات الذين تفهموا قضيتهم من بينهم عبد الناصر.

كما كان عبد الناصر يرى ضرورة أن تأخذ المرأة فرصتها الكاملة لمشاركة الرجل في بناء الوطن، وأن يتوافر لها المناخ الملائم لهذه المشاركة («المرأة في حياة عبد الناصر»، د. عبد المنعم الجميعي).

وطريف حقاً أن يقدم المشرف على هذا الكتاب ـ الذي قدّم له عادل غنيم ـ «الوجه الآخر لجمال عبد الناصر» فإذا به يراه يقوم على «مواقف سلبية قام بها تخلصاً من عدو أو إنقاذاً لموقف أو تبريراً لإجراء… وهي مواقف غير مشروعة وغير إنسانية وغير مبررة قانونياً (معاملة محمد نجيب وكمال الدين حسين، وعبد اللطيف البغدادي… الاصطدام مع الإخوان والشيوعيين، القيام ببعض الاغتيالات، اتهامه بتدبير انفجارات للحد دون اندفاع الناس نحو الديمقراطية.. صياغة تاريخ الأمة بطريقة غير موضوعية…). ولكن هذا الباحث يلاحظ أن جميع هذه السلبيات حصلت بين عامي 1952 و1956 أي في البدايات… والواقع أن الحاكم مهما بلغ من الحنكة والحكمة والدراية لا يمكنه الإحاطة بكل ما يحدث من حوله، ويكفي أن نشير إلى أن عبد الناصر ـ رغم عظمته ـ لم نجد ما نقوله عنه سوى ذلك لنعرف أي صنف من القادة كان؛ أوَلم يقل الشاعر:

ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها

كفى المرء نبلاً أن تعد معايبـــــه

لا شك في أن هذا الكتاب يقدم للقارئ العربي صورة عن عبد الناصر يجهل تفاصيلها في ما يتعلق بالشأن المصري الداخلي، والشأن العربي في ما يخص أزمات غاية في الأهمية (اليمن والخليج العربي عموماً، والأزمة اللبنانية سنة 1958، ومأساة أيلول الأسود 1970…) والشأن الأفريقي، بخاصة، حيث يغيب عن كثيرين أهمية ما قام به هذا الزعيم في المجال الأفريقي، كما أنه في المراجع التي استندت إليها أغلبية الأبحاث يقدم مادة تسهل على الباحثين تناول تاريخ تلك المرحلة.