يفيد هذا الكتاب – كما يأتي في تعريفه – أن الإنسان العربي يحلم بالديمقراطية بوصفها أرقى تجليات الرؤى السياسية، تصبو إليها كل خطابات الحرية ومعظم مسيرات التحرر، لكن هذا الإنسان لا يعي أبعاد ما يتوق إليه، إذ ينادي بالتحرر ويطالب بالديمقراطية، من جهة، وفي الوقت نفسه يتمسك بالأدبيات العقائدية التي تكفِّر أو على الأقل تتعارض والقيم الديمقراطية، من جهة أخرى.

وعليه، يهتف هذا الإنسان بمفردات حقوقية مصدرها التراث الحداثي، بينما يغرق في مستنقع وعي سلفي يشده إلى الرؤى الاستعبادية والاستبدادية. وهو بينما يشيد بالمخرجات والقيم التنويرية، من ناحية، لا يتردد في توجيه النقد للثقافة التنويرية بوصفها تغريباً وغزوا فكرياً وتوطئة للكفر والإلحاد، من ناحية أخرى. وبينما تشد هذا الإنسان قوة داخلية تعظم صفات البطش وازدراء التسامح استناداً إلى مقولة «خير لك أن تكون ظالماً مرهوباً من أن تكون مظلوماً مرحوماً…»، تتجاذبه في الوقت نفسه قيم خارجية – مصدرها الغرب – تدعوه إلى مزيد من التحرر والتقدم باتجاه الديمقراطية.

ولا يغفل الكتاب «انتفاضات الربيع العربي» التي لم تحقق أي شيء من الديمقراطية كما كان متوقعاً منها بعد أن أسقطها عراّبو شعارات الديمقراطية في أكثر من بلد عربي. ويعزو فشل الربيع العربي في تحقيق الديمقراطية في جزء منه إلى هذا الصراع والتجاذب بين العقل المضمر المتمسك بالتراث وقيم الحداثة الوافدة من الخارج.

والواقع، من الصعوبة بمكان إنكار أو تجاهل مثل هذا الصراع، لكن هناك محاذير من تعميمه أو تحميله مسؤولية كل فشل في تحقيق الديمقراطية، وبخاصة على مستوى الوعي الشعبي؛ إذ إن الشعوب العربية تواقة إلى الديمقراطية رغم وجود فرضية تمسكها بالتراث الذي لا يخلو من قيم الإنسانية بما فيها الديمقراطية، إلا في حالة الإساءة إلى مضمون هذا التراث كما يحلو للمغالين والمتطرفين. وعلى مستوى الحكام العرب، قد تجوز العودة إلى البحث في مقولة «لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين» لتحديد مسؤولية الفشل إلى الانتقال الديمقراطي، ناهيك بالتدخلات الخارجية المتكالبة على الحفاظ على مصالحها وتأمين هيمنتها على المنطقة إلى أجل غير مسمى.