مقدمة:
إن القارة الأفريقية في ظـل الانعكاسات الدولية المتسـارعة قد أصبحت تعاني مشكلة صعبة تتمثل بعدم قدرة النظم السياسية الحاكمة في القارة الأفريقية على تحديد الاتجاه المطلوب في عمليات الممارسة السياسية. الأمر الذي سبب في وقوع تلك النظم السياسية الأفريقية في مشكلتين رئيسيتين. المشكلة الأولى تعرف بالضغوط الاقتصادية. والمشكلة الثانية تعرف بالديون الخارجية وتبعاتها المتمثلة باحتياجات التنمية المستدامة والتكنولوجيا إلى التضخم وارتفاع الأسعار وصولًا إلى الضغوط الخارجية. إلا أن هناك دراسات سياسية تضيف مشكلة ثالثة تعيشها القارة الأفريقية تتمثل بالخلاف حول الفلسفات والنظريات الامثل للخروج بالقارة الأفريقية من معظم ازماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية فبعض دول القارة الأفريقية فقدت تماما السيطرة أو الاختيار الرشيد للنظرية السياسية الملائمة لطبيعتها (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية) وبالتالي فقدت الفكر والهوية والموقف والاتجاه كما اختلطت على سياساتها العامة الرؤى والأفكار المعقدة والمتشابكة. وبالتالي ظلت على جمود أفكار الماضي دون تغيير الحاضر مما ساهم بإصابتها فعليًا بما يعرف اليوم بمصطلح التخلف الفكري. أما بعض البلدان الأفريقية الأخرى فقد فضّلت أن ترث نظامًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا مستوردًا من البلدان الأوروبية وبخاصة الاستعمارية منها أي اقتباس شكل نظام سياسي أجنبي معين واعتبروا ذلك أمرًا شرعيًا (حتميًا) بل وأصبح الخلاف ينحصر في ماهية النظام الأجنبي الأمثل الذي يجب أن يقتبس منه ذلك النمط السياسي.
وبناءً على ذلك فقد ساهمت الأنظمة السياسية الأجنبية (المستوردة) في هبوط مستوى الكفاءة والجدارة والقدرة على إثبات الذات حيث انعكس هذا الحال على عملية الرقابة بحيث أصبحت غير فعالة، بل إن المشكلة قد تفاقمت إلى درجة تكوين تلك النظم السياسية برلمانات لا تمثل الشعب بكل أطيافه الاجتماعية. كما ترسب في الوجدان الأفريقي مسألة بالغة الأهمية متمثلة بأن قضية تزوير الانتخابات الحكومية قد أصبحت سمة أساسية في تاريخ التداول السلمي للسلطة في داخل القارة الأفريقية. مع مراعاة أن المجتمعات الأفريقية قد مارست العديد من التجارب السياسية وفق أنظمة حكم ذات خصائص محددة ووفق قواعد فلسفية مثلت في مجملها عرفًا في عمليات الحكم والسياسة في غياب مقومات الدولة الوطنية العصرية. إضافة إلى غياب الدراسات السياسية الأفريقية وضياع الذاكرة الأفريقية التي كانت تسجل تلك الأشكال والنماذج السياسية من مؤسسات للحكم ومؤسسات للحياة الاجتماعية، ومؤسسات للحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية كونها نقطة تغير في مسارات إثبات الثقافة السياسية الأفريقية أمام الثقافات السياسية الأجنبية الاخرى. كما يمكن التأكيد على حقيقة الذات السياسي الأفريقي كمؤسسات تقليدية يغلب عليها طابع البدائية (القبلي) من خلال دراسات علوم الإنسان وتاريخ الأديان والرحالة وحركات الاستكشاف وكذلك تاريخ استعمار القارة الأفريقية في حين هناك تراث ودساتير وشرائع غير مكتوبة أفرزت حضارة شفهية وغير مكتوبة وسجلت تقدمًا ملموسًا في صنع أفكار سياسية تمتاز بخصوصيتها وأقدميتها في أرجاء القارة الأفريقية عن سائر التجارب السياسية الوافدة للقارة الأفريقية.
ويبدو واضحًا أن هذه الفلسفات السياسية قد انتعشت في معظم الممالك الأفريقية القديمة إلى يومنا هذا. وهو ما يتضح في رفض الثقافة الأفريقية للظاهرة الاستعمارية والاحتلال العسكري وعدم الاستقرار السياسي ورفض أنماط الحياتية التي فرضت على الثقافة السياسية الأفريقية بفعل توابع الظاهرة السياسية حيث تتضح هذه الحقيقة في هجرات شعب البانتو الذي يتنقل عبر جبال أفريقيا الوسطى إلى شعب الهامتيك مهاجرًا ومتنقلًا إلى شرق قارة أفريقيا حيث يكوّن مجتمعات جديدة ويؤسس أنماط السياسة ومؤسساته التي يحتاجها وفق ما تقتضيه الحاجــة والمكان والزمان. فالقارة الأفريقية كانت فضاءً سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا وثقافيًا مفتوحًا وبدون حدود حيث كانت القبائل الأفريقية كافة تختار الفضاء الذي يحقق لها فعليًا الاستقرار والعيش في عدل ومساواة وطمأنينة.
لقد كانت القبــائل الأفريقية بهذه الآليات تؤسس لمفاهيم الديمقراطية المباشرة لإدارة شؤونها بدون الإعــلان عنها فكانت هناك مؤسسة سياسية “اجتماعية” تعرف باسم “الجيرونتوقراطية الأفريقية العريقة” وهي أول مؤسسة للديمقراطية وممارسة الحكم والسلطة في التاريخ السياسي الأفريقي، ألا وهي حكم الشيوخ أو حكم الكبار ذوي الحكمة والخبرة والتي نطلق عليها في الزمن المعاصر بمصطلح يعرف باسم الحكومــة الرشــيدة حيث كانت النماذج السياسية الأفريقية بمثابة تعبير على المضمون الفلسفي السياسي ومؤشــر للقيم الاجتماعية السائدة في تلك الفترة والتي أسست فعليًا أنظمتها السياسية وشكلت بذلك القيم السياسية للجماعة الأفريقية.
ومن خلال العلاقة بين النسب وصلة القربى والسلطة السياسية استنبطت دراسته ثلاثة نماذج للأنظمة السياسية الأفريقية الممثلة لحقيقة العمل الجماعي وعلاقات النسب والقرابة وهي:
- جماعات فرق الصيد.
- مجتمعات النسب والقربى المنفصلة.
- الدول البدائية.
فالنموذج الأول – جماعات فرق الصيد – يتمثل في قبائل الكونغ والبير قاداما وقبائل الموبوتي حيث المركز السياسي للأفراد يعتمد على طبيعة النسب والقربى، أما النموذج الثاني فيتمثل بقبائل موسى، اللو، الأيبو في جمهورية نيجيريا الحالية وكذلك قبائل النيور، تالاينزي، الناندي. أما النموذج الثالث فيتمثل بتجربة قبائل: الزولو، البمبا، أشانتي، البوقندا.
ووفق النماذج الثلاثة الرئيسية يمكن الاستدلال على الحقائق التالية:
- إن طبيعـة العمل السياسي والإداري مرتبطة في حكم المجتمعات الأفريقية القديمة.
- مستوى التنظيم والتنفيذ يشمل مسألة اتخاذ القرار والبرامج اليومية والحاجات الأساسية.
- الارتباط المنهجي المتوافق ما بين السلطة والعمل السياسي تجاه العمل الإداري المتسلسل لإدارة الشؤون العامة.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن أسلوب “الجيرنتوقراطي” يعَدّ هو الأسلوب الرئيسي في عمليات صنع كل القرارات السياسية والإدارية وخصوصًا في شؤون إدارة الحرب والسلم.
كما يمكن القول أن هناك دراسات أنثروبولوجيا مهتمة بالحضارة الأفريقية ذهبت إلى التقليل من الأهمية لمفهوم التعددية السياسية للأنظمة السياسية الأفريقية التقليدية قد استندت في منطوقها السياسي إلى أن الموجود في قارة أفريقيا ليس بتلك التعددية في عمليات السياسة والحكم وإدارة شؤون السلطة والدولة من خلال أنظمة تعرف بأنظمة “الجماعة الإنسانية” وأساليبها في الديمقراطية الاجتماعية المباشرة. وفضلت تلك الدراسات الأنثروبولوجيا التصنيف الثقافي وخصوصًا المعيار اللغوي والثقافي لوصف تلك الأشكال السياسية الأفريقية والمتمثلة بالتالي:
- ثقافة الكواجيان.
- ثقافة الرعاع في شرق أفريقيا.
- ثقافة قبائل أوغندا وجنوب السودان.
- ثقافة شرق السودان.
- ثقافة ولغات الكونغو.
- ثقافة ولغات سواحل غينيا.
وفي المقابل تؤكد دراسات الأنثروبولوجيا أن المجتمعات الأفريقية تعتمد أساسًا في حياتها السياسية على التدرج الاجتماعي وروابط النسب والقربى بالدم بدون تحليل المكونات القاعدية لأنظمتها السياسية المميزة لتلك المجتمعات الأفريقية. والاتجاه الآخر نجده يتجاهل طبيعة التعددية والتنوع لأشكال الحكم والسياسة في بلدان قارة أفريقيا حيث شددت على نماذج وسائل جمع الغذاء إضافة إلى البنـاء الاجتماعي سواء العشائري أو القبلي أو الشعوبي، وذلك من خلال التصنيف التعددي الاجتماعي التالي:
حضارة البو: وهي جماعات صغيرة مثل فرق الصيد المنتشرة بين عشائر الهبوتو، الكونغ، الناريم.
حضارة المقايضة: وهي جماعات الكيسي، والمونغو، وعشائر الهمبا.
حضارة الحنطة والغلال: وهي جماعات قبائل الكوبا، واللوبا، والكونغو، والبمبا، واللوزي.
حضارة الرماح: وهي جماعات الزولو، أنكولا، وموسى، النيور، وقبائل الكيوكيو.
حضارة المدن: وهي متمثلة في حضارة مدن ياروبا، الأشانتي، وحضارة الداهومي.
أولًا: انتشار القوة السياسية
لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن أبــرز النماذج السياسية الأفريقية تجاه ممارسة العمل السياسي بالأسلوب الديمقراطي في التالي:
1- نموذج حكم الفرقة
أ- مكوناته
إن قبائل كل من “الجي الاوغندية، أناقوتا النيجيرية، تاوا في رواندا، المبوتو زائير، عشائر الكونغ في صحراء كلهاري، قبائل تنديقا وباهي في تنزانيا” حيث كل جماعة تتكون من مجموع لا يتجاوز عشرة أشخاص، العلاقات السياسية كانت تمارس في ظل حدود موحدة مبنية على علاقات الدم (القربى).
ب- آلية العمل السياسي
- تؤخذ القرارات بشكل ميداني مباشر من قبل مجموعة “الجيرو تيوقراطية” أي كبار السن من الذكور.
- الممارسة السياسية تتوزع وفق طبقات العمر والجنس.
- يمارس العمل السياسي بشكل شبه دوري وفي حالات محددة مثل الأزمات والطوارئ.
2- نموذج الأنظمة المجزئة التقليدية
أ- مكوناته
ان هذا المجتمع يتكون من جماعات أفريقية ذات اعداد كبيرة من حيث الحجم والنطاق وطبيعة التفاعل وطبيعة العلاقة ما بين السلطة السياسية وأفراد الجماعات تمتاز بالشمولية.
ب- آلية العمل السياسي
(1) تقسيم هذه الوحدة الاجتماعية على وحدات صغيرة قاعدتها الرابط العشائري.
(2) وجود فكرة الضمان والتعويض كانت قائمة في حل الخلافات بأبعاد ذات مضمون إنساني قانوني.
(3) كل عشيرة لها قائد من كبار السن أو مجموعة قادة من كبار السن.
(4) الحقائب التنفيذية يتم توزيعها عبر الاختيار المباشر وفي الهواء الطلق أو تكون موروثة بحكم الأعراف في بعض الأحيان.
3- نموذج النظام المجزأ الشامل
أ- مكوناته
يتكون هذا النموذج على غرار النماذج السابقة من حيث وجود جماعات أفريقية متعددة متشابهة في الثقافات والعوامل الاجتماعية. وتمتاز العلاقات ما بين السلطة السياسية وأفراد الجماعات بطابع الشمولية.
ب- آلية العمل السياسي
لكل قطــاع شخصية “اجتماعية” كيانها السياسي المنظم لشؤونها السياسية الخاصة بها. في هذا النظام لكل شعب إقليم وليس بالضرورة محددًا بعلاقات النسب والقربى بل من خلال انتشار المؤسسات حسب طبقات العمر والانتقال من قطاع إلى قطاع آخر لممارسة العملية السياسية. إضافة إلى وجـود قادة لأداء مهمة محددة داخل المجتمع وهو ما يعرف في يومنا هذا بعنصر “التخصص” بمعنى أن النظام مجزأ الشامل يتيح فرصة ممارسة النشاط وفق القدرة والإمكانات والاستعداد الذي من خلاله يتحقق الإنجاز تجاه العمل. وكذلك وجود مكتب يعرف “مكتب رسول الحرب” (The Office Prophet of War) وشاغله يمثل أعلى المهام لتوسطه القوة السياسية والقوة الدينية. ولعل أبرز مهامه تتمثل بتحديد الوقت المناسب للذهاب للحرب وتحديد السياسات العامة ومضامينها وتطبيقها في الوقت المناسب لها.
4- نموذج النظام المجزأ التدرجي الروحي
أ- مكوناته
إن هذا النموذج يتفق في جانبه الاجتماعي مع النماذج السابقة من حيث المكون. باعتبار أن الجماعات البشرية ذات الأعداد الكبيرة وذات الثقافة المتقاربة تتشابه في الجانب السلطوي والفردي “الإنساني”. فهذا النموذج السياسي يؤكد أنه بالرغم من تجزؤ الجماعات الأفريقية وفق خصائصها الاجتماعية والسياسية المميزة لها. إلا أن ذلك لا يؤدى بالضرورة إلى التصادم أو النزاع أو الحرب.
ب- آلية العمل السياسي
– وجود مكاتب دينية مقدسة إلى دوائر إلى جانب السلطة الدنيوية من أجل إحداث توازن سياسي داخل الجماعة الأفريقية.
– وجود أماكن وأشياء معينة محددة كدور للعبادة والتفاعل السياسي.
– القائد الديني بمثابة رمز للوحدة القومية وهو الحاكم الفعلي للجماعة في المناسبات الدينية والروحية إلا إنه لا يتمتع بسلطة سياسية.
5- نموذج القرية الذاتي والمستقل
أ- مكوناته
وهو عبارة عن مجمــوعة قبــائل أفريقية تشكل فيما بينها شكلًا اجتماعيًا يعرف بـ “نظام القرية” حيث تتبادل فيه مجموعة القبائل النشاطات التجارية في ظل ثقافة ولغة مشتركة في ظل غياب سلطة مركزية “سياسية” إلا أنها في مجملها تمثل نموذجًا مصغرًا لما يعرف اليوم باسم الدولة المستقلة ذات الحكم الذاتي.
ب- آلية العمل السياسي
تختار بعض المجموعات أشكال سياسية متعددة مثل الشكل “الجمهوري، حكومة جمهورية” كنظم قيادية داخل المجموعة الأفريقية. ويمتاز هذا النموذج بتواجده داخل إقليم جغرافي محدد نظرًا إلى خصوصية بيئة الحياة في تلك المناطق التي تعتمد على التجارة والحرب. لذلك تمتاز العمليات السياسية بالحراك السياسي والاجتماعي المستمرين.
مع مراعاة وجود دراسات علمية ساهمت بدورها في إثبات حقيقة أشكال الممارسات السياسية الأفريقية وفق طبيعة وإمكانيات الفلسفات العامة التي تميزت بها المجموعات الأفريقية فيما بينها وبين بقية الجماعات الإنسانية الأخرى من خارج حدود القارة الأفريقية.
ثانيًا: أثر الظاهرة الاستعمارية في النظم المؤسسية الأفريقية المعاصرة
1- إشكالية المشاركة السياسية النيابية في النظم السياسية المعاصرة
إن مفهوم المشاركة السياسية في حد ذاته داخل إطاره العام يعني “مجموعة الممارسات التي يقوم بها الأفراد من أجل تحقيق درجة أمثل في عمليات صنع وتنفيذ ورقابة وتقييم القرارات السياسية من خلال اشتراكهم اشتراكًا خاليًا من أشكال الضغط كافة”.
وبناءً على ذلك فإن هذا المفهوم يشير إلى حق المواطــن في المشاركة أثناء صنع القرارات السياسية. والمشاركة بهذا المعنى تختلف اختلافًا ملحوظًا عن مفاهيم إجرائية أخرى على غرار مفهوم الاهتمام ومفهوم التفاعل ومفهوم التجاوب.
كما تمثل عمليات المشاركة في صنع القرارات السياسية داخل المجتمع عنصرًا مميزًا للحكم الديمقراطي. وتتجسد هذه الحقيقة من خلال عمل الحكومات الديمقراطية على توسيع نطاق المشاركة السياسية لغرض دعم شرعيتها، والذي بدوره يساعدها على إثبات حقيقة وجودها على قمة الهرم السياسي للدولة. حيث اعتُبرت مسألة المشاركة السياسية مجرد أداة لممارسة السلطة حتى تكون شرعية.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن أهــم الطرق التي تستخدمها المشــاركة السياسية عن النظم السياسية التي لا تأخذ بالديمقراطية المباشرة مثل النظم النيابيــة التي تقوم على فكرة التمثيل النيابي تتمثل بالوسائل الأساسية التالية:
أسلوب الانتخابات لأعضاء الهيئة الحاكمة بمعناها الواسع: وهذا الأسلوب يتم تطبيقه في فترات دورية تحت تأثير حملات انتخابية تؤثر في سلوك الفرد الانتخابي.
أسلوب الاستفتاء: وهو نوع من أنواع الانتخابات إلا أنه محدود أحيانًا بموضوع معين أو شخص معين.
حرية تكوين الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والنقابات والجمعيات: وهذه التنظيمات تتم دائمًا في الإطار القانوني. ويحاول الأفراد المشاركة في السلطة أو التأثير فيها من طريق تشكيل مثل هذه التنظيمات السياسية.
وسائل الإعلام: سواء أكانت صحافة أو إذاعة أو هاتفًا أو غيرها فيحاول الأفراد التعبير عن آرائهم وأفكارهم حول المشاركة المختلفة من خلال هذه الوسائل السالفة الذكر.
أما في ما يخص المشاركة السياسية في قارة أفريقيا بصفة خاصة فيمكن القول أن هناك في الغالب مواجهة حادة وواضحة بين شعوب القارة الأفريقية وبين الذين يطالبون بمشاركة أكبر في الحياة والمصير العام لدولهم، بمعنى آخر بين شعوب القارة الأفريقية وبين الذين يرفضون تسليم السلطة أو حتى مجرد قبول مشاركة الآخرين فيها.
ويجب التذكير أن واقع النظم النيابية الغربية داخل القارة الأفريقية قد أوجد نوعًا من الاغتراب السياسي كونها ترى في نفسها بديلًا من مجتمعاتها الأصلية. على الرغم من التفاوت “المكاني، النفسي، العملي” الذي يفصل بينها، وهذا يعنى “قزمية” تلك الشعوب في نظر تلك الأنظمة السياسية وهذا بدوره يؤدي إلى عدم قدرة النظم السياسية الأفريقية على صنع القرارات بسبب غياب فاعلية المشاركة السياسية نتيجة الاغتراب بين تلك المجتمعات الأفريقية ونظمها السياسية القائمة بداخلها. ومن جانب آخر فإن النظم السياسية النيابية الحاكمة في بلدان القارة الأفريقية. تهدف بالدرجة الاولى إلى الحفاظ على السلطة بأي طريقة ولأطول مدة زمنية ممكنة بحيث يؤدي ذلك إلى تطويق كل محاولة لظهور أو نشأة البدائل السياسية الممكنة في ذلك “الوقت، المكان” وبالتالي ترى تلك النظم السياسية النيابية “المستوردة” أن كل الأفراد أو كل الحركات المجتمعية الشرعية الداعية بإعطاء المواطنين الحق في المشاركة هم أعداء النظام السياسي”.
كما يمكن الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية متمثلة بأن النظام السياسي يجبر هذه الحركات الشرعية على الوقوف أمامه في حالة صراع سياسي (The Political Conflict of Study) مستمر. علمًا بأن وجودها في الأساس هو وجود تعاون يهدف إلى بناء القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية والحيلولة دون وقوع ذلك الصراع السياسي. الأمر الذي ينعكس على شرعية النظام السياسي نفسه بما فيه من مؤسسات شرعية تمثل المجتمع بدلًا من تمثيل نفسه. بذلك يتضح مقدار حجم المشاركة السياسية في القارة الأفريقية يتحدد بالمقدار الذي تسمح به تلك الأنظمة السياسية المسيطرة على مقاليد الحكم للأفراد والاحزاب والمجتمعات المدنية.
2- دور المجالس النيابية في تفعيل السلطة التسلطية داخل المجتمعات الأفريقية
في الحقيقة يظهر هذا الدور من خلال حقيقة تاريخية مفادها “أن قارة أفريقيا قد عرفت منذ الاستقلال وحتى بداية الألفية الثالثة نماذج سياسية مختلفة من أنظمة الحكم الأفريقية. والتي كان الطابع المهيمن فيها وجود قطاعات أقلية في المجتمع قابضة على السلطة أو ما يعرف اليوم بمصطلح “ممتهني العمل السياسي” واقتصار دور الأكثرية على مجرد التعبير عن الآراء بأقل تعبير ممكن. وإن هذه الأنظمة ميّالة دائمًا إلى الحيلولة دون مشاركة الشعب في مجموعة مشاركة حقيقية، وبالتالي تحولت إلى مراكز يعبر من خلالها عن مصالح الأقليات النخبوية والتي تستفيد من أكبر قد ممكن من المنافع “المادية والمعنوية”.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن التجربة الفعلية لمفهوم الديمقراطية داخل القارة الأفريقية أو ما يعرف بتجربة التحول الديمقراطي جاءت بشكل “هلامي” غير متجانس مع طبيعة المفاهيم والمنظومة السياسية للقارة الأفريقية بدليل أن الأنظمة السياسية النيابية قد شرعت في افتتاح نظام ديمقراطي مظهري سواءً تلبيةً لمطالب شعبية أو بإرادة قهرية مطلقة. مع محاولة تلك النظم النيابية إجراء نوع من التحسينات أو الترقيع السياسي الذي لا يغيّر من جوهر السلطة التسلطية لكنها تسمح له بالظهور بمظهر الديمقراطية. ومع ذلك لم يسلم هذا النمط الشكلي من مشكلة عدم الممارسة الفعلية “الطبيعية” للمهام والوظائف السياسية. وحقيقة ذلك تتمثل بإصدار تلك النظم السياسية النيابية في الاحتفاظ بمركز القرار السياسي بعيدًا من أي إمكانية للتغيير. كما ان تاريخ النظم السياسية (النيابية) المعاصرة في القارة الأفريقية يعاني وبشكل واضح من مشكلتي “المشاركة/ التطبيق” اثناء الممارسة الديمقراطية الشعبية وما تعانيه هذه النظم السياسية (النيابية) من خلل في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي مردّه غياب الديمقراطية والحوار المستمر والناتج عن عدة عوامل:
- أن عددًا كبيرًا من الدول الأفريقية يحكمها النظام العسكري وان كانوا يتظاهرون بالمظهر المدني .
- تحكم معظم الدول الأفريقية بنظم حكم ” قبلية، وراثية” غير قابلة لأي شكل من أشكال الديمقراطية أو دستور أو قانون إلا على طريقتها الخاصة.
- معظم النظم النيابية المستوردة على القارة الأفريقية والتي تحكم بعض الدول الأفريقية محمية بترسانة الأمن والمؤسسة العسكرية والقوانين المقيدة للحريات والسلطات المطلقة مما ينعكس سلبًا على شعوب القارة وزيادة درجات الخوف والقلق على المستقبل.
- أصبح القابضين على السلطة داخل النظم السياسية النيابية الأفريقية يمتلكون قوة كبيرة تقابلها وبنفس القدر ضعف للمؤسسات المدنية والسياسية والدستورية مما أفشل أي محاولة للتقدم والإصلاح الديمقراطي. وبالتالي نصل إلى حقيقة سياسية مفادها ((أن هناك عراقيل ومعوقات كثيرة لازالت قائمة تعوق امكانية التحول الديمقراطي حيث تتمثل ابرز تلك العراقيل في حقيقة النظم النيابية بشكلها وأدائها الحالي لأنها بالكاد تمثل نفسها)).
3- النتائج السلبية لممارسة الشكل النيابي داخل النظم السياسية الأفريقية المعاصرة
إن التجارب السياسية النيابية ساهمت في ظهور جملة من الإشكاليات التي حالت دون تطبيق النموذج السياسي الامثل للقارة الأفريقية ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المميزة حيث اصبح الواقع السياسي الأفريقي في ظل فرض النمط النيابي الليبرالي يعاني من العديد من العراقيل التي تقف دون ايجاد أو تطوير نمط سياسي معين يكون اصلح للممارسة السياسية ” الديمقراطية ” في القارة الأفريقية. وبالتالي ساهمت هذه النظم السياسية ” النيابية ” في ايجاد مفهوم النيابة the definition pork والتي تعني في مجملها استبعاد صاحب السيادة الحقيقي من ممارسة العمل السيادي. بل وإيجاد هيئات يختارها ويترك لها مباشرة تلك السيادة (السلطة) فالشعب وفق المنظور النيابي لا يقرر بنفسه وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين سيقررون باسمه أو نيابة عنه. كما ان من المتطلبات التي يحتاجها النظام النيابي من اجل تفعيل العملية السياسية التي يقوم بها يتوجب التالي:
- وجود برلمان منتخب على اعتبار ان الانتخاب يعد جوهر النظام النيابي وبدونه لا يكون النظام النيابي سوى مجرد مسألة “صورية” أي رمزية.
- ان يمثل عضو البرلمان الشعب كله لا دائرته الانتخابية فقط.
- استقلال البرلمان عن مجموع الناخبين.
- اقتصار النظم النيابية على انتخاب أعضاء البرلمان والتي تنتهي مهمتهم بانتهاء عملية الانتخاب.
يمتلك البرلمان السلطة القانونيــة التي تمكّنه من ســن القوانين وتنفيذها نيابة عن الشعب.
وبناء على ذلك فإن مشكلة تطبيق النظم السياسية النيابية داخل القارة الأفريقية نتج عنها العديد من الاشكاليات التي يمكن ايجازها في التالي:
- إن عمليــة إجراء الانتخابات في الدول الأفريقيــة تعاني اشكالية التلاعب والتزوير في نتائج الانتخابات ما بين الدوائر الانتخابية والمرشحين على السواء.
- إن الانتخابات في قارة أفريقيا تجري في جو بعيد عن السلامة الإجرائية القضائية مما يعرض استقلال القضاء نفسه للخطر.
- إن الانتخابات التي تجري في غالبية الدول الأفريقية ليست حرة تمامًا. حيث تجري في جو يتسم بالترويع والتخويف. حيث يتعرض الناخب للأذى في كثير من الأحوال نتيجة لمشاركته في عملية التصويت.
- إن الانتخابات في غالبية الدول الأفريقية تجري في جو مشحون بالتدخلات الدولية. والوطنية (الداخلية) والتضييق على الناخبين. وفي بعض الحالات يتم اغلاق لجان التصويت في وجه الناخبين عندما تشعر النظم السياسية بخطر زوال الحكم منها.
- تتعرض البرامج الانتخابية في قارة أفريقيا شأنها شأن بقية الانتخابات في العالم إلى مشكلة الممارسات غير السليمة كتقديم الأموال على الناخبين لحثهم على التصويت لصالح أحد المرشحين أو بمعنى آخر شراء اصوات الناخبين أو عرض اموال على مرشحين لكي يخوضوا الانتخابات أو لا يخوضونها. وهذا يعني سطوة المال التي تؤثر دون أدنى شك على النتائج النهائية للانتخابات.
- إن جداول الانتخابات تعاني الكثير من الأخطاء التي قد تكون مقصودة أو غير مقصودة بسبب عدم المراجعة الدورية لها مثل وجود اشخاص ليس لهم الحق في التصويت مثل “المتوفين، أفراد الشرطة، أفراد القوات المسلحة، رجال القضاء” وهي ذات أثر سلبي كبير على سير العملية الانتخابية. مما يجعل الانتخابات في النهاية غير معبرة عن إرادة الشعوب الأفريقية.
- العمليات الانتخابية في قارة أفريقيا تجري في ظـــل حريات وحقوق كثيرة مقيدة مثل حرية الاعلام أو التجمع أو التعبير بسبب وجود قوانين كثيرة تحد تلك الحريات العامة.
4- مشكلة تطبيق النماذج الحزبية على الممارسات السياسية الأفريقية
ومما سبق تناوله في هذا البحث العلمي فإنه يمكن القول أن معظم النظم الحزبية “المستوردة” ساهمت بدورها في إحداث العديد من الإشكاليات التي ساهمت في إحداث النزاعات والصراعات الأهلية داخل المجتمعات الأفريقية والتي من أهمها:
- احتكار المجال السياسي والاحتفاظ بمصادر القوة وتعميم القمع ونشر أدواته في مجموع النسيج الاجتماعي الأفريقي.
- إهدار الحريات الخاصة والعامة والاعتداء على حقوق الإنسان وتحديدا حق المرأة، وحق الطفل، وحق الجنود، وحق الأقليات.
- تعميم علاقات التفاوت بين حقوق الفئات والطبقات واحتكار الثروة والامتيازات واتساع عدد المهمشين وكذلك المناطق المهمشة.
- توسع السلطة في استخدام أدوات العنف ضد المعارضين والحملات الإعلامية ضد الخصوم وشحن الرأي العام في مواجهتهم بهدف إلحاق الهزيمة المعنوية بهم مما يدخل في دائرة العنف الرمزي والشحن الأيديولوجي.
- إخفاق السلطة بصورة كلية في معالجة حالات الاحتقان الاجتماعي كإجراء حوار بناء مع القوى المعارضة.
- تغليب مفهوم شرعية القوة بدلًا من قوة الشرعية تجاه المعارضين مما يزيد حدة الصراعات والتوتر داخل تلك المجتمعات الأفريقية.
- تزوير إرادة الشعب في أي اقتراع انتخابي وإعداد أو إنشاء مؤسسات دستورية شكلية.
- فرض القيود على إنشاء الأحزاب والمنظمات السياسية أو حظرها أصلًا والتضييق على مفهوم التعددية وحق التغيير.
خلاصة:
إن القارة الأفريقية بعد تعرضها إلى الظاهرة الاستعمارية نجدها تعاني مشكلة حقيقية متمثلة بعدم قدرة معظم النظم السياسية الأفريقية على تحديد الاتجاه المطلوب في عملية الممارسة السياسية. وهو ما يتضح في فقدان دول القارة الأفريقية على السيطرة أو الاختيار الرشيد لأشكال وطبيعة نظم الحكم السياسية التي تتمشى مع طبيعتها “السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية”.
ويبدو واضحًا أن النظم السياسية المستوردة قد ساهمت في هبوط مستوى الكفاءة والقدرة على إثبات الذات الأفريقي، حيث انعكس هذا الحال على عدة مسائل سياسية داخل القارة الأفريقية والتي أبرزها تكوين النظم السياسية الأفريقية برلمانات لا تمثل الشعوب الأفريقية بكل أطيافها وأجناسها وانتماؤها العرقي “الاجتماعي” بالرغم من أن القارة الأفريقية كانت تحتوي على نظم سياسية متطورة تمثل المركز الرئيسي في إدارة شؤون الأفراد. كما أن لعامل القوة الاجتماعية ضوابط ومعايير متفقًا عليها جماعيًا “عرفيًا” حيث يمكن الاستدلال على هذه الحقيقة من خلال الدراسات السياسية المعاصرة التي تتناول الشأن الأفريقي. إنه من خلال علاقة النسب وصلة القربى قد استنبطت ثلاثة نماذج للأنظمة السياسية الأفريقية التقليدية وهي متمثلة بالتالي:
– جماعات فرق الصيد.
– مجتمعات النسب والقربى المنفصلة بعضها عن بعض.
– الدول الوطنية البدائية.
وتنطوي الإشارة على أن حقيقة السلطة داخل الدول الأفريقية الوطنية تكمن في وجود علاقات وثيقة قائمة ما بين السلطة (الداخلية، الخارجية) وأن السياسي الأمثل في التداول السياسي الأفريقي يسمى بمصطلح “الجيرنتوقراطي”، والذي يعَدّ بمثابة الأسلوب الرئيسي الأمثل في عمليات صنع كافة القرارات السياسية والإدارية ولا سيما في شؤون إدارة الحرب والسلم كما ساهم عدم وجود سلطة سياسية مركزية داخل المجتمعات الأفريقية من ظهور ما يعرف بالمجتمعات العشوائية أو المشتتة. وإن وجود النظم النيابية الغربية “المستوردة” قد ساهم في إيجاد ما يسمى “الاغتراب السياسي” كونها ترى في نفسها بديلًا من مجتمعاتها الأصلية بالرغم من أن التجربة الفعلية لمفهوم الديمقراطية قد جاء بشكل هلامي غير متجانس مع طبيعة الممارسة السياسية الأفريقية. بل إن الأحزاب السياسية الأفريقية قد انتقل توجهها السياسي من حالة تحقيق التحرر الوطني إلى العمل على تحقيق مصالح ذاتية ضيقة. وبالتالي يمكن القول أن معظم أشكال النظم السياسية المستوردة قد ساهمت في إحداث العديد من المشاكل التي ساهمت بدورها في إحداث الصراعات والنزاعات الاهلية داخل القارة الأفريقية.
توصيات:
إن هذه الدراسة البحثية قد عملت على تقديم جملة من التوصيات السياسية التي يستفيد منها صانعو القرار السياسي داخل القارة الأفريقية، والتي يمكن إيجازها في التالي:
- إنه يتوجب على صانعي القرار السياسي داخل المجتمعات الأفريقية أن يدركوا بأن الظاهرة الاستعمارية بحكم طبيعتها الأيديولوجية أو المذهبية تعمل على فرض ما يعرف بالهوية المندمجة أو الهوية الأنانية التي تتعارض مع القيم والثقافات الأفريقية والتراث السياسي الأفريقي.
- إن الظاهرة الاستعمارية داخل أفريقيا قد ساهمت في هدم فكرة الإحساس القومي من خلال القضاء على وحدة الجنس والحدود الجغرافيا واللغة والدين والأدب والتراث الفكري ونمط الحياة والوحدة السياسية والتاريخ الواحد والتقاليد المشتركة والمظاهر الثقافية المشتركة الخاصة بالمجتمعات الأفريقية.
- يتوجب على صانعي القرار السياسي داخل القارة الأفريقية التمسك بالتراث السياسي الأفريقي المتمثل بالأفكار وبرامج التنشئة السياسية في تجربة الحكم والسياسة والتي لها دور في تحقيق التعددية للأنظمة السياسية وتنوعها.
- يتوجب على صانعي القرار السياسي الأفريقي أن يعملوا على توثيق حق المشاركة السياسية باعتبارها تمثل عنصر مميز للحكم الديمقراطي في دعم شرعيته، إضافة إلى تمشيها مع الموروث السياسي الأفريقي التقليدي. وكذلك التخلص من مشكلة الاغتراب السياسي الذي تعيشه معظم النظم السياسية الأفريقية المعاصرة.
- يتوجب على صانعي القرار السياسي الأفريقي أن يدركوا أن تجربة الأحزاب السياسية داخل المجتمعات الأفريقية قد ساهمت في ظهور ما يعرف بمصطلح “محظور السلطة السياسية” الأمر الذي نتج منه ظهور ظاهرة سياسية غير مألوفة داخل طبيعة المجتمعات الأفريقية وهي متمثلة بظاهرة “الصراع السياسي” بحيث تعمل تلك الأحزاب السياسية على تحقيق مصالحها الضيقة. وبالتالي كسر ثقافة مصلحة الجماعة التي كانت سائدة داخل المجتمعات الأفريقية.
نتائج البحث:
في الواقع عند دراسة مشكلة البحث قد تبين لنا أن هناك جملة من النتائج السياسية التي ينبغي الإشارة إليها وهي متمثلة وفق تسلسلها بالبحث من خلال ما يلي:
(أ) لقد ساهمت الظاهرة الاستعمارية في جلب أنظمة سياسية مستوردة سببت في ظهور قضايا سياسية عديدة أبرزها قضية تزوير الانتخابات الحكومية داخل كل عملية انتخابية تحدث داخل الدول الوطنية الأفريقية.
(ب) إن النظم السياسية الأجنبية “المستوردة” القائمة داخل القارة الأفريقية قد ساهمت في حالة عدم الاستقرار السياسي وفرض أنماط حياتية أثرت بدورها في الثقافة السياسية الأفريقية بفعل توابع الظاهرة السياسية الاستعمارية.
(ج) إن المجتمعات الأفريقية التقليدية تمتاز طبيعتها السياسية بأن العمل السياسي والإداري يكونان دائمًا مرتبطين بأي عملية سياسية تحدث داخل المجتمع الأفريقي التقليدي.
(د) إن النظم السياسية الأفريقية التقليدية تمتاز دائمًا بتوافق كل من عملية التنظيم والتنفيذ عند اتخاذ القرار السياسي والبرامج اليومية والحاجات الأساسية.
(هـ) إن الارتباط التدريجي “المنهجي” المتوافق ما بين السلطة والعمل السياسي تجاه العمل الإداري المتسلسل لإدارة الشؤون العامة.
(و) إن الأسلوب السياسي الأفريقي الذي يعرف بمفهوم “الجيرنتوقراطي” يمثل الأسلوب الرئيسي الذي مارسته الشعوب الأفريقية في عملية صنع القرار السياسي والإداري وخصوصًا في شؤون إدارة الحرب والسلم.
(ز) إن فكرة انتشار القوة السياسية داخل النظم السياسية الأفريقية التقليدية تمثل أعلى مرتبة في مراتب الممارسة السياسية الديمقراطية. والتي أسس لها الموروث السياسي القديم أو ما يسمى “الواقعية السياسية للفكر السياسي الأفريقي”.
(ح) لقد ساهم عدم وجود سلطة سياسية مركزية في ظهور وظائف للنظم السياسية الأفريقية التقليدية في غياب البناء السياسي المركزي. بمعنى أوضح، إن أداة السلطة كانت تتوزع على نطاق عشوائي أو ما يعرف بمفهوم “المجتمعات المجزئة”.
(ط) إن التجربة الفعلية لمفهوم الديمقراطية داخل القارة الأفريقية أو ما يعرف بتجربة التحول الديمقراطي قد وجدت بشكل “هلامي” غير متجانس مع طبيعة المنظومة السياسية لبلدان القارة الأفريقية.
(ي) إن مشكلة تطبيق النظم السياسية النيابية “المستوردة” داخل القارة الأفريقية قد نتج منها العديد من المشاكل والتي أهمها:
– إن عملية الانتخابات في الدول الوطنية الأفريقية تعاني مشكلة التلاعب والتزوير في نتائج الانتخابات.
– إن عملية الانتخابات الحكومية تجرى بعيدًا من السلامة الإجرائية القضائية، وهذا يعرّض جهاز القضاء نفسه للخطر.
– إن الدول الوطنية الأفريقية التي تجرى فيها عمليات الانتخابات ليست حرة بالكامل. حيث تجرى في أجواء تتسم بالترويع والتخويف وفي أحيان أخرى بالقهر. بمعنى أن الناخب الأفريقي يتعرض للأذى في كثير من الأحوال نتيجة مشاركته في عملية التصويت.
– إن عملية الانتخاب تجرى في أجواء غالبًا ما تكون مشحونة بالتدخلات الخارجية أو التضييق على الناخبين. بل إنه في حالات تغلق لجان التصويت في وجه الناخبين.
(ك) إن فكرة الأحزاب السياسية الواردة من الظاهرة الاستعمارية داخل القارة الأفريقية قد انتقلت من كونها مجرد أداة للتحرر الوطني الذي يعمل على خدمة القضايا العامة “الوطنية” إلى كونها أصبحت تمثل وسيلة اضطهاد تسعى وراء تحقيق مصالحها الذاتية الضيقة.
(ل) إن كل الأشكال السياسية التي قدمتها الظاهرة الاستعمارية للقارة الأفريقية قد ساهمت في خلق حالة من عدم الانسجام والاستقرار السياسي. بدليل استمرار حالات الصراعات والنزاعات الأهلية والحدودية داخل المجتمعات الأفريقية بوجه خاص والدول الوطنية الأفريقية بوجه عام.
قد يهمكم أيضاً أثر المحاصصة السياسية في أتباع الحضارات المتنوعة
الدولة والبُنى التقليدية في موريتانيا: صراع الفصل والوصل
#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #أفريقيا #السياسة_الأفريقية #المجتمعات_الأفريقية #النظم_السياسية_الأفريقية #أثر_الاستعمار_على_الحياة_السياسية_الأفريقية #الهوية_السياسية_الأفريقية #الممارسة_السياسية_الأفريقية #تبعات_الاستعمار
المصادر:
(*) مرعي علي الرمحي: أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة بنغازي – ليبيا.
المراجع:
الكتب العربية:
- الرزاز، منيف، معالم الحياة العربية الجديدة، ط2، القاهرة، منشورات دار العلم للملايين للطباعة والنشر، 2014.
- الكيلاني، عبد الوهاب، موسوعة السياسة، ط2، بيروت، منشورات المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، 2015.
- بوزيد، عبد الناصر، حقوق الانسان في أفريقيا بين القانون والواقع، منشورات دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 2016.
- ثابت، عبد الجليل، الاصول العرقية في القارة الأفريقية، ط1، الاسكندرية، منشورات مكتبة العربي للطباعة والنشر، 2017.
- راشد، حمدي سليم، مراكز القوى السياسية في أفريقيا، ط1، القاهرة، منشورات المكتبة الجامعية الحديثة، 2018.
- سليمان، سمية عبد القادر، المجتمع العربي بين التماسك بالهوية والاندماج العالمي، ط1، القاهرة، منشورات الدار الجامعية للطباعة والنشر، 2016.
- صالح، حسني عبد الغني، التجارب السياسية في أفريقيا، ط2، القاهرة، منشورات الدار المصرية الحديثة للطباعة والنشر، 2018.
- عقيل، حسين عقيل، منطق الحوار بين الأنا والآخر، ط1، الاسكندرية، منشورات دار القلم العربي للطباعة والنشر، 2014.
- فرفر، علي المنتصر، أفريقيا (قضايا ومشكلات)، ط1، عمان، منشورات دار شمس للطباعة والنشر، 2015.
- مقلد، اسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية، ط1، القاهرة، منشورات دار ذات السلاسل للطباعة والنشر، 1986.
- هوبر، اندريه، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية في أفريقيا، (ترجمة عطوان أحمد) ط2، بيروت، منشورات الدار الأهلية للطباعة والنشر، 2008.
الكتب الأجنبية:
1.Easton. s. the twilight Europe. us. vole no1. Press 2016.
2.Edward. m. the Africa and political. us. vole no1. press 2017.
3. Randi. k. the civilization in Africa. us. vole no 1 press. 2018.
4.Morten. w. the modernization in Este Africa. us. vole no1. press 2014.
5.Walter. p. the theory and practice of Africa politic. us. no1. press 2016.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.