مقـدمة:

تشكل منطقة الساحل الأفريقي‏[1] أحد المجالات الجيو – سياسية التي تثير اهتمام الفواعل الإقليمية والدولية، ومراكز البحوث والدراسات في الوقت الحالي، وبخاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، على خلاف ما كانت عليه قبل حقبة الحرب الباردة حيث كانت منطقة مهمّشة استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً… إلخ.

ومن خلال التطور الذي شهدته المنطقة عبر الامتداد التاريخي، فإنها تعرضت للعديد من التهديدات نتيجة انعكاسات الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي، وتوافر الإمكانات الاقتصادية، إضافة إلى تأثيرات النزاعات الإثنية وهشاشة الأنظمة السياسية، وكذا الشبكة العنكبوتية للتحديات الأمنية، هذه الأخيرة التي فرضت التأسيس لمرحلة جديدة من العمل الجهوي المشترك وفق مقاربة براغماتية قائمة على مواجهة التهديدات الأمنية والانتقال بمستوى التحليل من المستوى الكلي إلى المستوى الجزئي (من مبدأ عالمية الحلول لعالمية التهديدات، إلى مبدأ أفرقة الحلول للتهديدات الأفريقية وبخاصة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء).

وقد تمكنت الجزائر من فرض منطقها بقوة على النطاق الإقليمي والعالمي على حد سواء نتيجة التعقد – التشابكي للتهديدات الأمنية بالمنطقة من خلال سعيها الدؤوب لتوفير الأمن والسلم وتعزيز الاستقرار، وبخاصة في ظل التحولات الاستراتيجة – الهيكلية الراهنة (نمط توزيع القوة، الفواعل، مستوى التحليل)، وتغير منظومة القيم بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وتشريعاتها المصاحبة لمكافحة الإرهاب ومدى تأثيرها في حماية حقوق الإنسان (مبدأ التغييب المصلحي). وذلك سعياً لتجسيد الطرح التوازني بين المصالح الأمنية الوطنية (مكافحة الإرهاب) وبين حماية حقوق الإنسان بهدف نفي المنطق الأولوياتي – المصلحي وتفعيل الترابط الاستراتيجي ولا سيَّما عقب التأثيرات السلبية لتشريعات أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، كونها خلقت بيئة أمنية جديدة تكرس الأمن الوطني على حساب حقوق الإنسان على حد تعبير كل من جورج وليامز وبِن غولدر‏[2].

أمَا من حيث الجانب الممارساتي فالواقع يعكس الجهود الجزائرية المبذولة في سياق مواجهة التهديدات الأمنية بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء (مكافحة الإرهاب) وحماية حقوق الإنسان وفق استراتيجية أمنية ذكية تعتمد على المبادرة الفردية والتنسيق الإقليمي للدراسة والتحليل والسعي لإيجاد الحلول الفعّالة في ظل تنامي مبادئ الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان، حوكمة النزاعات (التفاعل بين الجهود الرسمية وغير الرسمية)، الدبلوماسية متعددة المسارات… إلخ، ويتضح ذلك جلياً من خلال نقطتين رئيسيتين يمكن اعتبارهما جوهر الدبلوماسية الإنسانية على النحو التالي:

– أولوية التركيز على المفهوم الوطني للتهديدات الأمنية بالمنطقة.

– أولوية تحقيق الأمن على نوعية المقاربة الأمنية.

من هذا المنطلق، يتوجب علينا البحث عن انعكاسات التحولات الدولية الراهنة على حقوق الإنسان، وبخاصةٍ بعد صدور تشريعات مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وكيفية تعامل الاستراتيجة الجزائرية مع هذه المتغيرات، نطرح الإشكالية التالية: ما مدى فعالية المقاربة الأمنية الجزائرية في الربط الاستراتيجي – التوازني بين مكافحة الإرهاب وتكريس مبدأ حماية حقوق الإنسان وتحقيق التنمية في منطقة الساحل الأفريقي؟

أولاً: المسببات الحركية للتهديدات الأمنية
بمنطقة الساحل الأفريقي

1 – أزمة بناء الدولة في منطقة الساحل الأفريقي

تعكس إشكالية أزمة بناء الدولة الوطنية إحدى المعضلات الأمنية الخطيرة التي تعانيها دول منطقة الساحل الأفريقي، وذلك على خلفية الرواسب التاريخية التي أنتجتها مشكلة الحدود الجغرافية المتوارثة عن الحقبة الاستعمارية، التي لم يراع فيها التنوع الإثني والقبلي وخصوصية المجتمعات المكونة لفضاء الساحل‏[3]؛ الأمر الذي جعل العملية السياسية في جميع بلدان هذا الأخير تتميز باختلالات هيكلية عميقة، ناتجة من طبيعة الأنظمة السياسية المغلقة، وضعف المشاركة السياسية، وانعدام وتقييد حرية التعبير والإعلام، وهو إحدى السمات الأصيلة للواقع في دول الساحل الأفريقي، وهي الفرضية الأخرى التي تنفي جدوى الديمقراطية فيها، ناهيك باستمرار تأثير المؤسسة العسكرية كعامل حاسم في إدارة عملية الانتقال السياسي، وذلك كما كشفت عدة انتخابات جرت في كل من النيجر ومالي وحتى موريتانيا، على الرغم من تبني هذه الدول الديمقراطية‏[4].

إن فكرة الدولة في حد ذاتها، تتجسد في كل من شخص الرئيس القائد والزعيم والحزب القائد الطليعي الواحد، وكذا في القبيلة والعرش والمنطقة والجهة والعرق، وعليه عرفت الدولة الأفريقية عموماً وفي منطقة الساحل الأفريقي بخاصة ما يسمى «العصب العسكرية – المدنية»، فضـلاً عن وجود أنظمة عسكرتارية ونيوبتريمونيالية. وهي الأمور التي جعلت الدولة في الساحل تفشل في بناء كيانات حديثة تضمن الوحدة الترابية لأقاليمها، كما أثبتت أن كثيراً من المناطق تعيش فترة ما قبل الدولة أو شبه الدولة، وهو ما يدفع إلى القول إن العجز الوظيفي للدولة في الساحل هو أحد المسببات الرئيسة للمشاكل الممتدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي‏[5].

ولا ننسى هنا العوامل الاقتصادية وضعف مؤشرات التنمية وتصاعد حركة التفاعلات الاقتصادية والدولية واتساع الهوة بين الشمال والجنوب، إضافة إلى برامج التصحيح والتكيُّف الهيكلي المنتهجة من طرف المؤسسات الدولية التي أحدثت شرخاً كبيراً في فلسفة المواطن الأفريقي وفكرة الرفاهية وتقديم الخدمات الاجتماعية في إطار السياسات العامة بغية تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية. كما يمكن الإشارة إلى ما يعرف حالياً بـ «اقتصاد الحرب» وما يحدثه من انعكاسات محفزة على النزاعات ومساعدة على استمرار حالات الانقسام وعدم الاستقرار وإفراز بيئة من اللاأمن تغيب فيها سلطة الدولة وتظهر فيها فواعل جديدة على غرار الأعمال الإرهابية ونشاطات الإجرام المنظم والاتجار بالأسلحة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى معضلة الفشل الدولاتي‏[6].

الجدول الرقم (1)

العلاقة بين التنمية والفشل الدولتي في دول منطقة الساحل الأفريقي

الدولـةمؤشر الدول الفاشلة 2014ترتيب الدول في التنمية البشرية 2014
النيجرالمرتبة 19المرتبة 187
تشادالمرتبة 06المرتبة 184
ماليالمرتبة 36المرتبة 176
السودانالمرتبة 05المرتبة 166
موريتانياالمرتبة 28المرتبة 161

المصدر: من إعداد الباحثين بالاعتماد على المصادر التالية:

– برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 2014: المضي في التقدم: بناء المنعة لدرء المخاطر (نيويورك: البرنامج، 2014).

– التقرير السنوي العاشر لـ «مؤشر الدولة الفاشلة» (The Failed States Index) لعام 2014 الصادر عن مؤسسة The Fund for Peace-FFP الأمريكية، التي تستند فيه إلى اثني عشر مؤشراً فرعياً، تتوزع على ثلاث مجموعات، هي المؤشرات الاجتماعية، والمؤشرات الاقتصادية، والمؤشرات السياسية والعسكرية، المتمثلة بـ: الضغوط الديمغرافية، اللاجئين والنازحين، المظالم الجماعية، السفر المزمن والمستمر للإنسان، التنمية غير المتوازنة، الفقر والتدهور الاقتصادي، شرعية الدولة، الخدمات العامة، حقوق الإنسان، جهاز الأمن، فصائل النخبة، التدخل الخارجي. متوافر على الموقع التالي:     <http://ffp.statesindex.org>.

2 – النزاعات الإثنية (مسألة الطوارق) في منطقة الساحل الأفريقي

لا شك في أن من بين الخصائص الرئيسة في الساحل الأفريقي ذلك التنوع العرقي والإثني، حيث تنقسم الأجناس العرقية في منطقة الساحل الأفريقي إلى قسمين رئيسين: «الجنس الأبيض» ذو البشرة الفاتحة، الذي يتمركز في الجزء الشمالي للساحل، و«الجنس الأسود» ذو البشرة السوداء، الذي يتمركز في الجزء الجنوبي، لكن ضمن هذين القسمين الرئيسين تتفرع مجموعات إثنية أخرى. الأمر الذي جعل هذه المنطقة تعرف نزاعات إثنية وعرقية عديدة في صورة أزمة تشاد والسودان وأبرزها على الخصوص قضية الطوارق، وما تطرحه من تحديات سياسية ومجتمعية وأمنية على حد سواء، وخصوصاً أنّ هذه الأقلية عاشت في كنف التهميش والإقصاء في الدول التي تحتضنها، فأثارت أزمة الطوارق تحدياً أمنياً كبيراً من حيث الإطار المحدد لها ومن حيث الأطراف التي تسهم من قريب أو من بعيد في تداعياتها الراهنة، حيث تعَدُّ أقلية «الطوارق» في النيجر ومالي من بين العوامل التي تحدّد استقرار الدولتين بخاصة.

تعاني أقلية الطوارق صعوبة كبيرة في الاندماج المجتمعي وهي تحرَم التوزيع العادل للثروة والاستفادة منها، وتفتقر إلى أدنى شروط البنى التحتية التعليمية والصحية، بما يحفظ عيشهم وكرامتهم، وهذا ما يجعل مسألة الطوارق تشكل رهاناً أمنياً بمنطقة الساحل الأفريقي، وبخاصة إذا تم ربطها بمختلف الظواهر المرضية العابرة للحدود، كالجريمة المنظمة والإرهاب الدولي، التي أصبحت تجد في هذه المنطقة مناخاً ملائماً لممارستها نتيجة هشاسة الدولة، وعدم قدرتها على توفير أدوات الضبط، كمراقبة حدودها نظراً لشساعة أراضيها‏[7].

3 – أنشطة الجريمة المنظمة والأعمال الإرهابية
في منطقة الساحل الأفريقي

يعد الساحل منطقة مثالية لحركة مرور الأسلحة، فقد أصبح الطلب عليها مكثفاً بسبب العديد من الصراعات، إذ تتحدث التقديرات عن وجود نحو 80 ألف قطعة سلاح من نوع كلاشينكوف، ما يُغذي الشبكات الإجرامية العاملة في التهريب والجماعات الإرهابية. وازدادت هذه الظاهرة بشكل كبير ومتسارع من جراء إفرازات الأزمة الليبية وسقوط نظام «معمر القذافي» وعودة الطوارق الذين قاتلوا إلى جانبه مدججين بالأسلحة.

أشارت تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمة (UNODC) إلى أن السجائر المهربة عبر هذه الطرق تمثل نحو 60 بالمئة من سوق التبغ الليبية (أو 240 مليون دولار من العائدات على مستوى التجزئة) و18 بالمئة من السوق الجزائرية (أو 228 مليون دولار)‏[8]. كما أصبح الساحل مركزاً متزايد الأهمية لشبكات تهريب المخدرات من طريق ربط العلاقة بين الموردين من أمريكا اللاتينية (الكوكايين) والمغرب (الحشيش) مع الأسواق في أوروبا والشرق الأوسط، حيث يُعتبر المغرب أكبر منتج في العالم للحشيش (21 بالمئة من الإنتاج العالمي)‏[9]. كما يقوم مهربو المخدرات بعملية تبييض هذه الأموال بأوجه مختلفة، ففي كثير من الأحيان، يستثمر هؤلاء المجرمون الأموال المشبوهة في المشاريع العقارية أو عقود التأمين.

فضـلاً عن عمليات الاختطاف للحصول على فدية، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ فالمكاسب المالية الناتجة من هذا النشاط تستخدم على نطاق واسع لتمويل العمليات الإرهابية، كما أن استراتيجية التجزئة الجديدة للمناطق المستهدفة المختارة من قبل التنظيم بالمنطقة يجعل المغتربين والمدنيين يتعرضون وبسهولة لمثل هذه العمليات. كان هذا هو الحال خلال أزمة الرهائن في «عين أمناس» في الجزائر خلال شهر كانون الثاني/يناير 2013‏[10]، وقبل ذلك الرهائن الأوروبيون والدبلوماسيون الجزائريون المختطفون في مدينة غاو المالية.

يبقى عنصر الإرهاب أيضاً كأبرز الفواعل البنيوية المهددة للأمن في منطقة الساحل الأفريقي؛ فقد كان لتزايد وتيرة النشاط الإرهابي في الساحل الأفريقي من جراء الأزمة في مالي (2012) ارتداد استراتيجي وأثر مباشر في الجزائر، بعد تحول نشاط الجماعات الإرهابية المتمركزة في فضاء الساحل من المجال المحلي إلى الإقليمي‏[11].

4 – المشاريع الأجنبية في منطقة الساحل الأفريقي

في الوقت الذي تسعى دول الساحل الأفريقي إلى التحرر من نفوذ القوى الاستعمارية، تأتي مسألة الاهتمام بهذه المنطقة وبروز التنافس الدولي حولها، في محاولة لإعادة التموقع من جديد في إطار يضمن لها كسب معركة الصراع حول خيرات هذه المنطقة وبسط نفوذها، حيث برز الساحل الأفريقي بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 كمنطقة استراتيجية في ظل الحملة العالمية للحرب على الإرهاب‏[12].

وفي هذا السياق يبرز تحدي المشاريع الأجنبية كأحد المتغيرات الرئيسية في إبقاء حالات اللااستقرار في المنطقة في اتجاه إجراء عمليات فك وتركيب لعدد من الدول الأفريقية أو حلحلة الخريطة السياسية لها، وتظهر هنا منطقة الساحل الأفريقي كأهم المناطق الاستراتيجية في العالم انطلاقاً من نظرية تحليل القوة الاستراتيجية للمناطق في العالم (S.W.O.T)‏[13]، فيبرز النفوذ التقليدي الفرنسي لما تراه فرنسا مجالها الحيوي وإرثها الاستعماري بالوجود في قواعد عسكرية، والتدخل العسكري المباشر، وهو الأمر الحاصل في كل من مالي وكوت ديفوار وأفريقيا الوسطى، إضافة الى مصالحها الاستراتيجية في المنطقة في كل من مالي والنيجر وموريتانيا وتشاد في ما يتعلق بالاستثمارات الفرنسية في قطاع الطاقة وعلى رأسها اليورانيوم، فهي تحتكر استغلال اليورانيوم بالنيجر التي تحصي أكثر من 249 مليون طن، الأمر الذي يمثل مصدراً أساسياً لبرنامجها النووي فضـلاً عن استثماراتها الاقتصادية في مختلف دول الساحل الأفريقي، إذ يُعتبر القطاع النووي في فرنسا من مسائل الأمن القومي الفرنسي، فزيادة على أهميته العسكرية، تعتمد فرنسا عليه كلية في مجال توليد الطاقة، ولا يمكن في الوقت نفسه تجاهل المصالح الفرنسية المرتبطة بمشروع خط الأنابيب لنقل الغاز من أفريقيا باتجاه أوروبا، الذي من المنتظر أن يقلل إلى حد كبير العجز الأوروبي في مجال التزود بالغاز الطبيعي‏[14].

في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعدد مشاريعها ما بين مشاريع ذات أولوية إعلامية كدعم الديمقراطية وترويجها في بلدان الساحل الأفريقي، ومشاريع ذات ضرورات اقتصادية متعلقة أساساً بملف الطاقة وتحقيق الأمن الطاقي الأمريكي، وبخاصة بعد الاستكشافات المهمة في غرب أفريقيا والمتاخمة لجنوب الساحل الأفريقي (خليج غينيا)، إضافة إلى مواجهة التحدي الصيني في المنطقة الذي يعتبر قوة صاعدة في ميزان القوى العالمي، ومشاريع ذات أولوية استراتيجية وأمنية وعسكرية تتمثل بإعادة ترتيب الوجود العسكري في المنطقة في ما يخص قضايا مكافحة الإرهاب والحرب على الإرهاب‏[15].

ثانياً: المقاربة الجزائرية لتفعيل الدبلوماسية الإنسانية
في منطقة الساحل الأفريقي: جدلية الأمننة والأنسنة

1 – مفهوم مبدأ الدبلوماسية الإنسانية

عرفت الدبلوماسية الإنسانية تطوراً كبيراً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا سيَّما مع زيادة الاهتمام بالموضوعات المتعلقة بالإنسانية وحقوق الإنسان، وتجنُّد المجتمع المدني، سواء الوطني أو الدولي، للقضايا الإنسانية، الأمر الذي ميز العقود الأخيرة. تتمثل الدبلوماسية الإنسانية بالحوار القائم على الاعتراف بالآخر – أياً كان – كإنسان، واستبعاد هذا الاعتراف بالإنسانية من هذا الحوار يتعارض مع القواعد الأساسية للقانون الدولي والوطني. بالتالي فقد حان الوقت لندرك أهمية الدبلوماسية الإنسانية والحاجة إليها أيضاً على المستوى الأمني.

يمكن تعريف الدبلوماسية الإنسانية أنها عبارة عن اتصالات، سرية أو عامة، تجري بين الحكومات والمنظمات الإنسانية وبين هيئات المجتمع المدني وحكومات أخرى، وذلك بهدف‏[16]:

– الوصول إلى الضحايا لتقييم حالتهم ومدى وطبيعة الحوائج.

– السعي لإقناع مختلف الأطراف الفاعلة لتقبُّل المساعدة والحماية التي يمكن أن تكون ضرورية.

– التفاوض حول إمكان تسهيل وصول طاقم النشطاء في المجال الإنساني إلى السكان المنكوبين.

– التفاوض على التسهيلات الجمركية والضريبية لإسعافات ومعدات المنظمات الإنسانية.

– ضمان الأمن والوضع القانوني لطاقم النشطاء في المجال الإنساني، المحليين والأجانب سواء.

– التفاوض على الضمانات المتعلقة بأمن المدنيين وغيرهم من المستفيدين من الإجراءات الإنسانية.

– تنسيق الإجراءات الإنسانية أو على الأقل ضمان التشاور وتقاسم المعلومات بين المنظمات والهيئات الإنسانية.

– تعزيز تقنين وتصديق وتطبيق وإنفاذ القانون الإنساني بمفهومه الواسع، الذي يشمل القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة، وقانون اللاجئين، وحقوق المهاجرين، وحقوق الإنسان، وحماية النازحين في بلدهم.

بالتالي، عند الاحتجاج بـ «مسؤولية الحماية» لتبرير التدخلات العسكرية، من الجيد تذكر كلمة السفير الأسترالي كريستوفر لامب (Christopher Lamb) أن «الدبلوماسية الإنسانية هي مسؤولية الإقناع»‏[17].

2 –
الموازنة بين الأمن الوطني (مكافحة الإرهاب)
وحقوق الإنسان في الجزائر

إنَ تشابك المسائل الأمنية وتزايد الانكشاف الأمني في منطقة الساحل الأفريقي نتيجة تفاقم الأزمات الداخلية والصراعات المسلحة وتفشي الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة، وبخاصة بعد نهاية الحرب الباردة وتأثيرات أحداث 11 أيلول/سبتمبر، فرض ضرورة تبني مقاربة جديدة يراعى فيها مبدأ الموازنة بين الأولويات الوطنية (مكافحة الإرهاب) وبين حماية حقوق الإنسان في المنطقة من منظور الدبلوماسية الإنسانية‏[18]. وفي هذا السياق يقترح كل من جورج وليام وبِن غولدر تبني نهج الموازنة بين الأمن الوطني من جهة وحقوق الإنسان من جهة أخرى، ومن خلال تحليل مقالهما حاولنا استنباط مبادئ الدبلوماسية الإنسانية الجزائرية الجديدة‏[19]؛ حيث اعتمد كل من الباحثين في تحليلهما على تفعيل مكافحة الإرهاب وفق شقين:

– إعطاء لمحة عن هذه القوانين الجديدة (الاشتراك، القوانين وحقوق الإنسان).

– مدى قابلية تحقيق التوازن بين حقوق الإنسان والأمن الوطني وفقاً لما تمليه الأهداف المجتمعية.

يؤكد المقترب التوازني ضرورة إيجاد نوع من التوازن بين الأمن الوطني والأمن الإنساني (الحق في الحياة، الحق في الحرية، تجريم الأعمال الإرهابية). ولكن عمل سيمون برونيت (Simon Bronitt) على انتقاد فكرة الموازنة على أساس أنها تعطي الأولوية للحقوق والحريات الفردية كما أنَ التوازن في حد ذاته يؤدي إلى الصراع بين المصالح المجتمعية والفردية.

والموازنة لصيقة بمبادئ الكرامة الإنسانية وطبيعتها، وتتمثل مبادئها التوجيهية في ما يلي:

– بعض الحقوق أكثر أهمية من حقوق الأخرى (الحق في الحياة، الحق في الحرية… إلخ).

– لا بد لصانع القرار من أن يراعي في قيامه بالموازنة على الحجة الأكثر إلحاحاً من أجل تحقيق هدف الجماعة والأمن الوطني ووقاية المجتمع.

– يجب تبني تشريع الوسائل التي لا تبتعد من حقوق الإنسان من أجل تحقيق الأمن الوطني.

– لا بد للأكاديميين والمحللين السياسيين والقانونيين من الاعتماد على المقترب التوازني، ذلك أنَ تشريعات مكافحة الإرهاب أخطر من الإرهاب في حد ذاته، نتيجة تعارض التشريعات مع الواقع لعدم وجود علاقة سببية بين الواقع والهدف بل فقط مجرد فكرة‏[20].

بناء على ما تقدم، فإن هذا التحليل يعد بمثابة الإطار النظري المقترح لكل من جورج وليامز وبِن غولدر الذي أسس ودعم مبادئ الموازنة بين الأمن الوطني وحقوق الإنسان. وتبنت الحكومة الجزائرية هذه المقاربة في سياق مكافحتها الإرهاب في إطار دبلوماسية إنسانية قائمة بالدرجة الأولى على حماية حقوق الإنسان وتجسد ذلك جلياً من خلال الاستراتيجية الأمنية الجزائرية لمعالجة مشكلة الطوارق، والاستراتيجية الأمنية الجزائرية لمواجهة تحدي الإرهاب والجريمة المنظمة.

يمثل «الساحل الأفريقي» العمق الاستراتيجي للجزائر، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال إهمال أهمية هذا الامتداد أو إغفال مكانته من خارطتها الجيوسياسية، حيث لا يمكن تجاوز حقيقة أن الجزائر بلد أفريقي، بل والبوابة الشمالية لأفريقيا وأحد أهم أعمدة وأركان ثالوثها الاستراتيجي (الجزائر، مصر، جنوب أفريقيا) وأكبر بلدانها مساحة بعد أن تم تقسيم السودان إلى دولتين‏[21]. وفي ظل التحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة العربية في ما عرف بـ «الحراك العربي»، وارتدادات ذلك على الأمن في منطقة الساحل الأفريقي، وبالتحديد الأزمة في مالي. فإنّ هذه التطورات أعطت لموضوع «الأمن في منطقة الساحل الأفريقي» أهمية غير خافية، وهي التطورات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقتضيات تحقيق الأمن الوطني في الجزائر التي سعت من خلال تجربة سياستها الخارجية إلى تحقيق الأمن في منطقة الساحل الأفريقي وطرح برامج وخطط تنموية وأمنية وآليات دبلوماسية لاستيعاب المخاطر الأمنية للمنطقة، وعلى رأسها ظاهرتا الإرهاب والجريمة المنظمة، موظفة بذلك تجربتها الطويلة في هذا المجال، بامتلاكها تصوراً وخطوطاً كبرى مكونة للمقاربة الجزائرية. فالدبلوماسية الجزائرية القائمة في شقها الأمني أولت اهتماماً بالغاً في أجندتها السياسية على قضايا القارة الأفريقية بصفة عامة، فكل التصورات التي تقدمها الجزائر في هذا الاتجاه قائمة على محور الأمن، وهذا من خلال تقوية نفسها عسكرياً وتفادي العزلة الدبلوماسية ومحاولة المشاركة وإبداء رأيها في كل قضايا القارة الأفريقية، وبخاصة في المناطق التي تعتبر حساسة للأمن القومي الجزائري كمنطقة الساحل الأفريقي، وهي تهدف إلى‏[22]:

1 – حماية الحدود الوطنية والسلامة الترابية.

2 – تعزيز القدرة الدفاعية وحماية الأمن الداخلي.

3 – الحفاظ على المكانة الإقليمية والدولية.

4 – مكافحة الإرهاب وكل أشكال التطرف.

وفي هذا السياق فإن السياسة الخارجية الجزائرية تشهد في الآونة الأخيرة حركية دبلوماسية مكثفة باتجاه الوسط الجغرافي المحيط بها نظراً إلى طبيعة وخطورة التحديات الأمنية المحدقة بجغرافيتها وكيانها، وعليه تتبنى الجزائر تصوراً أمنياً قائماً على فكرة الأمن الموسع، حيث سيطر هذا المفهوم على كل العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للسياسة الخارجية الجزائرية وبدرجة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجريم دفع الفدية، حيث تنضوي الجزائر تحت 14 صكاً دولياً في مجال مكافحة الإرهاب، إضافة إلى إعطاء أولوية للتنمية الوطنية والجهوية، فضـلاً عن محور آخر يتعلق بصورة الجزائر على الساحة الدولية في ما يعرف بالدبلوماسية العمومية، القائمة على ركيزتين أساسيتين:

أ – الدبلوماسية الجزائرية في مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي: لائحة تجريم دفع الفدية، ورفض أي تدخل خارجي.

ب – استراتيجية الجزائر لمكافحة الإرهاب في دول الميدان في الساحل الأفريقي‏[23].

3 – مرتكزات المقاربة الأمنية الجزائرية في الساحل الأفريقي

تستند المكونات الكبرى للمقاربة الأمنية الجزائرية بصورة كبيرة إلى مرتكزات تحقيق الأمن الإنساني ودعم مبادئ الدبلوماسية الإنسانية، التي نومئ إليها في المحاور الآتية:

أ – الآليات السياسية والدبلوماسية والأمنية

في إطار التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجريم دفع الفدية تبني الجزائر تصورها في تحقيق الأمن على مقاربة أمنية إقليمية في منطقة الساحل الأفريقي، تدعو من خلالها دول الساحل إلى ضرورة التعاون فيما بينها لمواجهة التهديدات الأمنية، وكذا العمل مع المجتمع الدولي في إطار التنسيق والتعاون بغية إيجاد حلول لمشاكل القارة الأفريقية وعينها في ذلك على أفرقة الحلول وإيجاد أطر إقليمية ونبذ أي تدخل خارجي، وإن كان التدخل الأجنبي في أصله بمثابة ضربة قاضية لفلسفة الأمن على المستوى الوطني أو الأفريقي. وتبني الجزائر تصورها هذا انطلاقاً من مرجعيتين أساسيتين:

– من خبرتها العميقة التي اكتسبتها في مجال مكافحة الإرهاب.

– ومن الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية للجزائر‏[24]، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول‏[25].

ويمكن رصد أهم الجهود الجزائرية في هذا الشأن في النقاط التالية:

  • تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية نظير الإفراج عن الرهائن المختطفين: حيث نجحت الدبلوماسية الجزائرية في الحصول على تأييد دول الاتحاد الأفريقي في دورته العادية بمدينة «سرت» الليبية في تموز/يوليو 2009 لتبني مقترح تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية، وعلى المستوى العالمي من خلال الدور الرائد الذي لعبته في استصدار مجلس الأمن القرار رقم 1904 بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2009 القاضي بتجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية نظير الإفراج عن الرهائن المختطفين.
  • الاتفاقية الأفريقية لمكافحة الإرهاب ومنعه (تموز/يوليو 1999).
  • اجتماع الفريق الرفيع المستوى لحكومات دول الاتحاد الأفريقي بشأن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في القارة الأفريقية، الذي عقد في الجزائر في 11 أيلول/سبتمبر 2002.
  • إنشاء المركز الأفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب 2004.
  • ندوة الجزائر حول الأمن والاستقرار في الساحل الأفريقي – 16 آذار/مارس 2010.
  • ندوة الجزائر الدولية حول الشراكة والأمن والتنمية: احتضنتها الجزائر بتاريخ 7 – 8 أيلول/سبتمبر 2011.
  • المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب: أسسته 30 دولة بمدينة نيويورك الأمريكية بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2011 على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
  • اتفاق تمنراست ومأسسة العمل الأمني: انعقد هذا الاتفاق في 12 – 13/8/2009 تطبيقاً لنتائج المؤتمر الوزاري التحضيري المنعقد في باماكو في تشرين الثاني/نوفمبر 2008.
  • وحدة التنسيق والاتصال (Unité de coordination et de communication «UCC»): أنشئت بالجزائر في 6 نيسان/أبريل 2010.
  • لجنة الأركان العملياتية المشتركة: (Comité d’état-major opérationnel «CEMOC»): أعلن عن تأسيسها بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2010.

كما ترجع الجهود السياسية والدبلوماسية الجزائرية في معالجة مشكلة الطوارق في كل من النيجر ومالي منذ تسعينيات القرن الماضي من خلال الوساطة الجزائرية بين مختلف الحركات والفصائل الطوارقية والحكومة المركزية في مالي، وفي ظل الأزمة الأخيرة (2012) ظلت الحكومة الجزائرية وفية لالتزاماتها راعية بشكل حصري جميع اتفاقيات السلام السابقة الموقعة بين الطرفين، وهو ما ظهر جلياً من خلال تحرك الدبلوماسية الجزائرية منذ بداية الأزمة مطلع 2012 في حث جميع الأطراف على ضرورة وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات بغية التوصل إلى حل سلمي وتوافقي يرضي جميع الأطراف، فضـلاً عن أن جولات الحوار ما زالت مستمرة في الجزائر العاصمة.

ب – الآليات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية

ما لا شك فيه أن الفقر وغياب التنمية البشرية من أهم المنابع الأساسية للانفلات الأمني وتصاعد الظاهرة الإرهابية في المنطقة، حيث تشير الكثير من الدراسات إلى أن انخفاض المستوى المعيشي وحالات الفقر والحرمان المادي والمعنوي كلها أسباب تؤدي إلى بروز التطرف وانتشار ظاهرة العنف البنيوي التي توسع نطاقها في كل الدول الأفريقية، إذ يرى وزير الخارجية الجزائري الأسبق «مراد مدلسي»، «أن حل مشاكل هذه المنطقة يكمن من خلال تحقيق استقرار حالة السكان التي تحتاج إلى ظروف معيشية آمنة ولائقة»‏[26]. فاليوم في الساحل الأفريقي كما في أي مكان آخر، يكون الرد على الإرهاب أولاً من خلال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ثم بـالعدالة الاجتماعية والتوزيعية والتعاون الأمني، بعيداً من الإطار العسكري لمعالجة ظاهرة الإرهاب، ذلك أنها مسألة معقدة ومتشابكة في آن واحد.

وعليه فإن الجزائر تكمن مقاربتها، في ما يخص بناء الأمن في منطقة الساحل الأفريقي، في الربط بين التنمية المستدامة من زاوية اقتصادية واجتماعية إلى جانب ضرورة السعي لتجسيد التنمية السياسية المرتبطة بنيوياً بالتنمية الديمقراطية من خلال تعزيز أطرها البنائية كبناء دولة القانون والمؤسسات والحكم الراشد واحترام حقوق الإنسان. وتحقيق ذلك سيسهم لا محالة في تحقيق الاستقرار والأمن ثم الوصول إلى تأسيس بيئة آمنة للإنسان في منطقة الساحل الأفريقي بما يتمشى ومنطق الأمن الإنساني وتفعيل وتحقيق متطلبات تجسيد الدبلوماسية الإنسانية‏[27].

كما يتجلى البعد التنموي من خلال مشاركة الجزائر في «قمة الإليزيه» حول السلم والأمن في أفريقيا (6 و7 كانون الأول/ديسمبر 2013) التي ركزت على ثلاثة محاور حول السلم والأمن في أفريقيا والشراكة الاقتصادية والتنمية، إضافة إلى التغيرات المناخية. وقد تم الإعلان عن تنظيم قمة الإليزيه من قبل الرئيس الفرنسي «هولاند» خلال قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في أيار/مايو 2013 بأديس أبابا بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين لتأسيسه.

وفي خضم الحرب الأخيرة في مالي التي أدت إلى انهيار كل أبنية الدولة، شاركت الجزائر في مؤتمر المانحين لتنمية مالي ببروكسل بتاريخ 15 أيار/مايو 2013، ضمن 45 وفداً من وزراء ومسؤولين من مالي وليبيا، إضافة إلى مانحين دوليين مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، لتمويل خطة تنموية للنهوض بالبلاد على مدى سنتين (2013 – 2014)، بعدما دمرتها الحرب ضد الجماعات الإسلامية المتشددة في شمال البلاد، حيث يعد هذا المؤتمر الذي بحث المسائل الاقتصادية لمالي حسب تصريح «عمار بلاني» الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الجزائرية، أنه «يشاطر تماماً التصور الجزائري المتعلق بعدم قابلية الفصل بين الأمن والتنمية». وفي هذا الاتجاه جاء على لسان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس (Laurent Fabius) في افتتاح المؤتمر «أن المعادلة بسيطة: لن يكون هناك أمن واستقرار دائمان من دون تنمية، ومن دون ديمقراطية. لذلك يتعين التحرك في وقت واحد على الأضلع الثلاثة لمثلث الأمن والديمقراطية والتنمية»‏[28].

وعليه فإن الجزائر تسعى جاهدة لمقاربة أمنية شاملة تسعى من خلالها لتعزيز الأطر الاقتصادية والاجتماعية والتنموية من خلال تنمية المناطق الجنوبية، ووضع تصور يقضي بإدماج الطوارق من خلال تقديم المساعدات الإنسانية إلى الحكومة المالية والدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، دونما إهمال الدعم المالي الذي يعد حجر الأساس في أي بناء يستهدف وضع استراتيجية استباقية لمنع وقوع الأزمات واستباقها عبر تصور شامل وحلول جذرية تستهدف بالدرجة الأولى الدفع نحو التنمية الإنسانية المستدامة.

الجدول الرقم (2)

آليات عمل المقاربة الجزائرية في إطار السعي لتفعيل مبدأ الدبلوماسية الإنسانية


البعد الداخلي: تعزيز مراقبة الحدود من أجل توقيف عملية الهجرة غير الشرعية.•
رسم مسار لتعزيز توطين التوارق وإدخاله كعنصر فعال في المجتمعات.•
البعد الخارجي: اللقاءات التنسيقية بين رؤساء ومسؤولي دول المنطقة.


تطوير المسار الديمقراطي من خلال الديمقراطية التوافقية، بناء السلام، تسوية الصراعات.

الآليات السياسية والأمنية
• إجراءات فورية، تنمية الجنوب، تمويل الهياكل القاعدية.


إحداث التوازن، تطوير الظروف الاقتصادية، المساواة والعدالة التوزيعية.


عدم التفرقة بين الجماعات وتجسيد مبدأ تكافؤ الفرص، مكافحة الفقر، حماية حقوق الإنسان.

الآليات الاقتصادية
• الإصلاح الثقافي، وتغيير الذهنيات.


خلق الوعي القومي وضرورة الاعتراف بالآخر ووجوب تبادل الاحترام.

الآليات الاجتماعية

المصدر: إعداد الباحثين.

 

خاتمة

تسعى الجزائر في إطار مقاربتها الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي لتغليب الآليات السياسية والدبلوماسية والتنموية على الآليات العسكرية في التغلب على التهديدات الأمنية في هذا الفضاء، وكذا إدارة المخاطر في إطار تصور يجمع ما بين فكرتي الأمننة والأنسنة سعياً لتفعيل منطق الأمن الإنساني وتجسيد مبدأ الدبلوماسية الإنسانية القائمة على احترام حقوق الإنسان كمدخل لتفعيل وتحقيق الأمن الوطني والجهوي على حد سواء.

وانطلاقاً مما تم بيانه وتفصيله من خلال هذا البحث، نتوصل إلى النتائج التالية:

  • تمثل منطقة الساحل الأفريقي منطقة استراتيجية هامة في التقسيم الجيوسياسي للعالم، كما تمثل العمق الجنوبي للجزائر ودائرة جيوسياسية مهمة من دوائر أمنها القومي.
  • انعكس الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي بصفة مباشرة على الأمن الجزائري بحكم الجوار الجغرافي، فأنتج تهديدات أمنية مسّت الجوانب السياسية والاقتصادية والمجتمعية والأمنية على حد سواء.
  • تعتبر الجماعات الإرهابية وأنشطة الجريمة المنظمة في منطقة الساحل الأفريقي من أهم وأبرز الفواعل المهددة للأمن في منطقة الساحل الأفريقي، ويعزى استفحال هذه الظاهرة إلى عوامل جغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية.
  • تكمن مواجهة التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي بالنسبة إلى صانع القرار الجزائري والدبلوماسية الجزائرية بوضع تصورات قائمة على المقاربة الجزائرية الكبرى في منطقة الساحل الأفريقي للتكيف مع هذه التهديدات، وهي تتمثل أساساً بمجموعة من الآليات السياسية والدبلوماسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية، من دون استبعاد الآليات العسكرية.
  • المقاربة الأمنية الجزائرية في منطقة الساحل الأفريقي ترتكز بدرجة كبيرة على مبادئ الدبلوماسية الإنسانية القائمة على حماية حقوق الإنسان والتنمية.

وعليه وجب العمل الأكثر على هذه المقاربة وتفعيل مبدأ الدبلوماسية الإنسانية والوقائية لاحتواء الفواعل المهددة للأمن القومي الجزائري من خلال مدخل التنمية ودعم الديمقراطية وتعزيز وحماية حقوق الإنسان. وكذا تعزيز الأطر الجهوية والإقليمية في ما يخص التعاون الأمني والاستخباري بين حكومات المنطقة في إطار تحقيق أمن جهوي، واستبعاد أي تدخل خارجي من شأنه تعقيد الأمور وإبقاء المبادرات الإقليمية في إطار الاتحاد الأفريقي قائمة وفعالة، فضـلاً عن تعزيز التعاون الدولي مع الشركاء في هذه المنطقة.

 

اطلعوا ايضاً على  اتحاد المغرب العربي في مربع الربيع العربي والإرهاب وتجارة المخدرات ومشكل الصحراء