مقدمة

يشير القانون المُلزِم (Hard Law) إلى وصف الطابع الملزِم قانونًا لمختلف الاتفاقات أو الأحكام، وهو نقيض القانون المرن (Soft Law)، الذي يتضمن قواعد ومبادئ غير ملزمة على نحوٍ صارم. ويتكون في مجال القانون الدولي من معاهدات أو اتفاقيات غير ملزمة ومن ثم لا يمكن فرض تنفيذها، كما يمكن أن يشمل أنواعًا معيَّنة من الإعلانات، والمبادئ التوجيهية، والمراسلات، وقرارات الهيئات الدولية، مثل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تستفيد إسرائيل من الهياكل القانونية غير الملزمة أو الغامضة للقانون الرخو أو المرن لتجنب المحاسبة على الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والبيئة في فلسطين. ويعَدّ بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خير مثال على استغلال إسرائيل هذا النوع من القوانين؛ فعلى الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2334 لعام 2016‏[1]، الذي يؤكد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فإن إسرائيل تصرّ على تجاهل هذه القرارات على الرغم من صدورها من أعتد المؤسسات الدولية، إضافة إلى تجاهل الالتزامات البيئية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتلاعب بالقوانين الدولية عبر استغلال غياب آليات قانونية دولية قوية تجبرها على الالتزام بتوصيات المنظمات الدولية.

في الاتجاه نفسه، تعمد إسرائيل إلى عقد شراكات اقتصادية مع مجموعة من الدول، مستفيدة من هذه الشراكات على المستوى الاقتصادي على الرغم من عدم احترامها حقوق الإنسان. وخير مثال على ذلك، انتهاك بعض الشركات الأوروبية العابرة للقارات القوانينَ الأوروبية التي تفرض على الدول الأطراف منع انتهاكات حقوق الإنسان من طرف شركات القطاع الخاص التابعة لها. وبما أن الكثير من هذه الوسائل القانونية غير ملزمة، لا يمكن مساءلة الشركات ومتابعتها ومقاضاتها وفقًا للقوانين الجاري العمل بها، ليبقى الحل هو تشبث المستهلكين بمقاطعة هذه الشركات، وجعل التعامل معها معلقًا على ضرورة احترام المعطيات البيئية وصون حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من الرقابة التي تفرضها منظمة الأمم المتحدة على الشركات المتعددة الجنسيات، فإن بعض الدول وعددًا من هذه الشركات تساهم بصورة غير مباشرة في تدمير البيئة وانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، عبر ضلوعها بطريقة أو بأخرى في هذه الانتهاكات، إذ إضافة إلى وجود دول قوية تساعد إسرائيل على انتهاكات حقوق الإنسان، كتلك التي تنقل إليها الأسلحة العسكرية وغيرها من الآليات، تتورط الشركات المتعددة الجنسية في هذا التدمير البيئي والتشريد للأفراد والجماعات، وهو تواطؤ محتمل في انتهاكات القانون الدولي؛ بحيث تستمر إسرائيل في انتهاك القانون الدولي بمساعدة الدول القوية التي تدعي أنها تدعم حقوق الإنسان، وذلك عبر تسخير الشركات المتعددة الجنسيات في هذه اللعبة القذرة. ويمكن أن نشير في هذا الصدد، إلى الدعم الأمريكي العسكري المطلق وغير المحدود للجيش الإسرائيلي، سواء تعلق الأمر بالدعم المادي بالسلاح والعتاد، أو بالدعم المعنوي عبر استخدام سلاح النقض (الفيتو) ضد القرارات الأممية المطالبة بوقف العدوان؛ وهو ما يجعلها شريكة في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. هذا إضافة إلى سياسة ازدواجية المعايير المتبعة من بعض الدول الغربية في التعامل مع حقوق الشعب الفلسطيني.

ويمكن في هذا الصدد، تقديم دعاوى في شأن مزاعم الإبادة الجماعية ضد دول أخرى بسبب دعمها العسكري لإسرائيل، ومن ثم العودة إلى سيادة القانون من جديد، وذلك عبر التوجه إلى محكمة العدل الدولية، كما حدث مع جنوب أفريقيا التي قدمت دعوى في شأن انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.

انطلاقًا مما سبق، تتحدد أهمية البحث بالنظر إلى كونه يعالج أحد التحديات الرئيسية التي تواجه القانون الدولي في سياق الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ويشير إلى تداخل معقد بين هذا القانون والسياسة، ويكشف عن كيفية استغلال الأدوات القانونية غير الملزمة لتجنب المساءلة الدولية، إضافة إلى أنه يجمع بين موضوعين متلازمين: البيئة وحقوق الإنسان؛ اللذين تربطهما علاقة عكسية، حيث تؤثر البيئة في التمتع بحقوق الإنسان، وهو ما ينعكس من جديد على الأمن البيئي، إذ لا يمكن التمتع بحقوق الإنسان من دون بيئة آمنة ونظيفة وصحية، ولا يمكن أن توجد حوكمة بيئية مستدامة من دون احترام حقوق الإنسان. وقد تم الاعتراف بهذه العلاقة بصورة متزايدة على مر السنين.

يحلل هذا البحث السياسات المتبعة من طرف إسرائيل في انتهاك حقوق الإنسان وتدمير البيئة في الأراضي الفلسطينية، مع التركيز على كيفية استغلالها الثغر القانونية لتفادي المساءلة عن الانتهاكات المستمرة، وتقييم مدى فعالية الإطار القانوني الدولي في محاسبة إسرائيل، وتقديم رؤى قانونية حول الآليات الممكن سلوكها لضمان المتابعة القضائية للجرائم المرتكبة.

يروم البحث مقاربة إشكالية رئيسية تكمن في دراسة العلاقة بين مدى نجاح الآليات القانونية الموجودة على المستوى الدولي في محاسبة إسرائيل عن انتهاكات حقوق الإنسان، وبين تمادي هذا الكيان في تدمير البيئة وتشريد الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

تنطلق الدراسة من الفرضيات الرئيسية التالية:

– تستفيد إسرائيل من القانون غير الملزم لتبرير سياستها المدمرة للبيئة وحقوق الإنسان في فلسطين، وهو ما يعكس الإفلات من العقاب وغياب المساءلة الدولية.

– إن عدم فعالية القانون الدولي التقليدي في محاسبة إسرائيل، يعزز استخدام القانون المرن كأداة للتلاعب بالممارسات البيئية وانتهاك الحقوق الأساسية.

– تَبَنِّي القانون الملزم عوضًا من القانون الليِّن على المستوى الدولي، من شأنه ضمان احترام حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 561 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 561 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 561 في تشرين الثاني/نوفمبر 2025.

محمد القواق: أستاذ باحث في جامعة عبد المالك السعدي،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، تطوان – المغرب.

[1]تبنى مجلس الأمن الدولي بأغلبية ساحقة، بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2016، قرارًا أيضًا تقدمت به السنغال، وماليزيا، وفنزويلا، ونيوزلندا، يدين الاستيطان ويطالب بوقفه في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولأول مرة منذ 36 عامًا، صوّت 14 عضوًا في مجلس الأمن لمصلحة القرار، في حين امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها عن التصويت.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز