مقدمة
تُعدّ شبكة العلاقات الاجتماعية من المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع، التي تُسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وبناء هوية وطنية جمعية فاعلة، حيث تتأثر هذه الشبكة بالعوامل الثقافية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، لذلك نحن بحاجة إلى فهم ميكانيزم (آليات) عمل هذه الشبكة وكيفية نشوئها في المجتمع حتى تصل إلى مرحلة التماسك، وكيف تتحوَّل في مرحلةٍ ما إلى الهشاشة والتفكك.
شهد المجتمع الليبي تحوُّلات جذرية منذ عام 2011 أدّت إلى انهيار النظام السياسي القائم. لم يُحدث هذا الانهيار فراغًا سياسيًا فقط، بل أحدث خلخلة في شبكة العلاقات الاجتماعية أيضًا، حيث انقسم المجتمع بين قبائل منتصرة وأخرى مهزومة. وقد تجلّى هذا الانقسام بوضوح خلال النزاعات المسلحة التي تلت عام 2011، مثل حرب 2014، وحرب 2018، وحرب 2019، حيث أدّت هذه النزاعات والصراعات إلى تفكك الروابط الاجتماعية وتزايد حالات العنف والعداء بين مكونات شبكة العلاقات الاجتماعية. وكانت هذه الصراعات والحروب تعيد إنتاج نفسها باستمرار في مناخ يتسم بالفوضى وعدم الاستقرار.
عطفًا على ذلك، أسفرت هذه النزاعات والصراعات عن تداعيات اجتماعية عميقة، مثل تهجير السكان، وتدمير البنية التحتية، وهو ما أثر سلبًا في العلاقات الاجتماعية وأدى إلى الشعور بالإقصاء وفقدان الثقة بين مكونات شبكة العلاقات الاجتماعية. وقد أدى هذا التأثير إلى الدمار المادي والمعنوي والنفسي واضطراب القيم والمعايير الاجتماعية. ومع تزايد الارتدادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أصبح من الضروري إعادة الهدوء والاتزان إلى النفسية الجمعية والحفاظ على قيم المجتمع، وإعادة بناء علاقات اجتماعية قويَّة في ظل مناخ صحي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وحتى نصل إلى ذلك، لا بد من دراسة كيفية تأثير هذه الصراعات والحروب في شبكة العلاقات الاجتماعية، وكيف يُمكن أن تُسهم تلك الشبكة في إعادة بناء التماسك الاجتماعي في ظل الظروف الحالية.
يُوفر فهم هذه الديناميات مؤشرات مهمة حول أهمية الموضوع، حيث نُسلط الضوء على التحدّيات والفرص التي قد تُواجه المجتمع الليبي في سعيه نحو إعادة التماسك الاجتماعي. ومن خلال هذا التحليل، نسعى إلى تقديم رؤية شاملة حول شبكة العلاقات الاجتماعية بين التماسك والتفكك، وذلك لتوفير قاعدة معرفية تُسهم في تعزيز الحوار والمصالحة الوطنية.
تخضع العلاقات الاجتماعية للدينامية الاجتماعية، فهي تتطور وتستمر وتمتد، وفي رحلتها الحركية الدينامية قد تتعرض للاضطراب والتوتر وتتفكك وتنتهي، كما أنها قد تنمو وتستمر وتستقر متأثرة في ذلك بكل العوامل المحيطة بها.
وما حدث في ليبيا في عام 2011 والحروب والصراعات التي تلته؛ كل ذلك قد ألقى بظلاله على بنية المجتمع الليبي وأثر في النسيج الاجتماعي، وانعكس سلبًا على العلاقات الاجتماعية وحال دون تطورها واستمرارها واستقرارها وتماسكها.
وبذلك فإن الإشكالية المطروحة في هذه المقالة تتمحور حول كيفية تأثير التحوُّلات السياسية والاجتماعية في ليبيا منذ عام 2011 في شبكة العلاقات الاجتماعية، وما هي الآثار الناتجة من الصراعات المسلحة في التماسك الاجتماعي؟
تتجلى هذه الإشكالية في الانقسام بين القبائل والمناطق، وفقدان الثقة، وتفكك الروابط الاجتماعية، وهو ما يستدعي دراسة دور هذه الشبكة في إعادة بناء التماسك الاجتماعي في ظل الظروف الحالية، وكيف يمكن أن تُساهم في دعم الحوار وتحقيق المصالحة الوطنية.
تهدف هذه الدراسة إلى فهم وتحليل وتفسير شبكة العلاقات الاجتماعية من خلال مقاربة شبكة الاتصالات التقنية؛ ومحاولة فهم وتشخيص وتحليل ما جرى لشبكة العلاقات الاجتماعية في ليبيا بعد عام 2011؛ وكيفية إعادة تماسك شبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع.
تبحث هذه المقالة في التساؤلات الآتية: ما هي آلية فهم وتحليل شبكة العلاقات الاجتماعية مقارنةً بشبكة الاتصالات التقنية في حالتي التماسك والتفكك؟ كيف يُمكن فهم وتشخيص وتحليل ما جرى لشبكة العلاقات الاجتماعية في ليبيا بعد عام 2011؟ ما السبيل لإعادة شبكة العلاقات الاجتماعية لتكون أكثر تماسكًا وترابطًا؟
تعتمد المنهجية في هذه المقالة على العصف الذهني بين عدد من الباحثين، وهي تُمثل ممارسة غير شائعة في بحوث العلوم الاجتماعية. يهدف هذا المنهج إلى تقديم رؤى معمّقة، وتحليل يتجاوز الأساليب الأكاديمية التقليدية.
تُعزّز هذه المنهجية من خلال التنوع الجغرافي للباحثين، الذين ينتمون إلى جامعات ليبية متعددة. هذا التنوع لا يمنح المقالة بُعدًا إضافيًا في الفهم والتحليل فحسب، بل يعكس أيضًا تنوع التجارب الاجتماعية والثقافية للباحثين؛ فالاختلاف في الخلفيات الأكاديمية والجغرافية يُساهم في إغناء النقاشات ويُحفز التفكير النقدي، حيث يطرح كل باحث رؤى فريدة تتأثر ببيئته.
كما يتيح تنوع التخصّصات في مجالات علم الاجتماع استخدام أدوات نظرية ومنهجية متعددة، وهو ما يُسهم في تقديم تفسير أعمق لشبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الليبي، ويُمكن أن يؤدي هذا التنوع إلى اكتشافات جديدة ويُعزّز من جودة المقالة وصدقها.
عمومًا، يُمكن تحديد ملامح المنهجية على النحو الآتي:
– القيام برصد وقائع شبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الليبي خلال المرحلة التي تلت عام 2011، من خلال المعايشة اليومية للأحداث، مع تقديم توجيهات مستندة إلى نتائج عصف ذهني، وهو ما يُعزّز من صلة البحث بالواقع الاجتماعي.
– مشاركة عدد من الأساتذة في علم الاجتماع من مختلف الجامعات الليبية، وهو ما يُثري النقاش الأكاديمي، ويُعزّز مصداقية النتائج، والمقاربة الاجتماعية لشبكات العلاقات الاجتماعية المطروحة.
– استخدام طريقة العصف الذهني كأداة فعّالة لتوليد الأفكار، وهو ما يعكس أسلوبًا تفاعليًا في البحث والتحليل. تُتيح هذه الطريقة إشراك مجموعة متنوعة من الآراء، وهو ما يُسهم في تقديم تحليل أكثر شمولية وعمقًا لقضية شبكة العلاقات الاجتماعية المطروحة.
لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 562 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:
المصادر:
نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 562 في كانون الأول/ديسمبر 2025.
مجموعة الكتّاب: حسين سالم مرجين، سالمة إبراهيم بن عمران
مبارك الكوني بالرقدو، سامي عبد الكريم الأزرق
عائشة صالح كجمــان، يوسف محمّد الصيد
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.



