في الواقع يوجد فعلًا مشروع أمريكي – صهيوني لاستعمار المشرق العربي والشرق الأوسط بمعناه العريض، أي تلك المنطقة الممتدة من ليبيا وحتى أفغانستان ومن تركيا حتى السودان، وهذا المشروع عقائدي – سياسي – عسكري هدفه النهائي استغلال تسيُّد السلطة السياسية في دول المشرق العربي والشرق الأوسط بمعناه العريض بواسطة نظم معظمها عسكرية أو ذات حاضنة عسكرية أو طائفية متهرئة فاقدة الصلاحية غير منتخبة يمكن إدارتها عن بعد وفقًا لقاعدة: «اِفعل ما تُؤمر به» لفرض الهيمنة الشاملة الأمريكية – الصهيونية على المجتمعات في هاتين المنطقتين المُتداخلتين. بدأ تنفيذ هذا المشروع وفقًا لمضمون رسالة بعث بها آرثر بلفور للمصرفي البريطاني البارون روتشيلد، التي بناءً عليها أُعلن في النهاية عن قيام دولة إسرائيل في 15 أيار/مايو 1948. ثم شرع الصهاينة في العمل الدبلوماسي والسياسي داخل فلسطين وخارجها بالتوازي مع تنظيم تشكيلات إرهابية عُصابية مُسلحة داخل فلسطين لترويع الأهالي واحتلال أراضيهم بالتعاون مع الولايات المتحدة، التي تولت سيادة العالم بعد إحراز الانتصار العسكري على الرايخ الألماني الثالث في الحرب العالمية الثانية التي انتهت في أيار/مايو 1945. ثم بدأت الولايات المتحدة حربين أخريين من نوع مختلف: الأولى حرب الإحلال، أي إحلال سيطرة الولايات المتحدة محل السيطرة الاستعمارية التقليدية البريطانية في العالم؛ والحرب الثانية باردة اتسمت بمظاهر مختلفة للمواجهة مع الاتحاد السوفياتي استمرت حتى سقوطه وتفككه عام 1991.

في المرحلة المبكرة للإحلال الأمريكي، وبخاصة في المشرق العربي والشرق الأوسط، بدأت الولايات المتحدة في الاتصال بالعسكريات المحلية في هذين الإقليمين. وبالفعل أقامت صلات واتصالات تحتية معها لمدى زمني طويل، وفي سياقها حدثت سلسلة من الانقلابات العسكرية التي بعد أن أطاحت النظم التقليدية. اتشحت بأصباغ الاشتراكية والعروبية والرأسمالية واللاأدرية.

واستطاع الإعلام المُوجه تنميط معظم العقل الجمعي للمجتمعات العربية والشرقية بل وتغييبه. كل ذلك توازى زمنيًا مع العمل الأمريكي – الصهيوني الدؤوب لترسيخ الدولة العبرية/اليهودية/الصهيونية داخل فلسطين. هذا العمل الذي بدأ دبلوماسيًا عندما استأنفت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها بعد ظهر يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر1947 وتم التصويت على مشروع قرار تقسيم فلسطين الذي حصل على 33 صوتًا مقابل 13 صوتًا وامتناع 10 أصوات، وبذلك حصل على أغلبية الثلثين التي تتطلبها المسائل المهمة طبقًا للمادة 18 من ميثاق الأمم المتحدة. فقد مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على الدول التي لم تؤيد مشروع قرار التقسيم إبان عهد الرئيس ترومان[1].

استمر هذا الدور الأمريكي بوتيرة خافضة رافعة حتى عهدة الرئيس ترامب الأولى التي صدر خلالها قرارات غير مسبوقة تجاوزت تمامًا قرارات الشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية؛ مثالها قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقرار الاعتراف بقرار الكيان الصهيوني ضم الجولان وغيره، ودعم ما سُمي الاتفاقات الإبراهيمية، وهو اسم مُوحى[2].

إن إطلاق اسم مشروع سلام عربي على الجهود السلمية العربية كافة هو محض خيال سياسي لا علاقة له بالواقع. فكل هذه الجهود – ودعنا نكون صرحاء – أتت من طرف مهزوم هو الطرف العربي. فالهزيمة ليست وقفًا بالضرورة على المعنى العسكري، ولكنها يمكن أن تكون هزيمة بالمعنى السياسي والأخلاقي. وهذه هي المحنة العربية الموازية والمتزامنة مع حرب غزة، فالصهاينة الذين قبّلوا أيادي الدول في نهاية الخمسينيات وحتى هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967 حتى تعترف بهم كدول قامت بقرار من الأمم المتحدة وليس نتيجة إرهاصات شعبية وتاريخية تمنع وتحتج على الدول التي أعلنت عن نيتها فقط الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعلى رأسها فرنسا التي أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون في 24 تموز/يوليو 2025 أن فرنسا ستعترف من جانب واحد بفلسطين[3].

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 562 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 562 كانون الأول/ديسمبر 2025

 

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 562 في كانون الأول/ديسمبر 2025.

بلال المصري: كاتب ودبلوماسي مصري.

[1] مصطفى عبد العزيز، التصويت والقوى السياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، سلسلة دراسات فلسطينية (بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1968).

[2] انظر: المصدر نفسه.

[3] انظر: موقع AEI في25 تموز/يوليو 2025.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز