المؤلف: هشام عبد الوهاب الشيخ

مراجعة: محمد صالح محمد

الناشر: د. هشام عبد الوهاب الشيخ، البحرين

سنة النشر: 2025

 

أولًا: رحلة مع سيرة إنسان: استعراض لإرث فخرو

يقدّم الدكتور هشام عبد الوهاب الشيخ في كتابه المعنوَن الدكتور علي فخرو: رائد الفكر والتطوير سيرةً توثيقيةً موسعةً لحياة المفكر العربي والوزير البحريني السابق. ينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب رئيسة تتتبّع مسيرة فخرو منذ نشأته وتعليمه في البحرين ولبنان، ثم تخصّصه في طبّ القلب في الولايات المتحدة الأمريكية، مرورًا بمسيرته المهنية الحافلة في مجالات الصحة والتربية والدبلوماسية، وصولًا إلى مواقفه الفكرية والسياسية. يعتمد المؤلّف على أرشيف غنيّ يضمّ أكثر من مئتي صورة، مقدّمًا عملًا يُعَدُّ مصدرًا مهمًا للباحثين في التاريخ الحديث للبحرين والمنطقة العربية.

ويؤكد المؤلف أن غايته من إصدار هذا الكتاب هي الإشادة بمسيرة الدكتور علي فخرو الحافلة بالعطاء، حيث ساهم في تشييد وتطوير البحرين في مختلف القطاعات، مع تسليط الضوء على التزامه الراسخ بتطوير التعاون الخليجي المشترك ودفع عجلة العمل العربي المشترك.

يقع الكتاب في 388 صفحة من القطع المتوسط، مع تصميم أنيق وطباعة فاخرة على ورق عالي الجودة، وهو ما يعكس العناية الكبيرة في إخراجه على نحو يليق بمحتواه المتميز.
ويُعَدّ الأستاذ محمد حسن كمال الدين من أوائل من تناولوا شخصية علي فخرو، وذلك في كتابه: وجهان في المسيرة؛ الصادر عام 1993. وقد كتب كمال الدين تحت عنوان رئيسي هو: “الطبيب… الذي خسره مرضاه وربحته البحرين”، حيث وصفه قائلًا إنه:

“شخصية من أبرز سماتها ولعها الشديد – غير المحدود – بالاطلاع منذ نشأته المبكرة على مختلف الثقافات. وحين حمل ذلك الإرث الثقافي والعلمي إلى كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، بدأت طاقاته تتفتح على عوالم أرحب، فدخل معترك الأفكار والتيارات، وانحاز – بطبيعة تكوينه النفسي والاجتماعي – إلى قيم الحرية، مما دفع أساتذته إلى أن يروا في فورة شبابه القومية عودًا صالحًا سيتحول يومًا ما إلى شجرة تثمر أفكارًا ديمقراطية وأعمالًا متميزة”[1].

تكمن الأهمية الاستثنائية لهذا الكتاب في كونه الأول من نوعه الذي يُكرَّس بأكمله لسبر أغوار سيرة الطبيب والمفكر العربي اللامع علي محمد فخرو، مسلطًا الضوء على مراحل مختلفة من حياته، وكاشفًا عن بعض رؤاه السياسية تجاه عدد من القضايا المحورية في الشأن العربي.

ثانيًا: بين بيروت والمنامة:

محطات تكوين شخصية رجل الدولة والمفكر

يضع المؤلّف هيكلًا زمنيًا موضوعيًا لسرد حياة الدكتور علي فخرو. فيُخصّص الباب الأول لنشأة فخرو وتكوينه الفكري المبكّر، بدءًا من طفولته وتعليمه الأساسي، وصولًا إلى دراسة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت. يسلط هذا القسم الضوء على التأثير العميق لبيروت كمركز للحراك السياسي والفكري في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي في تكوين وعيه، حيث انخرط في حزب البعث العربي الاشتراكي، قبل أن يعيد تقييم تلك المرحلة لاحقًا بعد فشل تجربة الوحدة بين مصر وسورية في مطلع الستينيات، وهي لحظة مفصلية كشفت له الفجوة بين النظرية السياسية والتطبيق العملي. ويرى فخرو أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه قد اختُطف بواسطة العسكر، وتسبب في فشل الوحدة المصرية – السورية. ولهذا عَدّ نفسه خارج الحزب منذ تاريخ الانفصال. وفي هذا الشأن يرى علي فخرو “أن حزب البعث العربي الاشتراكي كان مرشحًا لأن يكون الطريق لخلاص الأمة العربية ولمشكلاتها لو سار في مساره الصحيح كما رسم له الأوائل من المؤسسين سواء عفلق أو البيطار؛ لأن جوهر الحزب كان مبنيًا على أساس أن يوحّد ويجمع الأمة الممزقة المتفرقة الضعيفة”.

ينقل الكاتب عن فخرو إشارات إلى مدى تعلّقه ببيروت، فيذكر على لسانه قوله خلال حديثه عن دراسته في الولايات المتحدة: “في خريف عام 1958 وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية… قبل ذهابي إلى تكساس بأيام، توجهت إلى نيويورك في زيارة قصيرة للسلام على أستاذي السابق في الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتور سكوت، الذي كان يعمل في الطابق الخمسين بإحدى ناطحات السحاب. بعد السلام عليه وتجاذب أطراف الحديث، أخذني إلى نافذة مكتبه وحَدَّق إلى الخارج، ثم قال لي: ‘انظر يا علي إلى كل هذه المناظر والأضواء وإلى هذه المباني الشاهقة في نيويورك.. أتمنى لو أستبدلها بأيام أعيشها في بيروت. الحياة هناك مختلفة’. كان هذا يعبّر عن مدى حبّه وتعلّقه بأجواء لبنان التي لم يكن يضاهيها شيء في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. بيروت كانت تبهر من يزورها ويعيش فيها.. مدينة فيها من الحركة والتفاعل والوهج الفكري والثقافي والسياسي ما لا يمكن وصفه”.

وينتقل الكاتب في الباب الثاني، تحت عنوان “الدكتور علي فخرو… وزيرًا… سفيرًا… مصلحًا”، إلى سرد مسيرة فخرو المهنية البارزة في دوائر صنع القرار في البحرين. يتتبّع المؤلّف تعيين فخرو كأول وزير للصحة بعد استقلال البلاد عام 1971، ثم انتقاله إلى وزارة التربية والتعليم التي قادها منذ عام 1982 حتى تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتولّى منصب سفير البحرين في فرنسا عام 1996. يختتم هذا الباب بمناقشة موقف فخرو من الإصلاحات الدستورية في البحرين عام 2001، مما يضيف بُعدًا سياسيًا مهمًا للسيرة.

الدكتور فخرو هو أول طبيب بحريني يتخرّج من الجامعة الأميركية في بيروت في منتصف الخمسينيات، في وقت كانت فيه مهنة الطب في البحرين حكرًا على أطباء الإرسالية الأمريكية وأطباء أجانب آخرين. عمل في القطاع الصحي الحكومي لمدة سنتين بعد تخرجه، لكنه واجه تحديات وعقبات في ظل هيمنة الكادر الطبي غير البحريني على المهنة آنذاك. فسافر إلى الولايات المتحدة لمواصلة تخصصه، ومكث هناك حتى مطلع الستينيات. بعد عودته، عُيّن مساعدًا لرئيس الخدمات الطبية التي كان يرأسها الدكتور ريتشارد سنو البريطاني، في وقت كانت البحرين تحت الحماية البريطانية. واصطدم الدكتور فخرو مرة أخرى بالإدارة البريطانية التي فوجئ بمحاولتها تأخير ترقيته إلى استشاري، على الرغم من أنه كان يستحقها، بحسب تعبيره، بعد أن تلقى تدريبًا كافيًا في أرقى المستشفيات الأمريكية.

ويصف الدكتور فخرو واقع الحقل الطبي في البحرين خلال فترة الحماية البريطانية بالمتردي، إذ كانت تتفشى الأوبئة المعدية مثل الملاريا والجدري والحصبة. ولم يكن في البلاد سوى مستشفى حكومي واحد وهو مستشفى النعيم، وكان مستشفى السلمانية حينها للولادة فقط. أما المراكز الصحية فلم تكن متوافرة، باستثناء أربع عيادات بدائية، ومعظم الأطباء الأجانب عموميون، وكان ذوو الاختصاص محدودين. هذا الواقع المر جعل فخرو مشغولا بالتفكير في سبل النهوض بالخدمات الطبية في البلاد. وأصبحت الفرصة مواتية لتحقيق كثير مما كان يطمح إليه في هذا المجال بعد إعلان استقلال البحرين في 14 آب/أغسطس 1971، حيث تم تعيين الدكتور فخرو أول وزير للصحة في تاريخ البلاد.

يشير الكتاب إلى بعض إنجازات الدكتور فخرو خلال توليه منصب وزير الصحة، ومنها تأسيس كلية العلوم الصحية عام 1976 بالتعاون مع مؤسسة خدمات الجامعة الأميركية في بيروت، بهدف رفد القطاع الطبي بالكوادر المؤهلة في التمريض وفنيي الأشعة والمختبرات والصيدلة. غير أن فخرو يُعرب عن أسفه، بعد نحو خمسة عقود على إنشاء الكلية، لعدم قدرتها على تحقيق “البحرنة” الكاملة في هذه التخصصات، وبخاصة بعد أن ألحقت بجامعة البحرين بعد أن كانت تابعة لوزارة الصحة. ومن إنجازاته الأخرى في المجال الصحي تأسيس برنامج طبيب العائلة في نهاية السبعينيات بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت، وإنشاء المراكز الصحية في مختلف مناطق البلاد، حيث أولى هذا الأمر اهتمامًا منذ عام 1969.

على الصعيد القومي، لاحظ فخرو أن عددًا كبيرًا من الأطباء العرب الذين يتدربون في الولايات المتحدة والدول الأوروبية يتم استقطابهم للعمل فيها، وهو ما يتسبب في خسارة الدول العربية لكفاءاتهم. ولهذا السبب، طرح فكرته بإنشاء برنامج عربي لتدريب الأطباء على الأرض العربية أمام مجلس وزراء الصحة العرب، فبارك المجلس الفكرة واعتمدها. وقد درَّب هذا البرنامج حتى اليوم أكثر من 35 ألف طبيب عربي في أكثر من خمسين تخصصًا رئيسيًا وفرعيًا.

وفي مجال التعليم، كان للدكتور علي فخرو أيضًا دور بارز في تطوير قطاع التعليم في البحرين حين كان وزيرًا للتربية والتعليم منذ مطلع الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي. فقد قام بتطوير التعليم الابتدائي عبر تدريب معلميه واستحداث نظام معلم الفصل، إضافة إلى اعتماد نظام الساعات المعتمدة في التعليم الثانوي. كما ساهم الدكتور فخرو في تطوير التعليم العالي عبر تأسيس أول جامعة وطنية وهي جامعة البحرين، حيث تم دمج كلية الخليج للتكنولوجيا والكلية الجامعية عام 1986، وبدأت الجامعة انطلاقتها الفعلية بدءًا من عام 1987. كما كان للدكتور فخرو دور ريادي في تأسيس مشروع أكاديمي خليجي وحدوي، ألا وهو جامعة الخليج العربي التي اتخذت من البحرين مقرًا لها، حيث استقبلت أول دفعة طب عام 1982 قبل اكتمال بناء الجامعة وتجهيزها عام 1984.

يسلط الكاتب أيضًا الضوء على تجربة فخرو في المجال الدبلوماسي، حيث عُين في منتصف التسعينيات من القرن الماضي سفيرًا لبلاده في العاصمة الفرنسية باريس، وممثلًا لها لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). ويصف الكاتب هذه التجربة بأنها كانت بمنزلة استراحة محارب.. لم يستهوِه العمل الدبلوماسي والمنصب، لكنّه أضاف للدكتور فخرو بُعدًا ثقافيًا جديدًا، وأتاح له الفرصة لدعم القضايا العربية المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين.

أما الباب الثالث فيعرض لمواقف فخرو الوطنية والقومية، مع تركيز خاص على القضية المركزية للأمة العربية، قضية فلسطين التي تغلغلت في وجدانه منذ أن كان طالبًا في الثانوية، حيث قاد تظاهرة مناصرة لفلسطين في عام 1948. ونظرًا إلى كونه شخصية عروبية وحدوية، فقد كان الشأن الإقليمي يشغله باستمرار، حتى مع انشغاله بالمسؤوليات الوطنية المحلية. ويعكس الكتاب الكثير من آراء الدكتور فخرو حول الشأن الإقليمي؛ ففي معرض حديثه عن هزيمة 1967، يرى أن أحد كوارث العمل السياسي في الوطن العربي هو الانفصال بين القوميين والإسلاميين، قائلًا:

“بعد هزيمة 1967 ظللتُ أنادي بأنه قد آن الأوان لأن يكون هناك تقارب بين القوميين والإسلاميين، إلى أن تأسس مركز دراسات الوحدة العربية بفكرة من الدكتور سعدون حمادي، وبدأ بعقد الاجتماعات المشتركة بين القوميين والإسلاميين، والتي ساهم في عقدها العديد من الأخوة من أمثال الدكتور خير الدين حسيب ومعن بشور وغيرهما. وباعتقادي أنه لا يوجد تناقض بين الفكرتين”.

وحول إنشاء مركز دراسات الوحدة العربية، يذكر فخرو أنه كان أول من ناقش فكرة تأسيس المركز مع سعدون حمادي خلال إحدى زياراته للعراق في منتصف سبعينيات القرن العشرين، قائلًا: “… بعدها أسسنا المركز اعتمادًا على المساعدات الحكومية… فحصلنا على مساعدات من حكومات العراق والإمارات والبحرين… أما الآن فالمركز مستقل بشكل تام”.

ويقدم الكتاب عرضًا لوجهة نظر فخرو حول سبل معالجة التحديات التي تواجه العمل السياسي العربي ومستقبل مجلس التعاون الخليجي. ويقر فخرو في تشخيصه بالواقع المرير للأمة العربية، حيث يُظهر تمسك الدول القطرية بالسيادة الوطنية وتعثر المشروع الوحدوي، بما يجعل المجلس عاجزًا عن مواكبة المتطلبات المستقبلية في ظل تحولات عالمية كبرى مثل ثورة المعلومات والعولمة. ويدعو الدكتور فخرو إلى مراجعة نقدية جريئة لبعض الشعارات السياسية العربية (كالوحدة والاشتراكية)، ويطالب بطرح استراتيجيات جديدة تعتمد الديمقراطية التشاركية وحقوق الإنسان وبناء مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة. كما يطالب بالمصالحة التاريخية بين التيارين القومي والإسلامي، مشددًا على أن الخروج من “الكبوة الحالكة” التي تعيشها الأمة العربية يتطلب عملًا عربيًا مشتركًا قائمًا على العقلانية والانفتاح على روح العصر، وليس على الانكفاء والاستسلام لمنطق التفتت والتبعية.

ويُختتم الكتاب بباب رابع توثيقي، يضم شهاداتٍ ورسائلَ من شخصيات متنوعة كُتبت في حق الدكتور فخرو، وهو ما يضفي طابعًا تكريميًا على العمل.

ثالثًا: قراءة في منهجية السرد

يتميز أسلوب الكاتب بالرصانة الأكاديمية والوضوح، مع حرص كبير على الدقة في سرد الوقائع والأحداث. وتكمن القوة الأساسية للكتاب في قيمته الأرشيفية؛ حيث تمنح الصور النادرة والمستندات القارئ نافذة على سياقات تاريخية مهمة. ويشير المؤلّف إلى أن إعداد الكتاب استغرق خمس سنوات، وهو جهد يُشكر عليه ويعكس التزامًا بتقديم عمل شامل.

يُسلط الكتاب الضوء على تنوع إسهامات الدكتور فخرو الاستثنائية، مقدّمًا صورة متعددة الأبعاد لرجل دولة جمع بين الممارسة الطبية والإدارة الوزارية والعمل الدبلوماسي والفكر النقدي. يحاول المؤلّف تقديم فخرو كرمز وطني دون أن يقع بالكامل في فخ التمجيد المفرط، محافظًا على مسافة موضوعية في عرض الوقائع والإنجازات.

وقد أحسن المؤلّف باللجوء إلى المصادر الأولية في هذا العمل، حيث اعتمد على مقابلات شخصية أجراها مع الدكتور علي فخرو، إضافة إلى شهادات عدد كبير من زملائه في العمل وأفراد أسرته، الذين تحدثوا عن حياته الشخصية كأب ورب أسرة.

رابعًا: إضاءات نقدية

على الرغم من مزاياه التوثيقية، فإنّ أبرز قصور في هذا العمل هو افتقاره إلى التعدّدية النقدية. يقدّم الكتاب سيرة “احتفائية” إلى حد كبير، تتجنب الخوض في الجدالات أو المواقف النقدية التي قد تكون أحاطت بمسيرة فخرو الطويلة والحافلة. إذ إن منصبًا كوزير للتربية والتعليم لنحو عقد ونصف من الزمن لا بد أن يكون قد ارتبط بسياسات مثيرة للجدل أو قرارات قوبلت بالنقد، وهي كلها غائبة عن التحليل.

كما أن العنوان الفرعي للكتاب “رائد الفكر والتطوير” يوحي بدراسة الجانب الفكري للدكتور فخرو، لكن الكتاب يركز بصورة أكبر على المناصب والإنجازات الإدارية على حساب تحليل مضامين فكره. كان من الممكن أن يثري المؤلّف عمله بصورة أكبر لو قام بتحليل النصوص والمقالات التي قدم فيها الدكتور فخرو آراءه وأطروحاتها للتعرف إلى تطوّر أفكاره، بدلًا من الاكتفاء بالإشارة إليها أو سرد عناوينها.

وعلى الرغم من تناول الكتاب للكثير من جوانب سيرة الدكتور فخرو، إلا أنه أغفل بعض المحطات المهمة، مثل دوره في استقلال البحرين وتأكيد عروبتها من خلال مشاركته في اجتماعات جنيف السرية بين الجانبين البحريني والإيراني التي عقدت في أواخر الستينيات، والتي هدفت إلى وضع حدّ لمطالبات الشاه محمد رضا بهلوي بالبحرين. كان من شأن التطرق إلى هذا الجانب إثراء العمل أكثر بتوثيق هذه المفاوضات من وجهة نظر عربية، علمًا أن الأرشيف البريطاني قد تناول بالتفصيل كثيرًا من خبايا تلك المفاوضات، من وجهة نظر بريطانية.

كما أن الكتاب لم يتناول وجهة نظر فخرو حول مفاوضات الاتحاد التساعي التي جرت في أواخر الستينيات بين تسع إمارات خليجية (البحرين وقطر وإمارات الساحل المتصالح السبع)[2]، والتي أسفرت في النهاية عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بعد انسحاب البحرين وقطر من المفاوضات وإعلان استقلالهما عام 1971. إن تقييم تلك المفاوضات التي شارك فيها الدكتور فخرو كان ليوضّح ما جرى في تلك المحطة المفصلية في تاريخ المنطقة والتي أفضت إلى قيام وحدة قطرية عربية هي الأنجح حتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من هذه الملاحظات، يُعدّ كتاب الدكتور هشام الشيخ إضافةً قيمةً للمكتبة العربية، ومرجعًا مهمًا لأي باحث في تاريخ البحرين والمنطقة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. فهو عمل توثيقي جادّ وجهد مُقدَّر يحفظ إرث شخصية عربية مؤثرة. ومع ذلك، فإن غياب العمق النقدي والتحليلي يحول دون تصنيفه كدراسة فكرية أو سيرة نقدية معمقة. يبقى هذا الكتاب مصدرًا غنيًا بالمعلومات، وينتظر أن يكون الأساس الذي ستُبنى عليه دراسات لاحقة أكثر جرأة في طرح الأسئلة والنقد، لتكتمل الصورة حول إرث الدكتور علي فخرو الفكري والسياسي.

وختامًا، لا يسع المرء إلا أن يشعر بالأسف لعدم قيام الدكتور علي فخرو – أطال الله في عمره – بتدوين مذكراته الشخصية بنفسه. فلقد كانت شهادته المباشرة ستمنحنا وثيقةً تاريخيةً فريدة، تروي بتفصيل أخّاذ محطات حياته الحافلة التي تشابكت مع أحداث محلية وإقليمية ودولية كوّنت مصير المنطقة. إن غياب هذه السيرة الذاتية بقلم الدكتور فخرو ذاته يمثّل فجوةً في الأرشيف المكتوب للخليج والوطن العربي، كان من الممكن أن تملأها رؤية الرجل نفسه لتلك التحولات العاصفة التي لم يشهدها فحسب، بل ساهم في صوغها بفكره وفعله. ويظل السؤال المحير: لماذا آثر فخرو، حتى اليوم، ألّا يكتب بنفسه شهادته التاريخية هذه في كتاب، رغم أنه سجل جزءًا كبيرًا منها في أكثر من برنامج مرئي، وفي الكثير من مقالاته المنشورة؟

المصادر:

محمد صالح محمد: باحث عربي، دكتوراه في القانون الدولي.

[1]  محمد حسن كمال الدين، وجهان في المسيرة، دار الغد، البحرين، الطبعة الأولى، 1993، ص233.

[2] إمارات الساحل المتصالحة هي تلك التي تتكون منها اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز