المؤلف: أحمد الدبش

مراجعة: قسم التوثيق والمعلومات في مركز دراسات الوحدة العربية

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2025

عدد الصفحات: 304

كيف تدحرج «تخيُّل الأرض المقدسة»، ومتى عُقدت الصلة بين «الشعب اليهودي المتخيَّل» وفلسطين، التي اختُرع اسم لها هو «أرض إسرائيل» لإثبات تلك الصلة «المُتخيَّلة»؟ يسعى الكاتب، الباحث الفلسطيني في التاريخ القديم، في هذا الكتاب للإجابة عن هذا السؤال المحوري، متناولًا السيرورة التاريخية لتطور عملية تخيُّل «الأرض المقدّسة» لدى اليهود في فلسطين. ومن خلال بحثه، يوضح «كيف نجح المشروع الصهيوني في استخدام هذه الصلة «المُتخيَّلة» كأداة توجيه ورافعة في إفراغ فلسطين والتاريخ الفلسطيني من أي معنى حقيقي، حتى أصبح هذا التاريخ أسيرًا لروايات توراتية إلى درجة يكاد يتعذّر معها التحرّر منها؛ فخسرت فلسطين تاريخها أمام القوى الإمبريالية الأوروبية أولًا، وفي مواجهة تلفيق وتركيب تاريخ «عبري/إسرائيلي» للماضي ثانيًا، ما لبث أن أصبح رواية قومية إسرائيلية بعد ذلك».

تكمن أهمية الكتاب في كونه يتناول صراعًا متصاعدًا على السردية التاريخية، بين أصحاب الأرض الأصليين وأولئك الغرباء عنها، ممن لفظتهم شعوب الأرض، ومن ثم يأتي في سياق عملية النضال في سبيل تحرير الحقائق التاريخية المتعلقة بتاريخ فلسطين القديم من رؤى وسرديات توراتية وتلمودية أسطورية تخيُّلية لم تنجح البحوث والاستكشافات الآثارية على مدى أكثر من قرن في إيجاد دلائل حسِّية دامغة على حقيقتها، وهذا ما يؤكد أهمية الشروع في الخروج من بوتقة «الكتاب المقدس» بوصفه تاريخًا.

وفي هذا السياق، يسلّط الكتاب الضوء على الأساطير التي ساهمت في استعمار فلسطين والتي اخترعت القوى الإمبريالية الأوروبية منها قوميةً جديدة، هي «الشعب اليهودي» الذي كُوّن على أساس «الكتاب المقدس»، وشحنتها بغايات استعمار فلسطين بوصفها «وطنًا» لـ «الشعب اليهودي».

يسلِّط الكتاب، في سعيه لتقويض هذه الأساطير، الضوء على أكذوبة كون فلسطين هي «أرض إسرائيل»، وذلك انطلاقًا من حقيقة غياب أي أدلة آثارية واضحة تحسم بأن فلسطين احتضنت تجربة «الكتاب المقدس»، أو تجربة «بني إسرائيل»، وذلك في ظل وجود تناقض بين ما يسطره «التناخ» في ما يخص تفاصيل المواقع الجغرافية، وبين ما تشهد به الأرض بعد أن خضعت للبحوث والاستكشافات الآثارية.

كما يتناول قصة الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم (324 – 337) الذي أدرك، بعد أن اعتنق الديانة المسيحية، وأصبحت ديانة رسمية معترفًا بها في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، أن إمبراطوريته «المسيحية» تحتاج إلى رموز، وآثار، تكفل لها الأصداء التاريخية.

يوضح الكتاب أنه مع زحف الجيوش الصليبية على فلسطين وبسط سيطرتها عليها، توافد الحجاج الأوروبيون بأعداد كبيرة إلى فلسطين. وهيمنت التصورات التوراتية على كتاباتهم، فنظروا إلى فلسطين بوصفها «أرض أحداث الكتاب المقدس» ليس إلّا، في حين أهمل المستشرقون في دراساتهم الثقافة العربية الشعبية التي نشأت وتطورت حول الأماكن المقدسة، وهو ما حجب الصورة الفعلية عن الواقع الفعلي لفلسطين.

ويلفت الكتاب النظر إلى أن أتباع الحركة البيوريتانية – وهي الحركة التطهيرية التي انبثقت من البروتستانتية في بريطانيا – وخلال القرنين السادس والسابع عشر، كانوا أول من قرأ «التناخ» على أنه كتاب تاريخي. ونظرًا إلى تطلعهم إلى الخلاص فقد ربطوا بين حركتهم ونهضة «شعب إسرائيل» في «أرضه»، وذلك بدافع الرؤيا القائلة «إنه فقط بعد عودة «بني إسرائيل» إلى صهيون سيحل الخلاص المسيحي على البشرية جمعاء…». وفي هذا الإطار «من المفترض أن ينتصر اليهود، وعندها سيحظى العالم برؤية عودة المسيح المتجدِّدة». وهؤلاء الذين يتبنون هذه الرؤية والذين يُطلق عليهم اسم «الصهاينة الجدد» هم الذين اخترعوا «أرض إسرائيل» كمصطلح جيوسياسي معاصر.

يركز الكتاب على الجهود الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في إنتاج «المعرفة الاستعمارية» عن فلسطين، إذ لم يكن لدى الرحالة والحجاج والكتاب، وراسمي الخرائط والمستشرقين التوراتيين وغيرهم من الباحثين الأوروبيين، مرجع تاريخي أو جغرافي أو دليل أثري، سوى الكتاب المقدس. وقد هيأ الاستشراق كل الشروط للسيطرة على فلسطين، إذ شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر إنشاء عدة جمعيات ومؤسسات غربية، عملت على إيجاد موطئ قدم لليهود في فلسطين، منطلقة من إيمانها بـ«الكتاب المقدس».

يرصد الكتاب مجموعة المشاريع التي وضعتها الحركة الصهيونية الاستيطانية منذ بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، حيث أولت هذه الحركة أهمية خاصة لإعادة تسمية الأماكن والمواقع التاريخية بأسماء عبرية، بوصفه جزءًا من الصراع السياسي في فلسطين؛ فكانت عبرنة الأسماء العربية جزءًا من عملية الاحتلال التي قامت بها العصابات الصهيونية عام 1948.

من هنا تستدعي المعطيات والاستنتاجات التي توصل إليها الكتاب طرح الحق في فلسطين من خلال فك الارتباط برواية «أسفار التناخ» المهيمنة على التاريخ الفلسطيني. ويتطلب ذلك إعادة كتابة تاريخ فلسطين من خلال إنتاج تواريخ بديلة لتلك التي كتبتها القوى الأوروبية من قبل لغزو فلسطين وتشريع احتلالها.

للحصول على الكتاب تفضلوا بالضغط على الرابط

تخيُّل الأرض المقدسة: كيف تمت عبرنة الخريطة الفلسطينية؟

المصادر:

نشرت هذه المراجعة في مجلة المستقبل العربي العدد 553 آذار/مارس 2025.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز