تحفزّنا حرب الإبادة الجماعية الاستعمارية «الإسرائيلية» الحالية على قطاع غزة معرفيًا لإعادة التفكير بالحرب كمتلازمة حياتية لمجتمعاتنا، وما تفضيه هذه الحرب من انفعالات وانطباعات جمعية تؤثر فينا وتشغل تفكيرنا وإنتاجاتنا المعرفية. وتقتضي منا إعادة الاعتبار لدراسات الحرب من منظور سوسيولوجي على مستوى العالم وفي منطقتنا العربية والتي تعدّ الحروب سمة من سمات عيشها منذ أكثر من قرن. توفر المساهمات السوسيولوجية الكلاسيكية أطرًا تحليلية مناسبة عن مفهمة الحرب. كثيرة هي التأويلات السوسيولوجية الممكنة لقراءة حرب الإبادة الحالية: أولها، تحليل ابن خلدون وتنظيره عن الحرب في كتابه المقدمة وتحديدًا في الفصل المعنون بـ «في الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها» من أجل فهم دواعي الحروب، واستخطاطياتها، وآليات انتصارها. ارتكازًا على هذه المقاربة الخلدونية المستندة على أربعة عناصر (فكرة الانتقام؛ فرض السيطرة والنفوذ؛ العدوان؛ استخدام الذرائع)، بالنظر إلى هذه المحددات السابقة يمكن قراءة حرب الإبادة الحالية: أولًا، «فكرة الانتقام» تلك التي يعبَّر عنها على ألسنة قادة الآلة الاستعمارية «الإسرائيلية» وفي الشوارع وفي وسائل الإعلام وسيارات سكان المستعمرة؛ ثانيًا، فرض السيطرة وتوسيع النفوذ استكمالًا للنكبة المستمرة منذ 1948؛ وثالثًا، العدوان وما يجسده في السياق الحالي؛ ورابعًا، اتخاذ الدين كذريعة دوغماتية وأداة من أدوات البروباغاندا. ثاني التأويلات، مقاربة الحرب كظاهرة اجتماعية تضع الحدود لأهم المنعطفات الكبرى للأحداث بمنطق غاستون بوتول (Bouthoul, 1961: 15-21)، والتي بحسبه تؤدي الحروب أدوارًا مركزية في التحولات الاجتماعية الكبرى، ونعتقد أن حرب الإبادة الجارية الآن تفعل بجدارة وتؤسس لتحولات كبرى في مجتمعاتنا العربية وفي العالم. ثالثها، دراسة العنف المنظم الذي تمثله الحرب من منظور سوسيولوجي وعلى العكس من مقاربات كايلوا (Caillois, 1958: 43) ورؤيته عن «الحرب كلعبة» والتي وفقًا لمنطقه تخلق تخيّلًا وهميًا مصحوبًا بوعي محدد بالواقع الثانوي أو اللاواقع الصريح في ما يتعلق بالحياة اليومية؛ يمكن الارتكاز على دراسة الحرب بوصفها صراعًا بمنطق جورج سيميل (Simmel, 1995: 19) كونها باعثة لأهمية اجتماعية كبرى تعمل على تبديل المجتمعات؛ وأهمية تشديده على دور الصراع نفسه في تشكيل الجماعات. رابعها، المقاربات المرتبطة بسوسيولوجيا الفعل في الحرب نفسها أي بدراسة القتال نفسه وما يسميه مارسيل موس تقنيات الجسد (Mauss, 1999: 364). خامسها، قراءة الطبيعة المتغيرة للحروب.
تدفع حرب الإبادة الحالية بنا إلى ضرورة اتخاذ موقف قطع إببيستيمولوجي مع فكرة دور الحداثة في تهذيب الحروب وفقًا لاعتقادات بعض المفكرين في الماضي، حيث تظهر لنا الحرب الحالية النقيض تمامًا تعميم استسهال القتل عبر استحضارهم لاستيهامات فعالية «الحروب الذكية» و«الحروب التكنولوجية»؛ التي نُظر إليها على أنها ستحل محل الحروب المدمرة. تتفتح أمامنا التساؤلات السوسيولوجية المشروعة عن ديمومة الحرب وثنائيات الحرب كقوة والحرب كوسيلة. بقول آخر يمكن النظر إلى الحرب كظاهرة كلية في مجتمعاتنا المعاصرة وفقًا لمقولة مارسيل موسّ.
من منظور آخر أظهرت لنا الحرب محنة العلوم الاجتماعية وبخاصة في المجتمعات المهيمنة ورفض بعض باحثيها توصيف الحرب الحالية بحرب إبادة وبل واستجلب البعض من الباحثين والمفكرين مفاهيم «الحرب العادلة»، وحرب «الدفاع عن النفس» لتبرير حرب الإبادة. منذ بداية الحرب يخضع الكثير من البحاثة في العوالم المهيمنة للابتزاز والتشكيك بآرائهم التحليلية ونماذجهم التفسيرية، في ما يشبه الحرب المعرفية ويدفع الكثير منهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية. تعمل هذه الممارسات على نزع وتشويه طبيعة العلوم الاجتماعية القائمة على تقديم التفسيرات والتأويلات بوصفها لبنات أساسية فيها. إن عمليات تحريم وتجريم الآراء لوصف الحرب الحالية كحرب إبادة جماعية، ورفض عقد المقارنات بينها وبين الحالات المشابهة في العالم، يمكن النظر إليها كاستمرارية لممارسـات كونيـة تشمل العلـوم الاجتماعية فـي العالـم مـن جانب السياسـيين والمخططيـن؛ فعلـى سـبيل المثـال لا الحصـر، نـادى الوزيـر الأول اليابانـي فـي السابق بضرورة إغلاق 26 دائرة من دوائر علم الاجتماع في اليابان، ومثله فعل رئيس الوزراء الفرنسي اليميني فالس في عام 2015 في إثر تقديم بعض علماء الاجتماع نماذج تحليلية لفهم ظواهر العنف؛ حينها قال «ضقت ذرعًا من الذين يبحثون بشكل دائم عن أعذار وتفسيرات ثقافية أو سوسيولوجية». بالتوازي مع حملات منظمة ضد الكثير من الأكاديميين ومن ضمنهم الكثير من علماء الاجتماع والعمل على تشويه أعمالهم والطعن بمقارباتهم وحثهم على الاستقالة أو ممارسة التهديدات بالأمن الوظيفي.
تعود مفهمة الحرب إذًا، لتظهر من جديد ملازمتها لمجتمعاتنا المعاصرة، وتحتم علينا توسيع دراستها في علم الاجتماع وبقية العلوم الاجتماعية والإنسانية وبخاصة في منطقتنا العربية.
تضمن هذا العدد مجموعة من المقالات والدراسات ومراجعات الكتب، والمقالات المترجمة والحواريات.
حملت المقالة الأولى عنوان «فلسفة المدينة أو في جينالوجيا المكان عند غاستون باشلار»، للباحث هشام مبشور، قدم فيها قراءة مستفيضة لإسهامات الفيلسوف غاستون باشلار (Gaston Bachelard) (1962 – 1884) بخاصة في ما يتعلق بالفضاءات المدينية، من خلال تسليط الضوء على أبعاد التجربة الذاتية له. يعرض الكاتب من خلال تقصّي باشلار للمنهجية الظاهراتية عملية تتبع الصور في أبعادها الرمزية، وشرح طريقة معايشة الصور في إحالتها إلى الذات وتجاربها العائدة إلى مرحلة الطفولة بأمكنتها الأليفة. يظهر مبشور أهمية الصور النفسية النابعة من الشعر في أعمال باشلار للتعبير عن مدى حميمية وصدق هاته الصور التى تلامس الخيال أكثر مما تتحسس العقل، وكيفية ارتباطها بالروح أكثر من ارتباطها بالهندسة وبلغتها الصارمة، والتصاقها بالشعر أكثر من التصاقها بالفلسفة.
أما المقالة الثانية فكانت لأيمن عبد المجيد عُنونت بـ «إشكاليات المنهج والمفهوم البحثيَّين في السياق الفلسطيني: قراءة نقدية في التجربة الميدانية». تقوم هذه المقالة على مقاربات عن المنهج والمفهوم في السياق الفلسطيني بالاعتماد على التجربة في الميدان. وتفتح التساؤلات المعرفية والمنهجية المثيرة للجدل في سياق السؤال المتعلق بالعلاقة القائمة بين البحث وموضوعه. ومحاولة التفكير بإمكان بناء إطار منهجي بحثي يمكّن من دراسة الحالة الفلسطينية المعاشة، والقدرة على البناء للمنهج بطريقة تتجاوز الشرذمة والمحدودية التي فرضها الواقع الاستعماري. عمل الباحث على دراسة مكونات فلسطينية تابعة لمجتمعات شديدة التباين من حيث الشروط المعاشة أي بين مجموعات داخل فلسطين ومجموعات خارجها. حاول عبد المجيد تقديم قراءة نقدية تسعى لتجاوز الشرذمة عبر فهم آليات صناعة المشترك. كما تعالج الدراسة مساءلة الأبعاد الأخلاقية للبحوث، وفحص الإنتاج المعرفي القائم على الفهم الرقمي والإحصائي لواقع الحال الفلسطيني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتأثير التمويل المشروط عليه.
جاءت الدراسة الثالثة لهشام عميري لتسلط الضوء على الساكنة القروية في المغرب عبر قراءة سوسيولوجية يشرح فيها التبدلات الاجتماعية للسكان القرويين في المغرب، من خلال قراءة متغير التصويت في العمليات الانتخابية، وذلك في ظل تنامي ظاهرة الأعيان الذين يعدّون وسطاء بين الناخبين القرويين والمترشحين. يفحص الباحث أثر ضعف الأحزاب السياسية وغيابها عن تدبير الشأن المحلي؛ الأمر الذي يدفع بالسكان القرويين إلى مقاطعة الانتخابات، وانخراطهم في الحركات الاحتجاجية، كما وتفحص المقالة أثر متغيرات القرابة والمصاهرة والمكانة الاجتماعية للمترشحين على عمليات التصويت نفسها. منهجيًا، استخدم الباحث المقاربة المقارنة عبر تتبع تاريخي.
المقالة الرابعة وهي مقالة مترجمة لـ درودريك دونكان ماكينزي عن الجوار(The Neighborhood) ، قام بترجمتها وقراءتها الباحث حمزة بنونة. بحثيًا، يندرج هذا المقال في إطار الإشكالية العامة لمدرسة شيكاغو في الولايات المتحدة الامريكية. تتلمس المقالة مسألة انتظام الجوار في المدينة الحضرية في ظل التغيرات والاستعمالات الفضفاضة لمفهوم الجوار. يسعى الكاتب في مقالة لإيجاد تحديد أكثر دقة، كما ويعرض تمثلات الأفراد لطبيعة وامتدادات الجوار، وتقديم قراءة عن المعايير التي تصنع التمايز بين الأحياء. يتناول المقال الكثير من النماذج المقارنة بين الجيرة التقليدية لدى الجماعات القروية، وتلك التي تنشأ في الجيرة الحضرية. وكذلك ترصد المقالة التمايزات التي قد تقوم على معايير عرقية أو إثنية أو تمايزات اقتصادية أو اجتماعية.
سلط محمد قعدان، في المقالة الخامسة، الضوء على نهايات الفلاحة الفلسطينية تحت الحكم العسكري «الإسرائيلي» الذي كان قائمًا ما بين أعوام 1948- 1966، عملت هذه المقالة على فهم حالة عيش الفلاحين الفلسطينيين تحت الحكم الاستعماري العسكري وعرض أثر التحوّلات السياسيّة – القانونيّة (مثل قوانين الطوارئ، وإغلاق القرى، ومنعهم من الحركة، وسلب الأرض المتواصل على زراعتهم ومعاشهم اليومي). يسعى قعدان لقراءة غياب الفلاحة عن المشهد الفلسطينيّ في مجتمع المستعمرة الأولى (فلسطين المستعمرة منذ 1948)، الهادفة لإنهاء الزراعة لدى الأهالي، والمسّ باستقلاليتهم ودفعهم إلى العمل في المستعمرات الصهيونية، وذلك اعتمادًا على عمل أرشيفي للرسائل والوثائق بخصوص السياسات التي اتبعتها السلطات الاستعمارية وكشف ظاهرة التميز في سياساتها تجاه مجتمع المستعمِرين ومجتمع المستعمَرين. تظهر هذه الدراسة عوامل جديدة أدّت دورًا في التحولات الاقتصادية والمجتمعية للفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم عام 1948 إبان الحكم العسكري.
اهتمت المقالة السادسة لمحمد الكندري الروضي بالمقدس وآليات استمرار «البركة»: موسم الخيمة في قبيلة كندر، في المغرب، في مقاربة جوانية. تهتم المقالة بدراسة المقدس وآليات استمرار «البركة» وتجلياتها وتمثلاتها ودلالاتها وآليات اشتغالها وانعكاساتها على المجتمع المحلي، وفهم الحكاية الشعبية المؤسسة للموسم بوصفه مجتمعًا زاخرًا بالرموز الثقافية والاجتماعية، والتي تظهر في تمثلات وتصورات الأهالي عنه. منهجيًا اعتمدت الدراسة على مقاربات إثنوغرافية وعلى الملاحظة بالمشاركة.
في الزاوية الحوارية اشتمل العدد على مقابلة حوارية أجراها مصطفى محمد الدحاني مع عالم الاجتماع المغربي مصطفى محسن بعنوان جدلية المسألة الاجتماعية والمسألة السوسيولوجية. تهتم هذه المقابلة الحوارية بالعلاقة بين علم الاجتماع والعلوم التربوية، يحاور في المقالة الدحاني مصطفى محسن عن إسهاماته السوسيولوجية والتربوية، ومنابع تفكيره ورؤاه ومشروعه الفكري. وألية ربط ذلك في السياقات المختلفة سواء على الصعد المحلية أو الإقليمية أو العالمية. كما يسائل الدحاني ضيفه عن خلفياته الفكرية والأيديولوجية، وأطره النظرية والمنهجية المرجعية واهتماماته المعرفية. تتضمن المقابلة إذًا عدة محاور عن الاختلالات البنيوية المعقدة للنظم التربوية التي تعرفها مجتمعاتنا في المنطقة العربية، وآليات اشتغال مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية فيها؛ والآثار التربوية والاجتماعية لهذه الختلالات البنوية.
أما في زاوية المراجعات النقدية فقدم محمد امباركي قراءة في كتاب التضخم المدرسي: نقد أيديولوجيا الاستحقاق: إخفاقات نظام الجدارة (الكفاءة) للباحثة الفرنسية ماري دورو- بلات. تناقش هذه القراءة لكتاب عبر استعراض مجموعة من الاستنتاجات المهمة للمؤلفة ومقاربتها النقدية عن نظام الجدارة/ النجاعة على المستوى التربوي وارتباطه بعالم الشغل، ومحاولة تفكيك أسسه الفكرية ومصادر شرعيته. تفتح القراءة للقارئ الباب على مصراعيه في ما يخص مكانة المدرسة في المجتمعات المعاصرة، وحجم التوقعات والتمنيات منها، وخيبات الأمل، ومشاعر التقهقر التي يعمل التضخم المدرسي على تعاظمها، والتي يحيلها إلى مقاربة دوغماتية. يفتح هذا الكتاب النقاش لأسئلة قديمة متجددة في سوسيولوجيا التربية عن نجاعة المدرسة، والفوارق المدرسية واللامساواة، والفوارق الاجتماعية وأخيرًا علاقة عالم المدرسة بعالم العمل.
في زاوية مراجعات الكتب لدينا مراجعتان: يقدم محمد ارحال في الأولى قراءة في كتاب التفكير سوسيولوجيًا (Thinking Sociologically) لـ زيغمونت باومان وتيم ماي، ترجمة: حجاج أبو جبر، وتقديم: ساري حنفي، الناشر: دار الروافد الثقافية، تاريخ النشر 2023: عدد الصفحات: 318. يقدم ارحال قراءة نقدية في الكتاب المترجم إلى عدة لغات. وفي هذه النسخة باللغة العربية، تقدم المراجعة قراءة لطرائق ومنطلقات الراحل باومان السوسيولوجية والتي يناقش فيها ثيمات الجنس والجنسانية والجسد، والتنشة الاجتماعية والهوية والصحة واللياقة، والعولمة والتكنولوجيات الجديدة.
تهتم المراجعة الثانية لموسى برلال بقراءة كتاب جميلة شرادي، «استراتيجيات التنمية في المغرب أسئلة سوسيولوجية حول المسارات والمآلات»، منشورات الحلبي، تمارة، المغرب، 2022. 222 ص. وبخاصة مقاربة الباحثة من عرضه لمقاربات الكتاب النظرية والميدانية، وتقديم إطلالة نقدية على مقاربة الباحثة عن استراتيجات التنمية التي اعتمدت في المغرب ومساءلتها للنماذج المستجلبة للقطاعات المختلفة في التعليم والتنمية البشرية، والتأهيل، والتراث الثقافي، والتنمية المستديمة وتحديات البيئة في المدن العتيقة، والاستراتيجيات التنموية الجهوية/المناطقية.
وأخيرًا في زاوية ندوات، تقدم ماريز يونس مساهمة عن تقرير عن سلسة ندوات قامت بتنظيمها الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية (إيناس) وهي شبكة جامعة للمؤسسات العلمية والمراكز البحثية، حملت السلسة عنوان ندوة: «الحرب على غزة وسؤال القيم الإنسانية اليوم مواقف أكاديمية عربية أولى»، شارك فيها العديد من الباحثات والباحثين العرب من العلوم الاجتماعية. والتي ساهم عدد كبير منهم بأوراق ستنشر ضمن ملف أطلقن عليه عنوان» الحرب على غزة وسؤال القيم الإنسانية اليوم»، تحت إشراف ماريز يونس من الجامعية اللبنانية في لبنان وجيلالي المستاري من مركز البحث على الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية من الجزائر. بلغ عدد المساهمات إحدى وأربعين (41) مساهمة، من فلسطين ولبنان والأردن ومصر والعراق وسورية والجزائر وتونس والمغرب وقطر وكندا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا. وكانت المداخل المعرفية فلسفية وأخلاقية وسوسيولوجية وأنثروبولوجية وقانونية وسياسية واستراتيجية استشرافية وإعلامية ولسانية وسيميولوجية وتربوية ونفسية وأركيولوجية، إضافة إلى كتابات عبّرت عن رؤى وشهادات ومواقف ذاتية لباحثين/ات وفاعلين/ات في المجال العام.
في زاوية إضاءة يقدم لنا جيفري بليرز، رئيس الجمعية الدولية مقالة يعرض فيها نشاطات الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وتصوراته عن حالة العلوم الاجتماعية في العالم اليوم، ويدعو عبر مقالته المرتكزة على خطابه الافتتاحي في الاجتماع الذي عقد في ملبورن بأستراليا في تموز/يوليو 2023. يذكرنا بليرز بالتحولات التي شهدها العالم والتحديات أمام علم الاجتماع. وخاصة تعدد الطرائق التواصلية كأشكال رئيسية في الحياة والعلاقات الإنسانية وآثارها على أنماط المعيش لمجتمعات العالم. وكذلك التحديات المناخية والبيئية، وتصاعد الاستبداد في العالم، وصعود علماء الاجتماع من الجنوب العالمي ومساهماتهم وتحديهم لهيمنة المعرفة الأوروبية المركزيّة. وأهمية النظريات والمفاهيم والتحليلات التي أجراها علماء الاجتماع من الجنوب العالمي على فهم التحديات الاجتماعية في الجنوب العالمي كما في الشمال العالمي. على نحو المفاهيم والنظريات من أساليب نظرتنا لمفاهيم بالغة الأهمّية مثل الحداثة، والتفاوتات، والعدالة البيئية مبرزة طرائق مختلفة للتواصل مع الطبيعة ومع العالم ومع أنفسنا. وعلى النقيض ممّا يدعيه بعض منتقدي تلك النظريات والمفاهيم، لا تركّز منظورات (فكفكة الاستعمارية) الديكولونياليّة وقضايا التبعية وما بعد الاستعمار ومشاريعها المعرفية على محو إسهامات «علم الاجتماع الغربي» للشروع في «علم اجتماع ديكولونيالي». مدافعًا عن ضرورة إشراك علماء الاجتماع والأبحاث والتحليلات والنظريات من جميع القارات على نحو أكثر شمولًا لا يقتصر على مسألة دمقرطة علم الاجتماع فحسب، بل بصفته اثراء للمسارات لتعزيز أدراكنا للحقائق الاجتماعية وللفاعلين الاجتماعيين. لا يتوقّف هذا على ضرورة توسيع عضوية الباحثين وعلماء الاجتماع من الجنوب العالمي بل يستدعي ايضا ضرورة تنمية الجهود للقيام بأكثر من مجرد العضوية. والحاجة إلى اجتذاب وتعزيز المشاركة النشطة لهم ليحظوا بمشاركة كاملة في أنشطة الجمعية وفي لجان البحث التابعة للجمعية، والانخراط في فعالياتها، ومشاريعنا وكذلك دعم لجمعياتهم الوطنية.
كتب ذات صلة:
الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي : المخطط الاستعماري للقرن الجديد
المصادر:
هذه المقالة هي افتتاحية العدد المزدوج 63-64 من مجلة إضافات (شتاء-ربيع 2024).
احصل على العدد الآن عبر الرابط
مجلة إضافات (المجلة العربية لعلم الاجتماع)، العددان 63-64، شتاء-ربيع 2024
أباهر السقا: رئيس تحرير مجلة إضافات (المجلة العربية لعلم الاجتماع).
المراجع
ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد (1983). المقدمة. بيروت: دار القلم.
Bouthoul, Gaston (1961). «Fonctions sociologiques des guerres», Revue française de sociologie : vol. 2, no. 2, pp. 15-21.
Caillois, Roger (1958). L’homme et le jeu, Paris : Gallimard.
Mauss, Marcel (1999). Sociologie et Anthropologie. Paris : Presses Universitaires de France (PUF).
Simmel, Georg ([1908], 1995). Le Conflit. Paris : Circé.
أباهر السقا
كُلف الدكتور أباهر السقا برئاسة تحرير مجلة إضافات - المجلة العربية لعلم الاجتماع، التي تصدر بالتعاون بين الجمعية العربية لعلم الاجتماع ومركز دراسات الوحدة العربية. وهي مجلة أكاديمية فصلية محكمة. السقا هو أستاذ مشارك في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة بيرزيت في فلسطين، حائز شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة نانت - فرنسا. خريج المدرسة العليا لإدارة التنظيمات الاجتماعية، سانت تيتيان - فرنسا. عمل محاضرًا في جامعة نانت - فرنسا خلال المدة 1998-2006، وأستاذًا زائرًا في عدد من الجامعات والمعاهد الفرنسية والبلجيكية خلال المدة 2009-2023. له عدد من الدّراسات والمقالات العلميّة في مجالات التعبيرات الاجتماعية الفنية، والحركات الاجتماعية، والهوية، الذاكرة، والوطنيات، والدراسات الحضرية، والسياسات الاجتماعية، والعلوم الاجتماعية وتأريخها، والتاريخ الاجتماعي. له عدة كتب ودراسات بالعربية والفرنسية والإنكليزية. وهو نائب رئيس مجلس أمناء المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، ورئيس الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع وعلم الإنسان، وعضو في الجمعية العالمية لعلم الاجتماع، والجمعية الدولية لعلماء الاجتماع الناطقين بالفرنسية، فضلًا عن عضويته في مؤسسات عالمية بحثية أخرى.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.