يستمر مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع  معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (سيبري SIPRI) منذ عام 2003، في إصدار النسخة العربية من كتاب التسلّح ونزع السلاح والأمن الدولي الذي يصدره سيبري سنويًا منذ عام 1966. يتناول هذا الكتاب السنوي الحادي والخمسون أبرز الأحداث المتعلقة بالنزاعات المسلحة والتسلّح حول العالم، كما يعرض عمليات نزع السلاح واتفاقيات السلام والهدنة التي تحدث في المناطق التي تشهد حروبًا أهلية أو نزاعات بين الدول.

يتابع الكتاب أبرز التطورات العسكرية والأمنية حول العالم والتحولات التي حدثت على الصعيد الاستراتيجي، راصدًا حركات التسلّح وتجارة الأسلحة والسيطرة عليها عالميًا، كما يعرض مدى تأثير التغيُّرات المناخية في الأمن والاستقرار الدوليين، والمخاطر الأمنية التي تهدد ملايين البشر ومصير مدن كبرى وبلدان بأسرها قد يتعرض استقرارها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للاهتزاز نتيجة الاحتباس الحراري وما يسببه من حرائق وفيضانات وعواصف أخذت تتزايد في السنوات الأخيرة نتيجة التغيرات المناخية، وهو أمر يدعو إلى التعاون بين الدول عبر القانون والنظام الدوليين لتعزيز القوانين والإجراءات الدولية لمواجهة هذا التهديد المناخي.

تتناول فصول الكتاب التطورات العالمية في مختلف قارات العالم وبلدانه، وهو يشير إلى عمليات السلام التي حصلت بين الدول والأقطاب المتنازعة في بعض المناطق، معرِّفًا مفاهيم النزاعات المسلحة وأنواعها ومقدمًا جداول تحتوي على أرقام عن عدد النزاعات واتفاقيات السلام التي حدثت منذ عام 2010 وحتى عام 2019. وفي هذا السياق يقدم الكتاب تحليلات عن التطورات في القارة الأمريكية وكذلك في كل من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا إضافة إلى بلدان جنوب الصحراء الأفريقية.

وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفرد الكتاب مساحة عن النزاعات المسلحة في العراق وسورية وليبيا. يقدم القسم المتعلق بالنزاعات في البلدان العربية جداول عن أعداد ضحايا النزاعات المسلحة في هذه البلدان. وفي ما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي يتناول الكتاب موضوع الصراع المستمر حول هضبة الجولان المحتل والأوضاع في الضفة الغربية المحتلة وعملية «السلام».

ودائمًا ما تكون النزاعات في الشرق الأوسط وعمليات «السلام» ضمن محتويات مختلف الإصدارات السنوية لكتاب التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، لكن المميّز في محتويات هذا الكتاب هو عرضه جدول الإنفاق على برامج التسلح في بلدان ومناطق العالم ومن ضمنها منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية، من هنا نجد في القسم الثاني من الكتاب جداول الإنفاق على برامج التسلح عالميًا حيث تتصدر البلدان العربية قائمة البلدان الأكثر إنفاقًا على شراء الأسلحة، مراوحة أرقام الإنفاق بين الخمسة والستة في المئة من معدل نمو الناتج المحلي. وإن دل هذا على شيء فهو يدلّ على مدى التباين الفاقع والحاد الذي تعيشه الحالة العربية؛ فمقابل هذا الإنفاق البالغ عشرات مليارات الدولارات على شراء بعض الدول العربية أسلحةً يتم استخدامها ضد دول عربية أخرى، تشهد الساحة العربية موجات من الهجرة غير الشرعية من جانب شبّان وعائلات عربية يُلقون أنفسهم بالمجهول بعدما فقدوا كل مقومات الحياة الكريمة في بلادهم، ولم يعودا يملكون شيئًا فيها حتى الإرادة في البقاء في تلك البلاد.

شهد عام 2020 الذي يتناوله هذا الكتاب الكثير من الأحداث والتوترات على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية كافة، كان أبرزها تزايد التوتر العسكري والأمني بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في المنطقة. أما على صعيد الصراع العربي ـ الإسرائيلي فقد استمرت السياسات العدوانية الإسرائيلية بسياساتها التوسّعية من خلال زيادة وتيرة بناء الوحدات الاستيطانية بهدف قضم الأراضي الفلسطينية شيئًا فشيئًا والقضاء على أي فرصة لاستعادة الشعب الفلسطيني ولو جزءًا من حقوقه المشروعة.

على صعيد الأمن الدولي يتناول الكتاب موضوع الترسانات النووية للقوى العظمى والدول التي تمتلك أسلحة نووية. يقدم الكتاب هذا العام معلومات عن تحديثات جديدة للقدرات النووية لبعض القوى مثل الولايات المتحدة والصين وخصوصًا بريطانيا.

أما المخاطر التي يلقي هذا الكتاب الضوء عليها فلا تتوقف عند التسلح والنزاعات فقط بل تشمل المخاطر البيولوجية والكيميائية والمناخية أيضًا؛ ففي ظل استمرار تأثير وباء كورونا في العالم ما قد يولده من  أزمة اقتصادية عالمية جديدة، يتطرّق الكتاب إلى خطر الأسلحة البيولوجية والأسلحة الكيميائية. أما على صعيد التغيُّر المناخي فسيبقى الاحتباس الحراري من أكبر التهديدات التي تواجه العالم.

فضلاً عن ذلك يشير الكتاب إلى تصاعد وتيرة الحروب السيبرانية في العالم، وبخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين إيران من جهة أخرى. وهي حروب باتت في كثير من الأحيان تقوم بدور الحروب العسكرية وتؤدي أغراضها، فتدمر أهدافها من دون التدخل العسكري المباشر. وقد تعرّضت إيران في هذا السياق لعدد من الهجمات السيبرانية ضد أهداف مرتبطة ببرنامجها النووي.

وبوجه عام، غالباً ما تأخذ الأحداث والتطورات والانتهاكات والتهديدات حجمها على الساحة الدولية وفق المقاربة التي يتم تقديم تلك الأحداث والتطورات والانتهاكات والتهديدات من خلالها، بحيث تساهم تلك المقاربات في إبراز بعض الأحداث دون الأخرى أحيانًا، وفي هذا السياق يتحدث هذا الكتاب مثلاً عن استمرار تجاهل القانون الدولي والاتفاقات والأعراف وإساءة استخدامها، وعن الانتهاكات الفاضحة للمعايير والقوانين الدولية. لكن الكتاب يتجاهل الانتهاكات التي تحصل للقانون الدولي في فلسطين المحتلة حيث ما زالت إسرائيل تمعن في انتهاك ذلك القانون وقرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان منذ تأسيها عام 1948، فتعمل كل عام على اقتلاع جزء من الشعب الفلسطيني من أرضه وزيادة وتيرة الاستيطان وزج الفلسطينيين في السجون ومطاردتهم وقتلهم. في المقابل يغيب عن الكتاب بعض الأحداث التي تحدث على الساحة الدولية والتي تنتهك القانون الدولي على نحو فاضح، وتهدد الأمن والسلام الدوليين وهي تتمثّل مثلاً بحروب الخنق الاقتصادي التي تمارسها الولايات المتحدة ضد كثير من البلدان غير التابعة لها أو المتوافقة معها في السياسات والمصالح الإقليمية والدولية.

هذه هي المقدمة العربية لكتاب “التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي: الكتاب السنوي 2020” الصادر عن المركز في كانون الأول/ ديسمبر 2021

احصل على الكتاب عبر الرابط

التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي: الكتاب السنوي 2020