لعب المفكر العربي صادق جلال العظم وما يزال دوراً لافتاً في تحريك الحياة الثقافية والفكرية العربية منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن، فكان الناقد لبعض نصوص الفكر العربي والإسلامي، قديمها وحديثها. فكتبه: نقد الفكر الديني ، و النقد الذاتي بعد الهزيمة عام 1968، و ذهنية التحريم ، و نقد فكر المقاومة ، و الحب والحب العذري ، و مأساة إبليس ، وغيرها، جاءت كلها في سياق حراك فكري تنويري عربي ارتبط بمشروع تحرّري عربي انتهى إلى أزمة، وإلى ما يشبه الإخفاق. وقد لاقت كتابات العظم اهتماماً واسعاً من قبل المفكّرين والمثقفين الغربيين والعرب، لأنها خرجت على تكرار السائد من المنظومات القيمية والفكرية والرؤى التقليدية، بذهابها بعيداً في تفكيك النصّ التراثي ونقده والدعوة إلى الأخذ بالعقلانية والمناهج العلمية الحديثة.

تفرّد صادق جلال العظم في تجربته الفكرية التي جمعت منهجين مهمين: الليبرالية والماركسية في السياق القومي العربي، ما شكّل ظاهرة في الدائرة الفكرية والسياسية العربية الناهضة في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين. وفي السياق نفسه، نقد العظم بشجاعة حركة المقاومة الفلسطينية من موقعه المؤيد لها والمساهم فيها، كما نقد حركات الإسلام السياسي وانسداد أفقها أخذاً بالفكر العلماني طريقاً واضحاً ومحدداً لقيام دولة المواطن العربي المدنية، لا دولة العشائر والإثنيات والعصبيات والسياقات اللاديمقراطية.

حول هذه القضايا أجرت المستقبل العربي معه هذه المقابلة:

 هناك ميل لدى قسم كبير من النخبة العربية يضعك في خانة «الظاهرة»، لأنك جمعت بين مناهج في التفكير والرؤية متباينة وحتى متناقضة. فصادق جلال العظم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كان ليبرالياً وقومياً وماركسياً في آن واحد.

العظم : لا يحق لي أن أقيّم هذا الأمر إن كان ظاهرة أم لا. غير أن ما أشرت إليه في سؤالك لفت أنظار عدد من المتابعين للمثقفين والمفكرين العرب، خصوصاً بعد نكسة 5 حزيران/ يونيو 1967. والطريف أن «تهمة» الليبرالية وجّهت إليّ في فترة انتشار الفكر اليساري. ولقد وجّهت معظم الأحزاب الشيوعية إليّ نقداً سلبياً في هذا المجال، حتى إن الماركسيين الأحرار والجناح اليساري في المقاومة الفلسطينية كانوا يعتبرون ليبراليتي نقيصة أو تهمة. أمّا الآن فصارت كلمة «ليبرالي» تقال من باب المديح، خصوصاً بعد سقوط روسيا الشيوعية، وتحوّل عدد من اليساريين العرب إلى تبني الدفاع عن المجتمع المدني والحريات العامة وحقوق الإنسان والعلمانية.

تهمة الليبرالية صارت الآن «بعد نظر» لدى اليساريين العرب، لأن اليسار اعتبر ذلك نقلة منطقية، وليس نقلة انتهازية. وبعضهم يعتقد أن تراجع اليسار عن يساريته هو تراجع إلى خط الدفاع الثاني بعد انهيار فكرة الاشتراكية أو انتهاء «الثورة البروليتارية»، إضافة إلى اعتبار الليبرالية أكثر تقدماً من الفكرة الثورية الاشتراكية. إن الليبرالية التي اتهمت بها صارت اليوم في حالة تطابق مع الفهم الجديد لليسار العربي. والموقف من تركيا العلمانية هو مثال على ذلك. فقد دافعت عن التجربة التركية الكمالية العلمانية، على الرغم من أن اليسار العربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كان لأسباب معروفة ضد السياسة التركية، لأنها جزء من سياسة حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، ولأنها اعترفت بإسرائيل، وكانت ذات توجه غربي. ولذلك كانت تركيا والكمالية مرذولتين ولا تمتدحان. أما الآن، فإن اليسار يعتبر تركيا نموذجاً يحتذى، لأنه أول بلد إسلامي قادر على فصل الدين عن الدولة؟

 

 بغضّ النظر عن موقف اليسار العربي الذي تغيّر وتبدل، كيف تقيّم سياسة «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، داخلياً وخارجياً؟

العظم : تجربة «حزب العدالة والتنمية» قامت وتطوّرت على قاعدة نضج العلمانية التركية التي أدت إلى جعل الأتراك يعالجون اختلافاتهم باللجوء إلى المؤسسات الدستورية والقضاء، واتباع تركيا سياسة استقلالية واضحة المعالم. وعلى سبيل المثال، أذكر رفض البرلمان التركي وجود العسكر الأمريكي على الأراضي التركية أثناء العدوان الأمريكي على العراق.. ورغم غطرسة بوش وعدوانيته، اضطر إلى بلع القرار التركي لأنه صادر عن برلمان حقيقي. وفي هذا الصدد، أستبعد أن يقول مسؤول عربي لأوباما إن برلماني رفض كذا وكذا دون أن يستهزئ به الأمريكي.

 

 فلنعد إلى فكرك السياسي المنطلق من إيمانك بالقومية العربية التي تقاطعت مع صادق جلال العظم الليبرالي والماركسي!

العظم : لستُ الظاهرة الوحيدة التي أفادت من الماركسية والليبرالية والقومية، لأن ذلك لم يكن مفتعلاً أو مصطنعاً. فقد سبقني إلى ذلك المفكر الراحل ياسين الحافظ الذي هوجم وانتُقد كثيراً ولم يجر إنصافه إلا بعد وفاته. وأودّ التأكيد، هنا، أن توليفة ياسين الحافظ كانت أكثر تكاملاً وعضوية. أما الجمع بين العناصر المذكورة، فقد حدث انطلاقاً من أن كل عنصر ساهم في العمق في صوغ مواقفي ورؤيتي. الليبرالية بالنسبة إلـيّ هي مجموعة تركيبات وإجراءات يفترض أن تحدّ من ميل السلطة إلى الاستبداد والطغيان. ففكرة حقوق الإنسان والمواطن مثلاً يفترض أن تلجم نزوع السلطة إلى التعسف على الأفراد والفئات، خاصة أنني من أسرة مارست الحكم، وأعرف ماذا يفعل الحكّام. وعموماً، فإن الليبرالية كتجربة دستورية قادرة على وضع حدود لمقدرة الحاكم على التسلّط. وهذا هو أهم شيء قدمته الليبرالية في العالم الحديث. ومع الأسف، اختزل اليسار العربي الظاهرة الليبرالية بفكرة واحدة هي عدم تدخل الدولة في الاقتصاد، مهملاً عناصر أساسية، كفصل السلطات، واستقلال القضاء، وتطبيق الدستور، وحكم المواطنين، والمواطنة.

أما الماركسية، ففهمتها كتطبيق لإجراءات الليبرالية بحيث يستفيد منها كل مواطن، وليس شرائح معينة تمسك بالقرار وعمليات إنتاج الثروة وتوزيعها، كما كان الحال مع الليبرالية في بداياتها. بعبارة دقيقة: الماركسية تريد دمقرطة إنجازات الليبرالية. وفي هذا السياق، وجدنا الديمقراطية في العصر الحديث من حيث حق التصويت والترشح، على سبيل المثال، تأتي نتيجة نضال شعبي حقيقي يتجاوز حصر إنجازات الليبرالية في طبقات محددة ومحدودة. هذه هي طبيعة الصلة بين الماركسية والليبرالية. والمفارقة أن يسار اليوم يقرّ بكل هذا. وبالنسبة إلى فكرة عدم تدخل الدولة في الاقتصاد، نحن نعرف أن الرأسمالية التاريخية تجاوزت المفهوم البدائي لدور الدولة للوصول إلى فكرة دولة الرعاية الاجتماعية في الدول الرأسمالية المتقدمة.

على مستوى آخر، كانت الماركسية بالنسبة إليّ منهجاً علمياً يفسّر الظاهرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وما يسمّى بالبنية الفوقية عموماً، ما يعني ربط هذه الظاهرة على أساس طرائق المجتمع في إنتاج الثروة، أو ما يسمّى بنمط الإنتاج والتوزيع السائدين والتحولات الطارئة عليهما.

 

 هل تعتقد أن المجتمعات العربية الراهنة بحاجة الآن إلى توليفة أو منظومة مبادئ وقواعد تستقى من الليبرالية والماركسية لتوظيفها في التطوير والإصلاح، وكيف؟

العظم : طبعاً. الوضع العربي الراهن يمكن أن يأخذ من الماركسية فكرة العدالة الاجتماعية والتركيز على الإنتاج. فنحن نتهم المجتمعات الغربية بأنها استهلاكية ونزدريها كأنها شيء منحطّ، في حين إن مجتمعات إنتاج تستهلك ما تنتجه هي، بينما المجتمعات العربية تستهلك دون أن تنتج. وهناك دول، كالصين والهند وتركيا، بدأت تخرج من مأزق ضعف الإنتاج محاولةً التوفيق بين الإنتاج والاستهلاك. ويمكن للعرب أيضاً أن يفيدوا من الماركسية في نقطة مهمة، هي أهمية العلم الحديث والمعاصر في تطوير عملية الإنتاج نفسها، وتكوين شبكة عقلانية عصرية ومنظومة ثقافية جديدة للمستقبل.

 

 بعضهم يعتقد أن هناك علاقة تنافر بين التحديث من جهة، وما تقوله النصوص الدينية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من جهة أخرى. فإلى أيّ حدّ تأخذ بهذا القول؟

العظم : بالطبع، هناك علاقة قوية. أما طبيعة هذه العلاقة فهي ذات سمات معوّقة، وإلا لما احتجنا إلى شيء اسمه الاجتهاد وإعادة قراءة النصوص الدينية وتأويلها وتفسيرها بما يتناسب مع متطلبات مجتمعاتنا وعصرنا. وهناك تقصير كبير من قبل معظم المفكّرين الإسلاميين في هذا المجال؛ فما يزال قسم واسع من المهتمّين بشؤون الدين يتجادلون حول موضوع «الأهلة» (هلال رمضان) وكأنه لا يوجد علم فلك في الدنيا. كذلك هناك قضايا كثيرة لم يصل الفكر الإسلامي إلى وضع حلول لها، كمسائل «أهل الذمة» و«العبودية»، واعتبار المرأة عورة، من قبل شريحة واسعة من الفقهاء.

 

ماذا تريد أن تقول بدقة في ما يتعلق بالقضايا التي طرحتها؟

العظم : فكرة الحداثة والتحديث تعتبر المرأة، على سبيل المثال، قانونياً ودستورياً، مواطنة كبقية خلق الله. إلا أن هذه المسألة لم يتصدّ لها الفكر الإسلامي الحالي بشكل صريح ومباشر. فدائماً يجري الالتفاف عليها والهروب من معالجتها تماماً كالهروب من معالجة قضية «أهل الذمة» التي تصطدم بمنطق المواطنة الكاملة.

 

 تاريخك الفكري نقدي بامتياز، حتى إن البعض يصفه بأنه مشاكس. فنصوصك المنشورة لم تجامل، بل جاء قسم كبير منها كاشفاً ومعارضاً للسائد، خصوصاً منذ كتابك «النقد الذاتي بعد الهزيمة» (1968)، و«نقد الفكر الديني» (1969)، و«نقد فكر المقاومة» وحتى «ذهنية التحريم» عام 1992 وغيرها. ما هو الجامع بين هذه المحطات الفكرية ـ النقدية؟ وكيف تصنّف هذه المسيرة؟

العظم : أودّ التمييز بين بعض نتاجي الفكري قبل هزيمة حزيران/يونيو 1967 وما بعدها. فما كتبته بعد الهزيمة كان تحت تأثير الصدمة على كافة الصعد الثقافية والفكرية. والهزيمة أدت إلى تحول كبير في جدول أعمالي الفكري وفي أولوياتي. ولو أن أحداً قال لي إنه سيأتي يوم تكتب فيه النقد الذاتي بعد الهزيمة ، كنت سأقول له: إنك مجنون.. لكن الواقع خذلني، إذ كان مرّاً وصعباً وكارثياً.

قبل عام 1967 كان من الطبيعي أن تتناول اهتماماتي المسائل الأكثر تجريداً، التي لها علاقة بالقيم السائدة، ثقافياً وفكرياً، وإلى حدّ ما اجتماعياً، كتقصيرنا في الإنتاج العلمي في بلادنا، ومستوى الترجمة، وإعادة النظر بمسائل تراثية ودينية في ضوء واقعنا الثقافي العربي في منتصف القرن العشرين.. لكن الهزيمة قلبت هذا الأمر واستبدلته بالتركيز على الجانب السياسي والفكري المباشر المتعلق بالهزيمة. من هنا، كان صدور كتابيّ نقد فكر المقاومة و الصهيونية والصراع الطبقي ، وغيرهما من الكتب مما كنت لا أفكر في وضعها على جدول أعمالي.

قبل الهزيمة كان هناك إحساس بأن هناك حركة تحرر عربي تتقدم بشكل أو بآخر، وتفتح أفقاً للوجود العربي المعاصر، وتحقق إنجازات، مثل: استقلال الجزائر، وتأميم قناة السويس، ونزع الاستعمار عن أفريقيا.. وكمثقف أردت مواكبة هذا الحراك على مستوى الثقافة والفكر. وقد ألحّت عليّ الحاجة إلى فكر نقدي يتناول الكثير من العقبات التراثية التي تقف عائقاً في وجه تقدم حركة التحرر العربي وتلجمها.

 

 ما الرابط بين كتابيك «مأساة إبليس» و«الحب والحب العذري» بما ذكرت؟

العظم : دراستي عن مأساة إبليس نموذج جيّد عن توجه إلى نقد التراث أو بعض منه. إنها حكاية من التراث الإسلامي والعربي تستحق قراءة مغايرة للمألوف. وقد سألت نفسي: ماذا أفعل بهذه الحكاية التي لم أكن أعتقد فيها بالمعنى الحرفي، أو كأنها حادث حقيقي جرى في تاريخ تشكّل الكون، ولا يمكنني أن أهملها لأنها جزء أساسي من تكويني العقلي والجمالي والعاطفي، وحتى الغيبي. لهذا اخترت إعادة النظر فيها في ضوء معطيات الفكر النقدي والعقلانية المعاصرين، مستفيداً من الدراسات الحديثة حول الأسطورة في الأديان ودورها في ثقافات الشعوب، وفي ضوء فكرة الدراما الكامنة في مثل هذه الأساطير والنظر إليها بمنظار المأساة.

 

 وبالنسبة إلى موضوع «الحب والحب العذري»؟

العظم : في هذا الموضوع وجدت مجموعة هائلة من الرومانسيات والخرافيات التي نسجت حول موضوع الحب عموماً، والحب العذري تحديداً. أردت أن أعمل سلاح النقد في هذه المرويات، وتقديم تصور حديث ومعاصر عنها يستفيد من المناهج العلمية الحديثة.

 

كثرٌ الذين يقولون إن هذا النوع من الكتابات كان رفضاً واضحاً لجزء مهم من التراث الديني وغير الديني!

العظم : الجواب: «نعم» و«لا». لا، بمعنى أن التراث موجود مثل التاريخ، ويبقى قوة مؤثرة في حياتنا الحالية وفي صناعتنا للمستقبل. وبهذا المعنى، رفض التراث لا يقدم ولا يؤخّر. ونعم، إذ هناك رفض للتراث بمعنى أن نسمح للنزعات الماضوية الجامحة أن تسيطر على حياتنا ومؤسساتنا، وأن يصبح التراث معياراً أو مشروعاً لكل إجراء، نعمل كعرب لتحسين واقعنا انطلاقاً منه في ظل شروط العصر المغايرة.

 

 ما تقوله يعني أنه يمكن بناء مستقبل عربي من دون التراث. وهذا ما يعتبره كثيرون قفزاً فوق الواقع، وغير ممكن.

العظم : نعم، ممكن. سعيد هو الشعب غير المكبّل بتراث ثقيل وتاريخ طويل.

 

 أليس في هذا التراث العربي الغني والضخم عناصر يمكن الاستفادة منها؟

العظم : أنا موافق على جوهر سؤالك. لكن علينا أن نعرف كيف ننتقي هذه العناصر. هذا التعقيد يثير الشكوك حول عملية الانتقاء نفسها.

 

 جوابك بحاجة إلى توضيح.

العظم : هناك من يعتقد، على سبيل المثال، أن العودة إلى ابن خلدون «تحل المشكلة»، وكذلك بالنسبة إلى ابن رشد وعقلانيته، أو اعتبار الشورى هي الديمقراطية. لكني اعتقد أن الذي سيحلّ المشكلة هو نحن، وليس ابن خلدون أو ابن رشد، مع الاعتراف بفائدتهما في ما يمكن أن يقدماه في إنجاح هذه العملية.

 

 يجري الحديث دائماً عن عصر نهضة عربي، وهناك قلّة تقول كلاماً مضاداً لا تعترف فيه بوجود نهضة عربية، بل تعترف بعصر تنوير عربي؟

العظم : معنى عصر النهضة السائد يعود إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، الذي امتد حتى الحرب العالمية الأولى. وقد ارتبط هذا العصر باسمين كبيرين، هما محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني.. هذا بالنسبة إلى الجانب الديني. لكن هناك كوكبة كبيرة من الرجال والنساء الذين شاركوا في صنع عصر النهضة في جوانب حياتية وليست دينية. ومن الأمثلة يعقوب صروف، وفارس نمر، وأحمد أمين، وجرجي زيدان… إلخ. وأعتبر أن عصر النهضة العربي لم يكن ممكناً لولا حركة «التنظيمات العثمانية» التي بدأت مع نهاية القرن الثامن عشر، وجاءت إصلاحات محمد علي في مصر مع بدايات القرن التاسع عشر في سياقها وضمن إطارها.

 

 إن مقارنة عادية بين عصر النهضة العربي وعصر النهضة في أوروبا تعطي نتائج نوعية وكمية متباينة، وحتى مختلفة بين النهضتين، سواء على صعيد الإنتاج والمجتمع أو على صعيد حالة النهوض العلمي والفكري والثقافي..

العظم : المقياس هو عصر النهضة الأوروبية. الشعوب الكبرى في الصين والهند تقيس نهوضها بمعيار عصر النهضة الأوروبي معظم الوقت بصورة ضمنية، وأحياناً بصراحة. وهذا يعني أنهم جميعاً يقسمون تاريخهم على الطريقة الأوروبية. وأودّ القول إن عصر النهضة الأوروبي يرتبط بالحداثة الرأسمالية، أما عصر النهضة العربي فإننا سنجد موازياً له في الصين والهند وإيران وتركيا، وربما في أفريقيا. وبمعيار عصر النهضة الأوروبي، تبدو حركات النهضة لدى الشعوب الأخرى باهتة وضعيفة، لكنها حدثت. أما نحولها وضعفها، فيعودان إلى أنها جاءت كردّ على الحداثة الأوروبية الأصلية وتحت تأثيرها. وما يضيء هذه الإشكالية هو السؤال التالي: لماذا يُنظر إلى الإسلام العربي كونه الأصل، في حين يُعتبر إسلام الشعوب الأخرى إسلاماً مكتسباً وأقل أصالة؟ إن النهضات غير الأوروبية أو بعضها باهتة ونحيلة، لأنها لم تحقق ما حققته النهضة الأوروبية من إنجازات باهرة.

 

 إذاً عصر النهضة العربي أقل من نهضة وأكثر من حالة تنويرية. هل هذا الاستنتاج صحيح؟

العظم : صحيح إلى حدّ بعيد. فالنهضة التي طمح العرب إليها حققوا جزءاً منها. وأعتقد أن ثورة عام 1919 في مصر ما كانت ممكنة دون فكرة النهضة ووجود شيء اسمه عصر النهضة. ولذلك نجد أدب نجيب محفوظ ينطلق دائماً من ثورة 1919.. حتى في مرحلة المدّ القومي الاشتراكي تمّ الاستناد إلى تحوّلات وتطورات حصلت في الواقع العربي، خصوصاً إبان النضال ضد الاستعمار (شعار: «الدين لله والوطن للجميع» الذي استخدم في مصر، وانتقل إلى بعض البلدان العربية). هذه بعض إفرازات عصر النهضة الذي لا ألغيه، ولا أريد في الوقت نفسه أن أعتبره ذا مواصفات نهضوية تامة.

 

 هل تعتقد أن الكلام على النهضة والتنوير في الوطن العربي الآن لا يعكس في الواقع تراجع الاثنين؟

العظم : هناك الآن تراجع إلى خط الدفاع الثاني أمام الهجوم الآتي من اليمين، خصوصاً اليمين الديني، مع الإشارة إلى أن هذا الهجوم لا يستهدف التنوير فحسب، بل عصر النهضة كله. فهذا اليمين يعتقد أن مصائبنا كلها جاءت من عصر النهضة ومعه ومنه. وإزاء هذا الواقع أجد نفسي الآن، مع كثيرين غيري، في موقع الدفاع عن عصر النهضة وإنجازاته، خصوصاً أن اليسار ارتكب خطأ يتمثّل في إهماله القيم المرتبطة بالتنوير، أي استخفافه بأمور المجتمع العربي والمواطن والحريات العامة والعلمانية. فكل هذه القضايا أصبحت الآن موجودة على جدول أعمالنا اليوم.

 ألا ترى أن تراجع المشاريع القومية، رغم وجود جهود جادة لإطلاقها من جديد على أساس قواعد جديدة، يهدّد الحراك العربي العام لتحقيق شروط قيام المجتمع المدني؟

العظم : ليس أمامنا الآن سوى الدفاع عن قيام مجتمع مدني عربي، وتعميق الأفكار المرتبطة بذلك ونشرها. كانت الدولة العربية هي أول من رفع شعار تطبيق القانون على الجميع. لكن ما حدث أن الدولة تخلّت عن هذا الأمر، وأصبح المجتمع المدني هو المطالب بتطبيق مجتمع القانون. العرب الآن أمام شعور بالعجز والتخلّف، وفي الوقت نفسه أمام رغبة شديدة بتجاوز الواقع. من هنا نلاحظ منذ مدة طويلة المراوحة المستمرة بين الحداثة والمعاصرة، والتراث والتجديد، لكن حسبما أرى، علينا البدء ممّا طرحه بعض النهضة وبعض التنوير، أي العمل والإلحاح على قيام مجتمع مدني يصون الحقوق، ويطبّق ما يفرضه قيام دولة القانون، ويعترف بالمساواة بين المواطنين.

 

 إلى أي حدّ تعتبر معادلة العداء بين الحداثة و«الإسلام السلفي المتشدّد» صحيحة؟

العظم : أعتقد أن «الطالبانية» هي معركة الخندق الأخير لهذا النوع من «الإسلام» في مواجهة الحداثة. والمنطق الطالباني أينما وُجد يفيد أنه إذا لم يربح هذه المعركة فعلى الإسلام، كما تفهمه الطالبانية، السلام. وهذا ما يفسّر شراسة المعركة والصراع والإحساس بأنها معركتها الأخيرة والحاسمة. وإذا استمرت البلدان العربية والإسلامية بالسير في عمليات التحديث الجارية على تناقضاتها وإشكالياتها وضعفها، فما الذي يمنع أن يصبح وضع الإسلام في مجتمعاتنا كوضع المسيحية مثلاً في المجتمعات الغربية المتقدمة؟ أي تصبح مسألة الدين على الصعيد الشخصي مسألة فردية؟

 

 هل ترى أن السلفية الأصولية المتشدّدة هي حالة مناهضة للتقدم؟

العظم : نعم، هي حالة مناهضة. إنها في الأساس ردّة فعل أكثر مما هي فعل إنشائي جديد، ولا تنطبق عليها شروط النهضة أصلاً، كما هي ردّة فعل على التطورات العميقة التي حصلت في المجتمعات العربية. وإلا ما معنى الدعوة إلى تطبيق الشريعة؟

وفي رأيي أن الجواب عن ذلك هو أنها غير مطبّقة، أي أن الأصولية هي استعادة لوضع كان سائداً في السابق، وهي أسلمة المجتمعات الإسلامية. الأصولية تحاول استعادة مواقع فقدتها. بهذا المعنى هي حركة «استرجاعية». من هنا نفهم عداء الأصوليين للعلمانية والديمقراطية.

 

 في سياق التفتيش عن الممكن بهدف تحقيق نقلات تدريجية، هل تعتقد بإمكانية المزاوجة بين الإسلام والعلمانية كوسيلة تحلّ إشكالات تعترض عملية التطور الاجتماعي والفكري والسياسي؟

العظم : المزاوجة بين الاثنين كإجراء سياسي أمر صعب، إن لم يكن مستحيلاً، لأن اختلاطهما يؤدي إلى صراعات مذهبية وطائفية، ويلغي المكسبين الأساسيين اللذين تقدمهما العلمانية، وهما:

الأول : الحياد الإيجابي والنسبي للدولة إزاء مجموع المذاهب والطوائف والإثنيات. ولا يكفي أن يكون المواطن مواطناً، بل يجب أن تتصرف الدولة على هذا الأساس، أي تتصرف بحياد نسبي وإيجابي إزاء المكوّنات الدينية والإثنية والطائفية لشعب تلك الدولة.

الثاني : الطاقة الاستيعابية للعلمانية في مجتمعات ودول تنطوي على مستوى عالٍ من التنوع المذهبي والطائفي والإثني. فإذا شاب العلمانية نوع من أنواع الإسلام والشرع نكون قد خسرنا الميزتين المذكورتين للعلمانية. وللتوضيح أكثر، عندما يكون المسلمون أقلية في بلد مثل الهند، يكونون الفئة الأكثر تشدّداً في الدفاع عن علمانية الدولة حتى لا يجري تهميشهم، في حين إنه في البلدان ذات الأكثرية المسلمة نجد المسلمين يريدون صبغ الدولة بصبغة إسلامية. ولهذا، فإن المسلمين يناقضون أنفسهم، ويستخدمون معايير مزدوجة ومضروبة، بالرغم من أنهم لا يشبعون من اتهام الغرب باستخدام المعايير المزدوجة. وباختصار، العلمانية ليست وجهة نظر، بل هي ضرورة حياتية إذا أردنا تجنّب السيناريوهات الأسوأ. وكثر هم الساسة العرب الذين لا يحبون العلمانية، لكنهم إزاء السيناريوهات الأسوأ يفضّلونها كخيار أقل سوءاً.

 

 ألا تعتقد أن الدولة الوطنية المدنية ذات الطبيعة القومية التي تقوم على قواعد المواطنة الواحدة هي الحل المناسب لبعض الأقطار العربية التي تعاني مشكلات خلّـفها الاحتلال وعمّقها، كالعراق، على سبيل المثال، والأقطار العربية الأخرى؟

العظم : اتفق معك تماماً، مع تحفظ هو أن لا نفهم بالقومية تلك الطريقة القديمة التي اكتشفنا ونكتشف كل يوم أنها أهملت مشاكل أساسية في مجتمعاتنا العربية، أهمها: مشكلة الأقليات وحقوقها سواء كانت دينية أو إثنية أو لغوية.

 

 ما هو حظ العلمانية في التطبيق في المجتمعات العربية الراهنة؟ وهل هي المدخل الحقيقي إلى الديمقراطية وقيام مجتمع المواطن؟

العظم : العلمانية كما ذكرت ليست وجهة نظر. فهي الحياد الإيجابي للدولة وأجهزتها ومؤسساتها إزاء الأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات التي يتألف منها المجتمع المعني بها. العلمانية بمعانيها المختلفة غير معروضة علينا اليوم واقعياً، ولا طائل منها في النقاش الجاري في شأن الموضوع حالياً في الوطن العربي. وهناك علاقة عضوية بين العلمانية والديمقراطية.. ديمقراطية المواطنين لا ديمقراطية الطوائف والعشائر والقبائل. والديمقراطية غير ممكنة دون حدّ أدنى من المجتمع العلماني المدني الذي يتجاوز الولاءات الجهوية.. ويستوعبها في علاقات المواطنة وقيمها دون أن يعني ذلك أن في العلمانية حلاً سحرياً للمشكلات والتوترات والصراعات المعروفة. أقول هذا بسبب انتشار الدعوات إلى الحلول السحرية: الإسلام هو الحلّ، الديمقراطية هي الحلّ، الثورة هي الحلّ، العلمانية هي الحلّ… إلخ.

 

 إلى أي حدّ يمكن أن ينسجم الإسلام مع العلمانية؟

العظم : ذكرت صعوبات كثيرة تعترض الانسجام. لكني أعتقد أن العلمانية هي النعم التاريخية للعصر الحديث، والإسلام قادر على أن يعيد تفسير نفسه وتأويل ذاته بما يحقق هذا الغرض. الإسلام كنموذج مثالي لمجموعة من العقائد السرمدية لا ينسجم إلا مع نفسه، أما الإسلام كإيمان بشري متطور ومتحرك تاريخياً، فقد قبل جميع أشكال التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي عرفتها البشرية، وانسجم معها بشكل أو بآخر.

 

 في هذا السياق، كيف تنظر إلى دور المؤسسة الدينية العربية الرسمية، وإلى دور الإسلام السياسي عموماً؟

العظم : المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية، وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالفقه والشريعة هي في حالة تشبه العجز لزمن. والمثل الذي يدل على ذلك أن القائمين على هذه المؤسسات غير مطّلعين على العلوم والتكنولوجيا والتطورات والاختراعات.. وهذا يعني أن معظم الجسم الديني الرسمي في حالة من الجهل عموماً. وحتى على مستوى الفكر الديني والفقهي، نحن لا نجد أي إبداعات في اتجاه التطوير والتأقلم مع العصر.

 

 كأنك في إجابتك السابقة تغلق الأفق، رغم وجود محاولات فقهية وتجديدية هنا وهناك في المنطقة العربية والإسلامية!

العظم : لا. إني لا أغلق الأفق. فهناك تجديد على صعيد الفكر الفقهي والتشريعي يأتي من طرفين مختلفين تماماً:

الأول : الإسلام الراديكالي السياسي الذي يدرك عقم المؤسسات الدينية الرسمية، ويحاول الخروج بأفكار واجتهادات وتطويرات قد تكون خطيرة وسلبية، إضافة إلى تصوّره بأنها تسدّ ثغرة ناجمة عن عقم المؤسسة الرسمية، علماً بأن منتجي هذا النوع من الفكر الذي يدّعي التجديد لم يدرسوا في المؤسسات الدينية الرسمية.

الثاني : هو ذلك الإطار من المفكّرين والمنظّرين الذين يأتون من خارج المؤسسة الدينية الرسمية وكليات الشريعة، أمثال محمد شحرور وطارق البشري وعلي شريعتي وعبد الكريم سروش (إيران) وحسن حنفي ونصر حامد أبو زيد.

 

 بعض الذين ذكرتهم، أو لم تذكرهم، يدعو إلى تزمين النصّ الديني وإخضاعه للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والقيمي.. ما هو رأيك؟

العظم : دون وضع النصوص الدينية في سياقها الزمني والتاريخي، فإنها تتحول إلى أيديولوجيا جامدة بمعنى الوعي الزائف الذي من حيث معناه لا يكون له صلة أو علاقة بمحتوى الحياة القائمة والمعاصرة. وفي هذه الحالة، أنت أمام معضلة: إما أن تقسر الحياة وتغصبها عنفاً وعنوة لتنسجم مع الأيديولوجيا، كما يفعل الإسلام الطالباني، أو تتحول هذه الأيديولوجيا إلى إطار رمزي تقدم له الشعائر والمدائح والطقوس، ويبقى دون مضمون وفاعلية حقيقية. ونحن نجد في بعض البلدان الإسلامية أن الفجوة تتسع أكثر فأكثر بين الأيديولوجيا الإسلامية، التي يفترض أنها مسيطرة ومسيّرة للحياة والدولة، وواقع الحياة العملية واليومية، كما تجري فعلاً في معاملاتها وتفاصيلها وأحداثها.

 

هل تظن أن هذا الفصام يقوم على إشكالية مفادها أن النصّ الديني التقليدي غير قادر على التواصل مع تطورات الحداثة والعصر، وأن السياسات الغربية الضاغطة على البلدان العربية ـ الإسلامية خلّقت هذا الانفصام، وبالتالي ما يشبه الشلل؟

العظم : إذا كان النصّ الديني يريد أن يكون في المستقبل والعصر، فالمطلوب أن يكون الكلام به وفق منطق العصر. وأعتقد أن ضغط الغرب كان في مرحلة الاستعمار المباشر أكبر بكثير منه الآن، خصوصاً بعد مرحلة نزعه (الاستعمار).

الضغط الغربي في المرحلة الاستعمارية أعطانا حركة تحرر وطني واجتماعي وفكري وثقافي ونهضوي، في حين إننا نجد الآن نوعاً من التحالف بين الإسلام السياسي عموماً، والأنظمة العربية التي تقول عن نفسها إنها إسلامية وتطبّق الإسلام.

إنها في حالة تحالف كامل مع الغرب في أفغانستان وبلدان أخرى. ولنتذكر أن الإسلام السياسي تحالف مع «الإسلام الإرهابي» في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي. وأودّ التوضيح. إن ما نلاحظه من عداء بين الغرب والإسلام السياسي يجب أن لا ينسينا أن الطرفين يعرفان بعضهما بعضاً جيداً بسبب الحلف المديد بينهما. والطرفان يريدان أن يمسحا هذا الجزء من الذاكرة السياسية الإسلامية والعربية. إن الضغط الغربي على الإسلام السياسي موجود، لكنه ليس بالعامل الحاسم في العلاقات بين الطرفين. والخلاصة، الإسلام الذي يريد الانسجام مع العصر يجب أن يكون لاتكفيرياً، أي بلا كفّار ومشركين، بلا منافقين، بلا ملحدين ومتشكّكين، أي إسلام يتقبّل الآخر من حيث حقيقته وواقعه، ولا يعمل لإدانة كل البشر.

 

 كيف تقيّم مستوى الدراسات والأبحاث والكتب التي ينتجها التنويريون العرب اليوم مقارنة بما انتجه النهضويون العرب في بدايات القرن الماضي؟

العظم : رغم وجود عقبات كثيرة، فقد حدث تطور نوعي في مستوى النتاج الفكري والاجتماعي والثقافي. وإذا قمنا بمقارنة النصوص الأرقى في بداية القرن العشرين وحتى الثلاثينيات بنصوص العقود الثلاثة الأخيرة، سنجد عقلانية أكبر، وموضوعية أعمق، وتجديدية أهم، وغيبية أقل، وخطابية أضعف. هذا بشكل عام، لأننا لو تعمّقنا في هذه النقطة سنجد نصوصاً من عصر النهضة أفضل بكثير من أي نصٍّ راهن، كما سنجد العكس أيضاً. إلا أن المؤكد هو ذلك الاتجاه الواضح إلى اعتماد المناهج العلمية والعقلانية والموضوعية، بالإضافة إلى نقطة مهمة، وهي تراجع الخطابة وأدواتها في مجمل الكتابات الجادة والعميقة.

 

 إذا أردنا تقييم حركة التنويريين والنهضويين العرب في العقود الأربعة الأخيرة، فإننا نلاحظ أن بعض النصوص الفكرية والأدبية قد تعرّض لبعض أنواع العنف والمضايقة والحصار. والدليل على ذلك مصادرة بعض الكتب، ومنع بعضها الآخر. والأمثلة كثيرة، وفي عدد كبير من الأقطار العربية. في هذا الضوء، كيف تنظر إلى هذا الواقع، وما تأثير ذلك في حرية الإبداع الفكري والثقافي العربي عموماً؟

العظم : الصورة التي وردت في السؤال فيها بعض السواد، وتجربتي في نشر الكتب النقدية الفكرية من أواسط ستينيات القرن الماضي حتى الآن لم أتعرض بسببها للعنف. وهناك عشرات المفكّرين والكتّاب العرب قالوا آراءهم بحرية ودون أن يتعرّضوا للعنف. صحيح أنهم تعرّضوا للمعاملة الخشنة والإزعاج، لكنهم باستثناء فرج فودة، لم يدفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم منذ قاسم أمين، وعلى امتداد القرن العشرين كله. وبهذا المعنى، فإن تجربتهم أينعت عربياً، وخلقت حالة جديدة في حياتنا العربية المعاصرة. وهكذا، فكل كتاب أثار أسئلة وإشكاليات أصبح قاعدة تنطلق منها الكتب الأخرى المشابهة. والمهم، باستثناء حالة فرج فودة، إن جميع ردود الفعل العربية بقيت في نطاق التهجّم والشجب والنقد، دون أن تلجأ إلى العنف. وهذه أساليب يمكن وضعها في حالة التحضّر والتمدن. وكعربي فإني أفخر بهذا وأعتز.