– 1 –

كنا كباراً معه في كتب الزمانْ

كنا خيولاً تشعلُ الآفاق عنفوانْ

كان هو النسر الخرافي الذي يشيلنا

على جناحيه، إلى شواطىء الأمانْ..

كان كبيراً كالمسافات،

مضيئاً كالمنارات

جديداً كالنبوءاتٍ،

عميق الصوت كالكهّانْ

وكان في عينيه برقٌ دائمٌ

يشبهُ ما تقولهُ النيران للنيران

– 2 –

كنا شموساً معه..

توزعُ الضوءَ على مساحة الأكوانْ

كنا جبالاً معه.. من حجر الصوانْ

وكان يحمينا من الركوع والهوانْ

كنا نسمى باسمهِ..

إذا نسينا مرةً أسماءنا..

كنا نناديه جميعاً، يا أبي

إذا أضعنا مرة آباءنا.

فهو الذي أطلقنا من رقنا

وهو الذي حررنا من خوفنا

وهو الذي

أيقظ في أعماقنا الإنسانْ..

– 3 –

كان هو الأجملَ في تاريخنا

والنخلةَ الأطولَ في صحرائنا

كان هو الحلم الذي يورقُ في أهدابنا

كان هو الشعر الذي يولدُ مثل البرق في شفاهنا

كان بنا يطيرُ.. فوق جغرافية المكانْ..

مستهزئاً من هذه الحواجز المصطنعهْ..

من هذه الممالك المخترعهْ

من هذه الملابس الضيقة، المضحكة..

المرقّعهْ..

من هذه البيارق الباهتة الألوانْ

– 4 –

كان على صورتنا..

كنا على صورتهِ

كان يرى التاريخ في نظرتنا

كنا نرى المستقبل الجميل في نظرته..

جبهتنا مرفوعةٌ..

تستلهمُ الشموخَ في جبهته..

قبضتنا قويةُ..

تستلهمُ القوةَ من قبضتهِ

أولادنا قد رضعوا الحليبَ من ثورتهِ

كان هو القوةَ في أعماقنا

واللهبَّ الأزرق في أحداقنا

والريح، والإعصار، والطوفانْ

– 5 –

كان هو المهديَّ في خيالنا

وكان في معطفهِ يخبئُ الأمطارْ

وكان إذ ينفخُ في مزمارهِ..

تتبعهُ الأشجارْ

وكان في جبينه سنابلُ وحنطةُ..

وفي رنين صوتهِ ما يشبه الأذان

وكان في قدرته أن يُطلعَ السنابلْ

ويجمع القبائلْ

ويستثير نخوةَ الفرسانْ

ويرجع المُلْكَ على بيت بني عدنانْ..

– 6 –

كان هو النجمةَ في أسفارِنا

والجملةَ الخضراء في تراثِنا

كان هو المسيحَ في اعتقادِنا

فهو الذي عمَّدنا

وهو الذي وحَّدنا

وهو الذي علَّمنا

أنَّ الشعوب تسجنُ السجَّانْ

وأنها حين تجوعُ،

تأكلُ القضبانْ…

– 7 –

يا ناصر البعيد.. قد أوجعنا الغيابْ

نمد أيدينا عليك كلما..

حاصرنا الصقيعُ والضبابْ..

نبحثُ عن عينيك في الليل

ولا نمسك إلا الوهمَ والسرابْ

يا ناصرُ العظيم..

أين أنتَ.. اين أنتْ؟

بعدك لا شعرٌ، ونثرٌ، ولا فكرٌ، ولا كتابْ

بعدك نام السيفُ في قِرابه

واستنسر الذبابْ…

– 8 –

يا ناصرُ العظيم

هل تقرأُ في منفاك أخبارَ الوطن:

فبعضه مغتصبٌ..

وبعضه مؤجرٌ..

وبعضه مقطّعٌ..

وبعضه مرقّعٌ..

وبعضه مطبعٌ..

وبعضه منغلقٌ..

وبعضه منفتح

وبعضه مسالمٌ..

وبعضه مستسلمٌ..

وبعضه ليس له سقفٌ.. ولا أبوابْ..

يا ناصرُ العظيم،

لا تسألْ عن الأعرابْ

فإنهم قد أتقنوا صناعةَ السبابْ

وواصلوا الحوارَ بالظِّفر وبالأنيابْ

وحاصروا شعوبَهم بالنار والحرابْ

يا ناصرُ العظيم..

سامحني.. فما لديَّ ما أقولهُ

في زمن الخرابْ.