تحظى قضية تمكين المرأة باهتمام متزايد سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي أو المحلي، ويأتي ذلك في ضوء إدراك الشعوب أن أوضاع المرأة وحقوقها جزء لا يتجزأ من محاور التنمية المستدامة، بحيث لا يمكن أن تقوم أي جهود تنموية ناجحة في أي مجتمع مع إغفال أدوار المرأة المختلفة فيه، ومن هنا أصبحت النظرة إلى المرأة ومناقشة قضاياها تتم في نطاق أكثر شمولًا ومن منظور أعمق، بوصفها أحد المنطلقات الرئيسية لمفهوم التنمية بمعناها الواسع.

وفي هذا السياق، أولت الحكومات العربية خلال الأعوام الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بموضوع تمكين المرأة في المنطقة، إيمانًا منها بأن المرأة هي مفتاح تحقيق التنمية المستدامة وأن قضايا المرأة متشابكة في جميع المجالات ولا بد من معالجتها بنهج متكامل إذا أردنا تحقيق تنمية مستدامة حقيقية على المدى الطويل.

وتؤمن منظمة المرأة العربية بأن تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين يمثل أساسًا من الأسس الضرورية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة وإحلال السلام والأمن المجتمعي والرخاء والازدهار في المنطقة العربية، كما أن توفير التكافؤ أمام النساء والفتيات في الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، والعمل اللائق، والتمثيل في العمليات السياسية والاقتصادية واتخاذ القرارات سيكون بمنزلة وسائل داعمة لتحقيق التنمية الاقتصادية في المنطقة([1]).

وبالرغم من الجهود الحثيثة والدؤوبة التي بذلها الكثير من حكومات البلدان العربية في مجال النهوض بأدوار المرأة على المجتمع في المجالات كافة، إلا أن هذه الجهود لا تزال تواجه عدة عراقيل تقف حائلًا أمام تحقيق الأهداف المرجوة من عمليات تمكين المرأة لاستكمال متطلبات التنمية المستدامة، الأمر الذي يتطلب انتهاج الآليات والإجراءات اللازمة لتفعيل عمليات تمكين المرأة في المنطقة.

وبناءً عليه، يمكن تناول قضية تمكين المرأة في المنطقة العربية ومتطلبات التنمية المستدامة، عبر التركيز على المحاور الرئيسية التالية:

أولًا: تعريف ومجالات تمكين المرأة

يعرف مفهوم تمكين المرأة “Women’s Empowerment” بأنه العملية التي تتيح للمرأة القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تكسبها قوة تمكنها من السيطرة على حياتها([2]). كما يعرف تمكين المرأة بأنه “عملية تغيير شامل للعمليات المسؤولة عن رفع مكانة المرأة في المجتمع بمساعدة الدولة والمجتمع ودعمها، والتركيز على أهمية السياسة والعمل الجماعي، لتمكينها من وضع جدول أعمالها وأهدافها بنفسها، وزيادة قدرتها على السيطرة على حياتها([3]).

وتتعدد مجالات تمكين المرأة لتشمل، التمكين الاقتصادي ويتيح للمرأة القدرة على السيطرة على موارد الأسرة ومصدر دخلها، إضافة إلى العديد من الأمور الاقتصادية، كالوصول إلى الأسواق وتوفير فرص عمل لها متكافئة مع الرجل في الوصول إلى المواقع الاقتصادية المهمة، وتعزيز مشاركتها في صنع القرارات الاقتصادية، والتمكين السياسي يتيح للمرة الحق في التصويت، وانخراطها في النظام السياسي، كما يمكنها من تمثل الحكومات محليًا ودوليًا، والتمكين الاجتماعي والثقافي، ويتيح للمرأة المشاركة الاجتماعية خارج نطاق الأسرة وعلى نطاق أوسع يوفر فرصًا للمرأة الوصول إلى مجموعة واسعة من الخيارات التعلمية، مما يساهم في محو أمية المرأة، والتمكين القانوني، ويساعد المرأة في معرفة حقوقها القانونية والحصول على الدعم المجتمعي الذي يمكنها من ممارسة تلك الحقوق، كما يشجع التمكين القانوني على سَن القوانين التي تدعم حقوق المرأة والدفاع عنها، والتمكين النفسي، يحقق للمرأة الراحة النفسية، واحترامها لذاتها وتعزيز كفاءتها الذاتية، كما يزيد من الوعي المجتمعي ضد ظلم المرأة([4])، ويوجد أيضًا التمكين التربوي، ويركز على أهمية إدخال مفاهيم النوع الاجتماعي وعدم التمايز الجنسي في المناهج الدراسية والتوسع في فتح دور الحضانة ورياض الأطفال، والعمل على سد منابع أمية الإناث ورفع نسبة الإناث في المرحلة الابتدائية وخفض نسبة التسرب من المدارس، والتمكين البيئي ويتمثل في ضرورة مشاركة المرأة للجهات المعنية في بعض برامج حماية البيئة لرفع مستوى الوعي البيئي وإجراءات الدراسات والبحوث حول العلاقة القائمة بين السكان والبيئة والتنمية ومتابعة تنفيذ كل التشريعات والأنظمة الخاصة بحماية البيئة، وأخيرًا التمكين الصحي، ويشجع على الاهتمام بصحة المرأة والتزامها بتوصيات المؤتمر العالمي للسكان عام 1994 ومؤتمر بكين 1995، وضرورة اتخاذ الخطوات الجادة لإنجاز مشروع الصحة الإنجابية، والذي يهدف إلى توفير خدمات ومعلومات إنجابية عالية الجودة ولا سيما في المناطق الريفية والنائية([5]).

ثانيًا: أهداف التنمية المستدامة في مجال تمكين المرأة

يمكن تحديد أبرز أهداف التنمية المستدامة في مجال تمكين المرأة، على النحو التالي:

– وضع حد لجميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان.

– القضاء على جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات في المجالين العام والخاص، بما في ذلك الاتجار والاستغلال الجنسي… وغيرها.

– القضاء على جميع الممارسات الضارة، مثل زواج الأطفال، والزواج المبكر والقسري وختان الإناث.

– ضمان المشاركة الكاملة والفعالة للمرأة وتكافؤ الفرص للقيادة على جميع مستويات صنع القرار في الحياة الاقتصادية والسياسية والعامة.

– تعزيز استخدام التكنولوجيا التمكينية، ولا سيما تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لتعزيز تمكين المرأة.

– ضمان حصول الجميع على الصحة الجنسية والإنجابية، على النحو المتفق عليه وفقًا لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية.

– إجراء إصلاحات لمنح المرأة حقوقًا متساوية في الموارد الاقتصادية، فضلًا عن الوصول إلى ملكية الأراضي وغيرها من أشكال الملكية، والخدمات المالية، والميراث والموارد الطبيعية، والتحكم فيها، وفقًا للقوانين الوطنية([6]).

ثالثًا: معوقات تمكين المرأة في المنطقة العربية

تتنوع المعوقات التي لا تزال تعوق جهود البلدان العربية حتى الآن نحو تحقيق تمكين المرأة في المجالات كافة، من أجل استكمال متطلبات التنمية المستدامة في المنطقة، ويتمثل أبرز هذه المعوقات بما يأتي:

1- معوقات اقتصادية

فرغم الجهود والمكاسب المتواضعة التي حققتها المرأة العربية في سوق العمل، إلا أن الأرقام ما زالت تكشف عن فجوة بينها وبين الرجل في هذا القطاع الحيوي، والذي زاد وباء فيروس كورونا من اتساعها، فحسب الأرقام والبيانات الصادرة عن منظمة العمل الدولية حول المساواة بين الجنسين وعدم التمييز لعام 2020، فقد بلغ معدل مشاركة المرأة العربية في سوق العمل نحو 18.4 بالمئة، وهو المعدل الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48 بالمئة، على النقيض من ذلك، تتجاوز معدلات مشاركة الرجل في سوق العمل بنسبة 77 بالمئة مقابل المتوسط العالمي 75 بالمئة، كما أن وجود النساء في المناصب الإدارية متدنٍ في البلدان العربية، حيث إن نسبة 11 بالمئة فقط منهن يشغلن مناصب إدارية مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 27.1 بالمئة، ومن جهة أخرى تبلغ نسبة بطالة المرأة في البلدان العربية 15.6 بالمئة، وهي ثلاثة أضعاف المعدل العالمي([7]).

ويعود السبب الرئيسي وراء انخفاض معدلات المشاركة النسائية في القوى العاملة في المنطقة إلى الأطر التنظيمية القانونية التمييزية في بعض البلدان العربية، ومحدودية الوصول إلى التدريب الملائم، وأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، وسوء ظروف العمل بما في ذلك الأجور المنخفضة([8]).

2- معوقات اجتماعية وثقافية

إذ تنعكس آثار الموروث الاجتماعي والثقافي في بعض المجتمعات العربية على المرأة، مما يعوقها عن ممارسة دورها في بناء المجتمع والمشاركة في عملية التنمية، حيث إن هيمنة الثقافة الأبوية المتداخلة مع قيم الإخضاع والهيمنة، قد حصرت دور المرأة في الوظيفة الاجتماعية والأسرية، مما كان له أثر سلبي في قضية تمكين المرأة في المنطقة، من خلال عدم ضمان الحرية الكافية للمرأة للتخطيط لمستقبلها بشكل حيادي، أو المساحات الكافية للاختيار، ناهيك بثقافة المجتمع العربي القائمة على “ثقافة العيب والحرام” وعلى اعتبار المرأة أُمًا وزوجة في المقام الأول، وبالتالي يتحدد دورها الأهم في أسرتها فقط، بل والقيام  بدور المكمل لدور الرجل خاصة في أوقات الحروب، فكثير من النساء أصبحن يمارسن دور الأب والأم وتتحمل مسئولية اقتصادية في ظل غياب الأب والمعيل([9]).

3- معوقات سياسية

حيث تسجل المنطقة العربية أقل مشاركة للمرأة في الحياة السياسية على مستوى العالم بتسجيلها نحو 15.2 بالمئة حيث تعد المنطقة أقل عن المعدل العالمي البالغ 22.1 بالمئة من النساء الممثلات في البرلمان، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها البلدان العربية على الصعيد الإقليمي لتضمين المساواة بين الجنسين في الدساتير والسياسات، بما في ذلك توفير نظام الحصص “الكوتا”، إلا أن المرأة لا تزال ممثلة تمثيلًا ناقصًا في الأحزاب السياسية، وكقضاة وفي المناصب الوزارية، حيث إن هذا التمثيل الناقص يترجم أكثر إلى الحياة العامة، بما في ذلك المشاركة في الأنشطة السياسية والتصويت([10]).

يضاف إلى ذلك الموروث الثقافي وتأثيره في المشاركة السياسية للمرأة في بعض البلدان العربية، حيث إن الثقافة الاجتماعية السائدة وبخاصة الثقافة الشعبية ترمي بثقلها على المواطنين ذكورًا وإناثًا على السواء، وهي تنطلق من وصاية الرجل وسلطته على المرأة عبر تحديد دور المرأة ضمن الأسرة (الدور الإنجابي ورعاية الأسرة) مقابل الدور السياسي والتغييري والإنتاجي للرجل، علاوة على المعوقات الاقتصادية وتأثيرها في مستوى المشاركة السياسية للمرأة، حيث انتشار الفقر وتأنيثه، وارتفاع نسبة البطالة بين النساء، وفي هذا السياق تشير عدة دراسات إلى العلاقة الطردية بين ارتفاع نشاط المرأة الاقتصادي وارتفاع نسبة مشاركتها وتمثيلها السياسي في الحياة العامة والعكس صحيح، وكذلك ارتفاع نسبة الأمية بين النساء بما فيها الأمية القانونية، وضعف خبرة المرأة في المجال السياسي في إطار الحركات النسوية العربية والتي لا تقوم بتمكين النساء للعمل السياسي وتدريبهن على القيادة على النحو المطلوب، وربما يرجع ذلك إلى قلة الموارد المالية بهذه الحركات، وغياب استراتيجية تمكين شاملة، ووجود القوانين لمقيدة لنشاطها، فضلًا عن الافتقار إلى التفاعل والتواصل وتبادر الخبرات من الأطراف المختلفة ذات الخبرات والإمكانات.

كما تجدر الإشارة إلى بنية بعض الأنظمة السياسية العربية، حيث تسود البنية العشائرية أو القبلية أو الطائفية أو العائلية، وعليه فإن طابع التنافس الانتخابي هو “عائلي – سياسي – طائفي”، مما يخلق صعوبة وصول النساء إلى مراكز صنع القرار، وبخاصةٍ أن العائلات والعشائر والطوائف لا تقبل أن تمثلها النساء([11]).

رابعًا: آليات تفعيل جهود تمكين المرأة في المنطقة العربية

قطعت عدة دول عربية شوطًا لا بأس به في سبيل النهوض بأدوار المرأة العربية مقارنة بالعقود الماضية، وشملت هذه الجهود جهودًا على مستوى الدول فرادى من خلال تعديل الأطر التشريعية والقانونية التي تحفز مشاركة المرأة في الحياة العامة، على النحو الذي أشارت إليه التجارب الرائدة لبعض البلدان العربية في مجال تمكين المرأة، ومنها الجهود الحثية لدولة الإمارات، ومصر، والجزائر، وتونس، والأردن، والمغرب، والسعودية… وغيرها من خلال صوغ رؤى استراتيجية طويلة المدى لتمكين المرأة، وكذلك تكاتفت الجهود العربية على الصعيد الإقليمي ومنها إطلاق شبكة نسائية إقليمية للبرلمانيات والشبكة النسائية العربية للمساواة من أجل المساواة” في عام 2014 وتم إطلاقها للعمل في عام 2015، وتعَدّ هذه الشبكة مبادرة رائدة، حيث تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات وتضم الشبكة عضوات من 22 دولة في المنطقة العربية، وقد ركزت الشبكة على تحديد وتحليل واقتراح تعديلات على مختلف القوانين/ التشريعات المتعلقة بالمشاركة السياسية للمرأة لتعزيز تمثيل المرأة في مختلف الهيئات المنتخبة([12]).

إن اندماج المرأة في عملية التنمية الشاملة وصولًا إلى مشاركتها في الحياة السياسية بفاعلية، يتطلب إجراءات وخطوات عديدة، ومنها:

– أهمية زيادة مساهمة منظمات المجتمع المدني لرفع مستوى مشاركة المرأة في الأنشطة المجتمعية والتوعية بأهمية دورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

– ضرورة إعادة تصميم برامج الحكومات لتعزيز مشاركة المرأة في مجالات التنمية من خلال استغلال التكنولوجيا الرقمية.

– إجراء عمليات تقييم لمستوى تقدم النساء الذين تلقوا برامج تدريبية لتمكينهم وتحديد مدى كفاءة البرامج المقدمة لهم وتحديد نقاط الضعف وتقويمها وتعزيز جوانب القوة.

– أهمية توفير الموارد المالية اللازمة لدعم مشاريع المرأة وتمكينها وزيادة قدرتها الإنتاجية في المنطقة العربية([13]).

– تأهيل المرأة للمناصب العليا وعدم احتكار تلك المناصب على الرجال فقط وخصوصًا أن التجارب أثبتت قدرة المرأة على ما يقوم به الرجال.

– فتح مجالات التعليم أمام المرأة، ومن بعدها مجالات العمل المختلفة ليطلق لها العنان للإبداع في ما يُسند إليها من مهام وظيفية، وكذلك العمل على راحتها واهتمام جميع مؤسسات الدولة بكل ما يهمها ويساعدها في الاضطلاع بدورها في تنمية المجتمع وبتذليل كل الصعاب التي تواجهها في حياتها العملية أو الأسرية حتى تكون مؤهلة للقيام بكل ما عليها من التزامات([14]).