مقدمة:
تتعرّض الحدود، باعتبارها ظاهرة جغرافية ذات بعد سياسي، لتأثير قوة فعل المتغيرات، فيستوجب التغيير فيها إعادة النظر في المعطى الجغرافي كونها تمثل مصدر تهديد لأمن وسيادة الدول. وبحكم طبيعة العلاقات الدولية التي تحكمها المصلحة والقوة، فإن علاقات الدول يسودها التوتر والاختلاف حول عدة مسائل أهمها مسألة الحدود.
والواضح أن الدول المتجاورة هي أكثر الدول عرضة للنزاعات الحدودية، ويكون ذلك نتيجة لكون تطور الدولة وتوسعها – بوصفها كائناً عضوياً – يتم من طريق الميل إلى التوسع على حساب جاراتها. وفي هذا الصدد، تشهد العلاقات بين الجزائر والمغرب الأقصى في جزء منها نزاعاً ناجماً عن مشكلة الحدود. وقد بقي الغموض يكتنف العلاقة السائدة بين البلدين؛ فرغم الروابط التاريخية والحضارية الكثيرة القائمة بينهما ومقومات تكاملهما، إلا أن الطابع الغالب على علاقتهما هو التوتر والحذر. من هنا، تبرز أهمية دراسة الأبعاد الجيوسياسية لمشكلة الحدود، ومدى تأثيرها كمتغير تفسيري للطبيعة النزاعية في العلاقات الجزائرية – المغربية بوجه عام.
أولاً: مسألة الحدود في السياسة الدولية: المفهوم والتطور
تعَد صورة الخريطة الحالية للحدود القائمة بين الدول، حصيلة تطور سياسي تاريخي ضارب في التاريخ؛ كونها عرفت تحولات وتغيّرات كثيرة وعميقة ومتنوعة عبر التاريخ، قبل أن تصير على الشكل الذي أصبحت عليه في وقتنا الحاضر، إذ كانت وليدة الحاجة إلى الاستقرار في منطقة معينة من الأرض، ونتج منها الشعور بالانتماء إلى ذلك الحيز الجغرافي الذي تشغله الجماعة مع تحريم الاعتداء عليه وما ينجر عنه من نزاعات ثنائية وجماعية. إلّا أن التغير الذي عرفه العالم أوجب الحاجة إلى الفصل بين سيادة كل دولة بواسطة اتفاق الدول على ترسيم الحدود بينها استناداً إلى معالم معينة أو نقاط محددة يمر عبرها هذا الخط الفاصل بينها. ويعتبر التزايد الكبير لعدد السكان مع تعاظم تأثير المتغيرات الدولية على الساحة العالمية، وكل ما تبعه من تنامٍ وانتعاش لتوجهات الانتماءات الوطنية أحياناً والقومية أحياناً أخرى، من أهم الأسباب التي أوجبت وضع الحدود الأنسب لفصل سيادة دولة عن أخرى[1].
أصبحت الحدود عبارة عن خطوط محددة ومعينة على الخرائط بوضوح وأحياناً على الطبيعة أيضاً، وهو ما استلزم وضعها في معاهدات واتفاقيات دولية، حيث أبرمت في القرن السابع عشر أول معاهدة حدود في العصر الحديث وهي «معاهدة ذهاب» سنة 1639 بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية، وشكلت منعطفاً كبيراً في تاريخ الحدود وفق معاهدات رسمية[2]. وتلتها «معاهدة وستفاليا» سنة 1648 التي أفرزت نوعاً جديداً من العلاقات بين الدول الأوروبية مبنياً على الاعتراف المتبادل بسيادة كل منها، ومصحوباً بتحديد وتعيين مساحة كل دولة ونطاق سيادتها، مع إبراز الحدود الفاصلة بين الدول المتجاورة[3].
تُعيِّن الحدود الإطار الداخلي للدولة الذي تباشر فيه سيادتها بصفة مطلقة على أراضيها، وشعبها، وممتلكاتها، إلا أنه بفعل المتغيرات الدولية الحديثة في سياق العولمة وظهور قوى فوق الدولة على النطاق الإقليمي والدولي بمقدورها الوصول إلى مناطق من المستبعد وجودها فيها، تداخلت الأنساق وأصبح من الصعب الفصل بين الداخل والخارج، وهو ما يتيح الفرص للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة. ويعتبر تعدد مراكز اتخاذ القرار وبروز دور الفواعل غير الدولتية، كالشركات العابرة للحدود، عامـلاً من شأنه التدخل في الشؤون الداخلية للدولة لاغياً مفهوم الحدود. وفي هذا السياق، يعتبر الياباني كنشي أوهيمي (Kinchi Ohaimi) من أنصار الاتجاه الذي يبرز تآكل وانهيار دور الدولة داخل حدودها ما ينقص من أهمية هذه الأخيرة مادياً ومعنوياً، وينطلق من تحليله مؤكداً أن المحددات الخارجية للقرار السياسي تفوق وبشكل مضطرد المحددات الداخلية[4].
كما يؤكد ريتشارد أوبرين (Richard O’Brien) في كتابه نهاية الجغرافيا أهمية حركة رأس المال وانسيابه عبر الحدود وانتقاله إلى المكان الذي تواجهه فيه أقل المخاطر. هنا تجدر الإشارة إلى دولة سويسرا التي رغم انتمائها جغرافياً للقارة الأوروبية إلّا أنها لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، ولا إلى الحلفاء من قبل في الحرب العالمية الثانية. ويرجع هذا إلى فطنة النظام السياسي ووعيه في الفصل بين الداخل والخارج في صياغة السياسة العامة داخل حدود الدولة كعامل أساسي للحماية من أي متغيرات خارجية تهدد الأمن والاستقرار.
تعد الحدود من أكثر الموضوعات أهمية في الجغرافيا السياسية رغم انحسار الاهتمام بها لقلة المنازعات فيها، وهذا راجع إلى وضوحها في عصرنا الحالي، إذ لولاه لتحولت علاقات الدول لحالة من الفوضى؛ إذ يستحيل معرفة مكان انتهاء سيادة دولة وبداية سيادة دولة تجاورها جغرافياً نتيجة إفرازات العولمة على المجتمع الدولي ككل[5]. وبذلك، فقد عرفت الحدود تطوراً ملحوظاً عبر التاريخ من كونها مجرد مناطق حدية فاصلة تندرج فيها سيادة دولتين متجاورتين إلى وضع الخط الأنسب للفصل بينهما، ومن ثم توثيق هذه الحدود في اتفاقيات ومعاهدات تضمن لكل دولة السيادة الشرعية على أرضها وممتلكاتها رغم تداخل الأنساق في النظام الدولي المعاصر، حيث بات من الصعب الفصل بين الدول، وهو ما يضع الحدود بمفهومها التقليدي موضع جدل كبير.
لقد قدّمت عدة تعريفات للحدود سواء لدى المفكرين الغربيين أو العرب؛ وذلك باختلاف المداخل التي اعتمدوا عليها. يعرف بوجز (Bogges) الحد بكونه: «ذلك الخط الذي يميز حدود الإقليم الذي تمارس عليه الدولة حقوق السيادة»[6]. فهو يركز على سيادة الدولة داخل نطاق جغرافي معين حيث يشكل الحد نهاية سيادتها لتبدأ سيادة دولة أخرى مجاورة لها. في حين يعرف فكتور برسكوت (Victor Prescott) الحدود بأنها: «الخطوط التي تحدد الإقليم الذي تشغله الدولة وتبسط عليه سلطاتها بصفة قانونية»[7]. فهذا التعريف يركز على الجانب القانوني لوضع الدولة داخل إطارها الجغرافي. أما محمد أزهر السماك فيعرِّف الحدود بوصفها «الخطوط التي تحدد كيان الوحدة السياسية وتحدد إقليمها سواء كانت مساحة يابسة أم مائية»[8]؛ فالحدود عنده هي الهيكل الخارجي الذي يحيط بالوحدة السياسية ويضم اليابس والماء.
بهذا، تلتقي هذه التعريفات للحدود في كونها عبارة عن موضع جغرافي تلتقي عنده دولتان، وينتهي عندها نفوذ وسيادة كل منهما وقوانينهما. وبالتالي، فبالرغم من تعدد التعريفات المقدمة للحدود إلا أن مجملها يقِرُّ بكونها ظاهرة جغرافية ذات بعد سياسي، وهي تشكّل أهم مقومات الدولة الحديثة كونها تتميز بصفتي الفصل والوصل معاً. والجدير بالذكر، أن الحدود الدولية تستند إلى عدة معايير في تصنيفها، فكل مجموعة من الحدود تعتمد على أساس معين؛ سواءٌ لطبيعتها أو لخصائص أخرى تميزها من غيرها من الحدود في المجتمع الدولي، إلا أن الملاحظ أنه رغم تعدد أنواع الحدود فهي في مجملها تعبر عن نهاية سيادة وقوانين دولة لتبدأ معها سيادة وقوانين دولة أخرى من الجوار الجغرافي.
إن الحدود – على خلفية اعتبارها ظاهرة سياسية ذات طابع جغرافي – تشكل متغيراً جوهرياً في تحديد طبيعة العلاقات بين الدول المتجاورة؛ فالحدود بين الجزائر والمغرب كانت دائماً بؤرة توتر في العلاقات الجزائرية – المغربية عبر التاريخ؛ ولعل المد والجزر الذي عرفته علاقاتهما البينية عبر التاريخ تجسيد واقعي لعبارة راتزل (Ratzel) «التوسع يفتح الشهية نحو التوسع»، التي تعدُّ من القوانين السبعة للجغرافيا السياسية الموضوعة من طرفه.
ثانياً: مشكلة الحدود في ميزان العلاقات الجزائرية – المغربية
بعد أن رفعت فرنسا الحماية عن المغرب سنة 1956 ثم استقلال الجزائر سنة 1962، دخلت الدولتان في مرحلة من الصراع بلغ أشُدّه سنة 1963، إذ وصل للمواجهة العسكرية أو ما سمي حرب الرمال، وهو أمر نتج من اختلاف الرؤى بين الجزائر والمغرب حول نطاق حدود وسيادة كليهما؛ فاستند كل طرف إلى الحجج التي تؤيد طرحه سواء للحفاظ على رقعته الجغرافية من دون اقتطاع لها أو مساس بوحدة الدولة، أو بالترويج للطرح المبرر للحصول على حيز أكبر على حساب الآخر. إن مشكلة الحدود الجزائرية – المغربية لازمت البلدين رغم التغيير الذي شهده النظامان الحاكمان فيهما، حيث ظل الطابع النزاعي لعلاقاتهما سائداً في المنطقة الذي يطفو فوقه مشكل الحدود.
1 – مبدأ قدسية الحدود بالنسبة إلى الجزائر
استند الموقف الرسمي للسلطة الحاكمة في الجزائر إلى تبني فكرة وحدة القارة الأفريقية كحل لتجاوز مشاكل الحدود المفروضة منذ العهد الاستعماري، وذلك بالإبقاء على الحدود التي خلّفها الاستعمار؛ إذ أصبحت هذه الحدود حقيقة تطالب بها أغلب الدول، وبخاصة مع إدراك فشل التجارب الوحدوية التي أرادت تكريس وحدة الشعوب الأفريقية على أرض الواقع. وبرز مبدأ احترام الحدود الموروثة من خلال اقتراح الرئيس المالي موديبو كيتا (Modibo Keita) (1915 – 1977) قائلاً: «أفريقيا كما هي… الوحدة الأفريقية تتطلب من كل واحد منا الاحترام الكامل للإرث الذي تلقيناه من النظام الاستعماري، أي الحفاظ على الحدود الحالية لبلادنا»[9]. ووافقت عليه صراحة مجموع الدول الأفريقية في مؤتمر أديس أبابا المنعقد بتاريخ 25 أيار/مايو 1963 حيث تم توقيع ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية[10].
يجد الموقف الجزائري صدقيته في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة لميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، التي تؤكد: «احترام سيادة كل دولة وسلامة أراضيها وحقها الثابت في استقلال كيانها»[11]. والأخذ في هذا المبدأ يُبقي الحدود على حالها من دون أن تتعرض للتعديل، لأن فتح باب إعادة النظر فيها يؤدي حتماً إلى التوتر وعدم الاستقرار الذي سيجعل القارة الأفريقية تعيش الوضع السائد نفسه في منطقة البلقان الأوروبية. لذا اعترفت منظمة الوحدة الأفريقية بقبول ميراث الاستعمار بكل ما يحويه من تفتيت مصطنع ومتعمد للقارة تجنباً لإثارة مشاكل كبرى آنياً ومستقبلياً. وأكدت الجزائر وجوب احترام مبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار. كما عبّرت عن موقفها في المحافل الدولية حول ضرورة بقاء الحدود القائمة لحظة حصول الدولة الحديثة على الاستقلال، وهو اختصار للصيغة المعروفة لدى الفقهاء الذين يهتمون بمشكل الحدود والمؤكدين أن الدولة الوارثة تكتسب من مورثتها فقط ذلك الإقليم الذي كانت تمتلكه الدولة المورثة[12]. فالدولة الوريثة لا ترث المعاهدات بل حدود الإقليم، وهو ما يبرز جلياً أن نظم الحدود الدولية لا تتأثر بقواعد الاستخلاف بين الدول. وقد أدى قرار منظمة الوحدة الأفريقية الداعي باحترام أوضاع الحدود والوحدة الترابية من خلال تكريس الوضع القائم إلى تعزيز موقف الجزائر تجاه دول الجوار الجغرافي.
يقوم التصور الجزائري لأي تسوية حدودية على أساس الشرعية القانونية باعتبار قدسية الحدود من المبادئ الثابتة في سياستها الخارجية. ويتمشّى هذا الطرح مع رغبات أغلب دول أفريقيا كونه يمثل آلية لحفظ السلام، فالاتجاه الداعي إلى احترام السيادة الوطنية والحدود الثابتة والموروثة كان الأقوى ضمن التيارات السياسية والفكرية التي كانت تتفاعل بقوة حتى قبل تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية. وقد كانت الجزائر بدورها ضمن الدول العاملة على حماية القارة الأفريقية من محاولات النيل من استقلالها السياسي عن طريق عدم إثارة المشاكل الحدودية، حيث أعرب الرئيس الراحل أحمد بن بلة(*) صراحة عن أخذ بلاده في هذا المبدأ مصرّحاً في 10 كانون الأول/ديسمبر 1963 في مدينة بشار أن: «الجزائر لديها حدود كما تركها الاستعمار»[13].
لقد دافعت الجزائر عن الإرث الاستعماري من منطلق النزعة القطرية، والحفاظ على منجزات الثورة والدفاع عن الاستقلال الوطني. كما سعت منذ نيل استقلالها لجعل قضية الحدود أحد أهم أهداف سياستها الخارجية قصْد إيجاد حل لها على أساس القواعد والمبادئ القانونية التي تكرس المحافظة على الحدود الموروثة. وشكل هذا التصور الذي عملت على ترسيخه في إطار منظمة الوحدة الأفريقية السند الرئيسي لاحتجاجها أمام المطالب الإقليمية المغربية تجاه حقوقها السيادية المزعومة في منطقتي تندوف وبشار.
تجدر الإشارة إلى أن مبدأ التوارث الدولي تلقّى عدة انتقادات، حيث يرى البعض أنه عرف إقليمي نشأ في أمريكا اللاتينية لأسباب وظروف خاصة ولا يجوز تعميم تطبيقه على بقاع العالم المختلفة، إلا أن محكمة العدل الدولية وفي أكثر من مرة أكدت عدم صواب هذا الرأي. وأوضحت أن الدول الأفريقية عندما اعترفت في مناسبات عديدة بالحدود الموروثة عن الاستعمار فإنها اعترفت بقاعدة قانونية لا بمجرد حل سياسي مؤقت، وبالتالي فهي لم تعد الآن بحاجة إلى نصوص وقرارات مؤتمرات القمة الأفريقية، فالعرف العام الدولي المستقر يلزم هذه الدول جميعاً بضرورة احترام المبدأ وتطبيقه في العلاقات في ما بينها.
تكمن أهمية رفض أطروحة مراجعة الحدود في مصلحة أمن وسلامة الإقليم والحفاظ على أفريقيا من هزات يمكن أن تحدثها إعادة النظر في الوضع القائم للحدود؛ فالمطالبة بالإبقاء على الوضع الإقليمي القائم يهدف – ليس فقط لمنع نزاعات بين الدول الأفريقية وإنما يتعداه – لتفادي انفجار نزاعات داخلية يمكن أن تهدد إنجازات الدولة الهشة، إلى جانب درء كل قوة خارجية متمثلة بشبه الاستعمار بشتى أشكاله. فقد تيقنت الدول الأفريقية أن تجاوز مشكلاتها الحدودية لن يكون إلّا بالتمسك بمبدأ ثبات الحدود الدولية الموروثة عن الاستعمار تجنباً للعواقب السلبية، لأن مراجعة الحدود من شأنها جعل أغلب الدول في مواجهة بعضها مع بعض بدلاً من التفرغ للبناء وتحقيق التنمية الاقتصادية.
عملت منظمة الوحدة الأفريقية من خلال أخذها في مبدأ التوارث الدولي على منع دول القارة من مراجعة الحدود الموروثة غداة الاستقلال، كما عمد صنّاع القرار في الدول الأفريقية إلى تخويف شعوبهم من الخطر الخارجي بهدف صهر السكان بمختلف انتماءاتهم القبلية والإثنية في بوتقة واحدة وحفزهم على الدفاع عن هذه الحدود كون جميع السكان أمة واحدة داخل الدولة. وهو ما قام به الرئيس الراحل أحمد بن بلة الذي حاول تعبئة الجماهير وتوجيه الرأي العام إلى قضية مصيرية وتهديد أمني خارجي مصدره المغرب من أجل تجاوز الخلافات التي نجمت عن أزمة صائفة 1962، فالأنظمة الضعيفة تخلق مشاكل وأزمات للاستمرار في الحكم وتجعلها مصدراً لشرعيتها[14].
إن تبني دول القارة الأفريقية مبدأ التوارث الدولي هو في حقيقة الأمر وسيلة مثلى من أجل تفادي النزاعات والحد منها. والجدير بالذكر أن قرارات منظمة الوحدة الأفريقية أخمدت عدة نزاعات حدودية ومطالب إقليمية لبعض الدول، حيث نجحت في إبعاد شبح الحروب وتفكك وحدة هذه الدول من جراء مراجعة الحدود وهي لم تنعم بعد باستقلالها بعد أمد طويل من الاستعمار.
2 – أطروحة الحق التاريخي بالنسبة إلى المغرب
في الوقت الذي اعترفت أغلبية الدول الأفريقية بمبدأ التوارث الدولي كونه أمثل السبل لحل النزاعات الحدودية، رفضه المغرب لاعتبارات المصلحة ووجد في التاريخ منفذاً لترويج أطروحته التي تتصل بصورة وثيقة بأفكار حزب الاستقلال. فالنظام الحاكم في المغرب ظل لفترة طويلة يرفض الأخذ بقاعدة الحدود الموروثة، ويعلن مراراً عن تحفظه عنها كونها تحرمه «حقوقه التاريخية» في عدد من الأقاليم الترابية الشاسعة والضاربة بعضها في عمق الصحراء، والتي تشمل: موريتانيا، بشار وتندوف، الصحراء الغربية، مالي، السنغال، سبتة ومليلية؛ حيث تشكل هذه الأقاليم امتداداً تاريخياً للسيادة المغربية[15]. وقد قام النظام المغربي بدسترة مطالبه التوسعية؛ إذ نصت المادة الرابعة من دستور 2 حزيران/يونيو 1961 على ضرورة توحيد الأراضي المغربية، وكذا المادة 19 من دستور 10 آذار/مارس 1972 التي تطرقت إلى أقاليم المملكة المغربية في إطار حدودها التاريخية التي تشمل كل المناطق المحددة على خارطة المغرب الكبير[16].
عَبَّرَ المغرب عن موقفه من مسألة الحدود ووحدته الترابية برفض أحكام وقرارات منظمة الوحدة الأفريقية، فهي لا تعنيه ولا تلزمه ما دامت لا تراعي حدوده السابقة وحقوقه التاريخية. وقد شدد سلطان المغرب «محمد الخامس» في إحدى خطبه الرسمية على استقلال المغرب ضمن حدوده التي تعيد له «الحق والجغرافيا والتاريخ»[17]. وتجسدت هذه المعارضة أثناء توقيعه ميثاق الوحدة الأفريقية من خلال تقدّم بعثته بتاريخ 19 آذار/مارس 1963 بتحفظ يشير إلى أن الانضمام إلى هذه المنظمة لا يمكن تفسيره بأي حال من الأحوال على أنه اعتراف صريح أو ضمني بالوضع القائم والمرفوض من جانب المغرب، ولا بوصفه تخلياً عن متابعة وتحقيق حقوقه بوسائل شرعية بحوزته[18]. لكن الوقائع أثبتت أن هذا الانضمام كان بهدف درء خطر اتخاذ المنظمة أي قرار من شأنه إلحاق الضرر به في نزاعه الحدودي مع الجزائر كونها عضواً فاعـلاً فيها، وتخوفاً من بقائه على الهامش الذي لا يخدم مصالحه[19]. كما سخّر جهوده في الدفاع عن حقه التاريخي لمواجهة الموقف الجزائري، وموريتانيا، ومواجهة إسبانيا التي كانت تحتل الصحراء الغربية[20].
يبرّر المغرب حقه التاريخي على أساس تصور إسلامي للحدود قائم على قاعدة الانتماء الديني؛ فالحدود المغربية حسب هذا الطرح يجب أن تخطط على أساس المجموعات البشرية التي تدين بالولاء الديني للسلطان وليس على أساس إقليمي أو جغرافي. وبالتالي اعتبار كل المناطق التي تضمنتها خريطة المغرب الكبير أراضي مغربية، وهو ما تفسره الباحثة نيكول غريمو (Nicole Grimaud) انطلاقاً من المفهوم الإسلامي للسلطة الذي يمنح أهمية كبرى للولاء الشخصي المستوحى من بعد ديني أكثر من قدرة المراقبة الفعلية على الإقليم؛ أي سلطة الملك الحقيقية تمتد من بلاد المخزن إلى بلاد السيبا وهي أراض مغربية بحكم الولاء لا الخضوع للإدارة المركزية المغربية، ومنه فإن أغلب الأراضي الصحراوية التي تقطنها القبائل المهاجرة تنتمي إلى الفئة الثانية وهي مغربية بحكم التاريخ والولاء الديني للسلطان المغربي[21].
إن دراسة تاريخ المنطقة تبرز جلياً أن مبدأ الحق التاريخي الذي يسعى المغرب لتأكيده لا مجال من تبنيه من جراء وجود قراءات مشوهة للتاريخ، فقد أبرز واقع مقاومة الأمير عبد القادر والمقاومات الشعبية من بعده، وبخاصة ثورة المقراني في الجنوب الغربي 1881 جلياً انتماء هذه المناطق للجزائر حتى قبل تحديد مدينة بشار 1912[22]. إذاً، التاريخ الذي تزعم المغرب أنه يعطيها حقها في أراضي دول مجاورة هو نفسه الذي يفند هذا الحق، وفي الوقت الذي يذهب فيه المغرب لتبرير أطماعه التوسعية في أدرار وتندوف بحجة فرض فرنسا معاهدات واتفاقيات تنقص من سيادته الترابية على خلفية أنهما كرستا التوسع بالمناطق الجنوبية على حسابه نجد واقع المقاومة يفند مزاعمه من خلال الانتفاضات التي عرفتها المنطقة باسم الجزائر[23].
والواضح جلياً، أنه ما يعاب على مفهوم الحق التاريخي أنه مبني على قاعدة الانتماء الديني هو ما يجعله ضعيفاً أمام أحكام القانون الدولي لإثبات تبعية هذه الأقاليم لمجال السيادة المغربية، وخصوصاً أن مظاهر هذه السيادة انقطعت لفترات طويلة. كما أنه من غير الممكن تغيير حدود الشعوب باسم المعيار العنصري أو الديني لأن الأخذ في هذه المعايير يعني اختفاء عدة دول من خارطة القارة الأفريقية[24].
لذا، لما وجد أنصار الحق التاريخي موقفهم ضعيفاً سعوا لتعزيزه في الإطار القانوني تمشياً مع أحكام القانون الدولي، فعملوا على تحليل الوثائق والمعاهدات لإبراز ما يشير فيها إلى هذا الحق، وتم التركيز على اتفاقية «لالة مغنية» الموقعة بتاريخ 18 آذار/مارس 1845، التي تم بموجبها تخطيط الأجزاء الشمالية من الساحل إلى إقليم وجدة، وهي الحدود الممتدة من المنطقة التلية إلى الجنوب من القصور عبر ثنية الساسي وفجيج[25]. وكرست هذه المعاهدة الوضع الحدودي بين المغرب وفرنسا؛ مؤكدين وجود المغرب في حالة ضعف من جراء انهزامه في معركة «إيسلي» 11 أيار/مايو 1844[26]، التي كانت بسبب مساعدته الجزائريين عامة والأمير عبد القادر بالخصوص. إلّا أن التاريخ يبرز أن الاشتباكات الواقعة في «لالة مغنية» كانت في إثر نزول جنود فرنسيين في المنطقة الأمر الذي عدّه المغاربة تدنيساً للضريح فوقعت الاشتباكات بين الطرفين، تلتها معاهدة «لالة مغنية» التي اعتمدت إلى حدٍ كبير على معاهدة الحدود الموقعة بين المغرب والدولة العثمانية.
بهذا، فإن مبدأ الحق التاريخي الذي يعمل النظام المغربي على توظيفه لدعم موقفه في نزاعه الحدودي مع الجزائر يعد بمنزلة الاستثناء للتوجه العام الذي تبنته الدول الأفريقية. ففي الوقت الذي خرجت منه أغلب الدول منهكة منهارة من جراء عقود طويلة من الاستعمار ونادت بفكرة الوحدة عن طريق تكريس مبدأ قدسية الحدود، لجأ من المغرب إلى ذرائع تاريخية لإضفاء الشرعية على حقوقه في أراض مجاورة له.
وعليه، يمكن القول إن التمسك بمرجعية معينة هو الذي شكل أساس احتجاج كل طرف مرتكزاً على تصوره الخاص لما يجب أن تكون عليه الحدود مستنداً على خلفية معينة لتأكيد شرعية تصرفاته وعدم شرعية تصرفات الآخر. ففي الوقت الذي أكّدت الجزائر الشرعية القانونية لواقع حدودها الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، يذهب المغرب – بإيعاز من حزب الاستقلال – للغوص في أعماق التاريخ سعياً لإضفاء الشرعية على احتجاجاته وأطماعه التوسعية. واللافت للانتباه، هو تطور هذا النزاع على نحوٍ تصعيديٍ حاد عن طريق اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية قبل المرور بالمحاولات السلمية المعروفة في تسوية النزاعات الدولية، الأمر الذي يشير إلى وجود أبعاد أخرى غير المطالب الإقليمية المؤسسة على عوامل ومبررات قانونية بالنسبة إلى طرف وأخرى تاريخية بالنسبة إلى الطرف الآخر.
بين هذا وذاك، تبقى العلاقات الجزائرية – المغربية حبيسة قضية الحدود رغم الفصل فيها منذ زمن بعيد، إلّا أن دارس مسار هذه العلاقات يدرك جلياً مدى التصارع بين الطرفين عبر التاريخ وتأثير ذلك الطابع العدائي على النهج التكاملي الذي من شأنه تحقيق التقارب؛ فالعلاقات بين الطرفين ظلت مشوبة بنوع من التوتر. ورغم المبادرات الثنائية والجهود الدولية تظل هذه العلاقات مهددة بالتصاعد وحتى الانفجار في أي وقت، وهي صفة النزاعات الكامنة في العلاقات الدولية.
ثالثاً: مستقبل المشكل الحدودي بين الجزائر والمغرب
تعد مشكلة الحدود بين الجزائر والمغرب من المشاكل التي استعصى حلها في السياق الإقليمي، وهذا راجع لتعنت الطرفين وكذا التدخلات الأجنبية التي لا تعمل على حل النزاع، وإنما توجيهه بما يخدم مصالحها، وهو ما يؤثر في النظرة المستقبلية المشتركة لطرفيه. لهذا يبدو أن تأثير مشكلة الحدود في العلاقات الثنائية بين كل من الجزائر والمغرب، سيأخذ أحد منحيين:
1 – استمرار غلق الحدود
يتميز ملف العلاقات بين المغرب والجزائر بطابع خاص يجعله في مقدم القضايا الإقليمية المعروفة بسياسة التقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف، حيث تتقاطع دعوات التطبيع مع خطابات التحذير من أي تقارب بين الطرفين. فالطرف الجزائري يتهم نظيره المغربي بالتقصير وغض النظر عن الممار السرية للمهرِّبين في المنطقة الحدودية أو التواطؤ معهم، وهو ما أنتج حالة من الخلل العميق في الاقتصادات المحلية للمناطق على ضفتي الحدود بين البلدين والتي باتت تعيش على إيرادات التهريب[27].
ويعاني كل من المغرب والجزائر معاً خطر الإسلام الأصولي وجماعات العنف المتسترة بالدين والتسلل الذي يتم عبر الحدود بين الدولتين للقيام بعمليات أو التخفي عن عناصر الأمن إضافة إلى عمليات التهريب المنظم التي تتم عبر الحدود. ورداً على ذلك صرح «تاج الدين الحسيني» أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الرباط في حوار لحساب قناة فرانس24 بأن غلق الحدود هو الذي يشجع في الحقيقة سياسة التهريب، واصفاً تبرير السلطات الجزائرية بالأسطوانة المعروفة وغير المقبولة، ومتمنياً أن يسلك البلدان ما سلكته فرنسا وألمانيا اللتان تمكنتا من تجاوز الخلافات والوصول إلى الوحدة رغم ما قال عنه جروح التاريخ، لأن «التاريخ لا ينتظر»[28].
وفي هذا الصدد، أدت محاولات تسلل أعداد من الأفارقة للهجرة إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر سواحل المغرب إلى أزمة طارئة، بسبب اتهام المغربِ الجزائرَ بتسهيل مرورهم عبر أراضيها[29]. فدخلت أوروبا على خط الأزمة كطرف متضرر من عمليات الهجرة، ونتيجة لرغبة كلا الطرفين في تجاوزها تم تطويق تلك الأزمة وتجاوزها. وتمثّل هذه الأزمة أحد المواقف المرجحة لاستمرار الوضع على حاله والمغذى بالتصلب في المواقف من كلا الطرفين.
2 – فتح الحدود وتطبيع العلاقات بين البلدين
كانت موجة التغيير التي شهدتها المنطقة العربية منذ سنة 2011 سبباً في بروز مؤشرات عن عودة الدفء في العلاقات الجزائرية – المغربية، فبدأ الحديث يسري بين قيادتي البلدين في شأن إمكان تطبيع كامل للعلاقات بعدما كانت تتميز بركود دام أعواماً. وقد حدّد الباحث المغربي العربي المساري أسباب تعثّر التجربة التكاملية المغاربية في ثلاثة أسباب رئيسية: ظاهرة اللايقين من جدوى المشروع المغاربي ومصير مؤسساته، ومسألة اللاتواصل بسبب غلق الحدود والخلافات الشكلية وتراجع التعاون الاقتصادي بين الدول المغاربية بوجه عام، والأهم هو حقيقة اللاثقة من منظور صفري وفق نظرية المباريات[30]، حيث إن هناك عوامل خفية للتكامل لكن صناع القرار يكابرون ويرون أنهم في غنى عن تفعيل هذه العوامل.
يبدو أن تطبيع العلاقات بين البلدين غير وارد على المدى القصير، فالجزائر تشترط لذلك حـلاً شامـلاً لمختلف القضايا المعلّقة بين البلدين مع حل المشكل الصحراوي وفق لوائح الأمم المتحدة التي تمنح الشعب الصحراوي حق تقرير المصير من طريق الاستفتاء. في المقابل يرى المغرب أن القضية الصحراوية من صميم سيادته الوطنية، إذ لا مجال للمساومة فيها، داعياً إلى ضرورة فصل القضايا بعضها عن بعض، بدءاً بفتح الحدود وتطبيع العلاقات مع ترك قضية الصحراء الغربية لدى الأمم المتحدة للفصل فيها. وفي هذا السياق يذهب النظام المغربي إلى القول بأن النزاع القائم في الصحراء الغربية هو بين المغرب والجزائر التي أنشأت البوليساريو. إلا أن قرار الأمم المتحدة بإعادة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء المغربية (المينورسو) إلى المنطقة يقلب موازين القوى، ويضفي الشرعية على مطالب الشعب الصحراوي المهضومة التي اكتسبت لاحقاً تأييداً من قوى دولية عرفت تحولاً في موقفها من القضية.
يُعد فتح الحدود بداية مشروع التكامل الاقتصادي الذي يتوجب بناؤه نظراً إلى أهمية المنافع والعوائد الاقتصادية بعيداً من الاعتبارات السياسية؛ فالقواسم المشتركة بين شعوب المنطقة تؤدي دوراً أساسياً في إنشاء بنية تكاملية إقليمية، إلا أنها لا ولن تكفي من دون عامل المنفعة الذي يبقى المحرك الأساسي للمشاريع التكاملية؛ فعلى الجزائريين والمغربيين تجاوز العقبة النفسية واحترام الآخر وخياراته والتخلي عن هوس التآمر الذي يطبع معظم تحليلات القيادات السياسية في البلدين[31].
بناء على ذلك، تُعد مسألة فتح الحدود وتطبيع العلاقات بين البلدين من أولويات القضايا الإقليمية التي تعيشها المنطقة، والتي كانت ولا تزال مستعصية الحل؛ فالأخذ في الرأي المؤيد لفتح الحدود رغم ما يدعمه من إمكان تطوير الاقتصاد بتفعيل العلاقات البينية ومحو الفصل بين الدولتين بالطريقة التي تساير التطورات التي يشهدها العالم في سياق العولمة، من شأنه تحطيم البنية التحتية للاقتصاد الجزائري تباعاً لما أفرزته نتائج التهريب اليومية التي تعرفها الحدود البرية. وبين الرأي ونقيضه تبقى العلاقات مرهونة بمصالح صناع القرار بعيداً من المصلحة العامة للشعوب.
يمثّل غلق الحدود البرية بين البلدين بؤرة توتر في المنطقة باحتمالين اثنين لا ثالث لهما؛ إما إبقاء الوضع على حاله بتوتراته وأزماته التي من شأنها تصعيد الخناق مثلما حدث في العام 1963 وبخاصة في ظل ما تشهده المنطقة حالياً من أحداث. ولعل تصريح الأمين العام لحزب الاستقلال عبد الحميد شباط عام 2013 خير دليل على عدم زوال مطامع المغرب في الأراضي الجزائرية، أو تطبيع العلاقات وتجاوز الخلاف الحدودي من أجل الوصول إلى درجة أقوى في العلاقات المغاربية كون المنطقة ذات أهمية جيوستراتيجية بامتياز.
إن المعطيات التي يمليها الواقع عن طبيعة العلاقة بين طرفي النزاع تدعو إلى القول باقتراب المبادرات لتطبيع كلي للعلاقات بين البلدين بدءاً بفتح الحدود البرية المغلقة منذ العام 1994، وهو ما يُحبَّذ في موضوع الدراسة كون الحدود المغلقة معطى متناقضاً تماماً مع حتمية التاريخ والجغرافيا، وهو ما يؤثر سلباً في الواقع السياسي.
إن الحدود التي تم تعيينها بطريقة مغايرة للواقع أو تلك التي فرضت على دولة ما من طرف دولة أخرى قد تصبح عاجـلاً أم آجـلاً سبباً للخلاف، لكن الرجوع إلى التاريخ القديم لتقرير مطالب إقليمية يهدم كل ما بنته الإنسانية من حضارات مشتركة ويقلب موازين المجتمع الدولي الحالي ويعيد خارطة العالم. والقول ببقاء الوضع على حاله بتوتراته وتعقيداته من شأنه الإبقاء على حالة التوجس المتبادلة بين طرفَي النزاع؛ فالجمود في العلاقات المبني على أفكار القادة في كلا البلدين، وكذا دور الفواعل الرسمية وغير الرسمية في هذا النزاع، من شأنه أن يأخذ منحى كارثياً في حال استمرار الأوضاع في هذا الاتجاه، الذي يمكن أن يتفاقم ويصل إلى المواجهات العسكرية مثلما حدث في حرب الرمال.
خاتمة
إن العالم اليوم يقوم على سياسات الاندماج، لذا يتوجب على كل من الجزائر والمغرب تجاوز الخلافات الثنائية مهما كانت مسبباتها لتحقيق التكامل الاقتصادي والعمل على مواجهة التحديات الراهنة التي أفرزتها العولمة. وكذا تقوية سبل التعاون والتنسيق الأمني والسياسي من أجل تحقيق الديمقراطية، والتغلب على مختلف المظاهر الجديدة للإجرام والإرهاب والأمراض وغيرها. فالسبيل الأنجع لهذا التحدي هو التكتل الاقتصادي من أجل تحقيق التكامل والاندماج في المحيط الإقليمي.
يتوجب على كلا الدولتين العمل على الإفادة من التنوع الاقتصادي القائم بينهما؛ فبالرغم من التحول التدريجي لاقتصاداتهما في ظل حرية السوق وما يرتبط بتلك الأنشطة من صناعات متنوعة تخدم التكامل والتكتل والاندماج الاقتصادي إلا أننا نلمس ضعف العلاقات البينية. لذا يتوجب إنشاء مشاريع مشتركة بهدف تمتين العلاقات على خلفية المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى. وهو الأمر الذي فطنت له دول الاتحاد الأوروبي التي تمكنت في الأخير من تحقيق وحدة إقليمية رغم مشاكلها الحدودية القديمة. لكن الأمر مرتبط بمدى وصول الدولتين إلى درجة معينة من النضج والوعي السياسي على المستوى الرسمي والشعبي الذي يخوّلها تجاوز خلافات الماضي وبناء علاقات على أساس المصالح من أجل العمل دوماً في سياق مشترك لحماية هذه المصالح.
المصادر:
(*) نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 458.
(**) آمال بلحميتي: المدرسة الوطنية العليا للعلوم، السياسية – الجزائر.
[1] صلاح الدين الشامي، دراسات في الجغرافيا السياسية (الإسكندرية: منشأة المعارف، 1999)، ص 53 – 54.
[2] عمر سعد الله، القانون الدولي للحدود (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 2003)، ج 1، ص 61.
[3] السيد مصطفى أبو الخير، القانون الدولي لمنازعات الحدود: دراسة تطبيقية على الحدود العربية والإسلامية (القاهرة: إيتراك، 2001)، ص 49.
[4] كينشي أوهيمي، الاقتصاد العالمي: المرحلة التالية، تحديات وفرص في عالم بلا حدود، ترجمة مركز التعريب والبرمجة (بيروت: الدار العربية للعلوم – ناشرون، 2006)، ص 42 – 43.
[5] حسام الدين جاد الرب، الجغرافيا والمشكلات الدولية (القاهرة: الدار المصرية – اللبنانية، 2008)، ص 86 – 87.
[6] المصدر نفسه، ص 87.
[7] سعد الله، القانون الدولي للحدود، ص 21.
[8] محمد أزهر السماك، الجغرافيا السياسية بمنظور القرن الحادي والعشرين (عمّان: دار اليازوري،2011)، ص 272.
[9] إدمون جوق، العلاقات الدولية، ترجمة منصور القاضي (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993)، ص 269.
[10] عبد القادر رزيق المخادمي، النزاعات في القارة الإفريقية: انكسار دائم أم انحسار مؤقت؟ (القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع، 2005)، ص 210.
[11] نوري مرزه جعفر، المنازعات الإقليمية في ضوء القانون الدولي المعاصر (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1992)، ص63.
[12] المصدر نفسه، ص 58 – 59.
(*) أحمد بن بلة هو أول رئيس للجمهورية الجزائرية بعد الاستقلال تولى الرئاسة خلال الفترة الممتدة ما بين أيلول/سبتمبر 1962 إلى غاية 19 حزيران/يونيو 1965.
[13] رابح عمورة، »النزاعات الحدودية في إفريقيا وطرق تسويتها،« (رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق، الجزائر، 2001)، ص 58 – 59.
[14] عبد الحميد زوزو، المرجعيات التاريخية للثورة الجزائرية الحديثة: مؤسسات ووثائق (الجزائر: دار هومة، 2009)، ص 51.
[15] إسماعيل معراف غالية، الأمم المتحدة والنزاعات الإقليمية (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1995)، ص 44.
يجد الطرح المغربي مرجعيته في الكتاب الأبيض لحزب الاستقلال عام 1955 والمتضمن خريطة المغرب الكبير، وهي تتضمن الأقاليم نفسها التي سبق ذكرها.
[16] المصدر نفسه، ص 44.
[17] محمد رضوان، منازعات الحدود في الوطن العربي: مقاربة سوسيوتاريخية وقانونية لمسألة الحدود العربية (بيروت: أفريقيا الشرق، 1999)، ص 95.
[18] سعد الله، القانون الدولي للحدود، ص 96.
[19] محمد بوعشة، الدبلوماسية الجزائرية وصراع القوى الصغرى في القرن الأفريقي (بيروت: دار الجيل للنشر والطباعة، 2004)، ص 85.
[20] محمد رضوان، منازعات الحدود في الوطن العربي: مقاربة سوسيوتاريخية وقانونية لمسالة الحدود العربية (بيروت: أفريقيا الشرق، 1999)، ص 99.
[21] Nicole Grimaud, La Politique extérieure de l’Algérie (Paris: Karthala, 1984), p. 181.
[22] عمار عمورة ونبيل دادوة، الجزائر بوابة التاريخ: الجزائر عامة ما قبل التاريخ إلى 1962 (الجزائر: دار المعرفة، 2009)، ج 1، ص 296.
[23] يحيى بوعزيز، الموجز في تاريخ الجزائر: الجزائر القديمة والوسيطة (الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 2007)، ج 1، ص 17.
[24] René Gallissot, «Espaces communautaires/nationalités: Points d’histoire,» papier présente à: Frontières: Problèmes de frontières dans le Tiers-Monde: Journées d’études des 20 et 21 mars 1981 (Paris: Le Harmattan, 1982), pp. 124‑126.
[25] Jean Pierre Peyroulou [et al.], Histoire de l’Algérie à la période coloniale, 1830‑1962 (Paris: La Découverte, 2012), p. 111.
[26] محمد الشريف سحلي، الأمير عبد القادر: أباطيل فرنسية وحقائق جزائرية، تعريب حبيب شنيني (الجزائر: دار القصبة، 2007)، ص 166.
[27] خالد السرجاني، »العلاقات المغربية الجزائرية وقضية الصحراء الغربية،« السياسة الدولية، العدد 163 (تموز/يوليو 2006)، ص 170.
[28] حسن حمورو، »الحسيني: فتح الحدود المغربية الجزائرية سيتم في الأسابيع المقبلة،« هسبريس، 25 كانون الثاني/يناير 2012.
(اطلع عليه بتاريخ 26 كانون الأول/ديسمبر 2012).
[29] المصدر نفسه.
[30] عصام بن الشيخ، »السياسة الأمريكية تجاه منطقة المغرب العربي في عهد الرئيس باراك أوباما إهمال مقصود أم إرجاء هادف؟،« (اطلع عليه بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2012).
[31] عبد النور بن عنتر، «الاتحاد المغاربي… بين الافتراض والدوافع،» الجزيرة.نت، 20/4/2016.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.