في الحقيقة إن هذه الورقة هي استكمال لورقة قدمها أ. معن بشور في ندوة «مستقبل التغيير في الوطن العربي» التي عقدها المركز‏[1]، حيث عرض فيها تاريخ الحراك التغييري في لبنان منذ الاستقلال حتى الآن. ورأينا أنه من المفيد أن نكمل البحث في الأمر. لكن هذا العنوان يعبّر عن قلق حول مستقبل لبنان، ومقاربة هذا الموضوع تتطلب ترابطاً في قراءة المشهد الدولي والإقليمي والعربي، وبطبيعة الحال في خصوصيات لبنان. هذا ما حاولت أن أقوم به في هذه الورقة. طبعاً، هناك فرق بين الموضوعية والحيادية؛ فالموضوعية ليست حيادية، أنا لست محايداً، لديّ موقف عبّرت عنه في مطلع الورقة، كي لا يكون هناك التباس حول أي إطار أتجه، وكل مقاربتي تأتي من هذا المنطلق، وبالطبع يمكن الاختلاف عليها، وقد وضعت في فرضية المقاربة نوعاً من الاستنساب، ولكنها ضرورية من الناحية المنهجية كي نتمكن من تفسير لماذا تكون القراءة عبر هذه الطريقة. ولكن أعتقد أنني حاولت قدر الإمكان أن أتبع أسلوب «ما لهم وما عليّ» في عرض المواقف، أي أنني عندما تطرقت إلى 14 آذار و8 آذار، قمت بطرح الموضوع من دون إدخال رأيي (معروف أين موقفي منهما).

* * * * * *

عنوان هذه الحلقة: «لبنان… إلى أين؟»؛ وهذا يدل على وجود قلق، سواء عند اللبنانيين أو غير اللبنانيين الذين يحبون لبنان. في رأيي، هناك احتمالان لا ثالث لهما، وهذا المنطلق من باب المنطق: إما أن يبقى لبنان وإما أن يتلاشى. ولا يوجد احتمال آخر. أما شكل البقاء أو شكل التلاشي فيمكن البحث في هذين الموضوعين. فإما أن يبقى وإما أن يتلاشى في المحيط الإقليمي. وفي رأينا، إن حظوظ الاحتمالين حتى هذه اللحظة متساوية. قد تتغير هذه الحظوظ، ولكنها حتى الآن متساوية، وذلك بسبب الظروف الموضوعية والذاتية التي تعود إلى الحراك الإقليمي ونوعية القيادات في الإقليم ولبنان. واللافت للنظر في رأينا، أن السيناريوهين ليسا بالضرورة على تناقض في ما بينهما، وهذا ما لا ينتبه أحد إليه، حيث يعتقد الجميع إما هذا وإما ذاك، إذ إن هناك علاقة عضوية بينهما. ففي سيناريو البقاء، قد يكون الارتباط بالمحيط الإقليمي أكثر عضوية مما هو عليه الآن وإن أدى إلى تراجع في بعض مظاهر السيادة كالسياسات الخارجية والدفاع (هذا احتمال). كما في سيناريو التلاشي أو الذوبان في المحيط الإقليمي، هناك إمكان للحفاظ على ما يشكل خصوصية التنوع في لبنان على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، وذلك لما فيه من مصلحة لكل من المحيط وللبنان. والصورة التي تأتي إلى ذهني هي هونغ كونغ والصين – وهذا احتمال آخر. وفي الحالتين، لن يكون مستقبل لبنان على تناقض مع التاريخ. ففي الماضي كان جزءاً من كيان أكبر منه. وقد يعود إليه بشكل أو بآخر، أو قد يكون كياناً مستقـلاً نوعاً ما، ولكن بارتباط عضوي بالمحيط. ولكن من المؤكد أن لبنان لن يستطيع أن يكون على تناقض مع المحيط وأن الارتباط بقوى خارج الإقليم لم تعد ممكنة سواء بسبب إفلاس سياسي واقتصادي وثقافي ومعنوي للقوى التقليدية (أي الغرب) التي كانت مهتمّة بلبنان وترعاه أو بسبب قوى منافسة لن تترك لها المجال في احتواء لبنان (أي روسيا وإيران أو حتى تركيا، أو قوى عربية لم يتبلّر شكلها الآن ولكن لا يمكن إسقاطها من الحساب).

في سيناريو التلاشي يُحتمل أن يستمر لبنان ككيان مستقل لفظياً أو ظاهرياً على الأقل، ولكن مع سقوط الدولة في أسوأ الأحوال أو تفريغ مضمونها في أحسنها. بالنسبة إلى الاحتمال الأخير، قد يكون تفريغ الدولة من مضمونها في مستويات مختلفة تشبه الواقع الحالي الذي ما زال مضبوطاً ولكن مع تحوّل تدريجي إلى ساحة فوضى شاملة وعارمة يصعب تصوّر مسارها. هذا الاحتمال رهن تفاقم الوضع في الإقليم، وحتى على الصعيد الدولي، وتردّي نوعية القيادات الوطنية والإقليمية والدولية إلى درجة أكثر مما هي عليه الآن، وانفلات الغرائز. فشريعة الغاب قد تعمّ مع ما يرافقها من دمار وخراب وقتل وهجرة جماعية وما يمكن أن تفرزه من تفاقم للإرهاب الأعمى الذي قد يهدّد السلم العالمي لا المحلّي أو الإقليمي فقط. من الصعب التصوّر أن تستطيع أي قوة ضبط الوضع حينئذ، لأن هذه القوة أولاً غير موجودة حتى هذه الساعة، بدليل وجود ظاهرة الإرهاب الذي تجاوز الدور الوظيفي له عند من اعتقد أنه يستطيع ضبط إيقاعه ولكن لم يفلح. احتمال هذا التصوّر ضعيف في رأينا لأن ظروفه غير متوافرة لأسباب ذاتية وموضوعية يمكن مناقشتها ولكن خارجة عن إطار هذه الورقة، ولكنه احتمال ممكن وبالتالي علينا افتراض وقوعه.

السيناريو الأساسي الذي اعتمدته: البقاء الذي يستند إلى فرضية ما زالت قائمة حتى الآن ألا وهي أن إرادة اللبنانيين ما زالت أقوى من إرادة من يريد إزالة الكيان، على الأقل حتى الآن، وأن العوامل الخارجية الإقليمية والدولية ما زالت تعتبر لبنان ضرورة. ونشدّد على «حتى الآن»، لأن الإرادات اللبنانية التي تدعم البقاء قد تتلاشى إذا لم يحصل التغيير المطلوب. فلبنان المعاصر ككيان سياسي ولد بفعل إرادة خارجية من رحم اتفاقية سايكس – بيكو وبفعل الانتداب الفرنسي لا بفعل إجماع وطني رغم ما حصل عام 1943 عام الاستقلال الوطني. فالتسوية التي حصلت آنذاك مثّلت إرادة دولية وإقليمية لاقتها قيادات وطنية في لحظة ما ولكنها لم تحسم القضايا الخلافية كافة من حيث الهوية والدور الوظيفي. وميزان القوى الداخلي آنذاك حتى بعد الاستقلال حدّد هوية لبنان ووظيفته الإقليمية والدولية. فالحرب الداخلية التي بدأت عام 1975 طرحت على المحك مسألة الهوية والدور الوظيفي إضافة إلى البنية الداخلية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

أولاً: في الدور الوظيفي للبنان

حين نتكلّم على الدور الوظيفي للبنان الكيان فهذا يعود إلى دور العامل الخارجي الذي ساهم في إنشاء لبنان ككيان سياسي يخدم تصوّرات من أراد إقامته. قد تختلف التصوّرات، وبالتالي الدور الوظيفي، وفقاً للظروف ولموازين قوى متغيّرة، إلّا أنها لا تعكس مشيئة وطنية حقيقية بل مشيئة قوى محلّية مستفيدة من الدور المرسوم لذلك الكيان الجديد. فهناك من يعتبر أن الدور الوظيفي للبنان هو إنشاء دولة لوطن قومي طائفي تمهيداً لتبرير قيام وطن قومي يهودي في فلسطين وهناك من يرى أن لبنان مفتاح لمراقبة منطقة المشرق العربي والتآمر عليه عند الضرورة وهناك من يرى أنه يشكل امتداداً للغرب أو مدخـلاً للشرق.

حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر. فمع مرور الزمن تبلّرت مصالح محلّية لقوى لبنانية وازنة حافظت على توازن بين مصالحها الخاصة وارتباطاتها الخارجية التي اعتقدت أنها ستحميها أو في حالة غرور جماعي يمكن أن توظّف تلك الارتباطات لمصالحها، وكأن الدول الكبيرة تعمل لمصلحة تلك القوى المحلّية. لكن في الحصيلة نشأت ما يمكن تسميتها إرادة «وطنية» وإن كانت مفروضة من الطبقة الحاكمة أو المهيمنة وتقبلتها شرائح واسعة من مكوّنات المجتمع. فبغض النظر عن تاريخ نشأة الإرادة الوطنية وعن الملابسات حولها إلّا أنها أصبحت أمراً واقعاً ومتجذّراً في لبنان وهذا ما سيخدم مسار الحفاظ على البقاء على الأقل من باب المنفعة للوصول إلى قناعة بوجوب البقاء كهدف قائم بحدّ ذاته.

اتفاق الطائف محطة مفصلية حسمت هوية لبنان إلى حدّ ما وحدّدت الدور الوظيفي له برعاية عربية ودولية. حين تغيّرت موازين القوى إقليمياً ودولياً بفعل الاحتلال الأمريكي للعراق وبفعل المقاومة له وبفعل تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني ما عدا مزارع شبعا، تلاشى التفاهم الإقليمي والدولي الذي حدّد ذلك الدور. فاتفاقية الطائف التي أقرت أن لبنان لن يكون ممراً ولا مقراً للتهجم أو التآمر على سورية لم تعد تشكّل الغطاء السياسي لسلوك وسياسات قوى وازنة في لبنان فأظهرت تناقضها وحتى عداءها لسورية بعد قرار مجلس الأمن 1559. من هنا تحوّل مضمون الدور الوظيفي إلى أداة سياسية تخدم محوراً سياسياً دولياً وإقليمياً وعربياً على حساب التوافق الوطني. ما زلنا نعيش تداعيات ذلك التحوّل.

وبما أن المشهد الإقليمي والدولي في حالة انسياب واضح يحدّ من الدور الخارجي في التأثير في المشهد اللبناني يصبح العامل الداخلي اللبناني أقوى وأهم من العامل الخارجي من دون أن يلغيه. لكن إذا كان أن لبنان صاحب سيادة فذلك يعني أن السيادة لن تمارس انتقائياً كما حصل في عدد من الحالات. فـ «السيادة» في لبنان تمارس ضد بعض الدول ويصرف النظر عنها عندما تتناقض مع ما يُسمّى «المجتمع الدولي» والمحور الإقليمي المنخرط معه. فرضيتنا حول الإرادة اللبنانية التي برهنت خلال السنوات الخمس الماضية أن إرادة الحفاظ على وحدة الوطن ورفض تفجيره كانت أقوى من الإرادات الخارجية الإقليمية أو الدولية التي حاولت تحوير الدور الوظيفي للبنان عبر جرّه إلى المشيئة الخارجية. لكن بالمقابل وبفعل وعي وصمود، ونقول مقاومة، اللبنانيين ويقظة القوى الأمنية وحكمة القوى المستهدفة في استيعاب التفجيرات الأمنية وضبط النفس استطاع لبنان في الاستمرار. جعل ذلك الأمر القوى الخارجية تعيد النظر في رؤيتها للدور الوظيفي وذلك للحفاظ على ما تبقّى لها من مصالح في لبنان وبخاصة أن لبنان مفتاح للمشرق العربي. من هنا نفهم مقولة «الرعاية الدولية» المحافظة على لبنان. أحد المؤشرات التي يجب مراقبتها بدقة هي حركة الودائع في المصارف اللبنانية التي تجاوزت 170 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي على الرغم من كل ما حصل. مثل آخر أكثر «حداثة» هو طرح فكرة ترشيح النائب سليمان فرنجية بناء على مبادرة مشتركة من الرئيس نبيه برّي والرئيس السابق سعد الدين الحريري والنائب وليد جنبلاط بموافقة سعودية. أي هناك إمكاناً إذا ما توافرت الإرادة لتحقيق إنجاز سياسي في لبنان.

ثانياً: في الارتباط بالخارج

إن الذين يرون أن مستقبل لبنان مرتبط بما يحدث في المنطقة محقّون وإن كانت هناك حدود لطبيعة الارتباط بالقوى الإقليمية. فحتى السنوات الماضية وخلال الأزمة التي تعصف بالمنطقة، هناك فريق من اللبنانيين مرتبط سياسياً بمحور تقوده العربية السعودية كما أن الفريق المناهض له مرتبط بخيار المقاومة ومن يدعمها عربياً وإقليمياً. الفرضية هنا أن المملكة باقية ودورها ثابت وإن انتقلت من دور الوسيط في حلّ الخلافات العربية – العربية واللبنانية – اللبنانية إلى دور المواجهة. والسؤال الذي يمكن، بل يجب، طرحه هو: في ضوء القرارات التي اتخذتها المملكة من شنّ حرب على اليمن وما تكلّفه تلك الحرب من ضحايا بشرية وعسكرية ومالية، ومع انخفاض أسعار النفط، وفي ضوء التصعيد في التوتر مع الجمهورية الإسلامية في إيران وفي ظل تغيير موازين القوى إقليمياً ودولياً يصبح السؤال ليس «لبنان إلى أين»؟ بل «السعودية إلى أين؟» كما أن التجاذبات الداخلية في المملكة قد تحدّ من دورها الإقليمي والعربي إن لم تحسم بسرعة وقد تؤدّي إلى احتراب داخلي يطيح نظام الحكم القائم. نلفت النظر هنا إلى أن الرعاية الدولية للمملكة ربما لا تدوم إذا ما أخذنا في الحسبان تحليلات مراكز الأبحاث الغربية التي توصي بتغيير جذري في نظام الحكم. بعض المعلّقين العرب يرون أن المملكة قد تكون ضحية الطموحات التركية التي تريد الحفاظ على التوتر في سورية خدمة لمشاريعها في العثمانية الجديدة التي تتناقض تاريخياً مع مصالح آل سعود. لذلك إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن القوى اللبنانية المرتبطة بالمملكة قد تضطر إلى إجراء مراجعة قسرية لسياساتها الداخلية.

في المقابل فإن القوى اللبنانية المتبنّية خيار المقاومة والمتحالفة مع كل من الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية في إيران قد تقوم بدورها بمراجعة سياساتها، لا خياراتها، إذا ما تفاقم الوضع الداخلي في إيران أو إذا لم يتبلّر حل سياسي للأزمة في سورية وما يمكن أن يؤدّي إلى انهيار الدولة والكيان وإن كان الاحتمال الأخير ضئيـلاً. فالانخراط الإيراني في كل من العراق وسورية والتسرّع في التصعيد مع المملكة العربية السعودية قد يخلق مناخاً داخلياً في إيران يحدّ من الاستمرار في سياستها الإقليمية وإن كان احتمال حصول ذلك ضئيـلاً حتى هذه الساعة (كقضية الالتزام بدعم القضية الفلسطينية التي أعطت شرعية للثورة الإسلامية في إيران). إضافة إلى ذلك فالدور المتنامي لروسيا في المنطقة قد يحلّ (إلى حدّ كبير) مكان الدور الأمريكي في المنطقة. هذه نقطة يمكن مناقشتها بتفاصيل أكثر ولن نخوضها في هذه الورقة.

تدلّ الملاحظات في الفقرتين السابقتين على أن التحالفات أو الخصومات الإقليمية أو الدولية أو جميعها ليست دائمة، حتى إن المصالح قد تتغير مع الزمان والمكان. فالحل هو الاعتماد على النفس وبناء القوى الذاتية التي تحدّ من أي تدخل خارجي مهما كان «صديقاً» أو «خصماً». هذا ما حصل بين القوى المتصارعة في لبنان، غير أن العدو الوحيد للبنان وللأمة كان وما زال، إلى أن يزول بفعل المقاومة، هو الكيان الصهيوني.

أما اليوم فتغيّرت موازين القوى في لبنان بفعل عدة عوامل: أولها، التغيير في البنية السكّانية وفي نسب تنوّعها ومناطقها عما كانت عليه منذ الاستقلال حتى اندلاع الحرب الداخلية في لبنان. ثانيها، التغيير في الوعي الوطني لمصلحة كيان ما زال أربابه غير متّفقين على ثنائية الهوية والوظيفة الإقليمية والدولية. إذاً فرضية البقاء مرتبطة بفرضية التغيير. ثالثها، كما أشرنا في الفقرات السابقة، العامل الخارجي، الإقليمي والدولي، الذي تراجع على نحو ملموس يتيح الفرصة لبلورة وتحقيق إرادة وطنية إذا ما توافرت لها قيادات وبرامج تغييرية.

ثالثاً: في وجوب التغيير

في هذا السيناريو نطرح السؤال التالي: هل يكون لبنان ببنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما هو عليه أم التغيير ضرورة ملحّة للبقاء وإن لم يتبلّر الشكل الممكن لذلك التغيير؟ تعود الإشكالية إلى أسباب وظروف إقامة الكيان. فالمستعمر الفرنسي أراد استكمال ما أنشأه السلطان العثماني في نظام الملل في لبنان. فإذا كان نظام الملل سبب وجود لبنان ككيان فكيف يمكن التوفيق بين دعوات إلى التغيير وإطاحة نظام الملل وبين ضرورة وجود لبنان ككيان مستقل؟ أي أن التغيير المطلوب قد يلغي الأسباب الموجبة لبقاء لبنان. في المقابل، إن كان بقاء نظام الملل الموروث من المسلّمات فكيف يمكن أن يستمر وقد برهن إخفاقه؟ هل مهمة النخب التغييرية إيجاد صيغ تكرّس نظام الملل مع بعض التحسينات غير الجوهرية كنظام انتخابي يراعي التوازنات الطائفية والمذهبية وإن كانت بصورة أكثر عقلانية؟

من الواضح أنه لا بد من التغيير لأن «التركيبة» لم تعد قادرة على معالجة حتى أبسط القضايا، كمشكلة النفايات مثـلاً أو أزمة السير، ناهيك بتأمين الحد الأدنى من الخدمات في البنى التحتية أو في الخدمات الاجتماعية. فمساءلة المسؤولين تتحوّل سريعاً إلى الاعتداء على مصالح الطائفة وبالتالي يتم الشلل في أجهزة الدولة. كما أن الكفاءات أصبحت معياراً ثانوياً أمام الولاءات الطائفية والمذهبية. فكيف يمكن أن نتصوّر إقدام الطبقة الحاكمة على صوغ قانون انتخابي يطيح امتيازاتها وتحكّمها بمفاصل السلطة؟ وقد شهد لبنان على مدى تاريخه المعاصر سلسلة حركات شعبية كما أوضحتها ورقة معن بشور تريد التغيير ولكنها كانت تصطدم بواقع سياسي منه داخلي ومنه إقليمي ومنه دولي. فقوى التغيير لم تكن غائبة في أي مرحلة من تاريخ لبنان المعاصر ولكن موازين القوّة لم تكن لمصلحتها. فهل تغيّر شيء في هذا المضمار؟

الإجابة ليست سهلة، لأنه من الممكن تعداد العناصر التي قد تكون في مصلحة قوى التغيير، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالتغيير في موازين القوّة إقليمياً ودولياً لم يعد لمصلحة القوى المهيمنة تاريخياً في لبنان، أي الإقطاع السياسي المتحالف مع النخب المالية المرتبطة بالغرب والدول العربية المنخرطة في المحور الغربي. لكن هذا لا يعني أبداً أن الإقطاع السياسي المتحالف مع أمراء المال فقدوا زمام المبادرة، بل على العكس، هم يستشرسون في مقاومة أي تغيير. فلا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي بمقدورهما فرض قرارهما أو تصوّرهما في المنطقة لأسباب متعددة تعود لبنيتهما السياسية والاقتصادية اللتين تعيشان مأزقاً تاريخياً ربما لا يستطيعان الخروج منه في المدى المنظور أو حتى المتوسط.

إحدى خلاصات تلك الورقة هي أننا نعيش في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد والمنطقة وحتى على الصعيد الدولي مرحلة تبعثر مراكز القوة في العالم وفي داخل الدول التي كانت تؤثّر في القرار. لم يعد هناك من مركز قوّة بارز يمكنه فرض سيطرته أو حتى رأيه على الآخرين. فالثورة التكنولوجية في التواصل والاحتساب جعلت من المعلومة، التي هي أساس المعرفة التي تشكّل القوّة بدورها، في متناول الجميع ولم تعد حكراً على أي طرف. كما أن إمكان التواصل مكّن بدوره من إيصال المعلومة والقيام بالتعبئة والتنظيم وحتى التنفيذ لشرائح واسعة في مختلف المجتمعات لم تكن فاعلة أو يُحسب لها حساب. من هنا تبعثر القوّة، ومن هنا نفهم لماذا تستطيع بعض القوى الإقليمية التي كانت تابعة للغرب التحرّك بحرّية أكبر على عكس رغبات الغرب وبخاصة الولايات المتحدة. فالمسألة بالنسبة إلينا ليست مسألة توزيع أدوار بمقدار الشعور لدى الدول التابعة تقليدياً للغرب بضعف الغرب!

أما على الصعيد الداخلي فلبنان يشهد تحوّلات كبيرة وإن لم تتبلّر في تغيير سلوك النخب الحاكمة سواء في السلطة أو خارجها. وكأنها مصابة بمرض التوحد في الحس السياسي حيث الأخير يبدو مفقوداً! فمصداقية تلك النخب تراجعت على نحو ملموس وربما إلى غير رجعة، وإن كانت ظاهرياً تبرز مظاهر القوّة والمسك بزمام الأمور. لكن ما يفتقده لبنان حالياً هو وجود قوى تغييرية منظمة لها برنامج واضح وقيادة موحدة واستراتيجية محددة. حتى هذه اللحظة لم نشهد ظهور تلك القوى وإن كان الحراك الشعبي الأخير مؤسساً لمرحلة قادمة يمكن الارتكاز عليها وقد تؤدّي إلى «مجتمع جديد» على حد قول ناصيف نصّار.

1 – في مضمون التغيير

فما هي العناصر الضاغطة التي ستفرض التغيير؟ هناك سلسلة من الملفّات التي لم يعد ممكناً تجاهلها وكلّها تفجيرية، لأنها تتناول قضايا لم يكن الاتفاق عليها ممكناً في السابق إلّا بفعل الرعاية الإقليمية أو العربية أو الدولية.

أولاً، هناك مسألة قضية الهوية ومعها الدور الوظيفي للبنان. صحيح أن لبنان تحوّل من دولة «ذات وجه عربي» إلى دولة عربية كما جاء في اتفاق الطائف. فعروبة لبنان تمّ تكريسها، لكن مفهوم ومضمون تلك «العروبة» الطائفية (نسبة لاتفاق الطائف) كانت متروكة للرعاية الإقليمية أي التفاهم السوري – السعودي. لكن الوقائع على الأرض فرضت الحسم في مفهوم العروبة. أن تكون عربياً في لبنان بالنسبة إلى شرائح وازنة من المجتمع اللبناني هي أن تكون في مواجهة العدو الصهيوني. لكن ليس هناك إجماع على تلك المواجهة كما تبيّن في حرب تموز/يوليو 2006. إن احتلال الولايات المتحدة للعراق أنهى التفاهم السوري – السعودي في لبنان واعتبرت الولايات المتحدة ومعها المملكة العربية السعودية أن فرصة تقويض المقاومة أصبحت ممكنة فكان عدوان تموز/يوليو في إثر «المغامرة غير المحسوبة». فمواجهة الكيان في المنظور السعودي «مغامرة غير محسوبة»!

كما هناك خلاف ناتج من عدم التفاهم على استراتيجية دفاعية وبالتالي على تسليح الجيش في سبيل المواجهة، وعلى سلاح المقاومة. فالمواجهة مع الكيان الصهيوني ليست مسألة خيار بل مفروضة بسبب وجود الكيان. فالاستراتيجية الدفاعية تحتم إعادة النظر في بنية الاقتصاد اللبناني كما تفرض تكلفة غير بسيطة. عدم التوافق على تلك المسألة يعكس الانقسام حول مفهوم العروبة.

ثانياً، إن تداعيات الصراع العربي – الصهيوني أفضى إلى وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يقارب الـ 400 ألف فلسطيني يعيشون في ظروف مزرية. فهي معيبة للبنان واللبنانيين سواء من منظور أخلاقي أو من منظور وطني وقومي بحجة عدم توطين الفلسطينيين الذي قد يخلّ بالتوازنات السكّانية والطائفية في لبنان وبالتالي في التمثيل السياسي لتقاسم مغانم السلطة. ليست مهمة هذه الورقة مناقشة تلك القضية بل نعرضها فقط كموضوع خلافي جوهري بين اللبنانيين. فالخلاف هو أيضاً انعكاس للخلاف حول مفهوم العروبة.

ثالثاً، إن تداعيات الأزمة في سورية وما رافقها من قتال ودمار أدّى إلى لجوء أكثر من مليون مواطن سوري إلى لبنان، وهو ما أثار مخاوف الذين يخشون لا التوطين فقط بل «بلع» سورية للبنان أيضاً. إن مقاربة ذلك الملف التفجيري لما له من تداعيات وارتباطات بما يحدث في المنطقة يتطلب توافقاً لبنانياً غير موجود حتى الآن. الأمر الواقع فرض نفسه ولبنان لا يستطيع إلّا أن يطلب المساعدة الدولية والإقليمية لمعالجة وجود العدد الكبير من السوريين وما يرافق ذلك من تنافس على الموارد الاقتصادية والخدمات الاجتماعية وفرص العمل. هذا أيضاً انعكاس للخلاف حول مفهوم العروبة ومضمونها.

رابعاً، إن الموقف من الأزمة في سورية واختلاف المقاربات حولها بين الفئات اللبنانية المتصارعة على السلطة يدّل أيضاً على تباين في مفهوم العروبة وعلاقة الأزمة في سورية بالقضية الأم أي القضية الفلسطينية. فهناك من لا يرى في سورية إلّا «ثورة» وهناك من لا يرى إلّا إرهاباً وكأن القضية الفلسطينية غائبة عن الأسباب الموجبة للصراع في سورية. فكانت سياسة «النأي بالنفس»! أصبحت العروبة على الصعيد الرسمي العربي مخطوفة من جانب دول تدّعي انتماءها إلى العروبة وتمارس سياسات على الأرض تنفي العروبة عنها. من المعيب أن يصدر عن الجامعة العربية قرار يدين المقاومة في لبنان ولا يتفوّه بكلمة عن الانتفاضة في فلسطين، ناهيك بقرارات سابقة تبرّر العدوان واحتلال العراق وضرب ليبيا وإخراج سورية من الجامعة العربية وهي عضو مؤسس في هذه الجامعة!

خامساً، إن التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم الطائفية أو المذهبية أو المناطقية، وبخاصة الفقر الذي أطاح الطبقة الوسطى في لبنان، هو من القضايا التي من المفروض أن تجمع اللبنانيين. غير أن «التركيبة» استطاعت إجهاض الحراك الاحتجاجي اللبناني بدءاً بهيئة التنسيق النقابي في قضية سلسلة الأجور والرواتب إلى حراك «طلعت ريحتكم».

سادساً، تحوّل الفساد المتفشي بين مختلف مكوّنات المجتمع وبين النخب الحاكمة من أسلوب حياة إلى عبء مدمّر يصعب تحمّله. فهدر الأموال العامة لمصلحة القّلة المسيطرة أوصل البلاد إلى حالة إفلاس أكثر من افتراضية بل حقيقة لا تواجهها النخب الحاكمة بكل أطيافها. كما أن الفساد لا ينحصر في هدر الأموال العامة بل يساهم في تعطيل مؤسسات الدولة في السلطات الثلاث. كما أن سلطات الرقابة معطّلة من دون أن يرف جفن للطبقة الحاكمة التي تتحمّل كل عناصرها، وإن كانت بنسب متفاوتة، الترهّل والتعطيل. وأخيراً، يتجلّى الفساد في السلوك الخاص للمواطنين اللبنانيين حيث احترام القانون غائب، من السير إلى الصحة والنظافة العامة إلى المالية العامة إلى حرمات الأشخاص. فلبنان أصبح «حارة كل من إيدو إلو» كما يقال في العامية.

هناك عنصر الشباب الذي يمثّل الأغلبية السكانية في لبنان؛ فالشباب يعانون فقدان فرص العمل حتى تلك الفئات المرتبطة بالزعامات السياسية. فالهجرة هي المتنفس، وهناك من ينظّر للهجرة وكأنها مكسب للبنان من دون أن ينتبه إلى التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية التي تمثّلها الهجرة. والشباب لهم أسلوبهم الخاص في التعبير ويملكون وسائل التواصل التي تدخلهم عالماً قد يجهله آباؤهم.

2 – القوى السياسية في لبنان والتغيير

ليس في لبنان من قوى سياسية تقول صراحة إنها مع استمرار الوضع القائم. لكن مفهومها للتغيير يقتصر على ما يحصّن موقعها في المعادلات السياسية والاقتصادية ولا يشمل ما يحصّن بالضرورة المصلحة الوطنية. والبنية السياسية القائمة جعلت اللعبة الصفرية قاعدة التعامل السياسي. فـ «المكسب» لفئة يعدّ حكماً «خسارة» للفئة المنافسة وإن كان على حساب المصلحة الوطنية. كما أن «التركيبة» الفئوية مرتبطة ارتباطاً عضوياً باقتصاد ريعي بامتياز يعتمد الفساد كآلية لتوزيع المنافع والمغانم كما سبق أن أوضحنا في عدة أبحاث ومقالات أخرى. لذلك شهدنا منذ عام 2005 شعارات متعدّدة تحمل مصطلح التغيير، إلا أن مضمون التغيير كان مقتصراً على مصالحها الخاصة.

فقوى 14 آذار رفعت شعار «السيادة» و«الحرّية» و«الاستقلال» وفي ما بعد شعار «العبور إلى الدولة». ولا يختلف لبناني مع لبناني آخر حول هذه الشعارات. إلّا أن اللبنانيين مختلفون حول مضمون تلك الشعارات. كما أن فريق 8 آذار يشكّك في مصداقية شعارات قوى 14 آذار.

في المقابل، يرفع فريق 8 آذار شعار «خيار المقاومة» بينما يتحفّظ فريق 14 آذار على وضع «قرار الحرب والسلم» خارج إطار الدولة. في مرحلة ما قبل عام 2005 كانت المعادلة الذهبية تجمع بين الشعب والجيش والمقاومة بينما نقض فريق 14 آذار والفريق الذي يقوده الرئيس السابق ميشال سليمان تلك المعادلة.

أما التيّار الوطني الحر الذي تحمل كتلته النيابية شعار التغيير والإصلاح فعلى ما اتضح من مواقف بعض قيادات التيّار أن هذا الشعار اقتصر على أولوية ضيّقة وهي إعادة التوازن بين الشركاء في الوطن، أي إعادة الاعتبار للمسيحيين الذين أخلّ اتفاق الطائف بالتوازن لغير مصلحتهم، أو الصيغة التي تمّ «فهم وتطبيق» ذلك الاتفاق وفقها.

يغيب البعد الاقتصادي والاجتماعي عن الخطاب السياسي عند جميع الفرقاء، وإن كان موجوداً في بعض الأدبيات فهو غائب في السلوك والقرارات الفعلية. فالإجماع على التصويت ببند واحد على قانون الإيجار مثـلاً يثير الريبة، كما أن دعم القوى السياسية لهيئة التنسيق النقابية في طلبها لتعديل سلسلة الرواتب والأجور كان ملتبساً في أحسن الأحوال إن لم يساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إجهاض المطالب المحقة. أما الحراك الشعبي الأخير المنتفض ضد الإهمال وتراكم النفايات فسرعان ما تمّت «مذهبته» لإجهاضه. هذا لا يعني أن مسألة التغيير ميئوس منها ولكنها تصطدم بـ «الطائفة العميقة» وذلك المصطلح مقتبس مما أطلقه معن بشور في ورقته أي «المجتمع العميق». وهي، تاريخياً، أقوى من الدولة في لبنان. هذا ما أقرّ به رئيس مجلس النواب نبيه برّي لوفد الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في زيارة له في مطلع صيف 2015!

المقاومة في لبنان ليست معنية مباشرة بالصراع الداخلي من أجل التغيير بل من أجل الحفاظ على وجودها واستقلالها. فهي قادرة، إذا أرادت، أن تكون حاملة للتغيير ولكن ذلك التغيير ليس من أولوياتها، وهي تواجه هجمة شرسة دولية وإقليمية ومؤخراً عربية لا مثيل لها. فالمقاومة بوجه عام وحزب الله بوجه خاص يضع كأولوية استراتيجية الحفاظ على استقرار لبنان، وبالتالي يتجنّب إثارة القضايا الخلافية داخلياً بما فيها الإصلاح السياسي والاقتصادي. فكما يقول المثل الشعبي: من يعد ضرب العصي ليس كمن يتلقّى الضرب!

هل يعني كل ذلك أن القوى التغييرية غير موجودة؟ طبعاً لا ولكنّها مبعثرة ولا تمثيل لها على نحوٍ وازن داخل مجلس النواب. المدخل الطبيعي للتغيير هو إصلاح التمثيل السياسي، وذلك لن يتم إلّا بقانون انتخابي جديد على قاعدة النسبية وضمن دائرة واحدة. فلا القانون الأكثري ولا قانون اللقاء الأرثوذكسي ولا قانون الستين تصلح لوصول قوى التغيير. فمن يفرض القانون المطلوب؟ نشك أن المجلس النيابي الحالي الممدّد له يستطيع أو يريد ذلك. وحتى إذا أراد فإن «شرعية» ذلك القانون قد يكون مطعوناً بها لعدم شرعية تمديد مجلس النواب. لا نرى سوى إقامة جمعية تأسيسية تعيد النظر بتشكيل القوانين وبالتالي السلطة. فهل ذلك ممكن؟ من الصعب الإجابة ضمن الموازين القائمة ولكن ما يمكن تأكيده هو ضرورة التغيير وعبر قانون انتخابي جديد. نعتقد أن موازين القوّة الإقليمية قد تؤثر في الضغط على النخب الحاكمة والمهيمنة في إعادة النظر، وبالتالي سيظل لبنان في حالة ترقّب وانتظار.

في النهاية، إن مستقبل لبنان وبقاءه هما رهن التغيير. والتغيير يشمل أربع قضايا جوهرية: الأولى حسم قضية الهوية وتداعياتها من التزامات وحقوق، وثانياً، حسم الدور الوظيفي للبنان تجاه المحيط، وثالثاً، التغيير في البنية السياسية وفقاً للمعادلات الدقيقة الطائفية والمذهبية والمناطقية ووفقاً لمتطلّبات المواطنة الصحيحة حيث يكون الولاء للقانون لا للمصالح الفئوية الضيّقة، ورابعاً، الإصلاح في البنية الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة التوازن بين مختلف مكوّنات المجتمع اللبناني.

 

قد يهمكم أيضاً  حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #لبنان #الأزمة_الاقتصادية_والاجتماعية_في_لبنان #الوضع_في_لبنان #الثورة_في_لبنان #الحراك_الشعبي_في_لبنان

المصادر:

(*) ورقة عمل نُشرت في مجلة المستقبل العربي العدد 446 في نيسان/أبريل 2016.

(**) زياد حافظ: أمين عام المؤتمر القومي العربي.

[1] مستقبل التغيير في الوطن العربي: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظّمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016).

 

 


زياد حافظ

أمين عام سابق للمؤتمر القومي العربي.

مقالات الكاتب
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز