مقدمة

مثلت النفايات عبر التاريخ شاهدًا من شواهد الحضارة الإنسانية ومن حقائق الحياة البشرية التي لا مفرَّ منها، ويعدّ إنتاجها وظيفة حتمية تستمر مع استمرار الوجود البشري. بهذا فقد شهد «عصر البشر الأوائل، ظهور الكثير من أنواع النفايات واختلافها، مثل: رماد الخشب، وبقايا الطعام، والأسلحة التي أصبحت غير صالحة للاستعمال، والبراز، وما إلى ذلك، غير أن هذه النفايات كانت قليلة، ولم يكن تدبيرها يمثّل آنذاك تحدِّيًا أمام البشر لقرون طويلة، بل كانوا يتخلصون منها بسهولة في كهوفهم، وحين تغزوها النفايات يغادرونها بحثًا عن أماكن عيش جديدة»‏[1].

مع ظهور الحضارات الأولى، وانتقال الإنسان من الحياة القائمة على الصيد، والجمع، إلى إنشاء أول تجمعاته الحضرية، واستقراره بالمدن، ظهرت التحديات المتعددة، والمشكلات بين الإنسان، والنفايات، وأصبح توليدها يثير تخوفًا، وتوجسًا لارتباطها بمشكلات الصحة العامة. ومنذ تأسيس المدن الأولى «كانت التفاوتات البيئية واضحة، وكانت المدن القديمة الكبرى مثل روما وأثينا، قبل عدة آلاف من السنين، عاجزة سياسيًّا عن مواجهة هذه المشكلة، وكانت المجموعات الفقيرة هي الأكثر تحملًا لوطأة النفايات. كما أُثقلت «الأقليات العرقية» بواجب تنظيف المدن القديمة»‏[2]. ومع فجر التصنيع، حدث تحول أساسي في تدبير النفايات، إذ زاد عدد سكان المدن، وانخفضت المساحة المخصصة للتخلص من النفايات، واضطرت المجتمعات إلى البدء في تطوير أنظمة التخلص من النفايات. وكثيرًا ما كان يُنظر إلى التكنولوجيات الجديدة على أنها الوسيلة التي يمكن من خلالها إيجاد حل لمشكلة إدارة النفايات‏[3].

من جانب آخر ارتبطت النفايات تاريخيًّا بوصمة تصنيفية هامشية غير مقبولة اجتماعيًّا، نظرًا إلى ما سببته لعقود مضت من أمراض وأوبئة قاتلة وفتاكة، قضت فيها على الكثير من الأفراد في مدة وجيزة. ومن ثم باتت التمثلات والتصورات المرتبطة بالنفايات تشير إلى حقائق انتشار المرض، وتهديده للوجود البشري، وما زالت هذه التمثلات في شأن النفايات وخطورتها حاضرة إلى الآن، ويظهر ذلك جليًّا في الحرص على مواجهتها، وإبعادها، والتخلص منها في مناطق بعيدة، لأنها تُذكِّر الأفراد بـ «الموت»، و«البؤس»، و«القذارة»، و«الأوساخ». لهذا أصبح التخلص منها مطلبًا مهمًا، وضروريًا لاستمرارية الحياة، وبخاصة في المجتمعات الأكثر كثافة سكانية، والأكثر عرضة لجميع أنواع التلوث وبالأخص المرتبط بمصادر مياه الشرب، لأن من خلاله تنتقل البكتيريا والفيروسات المسببة لأمراض مميتة.

وقد اختلفت قضية التعامل مع النفايات في المدن من حضارة إلى أخرى، وكانت هناك اختلافات مبكرة في التنظيم المدني والتعامل مع النفايات بين النموذج الغربي والنموذج الإسلامي الذي عرفت مدنه تنظيمًا عمرانيًا وتخطيطًا مدنيًّا وجدت حلولًا لكثير من المشكلات النفايات.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 560 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 560 تشرين الأول/ أكتوبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 560 في تشرين الأول/أكتوبر 2025.

زهرة الذهابي: باحثة في علم الاجتماع البيئة، كلية العلوم الإنسانية
والاجتماعية، جامعة ابن طفيل – القنيطرة – المغرب.

[1]Marine Béguin «L’histoire des ordures: De la préhistoire à la fin dudix-neuvième siècle,» VertigO: La Revue électronique en sciences de l’environnement, vol. 13, no. 3 (décembre 2013), p. 2.

[2] David Naguib Pellow, Garbage Wars the Struggle for Environmental Justice in Chicago (Cambridge, MA: MIT Press, 2002), p. 23.

[3] Nicholas Jay Aulston, «History of United States Waste Management» Urban Planning, University of California, Los Angeles (November 2010), p. 6.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز