توطئة

تكاد القضية الفلسطينية، إلى جانب الإسلام، تكون من أجمع القضايا لشتات الطيف الاجتماعي والسياسي والفكري في موريتانيا منذ عهد الاستعمار إلى اليوم؛ فقد تبوّأت فلسطين، أرضاً وقضية، مكانة مكينة في وجدان الموريتانيين وأسلافهم الشناقطة. وتضرب تلك المكانة بجذورها في أعماق التاريخ، فقد أثر عن الشناقطة أنهم كانوا ممن هبّ من أبناء بلاد المغرب لنجدة القدس في أيام صلاح الدين الأيوبي. وفي ذلك، يقول الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين إن «باب المغاربة سمي بهذا الاسم تخليداً لدور الأهل المجاهدين الذين جاؤوا من بلاد المغرب العربي، تاركين خلفهم بيوتهم وأرضهم وأبناءهم من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك في أيام القائد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وأولئك القوم من المجاهدين والعلماء والأولياء والصالحين كان من ضمنهم بوفق تعريفات هذه الأيام من دولة المغرب ومن دولة تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا، لأنه معروف أن كل هذه المسميات التي ذكرتها تعرف بمصطلح المغرب العربي، وهذا ما يجعلنا نجزم أنه نعم كان هناك دور للأهل الشناقطة، كانوا جزءاً لا يتجزأ من تلك الكتائب التي وقفت على ثغرة مهمة جداً للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وتحديداً – كما أعلم – أن صلاح الدين الأيوبي اختارهم دون سواهم ووضعهم عند ثغرة باب المغاربة لأنها كانت تحتاج إلى مجاهدين يتحلون بالشجاعة والتضحية».

ورغم أن التاريخ المكتوب لا يتحفنا، إلى حد الآن، بوثائق ذات بال في هذا الشأن، فإنه لو لم يكن ما ذكره الشيخ رائد صلاح إلا فرضية لكان لها ما يسوغه في وقائع التاريخ المدونة أو المروية بالتواتر، ومنها ما هو معلوم من حرص الشناقطة على زيارة المسجد الأقصى بوصفه قرين الحرمين الشريفين. وقد مثل «تقديسهم» أيام الانتداب البريطاني، ضرباً من ضروب مقاومة الواقع بتأكيد مركزية القدس عند شعوب الأمة.

وفي مرحلة الاستيطان الصهيوني كانت القضية الفلسطينية محركاً أساسياً للوعي السياسي المجتمعي الحديث، بدءاً بالاحتجاج تحت قبة البرلمان الفرنسي، أيام «الاستعمار»، مروراً بحراك الشارع الموريتاني في الستينيات وما بعدها، في عهد الاستقلال، لنصرة الشعب الفلسطيني، وانتهاءً بإقامة مؤسسات داعمة للقضية الفلسطينية في مرحلة الاستقلال. لقد كانت النكسة عام 1967 زلزالاً حرّك سواكن الموريتانيين ودفع بأعداد كبيرة منهم إلى تسجيل أسمائهم في قوائم المتطوعين للقتال. ولئن عاق بُعد الشقة وعدم توافر الزاد والراحلة جل أولئك المتطوعين عن اللحاق بالمقاومة الميدانية، فإن بعض الشباب انخرطوا في فصائل المقاومة، بينما نشط المجتمع الموريتاني بأطيافه، وبكل ما أتيح له من قوة، في سوح المقاومة عن بعد، فكان الشأن الفلسطيني هاجساً قوي الحضور لدى الساسة والعلماء والأدباء والمثقفين والحقوقيين وهيئات المجتمع المدني وعامة أفراد الشعب. وكذلك كانت سائر القضايا العربية الكبرى التي اعتنقها الموريتانيون أكثر مما اعتنقوا قضاياهم المحلية، وكان لهم من الإجماع حولها ما لم يكد يتحقق على أي شأن سياسي آخر، داخلي أو خارجي.

تقدم هذه الدراسة نماذج شاهدة بقوة حضور الهاجس الفلسطيني في نفوس هؤلاء وأولئك.

أولاً: الساسة… من الاختلاف إلى الائتلاف

لئن فرقت السياسة الناس أحزاباً وشيَعاً في موريتانيا، فلقد لــمـّت شملهم وجمعت شتاتهم قضية فلسطين، فكانت خيطاً ناظماً أساسياً لألوان الطيف السياسي في البلاد. وتعود البذرة الأولى للمقاومة السياسية الموريتانية لسلطة الاحتلال الصهيوني إلى تاريخ تأسيس دولة إسرائيل وتقسيم فلسطين؛ فقد كان لموريتانيا يومئذ نائب واحد في البرلمان الفرنسي هو الزعيم أحمد حرمه ببانا، وقد احتج بقوة على دعم فرنسا لقيام إسرائيل وتقسيم فلسطين وطالبها بوقف مساعداتها للكيان الصهيوني، بل وهددها إن هي لم تتخلَّ عن مساعدة الصهاينة بأنه سيعود إلى موريتانيا ويعلن منها الجهاد في سبيل اللـه. وقد استقال من الفرع الفرنسي للدولية العمالية احتجاجاً على الاعتراف بإسرائيل.

كان ذلك تأسيساً موريتانياً مبكراً لحراك سياسي واسع مقاوم للاحتلال الصهيوني والسياسات الداعمة له. وقد تنامى هذا الحراك على مر السنين، فكان عامـلاً أساسياً في نشوء حركات قومية ويسارية وإسلامية تفرقت أيادي سبأ في مشاربها الفكرية وولاءاتها وأطاريحها السياسية لكنها اتفقت على النضال من أجل تحرير فلسطين، واستخدمت في ذلك وسائل شتى منها التظاهرات التي كانت تقام سنوياً في ذكرى تقسيم فلسطين، والمهرجانات، والملتقيات، والمنشورات السرية في مرحلة، والبيانات والمؤتمرات الصحافية في مراحل لاحقة. واتسم الشارع الموريتاني بحيوية بارزة في مواكبة كبريات الأحداث المتعلقة بالقضية والتفاعل السريع معها. ومن أحدث محطات ذلك الحراك مواقف الأحزاب السياسية من الطرف إلى الطرف بشأن قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو قرار أثار موجة غضب تناغمت فيها أصوات الساسة والإعلاميين والأئمة على المنابر والطلاب وعامة الناس في السوح بما فيها على الخصوص ساحة القدس قبالة السفارة الأمريكية. لم تكن الفجوة في هذا الباب كبيرة بين المجتمع بقواه السياسية وبين الدولة بجهازها الرسمي ففي وقت مبكر من عهد الاستقلال، وبينما كانت الدولة الوليدة تتطلع إلى الحصول على اعتراف واسع من قبل المجتمع الدولي، رفض المختار بن داداه، رحمه اللـه، وهو أول رئيس لموريتانيا، الخضوع للابتزاز من طرف محامٍ فرنسي عرض عليه الاعتراف بالكيان الغاصب، مقابل حصد اعترافات كثير من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الموريتانية الوليدة. وحين تسنى لموريتانيا أن تنضم للأمم المتحدة، ضمن المختار بن داداه خطابه في المنتظم الدولي موقفه الصريح من الكيان الصهيوني. وعلى الخط نفسه، بادر الرئيس الموريتاني بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بعد حرب الأيام الستة عام 1967، وكانت موريتانيا الدولة الوحيدة التي اتخذت هذا الموقف حينذاك. وبعدما انتخب رئيساً لمنظمة الوحدة الإفريقية عام 1971، ثم بعد حرب رمضان/أكتوبر 1973، قاد الرئيس المختار حملة واسعة في أفريقيا توجت بقطع 43 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل.

وفي عهد الرئيس المختار، وعلى مدى سنوات، حجزت الإذاعة الموريتانية حيزاً خاصاً لبث برامج ونشرات «صوت فلسطين». وفي العهد ذاته وفي عهود بعض الأنظمة اللاحقة أصدرت موريتانيا عدداً كبيراً من جوازات السفر للقادة الفلسطينيين ولمغتربين فلسطينيين كثر.

وحين ابتليت موريتانيا في التسعينيات بما ابتليت به بعض شقيقاتها من التطبيع مع الكيان الصهيوني، تصاعد مد المقاومة وتواصل الضغط الشعبي إلى أن تناغم الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي وقطعت الدولة من ذلك ما كانت وصلت، وعادت الأمور إلى مجاريها.

وكان من الدلائل الواضحة على رغبة الساسة في الاستماع لنبض الشارع في هذا الشأن إجماع مرشحي الرئاسيات لعام 2007 على ضرورة قطع العلاقات مع العدو الصهيوني وكان من بينهم الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله الذي أعلن بعد فوزه في الانتخابات، عزمه على عرض موضوع العلاقات على البرلمان الموريتاني وهو ما يعني ضمان قطعها فوراً بأصوات ممثلي الشعب الموريتاني.

ومن العلامات البارزة في سياق المقاومة السياسية هذا قرار المجموعة الحضرية لمدينة نواكشوط والجهات الأخرى ذات الاختصاص تسمية الشارع الذي انتصب على جانبه المبنى الجديد للسفارة الأمريكية «شارع القدس»، وقيام المجموعة الحضرية ببناء مجسم كبير لقبة الصخرة في الدوار الواقع عند ركن السفارة وتسميته «ساحة القدس». وهو إجراء يجاوز في رمزيته الإجراء الذي اتخذه الملك فيصل رحمه اللـه بتسمية الشارع الذي تقع عليه السفارة الأمريكية في جدة باسم «شارع فلسطين».

ثانياً: العلماء… من التقديس إلى رفض التدنيس

ارتبطت الأرض المقدسة في وجدان الموريتانيين ارتباطاً وثيقاً بالحرمين الشريفين، فكان الأعلام من علماء البلاد يحرصون على التقديس (زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى) كما يحرصون على الحج والعمرة وزيارة النبي ص ويقرنون بين هذه الشعائر المعظمة.

ومن أقدم من وصلت أخبارهم من المقدّسين من أهل البلاد، حسب ما ذكره الباحث الكبير سيدي أحمد بن الأمير، الفقيه َالولاتي بوْبَّه بن أحمد مولود بن الطالب امحمد الزعيمي اليونسي الولاتي المدفون قرب المسجد الأقصى حيث توفي هناك سنة 1815.

وممن قدّسوا بعد ذلك، في القرن الرابع عشر الهجري/العشرين، بالتقويم الغريغوري:

– العلامة محمد حبيب الله بن مايابى الشنقيطي الذي زار عدة مواقع فلسطينية صحبة الملك المغربي محمد الخامس قادمين من بلاد الحجاز على عادة المغاربة قديماً في التقديس بعد الحج. وقد كتب على الصفحة الخامسة من كتابه إكمال المنة باتصال سنة المصافحة المدخلة للجنة الصادر سنة 1926 إجازة لمفتي القدس الشريف رئيس المجلس الأعلى الإسلامي الحاج محمد أمين الحسيني، وهذا يدل على قوة علاقة الشيخ الشنقيطي بأعلام فلسطين؛ وقد تردد على القدس وكانت إقامته في بيت الشيخ محمد جمعه يوسف النجار.

– قاضي قضاة الأردن العلامة محمد الأمين ابن مايابى.

– القاضي محمد عالي بن فتى العلوي.

– الشيخ أحمد سالم بن الكوري بن بازيد الديماني «بشَّا». وقد جاء إلى القدس بعد حجه سنة 1953 والتقى بالشيخ أمين الحسيني وأعجب كل منهما بصاحبه.

– الشيخ المختار بن محمد بن أحمد محمود بن محمذٍ بن عَيْدُ الموساني الجكني.

وجميع هؤلاء زاروا القدس، طبعاً، قبل سقوطها تحت الاستيطان الصهيوني.

ويذكر ابن الأمير أن الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز اصطحب في زيارته القدسَ الشريفَ سنة 1965 الشيخ محمد الأمين بن محمد الخضر بن مايابى الشنقيطي. وهو يظهر في الصورة في القدس إلى يسار ملك الأردن الحسين بن طلال وعن يسار الشيخ الشنقيطي رئيس الوزراء الأردني وصفي التل.

– وذكر الباحث أن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حضر مصرع الأمير عبد الله الأول بن الحسين فى المسجد الأقصى يوم 20 تموز/يوليو 1951 واعتبر الشاهد الرئيسي في المحاكم حينها.

وفيما بين النكبة والنكسة، كان العلامة محمد سالم عبد الودود، رحمه اللـه، من أندى العلماء الشعراء صوتاً في الدفاع عن قضية فلسطين وقضايا العرب عامة. ومن شعره في ذلك قبل النكسة قوله معاتباً بعض القادة مستنهضاً الشعوب:

ليس للرجعيّ فينا من نسبْ

كلُّ رجعيٍّ دعيٌّ في العربْ

لم نزل في الشأو نمشي قُدُماً

ليس يُلهينا لُغوبٌ ونَصب

كـم تَــفــرّقْـــنا زماناً شِـــيَـعاً

فُــتّـــتــنا لشـــــرٍّ مُــرتـــقَــب

كم خمدنا ثم ثارتْ نارُنا

من شرار كامنٍ تحت الحطب

نبــضـةٌ قلبــيّــــة من يَــمَــنٍ

أنبضتْ من مصرَ قلباً فوجب

ثم أصغى من هنا أو ههنا

كلُّ قلبٍ عربيّ فاقــتــرب

عدنٌ كارهة قد أُدمجتْ

في إمارات الجنوبِ الملتهِب

وفلسطينُ لــنــا غائبةٌ

بقطاع عربيٍّ مُغــتـصَب

قاسمٌ أقسم لا يصحبنا

سوف يرضى قاسمٌ بعد الغضب

سُحبٌ قد عكّرتْ أجواءنا

سنرى الشمسَ إذا الغيمُ ذهب

إنْ يقل مستعمِر مَنْ أنتمُ

قلتُ واسمي سالمٌ نحن العرب

ليت شعري هل ترى بين العربْ

وحدةً تبقى على مَرِّ الحِقَب

قوّةً ذريّة ضاربةً

ما لها بالشرق والغرب سبب

وقد كان الشيخ محمد سالم إلى جانب علماء أجلاء منهم الشيخ محمد فال بن عبد اللـه والشيخ الحاج بن فحفو والشيخ محمد الحسن الددو، في مقدمة العلماء الموريتانيين الذين واجهوا قرار النظام الموريتاني مطلع التسعينيات بإقامة علاقات مع إسرائيل فأفتوا بحرمة إقامة هذه العلاقات من وجهة نظر شرعية. ودفع الشيخ محمد الحسن الددو، وآخرون، ثمناً باهظاً من صحته وحريته نتاج هذا الموقف.

وحين زار موسى أبو مرزوق موريتانيا خرج الشيخ علي الرضى الصعيدي من معتكفه الذي لم يكن يبرحه إلا لماماً منذ أكثر من ربع قرن، فأقام مأدبة عشاء على شرف المجاهد الفلسطيني، تعبيراً عن دعمه للقضية الفلسطينية. وللشيخ الرضى في خلواته شعر يصدح به الناس في الجلوات، يشحذ همم المقاومين، منه قوله:

حَانَ المَسِيرُ فَسِرْ عَلَى نَهْجِ الهُدَى

بَينَ الكَتَائِبِ رَافِعَ الأَعْلاَمِ

نَادِ الدُّعَاةَ وَقُدهُمُ مُتَوَشِّحًا

قَبْلَ اللِّقَاءِ بِسَيفِكَ الصَّمْصَامِ

قَاوِم بِنَفْسِكَ فِي الجِهَادِ محارباً

وَاضْرِبْ رِقَابَ الكفر ضَرْبَ حُسَامِ

بُثَّ المَبَادِئَ تَستَرِحْ مِن كَتمِهَا

فَلَطَالَمَا أَخفَيْتَ كُلَّ مَرَامِ

آلَيتُ أَنِّي لاَ أَزَالُ مُجَاهِدًا

حَتَّى تَزُولَ شَوَامِخُ الأَعْلاَمِ

ومع قيام السلطة الفلسطينية وتسلمها لبعض المعابر، بادر الشيخ محمد الحافظ النحوي بإرسال وفد لزيارة غزة وتأكيد التضامن مع أهلها. ضم الوفد أمين تحرير مجلة الأمة الوسط، يومذاك، السيد محمد الأمين بن امدن، والقارئ المعروف الناجي بن بلال. وقد شارك الوفد بالمناسبة في مسابقة دولية لحفظ وتجويد القرآن حصلت موريتانيا فيها على المركزين الثاني والخامس.

ثالثاً: الأدباء … قوة الكلمة

كانت قضية فلسطين والحشد لها غرضاً أساسياً من أغراض الشعر الموريتاني المعاصر، حيث لا يكاد يوجد شاعر ليس له نتاج متعلق بالقضية. بل منهم من شغلت القضية حيزاً مهماً من إنتاجه الشعري. وقد أسلفنا نماذج من شعر العلامة الثائر محمد سالم بن عدود – رحمه اللـه – في باب العلم، نضيف إليها، من باب الشعر، نموذجين آخرين يدعو في أحدهما إلى الحرب من أجل القدس:

أيها المسلمون هبّوا فلبّوا

دعوة القدس بالحروب العونِ

لا تغرنّكم مواعيد سلم

أيّ غرّ يغترّ بالصهيوني

لا تظنوا يهودَ تُسلم ما احتلــ

ـت من الأرض دون حرب طحونِ

إنها القدس أمّكم فاحفظوها

حفظ برّ حقوق أم حنونِ

وهذه أدناه نماذج أخرى لشعراء قضوا نحبهم، منهم من تخطّفه الموت وهو في ريعان شبابه.

المختار بن احمد محمود الشنقيطي (عاش في موريتانيا ومصر والحجاز والأردن وتوفي عام 1959) مستنهضاً القادة:

ذي فلسطينُ بالبـــــكاء تنــــادي

لبنيها وبالشّـــــــجا والشجـونِ

يا ملوكَ العُرْب الكرام الحقوني

ثم جدّوا في الأمر كي تنقذوني

إنّـني أمّـكمْ أترضــون لي مـــا

أنا فيه من امتهـــــان وهُون

فصِـــغاري يُذَبَّحــون أمــــامي

ونسائي من معُصراتٍ وعُون

… ليس هذا وقت التــفاوض فيمن

هو أولى بأن يُولّى شــــــــؤوني

أينَ يا يــعرْبُ الشهامـةُ منكـم

ثم أين احـــــــتقاركم للمـــــنون؟

أقبِـــــلوا جندَ يعــربٍ لتنالـوا

ثأركم من غاز خسيسٍ خـؤون

ثم صولوا من الشمائل طـورًا

ثم صولوا عليه ذاتَ اليـــــــمين

واجعلـوا مــــوعدَ اللقا تل أبيبًا

ثم هُدّوا ما دونها من حصـــون

الناجي بن محمد فال الشنقيطي (عاصر النكبة والنكسة، وعاش في موريتانيا ومالي والحجاز) محيياً شهداء حرب رمضان/أكتوبر:

انْفُضُ غبارَ الحزن واستنشق شذا

مسك الدّماء على ربى سيناء

ولتمضِ شوطاً في الطَّريق مُظفَّرًا

وابذل مزيدًا من عزيزِ دماء

خاطِرْ لعـــزِّك بالعظـــــيم تفزْ به

فالعِزُّ تحت مصارع العظماء

المصطفى بن معاوية التندغي (ت 1979 غ) وقد خنقه الغيظ:

دويلة إسرائيل قدما بلا عهد

وقدما بلا جاه وقدما بلا جهد

…. دويلتهم هام لها كل دولة

وهم ذنب أو جيد كلب بلا عقد

…. إذا ما رأيت الوفد منتسباً لهم

ترى الذل مضروباً على أوجه الوفد

الحاج محمود بن عمر باه، مستنهضاً أبناء الأمة:

بني الإسلام خيرَ العالمينا

وأشبالَ الغُزاةِ الفاتــــحيـنا

نُحيِّيكم ضيوفًا آمـــنيـــــنا

إلى القدس المقدَّسِ فاتحينا

إلى العلياء هبُّوا أجمعينا

فما في العالمين لكم مثيلُ

ومجدُكمُ هو المجد الأثيل

وخيلُكمُ الأوائل ترتقيــــنا

وأنتم خيرُ من يحمي العرينا

محمدي بن القاضي، وقد رأى القدس في بغداد:

حيّاكِ بغداد يا أم الفتوح فتى

وإخوة ورؤى تهفو لرؤياكِ

بغداد أهواك هل غيلان يسمعني

أين المغيرة من أحيا ثراياك

أهواكِ في القدس في أحضان قرطبة

ألقى الحضارة شمًّا في ثناياكِ

فاضل أمين، وقد قدر للقدس قدرها:

يا أيّها الباكون في أعطافها

والحاملون إلى الصلاة زمامَها

القدسُ أكبرُ من حكاية ناكص

ومن العجائز نمقتْ أحلامها

القدس ليست خيمةً عربيّةً

ضاعت فردّد شاعرٌ أنغامَها

القدس ليست قصّةً وهميّةً

تذرو الرياحُ الذارياتُ كلامَها

القدس تولد من هنا: من شمسنا

ومن الروابي يحتسين ضرامَها

خديجة بنت عبد الحي، وقد استفزها بكاء طفل في القطاع:

سأحمل صحني

إلى ناقة الشاطئ،

وأعبر عرض المحيط

وأسرح نحو الخليج،

وظلي إلى الشرق يمتد مثل الشراع،

لطفل بكى فوق أرض القطاع.

وهذه نماذج من بوح الشعراء الأحياء بالوجع الفلسطيني في صدور الموريتانيين:

محمد نإشدو، معتذراً إلى شهر النكسة:

أيار يا رمز الصـــمود تحية

من شعبنا المستعبد المــنكوب

هل جئت في هذا اللقاء مؤنباً

أم جئت تلحق ماضــياً بقريب؟

أيـــار عفواً ما أضـــعنا قــدسنا

إلا لــــرد نعيـــمنا المسلوب

لم نأل جهداً في الصمود على البلا

والبذل والتسليح والتدريب

لكــــننا لم نَهْتَدِهْ في بحــــثنا

يوماً على الإنسان والأسلوب

كـــــان اكـــتـــــناز الآلــــــيا

ت سبــــيلنا للإنتــــــــــصار

وإلى الرجوع إلى الديار

لم نكـــــترث بشعوبــــــنا

أو نعطــــــها حقّ الخـــيار

[لا]، لم نــــزود جـــــــــيشـنا

إلا بتــــكوين مــــــــعـــار

ما كان جــــيشاً ثائـــــــراً

يحمي البراري والبــــحار

كان الجنود محاصـــــرينْ

والشعب أيضاً في حـــصار

كـــنا أناسا طيـــــــــبـينْ

لكــــننا كـــــنا صــــــــغار

لا نســتفيد من التــــــجا

رب والعلوم والابتــــــــكار

أحمد عبد القادر، وقد ملكت عليه القضية لبه فقال مخاطباً فلسطين واللاجئين:

يا فلسطين يا فريسة عصر

لقوى الشر عيره غليان

حطمي اليأس بالنضال وثوري

في مسار قوامه الشجعان

لا يرد الحقوق إلا دماء

تتلألأ كأنها الأرجوان

… سلحي الشعب وامنحيه انطلاقاً

فبغير الشعوب لا يستعان

أيها أللاجئ المشرد ظلما

أيها النور أيها الإنسان

لا تدع حقدك الدفين رفيقي

حسرات يلوكها الوجدان

حوِّل الحقد نقمة وجحيماً

يتلظى لهيبه الجذلان

كلّما أَطلقَ الفدائيُّ نارًا

صاح في الأفق صوتُها الرنّانُ

منشدًا نغمةَ الخلاص ينادي

ها أنا الشعبُ ها أنا البركانُ

مباركة بنت البراء، وهي ترصد مناجاة أم لشهيد:

وناجت الأم شھیدھا الحبیب

قالت أیاابني جاء في سفر الخلود

بأنه یولد من شظیة البارود

قوم سیولدون في عھد قریب

عیونھم خزر كأسواط اللھیب

ستوقف الشمس لھم یوماً وبعض یوم

فیزرعون الأرض زیتوناً وطیب

ینبت فوق ھامة النسر

فیولد الزمان

وینشأ الإنسان

یسامق الدم الشھید

ویورق الدمع العمید.

ناجي محمد الإمام، في قسم العودة:

أبتاه يُستلب الجنوب وأهله

رمز الفداء ومستظل الثائرِ

أبتاه تُخنق ثورة العرب التي

سلمتها علم الكفاح الناصرِ

ويظل شعبك في فلسطين الهدى

تحت السياط يلوك عزم الصابرِ

قسمًا بروحك بالعروبة بالفدا

بدم أريق على تلال الدامرِ

أن نستعيد كرامة مهدورة

من «بيغن» من صنوه «ألعازرِ»

حتى تعود لنا فلسطين الأولى

مسرى الرسول إلى العلي القادرِ

… بلا صلح ولا مفاوضة:

لكننا ولو استطاعوا قصفنا

سنظل نبني للغد العبق المنير

حتى يحقق حلمَ أمة يعرب

في الوحدة الكبرى وتقرير المصير

لا صلح فيه مع الصهاين لا ولا

فيه التفاوض لا اعتراف ولا مجير

محمد الحافظ أحمدُ، مستغرباً العجز عن حماية الأقصى:

أفي كلّ يوم نكسة وخيانة

فيا بؤس هذا الشعب ليس له أمرُ

أيملك أصقاعَ البلاد جدودُنا

ويونع فيها الشعر والفكر يخضرُ

ونعجز أن نحمي مساحة رقعة

بها المسجد الأقصى ألا إنه نكرُ

… وخذلان غزة:

لكن في شنقيط فاتحة الكتاب

وإلى فلسطين العلا حان الإياب

وحشود أطفال العروبة صيحة

مطر من الأشبال يودق كالسحاب

في غزة، وحقولنا منهوبة

وخيولنا، والحي يا ولدي خلوف

شذاذ شرذمة تقاسم أرضنا

كم نحن تدري؟ نحن آلاف الألوف!

والزيت في قعر الصحاري آسن

هل نحن حقا يعرب شم الأنوف؟

أخت (السدا) بنت الزنا تغري بنا

ذئب اليهود فهو مسعور العرام

قلنا لهم: هذا السلام، وهذه

تلويحة الزيتون، قالوا: لا سلام

إسماعيل محمد بحظيه، في تحد جازم للجغرافيا:

ويا فلسطين ذي أكبادنا انفطرت

تلك المآسي مآسٍ من مآسينا

فلم تكن هذه الصحرا لتعزلنا

العرق يجذبنا والدين يدنينا

ما لليهود ومالي من توغّلهم

فينا لقد أنشبوا فينا البراثينا

لكنهم لم ينالوا من كرامتنا

إلا بما كسبت من قَبلُ أيدينا

فنحن في الغرب جزء منك مغترب

وأنتِ في الشرق جزءٌ من أراضينا

لم يغصبوا أرضنا لولا تنافرنا

لولا تخاذلنا لولا تغاضينا

الحزم فينا وفينا العزم مكتملٌ

والبأس .. لا اليأس فينا والإبا فينا

محمد بن الطالب مستجوبا قادة العرب:

إلام القدس يرسف في أسار

وتختفر الكنائس والذمام

ويذرونا التفرق في شجون

ويجمعنا بها الدم والكلام

يسام الخسف من أهل وجار

على دخن ونغضي إذ نسام

فإن ضاقت بنا حبك المرايا

وعزّ بها التوله والهيام

فللعرب الخيار إذا أرادت

ولا حرب تدوم ولا سلام

المختار السالم أحمد سالم، مقارنا بين القدس وعمورية:

القدس أقربُ أهلا من عمورية

لم نحم نحن لها عرضا ولا عنبا

بغداد أقربُ دارا من عمورية

أسوارها انتهبتْ والكبريا انتهبا

لا تطلبوا الغرب بعضاً من سلامتكم

فلن يفيد.. ولكن عرِّبوا العربا

الشيخ جاكيتى سك، مستدعياً حطين في ذكرى النكبة:

ذلنا دندن والكيل تطفح

أيها القادة والإرهاب صرح

ففلسطين تنادي ألماً و

يظل الصوت في الآفاق يصدح

… وإلى أين ترى في ذلنا

أليوم كلنا فيه نذبّح

… ففلسطين لنا حتما ًلنا

وغشاء الذل لا بد سيمسح

يوم حطين سيأتي فاصـلاً

بصلاح الدين، بالنصر المجنح

الشاعر أبو بكر المامي في برقية من شنقيط للقدس:

مِن أرضِ شنقيط للقدسِ العظيمِ يَدٌ

مُدَّتْ وروحٌ بها ماسَت ذُرى السعَفِ

جُرْحُ المآذن يذْروها إلى بلدٍ

ما زال في الأرض رمزَ العزِّ والشرفِ

عبد اللـه العتيق بن الدين، صادحا بخيار النصر أو الشهادة:

يا أيها الأحرار في الوطن الكبيـ

ـر بحقكم هلا نفرتم ثائرين

هبوا لندفع تهمة الجبن التي

ظلت ترددها شفاه الشامتين

وتأهبوا لنخوض معركة المصيــ

ـر لنستعيد ربوع لبنان الحزين

فإلى فلسطين السليبة قلب أر

ض بني العروبة قلب أرض المؤمنين

… لنحرر القدس الشريفة من يدَي

صهيون، من دنس احتلال الغاصبين

ولندخل الأرض المقدسة التي

كتبت لنا ونقيم فيها آمنين

ونعود منها ظافرين بنصرنا

أو لا نعود، نموت في المستشهدين

رابعاً: منظمات المجتمع المدني:
المقاومة بأسلوب آخر

لم تحتكر الأحزاب والحركات والمؤسسات السياسية العناية بالشأن الفلسطيني، بل كان شأناً مجتمعياً قام عليه، بل ونشأ من أجله عدد من منظمات المجتمع المدني والأهلي التي ينشط فيها ساسة مختلفو الرؤى والمواقف في الشأن المحلي، ومثقفون وحقوقيون وفاعلو خير وناشطون غير مصنفين.

وكان من المحطات البارزة في هذا السياق تأسيس الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني عام 1999. وقد حمل فيما بعد اسم «الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني»، وهو منظمة تأسست على يد مجموعة شخصيات مختلفة المشارب السياسية والفكرية. وكذلك تكون من بعد «التجمع الموريتاني للدفاع عن القدس ودعم محور المقاومة». وقد نشطت الهيئتان وأضرابهما في دعم القضية الفلسطينية بأساليب شتى كان منها تنظيم أسبوع الشهيد ويوم الغضب انتصاراً لغزة والملتقيات الدورية المخصصة لقضية القدس، وكانت قضية فلسطين، إلى ذلك، حاضرة في كثير من التظاهرات متعددة الأغراض التي تنظمها هيئات عمل خيري وتربوي وثقافي غير حكومي. ومن ذلك تخصيص منبر للقدس الشريف في المؤتمر السنوي للتجمع الثقافي الإسلامي، وهو مؤتمر اعتاد أن يعالج موضوعات شتى من دورة إلى دورة، وكانت القضية الفلسطينية ركنا شبه ثابت في برنامجه.

وقد شملت أنشطة هذه المنظمات وداعميها من أهل الخير أيضاً:

– تنظيم حملات التبرع لدعم الشعب الفلسطيني، ومن إبداعات هذه الحملات ما تضمنته إحداها من عرض عمامة العلامة محمد سالم بنعدود (عبد الودود) للبيع في مزاد علني. وقد اشتريت هذه العمامة بمبلغ 4 ملايين أوقية (أكثر من 11400 دولار أمريكي). وتبرعت سيدة موريتانية بحليها بكامله، وقدرت قيمته بمبلغ مماثل (نحو 11400 دولار). وفي إحدى الحملات تبرع رجل مسنٌّ بجدي، وقال «لو كنت غنياً لتبرعت أكثر ولكن هذا هو مبلغ جهدي». وقد بيع الجدي في مزاد علني بمبلغ تناهز قيمته 8 آلاف دولار، وهو ثمن كاف لشراء قطيع كبير من الماعز في موريتانيا. وقد دفعت إحدى السيدات قطعتي أرض ثمناً للجدي.

– تنظيم القوافل الطبية والإغاثية لنجدة الشعب الفلسطيني رغم بعد الشقة، وقد تعددت هذه القوافل ومثل فيها العلماء وقادة الأحزاب والنواب والإعلاميون والأدباء والمحامون والفنانون والأطباء، وكان بين المشاركين فيها نساء. ومن الأمثلة على هذا النوع من المناشط قافلة شنقيط 3 لمناصرة أهالي غزة، وقد قادها العلامة الشيخ محمد الحسن الددو. وقدمت مساعدة إلى أهالي غزة في مجال علاج جرحي العدوان الإسرائيلي، ودعم عائلات الشهداء والجرحى، وترميم المساجد وإعادة إعمار البيوت المهدمة.

– تنظيم إفطار الصائم، وتوثق الصورة أدناه جانباً من حفلات الإفطار التي نظمت في رحاب المسجد الأقصى بدعم من المجتمع الموريتاني.

خامساً: المقاومة … مناخ عام

كانت مناشط الساسة والعلماء والأدباء وهيئات المجتمع المدني إفرازاً لمناخ عام مشحون بالولاء للقضية الفلسطينية والالتزام بها. وعليه، فإن المواقف المقاومة لم تكن محصورة في تلك التي تؤطرها الهيئات المذكورة بصورة منظمة، بل كانت منبثة وبصورة عفوية في النسيج الاجتماعي. ومن الأمثلة الشاهدة على ذلك رفض أصحاب المكتبات في مدينة شنقيط العتيقة فتح منازلهم ومكتباتهم لوفد إسرائيلي زار المدينة التاريخية خلال فترة التطبيع، ورفض بعض موظفي الدولة قرارات التعيين في وظائف بالسفارة الموريتانية التي فتحت في تل أبيب لبعض الوقت، ورفض عدد من ملّاك المباني الفخمة إيجار منازلهم لسفارة العدو رغم الإغراء المادي، وانخراط الطلاب بكثافة في حراك المقاومة. وقد نجح طلاب جامعة انواكشوط في احتجاجات نظموها انطلاقاً من ساحة الشهيد محمد الدرة ضد زيارة قام بها وزير خارجية العدو في تقليص مدة الزيارة من يومين إلى ربع يوم. وفي فترة التطبيع نفسها، رفض الشاعر مولاي عبد الله مولاي عثمان تسلُّم جائزته بعد فوزه في مسابقة أدبية نظمتها وزارة الثقافة، وذلك حين انتبه لحضور السفير الإسرائيلي، فقال: «أستحي أن آخذ جائزتي في حفل حضره قتلة أطفال «قانا» وغزة .. أبداً أرفض الهوان»، وانسحب من الحفل وانسحب معه آخرون، ثم قدم له الرباط الوطني لمقاومة التطبيع الجائزة مضاعفة في حفل آخر.

وسيظل اسم المرحوم الزايد بن الخطاط محفوراً في ذاكرة المقاومة، فقد فوجئ الفتى العامل في مخبر المستشفي الوطني بنواكشوط بوفد إسرائيلي يزور المستشفى، فبادر بصفع الطبيب الصهيوني ابريت روز مبلات وقال: «المرض أحب إلينا من رؤية وجهك».

وقد جسد السياسي البارز والداعية محمد غلام بن الحاج الشيخ والإعلامي المعروف محمد فال بن بوخوصة وهج المقاومة المنطلق من موريتانيا بمشاركتهما في أسطول الحرية الذي تعرض لعدوان من الجيش الإسرائيلي في البحر.

وقد استرعى الهاجس الفلسطيني القوي لدى الموريتانيين انتباه الإعلاميين القادمين من خارج البلاد والدبلوماسيين وغيرهم. ومن هؤلاء الصحافي الأردني أسعد الغزوني الذي قال: «لو كان لدينا في الوطن العربي ثقافة البحث العلمي لدعوت المختصين من المحللين والباحثين من علماء النفس والمنطق وعلماء الأنساب والأصول كي يعقدوا ورش العمل للبحث في الظاهرة الموريتانية التي قلبت الموازين».

وقد قال عبد الباري عطوان: «الشعب الموريتاني من أكثر الشعوب العربية التصاقاً وتأييداً لقضايا الأمة العربية وفلسطين على وجه الخصوص ولم يؤثر عامل الجغرافيا أي وجوده في أقصى المغرب على مواقفه هذه. فكان واضحاً في معارضته الغزو الأمريكي للعراق وواضحاً في رفضه للجرائم الاسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني».

ويقول لؤي عيسي السفير السابق لدولة فلسطين في نواكشوط: «والله لا أزايد ولا أتكلم في إطار دبلوماسي أو بمجاملة أنا أتساءل كيف تحتاج فلسطين إلى سفير في موريتانيا ولديها ثلاثة ملايين سفير» إلى أن يقول «أنا لا أريد العودة إلى التاريخ لأتحدث عن ولد حرمه ولا عن المختار ولد داداه أو ولد مكناس وكل هذه المفاصل التاريخية المضيئة من مسيرة موريتانيا مع القضية الفلسطينية، نحن دخلنا إفريقيا من بوابة موريتانيا ولم ندخل من أية بوابة عربية أخرى». وقد قال أحد الدبلوماسيين الفلسطينيين: لا ندري لماذا نبعث سفيراً إلى موريتانيا ولدينا فيها ثلاثة ملايين سفير.

ومن أبلغ الشهادات شهادة فتاة بريطانية زارت موريتانيا وفتنت بها، حيث تقول عاشقة الرمال الذهبية لورا هارتلي في مقابلة نشرتها صحيفتا السراح وفلسطين: «وجدت أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بين أفراد الشعب الموريتاني وكأن فلسطين تقع في مواجهة حدودهم وليس على بعد آلاف الأميال! فازداد اهتمامي بتلك القضية، لأصبح عضواً نشطاً في مجموعات تؤيد حقوق الشعب الفلسطيني وتدعو إلى مقاطعة إسرائيل». وقد أقامت لورا الحواجز في مدخل كليتها بجامعة لندن، ومثلت فيها مع زملائها الطلبة دور جنود الاحتلال على الحواجز، لتنبه الرأي العام إلى خطورة ممارسات العدو الصهيوني ضد المواطنين الفلسطينيين.

وهكذا، كانت قضية فلسطين من نوادر القضايا التي وحّدت شتات الموريتانيين ساسة وعلماء وأدباء وفنانين ومثقفين ومواطنين بسطاء، وضيقت الهوّة بين الحكام والمحكومين.

لقد ملأت الدنيا وشغلت الناس في ذلك المنكب البرزخي القصي.

كتب ذات صلة:

موريتانيا في الذاكرة العربية

مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا

القضية الفلسطينية والمشكلة الإسرائيلية: رؤية جديدة