المؤلف: عبد الله البريدي

مراجعة: باسل البستاني‏[1]

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2018

عدد الصفحات: 192

ISBN: 9789953828312

 

– 1 –

يتعرّض هذا الكتاب لواحدة من القضايا الاقتصادية الحيوية على الصعيدين الدولي والوطني معاً. إنها واقعة انتشار وهيمنة الفلسفة التي تجسدها والتطبيقات التي تفرزها النيوليبرالية المعاصرة. والحوار الذي يدعو إليه المؤلف يحتويه سبعة فصول، يحتضنها مدخل وخاتمة.

في المدخل، تبرز القضية المركزية التي يحاورها والتي تتضمن «الحاجة إلى تعميم رؤى وبرامج اقتصادية ملائمة، تأخذ بعين الحكمة الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية على حدٍّ سواء.. وذلكم ليس أمراً ميسوراً…». الأسباب لذلك تتعقد، ويأتي في مقدمها «العقيدة الاقتصادية التي تحكمه في ظل ما يعرف «بالاقتصاد السياسي» … فهذه العقيدة هي الأخطر، وهي مدار معالجتنا البحثية في هذا الكتاب من زوايا متعددة» (ص 9). فالاختلال الهيكلي في قاعدة الموارد والاعتماد على مصدر رئيسي واحد هو النفط، هو الذي يفرض الإصلاح الاقتصادي من طريق تنويع الاقتصاد بطرائق ناجعة ملائمة. «ومن هنا تبرز إشكالية البحث، التي تتمحور حول العقيدة الاقتصادية التي تمثّل الركيزة الفكرية لهذا الإصلاح الاقتصادي» (ص 13).

ومن ذلك، ينطلق التساؤل المحوري: «لماذا لا تصلح النيوليبرالية ركيزة للإصلاح والتنويع الاقتصادي في الأقطار الخليجية وفق معطياتها المجتمعية والاقتصادية؟ وإن ثبت عدم نجاعتها… ألا يسع هذه الأقطار ابتكار – أو حتى تلفيق – نهج تنموي يلائم ظروفها وحاجاتها الحالية والمستقبلية..»؟ إن أهمية هذا الكتاب تنبع من «كونه يسعى لأن يتصدى بقوالب تحليلية نقدية لأفكار النيوليبرالية وتأثيراتها الحالية والمستقبلية.. على الاقتصادات الخليجية ومستقبل التنمية والاستقرار والاندماج الاجتماعي…» (ص 13). كما أن هذا الكتاب يجتهد في «تطبيق منهج وصفي نقدي تفسيري تجاه مفهوم يمارس ارتحالاً…» (ص 14).

– 2 –

يقدم الفصل الأول عرضاً تاريخياً انتقادياً لتطور النيوليبرالية ليست لكونها «مجرد فلسفة اقتصادية، بل هي رؤية كليّة للإنسان والحياة والمجتمع والسياسة» (ص 19). وفي هذا السياق، يرد تقديم بيان للمرتكزات الفكرية والمقوّمات التأسيسية للنموذج النيوليبرالي، في سياق تاريخي متتابع متضمناً الفلسفة والتطبيق معاً.

يتابع الفصل الثاني محاورة الأبعاد السلبية في النيوليبرالية، تحت عنوان: «خطايا النيوليبرالية الخمسة» (ص 39). وهذه تتضمن: طبقية جائرة، لاتكافلية اجتماعية (ص 43)، حبائل مديونية (ص 45)، احتجاجات مجتمعية (ص 45)، سَوقنة وسلْعنة (ص 48). ويختتم الفصل بترديد مواقف لبعض عمالقة الاقتصاد في التشديد على «حتمية سقوط الرأسمالية بسبب خلقها أوضاعاً اجتماعية غير ملائمة» (ص 49).

أما الفصل الثالث، فيهتم بمناقشة حيوية ومحورية تنويع الاقتصاد الخليجي، والاختلال الهيكلي الذي يحكمه بسبب هيمنة قطاع الطاقة على فاعليته ومساره (ص 51). التأكيد يرد ببيان خطورة هذا الاعتماد الأحادي بحدِّ ذاته، وكذلك ما يواجه من تحديات تسببها بدائل الطاقة المستحدثة بأنواعها من هيدروجينية، وكهربائية ونووية من ناحية. يقابلها إمكانات التوسع القائمة في الطاقة المتجددة من ناحية ثانية. كل هذه التطورات تجد انعكاساتها عملياً على مسيرة الاقتصاد الخليجي. بالإضافة، يرد أيضاً التساؤل حول محدودية إنجاز الصناعة التحويلية الخليجية، وبخاصة في ضوء التحدّيات القائمة التي تحتويها الثورة الصناعية الثالثة القادمة، تلك التي تمسّ جوهر استراتيجية التنويع الاقتصادي الخليجي (ص 75).

يأتي الفصل الرابع تحت عنوان: «الاقتصاد الخليجي والتنمية المسيّسة» (ص 79). تؤكد البداية فيه موقفاً واضحاً، حيث يأتي بالقول «إنه ليس من المبالغة في شيء إن قلنا إن الاقتصاد المسيّس هو النمط الأكثر شيوعاً وتأثيراً في الممارسات الاقتصادية العربية (ومنها الخليجية) … رغم خطورة الاقتصاد المسيّس وتكاليفه التنموية والمجتمعية الباهظة» (ص 80). هذه الحقيقة قد خلقت في الممارسة تحديات كبيرة أمام إمكان إحداث التحوّل الهيكلي باتجاه تنويع القاعدة الاقتصادية أمام الاعتماد القائم على الربحية. فالمحاولات التي جرت حتى الآن بهذا الاتجاه لا تبشر بخير: فالاتجاه يسير نحو لبْرلة الاقتصاد الخليجي (ص 89)، متخذاً: أشكالاً متتابعة المراحل متضمنة: الليبرالية الخليجية الضمنية الجزئية (ص 92)، والليبرالية الخليجية الصريحة الجزئية (ص 94)، انطلاقاً نحو الوصول إلى ليبرالية خليجية صريحة كليّة (ص 99).

– 3 –

هذه الرؤية الصريحة لتمدد «النزعة الليبرالية» في جمع الاقتصاد والمجتمع الخليجي تدفع المؤلف في الفصل الخامس (ص 101) إلى التحذير المباشر من خطورة استمرار الوضع؛ هذا التحذير الذي يحتويه عنوانه: «خمسة تنبيهات للخليجيين». هذه التنبيهات تتضمن: تجنّب الإفقار (اختلال نمط توزيع الدخل والحرمان وتأثير ذلك في القرار)، حاذر الغرماء (مسألة إرهاق الديون) (ص 105)، تحاشَ المغامرات (في المسارات التجارية والاستثمارية) (ص 108)، توَقَّ الكواسر (في التعامل مع الشركات الدولية العملاقة) (ص 111)، اتّقِ الدخلاء (ومصدرها الاستشارات الخائبة من جانب المستشار الطامع) (ص 114).

أما الفصل السادس، فإنه يحاول محاورة البدائل من طريق البدء بالتساؤل: «هل في الليبرالية المحدودة حل؟» (ص 117) في سياق الإجابة، يأتي عرض تجربتين مختلفتين للتنمية، وهما الاسكندنافية والصينية، بالتمهيد لهما بطرح تساؤل حول إمكان تطبيق الليبرالية في الدول الريعية (ص 119)، حيث يأتي الرصد مؤكداً لتباين الآراء في هذا الصدد. بالنسبة إلى التجربة الاسكندنافية، وهي التي تمثل الليبرالية المحدودة أو الجزئية، حيث يجد في تطبيقها تحدّيات واضحة قد يصعب تجاوزها خليجياً (ص 123). أما النموذج الصيني الشمولي، وبعد مراجعة لطبيعة وتطور الحالة الصينية، يصل المؤلف إلى القناعة في التأكيد أنه «ما سلف تقريره يجعلنا نحجم عن التعجّل بمنح التجربة الصينية شهادة النجاح التام في الفصل بين التوأمين السياسي والاقتصادي» (ص 131).

وحينما يطرح المؤلف هذا التساؤل عن كيفية السيرورة الخليجية لنهج متوازن، يؤكد أن ما طرح حتى الآن من بدائل… لا تكفي البتة بجعل مهمة بلورة هذا النهج ميسورة (ص 134). كل ذلك يدفع إلى البحث عن بدائل في استجلاء مسارات تجارب أخرى قد تساعد على اكتشاف المستهدف «على صعيد التغيير والإصلاح المنشودين» (ص 136).

– 4 –

هذه المهمة أوكلت إلى الفصل السابع بعنوانه: «الإصلاح أنفاس الاقتصاد»، (ص 137) لترسو على سبر غور تجربة كوريا الجنوبية. إنها تجربة المستبد العادل، أو المستبد النهضوي، «سعياً وراء الخروج بتصوّر حول مسألة الإصلاح الاقتصادي والسياسي» (ص 139). هنا، تتكرر الدوّامة حين يطرح المؤلف: «هل مثّلت التجربة الكورية الجنوبية مشهداً في مسرحية الفصل بين السياسة والاقتصاد؟ الجواب: لا أظن ذلك؟ (ص 142).

وسعياً وراء البحث عن اختراق لمعضلة اختيار المسار، يتجه المؤلف إلى التذكير ببعض «المرتكزات» التي ينبغي تعميق الحوار فيها خليجياً، منها: صيانة العقد الاجتماعي (ص 143)؛ الخليجيون والإصلاح السياسي التشريعي حيث تؤكد التجارب الواقعية الخليجية عدم تعضيد فرضية إمكان الفصل بين السياسة والاقتصاد (ص 148). «فقراءتي للرؤى الاقتصادية الخليجية، وتحليلي إيّاها لم أجد أي إشارة صريحة لفكرة العقد الاجتماعي…» (ص 154). وفي ذات السياق الحواري، يدعو المؤلف إلى «رشدنة الخصخصة الخليجية» (ص 156)، ليتبع ذلك بعرض «نموذجه» التائي للإصلاح: تحرّك، تمهّل، توّقف، تراجع! (ص 158) لمحوره المتعلق بتنويع الاقتصاد الخليجي، لينهي العرض بالتعليق على موضوع «كيفية إدارة التغيير المجتمعي الخليجي»؟ (ص 161).

– 5 –

وفي نهاية المطاف، يأتي انعطاف، معلناً: «… أنه لا يناسب الأقطار الخليجية سوى أنماط مصطفاة من الاقتصاد الاجتماعي، مع تطعيمه ببعض آليات الليبرالية الجديدة». إضافة إلى ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار السمات المائزة «لدولة الرعاية الاجتماعية» وفق أسسها الصلبة، مع دولة المنح الاجتماعية في خصوصيتها (ص 168). يدعم كل ذلك «بتوصيات» تتعلق ببعض القضايا الاقتصادية العامة وبالأخص تطوير القطاع الخاص وتنمية الإيرادات وترشيد النفقات (ص 171)، لينتهي بتساؤل جارف: «هل حانت اللحظة التاريخية الخليجية؟» لتأتي الإجابة القلقة: «لا نعلم كيف تفكر الحكومات الخليجية في الإصلاحات السياسية والتشريعية» (ص 172)، يقابله: «الإقرار بأنه لا مجال للتردد في إجراء إصلاح سياسي تشريعي خليجي» (ص 173). وإن في كل ما سبق تجديد للدعوة للقارئ أن يكون شريكاً في الحوار الجاد، تعزيزاً وتنشيطاً «للوعي الاجتماعي» الذي هو قاعدة الانطلاق وصمام الأمان لكل حركة نهضوية.