المؤلف: ماجد كيالي
مراجعة: عواد الجعفري(*)
الناشر: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، البيرة; المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت.
سنة النشر: 2016
عدد الصفحات: 206 ص
ISBN: 9786144196366
قسّم كيّالي كتابه إلى خمسة أقسام إضافة إلى ملاحظات ختامية، وتناولت الأقسام على التوالي: صعود «فتح»، والأفكار المؤسّسة، ومسارات الانحسار، والتيار الديمقراطي، ونظرة نقدية. ويسعى الكتاب لتعيين الحصيلة التاريخية لدور هذه الحركة، على النحو الذي أديرت فيه من قبل قادتها، ذلك أن كثيراً من خيارات الحركة وقراراتها بنيت على قرارات هؤلاء القادة.
ويرى المؤلف الفلسطيني أن كتابه «محاولة أولية لقراءة تجربة «فتح»، بصورة موضوعية ونقدية، ما أمكن ذلك، بمعنى أنه ليس كتاباً في التاريخ، أو عرضاً للحوادث التاريخية.
– 1 –
يرى كيّالي أن أسباباً عديدة دعمت صعود حركة «فتح» في فترة زمنية قصيرة للغاية، ويسرد عدداً منها: حركة وطنية لا أيديولوجية، إذ عكست التنوع والتعددية في المجتمع، نائية بنفسها عن اعتناق أيديولوجيا محددة وهو ما جعل الحركة أكثر قدرة على استقطاب الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة.
كما أن حركة «فتح» لم تتشكل باعتبارها حزباً مثل بقية القوى السياسية الفلسطينية، فكانت حالة جبهوية واسعة ومرنة ومفتوحة، ما يسهل الانضمام إليها، كما أنها تضم تشكيلات عسكرية وأجهزة خدمية وهيئات عدة. أما التنظيم في «فتح» فهو يعرف بـ «جهاز»، باعتباره واحداً من أجهزة الحركة التي تغطي مجمل قطاعات الحركة، واسمه «مفوضية التعبئة والتنظيم»، ما يعني أن «فتح» بمجملها لم تشّكل كياناً هرمياً محدد المعالم.
وأدت فكرة الكفاح المسلح إلى إيقاظ الشعور الوطني عند الفلسطينيين، وهو ما سهّل على «فتح» استقطاب الفلسطينيين من حولها، وحازت ثقة كثيرين منهم، الذين رأوا في الحركة الوليدة «المنقذ» من حال الضياع الذي وصلت إليه أمتهم خاصة بعد حرب عام 1967.
ومن الأمور التي ميزت «فتح» فلسطينياً، إعلاؤها شأن الوطنية الفلسطينية؛ فسعت منذ انطلاقتها إلى إبراز البعد الفلسطيني في الصراع مع إسرائيل، ورفعت شعار «الدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل»، وقاومت الحركة التدخلات الرسمية العربية في الشؤون الفلسطينية، معتبرة أن الأنظمة العربية عملت على توظيف القضية الفلسطينية في أجندتها الخاصة، دون اعتبار للفلسطينيين.
ويرى الكاتب أن ابتعاد «فتح» عن المضمون الاجتماعي أحد أسباب الصعود، فلم تقدم الحركة مع انطلاقتها مضموناً اجتماعياً لطبيعة المجتمع الفلسطيني المستقبلي، وهذا الأمر أسهم في استقطاب المزيد من فئات الفلسطينيين.
– 2 –
وفي القسم الثاني، يتناول الكاتب الأفكار المؤسِّسة لحركة فتح، التي جاءت في وثيقة «المبادئ والأهداف والأسلوب»، وصدرت هذه الأفكار في أواخر الستينيات، وظلت مستخدمة حتى المؤتمر الخامس الذي عقد عام 1989.
ومن المبادئ الواردة في الوثائق الفتحاوية: اعتبار فلسطين جزءاً من الوطن العربي، وأن شعبها هو صاحب الحق في تقرير مصيره والسيادة وعلى جميع أراضيها، وأن القرارات التي صدرت أو تصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول والتي تهدر حق الشعب الفلسطيني في وطنه باطلة ومرفوضة».
وفي أشكال ووسائل النضال، أكدت «فتح» أن «الثورة الشعبية المسلحة هي الطريق الحتمي الوحيد لتحرير فلسطين، وأن الكفاح المسلح لن يتوقف إلا بعد «القضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين». والغريب، حسب الكاتب، أن هذه المبادئ ظلت مستمرة في وثائق «فتح»، حتى بعد مرور سنوات عديدة على إقرار البرنامج المرحلي في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974. كما أن هذه المبادئ ظلت على حالها، على الرغم من التغييرات الجوهرية الحاصلة في خيارات قيادة حركة «فتح»، التي تحولت من تحرير فلسطين إلى هدف إقامة سلطة في جزء يجري تحريره. ويمكن تفسير هذا الأمر بأنه لامبالاة القيادة الفلسطينية بالأطروحات السياسية، أو ما يعتبر مجرد إنشاءات، ومؤشر أيضاً على الفجوة بين الشعارات والممارسة والازدواجية التي وسمت مواقف قيادة الحركة.
ولم يتم اعتماد البرنامج المرحلي إلا على نحو جزئي في مؤتمر حركة فتح عام 1989 في تونس، وذلك بعد الخروج من لبنان وانتهاء ظاهرة الكفاح المسلح، لكن لم يتم إزاحة كل المبادئ التي انطلقت بها الحركة.
لكن إزاحة المبادئ أو النكوص عنها تحققت تماماً في المؤتمر السادس الذي عقد في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية عام 2009، أي بعد التحول إلى السلطة وإخفاق الانتفاضة الثانية ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود ورحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
وتضمنت بيانات الحركة عبارات عامة لا تتناسب مع حركة سياسية قادت كفاح شعب تحت الاحتلال، مثل «تحرير الوطن وإنهاء استيطانه»، في حين أن الوطن بات مقطع الأوصال في الضفة وغزة. كما تطرَّق إلى قضية اللاجئين فجرى الحديث عنها بعبارات تضمن تأكيد حقهم في «العودة والتعويض استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة».
ولم تكن تحولات حركة «فتح» السياسية في المرحلة السابقة لمؤتمر بيت لحم عام 2009، وليدة نقاشات واجتماعات سياسية، بل جرى اتخاذ القرارات بشأنها في إطار اللجنة المركزية، مثل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
– 3 –
وفي القسم الثالث، يستعرض الكاتب مسارات انحسار «فتح» التي بدأت بعد خروج منظمة التحرير من لبنان 1982، وتشتتها في بلدان عربية عدة وتموضع قيادتها في تونس، حيث انتهت ظاهرة المقاومة المسلحة، واقتصر العمل الفلسطيني على الجانب السياسي والدبلوماسي ولحق بهذا الأمر تغيرات كبيرة على الساحة الدولية مهّدت الطريق إلى اتفاق أوسلو عام 1993.
و«فتح» مسؤولة عن الالتفاف على الوفد الفلسطيني المفاوض، الذي كان يرأسه حيدر عبد الشافي، ذلك أن قيادتها عملياً هي التي وقعت اتفاق أوسلو، الذي كان مجحفاً بحق القضية الفلسطينية. وبعد الاتفاق، انخرطت «فتح» في عملية التسوية، التي أدت عملياً إلى إقامة سلطة في الضفة وغزة وتهميش منظمة التحرير الفلسطينية لمصلحة كيان السلطة، لكن على أرض الواقع لم تنجح «فتح» في بناء سلطة بسبب الهيمنة الإسرائيلية وهشاشة المؤسسات الفلسطينية واستشراء الفساد.
وفي هذه الظروف، واجهت «فتح» انحساراً واسعاً وضربات قاسية، ضمنها إخفاق خيار المفاوضات مع إسرائيل بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وانكشاف تلاعب إسرائيل في عملية التسوية. وتلقت «فتح» خسارة كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت عام 2006، لمصلحة حركة «حماس». وتشير هذه الخسارة إلى انحسار شعبية حركة «فتح» في الأراضي الفلسطينية.
وأعقب ذلك الانهيار، انهيار آخر لفتح في قطاع غزة الذي سيطرت عليه حركة حماس بالقوة المسلحة. ولم تستخلص «فتح» العبر من هذين الإخفاقين، ولم تقدم على محاسبة المسؤولين عنهما، كما غيرها من المراحل التي غابت عنها. ولم تحاول حركة «فتح» بقيادة زعيمها محمود عباس «أبو مازن»، أن تغير خياراتها رغم الأفق المسدود الذي وصلته عملية التسوية، رغم تلويح قيادتها بذلك مراراً.
– 4 –
ويتناول الفصل الرابع ظاهرة «التيار الديمقراطي»؛ يقول الكاتب:» نشأت في حركة «فتح» تيارات عديدة بينها قومية ويسارية وإسلامية، مثلما نشأت فيها مراكز قوى وتتمحور حول شخصية معينة أو جهاز معين».
ونشأ في «فتح» تيار يساري معتمداً على التصورات التي ترتبط بالكفاح الوطني والكفاح الطبقي، والعلاقات مع الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية حينها، إضافة إلى «تيار ديمقراطي» نشأ في الحركة، نتيجة معارضة تحول الحركة من مشروع التحرير إلى مشروع التسوية، والنظر بقلق إلى تنامي علاقات الفساد داخل» فتح».
لكن الحديث عن تيارات «يسارية» أو «ديمقراطية»، لا يعني أن هناك تياراً محدداً في إطارات تنظيمية أو في مفاهيم سياسية معينة، إذ كان يضم مروحة واسعة في التلاوين» اليسارية»، المتباينة والمتنافسة.
وتركزت دعاوى هذا التيار، من الناحية السياسية على مناهضة عملية التسوية، ومن الناحية التنظيمية على أهمية تكريس وتعزيز الديمقراطية في علاقات «فتح» الداخلية، وانتقاد المحسوبية والعلاقات الأبوية والفساد.
وكانت العلاقة بين هذا التيار والقيادة تتراوح بين التعايش النقدي والتوتر، لكن هذا التيار تراجع تأثيره علمياً نتيجة الخلافات القائمة بين عناصره واستدراج بعض عناصره إلى خوض معركة الانشقاق في ما عرف بـ «فتح الانتفاضة عام 1983». وبالنتيجة أدى ذلك إلى خسارة التيار نفسه، ذلك أن هذا الفصيل عمل في إطار من التبعية للسياسة السورية.
– 5 –
في القسم الخامس من الكتاب، يقدم كيّالي نظرة نقدية لواقع حركة «فتح»، يستعرض فيه نقاطاً ذكرت في الأقسام السابقة، مضافاً إليها استشراف مستقبل الحركة وتوصيات الكاتب للنهوض بالحركة التي أصابها الوهن حسب وصفه.
ويشير الكاتب إلى عوامل موضوعية حدّت من نجاح خيارات حركة «فتح»، مثل عدم تكافؤ بين الإمكانات وتوزان القوى بين إسرائيل من جهة والحركة الوطنية من جهة أخرى، وغياب الحيِّز الاجتماعي والجغرافي اللازمين لتشكيل الحقل السياسي وعدم ملاءمة الظروف العربية لفكرة الكفاح المسلح ما أدخل الحركة الوطنية الفلسطينية في صراعات مع الأنظمة العربية.
وفي المقابل، يقدم كيّالي ملاحظات عن تفريط «فتح» بالعوامل التي ميزتها عن الآخرين لحظة انطلاقها؛ فالحركة التي لم تتحول إلى حزب من الناحية التنظيمية والفكرية، صارت لاحقاً تجمعاً غير واضح المعالم يفقتد هوية خاصة، ويرتبط عناصرها بروابط سطحية وضعيفة، وبالتالي صارت الحركة عبارة عن تجمعات مصلحية لا سياسية خاصة في المرحلة التونسية بعد الخروج من لبنان. كما أن انتقال «فتح» من خيار الكفاح المسلح إلى فكرة الدولة المستقلة، لم يكن نتيجة لتطور عقلاني وموضوعي في فكرها السياسي، بل نتيجة الاستجابة للشروط الدولية والعربية للاعتراف بمنظمة التحرير ككيان سياسي لشعب فلسطين.
ويخلص الكاتب إلى أن حركة «فتح» بوضعها الراهن ستستمر لأسباب ذاتية وموضوعية، برغم ابتعادها عن طبيعتها كحركة تحرر وطني، وكحركة شعبية، إن بحكم قوة الاستمرارية في طبقتها السياسية أو بحكم الدوافع الخارجية التي ترى أن ثمة حاجة لها، كما أن أوضاع الساحة السياسية الفلسطينية تؤكد أنها بحاجة ماسة إلى حركة تحرر تعددية.
ويوصي الكاتب بجملة أمور منها، طرح مشروع البرنامج السياسي الذي سيقدم للمؤتمر السابع في النقاش العام، وإشراك قطاع واسع في بلورة هذا المشروع، وانتخاب اللجنة المركزية والمجلس الثوري في الحركة الأمر الذي يسهم في تعزيز الطابع الديمقراطي للحركة. وإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل دورها وإعادة تشكيل المجلس الوطني على أساس الكفاءة والتمثيل والروح النضالية.
ربما كان ينقص الكاتب إيراد فصل يتحدث فيها قياديون في حركة «فتح» عن التحولات التي طرأت فيها، ويجيبون عن الأسئلة التي طرحها الكتاب.
المصادر:
(*)عواد الجعفري: صحافي في الموقع الإلكتروني لصحيفة «القدس».
البريد الإلكتروني : awwad.jafari@gmail.com
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.