مقدمة

تكشف تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، منذ عام 2011، عن مفارقة لافتة للنظر في علاقة النخب السياسية بالتحوّل؛ فهي من قادت المسار التأسيسي، وهي من عطّل شروط ترسيخه. ورغم الانخراط الظاهري في منظومة ديمقراطية جديدة، فإن منطق الفعل السياسي بقي أسير معطيات ظرفية تحكمها المصالح، أكثر مما تحكمها رهانات البناء. لم تُعِد النخب تعريف السلطة بما هي عقد اجتماعي جديد، بل حافظت على جوهرها كأداة تموقع وإعادة توزيع للنفوذ داخل حقل سياسي متحول شكليًا، وثابت في بنيته العميقة.

لقد مكّن سقوط النظام السلطوي في تونس من فتح أفق تأسيسي غير مسبوق، غير أن الأداء النخبوي سرعان ما كشف محدوديته، سواء من خلال منطق التوافقات البراغماتية، أو عبر تواطؤ غير معلن مع شبكات المصالح القديمة. ورغم المكاسب الدستورية والانتخابية فقط، ظلّ البناء المؤسسي هشًّا، وفاقدًا للعمق الاجتماعي، حيث طغى منطق التوازنات على منطق الإصلاح، وغابت الرؤية الإصلاحية الشاملة، ليحلّ محلّها منطق إدارة الأزمات اليومية من دون معالجة جذورها البنيوية.

في هذا السياق، لا يُفهم تعثّر الانتقال الديمقراطي بوصفه ناتجًا حصريًا عن عوائق بنيوية (عوامل اقتصادية واجتماعية) بل بوصفه انعكاسًا مباشرًا لخيارات النخب نفسها، التي تعاملت مع لحظة التغيير كفرصة لإعادة التموضع، لا كمجال لتأسيس نمط جديد في الحكم. من هنا، تتخذ هذه المقالة من النخب السياسية التونسية محورًا لتحليل مساري الانتقال والترسيخ، في محاولة لفهم كيف ساهمت هذه النخب – من حيث سلوكها، وتحالفاتها، وخطاباتها – في إجهاض إمكانيات التحول الديمقراطي العميق.

يسعى البحث للإجابة عن سؤال رئيسي هو: كيف ساهمت تفاعلات النخب السياسية التونسية في تعثر الانتقال الديمقراطي وإخفاق ترسيخ الديمقراطية؟ وما مدى إسهامها إعادة إنتاج التوازنات السياسية القائمة بدلًا من إرساء قواعد ديمقراطية مستقرة وفعالة؟

ينطلق هذا البحث من فرضية مؤداها أن تعثّر مسار الانتقال الديمقراطي في تونس لا يُفسَّر بالعوامل البنيوية فقط، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستراتيجيات الفاعلين السياسيين، الذين أسهمت تفاعلاتهم في إعادة إنتاج السياسات الموروثة، بدل الدفع نحو تحوّل جذري في البنية السياسية والاجتماعية.

اعتمد هذا البحث في مقاربته الفعل السياسي للنخب التونسية بعد الثورة على منهجية سوسيولوجية ترتكز على المدخل الانتقالي، كما نظّر له دانكوت روستو، بوصفه نموذجًا تفسيريًا لتحليل سلوك النخب في سياقات انتقالية تتسم بالهشاشة والتقلّب. وقد تم تبنّي مقاربة متعددة المناهج، جمعت بين التحليل الكيفي والوصف السوسيولوجي، بما أتاح تفكيك ديناميات الفعل السياسي واستراتيجيات النخب داخل الحقل السياسي.

من الناحية التقنية، استند البحث إلى أدوات الملاحظة العادية والملاحظة بالمشاركة، انطلاقًا من الموقع الميداني للباحث، سواء داخل المجتمع السياسي من خلال عضويته في المكتب التنفيذي لحزب الائتلاف الوطني التونسي، أو ضمن المجتمع المدني عبر موقعه ككاتب عام مساعد لنقابة المرشدين التربويين.

أتاح هذا التموضع المزدوج ولوجًا مباشرًا إلى فضاءات التفاعل السياسي والنقابي، ومتابعة الفعل السياسي من الداخل، وهو ما مكّن الباحث من بناء تحليل سوسيولوجي يتجاوز التوصيف الخارجي للوقائع، نحو فهم أعمق للبُنى السياسية والرهانات التي تمثّل الفعل السياسي في لحظة انتقالية حرجة.

يشمل المجال الزمني لهذا البحث المرحلة الممتدة من سنة 2011، تاريخ انطلاق المسار الانتقالي في تونس، إلى حدود 25 تموز/يوليو 2021، الذي يُعد منطلقًا لتحوّل جديد في هذا المسار، بما يحمله من إعادة تكوين للخيارات السياسية والمؤسسية، غير أن مآلاته ما تزال قيد التبلور، وهو ما يجعل من السابق لأوانه الحكم على نتائجه النهائية.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 559 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 559 أيلول/سبتمبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 559 في أيلول/سبتمبر 2025.

ماجد قروي: دكتور في علم الاجتماع، كلية الآداب
والعلوم الإنسانية، صفاقس – تونس.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز