تمهيد

لعله من نافلة القول التأكيد أن الفكر النهضوي العربي الحديث، هو فكر سياسي بالدرجة الأولى، أو بمعنى أصح يغلب عليه ويهيمن فيه موضوعات سياسية، فقد انشغل المفكرون العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر بالأمور السياسية في الوقت الذي انشغلوا أيضًا بهاجس الإجابة عن سؤال النهضة. بعبارة أخرى، كما كانت إشكالية النهضة مسألة مركزية في هذا الفكر، كانت المسألة السياسية كذلك قضية ذات أولوية بالنسبة إليه. وفي داخل المسألة السياسية كانت قضية الحرية تحظى باهتمام كبير من جانب المفكرين النهضويين الذين تعرفوا إلى أجزاء من العمران الفكري السياسي الليبرالي. لهذا لم يتردد الخطاب السياسي النهضوي في تبني – بالاقتباس أو بالتعريب أو بالأسلمة – بعض أوليات ومفاهيم الأيديولوجيا الليبرالية. يكفي أن ننظر إلى نصوص ومؤلفات المصلحين العرب في تلك الحقبة الدقيقة من التاريخ العربي حيث التأخر التاريخي وبدايات الهيمنة الاستعمارية، لنتأكد أن كل هذه النصوص وكانت تجيب عن ثلاثة أسئلة: سؤال النهضة، وسؤال الدولة، وسؤال الحريات والحقوق‏[1]. ويمكن أن نتحدث من غير مبالغة أن النصوص التي أنتجها هؤلاء المفكرون هي في مجملها نصوص سياسية، تعالج موضوعات سياسية من منظور نهضوي وبأفق ليبرالي. بعبارة أدق، كان المفكرون يعتقدون بأنه لا يمكن مشاريع الإصلاح أن تتحقق من دون مشروع سياسي يتضمن بناء الدولة الوطنية الحديثة، دولة الحقوق والحريات، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقق إلا بوضع دستور بروح ليبرالية وبنَفَس ديمقراطي؛ دستور يُقيد السلطات ويُطلق الحريات. ويمكن تفسير الارتباط الوثيق بين الفكر العربي الحديث والسياسة، بعدة أسباب وعوامل، منها اكتشاف المفكرين العرب نموذج الدولة الحديثة؛ نموذجًا لم يألفوه ولم يعرفوه، وهو غير نموذج الدولة العربية – الإسلامية السلطانية والتقليدية. ومن العوامل كذلك التي وجهت النخب الفكرية نحو المجال السياسي نجد ارتباط المثقف العربي بنوع من الارتباط بالسلطة السياسية الحاكمة؛ ارتباط رفاعة الطهطاوي بمحمد علي باشا، وارتباط خير الدين التونسي بأحمد باي. وهناك عامل آخر يتمثل بالمطالب السياسية الداخلية وحاجات الدولة العربية/الإسلامية الناشئة إلى الأخذ في مبادئ الإصلاح غير المعهودة في التجربة السياسية/التاريخية، تجربة السلطة والملك والحكم والدولة في التاريخ الإسلامي في العصر الوسيط‏[2]. وهناك ملاحظة في هذا الصدد، وهي أن الفكر العربي النهضوي، كما تشكلت ملامحه الكبرى وارتسمت خطوطه العريضة في كتابات الإصلاحيين الذين جرى ذكرهم بين منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، هو ليس فقط فكر سياسي في معظمه، بل يحمل بصمات ليبرالية واضحة، بدليل جنوحه الدائم نحو طرح المسألة الدستورية، إما مطالبًا بالدستور أو حالمًا بحياة سياسية دستورية.

لقراءة الورقة كاملة يمكنكم اقتناء العدد 559 (ورقي او الكتروني) عبر هذا الرابط:

مجلة المستقبل العربي العدد 559 أيلول/سبتمبر 2025

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 559 في أيلول/سبتمبر 2025.

مصطفى دحماني: أستاذ الفكر العربي، جامعة بشار – الجزائر.

[1] عبد الإله بلقزيز ورضوان السيد، أزمة الفكر السياسي العربي، حوارات لقرن جديد (دمشق: دار الفكر؛ بيروت: دار الفكر المعاصر، 2000)، ص 47.

[2] المصدر نفسه، ص 50.

 


مصطفى دحماني

باحث عربي من القطر الجزائري، يشغل حالياً أستاذ ورئيس قسم بجامعة بشار جنوب غرب الجزائر.

مقالات الكاتب
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز