تمر بنا ذكرى ثورة تموز/يوليو في كل عام لتذكرنا بثوابت أساسية في التاريخ النضالي لأمتنا العربية ودروس مهمة مستمدة من الخبرة التي تراكمت في ذاكرة الأمة نتيجة هذا النضال. بدأت الثورة مصرية، ومع أن البداية جاءت بعمل تنطبق عليه شروط الانقلاب العسكري إلا أن مبادئها كشفت عن ثورة حقيقية حمل رايتها أبناء الطبقة المتوسطة المصرية التي كانت حياتها تجسيدًا أمينًا للآلام التي عاناها الشعب المصري في ظل استعمار أجنبي ونظام حكم قليلًا ما عبّر عن طموحات هذا الشعب. لهذا تحوَّل انقلاب تموز/يوليو إلى ثورة حقيقية التفّ حولها الشعب وأحاطها بسياج حماها طويلًا من التآمر الخارجي. ولأن الثورة كانت تعبيرًا حقيقيًا عن نضال الشعب المصري من أجل حقوقه الوطنية والسياسية والاجتماعية فقد كان طبيعيًا أن يكون لها بعدها العربي. غير أن الانتماء العربي للثورة لم يكن وحده السبب في عمق انتمائها العربي، وإنما يعود الفضل في ترسيخ هذا العمق إلى قائد الثورة جمال عبد الناصر الذي كانت العروبة فكرة وممارسة بعدًا أصيلًا في تكوينه، أُضيفت إليه خبرته الذاتية في حرب فلسطين التي كشفت الموقف العربي أمام ناظريه بكل جلاء، وتُرجم هذا كله في تصور عبد الناصر لدور تقوده مصر في تخليص الوطن العربي من الاستعمار كما ظهر واضحًا جليًا في كتيب فلسفة الثورة الذي كُتِب بين عامَي 1953 و1954. وهكذا فإن قيادة الثورة ما كادت تفرغ من مواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية بحلول نهاية عام 1954 حتى بدأت تضع أفكارها العربية موضع التطبيق.

هكذا دعمت الثورة حركات التحرر العربي، بدءًا بثورة الشعب الجزائري العظيمة، التي التفّت الأمة حولها ودعمتها بكل أنواع الدعم حتى فرضت استقلال الجزائر فرضًا على فرنسا في عام 1962. ولم تكن الثورة الجزائرية سوى الحلقة الأولى في سلسلة حركات التحرر العربي فامتدت موجة التحرر إلى أرجاء الوطن العربي كافة التي لم تكن قد حصلت على استقلالها بعد. وتنوعت أساليب النضال في هذه الموجة، لكن ثورة تموز/يوليو كانت على الدوام الدعم والسند دبلوماسيًا وإعلاميًا وعسكريًا حتى تمت تصفية الاستعمار بامتداد الوطن العربي كله باستثناء فلسطين الحبيبة الجريحة التي وقعت في براثن الحركة الصهيونية وداعميها في معسكر الإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من ذلك، فإن الميلاد الحقيقي لحركة التحرر الوطني الفلسطينية تم في هذه المرحلة وإن كان لعدوان حزيران/يونيو 1967 آثار فادحة في قضية فلسطين تمثلت ببدء الحديث عن «تسوية تاريخية» يقبل العرب بموجبها الكيان الصهيوني العنصري في فلسطين في مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في العدوان. غير أن هذا العدوان لم يتمكن من وقف مسيرة التحرر الوطني في الأقطار العربية، فاستقل جنوب اليمن في تشرين الثاني/نوڤمبر 1967 بعد واحدة من أعظم معارك التحرر العربية اضطُرّت فيها قوات الاحتلال البريطاني إلى الهروب من دون حتى أن تدخل في مفاوضات لتسليم السلطة للجبهة القومية التي انعقدت لها في النهاية راية قيادة النضال ضد الاحتلال البريطاني.

غير أن البُعد التحرري لم يمثل وحده المشروع العربي لثورة تموز/يوليو، وإنما تميز هذا المشروع بالشمول. فلم تكد الثورة تفرغ من مهمة إخراج قوات الاحتلال البريطاني من مصر بتوقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا في تشرين الأول/أكتوبر 1954 حتى بدأت التصدي لمحاولات الولايات المتحدة ربط الوطن العربي بسلسلة الأحلاف الغربية التي قُصِد بها تطويق الاتحاد السوڤياتي الذي لم يكن يمثل آنذاك تهديدًا للأمن العربي في وقت تمثل التهديد الأكبر فيه بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين. وكانت هذه رسالة شديدة الوضوح رد بها جمال عبد الناصر على كل من حاول إقناعه عبثًا بقبول الانضمام إلى منظومة الأحلاف الغربية. وقد مثّل هذا الموقف أقوى رد على الذين رأوا في اتفاقية الجلاء المصرية – البريطانية آلية للحاق بمنظومة الأحلاف الغربية. ولم تجد الدوائر الإمبريالية الغربية سوى الحكومة التابعة للغرب في العراق بديلًا لاختراق الوطن العربي؛ فكان توقيع ميثاق بغداد بين العراق وتركيا الأطلسية في شباط/فبراير 1955، بمنزلة الشرارة التي أشعلت المعركة التي قادها جمال عبد الناصر ومن خلفه الجماهير العربية ضد «حلف بغداد» كرمز لرفض تسخير الأمن العربي لخدمة المصالح الغربية. وبلغ التحالف بين عبد الناصر والجماهير العربية من القوة ما حسم المعركة بامتياز لمصلحة منطق استقلال الإرادة العربية عن التحالف الإمبريالي الغربي. فلم يجرؤ نظام عربي واحد في تلك الدول التي كانت مرشحة ومتحمسة للحاق بالحلف على الانضمام إليه تحت وطأة الضغط الهائل من الجماهير العربية. وبقيت الحكومة العراقية الموالية للغرب في العراق وحيدة في الحلف حتى أطاحتها ثورة الشعب العراقي في تموز/يوليو 1958 لتخرج بغداد ذاتها من الحلف وينتهي بذلك آخر ادعاء بأن لهذا الحلف أي صفة عربية. وتكررت المعركة ذاتها مع «مبدأ أيزنهاور»، أو مشروع أيزنهاور، وهو الاسم الذي اشتهر به في الوطن العربي بعد أن أطلقه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور عام 1957 تعبيرًا عن رؤية استراتيجية أمريكية مفادها أن هزيمة أقطاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 قد أوصلت الشرق الأوسط إلى حالة من الفراغ يُخشى معها أن تتسلل الشيوعية إلى المنطقة، وبالتالي فإن الولايات المتحدة حاضرة بالدعم الاقتصادي والعسكري لسد هذا الفراغ. ولم يتردد عبد الناصر في أن يواصل المعركة ضد منطق الأحلاف الغربية، وبخاصة أنه أدرك أن الموقف الصارم الذي اتخذه الرئيس الأمريكي تأييدًا لانسحاب قوى العدوان من الأراضي المصرية لم يكن سوى جزء من عملية إحلال النفوذ الأمريكي محل النفوذ الأوروبي في هذه المنطقة الحساسة من العالم بعد أن انعقد لواء قيادة المعسكر الغربي للولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية. ولقي «مبدأ أيزنهاور» مصير سلفه «ميثاق بغداد» ليؤكد انتصار النضال العربي في معركة الأحلاف.

لكن النضال العربي لم يتوقف عند حد استخلاص الاستقلال بالقوة من براثن المستعمر الأوروبي وصد محاولات الاختراق من جانب وريثه الأمريكي، وإنما بدأ هذا النضال سلسلة من الأفعال الإيجابية التي غيرت وجه المنطقة بالكامل. فعقب رفض عبد الناصر اللحاق بحلف بغداد قرر الغرب أن يُطلق عليه إسرائيل كي تلقنه درسًا، فكانت الغارة الإسرائيلية الشهيرة على غزة في أواخر شباط/فبراير 1955 التي سقط فيها عشرات الشهداء الفلسطينيين والمصريين ليمتزج الدم الفلسطيني بالمصري إلى الأبد، ويدرك عبد الناصر أنه قد آن الأوان لتوجيه البوصلة نحو الخطر الإسرائيلي والاهتمام ببناء قوة عسكرية قادرة على مواجهته. ولما تأكد من أن القوى الغربية لن تسمح له بامتلاك القوة العسكرية التي تُمَكن مصر من أن تكون ندًا لإسرائيل جاء قراره التاريخي بكسر احتكار السلاح بالصفقة الشهيرة في أيلول/سبتمبر 1955 مع المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوڤياتي لتتغير الخريطة الاستراتيجية في المنطقة بالكامل.

وتُكرر الثورة فعلها الاستقلالي في وجه محاولات الغرب بقيادة أمريكية تقوض حلم التنمية المستقلة في مصر والوطن العربي؛ خشية أن يسود نموذج كهذا في المنطق. وهكذا رفضت الولايات المتحدة وتابعتها بريطانيا كالعادة، ومعهما البنك الدولي، تمويل مشروع السد العالي ليجيء الرد بقرار عبد الناصر التاريخي بتأميم شركة قناة السويس؛ وهو القرار الذي كانت له أصداؤه المدوية لدى كل الشعوب المناضلة من أجل حريتها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وقد تآمرت عقب القرار بريطانيا التي لا تريد أن تصدق أن مصر قد خرجت عن سيطرتها، وفرنسا التي كانت تتلوَّى ألمًا من نضال الشعب الجزائري بدعم مصري مطلق، وإسرائيل التي كانت ترى الخطر القادم من مصر وتُستنزف بفعل العمليات الفدائية في صحراء النقب بدعم مصري؛ وتكون ثمرة هذا التآمر تلك الخطة الركيكة لغزو مصر التي سرعان ما افتضح أمرها بعد أن تصدى لها الشعب المصري وقواته المسلحة بدعم عربي تجاوز أقصى كوابيس المعتدين ودعم دولي شمل الجميع عدا المعتدين. بل إن معارضة العدوان قد امتدت إلى داخل الدول المعتدية نفسها، وخرجت مصر وظهيرها المتمثل بالجماهير العربية كأقوى ما تكون بعد هذا العدوان.

واستمر الفعل العربي القوي عقب العدوان. فعندما تحرشت تركيا الأطلسية بسورية الحبيبة عام 1957، في محاولة غربية لعقابها على سيرها في طريق النضال القومي العربي، جاء أوان وضع نظرية الأمن القومي العربي موضع التطبيق، فأرسل جمال عبد الناصر قوات مصرية لتشارك شقيقتها في سورية مسؤولية الدفاع عن أمنها، ومن ثم الأمن العربي. ويعلم كل من عايش هذا الحدث، أو قرأ عنه، كيف مثّل علامة فارقة في التاريخ العربي، بقدر ما أثبت حقيقة فكرة الأمن القومي العربي، وأشعل حماسة الجماهير وعمَّق إيمانها بالعروبة، وبخاصة أن تركيا فهمت الرسالة، ومفادها أنها إن تجرأت على سورية فسوف يكون الرد عربيًا. وكان طبيعيًا بعد الموقف التاريخي الذي وقفته سورية شعبًا وحكومة من العدوان الثلاثي على مصر والدعم المصري العسكري لها في مواجهة عدوان تركي محتمل، وتوافق النهجين المصري والسوري في مواجهة التحديات التي تُحْدِق بالأمة، أن يأتي حديث الوحدة؛ فتحققت الوحدة المصرية – السورية في شباط/فبراير 1958 بأسلوب سلمي، وبما يشبه الإجماع الشعبي لتكون الحدث الأول في نوعه بعيد مرحلة الاستقلال، وتربك حسابات قوى عربية وإقليمية وعالمية معادية لأهداف النضال العربي بقدر ما تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق أطماع هذه القوى التي تآمرت على الوحدة منذ يومها الأول، ونجحت للأسف بعد أقل من أربع سنوات في فصم عراها، وإن كان الحرص على سلامة مسار النضال العربي يقتضي الاعتراف بعوامل الضعف الداخلية التي أضعفت بنية الوحدة. ومع أن هذه العوامل لم تنل من إيمان الجماهير بالوحدة إلا أنها سهلت بلا شك مهمة المتآمرين عليها. ورغم أن انقلاب الانفصال في أيلول/سبتمبر 1961 قد وضع نهاية حزينة لهذه الخطوة التاريخية إلا أننا يجب ألّا ننسى الإنجازات الواضحة التي حققتها هذه الوحدة على صعيد الأمن القومي العربي كما يشهد بذلك تغير الوضع الاستراتيجي بين العرب وإسرائيل في إثر الوحدة كما ظهر في معركة «التوافيق» الشهيرة عام 1960، وكذلك على صعيد التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. ولا تقل عن ذلك أهمية الدروس المستفادة من التجربة، سواءٌ في ما يتعلق بصيغة الوحدة أو أسلوب إدارتها أو ضرورة الحفاظ على وحدة الفصائل القومية فيها.

لقد تصور أعداء النضال العربي أن يكون انقلاب الانفصال هو الصخرة التي تتحطم عليها مرحلة المد القومي العربي، غير أن هذا النضال احتفظ بزمام المبادأة؛ فلم يتردد عبد الناصر في الاستجابة لطلب ثوار اليمن في أيلول/سبتمبر 1962 بدعم مصر العسكري لثورتهم في ضوء خبرة النضال الثوري اليمني الذي اصطدم دائمًا بالقوى الخارجية التي لا تريد له النجاح، والتي نجحت للأسف في إجهاض هذه المحاولات كافة. وهكذا وقفت القوات المسلحة المصرية إلى جانب الشعب اليمني وقواته المسلحة منذ الأيام الأولى لثورته، وطوال خمس سنوات، حتى استقرت الثورة. بل إن عبد الناصر، وقد رأى استماتة الاحتلال البريطاني في القضاء على الثورة اليمنية ورفد خصومها بالأسلحة والمرتزقة، قرر أن ينقل المعركة اعتبارًا من عام 1963 إلى صفوف الاحتلال برعاية مشروع شامل لتحرير جنوب اليمن يدعمه بالسلاح والتدريب، ونجح الثوار في جنوب اليمن في هزيمة قوات الاحتلال البريطاني في زمن قياسي لم يتجاوز الأربع سنوات إلا قليلًا، ناهيك بأن بريطانيا كانت قد سلمت مبكرًا بهزيمتها عندما أعلنت في ورقتها البيضاء الصادرة عن وزارة الدفاع في شباط/فبراير 1966 أنها ستغادر منطقة الخليج بحلول عام 1968 وأنها لن تحتفظ بقواعد عسكرية في المنطقة، وبعدها أعلن عبد الناصر أن قواته لن تغادر اليمن إلا بعد انسحاب القوات البريطانية من المنطقة، وساعتئذ بات في حكم المؤكد لدى الدوائر الإمبريالية الغربية أن المد القومي العربي سوف يكتسح هذه المنطقة عقب الانسحاب البريطاني. ولم يكن ممكنًا لهذه الدوائر أن تقبل بهذا السيناريو. وهكذا نُفذت مؤامرة عدوان حزيران/يونيو 1967 لتحول دون تجسيد هذا السيناريو، ومع أن العدوان قد نجح في وقف المد القومي العربي وتحويل بؤرة النضال إلى ما سُمي إزالة آثار العدوان والقبول لاحقًا بما أُطلق عليه التسوية التاريخية مع إسرائيل، إلا أن عبد الناصر قاد في سنوات ثلاث مجيدة عملية إعادة البناء العسكري ومحاولة معالجة أوجه الخلل البنيوي في تجربته التي كشفت عنها الهزيمة، وخاض حربًا رابعة ناجحة مع إسرائيل هي حرب الاستنزاف المجيدة، بحيث وصلت القوات المسلحة إلى المستوى الذي يؤهلها لخوض معركة التحرير قبل أن ينتقل إلى رحاب ربه في أيلول/سبتمبر 1970 بعد أن خاض آخر معاركه دفاعًا عن المقاومة الفلسطينية.

وبعد رحيل جمال عبد الناصر حصلت محاولات مستميتة لتصفية النموذج الذي بناه ودافع عنه مدى حياته، وإسقاط الراية التي حملها باقتدار وأبى أن يتخلى عنها في أحلك الظروف؛ وللأسف نجحت هذه المحاولات إلى حد بعيد، ولم تكُ ضراوة تلك المحاولات عالميًا وإقليميًا وعربيًا، بل ومصريًا، هي السبب الوحيد في هذا النجاح لأن عوامل الضعف البنيوي في تجربة تموز/يوليو أدّت دورًا مهمًا في هذا الشأن. وهكذا بدأ التخلي عن سياسات عبد الناصر داخليًا وعربيًا وخارجيًا، واعتُمدت بدلًا منها سياسات لتنمية تابعة، وتراخٍ في النضال من أجل استعادة الحقوق العربية والفلسطينية، وتخلٍ عن السياسات المستقلة تجاه القوى الكبرى. ولم تفلح الإنجازات غير المسبوقة لحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 في إثناء قوى العودة إلى الخلف عن التراجع عن سياساتها رغم ما أثبتته الحرب من جدوى معادلة الأمن القومي العربي، ونجم عن هذا كله ما يشبه عودة الوطن العربي إلى ما كان عليه قبل قيام ثورة تموز/يوليو، ويكشف المشهد العربي الراهن عن أمن مستباح من قوى إقليمية على رأسها إسرائيل تعربد في أرجاء الوطن العربي كافة، وكذلك قوى عالمية وصلت بها الجرأة إلى غزو العراق عام 2003 والعمل على تمزيق بنيته الاجتماعية وتفكيك مؤسسات دولته. ومع أن المقاومة العراقية قد تكفلت بإلحاق خسائر فادحة بقوات الغزو أجبرتها لاحقًا على الانسحاب إلا أن الضرر الذي لحق بالعراق كان جسيمًا إلى الحد الذي جعله فريسة للنفوذ الخارجي ومزّق بنيته الاجتماعية بتوظيف شرير للمتغير الطائفي؛ وهو توظيف انتشر للأسف خارج العراق لكي ينال من فكرة الأمة العربية في الصميم. تُضاف إلى كل هذا آثار ما بدأ «ربيعًا عربيًا» عام 2011 وعُلقت عليه آمال كبار في انتشال الأمة من حال السوء الذي وصلت إليه. غير أن تشرذم قوى التغيير وصل بالوطن العربي إلى أوضاع أسوأ، فتهددت كيانات الدول الوطنية العربية على نحو غير مسبوق، وتفاقمت ظاهرة الإرهاب الذي تمكَّن أول مرة في التاريخ المعاصر من إنشاء دولة دامت لأكثر من ثلاث سنوات على أجزاء من الأراضي العراقية والسورية. وعاثت القوى الإقليمية والعالمية فسادًا في وطننا العربي على نحو ما نراه الآن في الصراعات الراهنة على الأرض العربية، وتجرأت الولايات المتحدة على الوصول بدعمها لإسرائيل إلى حد الاعتراف بالقدس عاصمة لها، وبضمها للجولان، وإسقاط قضية اللاجئين، والموافقة على ضم مستوطنات الضفة إلى إسرائيل بما ينزع عن فكرة الدولة الفلسطينية أي معنى فيما عُرِف بصفقة القرن.

في هذه الظروف العصيبة البالغة القتامة يبرز نهج تموز/يوليو وإشعاعاته بوصفه المخرج الوحيد من المأزق العربي الراهن الذي يهدد الوجود العربي نفسه بالمعنى السياسي، ولا يعني هذا أي حديث عن تكرار حرفي أو شبه حرفي لتجربة عبد الناصر، ولكن الانطلاق من أساسياتها المتمثلة بترسيخ الاستقلال الوطني والأخذ في العروبة كإطار إنساني جامع لكل من يعيش على الأرض العربية يكفل المساواة في الحقوق والواجبات للجميع، وتبني نهج التنمية المستقلة في إطار من التكامل العربي والعدالة الاجتماعية للجميع، والدفاع عن الأمن العربي الذي يجب أن يكون الإطار الآمن لجميع العرب بعيدًا من أي اختراق خارجي. هذه رسالة إلى من يعنيه الأمر من النخب العربية التي يُفترض أن تقود النضال العربي في هذه المرحلة، وأول شروط هذه القيادة أن تنسى خلافاتها التي هي بالتأكيد ثانوية في مواجهة ما يحيط بالأمة من مخاطر. وكفى هذه النخب ما ضاع من فرص في الماضي على مذبح خلافات لا معنى لها في خضم المعركة التي يجب أن نخوضها جميعًا كي نسترد لهذه الأمة مكانتها ونقيها عبث العابثين.

 

قد يهمكم أيضاً  ملامح السياسة المصرية تجاه قطاع غزة بعد ثورة 30 يونيو

أيضاً ننصحكم بقراءة تجسيد مشروع النهضة العربية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #ثورة_يوليو #العروبة #القومية_العربية #النضال_العربي #المد_القومي_العربي #جمال_عبد_الناصر #وجهة_نظر