مقدمة
يُرسِّخ انتشار الشيَع والفرق وجماعات الإسلام السياسي حالة من الفشل الموروث في بناء مجتمع «حقيقي»، فـ«الجماعة في عهد النبي التي تُعَدّ مثالًا مشبعًا بالحنين إلى الماضي، للمنادين بإقامة «دولة إسلامية»، ما كان بوسعها البقاء لو لم تتحول إلى مجتمع، أما ما يعَدّ سقوطًا أو انحطاطًا فهو النتيجة الحتمية للنجاح السياسي»[1].
يبدو أن التيارات المتطرفة استلهمت من فشل التحوُّل قدرة كبيرة على الاستقطاب والتجنيد من أجل البقاء، إذ تمثِّل عودة المقاتلين العرب المجندين لدى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، واحدة من التهديدات الناشئة في المرحلة الراهنة. لقد استبقت بعض البلدان نزوح مواطنيها إليها باعتماد سلسلة إجراءات قادرة على مواكبة مؤشر التهديد الذي يمثلونه في حال عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، وتوزع التعاطي مع هذه الظاهرة بين تطوير الترسانة القانونية كوعاء حاضن لمختلف الأفعال الإجرامية التي ارتكبها العرب المجندون لدى «داعش» في بؤر التوتر، واعتماد مقاربة أمنية استباقية من طريق تجميع المعطيات الجنائية والبيانات الشخصية حول هذه الفئة من المقاتلين، في حين يظل خيار إعادة التأهيل الاجتماعي عبر سياسات عمومية للإدماج، التحدي الأكبر في مواجهة بقية الخيارات القانونية والأمنية والعقابية.
يطرح التعاطي مع المتورطين في عمليات إرهابية في الخارج، إشكاليات حقوقية وقانونية بالنسبة إلى سلطات دولهم؛ فالتشريعات القانونية في هذه البلدان تطارد مواطنيها أينما ارتحلوا استنادًا إلى قاعدة مبدأ «شخصية القوانين» المنصوص عليها في بعض التشريعات الوطنية، التي تقضي بألّا تسقط العقوبة عن الفاعل حتى لو ارتكب جريمته الإرهابية خارج بلده. في المقابل تحرص المواثيق الدولية على احترام مبادئ حقوق الإنسان وإن تعلّق الأمر بأشخاص متهمين في قضايا إرهاب، إذ لا تسمح هذه القواعد للمكلفين تنفيذ القانون، بتجاوز صلاحياتهم أو المسّ بحقوق الإنسان بمبررات وجود تهديدات حقيقية تمس سلامة الأمن الداخلي للدولة، كما تمنع وضع تشريعات بأثر رجعي تقصد تشديد العقوبات ضد مرتكبي الأفعال الإرهابية.
أمام تقاطع الخيارات، نهَجَ المغرب استراتيجية أمنية في التعاطي مع ظاهرة عودة «مغاربة داعش» إلى المملكة، وتختلف التجربة المغربية عن نظيرتها في البلدان المشرقية، كون المجنّدين المغاربة يتوزعون بين صنفين: صنف أول يهم مواطنين ذهبوا للقتال في مناطق النزاع إلى جانب «داعش» في ليبيا والعراق وسورية؛ وصنف ثانٍ يتعلق بمقاتلين من أصول مغربية قدموا إلى بؤر التوتر من بلدان المنشأ في أوروبا الغربية، منها فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا، ذلك أن هذه الفئة من المجندين يمثلون تحديًا إضافيًا للأجهزة الأمنية المغربية، لغياب البيانات الكافية عنهم ولكونهم يواجهون إسقاط الجنسية الأوروبية.
في الحالة المغربية تثار مسألة عودة «الجهاديين الأوروبيين»، ونقصد بهم المقاتلين المنحدرين من أصول مغربية ممن يحملون جنسيات بلدان أوروبية مسقط الرأس والنشأة. هذا الوضع يجعل التهديدات الأمنية الناشئة مزدوجة، تفرض التعاطي مع فئة أولى من الجهاديين المغاربة الذين نزحوا نحو بؤر التوتر قادمين من المغرب، وفئة ثانية من الجهاديين، من أصول مغربية، التحقوا بالجماعات المتطرفة من بلدان أوروبية، حيث يتعايش الجيل الثالث من المغتربين المغاربة في المهجر مع إشكاليات أزمة الهوية وصعوبات الاندماج وفشل السياسات الاجتماعية لبلدان الاستقبال.
أولًا: مقاربة أمنية استباقية ويقظة استخباراتية
في العلوم الأمنية يتم التمييز بين مقاربتين للتدخل الأمني: زجرية ووقائية. تعتمد الأولى على الإكراه والتدخل المباشر، بينما تراهن الثانية على الوقاية من خلال تنفيذ عمليات استباقية لمنع حوادث إرهابية وقطع دابرها في مرحلة الإعداد قبل التنفيذ. وقد أبانت المقاربة الاستباقية نجاعة كبيرة في التعاطي مع التهديدات الأمنية رغم أن اعتمادها يتطلب عملًا استخباراتيًا دقيقًا يقضي بتجميع البيانات الشخصية والمعطيات الجنائية حول المشاريع الإرهابية وشخصية المشتبه بهم.
في المغرب، نجحت السلطات الأمنية في ترسيخ قواعد مقاربة استباقية لمواجهة التهديدات الأمنية، بوجه عام، وقد اتضح ذلك جليًا من خلال تفكيك مجموعة من الخلايا الإرهابية ومطاردة ما بات يسمى في الأدبيات الاستخباراتية «الذئاب المنفردة»، التي تكون على استعداد وتواصل مع الجماعات المتطرفة في سورية والعراق، بغية القيام بعمليات إرهابية. وقد أبانت تفاصيل تفكيك خلايا إرهابية أن تجميع البيانات الشخصية حول بعض الأفراد ساهم في استباق بناء «بروفايل الإرهابي» ما سهل عملية إطاحته وإحباط مشاريعه.
وتبقى الصعوبات التي تواجهها المقاربة الاستباقية، كون العمليات الأمنية غالبًا ما تستهدف شخصًا بذاته، أي «الذئب المنفرد»، أثناء مرحلة الإعداد لتنفيذ الجريمة، وذلك بالاعتماد على وسائل الاتصال ورصد تحركاته على مواقع التواصل الاجتماعي. ومكمن الصعوبة أن أسلوب العمل العنقودي الذي تشتغل به التنظيمات الإرهابية، لا يسمح بالتوصل إلى شبكة الفاعلين في إعداد مشروع إرهابي. ورغم ذلك غالبًا ما تفضي التحقيقات الأمنية التي يختص بها جهاز أمني تابع للاستخبارات المدنية[2] إلى التعرف إلى أفراد «قطيع الذئاب» قبل إيقافهم وعرضهم على القضاء المختص.
في المقابل يتطلب التعاطي مع التهديدات الناشئة توسيع التعاون الدولي في المجال الأمني، وبخاصة في ما يتعلق بالعمل الاستخباراتي، فوجود مقاتلين أوروبيين من أصول مغربية، سرع وتيرة التنسيق الأمني ورفعه إلى أعلى المستويات، وقد أبانت العمليات الإرهابية التي هزت باريس مساء الجمعة 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، واستهدفت ستة مواقع في العاصمة الفرنسية أودت بحياة 129 شخصًا، أن التعاون الاستخباراتي بين المغرب وفرنسا كان وراء تحديد مكان وجود العقل المدبر لهذه العمليات، يُدعى عبد الحميد أباعوض، بلجيكي من أصول مغربية ولقبه «أبو عمر السوسي» أظهرت مقاطع فيديو نشاطه في تنظيم «داعش» في سورية.
إلى جانب التعاون الاستخباراتي، فرض التعاطي مع التهديدات التي يمثلها مغاربة «داعش» على الأمن الداخلي للمملكة، سرعة تداول المعلومة الأمنية والمواكبة السريعة للوسائل المستعملة في استقطاب هذه المجموعات إلى صفوف التنظيم، ففي عصر التواصل الاجتماعي يتم الحديث عن «استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي»، بوصفها واحدة من القنوات التي توفر المعلومة وتمكن من «قياس وفهم وجوه ملايين الناس الذين يتحادثون ويشجبون أشياء ويستحسنون أخرى بطريقة رقمية. وتتوافر حاليًا مجموعة من البرامج الخاصة بالبيانات الضخمة، التي تهدف إلى فهم وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة منها»[3].
وإذا كان اعتماد تقنيات التواصل الاجتماعي في مجال الاستخبار، يمكّن من استقاء المعلومات من مصادر الجمهور والبحث في عدد من الظواهر بقياس مستويات العنف ومؤشراته والظروف التي تسمح به، وتقدير الموقف من خلال متابعة تطور الأحداث، وفهم أفضل لسلوك المجموعات التي تنشط على شبكات التواصل الاجتماعي، فإنه يسمح أيضًا باستقراء وتحديد النيات الإجرامية أو العناصر الإجرامية في سياق السعي لمنع الجريمة وملاحقة مرتكبيها. و«تشير مثل هذه الإمكانات إلى أن استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي، تستحق أن تحتل مكانة مهمة في منظومة عمل أجهزة الاستخبارات الوطنية»[4].
ثانيًا: التهديدات الناشئة عن عودة «مغاربة داعش»
تثار مخاوف مشروعة حول التهديدات الأمنية التي تمثلها عودة المغاربة المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق. وتفرض الواقعية التي باتت تدار بها الأزمات في بؤر التوتر، التعاطي بحذر أكبر مع قضية تصريف المقاتلين، المغاربة أو المنحدرين من أصول مغربية، الذين يحملون جنسيات أوروبية، نحو بلدهم الأصلي بعد أن تنتهي خرافة الخلافة.
في توصيف «العائد من داعش» تذهب الدراسات إلى حسبان «كل من ذهب إلى جبهات التوتر، وانضمَّ إلى تنظيمات إسلاموية مقاتلة، تحت راية ما يسمى القتال التضامني ثم انتهى به الحال سواء بإرادته أو بسبب احتجازه إلى العودة للانزواء النشط، أو القتال مرة أخرى محليًا أو عالميًا، من فئة العائدين» [5]. وقد سارت أغلبية التشريعات الوطنية على هذا التصنيف، حيث أملت تحولات الظاهرة الإرهابية على الدول يقظة تشريعية دائمة ومستمرة تشمل كل مستويات الفعل في مواجهة الإرهاب، سواء تعلق الأمر بمراجعة التشريعات الجنائية أو وضع قوانين جديدة لتجفيف منابع تمويل الإرهاب عبر تجريم تبييض الأموال وكذا ملاءمة النصوص الوطنية مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الظاهرة.
في المغرب سار المشرع على نهج مواكبة تحولات الظاهرة الإرهابية من خلال مراجعات دائمة لقانون مكافحة الإرهاب، وقد كان لزامًا عليه أن يواكب ظاهرة «العودة» من معسكرات التنجيد لدى الجماعات الإرهابية في بؤر التوتر. في سنة 2016 صدر قانون يتعلق بتجريم الالتحاق بمناطق التوتر «لتجويد النصوص الجنائية، وقد حرص المشرّع على تطوير بنية النص الأصلي بهدف سد الفراغ التشريعي الذي أظهرته التوترات الإقليمية، وما أفرزته من حركات تجنيد وتنقل ودعاية للتنظيمات الإرهابية، إذ أصبحت تعدّ من الجرائم الإرهابية أفعالُ الالتحاق أو محاولة الالتحاق بصفة فردية أو جماعية في إطار منظم أو غير منظم بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية أينما وُجدت»[6] .
بناء على دراسة «العائدون من داعش: التصنيف والمخاطر والإدماج»، يمكن تقسيم «داعش» تنظيميًا إلى خمس مجموعات[7]:
1 – مجموعات حرب الاستنزاف: وهي عناصر تقاتل كمجموعات عنقودية يُشرِف عليها الجهاز الأمني للتنظيم وهو تنظيم قيادي.
2 – عناصر الاندماج في الأذرع الخارجية: وهي مَنْ كُلِّفت بالعودة والقتال مع فروع التنظيم في سيناء، وليبيا، والصومال.
3 – عناصر التنظيم الجوالة: وهي المكلفة بصناعة أفرع جديدة للتنظيم في دول أخرى، مثل الفيليبين، ووسط أفريقيا.
4 – عناصر الكمون والانزواء النَّشِط: وهي المكلفة بالعودة في انتظار توجيهات قيادة التنظيم بالقيام بعمليات جديدة، وتسمى أيضًا «الانغماسيين».
5 – العناصر المُنشقَّة: ويندرجون بوجه عام في عدة فئات، كأولئك الذين تركوا داعش في وقت مبكر، أو مَنْ خدعتهم الشعارات وصدموا بعد مدة قصيرة أو طويلة، أو أولئك الذين اختلفوا حول الاستراتيجيات أو حول دورهم لكنهم يحملون الأفكار نفسها.
لا تكمن مشكلة العائدين من بؤر القتال في تدبير هذه العودة فقط، وإنما في قضية إعادة الانتشار نفسها التي يلجأ إليها المجندون بعد نهاية الخدمة في صفوف تنظيم داعش، مصدر هذا القلق بعض التقارير الأمنية الخارجية التي أبانت أنه كلما توغلت القوات النظامية داخل النفوذ الخاضع لتنظيم الدولة الإسلامية، انقسمت هذه المجموعات إلى ثلاثة صنوف: صنف يقاتل حتى يُقتل، وصنف يغادر عبر الحدود التركية فرارًا من المعارك، وصنف ثالث يختفي دون معرفة الوجهة التي ذهب إليها، بمعنى أنه ضمن كل مجموعة قتال هناك فئة تنعدم معلومات عنها، وهذا مكمن الخطر.
ضمن هذا المقترب الاستباقي في التعاطي مع التهديدات الناشئة عن إعادة انتشار المقاتلين المغاربة في صفوف الجماعات الإرهابية، تعززت المراقبة على الحدود وتم نهج تبادل المعلومات الميدانية والجنائية الخاصة بالإرهابيين المفترضين مع الدول الغربية تحديدًا، علاوة على اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر وبلورة مخطط أمني وطني يجمع مختلف المتدخلين في شكل الوحدة الأمنية المشتركة بين الجيش والأمن تحت مسمى «قوات حذر».
ثالثًا: الشخصية المزدوجة لـ«مغاربة داعش»
ظهرت في التسعينيات دراسات جديدة حول الإسلام السياسي أهمها للمفكر الفرنسي جيل كيبيل، صنف فيها المهاجرين في ثلاثة أجيال: الجيل الأول أو ما يُعرف بـ«جيل إسلام الآباء»، والمقصود به «الإسلام في أوروبا» لأنه جيء به من الشرق، أي من البلدان الأصلية للمهاجرين. والجيل الثاني هو الجيل الذي تأثر بالإخوان المسلمين، بينما الجيل الثالث هو «إسلام الشباب». وقد عاشت هذه الأجيال مرحلتين: تمتد الأولى من بداية الهجرة في أوائل الستينيات حتى عام 1980، حينها عُرف هذا الإسلام بـ«الإسلام في فرنسا»، وتمتد الثانية مع بداية العقد التسعيني حتى ظهور ما سمي «إسلام فرنسا» كونه أوجد لنفسه خصوصية ميزته من غيره من البلدان الأخرى[8].
تَتكون أغلبية الجهاديين الأوروبيين المنحدرين من أصول مغربية ضمن هذا النسق، فخاصية المقاتلين المغاربة في صفوف التنظيمات الإرهابية، في الخارج، تكمن في كونهم يتوزعون بين مختلف الجبهات. وتشير المعطيات الاستخباراتية التي تم تجميعها في شأن المجموعات المغربية أنهم يتوزعون بين خمسة تنظيمات/جماعات في العراق وسورية وفي الساحل الأفريقي، ويتعلق الأمر بـ«داعش» و«جبهة النصرة» و«فتح الشام» و«شام الإسلام» ثم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
واستنادًا إلى هذه المعطيات فإن التهديدات الأمنية المستقبلية، تمثلها عودة المقاتلين الجهاديين الأجانب من بؤر التوتر، وتكوين خلايا إرهابية نائمة والإعداد لتنفيذ عمليات نوعية في المغرب، وصولًا إلى تجنيد متطوعين آخرين في شكل ذئاب منفردة أو «قطيع ذئاب» يتولون التنفيذ.
في المقابل، تتسم شخصية المقاتل المغربي في بؤر التوتر بأربع خصائص: أولًا، مستوى ثقافي واجتماعي متوسط. ثانيًا، أغلبيتهم عاطلون من العمل ويمارسون مهنا غير قارة. ثالثًا، الأغلبية ذات تكوين ديني وعقائدي محدود وضعيف. ثم رابعًا، الفئة العمرية لهؤلاء تراوح بين 20 سنة و45 سنة، كما أن بعضهم سافر رفقة عائلته وأطفاله إلى جبهة القتال.
وفق الأرقام الرسمية لجهاز المكتب المركزي للأبحاث القضائية في المغرب بلغ عدد الملتحقين ببؤر التوتر في سورية والعراق نحو 1660 مغربي، من بينهم 291 امرأة و630 طفلًا منهم أطفال من أب غير مغربي. وتشير المعطيات التي تم الإفراج عنها في بداية آذار/مارس 2023 إلى أنه لا يزال هناك أكثر من 770 شخصًا من جنسية مغربية عالقين في سورية والعراق، يتوزعون بين 387 طفلًا و136 امرأة و251 عنصرًا. في حين عاد آخرون وفق إجراءات قانونية من خلال مذكرات بحث دولية أو طلبات موجهة إلى السلطات العراقية تم تقديمهم فور وصولهم أمام العدالة، وبخاصة من ثبت أنهم كانوا مجندين في صفوف التنظيم وقاتلوا إلى جانب داعش خلال مدة وجودهم لدى «داعش».
تفيد هذه المعطيات أن الخطر الإرهابي لا يزال قائمًا، بالنظر إلى التهديدات المستقبلية التي يمثلها العائدون من بؤر التوتر، وإذا كانت الدولة تنوي التصدي لهم وفق مقاربة عقابية، فإن السؤال يطرح على مستوى ما بعد العقوبة، أي تدبير الفكر «الجهادي» في قناعاتهم، وهو ما يفرض فتح نقاش يفضي إلى مراجعات فكرية وفقهية لهؤلاء. وتبقى أفضل مقاربة في التعاطي مع الظاهرة هي «التصدي الحمائي» التي تقتضي حماية الشباب من الأفكار المتطرفة، وقد أبان هذا التصور المستورد من أدبيات حقوق الإنسان، نجاعة كبيرة في «تحييد» الشباب عن التطرف.
رابعًا: خريطة الانتشار لدى التنظيمات الجهادية
إن الوعي بتَعوْلُم السياسات التشريعية المواجهة للإرهاب وبطبيعتها المرنة والمتكيفة مع تحولاته المستمرة، وبنجاعة القاعدة القانونية من حيث المضمون والإجراءات في مكافحته، لا يمنع من الوقوف في النهاية على «حدود» التشريع والقانون، لوحده، في الحد من ظاهرة تمثل في عمقها تحديًا جديًا وعميقًا للدولة وللقانون[9]. ومع ذلك كان لزامًا مواكبة تنقلات «داعش» جغرافيًا. لا يقتصر الأمر على التعاون الاستخباراتي الدولي لرصد هذه التحركات، بل يقتضي ذلك مواكبة تشريعية قادرة على تغطية كل فراغ من شأنه أن يبقي المنتسبين إلى التنظيمات الإرهابية خارج المتابعة القضائية.
منذ إعلان الحركات الجهادية المتطرفة عن مواجهة مباشرة مع «دار الكفر»، استقطبت «القاعدة» كما «تنظيم الدولة»، في وقت لاحق، عددًا من المغاربة الذين تطوعوا للقتال. في البداية التحقوا بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي ينشط في منطقة الساحل والصحراء بأفريقيا، وفي مرحلة ثانية تحولت الوجهة إلى العراق وسورية. بدأ التحاق المغاربة بالجماعات الإرهابية، مع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وقد سعى التنظيم من خلال استعمال التوصيف الجغرافي المغاربي إلى إعطاء نفَسٍ ترابي للحركة الجهادية في منطقة المغرب العربي. تحول التنظيم لاحقًا، بعد مبايعته للتنظيم الأم، إلى قاعدة لتجنيد المقاتلين في صفوف القاعدة في أفغانستان ثم بعدها في العراق لاحقًا. نجحت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تسفير عدد من المقاتلين المغاربة إلى بؤر التوتر بعد أن تحولت الحركة في منطقة الساحل الأفريقي من قاعدة استقبال إلى محطة عبور لساحات القتال في العراق تحديدًا.
وفق تقرير لـ«مؤسسة كارنيغي للسلام» الأمريكية، صادر في تشرين الأول/أكتوبر 2009، بعنوان «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، فإنه حينما تولى الجزائري عبد المالك درودكال، قيادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، سوف يطلق على نفسه اسمًا حركيًا جديدًا هو أبو مصعب عبد الودود، وبدأ في التعاون مع شبكة أبي مصعب الزرقاوي في العراق، وفي تجنيد وتوجيه المتطوعين من شمال أفريقيا إلى البؤر التي يقاتل فيها تنظيم القاعدة.
في مرحلة لاحقة سوف يسعى درودكال إلى تجديد منظمته من طريق ربطها بالدائرة العالمية. وقام أيمن الظواهري، خليفة أسامة ابن لادن حينها، بتكليف أبي مصعب الزرقاوي والفرع العراقي للتنظيم بإدارة هذا النوع من التفاعل المتنامي مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، ليبدأ بعدها نشاط الجماعة وفق استراتيجية توسعية حاولت من خلالها إنشاء خلايا إرهابية داخل المغرب، والاتجاه إلى موريتانيا ثم تونس، إضافة إلى تنشيط شبكة إقليمية في منطقة الساحل والصحراء، مهمتها جني الأموال عبر التهريب وتجارة الأسلحة واختطاف الأجانب للمطالبة بالفدية.
وبخلاف تجربة المغاربة داخل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فإن حضورهم في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اتسم بالجمع بين «مغاربة الداخل» و«مغاربة الخارج»، ممن يحملون الجنسيات الأوروبية. وتعود هذه الظاهرة إلى معطيات تاريخية وسوسيولوجية. فأغلبية المسلمين الأوروبيين، في فرنسا، من أصول مغاربية، وهم أكثر اهتمامًا بالجماعات العنيفة من سائر دول الاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير صادر عن الجماعات العنيفة في عام 2008، وربما قضية الجهاديين في الإعلام الفرنسي هي أكثر حضورًا. ووفقًا لدراسة للمعهد الوطني للدراسات الديمغرافية، تنحدر الأغلبية الساحقة من مسلمي فرنسا من دول المغرب العربي، إذ تبلغ نسبتها 82 بالمئة من إجمالي مسلمي فرنسا: 43.2 من أصول جزائرية، 27.5 بالمئة من المغرب، و11.4 بالمئة من تونس و9.3 بالمئة ينحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء[10].
أما في المؤشر الاجتماعي فإن أغلبيتها نشأت في الضواحي الباريسية وضواحي المدن الفرنسية الأخرى. عاش بعضها في جو عائلي معقد، وماض نفسي مؤلم، أو ماضٍ يتعلق بقضايا جنائية، وبعضها الآخر غير معروف تمامًا لدى الشرطة. لا يصل مستوى التحصيل الدراسي لقسم كبير منها إلى البكالوريا، لكن معظم أفراد هذا القسم غير خامل ويرتبط بعوامل تحرص على حياتهم وسلامتهم[11].
إن التحاق مغاربة الداخل كما الخارج بالجماعات المتطرفة في بؤر التوتر لا يقتصر على التهديدات التي يطرحها هذا النموذج من «مغاربة داعش»، بل يثير مسؤولية الدولة في التعاطي مع هذه الفئة من مواطنيها وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع مرة ثانية، فالمتابعة القضائية والإجراءات العقابية لا تكفي وحدها لمحاصرة التهديدات الناشئة عن عودة هذه الجماعات إلى بلادها.
خامسًا: انحسار «داعش» والتنافس الجهادي في الساحل
منذ اندحار «داعش» في سورية والعراق برز الساحل الأفريقي بوصفه ساحة جديدة لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية، فقد نقلت تقارير استخباراتية أن عددًا من المقاتلين في صفوف التنظيم تسللوا إلى مناطق الساحل والصحراء وتحديدًا في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو، حيث تنشط أكثر الجماعات تطرفًا رغم كل الجهود الداخلية والدولية المبذولة لمواجهة انتظار طوائف التنظيمات المتطرفة في هذه المنطقة.
في تقرير للمجلة الفرنسية المتخصصة في شؤون الأمن والعلاقات الدولية Conflits بعنوان «الغرب الأفريقي: مخاطر المخدرات والجهاديين»[12]، رصد بصورة مفصلة خمسة دوافع جيوسياسية تعزز مكانة التنظيمات الجهادية داخل هذا المثلث الحدودي في منطقة الساحل.
العامل الأول: انتشار الفقر والهشاشة، حيث تتسم هذه المنطقة بارتفاع معدلات الفقر بين صفوف الساكنة والأمن الغذائي المزمن علاوة على تعرض سكان هذه المنطقة الحدودية لمخاطر بيئية وصحية وأمنية، يغذي هذا الوضع ارتفاع في نسبة الخصوبة (بمعدل ثمانية أطفال للأسرة الواحدة) وحركة هجرة واسعة داخل هذا المثلث الحدودي غير الآمن حيث إن نحو 24 ألف مواطن نزح من شمال مالي نحو الحدود مع بوركينافاسو بينما وصل عدد الذي عبروا الحدود مع النيجر نحو 54 ألف شخصًا.
العامل الثاني: انتشار التهريب، إذ تحولت هذه المنطقة إلى ساحة تجارية لمافيا التهريب الدولي للمخدرات والأسلحة، إذ تستغل الجماعات المتطرفة نشاط هذه الشبكات لتقديم الحماية للسكان نظير ولائهم لها وتعاونهم. وقد شجع انهيار الدولة الليبية شبكات التهريب بالمنطقة الحدودية مع ليبيا على الاتجار في الأسلحة التي سقطت بيد الجهاديين في هذه المناطق بعد إطاحة نظام القذافي بينما تحول جزء آخر من المرتزقة الذين قاتلوا إلى جانب العقيد القذافي إبان الثورة الليبية إلى جهاديين والتحقوا بالجماعات المتطرفة. ومنذ سنة 2020 بدأ الحديث عن منطقة «خليج غينيا» بوصفها بؤرة جديدة لشبكات التهريب الدولي للمخدرات وقطع الأسلحة القادمة من أمريكا اللاتينية نحو أوروبا مرورًا بدول العبور في الساحل.
العامل الثالث: الصراعات الإثنية، فقد استفادت التنظيمات الجهادية من تنامي النزاعات الإثنية في منطقة الساحل، بحيث يعدّ هذا العامل محددًا في عمليات الاستقطاب التي تمارسها هذه التنظيمات وسط الساكنة. يبدو أن هذه الصراعات تقليدية في المنطقة لكن حدتها تزايدت بضغط من النمو الديمغرافي في شمال مالي وسهولة الوصول إلى الأسلحة. شجع هذا الوضع على انتشار الجماعات المسلحة والميليشيات في غياب الدولة التي تخلت عن وظيفتها لمصلحة الجماعات العرقية تدافع عن نفسها ضد إثنيات أخرى.
العامل الرابع: أسباب دينية، فأبرز ما يميز هذه المنطقة الحدودية من الساحل الأفريقي (المثلث الحدودي مالي النيجر وبوركينافاسو) هو انتشار الإسلام. وقد استغلت الجماعات المتطرفة هذا العامل من أجل استقطاب المزيد من المقاتلين، بينما وجدت حركات أخرى أقل تدينًا مثل «حركة تحرير أزاواد» نفسها في مواجهة مزدوجة: الجماعات الجهادية التي انتشرت داخل النفوذ الترابي للحركة، من جهة، والمطالب السياسية التي ترفعها هذه الحركة بغية الحصول على تقرير المصير في علاقتها بالدولة المركزية في مالي من جهة أخرى.
في ظل هذا الوضع الملتبس يمكن التمييز بين الجماعات المسلحة ذات الخصائص الإثنية والمطالب السياسية والترابية مثل «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» (شمال مالي) و«جبهة تحرير مسينا»، والجماعات المسلحة ذات الخصائص المتطرفة والميول الجهادية مثل «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» و«جبهة نصرة الإسلام والمسلمين»، وهي تنظيمات ترتبط بعقد البيعة مع «داعش» بخلاف حركات التحرر الأخرى.
العامل الخامس، فشل الدولة: يمكن القول إن الجماعات المتطرفة في الساحل الأفريقي تتغذى من عوامل انتشار شبكات التهريب والصراعات الإثنية والدينية وتفشي الفقر، وهي كلها مؤشرات تدل على فشل الدولة المركزية في هذه المنطقة من أفريقيا فهي عوامل وليدة انهيار سلطة الدولة وعدم قدرتها على فرض سياساتها وقوانينها فوق كامل ترابها.
تُشبه منطقة الساحل برميل بارود حاضنًا لجماعات إرهابية باقية وتتمدد وغير بعيد من المنطقة المغاربية الحاضرة بقوة في أجندة الأزمات الدولية. فالساحل يعدّ بمنزلة «مجال أمني حيوي» للبلدان المغاربية (المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا)، غير أن هذا المعطى لا ينفي حقيقة تاريخية مفادها أن الجماعات الإرهابية التي ظهرت في منطقة الساحل نهاية التسعينيات، وإن ظل نشاطها محدودًا في البداية، استفادت من البنية التنظيمية والبشرية التي وفرتها، في وقت سابق، الجماعة الإسلامية الجزائرية المقاتلة، التي أخذت بعدًا إقليميًا تحت اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
لقد مثّل الساحل الأفريقي «قاعدة خلفية» للتنظيمات الجهادية في المشرق العربي، وكثيرًا ما وفرت لها الموارد البشرية للقتال في سورية والعراق، مقابل الولاء للتنظيم ومدِّه بالسلاح لتنشيط أدواره في مناطق شاسعة حدودية في الساحل. بعد اندحار «داعش» في البؤر التقليدية تحول الساحل إلى ساحة لـ«التنافس الجهادي» بين الجماعات التي تعلق ظهورها بتنظيم «القاعدة» مثل «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والجماعات التي نشأت مع ظهور «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق». فتحول الساحل إلى مجال للصراع بين الموالين لـ«القاعدة» والموالين لـ«داعش». اليوم يبدو أن هذا التنافس حسم لفائدة «داعش» بالنظر إلى تمدده في المنطقة، حيث نشأ جيل ثالث من الإرهاب، استفاد من وجود مركب أمني سياسي معقد (الدولة الفاشلة). جيل يختلف في نشأته وعقيدته عن «استراتيجيا العدو القريب» التي ميزت عمل «تنظيم القاعدة»، مقابل تبنّيه لاستراتيجيا «إدارة التوحش» كأسلوب ميز عمل «داعش».
لقد فشلت كل محاولات تطويق الأزمة في الساحل ولم تشفع «عسكرة» المنطقة وكل المبادرات الأمنية في الحد من تمدد التنظيمات المتطرفة. وأبرز هذه المبادرات:
– مبادرة دول الساحل الخمس لتأمين المثلث الحدودي: بوركينافاسو تشاد ومالي.
– عملية «برخان» الفرنسية رغم ما تعيشه من مشاكل بعد انسحاب فرنسا من مالي.
– قوات «تاكوبا»: وهي قوات مساعدة للجيش المالي على الأرض.
– مبادرة دول الميدان: وفشلت بسبب سياسة المحاور الذي تحكمت فيها منذ إعلانها مثل استبعاد الجزائر للمغرب من هذه المبادرة.
– القيادة العسكرية «أفريكوم» التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى من خلالها إلى ضم بلدان جديدة إلى «تداريب الأسد الأفريقي» التي تحتضها المملكة المغربية سنويًا في سياق التعاون العسكري المغربي – الأمريكي لمواجهة التهديدات الناشئة في الساحل.
– مبادرة «إسكات البنادق» في أفق سنة 2063 الصادرة عن الاتحاد الأفريقي لمنع الحروب والنزاعات الأهلية وكل أشكال التهديدات الأمنية التقليدية والناشئة عن الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
في المغرب، يمكن قياس هذا التحول الجهادي نحو الساحل الأفريقي في ضوء مؤشر «ارتباطات» الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في المغرب منذ سنة 2020. فكل البلاغات الرسمية التي صدرت من المصالح الأمنية المغربية تشير إلى ارتباط عناصر هذه المجموعات المتطرفة بتنظيمات تستقر في منطقة الساحل. آخر هذه العمليات الأمنية التي تعود إلى آذار/مارس من سنة 2023 حيث برز اسم داعش في الساحل في التحقيقات التي بوشرت على خلفية تفكيك مجموعة إرهابية في عدد من المدن المغربية، إذ «تشير المعلومات الأولية للبحث إلى أن المشتبه فيهم الذين أعلنوا الولاء لتنظيم «داعش» الإرهابي، كانوا يخططون لتنفيذ سلسلة من المشاريع الإرهابية الخطيرة، حيث أعدوا لتحقيق هذا الغرض توضيب عدة محتويات رقمية توثق لمخططاتهم الإرهابية. كما أوضحت الأبحاث والتحريات بأن المشتبه فيهم الموقوفين كانوا يعتزمون الفرار خارج المغرب من أجل الالتحاق بمعسكرات «داعش» في منطقة الساحل بعد تنفيذهم مخططاتهم الإرهابية، بتنسيق ومساعدة من أحد العناصر التابعة لهذا التنظيم الإرهابي[13].
سادسًا: الحلول الممكنة: دراسة مقارنة
في محاولات الإدماج
يرى باحثون في تاريخ حركات الإسلام السياسي أن الظهور المفاجئ للحداثة في الفضاء الإسلامي، بداية من نهاية القرن الثامن عشر أحدث تحولات هيكلية أثارت ردود فعل متناقضة لدى النخب. فإلى جانب التيارات الرافضة لتمثلات التحديث القادمة من بلاد الغرب، «كان كبار الوجوه في التيار الإصلاحي مقتنعين أن السبيل الوحيد لتقويم الإسلام يمر عبر تبني الأفكار والمؤسسات الأوروبية وبخاصة في المجال السياسي»، لكن يبدو أن هذه الأفكار اصطدمت بمقاومة تقليدية/سلفية عطلت كل مشاريع الإصلاح التي تبناها التنويريون الإسلاميون، أمثال عبد الرحمن الكواكبي ومحمد رشيد رضا وغيرهما من الأسماء التي انطلقت من قيم الليبرالية آنذاك.
وكانت نتيجة غلبة التيار التقليدي الرافض لتحديث البنية الدينية داخل المجتمعات، وقد وصلت إلى حد إغلاق باب الاجتهاد في القطعيات كما في الظنيات الدلالة، أن حافظ هذا التيار على نفوذه وقوة جاذبيته داخل المجتمع، وسرعان ما سوف يتنقل من موقع المدافع عن البنية التقليدية للدين إلى مصادرة السلطة، رمزيًا باسم الخلافة، وماديًا بإعلان الدولة الإسلامية نفسها في العراق وسورية.
ضمن هذا التصور التاريخي يمكن فهم الصعوبات التي قد تواجه كل محاولات إعادة تأهيل المقاتلين العائدين من الجبهات، إذ أبانت التجربة الجزائرية مثلًا في استخدام القوة لتطويع «العرب الأفغان» العائدين من الحرب السوفياتية الأفغانية، أن المقاربة الأمنية لا تفي بالغرض. وأن الإفراط في المواجهة يولد الصمود والتحدي في مواجهة «سلطان جائر»، وبذلك فإن تدبير قضية العائدين يجب أن يراهن على تحريرهم أولًا من خرافة الخلافة، وهي معركة فكرية يُفترض أن يكون للفقهاء والعلماء دور مركزي فيها، قبل البحث عن سبل إعادة الإدماج.
يمكن القول إن تشخيصًا دقيقًا وفرديًا لكل حالة، يساهم في وضع كل شخص في الخانة الخاصة به، فالتمييز بين الدوافع المحركة لـ«الجهاد» يساعد على التعاطي السليم مع «شخصية الإرهابي» في مرحلة البحث عن الحل. ونعتقد أنه يمكن الاستئناس بثلاثة أنماط من التشخيص تخص بالأساس حالة الأوروبيين من أصول مغاربية الذين يلتحقون بصفوف «داعش». التشخيص الأول سيكولوجي: يعتمد الاستماع إلى الإرهابي (غالبًا ما يعيش حالة اقتلاع جغرافي بتأثير من التواصل مع الجماعات المتطرفة). والثاني اجتماعي: يتميز بفقدان السيطرة على الابن (مشروع مقاتل) بالنظر إلى طبيعة البناء الأسَري داخل المجتمعات الغربية عمومًا، ثم أخيرًا ديني: وقوع تحول نوعي في فضاءات العبادة في أوروبا فلم تعد المساجد مغاربية وإنما مشرقية، علاوة على «البراغماتية» التي تنهجها «داعش» لتجنيد المترددين مقابل تعويض مالي.
1 – مقاربات دولية في تدبير عودة المجندين
في التعاطي مع الشخصية الإرهابية نعتقد أن التمييز على أساس المستوى المعرفي والاجتماعي والتكوين الدراسي، سيمكن من فهم مدى قدرتهم على التفاعل إيجابًا مع الحلول المقترحة لإعادة الإدماج، فالتعامل مع المقاتلين العائدين بوصهم جماعات وليسوا فرادى، أي يتسم كل واحد منهم بخاصية، أكبر خطأ يمكن أن تقع فيه كل استراتيجية تستهدف إعادة التأهيل. يمكن هنا أن نحيل على الخلاصات التي توصلت إليها دراسات الكاتب الأمريكي مارك سيغمان في الموضوع[14]. يجب فصل الشخصية الجهادية عن الجماعة، فهناك أشخاص يرتبطون بمقولة الموت من أجل القتل، وهؤلاء يمكن تأطيرهم بمنظومة علم الإجرام لأنهم أقرب إلى الجريمة، وفئة ثانية تحمل مقومات مرضية كالانتحار يتجاوزون قلق الموت من طريق التدين والإرهاب، وهؤلاء يمكن التعاطي معهم بمقاربة سيكولوجية، ثم صنف ثالث يهم أشخاصًا يحملون أفكارًا إرهابية ينفذون عملياتهم بقناعة، هؤلاء يمكن مقارعتهم بالفكر.
بعد تمييز الشخصية الجهادية بغية إدارتها كفرد قائم بذاته، خارج الجماعة، يمكن الانتقال إلى طريقة تأهيل وإدماج هذه الشخصية. ونقول منذ البداية إن مواجهة الإرهاب وفق مقاربة إدماجية لا يعني الإعفاء من المتابعة العقابية، لكن يمكن تفعيل هذه المقاربة في مرحلة لاحقة لتطبيق القانون.
في هذا السياق يمكن عرض تجارب أربع مدارس غربية في مقاربة عملية إعادة إدماج العائدين من صفوف التنظيمات الإرهابية، مع ملاحظة أن مختلف هذه المقاربات تعتمد خطة استباقية. ركزت التجربة الهولندية (النموذج الأول) على ما يسمى الأمن العائلي في الأحياء والدوائر الانتخابية ومراقبة حالات الفشل الدراسي وممكنات علاقته بالانحراف، وصولًا إلى احتضان الأسرة والحي والمجتمع المدني لبعض القاصرين العائدين من بؤر التوتر. في النموذج الألماني، أطلقت السلطات مشروعًا حكوميًا يتألف من برنامجين، الأول باسم «حياة ديمقراطية» ترعاه الحكومة، ويقوم على إحداث 16 مركزًا للديمقراطية في مختلف الولايات الكبرى للبلاد. بينما يهم النموذج الثاني «التماسك المجتمعي من خلال المشاركة»، تشرف عليه وزارة الداخلية ويقوم على تنفيذ برامج وقائية ضد الكراهية وتقديم الاستشارة لضحايا العنف الصادر عن التطرف وللأفراد الراغبين في التخلي الطوعي عن انتماءاتهم المتطرفة.
أما في خصوص التجربة البريطانية (النموذج الثالث) فهي تأخذ في الحسبان البعد الأمني والحقوقي في تدبير الظاهرة، ومع ذلك تبنَّت الحكومة البريطانية سنة 2015 استراتيجية جديدة تقوم على بناء «مجتمعات محلية أكثر تكاملًا»، وتشمل الخطة قياس مدى فاعليتها في إبعاد الأشخاص عن التطرف وتراجع معدلات سفر البريطانيين للقتال في صفوف «داعش». وتشمل الإجراءات إعادة النظر في عمل المؤسسات ذات الولوج العمومي، مثل المدارس والجامعات والمجالس المحلية والهيئات الخدماتية لتحصينها من التطرف، وحظر مشاركة الأفراد في الأنشطة المتطرفة أو إبداء سلوكات مشابهة لها وإغلاق الفضاءات التي تروج لأفكار متطرفة، إضافة إلى إبعاد كل شخص، كان موضوع اتهام بممارسة نشاط متطرف سابقًا، من الاقتراب من الأطفال أو الفئات التي يسهل التأثير فيها.
لقد أكدت المقاربة الجنائية (العقابية) أن سجن غوانتنامو تحول إلى أكاديمية لتفريخ الإرهاب، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى انتهاج سياسة تدريب الأمريكيين على الصمود (النموذج الرابع)، إذ أدى هذا التصور القائم على إبقاء التعبئة الدائمة بالمخاطر الإرهابية واحتمالات حدوثها، إلى إحداث حالة من التطبيع مع التهديدات الأمنية المحتملة والناشئة.
2 – في الحالة المغربية
مع بدء عودة «مغاربة داعش» تثار الكثير من الأسئلة في شأن وجود استراتيجية لإعادة إدماجهم. في الحالة المغربية تتم المزاوجة بين المقاربتين الأمنية والقضائية، مع محاولات إعادة التأهيل والإدماج بفتح حوار مع المعتقلين لدفعهم إلى مراجعة أفكارهم وسلوكاتهم المتطرفة.
في محاولة تقييم تجربة التشريع الأمني في مجال مكافحة الإرهاب بالمغرب، يمكن القول إيجابيًا إن السلطة استطاعت أن تعتمد مقاربة قضائية تؤطرها نصوص تشريعية مواكبة لتطور الجريمة الإرهابية وما أفرزته من تمثلات جديدة كان لزومًا تجريمها من قبيل تجريم التنقل إلى بؤر التوتر ومعاقبة الدعاية للأعمال الإرهابية والإشادة بها. وقد أظهرت التجربة المغربية أن الدولة استبقت الزجر بمقاربة وقائية قضائية، غير أن ما يؤخذ على التجربة «بعض الخلط الذي وقع فيه المشرِّع أثناء صوغه لنصوص قانونية كان الغرض منها مكافحة الإرهاب، فتحولت إلى أداة للتضييق على الحريات وحتى على الوعظ والإرشاد»[15].
في البداية نهجت السلطات المغربية استراتيجية لتحسين ظروف اعتقال المجموعات المتابعة بموجب قانون الإرهاب، من خلال السماح لهم بمتابعة دراستهم من داخل أسوار السجن، والتواصل الدائم مع علماء دين وحقوقيين، ممثلين أساسًا في أعضاء من المجلس العلمي الأعلى والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتنظيم جلسات حوار مباشر لاختبار مدى جاهزية المعتقلين لمراجعات فقهية وفكرية كمقدمة لبناء الثقة.
فالدولة التي جربت، في وقت سابق، إطلاق سراح ما كان يسمى «شيوخ السلفية الجهادية»، لم تغامر باتخاذ خطوات مماثلة تشمل مريديهم داخل السجون، بل اكتفت بالعفو عن رموز السلفية وسعت إلى إدماجهم في الحياة السياسية عبر أحزاب سياسية تحتضن اليوم بعض أقطاب التيار السلفي في المغرب، الذي كان متهمًا بعد الأحداث الإرهابية في الدار البيضاء في 16 أيار/مايو 2003، بتقديم الدعم المعنوي والترويج لأفكار متطرفة داخل المساجد استمالت الشباب ودفعتهم إلى العنف.
في المقابل، يغيب في التعاطي مع عودة «مغاربة داعش» فعل الاحتضان الاجتماعي (كما هي الحال في التجارب الغربية). ورغم تغليب المقاربة الأمنية الاستباقية والعقابية فإن السياسات العمومية التي سلكتها الدولة لمحاصرة الإرهاب تستهدف التقليل من أثر الدوافع الاقتصادية، الفقر والهشاشة والبطالة، بوصفها عناصر محفزة، لكن هذه السياسات لا تقدم أجوبة لمرحلة ما بعد «الفعل الإرهابي». وقد أبانت محاضر التحقيقات الأمنية مع الفاعلين في الهجمات الإرهابية التي عاودت ضرب أحياء بمدينة الدار البيضاء في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من سنة 2007، أنه من بين المنفذين شخص يدعى ع. الرايضي سبق أن سُجن بتهمة المشاركة في الأحداث الإرهابية لـ 16 أيار/مايو 2003، وهو ما يعني أن العقوبة لم تقتلع الفكر المتطرف.
لاحقًا، سوف تنهج السلطات المغربية استراتيجية تحرير العقول، من خلال حملات تواصلية وعبر توزيع كتيّبات تعيد تصحيح مجموعة من المفاهيم الأساسية في «الفكر الإرهابي»، وقد جُيّش لهذا الغرض العلماء والفقهاء فـ«قدموا تحليلًا شرعيًا للمفردات العشر التي يستند إليها الإرهاب وهي: «الجاهلية» و«الخروج عن الإجماع» و«الحاكمية» و«اللامذهبية» و«السلفية» و«الولاء والبراء» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و«التكفير» و«الشورى» و«الجهاد»، وهكذا بيّنوا بالدليل الشرعي، في أعمال ندوة منشورة لهم عام 2007، أن الإرهاب ليس له دليل في الدين، وأن كل من أعلن الإسلام باللسان لا يمكن أن يوصف بالجاهلية، وأن تدبير الحكم منظور فيه إلى المقاصد لا إلى التسميات، وأن مصطلح «الحاكمية» محدث في الدين، وأن فكرة الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة مخالفة لأصول أهل السنة، وأن القول باللامذهبية يراد به خلق فراغ لاستغلال مغرض، وأن مصطلح «السلفية» صار يستعمل خطأ لهدم كثير مما بناه المسلمون باجتهاداتهم من آفاق الاكتمال الإنساني، وأن مفهوم «الولاء والبراء» الذي يحض في الأصل على التضامن، قد حرِّف ليصبح مدعاة للفتنة والاقتتال، وأن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لا يصح أن يقام به إلا وفق قواعده، وأن تكفير الناطق بالتوحيد محرم بنصوص قطعية، وأن «الجهاد» له في الشريعة ضوابطه وقواعده وأحكامه، وهو ما يتنافى قطعًا مع سلوك الإرهاب[16].
خلاصة
إن فهم آليات عمل المنظمات الإرهابية هو مقدمة آمنة لمواجهة التهديدات الناشئة عن عودة المقاتلين العرب لدى «داعش»، فالتمرين الحقيقي الذي يواجه تدبير هذه التهديدات، هو قدرتها على اختبار مقاربات سوسيولوجية في التعاطي مع «الشخصية الإرهابية»، بعد أن أظهرت المقاربة الأمنية/ القضائية نفادها.
لقد أفرزت الانتقالات التي وقعت بين «القاعدة» و«داعش» ما يمكن أن نسميه «عولمة» للتهديدات الأمنية الناشئة، فالأمر يتعلق بمجموعات بشرية من جنسيات ولغات مختلفة تم تجنيدها للقتال من أجل فكرة الخلافة. يؤكد هذا الاختلاف أنه لم يعد كافيًا التركيز على العامل الديني وحده في تفسير ظاهرة التجنيد، بل إن مبادرات إعادة الإدماج واعتماد تعاقدات ميكرو اجتماعية (في الأسرة والحي) وماكرو اجتماعية (إصلاحات كبرى) في بلدان أوروبا الشمالية، ساهمت في التقليل من خطر التجنيد الإرهابي، حيث يتم التركيز على إعادة التأهيل وليس على العقيدة، إذ ذهبت بعض الدراسات السيكولوجية، في فرنسا مثلًا، إلى حد توصيف الظاهرة بكونها تعبيرًا عن «تمرد إسلامي» لا يختلف كثيرًا عن الأساليب التي اعتمدتها سائر الأيديولوجيات المتمردة في العالم من أجل بناء مجتمع آخر.
أظهرت الحالة المغربية نجاعة المقاربة الأمنية وفاعلية الـ«بارادايم» المحلي الذي يزاوج بين القضائي والأمني، وإذا كانت المقاربة الاستخباراتية التي نهجها المغرب للتصدي للتهديدات الإرهابية نجحت في الحد من الأخطار، فإن التعاطي مع نزوح «مغاربة داعش» إلى المملكة يثير الكثير من القلق، ولا سيما أن المعطيات الأمنية تشير إلى أن أفرادًا بدأوا في العودة فعلًا وربطوا اتصالات بعائلاتهم لهذا الغرض، لكنها عودة غير آمنة بالنظر إلى أن هؤلاء المجندين تلقوا تداريب عسكرية و«دورات شرعية»، كما أن بعضهم (موجود حاليًا في السجون العراقية) كان مشروع انتحاري قبل أن يتراجع عن التنفيذ.
إن تشخيص عمل المنظمات الإرهابية يساهم بدوره في بلورة السبل الكفيلة بإعادة إدماج العائدين من القتال، وهو عمل لا يمكن أن يقتصر على الوظيفة الأمنية وحدها، بل يجب أن يسهم فيها المفكرون والعلماء من أجل تفكيك البنى الفكرية لصناعة الإرهاب، فقد أفرزت التجارب المقارنة سياسات وطنية مختلفة في التعاطي مع «الشخصية الإرهابية»، سواء عبر التدخل الاستباقي الوقائي أو العمليات الأمنية الزجرية.
بصرف النظر عن المقاربات الأمنية في التعاطي مع «العائدين من داعش» وكذا مناهج إعادة الإدماج داخل المجتمع، تبقى ظاهرة الرجوع من «دولة الحق» إلى «دولة القانون» تحولًا يحمل في طياته مخاطر العودة بما يضمره من تهديدات ناشئة ذات طبيعة أمنية واجتماعية واقتصادية يرتبط منسوبها بمدى القدرة على الاندماج داخل المجتمع. ولعل هذه المخاوف مشروعة وتجد تفسيراتها في المشاريع الإرهابية التي تحملها هذه العودة.
إن أبرز المخاطر الأمنية التي يحملها «العائدون من داعش»، تكمن في انخراطهم في عمليات القتل ضمن كيانات مصنفة دوليًا جماعة إرهابية، ولا تملك الدول أية ضمانة حول حقيقة مراجعات فكرية وعقائدية صريحة ومعلَنَة تفيد بتراجع هؤلاء «المقاتلين العائدين» عن قناعاتهم وأفكارهم التي دفعتهم إلى الالتحاق ببؤر التوتر والقتال في صفوف هذه التنظيمات الإرهابية. كما أن هناك خطرًا جديدًا يهم عشرات الأطفال الذين نشأوا في بيئة عنيفة ومتطرفة داخل مراكز التجنيد لدى «داعش»، وهذا ما يجعل فُرص المراجعة شبه منعدمة.
لقد أظهرت تقارير دولية[17] أن سيناريوهات العودة إلى التطرف واردة على نحو لافت للنظر، وأن هناك إحصاءات لمجموعات إرهابية جديدة تتبع تنظيم «داعش» أخذت في التناسل من قبيل «فرقة الغرباء» (فرنسا) و«شام الملاحم» (بلجيكا وهولندا)، و«جيش المهاجرين والأنصار» بمناطق شمال القوقاز في روسيا و«حركة شام الإسلام» في المغرب العربي، و«جند الشام» في لبنان، اعتمدت في ظهورها أساسًا على علاقات وروابط نشأت وقت قتال مؤسسيها في صفوف تنظيم «داعش» ببؤر التوتر التقليدية في المشرق.
كتب ذات صلة:
المصادر:
نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 551 في كانون الثاني/يناير 2025.
إحسان الحافظي: أستاذ القانون والدراسات الأمنية في كلية الحقوق جامعة الحسن الأول – المغرب.
[1] أوليفييه روا، الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة، ترجمة صالح الأشمر، ط 3 (بيروت: دار الساقي، 2015) ص 187.
[2] المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لحماية التراب الوطني (جهاز مخابرات مدنية).
[3] ديفيد أوماند، جيمي بارتلت وكارل ميلر، استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي، دراسات عالمية؛ العدد 125 (أبو ظبي: منشورات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2014)، ص 10.
[4] المصدر نفسه، ص 14.
[5] ماهر فرغلي، «العائدون من «داعش»: التصنيف والمخاطر والإدماج،» مركز الإمارات للسياسات، 19 تشرين الأول/أكتوبر 2020)، <https://tinyurl.com/kmduchpj>.
[6] حسن طارق وإحسان الحافظي، «الإرهاب والقانون: التشريع الأمني المغربي لمكافحة الإرهاب: استراتيجيات متقاطعة،» سياسات عربية، العدد 20 (2016)، ص 13.
[7] فرغلي، المصدر نفسه.
[8] وليد كاصد الزيدي، الإسلاموية المتطرفة في أوروبا: دراسة في حالة الجهاديين الفرنسيين في الشرق الأوسط (بيروت: منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 43.
[9] طارق والحافظي، المصدر نفسه، ص 16.
[10] الزيدي، المصدر نفسه، ص 43.
[11] المصدر نفسه، ص 106.
[12] «Afrique de l’Ouest, le péril narco-djihadiste,» Conflits, no. 34 (juillet-août 2021).
[13] شوهد على رابط موقع «البوابة الوطنية الرسمية للمملكة المغربية» <https://www.maroc.ma/ar>.
[14] نحيل على كتابات مارك سيغمان حول «إساءة فهم الإرهاب، نظرة مقربة إلى الجهاد الجديد» (2017). و«فهم شبكات الإرهاب» (2003).
[15] طارق والحافظي، «الإرهاب والقانون: التشريع الأمني المغربي لمكافحة الإرهاب: استراتيجيات متقاطعة،» ص 16.
[16] راجع نص الكلمة التي ألقاها وزير الشؤون الإسلامية المغربي في جلسة بالأمم المتحدة نظّمتها لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2014. النص الكامل على موقع الوزارة <http://www.habous.gov.ma>.
[17] فرغلي، «العائدون من «داعش»: التصنيف والمخاطر والإدماج».
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.