المؤلف: هانك جونستون
ترجمة: أحمد زايد
مراجعة: خالد التزاني[1]
الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة
سنة النشر: 2018
عدد الصفحات: 305
أولاً: قراءة في مضامين الكتاب
كتاب الدول والحركات الاجتماعية هو كتاب مهم، يسلط الضوء على علاقة الدول بالحركات الاجتماعية، واستخدامها في الصراع الدولي.
المؤلف هانك جونسون، أستاذ مساعد في جامعة سان دييغو، له عدد كبير من المؤلفات، يدور معظمها حول الحركات الاجتماعية والعلاقات المعقدة بين البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أما الأستاذ أحمد زايد، فهو مترجم وأستاذ علم الاجتماع السياسي فى جامعة القاهرة، وله مؤلفات عديدة أهمها: خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري، والخطاب الديني المعاصر، وتناقضات الحداثة في مصر، كما أن له عدداً كبيراً من الترجمات منها: الطريق الثالث، والمجال العام: الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام، وموسوعة علم الاجتماع، وهو حاصل على جائزة الدولة التقديرية، وجائزة جامعة القاهرة للتميز العلمي.
يتكوّن الكتاب من ستة فصول، موزعة على 305 صفحات، وقد عنونها المؤلف كالتالي: الدولة والاحتجاج والحركات الاجتماعية؛ الاحتجاج في الديمقراطيات المعاصرة؛ مجتمع الحركات الاجتماعية؛ الدول القمعية والاحتجاج؛ الثورة والدول؛ العولمة والاحتجاج والدولة.
يقدم الكتاب منظوراً جديداً في علم الاجتماع السياسي لدراسة العلاقة بين الحركات الاجتماعية وأنظمة الدولة، فالحركات الاجتماعية لا تشكل كيانات مستقلة تناوئ الدولة من الخارج، لكنها جزء من عملية سياسة تفاعلية بين الدولة والمجتمع، وتتحدد هذه العملية، وتتغير مضامينها، وفقاً لما تتمتع به الدولة من قدرة على إنفاذ مبدأ العدالة والمساواة والمواطنة والحماية والاستجابة لمطالب وحاجات المواطنين، وقد قدم الكتاب – بعد وضع الأسس النظرية والمنهجية لدراسة الحركات الاجتماعية في ضوء هذا المنظور الجديد – تحليـلاً مستفيضاً لطبيعة الحركات الاجتماعية، وجدالها السياسي في مختلف النظم السياسية، كما عرض لنظريات الثورة، والدروس المستفادة من الدراسة المقارنة للثورات.
يستهل المؤلف كتابه، بتوضيح أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات، قد تعتبر من قبل معظم علماء العلوم الاجتماعية الذين يدرسونها، جزءاً لا يتجزأ من الممارسة السياسية، فالناس لا يعتمدون هذه الأيام على الأحزاب السياسية والانتخابية فقط لكي يعبروا عن تفصيلاتهم، ولكنهم يلجأون أيضاً إلى الاحتجاجات والتظاهرات، وحملات جمع التوقيعات، والمسيرات والتنظيمات، التي تعبّر عن مطالبهم في التغير الاجتماعي، وتعَدّ كل تلك الأساليب مهمة لتأكيد المصالح والدفاع عنها في السياسة المعاصرة، وذلك هو الموضوع الأساسي الذي يطرحه الكتاب، بمعنى أن الحركات الاجتماعية هي سياسة يقوم بها الناس وليست سياسة النخب فقط.
يلاحظ أن هذا المفهوم قد برز في سياق تاريخي معين، رافقه وجود نظم حزبية، وسعي لتمثيل مصالح معينة مع وجود نظم اقتصادية وثقافية في الدول الرأسمالية المتقدمة. بعبارة أخرى، أخذ هذا المفهوم في البروز في سياق تاريخي معين، اتسم بمجموعة من السمات القيِّمة، التي يمكن اختصارها حسب الكاتب في:
– الاتساع الكبير لدور الدولة في تلك المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.
– فقدان النظام الحزبي القدرة على تقديم بديل حقيقي للتغير السياسي والاجتماعي في هذه المجتمعات.
– تمثيل المصالح في هذه المجتمعات أصبح يتسم بالإدماجية، أي أن التعبير عن المصالح يتم عن طريق ممثلين معتمدين بعينهم لعدد من القوى الاجتماعية.
والواقع أن الفكر السياسي عرف مفهوم المجتمع المدني منذ القرن الثامن عشر، وبالنظر إلى ما يتميز به المفهوم من قِدم، تفاوت تعريفه بحسب المدارس الفكرية التي تناولته، حيث كانت المدرسة الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي، من أوائل المدارس التي تعرضت لذلك المفهوم، وبعدها جاءت المدرسة الهيغلية وتلتها المدرسة الماركسية، وذلك إلى جانب كتابات المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي. وقد خلصت تلك المدارس في النهاية إلى أن المجتمع المدني هو ذلك القسم من النشاط الإنساني الخارج عن إطار الدولة، ولا يخضع لسيطرتها؛ فهو مجال الحرية والعمل المستقل للمواطنين في المجتمع، والمجتمع المدني يختلف عن المجتمع الطبيعي، فهو لا يقوم على مجرد الروابط الأولية بين الأفراد، لكنه يقوم على أساس روابط من نوع جديد لم تكن موجودة في المجتمع الطبيعي. فالمجتمع المدني لا يمكن أن يقوم على الانتماءات العرقية أو الإثنية أو الدينية، ولكن يمكن أن تكون هذه الانتماءات أحد العناصر المكوّنة للمجتمع المدني، وهذا إذا ما اكتسبت صورة جديدة تتمثل بالتنظيم الاختياري على الأقل من ناحية المبدأ.
هنا تبرز الحركات الاجتماعية وعلاقتها بالدولة، حيث أصبح للحركات الاجتماعية دور بارز في السياسة في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أنها قد تكون لها فرص أفضل للنجاح في ظل الديمقراطية. ففي ظل نظام العولمة توافرت الفرص للمجموعات التي تعيش في ظل الدكتاتوريات للضغط على حكوماتها. فدمقرطة الاتصالات ووسائل الإعلام على حد سواء، سهلت على الأفراد العمل المشترك لتحقيق مصالحهم المتماثلة، فضـلاً عن إعطائهم مزيداً من الحرية في تحركاتهم لنشر رسالتهم وتوليد الضغط للعمل.
أصبح موضوع الحركات الاجتماعية يؤلف جزءاً أساسياً في الدراسات المتعلقة بالسياسات العامة في كل أنحاء العالم، وإن كانت هذه الدراسات أكثر تقدماً في المجتمعات الديمقراطية عنها في المجتمعات الشمولية التي تسودها النظم الاستبدادية، وذلك بفضل سهولة التواصل وتبادل الأفكار والحصول على المعلومات، والتعرف إلى الحركات المماثلة في الدول الأخرى، وهو ما يتيح إمكان التنسيق بينها على نطاق واسع، ويجعلها بالتالي أكثر فعالية وتأثيراً.
يذهب المؤلف إلى أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات تظهر داخل أنساق الدولة، وتستهدف في الغالب سلطات الدولة التي تعمل على إحداث التغيرات والإصلاحات التي تجيب عن مطالب المحتجين؛ فبإمكان المحتجين أحياناً أن يتحدّوا المؤسسات التي لا تنتمي إلى الدولة، مثل إدارات الجامعات أو المنظمات الدينية، ولكن الأغلبية العظمى من الاحتجاجات الاجتماعية والحركات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، جعلت من الدولة هدفاً، ومن هذا المنطلق يأتي التبرير الأساسي لنشر هذا الكتاب. فالحركات الاجتماعية لا تشكل كيانات مستقلة تناوئ الدولة من الخارج، لكنها جزء من عملية سياسة تفاعلية بين الدولة والمجتمع. وتتحدد هذه العملية، وتتغير مضامينها، وفقاً لما تتمتع به الدولة من قدرة على تنفيذ مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة والحماية، والاستجابة لمطالب وحاجات المواطنين.
يعطي الكتاب أيضاً تحليـلاً مستفيضاً لطبيعة الحركات الاجتماعية، وجدالها السياسي في مختلف النظم السياسية، مع عرض لنظريات الثورة، والدروس المستفادة من الدراسة المقارنة للثورات، ولم يكن لهذا التحليل أن ينفصل عن عمليات أكبر على المستوى العالمي؛ فلقد أدّت الحركات الاجتماعية دوراً محورياً في توسيع مدى مفهوم الديمقراطية ليشمل المنافسة بين الأحزاب السياسة والفواعل المختلفة، وذلك ليصب في النهاية في مصلحة المواطنين، في حين أن الحركات الاجتماعية الجديدة ما هي إلا حركات تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية، في كونها لا تستهدف أساساً الوصول إلى السلطة، وإنما سعيها الحثيث يرمي إلى ترجمة عدد من القيم إلى واقع اجتماعي.
ثانياً: الجانب النقدي في الكتاب
على الرغم من أهمية الحركات الاجتماعية في الوقت الراهن، وكما تطرق إليها المؤلف، إلا أن دراستها تحتل جانباً هامشياً داخل العلوم السياسية، وذلك تحت مبرر أن هذه الحركات لم تكن في الماضي أحد الفواعل الجوهرية والمؤثرة في السياسة. كما أن هذه الحركات الاجتماعية تواجه في الوقت الراهن مشكلة كبرى تتمثل بعدم قدرتها على بلورة استراتيجية سياسية، تمكنها من التحول إلى أحزاب سياسية، وتكفل أن يكون لها تأثير كبير في أجهزة السلطة، مع احتفاظها بقيمها ومبادئها الأساسية. كما أن هذه الحركات الاجتماعية ترفض أن تنظم أعضاءها على نحو شديد كما يجرى في جماعات المصالح من نقابات مهنية أو عمالية، يضاف إلى ذلك أن هذه الحركات كلها تقع خارج إطار السياسة المنظمة، سواء في ذلك الأحزاب السياسية أو أجهزة الدولة.
وفي العلاقة بين الدولة وهذه الحركات الاجتماعية، وبخاصة المجتمع المدني، هناك حالتان أساسيتان لا يمكن القفز فوقهما، وتتلخصان في إمكان أن يكون المجتمع المدني مسانداً للدولة أو معارضاً لها. ففي الحالة الأولى، يمثل المجتمع المدني مصدر الشرعية، عبر مشاركة منظماته وفئاته الاجتماعية المختلفة في صنع القرار، أما الحالة الثانية التي تتصدى الدولة بجهازها ومؤسساتها القمعية لكل أشكال الاضطراب والثورة، تبدو الدولة وكأن المجتمع هو الذي وجد من أجلها لا العكس، حيث تلاحقت التجمعات والتنظيمات المدنية بشتى وسائل الرقابة والقرارات التي تأخذ في النهاية صيغة حقوقية شرعية هي القوانين والأوامر. بهذا المعنى يقول عالم الاجتماع ماكس فيبر: «الدولة هي احتكار العنف الجسدي المشروع»، والدولة بهذا المعنى أداة تنظيم تنطوي على ثنائية السلطة والجهاز. نلاحظ مما سبق تداخل وتفاعل الدولة والمجتمع المدني عبر توافقهما تارة وعبر تعارضهما تارة أخرى؛ فالدولة تنظم تعاملات الأفراد من خلال القوانين والقواعد، كما أن المصالح الخاصة يمكن أن تخترق نظام الدولة وتحتل وظائف معينة فيها.
وعلى الرغم من عدم التغلب على هذا التحديات، إلا أن هذه الحركات ما زالت قائمة كعنصر أساسي في الحياة السياسية في العديد من المجتمعات، فقد شغلت ظاهرة الحركات الاجتماعية اهتماماً بالغاً في الآونة الأخيرة من قبل الأكاديمين والباحثين، نظراً إلى طبيعة الدور الذي باتت تؤديه الحركات الاجتماعية في عالمنا العربي على وجه الخصوص، ونجد أن التجربة العملية لعدد من هذه الحركات أثبتت مدى قدرتها على التأثير داخل المجتمع بما لديه من رؤى وأدوات، استطاعت من خلالها أن تكون فاعلة على الساحة السياسية، وبرز دورها في عدد من المواقف التي اتخذتها الحركات الاجتماعية. وقد أظهرت أحداث الربيع العربي وما رافقه من احتجاجات شعبية عنيفة، بداية من كانون الأول/ديسمبر 2010، التي أسفرت عن سقوط عدد من الأنظمة الحاكمة منذ عقود طويلة، بروز دور الحركات الاجتماعية وديناميتها.
المصادر:
(*) نُشرت هذه المراجعة في مجلة المستقبل العربي العدد 477 في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
[1] خالد التزاني: طالب باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية الاجتماعية، فاس – المغرب.
البريد الإلكتروني: kahlidsalima@gmail.com
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.