مقدمة

تشن «إسرائيل» حربًا ثقافية شعواء على العراق بعد الانتصار الكبير على تنظيم داعش الإرهابي عام 2017، حيث فشل مخطط تقسيم العراق إلى ثلاثة كانتونات عرقية وطائفية (كردية – سنية – شيعية) وهو في الأصل خطة إسرائيلية بشّر بها الصحافي الإسرائيلي عوديد ينون عام 1981 في إطار مخطط إسرائيلي لتفتيت المنطقة العربية ومن ضمنها العراق إلى دويلات مجهرية، وجهوية لإطباق الهيمنة الإسرائيلية على الوطن العربي. وبقدر تعلق الأمر بالعراق فقد سارت «إسرائيل» وفق خطين متوازيين: الأول، استخدام القوة الصلبة (العسكرية) ضد أهداف عسكرية عراقية تابعة للأطراف العراقية المناوئة لها «الحشد الشعبي» ومن يسانده الذي لا يخفي عداءه لـ«إسرائيل»، بالتوازي مع تفعيل محاولات التطبيع المصطنع مع الدولة أو الشعب العراقي، وبالخصوص مع المكوّن الكردي، «الحليف التاريخي» للكيان الإسرائيلي، بغية «تفادي سقوط هذا البلد في يد إيران والجماعات الموالية لها، وتحوّله إلى طرف فاعل في محور المقاومة الذي يهدف إلى تدمير إسرائيل». وقد أنشأت «إسرائيل» في 6 أيار/مايو 2018 صفحة على الفيسبوك باسم «إسرائيل باللهجة العراقية» مستغلة حالات الفوضى، والانفلات الأمني من أجل بث دعايتها السياسية السامة، وهي بمنزلة العربية من اليهود العراقيين والعرب، حيث يتم تداول كلمات من باب التكرار مثلًا كلمة «سلام» باللغة العربية، و«شالوم» باللغة العبرية لها، ونشر الحفلات الموسيقية من التراث العراقي كحفلات المقام العراقي، وحفلات مطربين عراقيين مشهورين مثل ناظم الغزالي وعفيفة اسكندر وغيرهما، فضلًا عن عرض كيفية صنع أشهر المأكولات العراقية كالكبّة الموصلية، و«الدولمة»، أي ورق العنب الملفوف، والحلويات العراقية، مثل «الكليجة» و«البقلاوة» التي يتم تناولها في الأعياد، وإظهار المقاهي العراقية في المدن الإسرائيلية التي يرتادها يهود عراقيون هاجروا منذ خمسينيات القرن المنصرم، وعرضهم في فيديوهات قصصية يتكلمون على ذكرياتهم في العراق، وبخاصة في الأحياء البغدادية القديمة، من أجل استثارة الميول العاطفية للعراقيين في العراق، وخلق صلة وصل روحية مع أقرانهم من اليهود العراقيين المقيمين في المدن الإسرائيلية، والتحرك على الشباب العراقيين الذين يعانون البطالة والعوز المادي، مع إبداء المشرفين على «الصفحة الإسرائيلية» تعاطفهم معهم، وتحريضهم على الهجرة إلى «إسرائيل» وإغرائهم بأنهم سيلقون كل العناية، وفرص العمل، والتسلية، والترفيه داخل المدن الإسرائيلية، وبخاصة التي يوجد فيها عراقيون وفق محتوى ناعم أو ما يسمى «القوة الناعمة» لكسب القلوب، والعقول، لإنشاء بيئة خصبة، وأرضًا مناسبة في تقبل التطبيع مع «إسرائيل» في المستقبل المنظور.

أولًا: طبيعة الحرب الثقافية الإسرائيلية

تمتاز الحرب الثقافية الإسرائيلية تجاه العراق بعدد من المميزات كالآتي:

1 – التعاطف مع العراقيين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي

حاولت «إسرائيل» أن تقترب من العراق بعد عام 2018، إذ أنشأت صفحة باللغة العربية في الفيسبوك وتويتر عدّتها بمنزلة «السفارة الرقمية»، تسمى «إسرائيل باللهجة العراقية» في 6 أيار/مايو من العام نفسه، وقد توجَّه خطابها إلى المجتمع العراقي مركزًا على تفاصيل دقيقة من حياة العراقيين اليومية في الساحة العراقية. وقالت الصفحة في تغريدة على تويتر «إن هذه الخطوة تهدف إلى خلق تواصل، وحوار مثمر بين الشعبين الإسرائيلي والعراقي، وإظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل». وتبعًا لذلك لا يوجد ما يثير الاستغراب أن نعثر على منشور في الصفحة نفسها بعد حدوث عملية انتحارية (سيارة مفخخة انفجرت في العاصمة بغداد) يقول: «إسرائيل تعبّر عن أساها، وصدمتها لسقوط قتلى أبرياء في عمليات إرهابية، وتأمل أن يعود الهدوء والاستقرار إلى العراق، وتمد يدها إلى جميع جيرانها، وتتمنى ظروفًا تسمح بإقامة علاقات طبيعية معها لمصلحة شعوب المنطقة». إضافة إلى ذلك أنشأت «إسرائيل» مجموعة فيسبوك باللغة العبرية تسمى «الحفاظ على اللغة العراقية» تتألف من 50 ألف عضو مقسمين، يسكن بعضهم في العراق، والبعض الآخر من العراقيين القاطنين في الخارج[2].

2 – خلق خطاب ثقافي عراقي إيجابي تجاه إسرائيل

ساهمت «إسرائيل» من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخ استعمال مفردة «إسرائيل» بدلًا من «الكيان الصهيوني» في الكثير من الأدبيات العراقية، واستخدام «دولة إسرائيل» في الخطابات السياسية وبخاصة بعد التطبيع الأخير مع مملكة البحرين، ودولة الإمارات في آب/أغسطس 2020 [3].

3 – إنشاء صفحات إلكترونية إسرائيلية للتواصل مع الجمهور العراقي

يؤكد الإسرائيليون أن التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع الجمهور العراقي أصبح أمرًا روتينيًا، وهي تعرض فيديوهات عن يهود العراق، وعن إنتاج فيلم سينمائي طويل حول ما يسمى «الفرهود» باللهجة العراقية، وهو يتناول تلك الحادثة وما تعرض له يهود بغداد من ترويع واستيلاء على ممتلكاتهم العقارية والتجارية. وقد ظهر الفيلم باسم «راح طيّر حمام» ويتكلم على أحوال الطائفة اليهودية في بغداد في الخمسينيات من القرن المنصرم، حيث هاجر ما يقرب من 130 ألف يهودي عراقي إلى «إسرائيل». شارك في تصوير الفيلم ممثلون إسرائيليون من أصول عراقية وآخرون هاجرت عوائلهم إلى «إسرائيل» في وقت سابق[4].

4 – تحبيب الحياة في إسرائيل من جانب العراقيين

تدعو صفحة «إسرائيل باللهجة العراقية» العراقيين في الداخل العراقي إلى الهجرة إلى «إسرائيل» للعمل، والإقامة، والعيش هناك؛ مستغلة الواقع الاقتصادي الضعيف في العراق، وانتشار البطالة بين صفوف الشباب وتحاول تقديم بعض القصص عن اليهود العراقيين الذين هاجروا إليها منذ 50 عامًا، وأنشأوا لهم محالَّ ومطاعم لتقديم الأكلات العراقية الشعبية، والموسيقى التراثية كـ«المقام العراقي»، على أنغام فرقة موسيقية عراقية تسمى «الجالغي البغدادي» الذي يتألف من عدد من العازفين على آلات موسيقية معينة وهي السنطور والجوزة، والطبلة، والرق، والنقارة، وهذا ما ينطبق على اليهودي العراقي الذي سمَّته الصفحة الإسرائيلية «سعيد» الذي أنشأ مطعمًا للأكلات العراقية الشعبية في مدينة «أور يهودا» الإسرائيلية التي تكتظ بيهود العراق. تصف الصفحة الإسرائيلية مطعم سعيد بالقول «استضاف سعيد في هذا المطعم شخصيات سياسية مرموقة من إسرائيل وخارجها بما فيها وزراء وأعضاء كنيست وشخصيات من الوطن العربي وفنانون عرب ويهود حيث يشتهر المطعم بالحفلات الغنائية التي يقيمها منذ سنوات كل نهاية أسبوع يتصدرها الفنان العراقي ويشهد له الكثير من معارفه أنه نجح في اختراق الوعي الإسرائيلي بكل ما يتعلق من الموسيقى العراقية والعربية على حد سواء»[5].

5 – إثارة الجمهور العراقي عبر أحياء الفولكلور العراقي في إسرائيل

تنشر الصفحات الإلكترونية الإسرائيلية الموجّهة للعراقيين نبذة عن الكتّاب اليهود العراقيين وما يتناولونه في كتاباتهم عن التراث والفولكلور العراقي لجذب انتباه الجمهور العراقي في العراق وخارجه وخلق صلة روحية وعاطفية بين الاثنين. ومن هؤلاء الكتاب إيلي عمير الذي يذكر في الكثير من كتاباته أسماء الأكلات الشعبية العراقية كـ«السمك المسقوف» وكبة الباميا، والمحاشي، والأكلات اليهودية مثل «التبيت» (Tibeet) وهو دجاج محشي كان يتناوله اليهود أيام السبت. كما يؤرخ عمير للشخصيات الشعبية العراقية في رواياته مثل مطيّر الحمام أو ما يطلق عليه باللهجة العراقية «المطيرجي». وكذلك نجد في أدب كاتب آخر (سمير نقاش) حضورًا قويًا يمكن وصفه بـ «النكهة العراقية» أي اللهجة، وطريقة التفكير والتدقيق في تفاصيل الأمكنة وطبيعة الحضارات العراقية القديمة[6].

6 – التركيز على قبول عودة اليهود العراقيين إلى العراق

في أيلول/سبتمبر 2018 ذكر مسؤول في وزارة الخارجية العراقية في بغداد «أن هناك تركيزًا إعلاميًا إسرائيليًا على العراق يستهدف العوام من الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية الممولة من جهات غربية مشبوهة، حيث تركز هذه المنابر والواجهات على مسألة الأديان والحريات والدعوة إلى قبول اليهودي وحسبان التفريق عنصرية، ويجب تقبل الآخر؛ وجميع هذه الأطروحات في حقيقتها هي لتقبُّل الاحتلال الإسرائيلي استعدادًا لتهيئة وتغيير المزاج والرأي في الشارع العراقي»، مضيفًا أنه «تم اكتشاف دخول 6 إسرائيليين إلى العراق بجوازات سفر بريطانية وفرنسية وأمريكية زاروا مراقد وأنبياء وآثارًا بابلية ومقابر ومباني تراثية تعود ليهود عراقيين»[7].  ويزعم الإسرائيليون أن لليهود العراقيين ممتلكات متعددة في العراق في مناطق متميزة بموقعها التجاري في بغداد، والمحافظات الأخرى، وأنهم كانوا يملكون البيوت، والأسواق، والخانات، والمراكز الثقافية، والدينية بعضها مختوم عمرانيًا بـ «نجمة داود» حيث تشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن عدد أملاك اليهود في العراق تقدر بـ 12736 عقارًا في عموم العراق وأنهم حركوا دعوة قضائية للمطالبة بإعادة أملاكهم التي تركوها، أو تعويضهم بما فيها إعادة الجنسية لهم، وهي مطالب مدعومة من الحكومة الإسرائيلية حيث قدرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية حجم هذه التعويضات بـ«مليار دولار» عن ممتلكاتهم المزعومة في العراق التي تتوزع بين ممتلكات عقارية، ومساكن، وأرصدة مالية في المصارف العراقية. وسيتم تنفيذ هذه المطالب عاجلًا أو آجلًا – كما تروج «إسرائيل« – من الحكومات العراقية في السنوات القادمة تدفعها لليهود العراقيين[8].

7 – التركيز على مخاطبة الشباب العراقي إلكترونيًا للتطبيع مع إسرائيل

يكشف الكاتب العراقي صادق الطائي طبيعة المخطط الإسرائيلي لمخاطبة الشباب العراقي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لغرض إيجاد قناعات جديدة للتطبيع مع «إسرائيل» وعدم حسبانها عدوًا للعراق. ويقول الطائي: «يبدو أن المخابرات الخارجية الإسرائيلية تلقي بثقلها على موضوع التطبيع مع العراق لأن خبراءهم الاستراتيجيين يعملون على تفعيل الملف على أسس تطبيع شعبي بين الجانبين، وتسويق فكرة التطبيع للشباب العراقي تحديدًا عبر بعض المفاتيح من مثل: ما الذي جنيتموه وستجنونه في المستقبل من صراعكم وعدائكم لإسرائيل؟ يضاف إلى ذلك: العراق ليس دولة مواجهة مع إسرائيل ولا يوجد خطر أو أطماع إسرائيلية في بلدكم إذن لماذا لا يحظى البلدان بعلاقات طبيعية تقوم على التعاون؟ كذلك، إن الفلسطينيين يتفاوضون مع الإسرائيليين سعيًا لحصولهم على دولتهم أنتم ما علاقتكم بالأمر؟ اهتموا بشؤونكم، وسنساعدكم على تطوير بلدكم. والنتيجة تصوير عملية التطبيع كمفتاح لتحقيق الإنجازات التي ستحققها إسرائيل المتقدمة صناعيًا وعلميًا بالتعاون مع أصدقائها فلماذا تخسرون أيها العراقيون هذه الفرصة؟ وهناك الورقة الأبرز والأهم وهي تقديم الدعوة إلى مساعدة العراق للتخلص من سطوة النفوذ الإيراني»[9].

8 – كسر العزلة إلكترونيًا مع العراق للتعامل مع إسرائيل

وظفت «إسرائيل» يهودًا عراقيين يعملون في الصفحات الإسرائيلية الموجهة في وسائل التواصل الاجتماعي إلى الجمهور العراقي ومن هؤلاء ليندا منوحين عبد العزيز الصهيونية الإسرائيلية التي تعمل مستشارة في وزارة الخارجية الإسرائيلية وتتكلم اللهجة العراقية بطلاقة وتدعي أنها من أصل عراقي، وبات اسمها الحقيقي هو ليندا يعقوب عبد العزيز. وبحسب توصيف وزارة الخارجية الإسرائيلية في صفحتها الرسمية فإن ليندا هي مستشارة عالية في فريق الدبلوماسية الرقمية باللغة العربية في الخارجية الإسرائيلية، وهي التي أسست صفحة الفيسبوك «إسرائيل باللهجة العراقية» بتاريخ 6 أيار/مايو 2018، وتديرها أحيانًا كجزء من مشروع استدراج العراقيين إلى التطبيع مع «إسرائيل». وتم تكليف ليندا بمسؤولية إدارة ملف التطبيع الإسرائيلي الخاص بالعراقيين في الخارج والداخل عبر وسائل التواصل الاجتماعي – وبخاصة الفيسبوك – وذلك من خلال التركيز على عناوين خادعة كالأكلات والأغاني العراقية، والمشتركات التاريخية، والبرامج السياحية، والعزف على وتر الحنين اليهودي لأزقة بغداد القديمة من أجل استقطاب، واستدراج، بعض العراقيين شيئًا فشيئًا إلى فخاخ التطبيع. وقد تمكّنت ليندا فعلًا من اجتذاب بعض العراقيين وإقامة علاقات وصداقات واتصالات معهم ونشرت بتاريخ 23 تموز/يوليو 2019 في صفحتها الشخصية صورة لها برفقة يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، وهما يشيران إلى خريطة العراق. وبتاريخ 28 آب/أغسطس 2019، في صفحة أخرى تديرها اسمها «ظل بغداد» ظهرت ليندا في فيديو تدعو فيه العراقيين المقيمين خارج العراق إلى زيارة «إسرائيل» ضمن رحلات سياحية تنظمها هي وتشرف عليها شخصيًا[10].

ثانيًا: الوسائل والآليات

استخدمت «إسرائيل» وسائل وآليات متنوعة في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إدامة الحرب الثقافية تجاه العراق، كالآتي:

1 – استخدام الدبلوماسية الشعبية الرقمية الإسرائيلية في الفيسبوك

نجحت «إسرائيل» في مجال تفعيل الجهود الدبلوماسية الشعبية للأنشطة الاتصالية الرقمية تجاه العراق من خلال ثلاثة محاور:

المحور الأول: رفع نسبة التواصل اليهودي العراقي من خلال صفحة «إسرائيل باللهجة العراقية» حيث حاز موضوع التقارب اليهودي العراقي نسبة 29 بالمئة، وتلاه موضوع حياة اليهود في العراق و«إسرائيل» الذي حاز نسبة 27 بالمئة. وبلغت نسبة الدردشة حول الحق اليهودي في العراق نسبة 5.4 بالمئة وهي أصغر نسبة من الموضوعات التي أثير حولها النقاش في الصفحة السالفة الذكر مثلما هو مبين في الجدول الرقم (1).

الجدول الرقم (1)
نسبة التواصل اليهودي – العراقي في وسائل التواصل الاجتماعي

 صفحة إسرائيل باللهجة العراقية

تالمرتبةموضوع النقاش التكرارالنسبة المئوية
11التقارب اليهودي-العراقي14329
22حالة اليهود في العراق و(إسرائيل)13227
77العنف والاضطهاد ضد اليهود255
88الحق اليهودي بالعراق225.4

 

المصدر: الجدول من إعداد الباحث بالاستناد إلى المصدر الآتي: خلف كريم التميمي وغانم محمد عراك، «المحتوى الاتصالي للدبلوماسية الشعبية (الإسرائيلية) من منظور العلاقات العامة الدولية: دراسة تحليلية لصفحة إسرائيل باللهجة العراقية عبر الفيسبوك،» مجلة الباحث الإعلامي (كلية الاعلام، جامعة بغداد)، السنة 13، العدد 52 (تشرين الأول/أكتوبر 2021)، ص 100.

المحور الثاني: يتناول تنوع مجالات التقارب اليهودي-العراقي، حيث ارتفع مستوى النقاش حول أمنيات اليهود العراقيين للعودة إلى العراق بنسبة وصلت إلى 22 بالمئة بينما بلغت نسبة النقاش حول تسمية مناطق في «إسرائيل» بأسماء عراقية بنسبة ضئيلة جدًا بلغت 3 بالمئة مثلما يظهر في الجدول الرقم (2).

الجدول الرقم (2)
الفئات الفرعية للتقارب اليهودي-العراقي

الموضوع المرتبةالفئة الفرعيةالتكرارالنسبة المئوية
التقارب اليهودي العراقي1يهود عراقيون3222
  =2دعوة اليهود أن يزدهر العراق ويكون بخير2618
=3نقل رسالة من شخص عراقي يمدح فيها اليهود العراقيين في «إسرائيل»2115
 =4عرض يهود العراق الأكلات والأغاني والموسيقى العراقية154.10
=5صنع مقاربة بين الإسرائيليين والعراقيين146.9
=6العمق التاريخي لليهود في العراق118
=7شهادات يهود العراق بأن العراقيين أناس طيبون107
=7دمج الكلمات في اللهجة العراقية بالكلمات الإسرائيلية107
=8تسمية مناطق في «إسرائيل» بأسماء عراقية43
المجموع 143100

 

المصدر: المصدر نفسه، ص 101.

المحور الثالث: يتعلق بدردشات حول طبيعة حياة يهود العراق و«إسرائيل» حيث يلاحظ أن الجانبين يميلان إلى العودة إلى الماضي وذكريات اليهود في العراق بنسبة 21 بالمئة، أما أصغر نسبة للموضوعات المشابهة فهي تتعلق بإمكان خدمة اليهود القاطنين في «إسرائيل» والعراق بنسبة وصلت إلى 4 بالمئة كما هو مبين في الجدول الرقم (3).

الجدول الرقم (3)
طبيعة حياة اليهود في العراق و«إسرائيل»

المرتبةالفئة الفرعيةالتكرارالنسبة المئوية
1العودة إلى ماضي وذكريات اليهود في العراق2821
2تمسك يهود العراق بالتراث العراقي القديم والمحافظة على تاريخهم2720
3الحديث عن جمال العراق وحياة وشوق اليهود للعراق2519
4نقل تجارب يهود العراق في بناء العراق وإعماره1713
4العراق كان قبل هجرة اليهود بلد جميل وأفقده تنوعه الثقافي1713
5شهادات يهود العراق في «إسرائيل» بالعودة للعراق86
6تجارب اليهود في العراق54
6هناك يهود في «إسرائيل» كان في الإمكان خدمة بلدهم العراق54
 المجموع 132100

 

المصدر: المصدر نفسه، ص 102.

2 – توظيف الإنترنت لتجنيد العراقيين في جهاز الموساد

وضع جهاز الموساد الإسرائيلي خطة محكمة لتجنيد العراقيين، والإفادة من وجودهم في العراق لجمع المعلومات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاستخبارية، وحتى الثقافية، والمجتمعية من خلال قناتين في شبكة الإنترنت وهما:

أ – تجنيد العراقيين للعمل كمصادر سرية للموساد من خلال صفحة الموساد باللغة العربية

خصص جهاز الموساد الإسرائيلي الصفحة الإلكترونية الآتية: <http://www.mossad.gov.il/eng/pagrs/contactusar.aspx>

وهي تسمى «الاتصال بنا». تدعو تلك الصفحة الإلكترونية كلَّ من يجد في نفسه القدرات، والمؤهلات للعمل كعميل للموساد بصورة سرية ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي (أونلاين) الاتصال عبر البريد الإلكتروني الآتي:

mossadarabi@mail.gov.il أو عبر الدخول إلى الصفحة التالية في الفيسبوك:

www.facebookmessenger التابعة لصفحة الموساد الإسرائيلي. تحتوي الصفحة الإلكترونية على مجموعة من الأسئلة والاستفسارات التي تطلب الرد عليها بدقة من الشخص المرشح للتجنيد والذي يريد العمل معهم، وهي تحتوي على الاسم الاول، والعائلة، واسم الوالد، وتاريخ الميلاد (اليوم، الشهر، السنة) والهاتف، والبريد الإلكتروني، والدولة، واللغة التي تستعمل في الاستمارة الإلكترونية وهي متاحة باللغات الفارسية، والعربية، والإنكليزية، ويعتذر الموقع عن استقبال الطلبات بغير تلك اللغات حصرًا.

ب – تجنيد العراقيين من خلال غرف الدردشة الإلكترونية التابعة لإسرائيل

أكد المستوطن اليهودي أبراهام أكرم (38 عامًا)، وهو يهودي من أصل عراقي، أن الموساد الإسرائيلي سخّر منصة اليوتيوب لاصطياد الكثير من الشبان العراقيين لتجنيدهم، ويقول في ذلك: «الموساد لديه عدة أهداف من ذلك لكن أبرزها جمع المعلومات عن نشاط المجاميع المسلحة، واختراقها، وكذلك معرفة التوجه السياسي لأفراد الجيش العراقي، وطبيعة حياتهم الاجتماعية، وشراء العقارات، والبيوت، والسيطرة على التجارة، إضافة إلى معرفة الوضع المعاشي، والاجتماعي داخل العراق أول بأول. وكشف هذا المستوطن الذي يسكن في حي «محاني يهودا» في القدس الغربية «أن الموساد الإسرائيلي استطاع تجنيد العشرات من الشبان العراقيين المسلمين في مدن عراقية مختلفة أبرزها بغداد، والحلة، والموصل، والبصرة»، وأضاف «أن الموساد الإسرائيلي يستخدم خلال عملية التجنيد صورًا قديمة تعود إلى القرن الماضي يظهر فيها مشاركة اليهود في «طقوس تطبير عاشوراء»، إضافة إلى صور أخرى تُظهر التعايش بين اليهود والمسلمين في العراق كمحاولة لعملية غسل الدماغ في مراحل التجنيد الإلكتروني، وهذا يدل على أن أكثر المتأثرين بهذا العمل هم من العراقيين الشيعة، لذلك استخدموا معهم صورَ مشاركة اليهود في التطبير بذكرى عاشوراء لما لذلك من أثر في نفس العراقي الشيعي»[11]. ويؤكد المستوطن اليهودي العراقي أن التجنيد للعمل مع الموساد في العراق تتوافر فيه بعض العناصر المساعدة له، إذ يقول «يوجد لدينا الكثير من الأقارب، والأصدقاء يعملون داخل الموساد منذ عدة سنوات بحكم إجادتهم اللهجة العراقية، ومعرفتهم بالعادات، والتقاليد، عددنا ربع مليون يهودي عراقي في إسرائيل»، وعن علاقة الموساد بالتفجيرات، والاقتتال الطائفي الذي حصل في العراق سابقًا يقول: لا أستطيع أن أؤكد، أو أجزم ذلك، فعمليات خارجية كهذه تحاط بسرية تامة داخل الموساد وتُجرى ضمن معايير أمنية، واستخبارية، وسياسية. لكن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2005 زارنا أحد أصدقاء والدي وهو أستاذ في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب. وذكر الأستاذ جملة ما زلت أذكرها جيدًا بأن النهاية في العراق تبدأ في سامراء (يقصد بذلك تفجيرات المرقدين في سامراء المقدسة، التي أشعلت فتيل الحرب الطائفية وما لحق بعد ذلك من حرق لبيوت الله وتقتيل وتهجير العراقيين وبخاصة من أبناء المذهب السني في العراق، واستباحة كل شيء)»[12].

3 – استخدام النساء الإسرائيليات لتجنيد المراهقين العراقيين

تستخدم «إسرائيل» منصة الفيسبوك لإجراء الحوارات، والدردشة، والتواصل لمدة طويلة تصل إلى عام كامل أحيانًا، إذ تحدث عملية التجنيد عبر التوريط، من ذلك مثلًا تقوم فتاة الموساد بالتواصل مع شاب مراهق صاحب نفسية ضعيفة فتنسج معه علاقة حب وغرام ووعود بالسفر للالتقاء بها فيتعلق الشاب بالفتاة، إذ تقوم فتاة الموساد بتوصيل الشاب الضحية إلى ضابط الارتباط الإسرائيلي من الموساد المسؤول عن عملية تجنيده وهو المسؤول المباشر عن الفتاة الذي بدوره يقوم بإشعار الشاب الضحية أن مصلحته مهمة ويبدأ بالطلب منه بالتعاون وإعطاء معلومات لمساعدته للوصول إلى الفتاة أو الالتقاء بها في مكان ما وترتيب اللقاء فعلًا[13]. من جانب آخر تستخدم «إسرائيل» ما تسميه «نجمات التواصل» بحسب ما أشار موقع «مكور ريشون» الإسرائيلي، من اللائي يتكلمن باللهجة العراقية، وبث فيديويات وتدوينات ذات علاقة بالطعام والموسيقى والفن والملابس لتهيئة الأرض لدى الشعب العراقي لتقبّل التطبيع مع «إسرائيل». وتقول إحدى النجمات (منها مارون طال): «في الآونة الأخيرة صرت أجلس حول الطاولة مع عائلتي، وأتحدث مع فنانين من العراق». وتقول نجمة إسرائيلية أخرى تدعى «سميدار العيني» التي تملك صفحة إلكترونية على الفيسبوك تطلق عليها «همزة الوصل» تقول في هذا الشأن: «من خلال صفحتي لا أتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، بل أحاول التقرب من خلال الثقافة، والفن، والأدب، والموسيقى هذه الأدوات التي تمد جسور التواصل بيننا»[14].

ثالثًا: الانعكاسات والتداعيات

1 – الانعكاسات والتداعيات السياسية

تسعى «إسرائيل» لخلق رأي عام شعبي عراقي لإيصال صوته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة إنهاء مقاطعة «إسرائيل» ومعاداتها، وللاستفادة من قدراتها التقنية والتكنولوجية، وتكوين لوبي غير مجند من «إسرائيل» بصورة مباشرة وإنما بصورة غير مباشرة من طريق وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل معه باللهجة العراقية لفرض خطاب سياسي عراقي خلاصته: رفع الممنوعات من إعادة العلاقات مع «إسرائيل»، وضرورة تحكيم مصالح العراق وعدم الاصطدام معها، لأن هذا الأمر لا يخدم الأمن والسلم الإقليميين أولًا والسلم والأمن الدوليين ثانيًا. ومد جسور الحوار مع المهمشين العراقيين للتحالف المشترك ضد نظام بغداد ومحاولة صنع ند سياسي للحكومات العراقية من هؤلاء، ونشر أطروحاته كمعارضة حقيقية ضدها من دون الكشف عن الدعم المعنوي والسياسي والمادي والاستخباري الإسرائيلي له لتسويقه داخل الساحة العراقية.

2 – الانعكاسات والتداعيات الأمنية والاستخبارية

تعمل «إسرائيل» على اختراق المجتمع العراقي وتكوين خلايا تجسسية فاعلة لجمع المعلومات وبث الإشاعات، ولخلق البلبلة والإرباك النفسي لدى المواطن العراقي وتأليب الوضع الداخلي العراقي وخلق الوقيعة بين الجمهور العراقي والحكومة وزعزعة الأمن بالعمليات الإرهابية. إن عملية زرع «خلايا نائمة» عراقية جُندت من طريق وسائل التواصل الاجتماعي تعمل لمصلحة الموساد الإسرائيلي هي الخطة البديلة في حال انكشاف العملاء الذين جندوا أو قدموا طلبًا من خلال الصفحة الإلكترونية للموساد الإسرائيلي لأي سبب كان، وإمكان إكمال العمل الاستخباري الإسرائيلي بأيادٍ عراقية غير مكشوفة أمام الأجهزة الأمنية والاستخبارية العراقية وإمكان تحركها بفعالية أكثر في الساحة العراقية في المستقبل المنظور. إن استمرار تأزم الوضع الاقتصادي، وزيادة حجم العوائل الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر في العراق وانتشار البطالة بين الشبان شجع غرف الدردشة الإسرائيلية باللهجة العراقية على زيادة جهودها لاقتناص بعض من هؤلاء للاعتماد عليهم في عملياتها الاستخبارية في الإنترنت، وبخاصة من الذين يمتلكون مواهب وقدرة على حسن التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي ولا توجد لديهم فرص عمل في الدوائر الحكومية ولا في القطاع الخاص، فهؤلاء سيكونون صيدًا ثمينًا للموساد لتجنيدهم للعمل في منظومة الجيش الإلكتروني الإسرائيلي تجاه العراق لإنجاز عدة مهمات؛ منها نشر بعض التغريدات، والبوستات الإلكترونية، والفيديوهات التي تدعو إلى التصالح مع «إسرائيل»، وبخاصة في مجموعات الدردشة العراقية، والواتس آب العامة والخاصة، فضلًا عن توظيفهم لنقل ما يدور من أحاديث وردود فعل عراقية من عامة الشعب العراقي ونخبه الثقافية والعسكرية وحتى الأمنية ليستفيد منها الموساد في عملياته في العراق مستقبلًا.

3 – الانعكاسات والتداعيات المجتمعية

من هذه التداعيات خلق صراع بين العراقيين المؤيدين للتطبيع مع «إسرائيل» والعراقيين المعارضين له في وسائل التواصل الاجتماعي، ونسف اللحمة المجتمعية العراقية المبنية على الهوية الوطنية، والتاريخ المشترك، والوقوف في وجه المخاطر الإقليمية ومنها الخطر الإسرائيلي. تحاول «إسرائيل» استغلال أي أزمة اقتصادية أو مجتمعية والعمل على تفجيرها في نفسية المواطن العراقي من باب أن الأوضاع لا تطاق في العراق وكل شي أصبح تحت سيطرة أصحاب النفوذ الحزبي والسياسي للوصول إلى نقطة الانفجار الشخصي والمجتمعي الذي سيصاحبه بالتأكيد ردود فعل غير منضبطة في الشارع العراقي.

حاولت «إسرائيل» خلق خطاب ثقافي ومجتمعي داخل الأوساط الاجتماعية الكردية يدعو إلى تعزيز الانفصال عن الجسد السياسي العراقي وترسيخه وربط الوضع في «إسرائيل» بالوضع الكردي في إقليم كردستان العراق، كون الأقلية اليهودية نجحت في تأسيس كيان مستقل لها معترف به من جانب منظمة الأمم المتحدة، وهذا يحتاج إلى مواصلة العمل من الأكراد لتحقيق هذا الهدف وكسب الود المجتمعي لهذه الخطوة. لهذا لا يستغرب المراقب عندما يرى بعض المواطنين الأكراد يرفعون العلم الإسرائيلي في المهرجانات التي تدعو إلى إعادة العلاقات مع «إسرائيل» التي أقيمت هناك في أوقات متكررة وحضرها يهود أكراد مقيمون في الكيان الإسرائيلي. فالذي يرفع «العلم الإسرائيلي» وصل إلى قناعة زرعها الإسرائيليون هي أن هناك سابقة قد حدثت، وهي بالتأكيد سابقة مزيّفة، لقيام «إسرائيل» التي زرعت عنوة في قلب المنطقة العربية لتمزيقها كونها «شرطي الغرب» وليس مكانها الطبيعي هناك وإمكان تكرار ذلك في العراق عبر انفصال الإقليم الكردي العراقي عن العراق وإعلان دولته المستقلة كما فعلها الإسرائيليون سابقًا. وهذا يبيِّن حجم التأثير النفسي والدعائي للصفحات الإسرائيلية التي تتحدث باللهجة العراقية في عقول الأكراد وميولهم القومية ومن خلالها باللغة الكردية لغاية تريد «إسرائيل» تحقيقها، وخلاصتها أنها ليست الأقلية الوحيدة في المنطقة التي تعيش لوحدها بل توجد أقليات أخرى بجانبها كالأكراد، والدروز، والبربر، والأمازيغ، والأقباط، والأرمن، والشركس، والزنوج، والنوبة، البلوش، والتركمان، والسريان وغيرها.

رابعًا: مستقبل الحرب الثقافية الإسرائيلية على العراق

يمكن قراءة مستقبل الحرب الثقافية الإسرائيلية على العراق من خلال طرح السيناريوهات الآتية:

1 – سيناريو استمرار الحرب الثقافية الإسرائيلية على العراق

تبرر عدة عوامل رئيسية تزايد فعالية هذا السيناريو لعل أبرزها بقاء العراق ضمن محور الممانعة ضد التعامل مع «إسرائيل» في المنطقة إلى جانب سورية وإيران وتزايد الرفض الشعبي والديني والبرلماني والرسمي العراقي لأي صورة للتعامل مع «إسرائيل» وصدور «قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني» الرقم 1 لسنة 2022.

2 – سيناريو تراجع الحرب الثقافية الإسرائيلية على العراق

ربما يكون هذا السيناريو مبالغًا فيه إلى حد ما، لأنه حتى لو افترضنا حصول تطبيع رسمي بين العراق  و«إسرائيل» في المستقبل المنظور، فإن الكابح والرفض الشعبي العراقي يبقى قائمًا ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لذلك ليس من مصلحة «إسرائيل» إيقاف حربها الثقافية على العراق، لأنها إذا ضمنت موافقة الحكومات على التطبيع معها فهي لا يمكن أن تضمن موافقة الشعوب، لأن الشعب العراقي منذ عام 1948 وهو تاريخ الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى وامتدادًا إلى حرب عام 1967 ثم إلى حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، شارك في مقارعة «إسرائيل» عسكريًا وسقط الكثير من أبنائه شهداء وأسرى لدى العدو الإسرائيلي، وأكبر دليل على صدقية ما نقول هو وجود مقبرة شهداء الجيش العراقي التي تقع جنوب مدينة «جنين» حيث تم دفن 44 شهيدًا عراقيًا شاركوا في الدفاع عن محافظة جنين عام 1948 من احتلال اليهود لفلسطين آنذاك[15].

خامسًا: خاتمة وتوصيات

خاتمة

زادت وتيرة الحرب الثقافية الإسرائيلية على العراق بعدما وقّعت مملكة البحرين ودولة الإمارات اتفاقيات سلام مع «إسرائيل» في آب/أغسطس 2020 حيث بقي العراق من الدول العربية غير الموقعة إلى حد الآن اتفاقية صلح وسلام مع «إسرائيل». وفي ضوء ذلك اندفع النشاط الإسرائيلي لتوجيه كل أسلحته الثقافية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للضغط عليه لجرّه إلى قطار التطبيع، واستغلت «إسرائيل» إمكاناتها في الفضاء الافتراضي للتحرك، والتأثير، وغسل الأدمغة، والتقرب، والتحرك على العناصر العراقية، وبخاصة المقيمة في العراق، لتوجيه سهام حربها الثقافية لها وبخاصة التي تعاني الإحباط والنقمة على الوضع الاقتصادي العراقي المتأزم لكسبها إلى وسائلها الافتراضية المسخّرة للتأثير في عقول العراقيين الآخرين لجمع المعلومات، ونشر الأضاليل وتصوير أن الصلح، أو إقامة علاقات طبيعية مع «إسرائيل»، سيكون الدواء المزيف الشافي لكل مشاكل العراق السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى المجتمعية والزراعية والمناخية. لكن أثبت واقع العلاقات التطبيعية بين الدول العربية التي وقّعت معاهدات تطبيع مع «إسرائيل» (الأردن ومصر) أنها لم تجنِ من تلك الاتفاقيات إلا المزيد من تغييب وتهميش حقوق الشعب العربي الفلسطيني، وبناء المزيد من المستوطنات لترسيخ المشروع الإسرائيلي الاستيطاني لسنوات قادمة بموجب نظرية القبول بالأمر الواقع، ونفي الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم نهائيًا، وإقامة ما يسمى «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات»، وهذا لا يتم إلا بانضمام العراق إلى خانة المطبّعين؛ ليس من طريق القوة العسكرية بل من طريق القوة الناعمة والغزو الفكري.

توصيات

1 – الاستمرار في إعداد المزيد من الدراسات، والأبحاث، وحتى رسائل الماجستير، وأطاريح الدكتوراه في الجامعات العراقية، لمتابعة تطورات، وأساليب الحرب الثقافية الإسرائيلية تجاه العراق.

2 – تكليف الجهات المعنية، والمختصة بنشر فديوات تثقيفية، وتوعوية عبر شبكات التواصل الاجتماعي لفضح أساليب تجنيد العراقيين من جانب الموساد الإسرائيلي عبر شبكة الإنترنت والتحذير من محاولات كهذه لأنها تهدد الأمن الوطني، والقومي العراقي.

3 – تكثيف الجهود الأمنية والاستخبارية لمتابعة الحرب الثقافية الإسرائيلية تجاه العراق والتنسيق مع الجامعات ومراكز البحوث العراقية لإقامة الندوات والمؤتمرات التخصصية في هذا المجال بصورة دورية لاستنباط الخطط لمواجهة تلك الحرب بأساليب علمية محكمة والتقليل من حجم الاختراقات الاستخبارية للموساد الإسرائيلي للساحة العراقية.

4 – الاستعانة بالخبرات الأجنبية في مجال «الأمن السيبراني» لمواجهة وتعطيل والحد من فعالية الصفحات الإلكترونية الإسرائيلية التي تبث باللهجة العراقية.

5 – إجراء مسابقات شبابية في مجال مكافحة الحرب الثقافية الإسرائيلية تجاه العراق وتكريم المتميزين منهم لتشجيع الشباب العراقي للإسهام في هذا الجهد الوطني ضد المخططات الإسرائيلية في العراق.

6 – شن هجوم سيبراني شامل من أكثر من موقع عراقي لشل الصفحات الإسرائيلية في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي تبث باللهجة العراقية للتقليل من حجم تأثيراتها داخل العراق.

7 – تأسيس مركز أبحاث ودراسات عراقي باسم «مركز مكافحة الحرب السيبرانية الإسرائيلية» مهمته إعداد الدراسات ونشر المقالات العلمية وإقامة ورش الحوار الاستراتيجي والمؤتمرات والندوات الدورية في هذا المجال لمتابعة تلك الحرب من قبل باحثين وخبراء ووضع اليات الوقاية منها.

8 – إنشاء صفحة إلكترونية تسمى «إسرائيل باللغة العبرية» يديرها مجموعة من خريجي قسم اللغة العبرية في كلية اللغات في جامعة بغداد والطلبة غير المتخرجين من الذين لهم مواهب وحضور إعلامي متميِّز الذين لهم اقتدار في الكتابة والتحدث باللغة العبرية إلى جانب الأساتذة المستمرين في الخدمة والمتقاعدين في القسم نفسه والفلسطينيين المقيمين في العراق من الذين يتمكنون من التحدث باللغة العبرية مهمتها مخاطبة الجمهور الإسرائيلي وخلق قناعات شعبية ضد الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وإثارة الملفات في الوجدان العاطفي الإسرائيلي وكما يأتي:

أ – وضع اليهود الشرقيين «السفارديم» داخل «إسرائيل» والتمييز ضدهم موازاة باليهود الغربيين «الأشكناز» الذين يفضَّلون على نظرائهم السابقين للعمل في الوظائف المهمة في الأجهزة الحكومية الإسرائيلية.

ب – مخاطبة الجماعات اليهودية المتطرفة كحركة «ناطوري كارتا» أو مَنْ يسمون «حارس المدينة»، التي لا تؤمن بالمشروع الإسرائيلي جملة وتفصيلًا، تعدادهم ما يقارب 500 ألف، ويوجدون في القدس المحتلة، ولندن، ونيويورك؛ وكسب ودهم والحوار معهم وتشجيع ونشر تغريداتهم وتصريحاتهم في الصحف الإسرائيلية المهمة كـ يديعوت أحرونوت، وهآرتس… إلخ ضد «إسرائيل».

ج – نشر فيديوهات مؤثرة تبين الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني منها مجازر قتل وترويع الفلسطينيين على أيدي العصابات الصهيونية المتطرفة، ولعل التي نفذت تلك الجرائم التي تعرف بـ «الهاغانا/شتيرن» في نيسان/أبريل 1948 في قرية «دير ياسين» الفلسطينية، ومذبحة «كفر قاسم» التي نفذها حرس الحدود الإسرائيلي في29 تشرين الأول/أكتوبر 1956 ضد مواطنين فلسطينيين عزل، ومجازر صبرا وشاتيلا في لبنان في 16 أيلول/سبتمبر 1982 على يد الجيش الإسرائيلي والقصف المدمر للطائرات الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة، والضفة الغربية، وما يحدث اليوم من حرب إبادة جماعية ضد غزة ويجب أن تكون تلك الفيديوهات مؤثرة عاطفيًا لاستقطاب الجمهور الإسرائيلي.

د – بث الفيديوهات التوثيقية لجرائم الموساد الإسرائيلي في تصفية العلماء والخبراء العراقيين المتخصصين بالطاقة النووية والكيميائية، بناء على قرار اتُّخذ من أعلى المستويات الأمنية في «إسرائيل» واستغلال الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 غطاءً لتلك العمليات السرية هناك بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية CIA.

كتب ذات صلة:

مقاومة التطبيع: ثلاثون عاماً من المواجهة

التنكيل بالعراق: العقوبات والقانون والعدالة

العراق بعد الغزو: تشرذم – ولادة جديدة – اندماج