المصادر:
(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 482 في نيسان/أبريل 2019.
(**) مالك عبد الله المهدي: عضو هيئة التدريس، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.
البريد الإلكتروني: malik99971@yahoo.com
[1] نعني بالحرب الأهلية في السودان، الحرب الأهلية الأولى في الحقبة 1955 – 1972، والحرب الأهلية الثانية (1983 – 2005)؛ والحرب في أوسع معانيها: ظاهرة استخدام العنف والإكراه كوسيلة لحماية مصالح أو توسيع نفوذ أو لحسم خِلاف حول مصالح أو مطالب متعارضة بين جماعتين من البشر. أما الحرب الأهلية فهي حالة صراع مسلح يقع بين فريقين أو أكثر في أراضي دولة واحدة نتيجة لنزاعات حادة وتعذر إيجاد أرضية مشتركة لحلها بالتدرُّج أو بالوسائل السلمية، ويكون الهدف لدى الأطراف السيطرة على مقاليد الأمور وممارسة السيادة، أما أسباب الحرب الأهلية فقد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيجاً من هذه العوامل. وتتصف الحرب الأهلية عادة بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، وتعمل على شل الحياة الاقتصادية وتمزيق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن للبناء والتوازن والوئام؛ وكثيراً ما تكون الحرب الأهلية فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في ماجريات الأمور الداخلية للدولة المعرضة للحرب. كذلك وقوع الحرب الأهلية يضعف كثيراً من سيادة الدولة ويزيل التماسك الداخلي في وجه التدخل الخارجي. كما أن احتمالات التغير في موازين القوى داخلياً قد يؤثر في الدول المجاورة سلباً أو إيجاباً، فترى بعض الدول في انتصار فريق على فريق تهديداً لأمنها، أو للتوازن في تلك المنطقة من العالم. لمزيد من التفصيل، انظر: عبد الوهاب الكيالي [وآخرون]، موسوعة السيـاسة، ط 2 (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1993)، ج 3، ص 170 – 181.
[2] قامت مملكة الفونج «السلطنة الزرقاء»، أو مملكة سنار في الحقبة 1504 – 1821، وكانت تشمل المنطقة ما بين النيل الأبيض والأزرق – منطقة الوسط وعاصمتها سنار -، كما شملت أيضاً أجزاء كبيرة من بلاد البجا «مرتفعات البحر الأحمر شرقاً» وكردفان، وصلت حدود المملكة إلى منطقة ما تقع جنوب خط عرض 12 درجة لم تحدد بالقطع حتى الآن.
[3] محمد عمر بشير، مشكلة جنوب السودان، ترجمة هنري رياض والجنيد علي عمر (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1970)، ص 24 – 25.
[4] إدارة الأزمة في السودان: مداولات ندوة بيرجن، إعداد عبد الغفار محمد أحمد وفونار سوربو برجن (النرويج: جامعة برجن، مركز دراسات التنمية، 1989)، ص 229.
[5] نشأت سلطنة دارفور (1650 – 1874) في أقصى غرب السودان، وقد تعاقبت على السلطنة عدة سلالات من قبائل الداجو، والفور، والتنجور. وقد حكم الفور أحد الفروع الرئيسية وهم الكنجارة الذين انتزعوا السلطة من الداجو والتنجور، وقد ظلوا في الحكم مدة طويلة منذ أواسط القرن السابع عشر حتى قضى على المملكة الزبير ود رحمة في معركة ماناواشي في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1874، غير أن الفور تمكنوا من استعادة سلطانهم على يد السلطان علي دينار في عام 1899، ليفقدوه مرة أخرى في عام 1916 عندما ضُمت دارفور إلى السودان الإنكليزي؛ وشهدت السلطنة صراعات متعددة مع قبائل أخرى مثل البرقو، والزغاوة، والبرتي، والمساليت، كما كانت تعتمد على أسلوب التحالفات القبلية مع عرب الهبانية، الرزيقات، المسيرية، التعايشة، المعالية… وقد شملت السلطنة في عهد السطان تيراب 1752 – 1787 معظم أراضي غرب السودان الحالية. لمزيد من التفصيل، انظر: محمد أبو القاسم حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل (بيروت: دار الكلمة للنشر، 1980)، ص21 – 22.
[6] مكي شبيكة، تاريخ وادي النيل (بيروت: دار الثقافة الجديدة، 1965)، ص 640.
[7] ولد محمد أحمد بن عبد الله في عام 1260هـ/1844م، في جزيرة لبب بمدينة دنقلا في شمال السودان؛ وتبنى المهدي منذ اندلاع ثورته ثلاثة أهداف: العودة إلى الإسلام الصحيح (القرآن والسنّة)، ونبذ البدع والخرافات؛ الإطاحة بالحكم العثماني؛ توحيد السودانيين، وتحريرهم من الولاءات القبلية. لمزيد من التفصيل، انظر: علي حسن عبد الله، الحكم والإدارة في السودان (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1986)، ص 29، وما بعدها.
[8] قمر الدين محمد فضل الله، «المسار التاريخي للهوية العربية في السودان،» مجلة البحوث العربية للعلوم الاجتماعية، العدد 1 (أيار/مايو 1986)، ص 230.
[9] المصدر نفسه، ص 231.
[10] Francis M. Deng, Dynamics of Identification (Khartoum: Khartoum University Press,1973), p. 28
[11] محمد عمر بشير، مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع ومن الحرب الداخلية إلى السلام، ترجمة هنري رياض والجنيد علي عمر (الخرطوم: دار المأمون؛ بيروت: دار الجيل، 1983)، ص 50 – 53.
[12] قمر الدين محمد فضل الله، «الاستعمار البريطاني وجنوب السودان (1858 – 1956)،» مجلة البحوث التاريخية (مركز دراسات جهاد الليبين)، العدد 2 (تموز/يوليو 1987)، ص 34 – 35.
[13] فضل الله، «المسار التاريخي للهوية العربية في السودان،» ص 230.
[14] صدر الاقتراح الذي كان يهدف إلى إنشاء جيش سوداني جنوبي لأول مرة في عام 1910، وتقدم به (ر. س. أوين)، مدير مديرية منقلا، ومنطقة اللادو آنذاك؛ مقترحاً تكوين فرقة للخدمة في الجنوب تكون أساساً من الجنوبيين، ويكون ضباطها من البريطانيين وولاؤها للدين المسيحي؛ وافق ونجت باشا الحاكم آنذاك على تلك الخطة، من ثم بدأ في تجنيد أبناء الجنوب خلال السنوات الثماني التالية، وإنشاء فرقة الاستوائية العسكرية في كانون الأول/ديسمبر 1917؛ وفي 7 كانون الأول/ديسمبر 1917، غادرت آخر الفرق العسكرية الشمالية منطقة منقلا وأصبحت فرقة الاستوائية هي الحامية الوحيدة في الجنوب حتى اندلاع شرارة الحرب الأهلية الأولى في آب/أغسطس 1955. لمزيد من التفصيل، انظر: بشير، مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع ومن الحرب الداخلية إلى السلام، ص 90 – 93.
[15] فضل الله، «الاستعمار البريطاني وجنوب السودان (1858 – 1956)،» ص 35.
[16] كانت تحدد مناطق معيَّنة لكل جمعية تبشيرية، مثـلاً الأمريكية في مناطق قبائل الشلك، وجمعية التبشير المسيحي في الاستوائية وبعض مناطق أعالي النيل، مع تركيز واضح على النشاط التعليمي في الجنوب؛ وفي هذا الصدد يذكر بشير محمد سعيد أن «الإرساليات المسيحية بدأت عملها في الجنوب منذ عام 1848 إلا أن نشاطها قد زاد بعد الفتح الأخير في عام 1899، وتعمل في الجنوب كل من الإرسالية الكاثوليكية، والبروتستانتية، ولكل منها دائرة نفوذها الخاصة بها تمارس فيها نشاطها التبشيري في حرية تامة دون رقابة من الحكومة، ولم يقتصر عملها على التبشير، بل عهدت الحكومة إليها في مرحلة من المراحل بمسؤولية تعليم المواطنين من أبناء وبنات الجنوب على نفقتها الخاصة، ثم أخذت منذ عام 1947 تقدم لها إعانات مالية نظير هذه الخدمات؛ ومنذ عام 1947 ازدادت رقابة الحكومة على نشاط الإرساليات التعليمي، وأُلزمت باتباع سياسة الحكومة التعليمية ومناهجها». لمزيد من التفصيل، انظر: بشير محمد سعيد، الزعيم الأزهري وعصره (القاهرة: دار الحديثة للطباعة، 1990).
[17] تيم نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان منذ الاستقلال وحتى الانتفاضة: دراسة في العوامل المؤثرة في السياسة السودانية 1898 – 1985، ترجمة الفاتح التجاني ومحمد علي جادين (الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر 1990)، ص 155 – 156.
[18] بشير، مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع ومن الحرب الداخلية إلى السلام، ص 94.
[19] المصدر نفسه، ص 93.
[20] في إطار خطة البريطانيين، التي كانت ترمي لفصل الجنوب عن الشمال، تم إنشاء الفرقة الاستوائية، التي حرص البريطانيون منذ إنشائها على عدم اختلاطها بالوحدات العسكرية الشمالية، حيث كان النِظام المتبع آنذآك يقضي بتنقل وحدات قوة دفاع السودان بين أقاليمه المختلفة عدا الفرقة الاستوائية، فهي كانت مستثناة لا تتحرك أبداً، حتى تظل منطوية على الأفكار الخاطئة التي لقنها لها البريطانيون. رأت الحكومة الوطنية أن تعمل على كسر هذا الحاجز الذي أقامه الاستعمار البريطاني، بأن يشمل نِظام التنقلات الفرقة الاستوائية؛ وبحلول ميعاد جلاء القوات الأجنبية من السودان، فكر المسؤولون أن تحتفل كل وحدات الجيش السوداني بهذه المناسبة في الخرطوم، وكانت الفرصة المناسبة لدعوة الفرقة الاستوائية للاشتراك في الاحتفالات، صدر أمر بحضور الفرقة لهذا الغرض، وبخاصة أن هناك قراراً بجانب الاحتفال بجلاء القوات الأجنبية يتمثل بإنشاء حامية الخرطوم بعد الجلاء، اتخذ قبل تأزم الموقف في الاستوائية، حيث عقد اجتماع لقواد رئاسة دفاع السودان بالخرطوم في 23 تموز/يوليو 1955 برئاسة القائد العام آنذاك أحمد محمد، بحضور قائد الفرقة الجنوبية الأميرالاي إسماعيل سالم، وتقرر تكوين حامية مركز الخرطوم من جميع الفرق السودانية بحيث يتحرك من الفرقة الاستوائية بلوك أو اثنان إلى الخرطوم، ليبقى عضواً في الحامية الجديدة، وتقرر مشاركة حامية الجنوب ببلوك واحد ناقص بليتون. ذلك كما جاء في تقرير لجنة قطران – هي لجنة شكلتها الحكومة لتقصي الحقائق وعرفت بلجنة قطران نسبة إلى رئيسها الفلسطيني الأصل قطران وعضوية كل من خليفة محجوب، مدير عام مشاريع الاستوائية والزعيم لوليك لادو والزعيم ليريا -. في تلك الأثناء كان الجو في الجنوب مشحوناً بالدعايات المسمومة، والمثيرة حول نيات الحكومة الوطنية بأنها تحمل العداء للجنوبيين، وبخاصة الفرقة الاستوائية. وما دعوتها للاشتراك في الاحتفالات إلا للقضاء عليها. وقد دعم هذا الاعتقاد نشر برقية تتوعد الجنوبيين منسوبة إلى رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري. لتلك الأسباب وغيرها، قابل أعضاء الفرقة الاستوائية أمر السفر إلى الخرطوم، بنوع من الامتعاض والتوجس وبدأ رؤساؤها في الاستفسار عن أسباب ذهابهم إلى الخرطوم والمدة التي سيمكثونها، وعندما لم يجد الجنود إجابة شافية على استفساراتهم قاموا بالعصيان المسلح رفضاً لأمر التحرك إلى الخرطوم. في 17 آب/أغسطس 1955، ضمن سلسلة من الإجراءات الأمنية، طلبت السلطات العسكرية الشمالية في الجنوب من أفراد القوة الجنوبية في الفرقة العسكرية الاستوائية «رقم 2» بمنطقة توريت، التأهب لمغادرة الجنوب إلى الشمال، لكنها رفضت التنفيذ، الأمر الذي أحدث عصياناً مسلحاً في صفوف الفرقة انتهى بمذبحة شملت كل الشماليين وبعض الجنوبيين بالمنطقة، راح ضحيتها «مائتان وواحد وستون مواطناً من أبناء الشمال وخمسة وسبعون من أبناء الجنوب» وامتدت الحوادث في كل مراكز الجنوب المهمة في جوبا، يأي، يامبيو، مريدى. جاء رد فعل الحكومة عنيفاً إزاء تلك الأحداث، إذ أعلنت في 19 آب/أغسطس 1955 عن تلك الحوادث، ووصفتها بالتمرد، حـــيث ذكر رئيس الوزراء، ووزير الدفاع إسماعيل الأزهري فـــي نص البيان الذي ألقاه بمناسبة تلك الأحداث قائـلاً: «في منتصف نهار الأربعاء الثامن عشر من أغسطس، وصلت إشارة للقائد عام لقوة دفاع السودان بأن قوات الفرقة الاستوائية بتوريت قد تمردوا، وانهم كسروا مخازن الأسلحة والذخيرة فجاءة، واستولوا عليها، واعتدوا على الضباط الشماليين الذين اضطروا لمغادرة توريت،…، وطلبت السلطات في جوبا إرسال امداد على جناح السرعة للسيطرة على الموقف في جوبا أولاً ولأن تجعل منها مركزاً لتوجيه العمليات العسكرية لإعادة الأمن والنِظام في المناطق التي امتد إليها التمرد…، وسارعت الحكومة بإرسال الطائرات بعد إلغاء سفريات الخطوط الجوية السودانية في الداخل والخارج كما استأجرت كل ما أمكن استئجاره من طائرات الخطوط الأجنبية التي تمر على السودان…» … في إثر ما اكتشف من الأوراق التي وجدت في حوزة بعض ضباط الصف من الفرقة الجنوبية…، وكشفت الأوراق على أن تدبيراً واتفاقاً يرمي إلى العصيان قد رسم…. وقد تحتم عن ذلك إلقاء القبض على بعض الموظفين المدنييين الجنوبيين بالإضافة إلى الحوادث التي وقعت في يامبيو وأنزارا…، وقد حدث تطور بسيط في ملكال…، أما في مديرية بحر الغزال فإنه لم يصل إلى علم الحكومة إلى الآن ما يدل على حدوث أي اضطرابات…». وفي اليوم التالي لبدء التمرد بحثت حال إعلان الطوارئ، ليتمكن المسؤولون في المديريات الثلاث من التسلح بالسلطات الكافية التي تمكنهم من التصرف في الموقف بما تقتضيه الحاجة،… وذكر قائـلاً «… استقبلت بعض زعماء البرلمان وأطلعتهم على تلك التطورات،… كما أطلعت بعض نواب وشيوخ المديريات الجنوبية… وقد لاحظت السلطات الحكومية أن المتمردين في توريت كانوا يبعثون بإشارات لاسلكية إلى يوغندا وغيرها فرأيت أن أوجه اليهم النداء التالي: ارتكبتم أكبر خطأ يرتكبه الجنود، وهو التمرد، وأريد أن أوضح لكم جميعاً، وبكل تأكيد أنكم إذا وضعتم اسلحتكم فسنجري تحقيقاً عادلاً في الأسباب التي دعت لتمردكم، وسيعطى كل منكم الفرصة ليدلي بأسبابه، وإذا وافقتم فسنعد مقابلة لمندوبكم مع مندوبي الحكومة في نقطة وسط، في طريق توريت جوبا ويذاع هذا، ويتم حسب خطة البحث في طريقة تسليمهم…. وقد أرسلت بوصفي وزيراً للدفاع تعليمات صريحة مشددة إلى ضباط قوة الدفاع بجوبا، قبل أن يبدأوا خطتهم، بأن يكونوا حريصين على استعمال أقل قدر ممكن من العنف، وأن يمنعوا جنودهم من الأعمال الانتقامية بالنسبة للثائرين …». لمزيد من التفصيل، انظر: سعيد، الزعيم الأزهري وعصره، ص 261 – 265. لمزيد من التفصيل حول استقلال السودان، والأحداث التي واكبته وبخاصة في ما يتعلق ببدايات الحرب بين الشمال والجنوب، انظر: مذكرات عبد اللطيف الخليفة: من تراثنا السياسي بين الخرطوم والقاهرة، 1949 – 1969، الكتاب الثاني (الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 1992)؛ بشير، مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع ومن الحرب الداخلية إلى السلام، وحسن مكي محمد أحمد، السياسة التعليمية والثقافة العربية في جنوب السودان (الخرطوم: شعبة البحوث والنشر بالمركز الإسلامي الإفريقي، 1983).
[21] في عام 1962 أنشئ بمدينة ليوبولد عاصمة الكونغو، الاتحاد الوطني السوداني الأفريقي للمناطق المغلقة بقيادة جوزيف أودوهو رئيساً وماركروم نائباً للرئيس ووليم دينق سكرتيراً عاماً، وأقري جادين نائباً للسكرتير عام، ومن أعضاء ذلك الحزب الأب ساترلينو لوهور. في عام 1963 عدل اسم الحزب لكي يكون الاتحاد الوطني الأفريقي (سانو) وأصبحت رئاسته بكمبالا عاصمة يوغندا، منذ ذلك التاريخ شرع سانو في تنظيم وتدعيم نفسه داخلياً، وفي خارج السودان، من بين نشاطاته في الخارج إرسال عريضة إلى الأمم المتحدة، ومُنظمة الوحدة الأفريقية، ولجنة غوث اللاجئين التابعة لمنظة الوحدة الأفريقية، شرح فيها مظلمة جنوب السودان، وطالب بتأليف هيئة دولية للتحقق في المشكلة. حظي سانو في داخل السودان بمساعدة الجنوبيين المتعلمين – خاصة عام 1962 حيث ألّف عدد من المتعلمين الجنوبيين وكثير منهم يعملون في خدمة الحكومة خلايا صغيرة قامت بنقل الأخبار وجمعت أموالاً للحركة بالخارج – في نفس الوقت ظلت الفصائل المختلفة من الجنود ورجال الشرطة الذين عاشوا في أرجاء الغابة منذ عام 1955 في موالاة الهجوم على رجال الجيش، ونقاط الشرطة من وقت لآخر، ولكن كان ينقصهم التنظيم والقيادة، وفي عام 1963 انضمت تلك الفصائل المختلفة تحت اسم «أنيانيا، وهي تعني سم الثعبان أو سم لا شفاء منه» وانتظمت تحت اسم الأنيانيا، وأصبحت الجناح العسكري لحزب سانو، ووردت أهداف الأنيانيا في منشور لها، وقد جاء فيه: «إن صبرنا قد نفد الآن، وإننا مقتنعون بأن استعمال القوة وحدها هو الذي يحسم الموضوع، ومن الآن فصاعداً سنعمل للأفضل أو الأردأ، إننا لا نطلب الرحمة ولسنا على استعداد لأن نرحم أحداً»؛ أول عمل قامت به الأنيانيا كان في أيلول/سبتمبر 1963، هاجمت نقطة شرطة وجيش في منطقة باشولا الواقعة على الحدود الإثيوبية؛ في عام 1964، استطاع الأب ساترلينو الحصول على بعض الأسلحة من طريق الكونغو، وهو ما ساعد الأنيانيا على توسيع نشاطهم بمنطقة بحر الغزال؛ في 1965 استطاعت الأنيانيا الاستيلاء على بعض الأسلحة والمعدات الحربية المرسلة من مصر والجزائر من طريق الجنوب لثوار الكونغو، وهذا ساعدها على تكثيف نشاطها. في تموز/يوليو 1970 ثار الكولونيل جوزيف لاقو قائد الجبهة الشرقية لقوات الأنيانيا ضد تافنق وأعلن قيام حركة تحرير جنوب السودان، وقد شرحت أغراض وسياسة الحركة بقيادة جوزيف لاقو، في كتيب صدر لجنود الأنيانيا في كانون الثاني/يناير 1972، وذلك قبل شهور من توقيع اتفاقية أديس أبابا، حيث كتب جوزيف لاقو: «إن هدف نضالنا واضح ومحدود، وهو حق تقرير المصير لشعبنا». لمزيد من التفصيل، انظر: محمد عمر بشير، مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع ومن الحرب الداخلية إلى السلام، ترجمة هنري رياض [وآخرون] (بيروت: دار الجيل؛ الخرطوم: دار المأمون، 1983)، ص 336 – 359.
[22] بتوقيع اتفاقية أديس أبابا في 27 آذار/مارس 1972، انتهت الحرب الأهلية الأولى في السودان بعد مرور سبعة عشر عاماً من آب/أغسطس 1955 حتى آذار/مارس 1972؛ ونستطيع القول إن من أهم العوامل التي ساعدت على التوصل إلى الحل السياسي للحرب عاملان: الأول، داخلي، يتعلق بالتغير الجذري في نِظام الحكم ونوعية النخبة الحاكمة وما تميزت به من سرعة في اتخاذ القرار، فضـلاً عن الاعتراف الرسمي لأول مرة بالتعددية في إطار السودان الموحد، الأمر الذي يعكس لنا بدوره مدى التطور السياسي الذي أفرزته الحرب الأهلية الأولى على مستوى التفكير السياسي السوداني، فللمرة الأولى يتم الإقرار والاعتراف بالتعددية في إطار السودان الموحد على مستوى الممارسة السياسية؛ الثاني، خارجي، يتعلق بالدول والهيئات، التي أسهمت في التوصل إلى الحل السلمي وتذليل بعض الصعاب بين الطرفين وشهدت التوقيع، الأمر الذي يوضح لنا البُعد الإقليمي للحرب الأهلية الأولى ومدى تأثيره في ماجريات عملية السلام، حيث أدّت الحكومة الإثيوبية تحت رعاية الإمبراطور الأسبق هيلاسلاسي دوراً مهماً تمثل بتوفير المناخ الملائم للطرفين من أجل الحوار، ذلك من خلال ممثله الذي حضر المباحثات وشهد التوقيع، فضـلاً عن الدور الذي أدّاه مجلس الكنائس العالمي والسكرتير العام لمجلس كنائس أفريقيا.
[23] نعتبر الأسباب الذاتية، تلك البواعث التي تعد نتاجاً لمخرجات البيئة السودانية في سياقاتها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية أيضاً، بينما نعتبر البواعث الموضوعية تلك الأسباب التي تمثل إفرازاً لتوجهات المحيط الدولي إقليمياً وعالمياً أو الاثنين معاً والتي تعد صيرورتها حتمية يتعذر، بل يستحيل تلافيها وتجنبها إذ تجلت في اعتبار فهم ما هو كائن في صورة نزاع يمثل صراع الأضداد والنقائض المتنافرة الكائنة في شطرَي القطر السوداني شماله وجنوبه. في ما يتعلق بصراع الأضداد والنقائض المتنافرة الكائنة في شطرَي القطر السوداني، هذا ما كنا نعتقد فيه منذ فترة طويلة، وكتب عنه بالتفصيل منصور خالد – الذي يُعد من أفضل من كتبوا بصورة علمية وموضوعية على الصراع والحرب بين الجنوب والشمال السوداني؛ لمزيد من التفصيل، انظر كتب منصور خالد: تكاثر الزعازع وتناقض الأوتاد: حول قضايا التغيير السياسي ومشكلات الحرب والسلام في السودان (الخرطوم: مدارك، 2010)؛ لا خير فينا إن لم نقلها (الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 1982)؛ السودان والنفق المظلم: قصة الفساد والاستبداد (مالطا: دار آدم للنشر، 1985)؛ الفجر الكاذب: نميري وتحريف الشريعة (القاهرة: دار الهلال، 1986)، والنخبة السودانية وإدمان الفشل، 2 ج (القاهرة: دار الأمين للنشر والتوزيع، 1993).
[24] نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان منذ الاستقلال وحتى الانتفاضة: دراسة في العوامل المؤثرة في السياسة السودانية 1898 – 1985، ص 250.
[25] B. Young-Bure, «The First Decade of Development in the Southern Sudan,» paper presented at: Conference on North-South Relations since the Addis Ababa Agreement (Khartoum: Institute of African and Asian Studies, University of Khartoum, 1988).
[26] خالد، السودان والنفق المظلم: قصة الفساد والاستبداد، ص 115.
[27] هناك جملة من الأسباب أدت إلى انهيار اتفاق أديس أبابا، وتعطيل المشروعات التنموية كافة، واندلاع الحرب مرة ثانية، وتعددت الكتابات في هذا الصدد، ويمكننا أن نجملها في النقاط الآتية: (1) الشكوك التي صاحبت توقيع الاتفاقية حيث لم يكن كل الجنوبيين موافقين على إبرام الاتفاقية، فقد كان هناك تحفظ خاصة من بعض القيادات الجنوبية التي ترى أن جوزيف لاقو قد باع القضية، فضـلاً عن تشكك العديد من قادة العمل السياسي المايوي في الكثير من بنود الاتفاقية، حيث ذهب البعض منهم إلى وصف المفاوضين بالخونة، إذ كيف يوافقون على استيعاب وتغلغل المتمردين في صفوف الجيش النِظامي. من جانب آخر يرى البعض أن توقيع الاتفاقية يؤدي إلى إضعاف الوحدة العربية، البعض الآخر يرى أن الاتفاقية نهاية لتوجهات السودان العربية – الإسلامية، إلى غير ذلك من العوامل التي صاحبت توقيع الاتفاقية وأدت فيما بعد إلى فقدان الثقة في نهاية الأمر؛ (2) عدم التزام الحكومة المركزية بتنفيذ بعض بنود الاتفاقية المتعلقة بالمسائل الأمنية، مثل استيعاب جنود الأنيانيا في صفوف الجيش النِظامي، الأمر الذي لم يتم بالصورة المتفق عليها؛ (3) التنقيب عن النفط في منطقة بانتيو عام 1978، والعثور عليه بكميات تجارية وتوقيع اتفاق مع شركة شيفرون الأمريكية وبروز اقتراح على الفور بإقامه إقليم جديد حول المنطقة كونها خارج نطاق الإقليم الجنوبي، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات والشكوك، فضـلاً عن القرار الذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 1980، الخاص بإقامه مصفاة لتكرير النفط في منطقة كوستي بدلاً من بانتيو، التي كان من المقرر أن تنشأ فيها مصفاة صغيرة لتكرير النفط لسد حاجات الشركة ومجلس المنطقة، الأمر الذي دفع مجلس الشعب الإقليمي إلى الاحتجاج لدى رئيس الجمهورية بغية إعادة النظر في القرار – وبخاصة أن إنشاء المصفاة في المنطقة سيتيح لها قدراً كبيراً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. رغم ذلك استمر العمل في إنشاء المصفاة بمنطقة كوستي، مع الوعد بقيام مصفاة صغيرة في بانتيو، إضافة إلى الخِلاف الذي نشب حول توزيع عوائد النفط وفرص توظيف وتشغيل الجنوبيين في مؤسسات الاستخراج والتكرير، أيضاً تعديل الحدود، فضـلاً عن تدخل شركة شيفرون في بعض المسائل الداخلية، هكذا مثَّل اكتشاف النفط، البُعد الاقتصادي للصراع بين الشمال والجنوب، فقد أدى اكتشاف النفط إلى تأجيج النزاع والتهاب حدته، بدلاً من أن يكون عامل تذليل وانفراج؛ (4) عدم مساعدة الحكومة المركزية للإقليم الجنوبي، في الحصول على الموارد اللازمة لتقدمه الاقتصادي، الأمر الذي يتنافى والاتفاقية، بشأن تقديم دفعة قوية لعملية التنمية في الجنوب، حتى تسد الفجوة في مستوى التطور الاقتصادي بين شقي القطر، بل إن مخصصات التنمية في الجنوب (1972 – 1977) لم تزد على 20.1 بالمئة من المخصصات المطلوبة لها، الأمر الذي يعكس لنا إهمال الجانب التنموي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، بل يعكس لنا الانتهاكات المستمرة للاتفاقية، التي تجاوزت مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وامتدت إلى مجال الحكم الإقليمي، وبخاصة من طرف الرئيس الأسبق جعفر محمد النميري؛ (5) تدخلات السلطة المركزية المتكررة في شؤون الإقليم الجنوبي، بما يتجاوز السلطات الممنوحة لها طِبقاً لاتفاقية أديس أبابا، خاصة الرئيس الأسبق نميري، مثل تدخله أكثر من مرة في تحديد اسم المرشح الرسمي، لرئاسة المجلس التنفيذي العالي للإقليم الجنوبي، الأمر الذي يتنافى والصلاحيات الدستورية التي تمكنه من القيام بهذا العمل، فضـلاً عن قراره القاضي بحل الوزارة ومجلس الشعب الجنوبيين في كانون الثاني/يناير 1980، عقب الصراع الذي نشب بين الرئيس الإقليمي جوزيف لاقو ورئيس مجلس النواب كليمنت أمبورو حول موضوع تقسيم الجنوب إلى مديرياته الأصلية الثلاث – أعالي النيل، الاستوائية، بحر الغزال -، الأمر الذي يتعارض ومنطوق الفقرة الثانية من الدستور، التي تنص على «أنه لا يجوز تعديل قانون الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية لسنة 1972 إلا طِبقاً لنصوصه»، بل يتناقض ورفض الأغلبية في الجمعية التشريعية للإقليم الجنوبي، فكرة إعادة التقسيم. لمزيد من التفصيل، انظر: منصور خالد: النخبة السودانية وإدمان الفشل، والسودان والنفق المظلم: قصة الفساد والاستبداد. انظر أيضاً: أبيل ألير، جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود، ترجمة بشير محمد سعيد (لندن: شركة ميدلايت المحدودة، 1992).
[28] ألير، المصدر نفسه، ص 241 – 242.
[29] صلاح محمد إبراهيم، أزمة الوفاق: وقائع الديمقراطية الثالثة في السودان (الخرطوم: كامل جرافك، 1994)، ص 40.
[30] حسن على الساعوري، ديمقراطية السودان.. إلى أين؟ (الخرطوم: دار الفكر، 1987)، ص 156.
[31] نص الميثاق في البند الثالث على «حل قضية جنوب الوطن في إطار الحكم الذاتي الإقليمي، الذي يقوم على أساس ديمقراطية بموجب صلاحيات محددة تحقق المشاركة الحقيقية لكافة القوى السياسية الممثلة لجنوب السودان» مع العلم أن هذه القوى الجنوبية غابت عن المشاركة في صياغة الميثاق وتوقيعه.
[32] رغم الجهود، والمبادرات العديدة التي بُذلت خلال الفترة الانتقالية من طرف الحكومة، والقوى السياسية المختلفة، والتجمع الوطني لإنهاء الحرب لم يكتب لها النجاح، ونُشير على سبيل المثال إلى الآتي: (أ) منذ تولي الحكومة الانتقالية السلطة، عقب انتفاضة السادس من نيسان/أبريل 1985، فإن أول عمل قامت به، تمثل بتعطيل دستور عام 1973، أما في ما يخص موضوع الحرب الأهلية، فاعتبرته الحكومة الانتقالية من القضايا الأساسية التي يجب حسمها بالحوار بغية ترتيب الأمور وإعادة تنظيم الحياة، غير أن موقف الحركة الشعبية – الجيش الشعبي لتحرير السودان، جاء مخيباً لآمال الحكومة الانتقالية، خاصة عقب البيان الذي أعلنته الحركة بعد ثلاثة أيام من الانتفاضة في 9 نيسان/أبريل 1985، المتمثل بعدم الاعتراف بسلطة المجلس العسكري الانتقالي ودعوة القوى السياسية لمواصلة الانتفاضة حتى يسلم المجلس العسكري السلطة لحكومة مدنية في غضون أسبوع (هناك بعض الروايات سادت في تلك الفترة، مفادها أن العقيد قرنق قد بعث برسالة شفوية – مبادرة – لرئيس المجلس العسكري الانتقالي في 6 نيسان/أبريل 1985، يزكي فيها تضمين ثلاثة من العناصر الموالية له في تشكيل القيادة الجديدة في البلاد، الأمر الذي تجأهله المجلس العسكري، ما أدى إلى اعتقاد قرنق بأن المجلس العسكري ما هو إلا امتداد لمايو وأطلق عليهم جنرالات مايو الثانية. من هنا جاءت القطيعة بين الحركة الشعبية والمجلس العسكري ومن ثم الحكومة الانتقالية. ورغم ان الانتفاضة خرجت من صلب الشعب وفعالياتها السياسية بما فيها الحركة الشعبية – الجيش الشعبي، إلا أننا نلاحظ في البيان الرقم (8) الصادر عن المجلس العسكري أن رئيس المجلس بدأ البيان بقوله «أنا الفريق …» من ثم ختم البيان موقعاً بصفته قائداً عاماً لقوات الشعب المسلحة، الأمر الذي يجعلنا نرجح بأن اعتقاد قرنق تولد نتيجة للبيان المشار إليه، وهذا دفعه إلى عدم الاعتراف بسلطة المجلس العسكري والدعوة لمواصلة الانتفاضة. ورغم أن هذا البيان يوضح عدم اعتراف الحركة بالمجلس العسكري ويؤسس لقطيعة بين الحركة الشعبية آنذاك وبين المجلس العسكري، غير أن الحكومة الانتقالية، كانت ترى أن الانتفاضة هي نتاج عمل ثلاث قوى ذات تأثير في ماجريات الأمور السياسية وهي التجمع الوطني لإنقاذ الوطن، القوات المسلحة، الحركة الشعبية – الجيش الشعبي لتحرير السودان (التجمع الوطني لانقاذ الوطن هو هيئة ضمت عدداً من الأحزاب والنقابات السودانية، تكونت أيام الانتفاضة في أواخر آذار/مارس وأوائل نيسان/أبريل 1985). يتضح لنا ذلك من خلال البيان الرقم (14) الخاص بتنظيم إدارة الأقاليم الجنوبية والصادر في 21 نيسان/أبريل 1985 من المجلس العسكري الحاكم (يحتوي البيان الرقم (14) الذي صدر في 21 نيسان/أبريل 1985 على إدارة الأقاليم الجنوبية في الفترة الانتقالية، كما نص في مادته الثانية على إلغاء القرار الجمهوري الرقم (1) لسنة 1983 الصادر عن الرئيس الأسبق نميري والقاضي بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، أيضاً نص في مادته الثالثة على إعادة العمل باتفاقية أديس أبابا للعام 1972، كما نص في مادته السادسة على قيام مجلس تنفيذي عال انتقالي لإدارة شؤون الإقليم الجنوبي مركزياً من مدينة جوبا حتى صدور قرارات المؤتمر القومي حول الجنوب). لمزيد من التفصيل، انظر: وثائق مجلس الوزراء الانتقالي «ملف وثائقي» «الخرطوم، أمانة المؤتمر الوطني»؛ (ب) الجدير بالذكر، من ضمن اهتمامات الحكومة الانتقالية بموضوع الحرب الأهلية ومحاولاتها البحث عن حل، صدور القرار التشريعي الرقم (27) بتاريخ 28 نيسان/أبريل 1985 الذي نص في مادته السادسة على أن «ينظم مؤتمر قومي يشارك فيه سياسيون جنوبيون وشماليون يمثلون مختلف وجهات النظر السياسية، ليضعوا إطاراً مقبولاً لدى عموم أهل السودان لحكم الجزء الجنوبي من البلاد على أسس ديمقراطية»، كما نص القرار في المادة السابعة منه «على التزامات الحكومة الانتقالية المتمثلة بتنفيذ ما ورد في الفقرة الرقم (6)»، أيضاً صدر القرار الرقم (87) بتاريخ 23 أيار/مايو 1985؛ لمزيد من التفصيل حول البيانين، انظر: وثائق مجلس الوزراء الانتقالي 1985 «ملف وثائقي»؛ (ج) أيضاً من ضمن محاولات الحكومة الانتقالية، قيامها بمجموعة من الاتصالات مع الحركة الشعبية – الجيش الشعبي لتحرير السودان، عرفت بمبادرات السلام – مبادرة السلام يقصد بها آنذاك: «أي خطوة عملية أو جهد فكري مُنظِم من أجل تحقيق السلام، والمبادرة في هذه الحالة تكون ذات أهداف واضحة ومحتوى برامجي وإجرائي يتم تبادلها أو تناقلها بين أطراف الصراع عبر قنوات متعارف عليها سواء أكانت دبلوماسية أو سياسية أو غيرها» – لمزيد من التفصيل، حول مبادرات السلام آنذاك يمكن الرجوع إلى ملف: جنوب السودان ومبادرات السلام «ج2» «ملف وثائقي» «وكالة السودان للأنباء، قسم البحوث، حزيران/يونيو 1995»؛ (د) طلب الحركة الشعبية آنذاك إلى تأجيل الإنتخابات إلى حين التوصل إلى اتفاق بين الطرفين في المؤتمر الدستوري المزمع عقده، ورغم ذلك أجريت الانتخابات في الفترة من نيسان/أبريل – أيار/مايو 1986؛ وغيرها من الجهود التي لم يكتب لها النجاح في ذلك الوقت.
[33] في ما يتعلق بموضوع الحرب الأهلية الثانية وكيفية المعالجة في إطار حكومة الإنقاذ، يمكن قراءة ذلك من البيان الأول في 3 حزيران/يونيو 1989 «ظلت بلادنا تتعرض في الأونة الأخيرة لأكبر خطر يتهددها منذ الاستقلال، خطر تمزق الوحدة الوطنية وانهيار الكيان الواحد. تقسم الوطن وذلك بسبب اتساع دائرة الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد في الجنوب وفي الغرب …» «أدت الروح الحزبية الضيقة والتوجهات العنصرية والقبلية المحدودة دوراً كبيراً في تاريخ الصراع وتعميق آثاره المدمرة… لقد كنا نراقب مسار المفاوضات والمحادثات الدائرة ولكن تبين أنها دخلت في دائرة المناورات والضغوط السياسية وانتهت إلى طريق مسدود لا ينجح سلاماً ولا يحقق استقراراً. وعليه فقد قررت ثورة إنقاذ السودان الآتي: تجاوز كل المناورات والمشروعات غير الجادة التي لا تجدي في السلام؛ مناشدة الذين حملوا السلاح على الوطن أن يعودوا مكرمين وأن يستجيبوا لنداء السلام والمفاوضة التي تحفظ لهم كرامتهم في المواطنة وحقوقهم فيها؛ تجاوز المناورات والصراع على قضية الشريعة وأي قضية أخرى من صميم النزاع إحالتها للشعب ليفصل فيها بالاستفتاء إذا لم تحسمها المفاوضات السلمية. لمزيد من التفصيل، انظر ملف: «جنوب السودان ومبادرات السلام، ج 2،» ملف وثائقي، وكالة السودان للأنباء، قسم البحوث، حزيران/يونيو 1995.
[34] في ما يتعلق بتجاوب الحركة الشعبية، ذكر صلاح محمد إبراهيم في مؤلفه أزمة الوفاق: «أعلن منصور خالد المستشار السياسي للحركة لصحيفة الحياة بتاريخ 12 تموز/يوليو 1989، أن الأمر لا يحتاج إلى وساطات بينهم وبين الحكومة. وأثار منصور خالد تساؤلات في شأن موقف الحكومة الجديدة من مبادرة السلام السودانية التي وقعت في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، ما يؤكد رغبة الحكومة في الالتقاء مباشرة بالحركة من دون وساطة. يذكر المؤلف «في نهاية تموز/يوليو 1989: «قام الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بزيارة لعدة دول أفريقية منها السودان وعرض وساطته للمساعدة في حل المشكلة، إلا أن الحكومة اعتذرت عن قبول الوساطة وذكرت أنها تفضل حالياً البحث عن حلول مباشرة مع الحركة». لمزيد من التفصيل، انظر: إبراهيم، أزمة الوفاق: وقائع الديمقراطية الثالثة في السودان، ص 110 – 116. وأخيراً اتفق الطرفان على ضرورة استمرار الاتصال المباشر بين الحكومة والحركة الشعبية بالإضافة لمواصلة المفاوضات في وقت لاحق يتفق عليه، الاتفاق حول استمرار شريان الحياة وتأمينه من الطرفين إضافة إلى إيقاف الحملات الإعلامية؛ وعقب لقاء أديس أبابا، بدأت الحكومة في إعداد مؤتمر للحوار الوطني حول قضايا السلام في السودان، وبناء على قرار مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الرقم (72) لسنة 1989، تكونت لجنة لتسيير الحوار، وشارك في المؤتمر ممثلون لقطاعات الشعب وفئاته المختلفة، كما وجهت الحكومة الدعوة بضمانات للحركة الشعبية للمشاركة في المؤتمر، إلا أنها اشترطت إطلاق سراح بعض السياسين والنقابيين، ورفع الحظر عن الأحزاب وإعادة حرية الصحافة وإلغاء قوانين نميري؛ بدأ المؤتمر أعماله في 9 أيلول/سبتمبر 1989 وبعد ستة أسابيع أنهى المؤتمر أعماله في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1989، خرج المؤتمر بتوصيات محددة تبنتها حكومة الإنقاذ وأقرتها كبرنامج للسلام. وتركزت التوصيات على وضع تصور لحل القضايا المهمة مثل المشاركة في السلطة، اقتسام الدخل القومي، التعبير عن التنوع الثقافي، علاقة الدين بالدولة؛ عقب مؤتمر الحوار الوطني، وبتحفيز مباشر من الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، بدأت الجولة الثانية من المفاوضات بين الحركة الشعبية والحكومة في العاصمة الكينية نيروبي في الفترة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر – 5 كانون الأول/ديسمبر 1989، أسفرت المفاوضات عن الآتي: اعتراف الحركة الشعبية ببرنامج الحكومة الذي طرح لأول مرة والمتمثل بمقررات مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام، واعتباره يشكل مجموعة من المقترحات البناءة التي تصلح كأساس لحل قضايا السودان، الأمر الذي ثمنه عالياً وأثنى عليه الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر؛ عقد مؤتمر دستوري لوضع دستور جديد للسودان يضم مختلف قطاعات الشعب السوداني بما في ذلك النقابات والمثقفين والمعتنقين لفلسفات سياسية مختلفة وعرضه على الشعب للموافقة عليه وفق قرارات المؤتمر الدستوري. لمزيد من التفصيل، انظر: مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، كتاب وثائقي، 9 أيلول/سبتمبر – 21 تشرين الأول/أكتوبر 1989 (الخرطوم: دار الأصالة للصحافة والنشر والتوزيع، 1990).
[35] تواصلت المفاوضات خلال الفترة من أيار/مايو 2000 إلى 2004، وتوصل الطرفان إلى سلسلة من المفاهمات جرى تضمينها برتوكول ماشكوس المؤرخ في 20 تموز/يوليو 2000 الوارد في الفصل الأول من اتفاقية السلام الشامل؛ الاتفاق على الترتيبات الأمنية المؤرخ في 25 أيلول/سبتمبر 2003 الوارد في الفصل السادس من الاتفاقية؛ اتفاقية تقاسم الثروة المؤرخة في 7 كانون الثاني/يناير 2004 الواردة في الفصل الثالث من الاتفاقية؛ برتوكول تقاسم السلطة المؤرخ في 26 أيار/مايو 2004 والوارد في الفصل الثاني من الاتفاقية؛ برتوكول حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المؤرخ في 26 أيار/مايو 2004 والوارد في الفصل الخامس من الاتفاقية؛ وبرتوكول حسم نزاع منطقة أبيي المؤرخ في 26 أيار/مايو 2004 الوارد في الفصل الرابع من الاتفاقية. لمزيد من التفصيل، انظر: اتفاقية السلام الشامل الموقعة في التاسع من كانون الثاني/يناير 2005 على الموقع: <http:/www.sudanmfa.com/agree-mof2>.
[36] تمثلت المرجعيات القانونية للمشورة الشعبية بالآتي: اتفاقية السلام الشامل لعام 2005؛ الدستور القومي الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2005؛ برتوكول حسم النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق 26 أيار/مايو 2004؛ الدستور الانتقالي لولاية النيل الأزرق لعام 2005؛ الدستور الانتقالي لولاية جنوب كردفان لعام 2006؛ مبادئ القانون الدولي، والمواثيق الإقليمية، والدولية المصادق عليها من قبل جمهورية السودان. ولتنفيذ برامج المشورة الشعبية، وبناءً على برتوكول ولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق، تم تكوين مفوضية للتقويم والتقدير في كل من الولايتين، وفقاً للمرسوم الجمهوري الرقم (29) لسنة 2007، والمرسوم الجمهوري الرقم (30) لسنة 2007، وذلك لكي تبدأ كل مفوضية في تنفيذ المهمات المكلفة بها، والتي من بينها التفاكر مع حكومة الولاية، والمجلس التشريعي، والمواطنين، وتقديم التوصية المناسبة في إطار إنفاذ البرتوكول ليتحقق الهدف المنشود من إرساء دعائم السلام والاستقرار. وتم تحديد رئيسين مشتركين لكل مفوضية على أن يعاونهم عدد من الأعضاء لهم الخبرات اللازمة في كل ولاية. لمزيد من التفصيل حول المشورة الشعبية، يمكن الرجوع إلى الكراسات التي نشرها معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم – الذي تولى مسألة الإشراف على برنامج تنفيذ المشورة الشعبية في المنطقتين: جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان – التي من بينها كراسة المشورة الشعبية الرقم (2). لمزيد من التفصيل، انظر: مالك عبد الله المهدي، بهاء الدين مكاوي وسامية أحمد، الدليل التعريفي للمشورة الشعبية (الخرطوم: جامعة الخرطوم، معهد أبحاث السلام، 2012).
[37] نُفيد بأن المرحلة الثانية «مرحلة التثقيف» نُفذت بالصورة المطلوبة، وعُقدت فعالية «ورشة» بعاصمة ولاية جنوب كردفان «كادقلي» خلال الفترة 5 – 7 حزيران/يونيو 2010، تحت شعار: «المشورة الشعبية من أجل سلام مستدام لولاية جنوب كردفان»؛ واحتوى البيان الختامي على أن: المشورة الشعبية أحد مستحقات اتفاقية السلام الشامل وقد ضُمنت في البروتوكول الخاص بحسم النزاع في ولاية جنوب كردفان. وتمّ تعريفها في القانون بأنها حق ديمقراطي وآلية لتأكيد وجهة نظر شعب الولاية للتسوية النهائية للنزاع السياسي وتصحيح أوجه القصور في تطبيق البروتوكول، واتفق المؤتمرون في هذه الورشة على بذل الجهد لإنجاح عملية المشورة الشعبية، تواثقاً وتعاهداً وفق بنود ميثاق الشرف الآتي: التأمين على أن المشورة الشعبية هي من مستحقات السلام الشامل، وحق ديمقراطي وآلية لتأكيد وجهة نظر مواطني الولاية للتسوية النهائية للنزاع السياسي، وتصحيح أي قصور في الترتيبات السياسية، والإدارية، والاقتصادية في إطار اتفاقية السلام؛ التشديد على الالتزام بالتثقيف المدني وتوعية مواطني الولاية ببنود هذا الميثاق الذي تم الاتفاق عليه وفق الآتي: أ – نتواثق أن المشورة الشعبية ملك لشعب ولاية جنوب كردفان، ولا بد من شرحها وفق التعريف والمفهوم الوارد في المرجعيات؛ ب – الاتفاق على تنفيذ المشورة الشعبية وفق ما جاء في الإجراءات الواردة في قانون المشورة الشعبية وما توصلت إليه آلية اللجنة الخاصة بالإجراءات؛ ج – التشديد على تنفيذ المشورة الشعبية وفق إرادة الجماهير؛ د – نتوافق على ضرورة إتاحة الحريات العامة لكل المواطنين للتعبير عن آرائهم حول تطبيق بروتوكول جنوب كردفان؛ هـ – الالتزام بأن يقوم أي فرد، حزب، تنظيم مجتمع مدني بالتثقيف المدني للمشورة الشعبية وفق الإطار القانوني والأطر الأخرى المتفق عليها في الإجراءات؛ و – الحفاظ على السلام، ورتق النسيج الاجتماعي بين سكان الولاية؛ ز – التوافق على محاربة الإقصاء، والابتعاد عن الميول السياسية، ونبذ العنصرية والجهوية، واستغلال الدين في التعبير عن مفهوم المشورة الشعبية وجعلها تحولاً ديمقراطياً حقيقياً. صدر في ختامها ميثاق شرف موقع، ومصادق عليه من حُكام الولاية آنذاك – الوالي: أحمد محمد هارون ممثل المؤتمر الوطني؛ ونائب الوالي: عبد العزيز حلو ممثل الحركة الشعبية – ورد فيه: «تشهد حكومة الشراكة بولاية جنوب كردفان بأن ورشة التثقيف المدني للمشورة الشعبية قد أجازت مفهوم، وإجراءات التثقيف المدني، وميثاق الشرف للمشورة الشعبية في الجلسة الختامية للورشة بتاريخ 24 جمادي الثاني 1431هـ – الموافق 7 حزيران/يونيو 2010م». لمزيد من التفصيل، انظر: المصدر نفسه.
[38] لمزيد من التفصيل، انظر: مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، كتاب وثائقي، 9 أيلول/سبتمبر – 21 تشرين الأول/أكتوبر 1989، ص 56 – 65.
[39] لمزيد من التفصيل، انظر: المصدر نفسه، ص 67 – 103.
[40] القرار الخاص بشق قناة جونقلي عام 1974 وما صحبه من اعتراض بعض القيادات الجنوبية وتحفظها حول إجراءات واتفاقيات إنشاء القناة، فضـلاً عن التظاهرات الطلابية في مدن الجنوب التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 1974، احتجاجاً على الشروع في تنفيذ مشروع القناة والشائعات التي صاحبته، كالآثار الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تنجم عن حفر القناة في المنطقة والخسائر التي قد تلحق بالمراعي والمزارع والمساكن، قيام مشروع لتوطين المصريين في المنطقة – وبخاصة أن موضوع القناة تزامن وعقد اتفاقية عسكرية مع مصر – اتفاقية الدفاع المشترك – ، توقيع اتفاق للتكامل بين مصر والسودان – ، رغم ذلك بدأ الجهاز التنفيذي للمجلس القومي لتنمية منطقة جونقلي أعماله في 1976 إلا أنها توقفت في عام 1983 بسبب اندلاع الحرب الأهلية الثانية. لمزيد من التفصيل حول قناة جونقلي، الفكرة، النشأة، المزايا، انظر: ألير، جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود، ص 201 – 220.
[41] كريس كوتشيرا، «هل يتجه السودان إلى انقلاب عسكري جديد،» اللوموند دبلوماتيك، العدد 16 (شباط/فبراير 1990)، ص 5.
[42] المصدر نفسه، ص 5.
[43] <https://www.sudanakhbar.com>.
[44] <https://www.alnilin.com>.
[45] ونُشير هنا إلى تراجع الصادرات من 11.1 مليار دولار عام 2008 إلى 1.7 مليار دولار عام 2013، ثم إلى 417 مليون دولار عام 2017، وانخفاض الصادرات من 11.4 مليار دولار عام 2010 إلى 4.1 مليار دولار عام 2017، لذلك يواجه السودان عجزاً كبيراً في الميزان التجاري وتمتص تحويلات العاملين في الخارج جزءاً من هذا العجز؛ ويبقى عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات كبيراً بنسبة 8.9 بالمئة من الناتج المحلي عام 2016 حسب تقرير صندوق النقد الدولي في أواخر عام 2017 حول استدامة المديونية في السودان؛ وكان الحساب الجاري لميزان المدفوعات به عجز نحو ثلاث مليارات دولار، حسب بيانات البنك المركزي؛ وهناك توقع بأن التدفقات الرأسمالية والمالية من الخارج قد تساعد على سد الجزء الأكبر من العجز لكنها متقلبة وتتسم بعدم التأكد لذلك لا يعول عليها؛ ويتوقع الصندوق استمرار العجز في حدود تسعة بالمئة من الناتج المحلي حتى عام 2022 وفي الأمد الأبعد في حدود 6.3 بالمئة، ويعوِّل على الاستثمار الأجنبي والاقتراض من الخارج لسد العجز، ما يعني أن الاقتصاد السوداني يعاني أزمة؛ في تقرير صندوق النقد الدولي وصل الدين الخارجي السوداني 52.4 مليار دولار؛ ويتعذر معرفة عبء الدين الأجنبي على الاقتصاد الوطني لكنه يبقى مرتفعاً وخارج نطاق الاستدامة مقارنةً بالصادرات، ونحو 84 بالمئة من الدين الخارجي صار متأخراً عن السداد منذ عام 2016؛ وكان الدين الخارجي 19.3 مليار دولار عام 2001، وبلغ 41.5 مليار عام 2011 – ذلك مقابل عدم قدرة الاقتصاد السوداني على الاقتراض من الخارج في السنوات الأخيرة. ونشير هنا إلى ارتفاع متوسط سعر الصرف الرسمي إلى 47.5 في تشرين الأول/أكتوبر 2018 – حيث كان 18 جنيهاً سودانياً نهاية آذار/مارس 2018، و6.68 جنيه نهاية آذار/مارس 2017 -، وارتفاع معدل التضخم من 25.1 بالمئة نهاية كانون الأول/ديسمبر عام 2017 إلى 55.6 بالمئة نهاية آذار/مارس 2018. <https://annabaa.org/arabic/economicarticles>؛ وفي مصادر أخرى وصل الدين السوداني عام في سنة 2010 إلى 51.95 مليار دولار؛ وهو بذلك يشكل 97.9 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للسودان؛ والمعروف أن المتخصصين يتجهون في أثناء الأزمات المالية إلى مقارنة حجم الدين العام بالناتج المحلي لها، فذلك يشير إلى مدى قدرة الدولة على أن تتخلص من الأزمة. وكلما كان حجم الدين العام أقل من حجم الناتج المحلي، أعطى ذلك دلالات إيجابية على قدرة الدولة على التخلص من هذا الدين، والعكس صحيح. وعلى ذلك يتوقع أن تتزايد أزمة حدة الأزمة الاقتصادية. لمزيد من التفصيل، انظر: <http://www.economist/content/global>.
[46] <http://www.ashorooq.net/index.php?option>.
[47] <https://www.aljazeera.net>.
[48] مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، كتاب وثائقي، 9 أيلول/سبتمبر – 21 تشرين الأول/أكتوبر 1989، ص 80 – 102.
[49] Mark Frankel, «Boy Soldiers,» (Special Report) Newsweek (7 August 1995), p. 17.
[50] <https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages>.
[51] مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، كتاب وثائقي، 9 أيلول/سبتمبر – 21 تشرين الأول/أكتوبر 1989، ص 83.
[52] <https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages>.
[53] مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، المصدر نفسه، ص 97 – 98.
[54] عبد الغفار محمد أحمد وسامية الهادي النقر، السودان: مستقبل التنمية والسلام (القاهرة: مركز الدراسات السودانية، 1995)، ص 99.
[55] مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، المصدر نفسه، ص 98 – 101.
[56] <https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages>.
[57] مؤتمر الحوار حول قضايا السلام، المصدر نفسه، ص 75 – 82.
[58] هنا نشير على سبيل المثال إلى أن زيادة حدة التضخم بدأت منذ عام 2017 بصورة واضحة وجلية، ويتضح ذلك من خلال موازنة عام 2017، حيث اعتمد البرلمان السوداني بالإجماع الموازنة العامة للعام، وبلغت إيرادات الموازنة 77.7 مليار جنيه، ما يعادل 11.6 مليار دولار بينما بلغت المصروفات 96.2 مليار جنيه، نحو 14.3 مليار دولار، وبلغت نسبة العجز في الميزانية 19.5 مليار جنيه سوداني 2.8 مليار دولار أي ما يعادل نحو 2 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي. وتشير المؤشرات العامة لموازنة عام 2017 في السودان إلى إبقاء معدل التضخم في حدود 17 بالمئة، وتحقيق معدل نمو يتراوح ما بين 5 إلى 5.2 بالمئة؛ وكانت تستهدف الموازنة توفير موارد لاستكمال المشروعات الإنتاجية الزراعية وتخصيص مبالغ لكهربة عدد من المناطق في المركز والولايات وقيام طرق وإنشاء عدد من الجسور في الولايات، وخصصت أكثر من 29 مليار جنيه سوداني لقطاع الدفاع والأمن، كأكبر بند بينما بلغت مصروفات القطاع السيادي خلال العام المقبل 5 مليارات جنيه؛ وأعلن بدر الدين محمود وزير المالية السوداني آنذاك أن العجز في موازنة الدولة لعام 2017 سيرتفع إلى 19.5 مليار جنيه، مقابل 13.3 مليار لسنة 2016، مع انخفاض عجز الميزان التجاري إلى 3.6 مليارات دولار، بواردات 6.7 مليارات دولار وصادرات 3.1 مليارات دولار، وقال في تصريحات صحفية سنركز على زيادة حجم الصادرات من 2.9 مليار دولار إلى 3.1 مليارات، بجانب خفض الواردات من 7.1 مليار دولار إلى 6.7 مليار دولار؛ لمزيد من التفصيل، انظر: <https://alsudanalyoum.com/sudan-news/economy>.
[59] هنا نُشير إلى جانب من تقرير مجلة الإيكونوميست مفاده: إن الاقتصاد السوداني سيعاني كثيراً في الأعوام المقبلة بسبب انحسار عائدات النفط لجهة انخفاض إنتاجه، مبيناً أن الإنتاج حالياً يبلغ 115 ألف برميل في اليوم، ويتوقع أن يرتفع العام المقبل إلى 130 ألف برميل بدخول إنتاج مربع (6)، مبيناً بأن: ذلك لن يكون له أثر في الاقتصاد السوداني بسبب الانخفاض الكبير في سعر البترول عالمياً، فضـلاً عن انخفاض سعر البترول السوداني؛ وقطعت المجلة أن الاقتصاد السوداني بحلول عام 2019 سيعتمد كلياً على الديون الخارجية من الصين تحديداً؛ ومن ضمن تعليقات الخبراء الاقتصادين السودانيين على هذا التقرير، نُشير – على سبيل المثال – إلى تعليق الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم كبج الذي يرى أن: ما ذهبت إليه مجلة الإيكونوميست صحيح تماماً، وأوضح أن حكومة السودان أهدرت فرصة غالية عندما لم تستثمر فترة العصر الذهبي للبترول، حيث إن اتفاقيات إنتاج البترول منحت السودان نسبة 20 بالمئة من العائدات ارتفعت حتى وصلت إلى 60 بالمئة؛ وذهب كبج إلى القول: إن حكومة السودان حصلت على أكثر من 80 مليار دولار من عائدات البترول لم تحسن استخدامها. وأكّد أنه ذكر هذه الأرقام في مؤتمر اقتصادي حضره خبراء الاقتصاد من بينه بعض أعضاء الحزب الحاكم، وكان بدعوة من وزير المالية السابق علي محمود ولم يعترض عليها أي من الحضور على الرغم من أنهم كانوا من الخبراء الاقتصاديين؛ مشيراً إلى ارتفاع إنتاج البترول لا يكفي، مبيناً: أن حق السودان في البترول يبلغ 60 بالمئة من الخام، وإذا وصل الإنتاج إلى 150 ألف برميل في اليوم فهذا يعني أن حصة السودان تبلغ 90 ألف برميل وهي لا تكفي الاستهلاك المحلي من الغازولين وغاز الطبخ، في المقابل نجد أن إنتاج السودان من البنزين يفوق استهلاكه، وهو ما يوفر بعض المال لدعم استيراد الغازولين والغاز؛ معلقاً على – تقرير الإيكونوميست بأن الحل سنة 2019 سيكون باعتماد الاقتصاد السوداني كلياً على الديون الخارجية من دولة الصين، فيما ذكرت أن الاقتصاد السوداني حالياً يعتمد على الديون الخارجية من دول الخليج والصين وزيادة الضرائب. – بأن أزمة الإنقاذ في تعاملها مع الشأن العام بطريقة «كل واحد عاجبو الصارو»، مضيفاً: إن السودان تسلم عائدات بترول فاقت الثمانين مليار دولار من دون أن ينفق أي شيء، هدية «جاءته من السماء»؛ مشيراً إلى أن إحصائية عام 2006 للمسح الأسري أثبتت أن 46.5 بالمئة من جملة السكان يعيشون تحت حد الفقر في الشمال في ما بلغت النسبة 69.5 بالمئة في القطاع المطري في دارفور التي يبلغ معدل الأمطار فيها 1200 مليار متر مكعب، فلو أن الحكومة استغلت عائدات النفط هذه في مشاريع لحصاد المياه لما حدث ما يحدث الآن. كما يمكن عقد مقارنة بالتحسن الكبير الذي طرأ على معدلات إنتاجية الفدان في القطاع المطري بعد استخدام الحزم التقنية الحديثة، فلو أن الحكومة استخدمت عائدات النفط في توفير مدخلات الإنتاج من سماد عضوي وكيميائي وبقية المبيدات لكان الوضع أفضل الآن؛ كما لا ننسى أن 66 بالمئة من القطاع المطري التقليدي لا يجدون التمويل إلا عبر صغار التجار فيما يعرف بـ «الشيل» وهو أردأ أنواع الربا الذي حرمه الإسلام؛ مبيناً: إن الحل في أن يسمع أهل الإنقاذ والمؤتمر الوطني الرأي الآخر. وضرب مثـلاً لذلك بما حدث في تقديم بناء سد مروي على تعلية الرصيرص التي كان من شأنها أن يقوم عليها مشروع ترعتي كنانة والرهد اللتين يقوم عليهما مشروع زراعي تبلغ مساحته 2.6 مليون فدان – أي أنه – أكبر من مشروع الجزيرة الذي نفاخر به. مضيفاً: حتى سد مروي لم تستخدم فيه عائدات البترول، بل هو قرض بلغ أكثر من مليار دولار. هذا ما يؤكد غياب الرؤية الثاقبة والإدارة الرشيدة التي كانت من الممكن أن تحول عائدات النفط للإنتاج الزراعي، فبدلاً من الاعتماد على الاقتصاد الزراعي المتجدد الإنتاج، أصبح الاعتماد على إيرادات النفط، الأمر الذي دفع بالبنك الدولي إلى كتابة تقرير عن حالة السودان الاقتصادية، قدم فيه توصية إلى الخرطوم تقول إن هناك ضرورة ملحة في أن يقلل السودان اعتماده على إيرادات البترول، وأن يشجع الاستثمار في قطاع الزراعة، هذا إذا أراد أن يتجنب مستقبـلاً الأزمات الاقتصادية. وأضاف التقرير أن الزراعة في السودان هي البديل الجيد من البترول في شأن دفع التنمية إلى الأمام في المدى المتوسط، حيث تؤدي تنمية القطاع الزراعي إلى توزيع الثروات على سكان الريف في جميع أنحاء البلاد. فالاعتماد على البترول، كان من نتائجه السلبية أن ركز الثروة في العاصمة من دون الولايات الأخرى التي انخفض دخل الفرد فيها بدرجة ملموسة، وهذه الظاهرة بالذات كانت من أهم أسباب التمرد في الأقاليم الأخرى ما أدى إلى تسميتهم بأقاليم الهامش؛ وأبرز الأمثلة على ذلك أزمة الجنوب التي بلغت خطورتها حد الانفصال، وأزمة دارفور التي تتفاقم، وكذلك أزمتا الشرق وأقصى الشمال. وقد أصاب الإهمال القطاع الزراعي، ومشروع الجزيرة الكبير الذي أنشأه الإنكليز في عام 1925 والذي تقلص كثيراً في السنوات الأخيرة. لمزيد من التفصيل، انظر: موقع البنك الدولي على شبكة المعلومات: تقرير البنك الدولي عن السودان في 11 حزيران/يونيو 2010؛ وزير الطاقة والتعدين السوداني، صحيفة الشرق الأوسط، 1/6/2010؛ المدير العام لمشروع الجزيرة، موقع سودانيز أون لاين، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2009.
[60] لمزيد من التفصيل حول فشل بعض النُخب السودانية في إدارة شؤون البلاد بطريقة رشيدة، انظر: خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل.
[61] بحسب أرقام وكالة الاستخبارات المركزية بلغت قيمة النفقات العسكرية السودانية في عام 2004 مقدار 587,000,000 دولار أمريكي؛ لمزيد من التفصيل، انظر: <https://ar.wikipedia.org/wiki>.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.