قام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بتنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 (الضفة وقطاع غزة)، وقد أُعلن عن النتائج الأولية للتعداد، ونُشرت عبر الموقع الإلكتروني الخاص به. وقد شمل التعداد متغيرات أساسية للأوضاع الديمغرافية والمساكن والمنشآت، وكنت أحرص خلال زياراتي للقرى والبلدات على الاستفسار عن عدد سكانها وانطباعاتهم عن النتائج الإحصائية الخاصة بقراهم وبلداتهم. كما أن اهتمامي بالمناطق المصنفة «ج»، ولا سيّما في منطقة الأغوار، وحرصي على متابعة التغيرات الاجتماعية فيها، أثار لدي العديد من التساؤلات حول نتائج التعداد، سأقوم في هذه الدراسة بقراءة عامة ومختصرة للتعداد، وكذلك قراءتها في سياق النقاش الديمغرافي الفلسطيني – اليهودي، فضلاً عن فحص التفاوت في الزيادة السكانية بين مناطق مختلفة، ومناقشة كيفية تناول الجهاز المركزي للإحصاء للمناطق المصنفة «ج».

أولاً: مؤشرات عامة

يبلغ عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة 4.705.601 نسمة‏[1] موزعين 2.830.284 نسمة في الضفة الغربية و1.875.317 نسمة في قطاع غزة. وتتوزع هذه الأعداد بفروق قليلة جداً بين الذكور والإناث، وقد بلغت الزيادة السكانية خلال السنوات العشر الماضية 20.9 بالمئة، وهذه الزيادة أقل بما يقرب من 1.2 بالمئة عن الزيادة السكانية بين الأعوام 1997 و2007. لكن الاختلاف الأبرز هو بين الزيادة السكانية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فقد بلغت الزيادة السكانية في قطاع غزة حوالى 25.5 بالمئة، بينما بلغت في الضفة الغربية حوالى 17.9 بالمئة، كما أن الزيادة السكانية في الضفة الغربية انخفضت خلال الأعوام العشرة الماضية (2007 – 2017) بنحو 3 بالمئة عن الزيادة السكانية في الأعوام (1997 – 2007)، بينما انخفضت في قطاع غزة 1.2 بالمئة في نفس السنوات. ولكن كيف يمكن فهم هذا الاختلاف في الانخفاض في الزيادة السكانية بين الضفة الغربية وقطاع غزة بين التعدادين السكانيين الأخيرين (2007 و2017)؟

الإجابة التي تتبادر إلى الذهن هي أن حجم الأسرة في قطاع غزة لم ينخفض كما هو الحال في الضفة الغربية، أي لم يتبنَّ سكان قطاع غزة الأسرة النموذجية الحداثية قليلة العدد، ولم تتمكن من إحداث التغيير في قطاع غزة كما هو الحال في الضفة الغربية، وأن الثقافة المحافظة والمتديِّنة في قطاع غزة تحد من هذا التغيير. ولكن هذه الاجابة غير دقيقة كما يظهر عند فحص المتغيرات الأخرى في عمليات الزيادة السكانية.

تشير نتائج التعداد السكاني في العام 2017 إلى أن عدد الأسر في فلسطين بلغ نحو 929,139 أسرة، منهم 594.429 أسرة في الضفة الغربية و334.710 أسرة في قطاع غزة. ويشير ذات التعداد إلى أن متوسط حجم الأسرة في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ 5.1 فرد، وذلك بمعدل 4.8 فرد في الضفة الغربية و5.6 فرد في قطاع غزة، أي أن الفرق بين المنطقتين هو حوالى 0.8 فرد، ولكن عند فحص التغييرات بشكل عمودي بين المنطقتين، أي الفرق بين العامين 2007 و2017، نجد أن متوسط حجم الأسرة في قطاع غزة عام 2007 بلغ حوالى 6.5 فرد وفي الضفة الغربية بلغ حوالى 5.5 فرد، أي أن الانخفاض في حجم الأسرة في الضفة الغربية بلغ حوالى 0.7 فرد، بينما بلغ في قطاع غزة حوالى 0.9 فرد، أي أن الانخفاض في متوسط حجم الأسرة في قطاع غزة أعلى من الضفة الغربية بفروق قليلة جداً (0.2 فرد)، وهنا يأتي دور المتغيرات الأخرى ذات العلاقة والمرتبطة بالحصار على قطاع غزة مقابل الحرية الحركية النسبية في الضفة الغربية، حيث أدت سياسات الحصار إلى الحد بصورة أساسية من هجرة سكان قطاع غزة إلى الخارج؛ فالسياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة تقوم على جعل الحياة في القطاع غير محتملة من خلال الزيادة السكانية وتضييق سبل العيش، أي تحقيق مقولة «أرض أقل وسكان أكثر»، وهذا يؤدي إلى الضغط على سلطة حماس لتقبل بالإملاءات الإسرائيلية، وبخاصة بما يتعلق بالموضوع الأمني. بينما سياسات الجسور المفتوحة مع العالم الخارجي في الضفة الغربية شجعت الكثير من الفلسطينيين على الهجرة، حيث لا تزال سياسة «عرب أقل وأرض أكثر» مهيمنة على عقلية الساسة الإسرائيليين في الضفة الغربية؛ أضف إلى ذلك أن سياسات السلطة الفلسطينية تشجع عملية الهجرة بطريقة ممنهجة ويتم الاحتفال بها كأحد إنجازات السلطة الفلسطينية لتخفيف أزمة البطالة في الضفة الغربية‏[2]. ورغم عدم وجود إحصاءات مناطقية (الضفة الغربية وقطاع غزة) حول الهجرة، إلا أن معطيات ومؤشرات المسح الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تظهر أن نسبة الهجرة في الضفة الغربية أعلى من قطاع غزة، دون أن يعني ذلك أن سكان قطاع غزة لا يرغبون في الهجرة، وإنما سياسات الحصار ونسبة وجود الفلسطينيين من غزة في الخارج الذين يمكن أن يسهلوا الهجرة أدنى من تلك في الضفة الغربية، مما يحد من أعداد المهاجرين. يشير المسح إلى أن 22 ألف فرد هاجروا للإقامة خارج الأراضي الفلسطينية خلال 2007 – 2009، وهذا العدد لا يشمل الأسر التي هاجرت بالكامل، ويحمل 5.9 بالمئة من مجمل السكان الفلسطينيين جنسية أخرى إضافة إلى جنسيتهم الفلسطينية الأصلية، حيث بلغت 9.2 بالمئة في الضفة الغربية مقابل 0.1 بالمئة في قطاع غزة‏[3].

تميزت محافظة الخليل بأعلى عدد سكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ عدد سكانها 711.223 نسمة، تليها محافظة غزة 657.597 نسمة، بينما شكلت محافظة أريحا أدنى عدد سكان حيث بلغ عدد سكانها حوالى 50.002 نسمة، بينما شكلت محافظة الخليل أعلى نسبة زيادة سكانية (22.3 بالمئة) (2007 – 2017) ومحافظة رام الله أدنى نسبة زيادة سكانية (14.9 بالمئة) في الضفة الغربية‏[4]، في حين شكلت محافظة خانيونس أعلى نسبة زيادة سكانية (26.9 بالمئة) ومحافظة غزة أدنى نسبة زيادة سكانية (23.9 بالمئة) في القطاع.

ثانياً: التعداد الفلسطيني في ظل الاستعمار

يعَدّ التعداد السكاني أحد أهم الركائز في الدول المستقلة لإعداد الخطط الاستراتيجية والتنموية، وتلخص الفقرة الأولى من مقدمة كتاب النتائج الأولية للتعداد 2017 أهمية التعداد واستحقاقاته: «يعتبر التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت ركناً أساسياً من أركان بناء الدولة، ويشكل تنفيذه استحقاقاً قانونياً وتنموياً وإحصائياً بموجب قانون الإحصاءات العامة للعام 2000، كما يمثل مظهراً من مظاهر السيادة الوطنية على الأرض. ويعد هذا التعداد الثالث الذي ينفذ في دولة فلسطين، فقد تم تنفيذ التعداد الأول عام 1997‏(*)، والتعداد الثاني عام 2007. ويأتي هذا التعداد بهدف توفير قاعدة بيانات إحصائية حديثة وشاملة، وتعكس صورة رقمية لواقع المجتمع الفلسطيني في شتى المجالات، وتلبي الحاجات الوطنية بناءً على التوصيات الدولية، وتوصيات الأمم المتحدة بشأن محتويات التعداد، لتكوّن بذلك العمود الفقري لبناء الخطط وتطوير السياسات والاستراتيجيات التنموية خلال العقد القادم»‏[5]. فالحكومات من خلال التعداد تعرف الزيادات السكانية وتعد تخطيطات البنية التحتية والخدماتية والتنموية وغير ذلك، «فلا تنمية بدون إحصاء»‏[6]. وفي ذات الوقت، تحتاج السلطات السياسية إلى التعداد من أجل تمكينها لوضع الخطط والاستراتيجيات السيادية وبسط السيطرة، حيث يساعدها التعداد على ترسيخ السلطة السيادية في أراضيها، أي وضع خطط الحكم والسيطرة والتحكم، لهذا قامت الدول الاستعمارية بتنفيذ الإحصاءات السكانية للبلدان التي استعمرتها؛ فعملية معرفة الخصائص الديمغرافية للإقليم يساعدها على تصميم خطط وآليات التحكم والسيطرة. فقد نفذت سلطات الاستعمار البريطاني إحصاءات سكانية في فلسطين من أجل أن تتمكن من وضع الخطط التي تتيح لها من بسط السيطرة والتحكّم بالسكان. كما تشير الدراسات إلى أن الاستعمار الصهيوني نفّذ إحصاءات سرية للقرى الفلسطينية قبل عام 1948، وكانت هذه الإحصاءات شاملة، من حيث الخصائص الديمغرافية والسكنية وغير ذلك‏[7]، وقد ساعدته هذه الإحصاءات على تصميم خطط الهجوم والتهجير للقرى الفلسطينية. كما نفذ الاستعمار الصهيوني بعد عام 1948 إحصاءً سكانياً للقرى الفلسطينية في أراضي 1948، كما قام بمسح سكاني للضفة الغربية وقطاع غزة بعد احتلالهما، واستخدم هذا التعداد لضبط السكان ومنع عودة المهجرين.

في سياق الاستعمار الاستيطاني يكون موضوع الخصائص الديمغرافية ذا دلالات سياسية حساسة، حيث يبقى الصراع في ظل هذا النوع من الاستعمار صراعاً سكانياً على الأرض بين المستعمِرين والمستعمَرين. فالخصائص الديمغرافية ليست حقائق أو معلومات موضوعية وحيادية، وإنما هي ذات دلالات سياسية وأيديولوجية، وهي ذات أهمية في الحاضر والمستقبل، فهي تحدد شكل ومستقبل البنية الاستعمارية، لذا يشكل موضوع الديمغرافيا أحد أهم أشكال الصراع في فلسطين، وتعمل إسرائيل على استيطان الأراضي الفلسطينية ووضع الخطط لاسكان المستوطنين في المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية فيها، وكذلك الحال في مناطق الضفة الغربية المختلفة، فأساس عملية الاستيطان هو سكان – أرض، ينبع من المقولة التأسيسية للمشروع الصهيوني القائم على «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب»، ومبدأ هذه المقولة التأسيسية قائمة على مبدأ الترحيل، ترحيل السكان الفلسطينيين من أرضهم وترحيل اليهود من العالم إلى فلسطين. كما تسعى جاهدة لبناء العديد من المستوطنات لمنع التواصل الجغرافي والسكاني بين الكتل السكانية الفلسطينية الرئيسية، وفي حده الأدنى خارج السيطرة والرؤية الإسرائيلية.

تشير عدة دراسات ومقالات إلى وجود سجالات ونقاشات صهيونية بشأن الموضوع الديمغرافي‏[8]. وتذكر هذه الدراسات أن الهيمنة اليهودية في فلسطين تتطلب وجود أغلبية يهودية، و«تبلغ النسبة التي تذكر عادة لضمان استمرار الأغلبية الديمغرافية اليهودية 80 بالمئة لليهود، و20 بالمئة للعرب، وهي نسبة جرت المحافظة عليها منذ سنة 1948»‏[9]، ولضمان هذه النسبة تعمل المنظمة الصهيونية على تشجيع الإنجاب وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. ومن جانب آخر تدور في الأوساط الإسرائيلية اقتراحات تتعلق بترحيل الفلسطينيين، ورغم عدم تبني هذه السياسة علناً، إلا أن الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تهدف إلى ذلك. لا يقتصر سجال الترانسفير على الفلسطينيين داخل «إسرائيل»، وإنما يشمل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأتي الأصوات «الخجولة» باقتراحات حل الدولتين للتخلص من «الخطر الديمغرافي»، وقد صرح شمعون بيريز أنه «أجل أن تبقى إسرائيل بلداً يهودياً على الصعيد السكاني والخلقي، هي بحاجة إلى وجود دولة فلسطينية»‏[10]، النقاش حول الموضوع الديمغرافي في إسرائيل لا يقتصر على السياسيين وإنما تشترك فيه مراكز الأبحاث والسياسات والأكاديميون.

ولا تزال إسرائيل تقوم بتنفيذ إحصاءات سكانية رسمية وغير رسمية للفلسطينيين، وتستخدم كل الطرائق والوسائل لتوفير الأرقام الدقيقة لعددهم وسبل عيشهم ومقومات وجودهم، وتستخدم لتوفير ذلك التصوير الجوي والمراقبة اليومية والمداهمات المنزلية وتصوير المنازل من الخارج والداخل وغير ذلك، بحيث يتمكنوا من معرفة العدد الدقيق للسكان والخصائص السكنية. والسؤال الذي أطرحه هنا: كيف يمكن فهم التعداد السكاني الفلسطيني ضمن سياق الاستعمار الاستيطاني؟ ما هي جدواه لكلا السلطتين، السلطة الاستعمارية والسلطة القابعة تحت الاستعمار؟ كيف يمكن فهم تعداد المناطق المصنفة «ج»؟ أين تكمن الخصوصية الفلسطينية في تجربة التعداد؟

ثالثاً: التوازن الديمغرافي الفلسطيني – اليهودي

حظي التعداد الأول الذي نفذته السلطة الفلسطينية عام 1997 باهتمام كبير، لأنه يؤسس لتوقعات مستقبلية تتعلق بالتوازن السكاني بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين جميعها، وما يرتبط بهذه التغيرات الديمغرافية من سياسات وخطط استراتيجية تتعلق بمستقبل الطرفين. واعتماداً على نتائج المسح الفلسطيني عام 1997، أعد يوسف كرباج، وهو مدير أبحاث في ميدان الديمغرافيا في المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية في باريس (في حينه)، دراسة حول التوقعات الديمغرافية الفلسطينية – اليهودية، أشارت إلى أنه وفقاً لاحتمالات التراجع في نسبة الخصوبة لدى الفلسطينيين وثباتها النسبي لدى اليهود، فإن الخصوبة لدى الفلسطينيين تبقى أعلى مما هي لدى اليهود، و«الفلسطينييون سيكونون أكثر عدداً بنسبة ملحوظة تصل إلى ما بين 56 بالمئة و58 بالمئة بحسب اتجاهات وفوارق الخصوبة المتوقعة، وسيشكلون، من دون انتظار نهاية مرحلة الإسقاطات، الأكثرية بعد 12 سنة، ابتداءً من سنة 2010»‏[11]. ويرى كرباج أنه لتحقيق التوازن الديمغرافي بين اليهود والفلسطينيين، يفترض أن يكون هناك، سنة 2018، ما بين 800 ألف و1.3 مليون يهودي، وهذا العدد أكثر من المتوقع نتيجة ازديادهم الطبيعي. ولهذا تحاول إسرائيل «استيراد» مهاجرين جدد لمعالجة الخطر الديمغرافي، فوسعت إسرائيل «قانون العودة» كي يشمل الأزواج والزوجات من غير اليهود، لذا، توجد نسبة كبيرة، تكاد تصل إلى النصف، من المهاجرين إلى إسرائيل ليسوا يهوداً، وذات النسبة هم من يبقون ويستوطنون في إسرائيل، هذا إضافة إلى العمال من العالم الثالث الذين «استوردتهم» إسرائيل للحد من استخدام العمالة الفلسطينية، وهذا يؤشر سلباً عن نسبة اليهود في إسرائيل. وبعد هذا النقاش حول التوقعات الديمغرافية، كيف يمكننا قراءة عدد السكان الفلسطينيين عشية عام 2018؟

نشر موقع «عرب 48» معطيات إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية حول السكان في إسرائيل في عام 2018، تشير إلى أن عدد السكان يبلغ 8.8 مليون نسمة، وقد سُجلت 180 ألف حالة ولادة خلال عام 2017. وحول التوزيع السكاني للإثنيات المتعددة داخل «إسرائيل»، تذكر هذه المعطيات أن عدد السكان اليهود بلغ 6.5 مليون نسمة، أي ما نسبته 74 بالمئة، بينما بلغ عدد العرب 1.8 مليون نسمة، أي ما نسبته 21 بالمئة، في حين بلغت نسبة الجنسيات الأخرى 4.5 بالمئة. ويشمل العرب الذين شملهم هذا العدد سكان القدس الذين احتُلوا عام 1967، ويقدر عددهم بأكثر من 300 ألف، وكذلك السكان السوريين في الجولان الذين يقدر عددهم بأكثر من 20 ألفاً. وتضيف هذه المعطيات أن 86 بالمئة من الزيادة بين السكان اليهود كانت طبيعية، بينما بلغت نسبة الزيادة الطبيعية بين السكان العرب 94 بالمئة، والجنسيات الأخرى 23 بالمئة‏[12].

يؤسس العامان 2018 و2019 مرحلة انتقالية في التوازن السكاني بين اليهود والفلسطينيين في فلسطين، فعدد سكان قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة عام 1967‏[13]، بلغ 4.780.978 نسمة، وعند إضافة السوريين في إسرائيل إلى عدد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، يصبح عدد الفلسطينيين والسوريين الكلي في فلسطين التاريخية 6.299.815 نسمة، بينما يبلغ العدد الكلي للمستوطنين اليهود في فلسطين التاريخية 6.5 مليون، أي بفارق حوالى 200.185 نسمة، أي أن نسبة السكان اليهود في فلسطين التاريخية تبلغ 50.8 بالمئة، وبهذا تكون توقعات كرباج الديمغرافية حول التوازن الديمغرافي غير دقيقة، وتحتاج إلى سنوات أكثر، حيث توقع كرباج أن نسبة السكان الفلسطينيين في فلسطين التاريخية بعد عام 2010 كان من المتوقع أن تبلغ 57 بالمئة – 58 بالمئة‏[14]. رغم ذلك، يبقى استنتاج كرباج بناء على المعطيات الديمغرافية بحاجة إلى دراسة، حيث «إن إسرائيل في حدود ما قبل سنة 1967 توفر إطاراً جغرافياً وسياسياً أكثر ملاءمة للمحافظة على الطابع اليهودي»، ويتساءل كرباج: ما هي آفاق هذا الخيار؟ لا شك في أن هذا الخيار مطروح في النقاشات السياسية الإسرائيلية، ولكن يبقى السؤال ما هي حدود الدولة الإسرائيلية التي تقترح في النقاشات الصهيونية؟

 

رابعاً: التعداد السكاني في المناطق المصنفة «ج»

إن الخصوصية التي يشكلها السياق الاستعماري الاستيطاني في فلسطين يجعل الاهتمام بالأوضاع الديمغرافية للمنطقة المصنفة «ج» أهمية كبرى، حيث تمثل هذه المنطقة الجبهة الأمامية في السياسات الاستيطانية الصهيونية، المتمثلة بالمقولة التأسيسية للكيان الصهيوني «أرض أكثر وعرب أقل»، وما تتطلب هذه السياسة من عمليات تطهير عرقي للفلسطينيين المقيمين فيها، ولهذا فإن الخصوصية التي تعيشها المنطقة المصنفة «ج» تحتم وجود اختلاف في كيفية تناولها في السياقات الديمغرافية عن مناطق أخرى من الضفة الغربية. وتخلق المنطقة «ج» توافقاً بين معظم الساسة الإسرائيليين بخصوص ضمها لإسرائيل، فقد تم عملياً ضم المنطقة الواقعة على طول السلسلة الغربية لجبال فلسطين الوسطى من خلال الجدار العازل، وكذلك الشريط الشرقي لتلك السلسلة عبر إجراءات أخرى متعددة‏[15].

تنقسم معالجتي لهذا البند إلى قسمين: يتناول الأول كيفية تناول التعداد مع المناطق المصنفة «ج»، بينما يتناول القسم الثاني حالات محددة من التغيرات الديمغرافية لبعض التجمعات الفلسطينية في المنطقة «ج».

1 – التعداد السكاني والمنطقة «ج»

تتكون المنطقة المصنفة «ج» في أغلبها من أراضٍ زراعية ومناطق رعوية، ويقع في هذه المناطق تجمعات سكنية فلسطينية ذات كثافة سكانية تقل نسبياً عن التجمعات الفلسطينية في مناطق «أ» و«ب». تبلغ مساحة المنطقة «ج» حوالى 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، ويقدر عدد سكانها بنحو 297.986 نسمة، موزعين على 532 منطقة سكنية‏[16]، يوجد بعض المناطق المستقلة بذاتها كقرى وبلدات، وأخرى هي أحياء تابعة لتجمعات تقع في مناطق «أ» و«ب»، وهذا النوع الأخير من هذه التجمعات يقع في منطقة جنوب الضفة الغربية، محافظة بيت لحم وبجزء أكبر محافظة الخليل. كما أن بعضاً من التجمعات الفلسطينية في المنطقة «ج» تتبع لذات التجمع الرئيس؛ فمثـلاً يوجد أربعة أحياء من مدينة الخليل تقع في المنطقة «ج»، وتم عدّها بشكل مستقل، وكذلك الحال في قرية الجفتلك، حيث قُسِّمت إلى أربعة أحياء تم عدّها بصورة منفصلة بالرغم من وجود كامل التجمع في المنطقة «ج» (انظر الجدول الرقم (1)).

الجدول الرقم (1)

توزيع مناطق «ج» حسب نوع التجمع

نوع التجمعمدينة – بلدةقريةقرية صغيرة – نجعمخيمالمجموع
عدد المناطق السكنية712581985532
عدد السكان123.189125.46031.542125.460297.986

المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، <https://public.tableau.​com/profile/ocha.opt#!/vizhome/VPP2013MMay21N-Basic24/DashBasic>.

وتدّعي إسرائيل أن هذه المناطق خالية من السكان الفلسطينيين، أو يسكن فيها مجموعات من البدو والرعاة الرحل. لهذا لا تعترف بالأغلبية الكبيرة من هذه التجمعات، ولتحقيق هذا الادعاء تعمل على الحد من الزيادة السكانية في المناطق المصنفة «ج» من خلال عدم إعطاء رخص لبناء وتطوير البنية التحتية وتدمير القائم منها، وكذلك المضايقة في سبل عيش السكان والحد من تحركاتهم وتنقلاتهم ومصادر رزقهم. وتبلغ مساحة المناطق التي خصصتها إسرائيل لتطوير البنية التحتية للفلسطينيين في المنطقة «ج» أقل من 1 بالمئة من مساحتها‏[17].

(*) هذه الأرقام من نتائج المسح الذي أجري عام 2013.

المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. “موجز بيانات مواطن الضعف في المنطقة (ج)،” ص 2، 

<https:/ / www. ochaopt. org/ sites/ default / files / ocha _opt fact_sheet 5_ 3_ 2014_ Ar_. pdf>.

 

إن الخصوصية التي تتمتع بها المنطقة «ج» تجعل طريقة معالجة الأوضاع الديمغرافية الفلسطينية فيها تختلف عن المناطق الأخرى؛ فالتجمعات السكانية الفلسطينية في المنطقة «ج» يجب تثبيتها كتجمعات مستقلة عن التجمعات الفلسطينية «أ» و«ب» القريبة منها، أي اعتبارها تجمعات قائمة بذاتها، وذلك بصرف النظر عن مدى قربها أو بعدها عن التجمعات الفلسطينية في مناطق «أ» و«ب». هذه الطريقة في تخطيط العملية الإحصائية الفلسطينية تجعل موضوع تثبيت هذه التجمعات كأمر واقع، ويمكننا من ترويج السياسة الإسرائيلية تجاه هذه التجمعات بأنها تستهدف تجمعات وقرى فلسطينية، وليس كما يتم ترويجه حالياً بأنها مجموعات سكانية غير ثابتة وغير مستقرة وما شابه.

إن طريقة تعامل التعداد السكاني الفلسطيني مع تلك المناطق تؤثر بشكل سلبي في صمودها أمام السياسات والممارسات الإسرائيلية. أحصى الجهاز المركزي جزءاً من التجمعات الفلسطينية في مناطق «ج» كتجمعات مستقلة، بينما دمج أحياء وتجمعات مع تجمعات أخرى رئيسية قريبة منها، ونُشر جدول بأعداد بعض هذه التجمعات‏[18]. ولكن هناك تجمعات كثيرة أخرى تعاني خطراً وجودياً وصمودياً ولم يتم إحصاؤها بشكل مستقل.

التجمعات الفلسطينية في المناطق المصنفة «ج» على طول الشريط الشرقي من الضفة الغربية وفي محيط مدينة القدس، وكذلك في جنوب الضفة الغربية، يجب العمل على تخطيطها فلسطينياً واعتبارها تجمعات فلسطينية قروية. فمثـلاً، تم إعداد خرائط التعداد السكاني للتجمعات البدوية في محيط القدس بدمج سكانها بعدد سكان البلدات القريبة منها، وبهذه العملية تم عدم الاعتراف ديمغرافياً، ولو رمزياً، بوجود هذه التجمعات، واعتبرت أحياء ملحقة ببلدة العيزرية أو السواحرة أو أبو ديس أو عناتا أو السواحرة الشرقية وغيرهم، وذلك بغض النظر عن مدى قرب أو بعد هذه التجمعات عن هذه البلدات. على سبيل المثال، لم يوفر التعداد أي بيانات عن تجمعات: الخان الأحمر، أبو نوّار، أبو هندي، جبل البابا، المنطار، وغيرها من التجمعات المنتشرة في هذه المنطقة، كذلك لا يوجد هناك أي معلومات توضح إلى أي بلدات تم دمج سكان هذه التجمعات. كما لم يتم ذكر البلدة التي تم دمج سكان التجمع البدوي في منطقة الخان الأحمر، وجزء من هذا التجمع تم إصدار أوامر من قبل المحكمة العليا (وغير قابل للنقض)، بإزالته وتهجير سكانه، ويقدر عدد سكان هذا التجمع بـ 614 نسمة‏[19]، والاعتراف ديمغرافياً باستقلال هذه التجمعات عن القرى والبلدات المحيطة بها يؤدي إلى فرض سياسة أمر واقع ويشرعن وجودها، وهو بنفس أهمية وجود بنية تحتية ومؤسسات مثل التعليم والصحة ومراكز العبادة في هذه التجمعات.

تتطلب هذه العملية تعاوناً وتنسيقاً مع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، وبخاصة وزارة الحكم المحلي وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، كما تتطلب إجراءات تتعلق ببحث كيفية شراء الأراضي التي تقع عليها هذه التجمعات، وتأسيس المجالس القروية، وغيرها من المؤسسات التي تفرض وجود هذه التجمعات كقرى مستقلة. وعدم وجود مثل هذه الخطوة تجاه هذه التجمعات يؤدي إلى عدم منطقية الطلب من سكان هذه التجمعات البقاء في مواقعهم وعدم الرضوخ لسياسات الترحيل الإسرائيلية، مع العلم أن هذه التجمعات أُنشئت منذ عقود وقد يستمر وجودها لعقود أخرى. هذه الآلية هي امتداد لصيرورة نشوء البلدات والقرى الفلسطينية. الأغلبية الكبيرة من التجمعات الفلسطينية أقيمت بصورة عفوية، وبعض هذه القرى والبلدات كانت عبارة عن تجمعات سكانية تابعة لتجمعات أخرى أكبر منها، ولكن مع زيادة عدد سكان التجمعات التابعة وبُعدها سكنياً عن التجمع الأم أصبحت تجمعات مستقلة. ولهذا فإن الوضع السياسي الذي تعانيه الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً التجمعات الفلسطينية المهددة في المنطقة «ج»، يتطلب أن تسعى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدعم صمودها وترسيخ وجودها كتجمعات فلسطينية مستقلة في الأماكن التي تقيم فيها.

قضية أخرى ذات أهمية في هذا الجزء، تتطلب الحالة الفلسطينية قيام الإحصاء الفلسطيني بتوفير معلومات وبيانات ديمغرافية وغيرها عن هذه التجمعات السكنية في المنطقة «ج»، مهما كبر أو قلّ عدد سكانها – باستقلالية، بما يشمل الأحياء التابعة للمدن والبلدات والقرى، وهذه البيانات توضح التغيرات الديمغرافية والسكنية في المنطقة «ج»، وتساعد المؤسسات المختلفة على عملية التخطيط التنموي والإغاثي، ويحد من فوضى الأرقام والإحصاءات التي تقوم بها المؤسسات المختلفة (وهو ما نتطرق إليه لاحقاً). ويعكس غياب توفير الإحصاءات عن هذه التجمعات من جانب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدم الاهتمام أو غياب الجدية في عمليات التخطيط أو التدخل التنموي أو الإغاثي للمؤسسات الحكومية تجاه هذه التجمعات. من هنا، فإن إدعاءات سكان هذه التجمعات بغياب الاهتمام الرسمي بهم هو أقرب إلى الواقع، وفي الحد الأدنى يدل على غياب الاهتمام الاستراتيجي والجدي والعلمي، ويبقي ما يتم تصميمه من تخطيط أو اجتماعات أو تصريحات نظرية وبعيدة من الواقع، وغياب هذه الإحصاءات يجبر المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على الاعتماد في أوراقها وبياناتها المختلفة على تقديرات إحصائية لمؤسسات دولية أو أهلية دون أدنى معرفة حول منهجية بناء هذه الإحصاءات.

2 – التغيرات الديمغرافية في المناطق «ج»

يتم تناول الإحصاءات والتغيرات الديمغرافية عموماً على مستوى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ككل (الضفة والقطاع)، أو على مستوى المحافظات. وتشير هذه الإحصاءات إلى التغيرات الديمغرافية والسكنية، ولكن هذا التناول يخفي في تفاصيله العديد من الاختلافات الديمغرافية، وفي هذا القسم سوف أتناول التغيرات الديمغرافية في المناطق «ج» من خلال تناول حالات معينة ومقارنتها بالتغيرات الديمغرافية العامة، حيث تختلف التغيرات الديمغرافية في المناطق «ج» عن مثيلتها في مناطق أخرى.

تشير نتائج الإحصاء الفلسطيني إلى أن الزيادة في عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة خلال السنوات العشر الماضية تبلغ 20.9 بالمئة، وبلغت في الضفة الغربية 17.9 بالمئة، وفي محافظة طوباس على سبيل المثال بلغت الزيادة السكانية 17.5 بالمئة. ولكن عند التفصيل أكثر في هذه النسبة نجد أن الزيادة السكانية في التجمعات داخل المحافظة ليست منسجمة، حيث الزيادة السكانية في القرى التي تقع في المنطقة «ج» قليلة بالنسبة إلى المناطق «أ» و«ب»‏[20]، وفي بعض القرى سالبة. مثـلاً يبلغ عدد سكان الجفتلك حسب التعداد السكاني 3100 نسمة، بينما كان تعدادها في عام 2007 يبلغ 3614 نسمة، أي انخفض عدد سكانها حوالى 19.8 بالمئة، وتعد قرية الجفتلك قرية مركزية في منطقة الأغوار، وأوصت بعض الدراسات أن يتم تطوير البنية الخدماتية في المنطقة لتصبح مركزاً خدماتياً لمنطقة الأغوار توازي الخدمات التي تقدمها مدينة أريحا. لكن يبقى السؤال حول أسباب انخفاض أعداد السكان في هذه المناطق، ويوضح الجدول الرقم (3) الزيادات السكانية لبعض التجمعات السكانية في منطقة الأغوار التابعة لمحافظتي أريحا وطوباس.

الجدول الرقم (3)

الزيادات السكانية لبعض التجمعات السكانية في منطقة الأغوار

المحافظةاسم التجمععدد السكان 2007عدد السكان 2017الزيادة السكانية
(نسبة مئوية)
طوباسبردلة(**)163716072.3
عين البيضاء(**)116311382
كردلة(*)307203−44.8
ابزيق(*)211129−56.5
الفارسية(*)151118−22.8
العقبة(*)10416840.5
المالح(*)3703540
خربة الرأس الأحمر(*)17974−131
خربة عاطوف(*)17121624
أريحامرج نعجة(**)71582813.6
الزبيدات(**)1421167915.3
مرج الغزال(**)20324316.4
الجفتلك(*)37143100−19.8
فصائل(**)1078163734
العوجا(**)4120522421
النويعمة(**)1245179430.6
عين الديوك الفوقا(**)8218857.2
مخيم عين السلطان(***)3160438427.9
أريحا(**)183462090712.2
دير القلط(*)41−3
مخيم عقبة جبر(**)7176896019.9
دير حجلة(*)81752.9
النبي موسى(*)3093439.9

(*) يقع التجمع بأكمله في المنطقة «ج».

(**) يقع جزء من التجمع في المنطقة «ج».

(***) يقع التجمع في المنطقتين «أ» و«ب».

 

فوضى الإحصاءات في المنطقة المصنفة «ج»

تحظى المنطقة المصنفة «ج» باهتمام مؤسساتي كبير، وتجري بعض هذه المؤسسات إحصاءات لجميع المنطقة أو لأجزاء منها، وينتج من تعدد الجهات التي تقوم بالإحصاء تعدد في النتائج الإحصائية، وربما يعود ذلك إلى تعدد مناهج هذه المؤسسات أو اختلاف التغطية الجغرافية للمنطقة أو لاختلاف استقلالية تجمع عن آخر أو لاعتبارات تتعلق بتعريف السكان الدائمين وغير الدائمين، وغير ذلك من الاعتبارات.

حسب المسح الشامل الذي قام به مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية (أوتشا) يبلغ عدد المناطق السكنية الفلسطينية في المنطقة المصنفة «ج» 532 منطقة، يقع جزء منها أو كاملها في المنطقة المصنفة «ج»، ويبلغ عدد السكان حوالى 297.986 نسمة، ويعَد هذا المسح رئيسياً وشامـلاً للمنطقة «ج»، وتوجد في موقع أوتشا الإلكتروني تفاصيل حول العديد من المتغيرات عن هذه التجمعات، ولهذا يعتبر هذا المسح مرجعياً لمعظم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وكذلك للباحثين، ولكن تعدد البيانات الإحصائية عن منطقة حساسة سياسياً يطرح الكثير من التساؤلات.

إجراء مقارنة سريعة بين بعض التجمعات السكنية في المنطقة «ج» التي أحصاها الجهاز المركزي للإحصاء بصورة مستقلة مع نتائج المسح الذي أعدته أوتشا يظهر وجود فروق في البيانات الإحصائية. وهذا يجعلنا نفكر أكثر في الإحصاءات الأكثر دقة والأقرب إلى الحقيقة بين المسحين، ولكن غياب تناول مفصل للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن التجمعات المصنفة «ج» يجعل المؤسسات المهتمة بالمنطقة، وكذلك الباحثين، يتبنون بيانات أوتشا، فمن غير المنطقي أن تقوم هذه المؤسسات بتبني بيانات المؤسستين نظراً إلى اختلاف المنهجية والنتائج الإحصائية، بينهما، كما أن شمولية التناول التي مارستها أوتشا (الصحة، التعليم، المياه، الكهرباء، الوضع الاقتصادي، والمساكن وغيرها) يجبر المؤسسات والباحثين على تبني النتائج الإحصائية الخاصة بأوتشا.

يوضح الجدول الرقم (4) الفروق الإحصائية بين مسح أوتشا ومسح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لبعض التجمعات التي تقع بشكل كامل في المنطقة المصنفة «ج».

(*) بعض التجمعات المدرجة في هذا الجدول تناولتها أوتشا بمناطق سكنية مختلفة، مثل النجادة والجفتلك، وقمنا بجمع هذه المناطق ليظهر العدد المدرج في الجدول.

خلاصة

يثير التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت للعام 2017 الكثير من التساؤلات، وتتعلق معظم هذه التساؤلات بالمنهجية والمعايير التي تبناها التخطيط للتعداد في ما يتعلق باعتبار تجمعات سكانية مستقلة وأخرى تابعة لتجمعات قريبة، وكذلك في ما يتعلق بكيفية معالجته للتجمعات السكانية في المنطقة «ج»، وفي هذا الصدد يتم التساؤل عن التوازن بين المتطلبات والمعايير الدولية والخصوصية الفلسطينية.

تشكل سنتا 2018 و2019 مرحلة انتقالية في التوازن السكاني بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين، ويتطلب ذلك استحقاقاً وطنياً في دراسة هذه الانتقالية وكيفية المحافظة على أن تكون في مصلحة الفلسطيني، كما يتطلب ذلك كيفية استخدام هذه الانتقالية في دعم القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.

تختلف الزيادة السكانية الفلسطينية من منطقة إلى أخرى، وعند فحص الزيادة في التجمعات السكانية في المنطقة «ج» نجدها قليلة، وفي أحيان أخرى سالبة، وهذا يعني وجود هجرات ونزوح من تلك المناطق إلى التجمعات الفلسطينية في المناطق «أ» و«ب»، وهو ما تعمل عليه إسرائيل في محاولة «لتنظيف» مناطق معينة من المنطقة «ج» لصالح التوسع الاستيطاني الصهيوني، وهذا يتطلب تضافر الجهود والإمكانات لتعزيز صمود الفلسطينيين وتعزيز مقومات وجودهم في تلك المناطق.

تشير عُلا عوض، رئيسة الجهاز والمدير الوطني للتعداد، إلى أن الجهاز أطلق منذ بداية التخطيط للتعداد «برنامجاً للحوار والتشاور مع مختلف الوزارات والمؤسسات الرسمية والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني، عبر لقاءات وندوات واجتماعات ثنائية، وورش عمل، بهدف الوصول إلى إجماع وطني على مستويات التعداد، وحشد كل الطاقات والجهود لإنجاحه». وهذا التصريح يثير الكثير من التساؤلات حول الاهتمام الجدي والعلمي والاستراتيجي لتلك المؤسسات في التجمعات الفلسطينية في المنطقة «ج»، حيث يبقى تدخل تلك المؤسسات في هذه المنطقة شكلياً، ومن أجل الحصول على تمويل من الجهات الداعمة المهتمة بهذه المنطقة، كما يبرهن على أن ادّعاءات سكان تلك التجمعات بغياب الاهتمام الاستراتيجي والعلمي بهذه التجمعات، وأنهم يواجهون وحدهم سياسات الترانسفير الإسرائيلية هو أقرب للحقيقة.

 

قد يهمكم أيضاً  فشل الخطاب الرسمي الفلسطيني في توصيف عنف المستوطنين وتوثيقه

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الإستيطان #الأراضي_الفلسطينية #فلسطين_المحتلة #التعداد_السكاني_الفلسطيني #سياسة_الترانسفير_الإسرائيلية #دراسات_ديمغرافية