مقدمة

تعاني الجزائر منذ فجر استقلالها أزمة هوياتية مُرتبطة بصميم كيانها القومي، وهي حالة مشهودة في بلدان عربية مشابهة، إلا أن الحالة في الجزائر أشد وأعمق‏[1] فما تزال إلى اليوم تشكو هزال كيانها القومي، والسبب أن كيانها القطري تأسس بتأثير قوي من العامل الخارجي يتمثل بالاستعمار الفرنسي الذي أحدث ما سمّاها المؤرخ أبو القاسم سعد الله «الصدمة الاستعمارية».

إن الاختلاف حول الهوية الجزائرية، الذي جعلها تُشحن بكثير من التناحرية في صوغها وفي تأثيرها الاجتماعي في الواقع الجزائري، ليس حول تعيين المحددات الثلاثة للهوية الجزائرية‏[2]: الإسلام (دين الدولة)، والعربية (اللغة الوطنية والرسمية)، والأمازيغية (لغة رسمية وفق التعديل الدستوري لـ 2016)، إنما حول التوليف والتركيب فيما بينها وتداخل المعرفي بالسياسي والذاتي بالموضوعي، مع طغيان البعد الأيديولوجي.

يظل التاريخ، إلى جانب مكونات هوياتية أخرى، كاللغة والدين، مادة شديدة الحساسية وسريعة الالتهاب كلما طُرحت المسائل ذات البعد الأمازيغي، أو المتوسطي أو العروبي الإسلامي، أو إذا كان الحديث عن شخصيات تاريخية وفكرية مثل القديس أوغسطين، وفرحات عباس، ومصالي الحاج وغيرهم… لتبقى النظرة إلى التاريخ نظرة انتقائية تفضيلية وإقصائية لبعض مكوناته، وهو ما يجعلنا أمام حقيقة أن تاريخ الجزائر يعد أهم الأطروحات الحساسة المتنازع حولها من طرف عدة جهات فكرية وأيديولوجية، إذ تسعى كل جماعة اجتماعية لتفسير هذه الظاهرة انطلاقًا من القيم المكوِّنة لوجودها، وهي بهذا تحاول الاعتماد على مرحلة، أو مراحل، تاريخية معيَّنة ترى فيها المرجع الذي ساهم في تكوين قيم وتراث ثقافي للمجتمع الجزائري.

المعلوم أن حالة التجاذب والتناقض التي بلغت حد الصراع بين التيارين المتناحرين ألقت بظلالها على المؤسسة التعليمية التي ما زالت تموج إلى اليوم بصراع أساسي بين فريقين، فريق يناضل من أجل استعمال اللغة الفرنسية ويمجد البعد التاريخي الأمازيغي والمتوسطي، وفريق يشدِّد على نصرة العربية ويمجّد الإرث العربي والفتوحات الإسلامية كبُعد تاريخي أساسي لهذا البلد. فقد اتسمت معظم استراتيجيات إصلاح المنظومة التربوية المُقترحة في خصوص التاريخ بالتناقض والاختلاف الكبير في الرؤى والتصور والسبب هو النظر إلى هذه المادة نظرة انتقائية وتفضيلية وإقصائية لبعض مكوناتها.

نقف من خلال هذه المقالة عند إشكالية الهوية والانتماء التي تزعزع إلى اليوم أمن واستقرار هذا البلد؛ فنحن نحاول رسم إطار عام للعلاقة الجدلية الموجودة بين التيارين المتناقضين والمتصارعين (العروبيون والتغريبيون) كما يمكن أن تُرصد اليوم في الجزائر، سواء كعلاقة قائمة بالفعل أو كما يمكن أن تقوم في المستقبل. وهي تستعيد بصورة أو بأخرى معطيات سبق تقريرها في أعمال سابقة. ومن ثم، تقدم المقالة أطروحات تؤخذ هنا كحقائق اكتُشفت أثناء بحث ميداني دام لسنوات‏[3]، كما تم الاستناد إلى بعض الحقائق سبق تبريرها في أعمال أخرى.

من أجل تشريح ظاهرة الانقسامية التي تميِّز الجزائر مجتمعًا ونخبة، نتَّجِه إلى الوقوف عند واحد من أهم مؤشراتها، إذ سنقوم بعرض أهم المحطات الخاصة بإصلاح المنظومة التربوية في خصوص مادة التاريخ التي يتجدّد مع كل محاولة لإصلاحها، احتكاك سجالي؛ وهو ما يعكس عمق أزمة الهوية وفداحة انقسامية المجتمع والنخبة معًا.

كما سنعرض أهم المسائل التي مثّلت محور خلاف في الإصلاحات (مراحل وأحداث تاريخية، شخصيات تاريخية وفكرية وغيرها)، وسنعتمد في هذه الورقة أيضًا على مؤشر دلالي مهم يكمن في الصحافة المكتوبة من خلال عرض توجهات بعض الصحف المُعربة والمُفَرْنَسة في شأن هذه المسألة الحساسة.

نسعى من خلال هذه المقالة إلى طرح تساؤلات للبحث والنقاش أكثر من تقديم حلول لها، فمشروعنا هو مد خط طويل من الإشكاليات والتعقيبات التي تُكسب الموضوع المطروح أهميةً وثراءً.

أولًا: حول أزمة الهوية والانقسامية في الجزائر

ورثت الجزائر، مجتمعًا ونخبة، عن المرحلة الاستعمارية آثارًا عميقة خلخلت مختلف جوانب البنية المجتمعية، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لتضعها في مرحلة ما بعد الاستقلال أمام أعباء وتحديات كبيرة لإعادة تثبيت هويتها الوطنية ضمن خيارات تعبر عن مصالحها الوطنية‏[4].

تحوَّلت القيم الثقافية وقضايا الهوية في الجزائر إلى موضوعات للنقاش والاختلاف بلغا حد الصراع عبر مختلف المؤسسات والتنظيمات وبين الجماعات الاجتماعية والنخب التي لم تعد تقرأ أزمة الدولة وأحداث المجتمع ومشاكله الحقيقية إلا في ضوء شبكتين اثنتين متناقضتين، الأولى تضم أصحاب التوجُّه التحديثي العلماني، أما الثانية فهي تضم أنصار الاتجاه العروبي الإسلامي.

قد يكون هذا المؤشر كافيًا للتنبيه إلى وجود مجموعتين اجتماعيتين اثنتين تمثلان مجتمعين مختلفين… فقد أظهرت قضايا في غاية الحساسية، مثل الدين واللغة والتاريخ وقانون الأسرة والمرأة وغيرها، مدى حدة وشراسة المواجهة الموجودة بين النخب الجزائرية التي بات تباين تصوراتها وتقييمها لمثل هذه المسائل ظاهرًا للعيان، وهذا ما أدخلها في دوامة من الصراعات والتناحرات بسبب تمسك كل طرف بمبادئه ظانًّا أنه هو وحده من يمثل كل الحقيقة. هذا ما يفسر من خلال عمل كل واحدة من النخبتين المتعارضتين من أجل ممارسة الهيمنة وعدم الاعتراف بالآخر.

يبدو أن الانقسام الثقافي هو أحد أعمق الانقسامات التي تميِّز المجتمع الجزائري، بل هو أشد أنواع الانقسامات تأثيرًا وتجذّرًا. فهو الذي وزّع الجزائريين على مجموعتين فكريتين وثقافيتين مختلفتين، مجموعة تفكر بحسب أنماط الثقافة العربية – الإسلامية وأخرى تبنّت ودافعت عن قيم ومعايير الثقافة الغربية‏[5].

ومثلما كان الاختلاف في التصور والإدراك بين النخب الجزائرية حول اللغة التي هي «الرابط الذي يكوّن المجتمع»‏[6] سُجل اختلاف كبير في شأن التاريخ الذي كانت النظرة إليه نظرة انتقائية تفضيلية وإقصائية لبعض مكوناته. وهذا ما يدعونا إلى الاعتراف بأن تاريخ الجزائر ما زال يمثل أهم الأطروحات الحساسة التي تتجاذب فيها عدة أطراف فكرية وأيديولوجية مختلفة ومتنازعة، إذ تسعى كل جماعة اجتماعية لتفسير هذه الظاهرة انطلاقًا من القيم المشكلة لوجودها وهي بهذا تحاول الاعتماد على مرحلة أو مراحل تاريخية معيَّنة ترى فيها المرجع الذي ساهم في تكوين قيم وتراث ثقافي للمجتمع الجزائري، وهو ما أكده مولود قاسم‏[7].

يمكن وصف النص السياسي الرسمي بأنه كان قد ركز على ظاهرة الانتماء العربي الإسلامي بوصفها الإطار الموحد للتكتل الثقافي والحضاري والتضامن العربي، وهو الأمر الذي وصفه المختصون بالمجازفة ونوع من أنواع الاستعراض السياسي لا غير، مؤكدين أنه من الضروري أن تؤخذ معالجة هذه المسألة بالحذر من الطرح الاختزالي وأن يتجاوز أطراف الخلاف المنظور والمنغلق على نفسه، إذ إن المسالة الهوياتية تتصل مباشرة بثوابت الأمة.

1 – المدرسة في قلب الصراع الهوياتي

تطرح الأزمات التربوية المتلاحقة في الجزائر أسئلة جدّية عن طبيعة التعديلات التي تشهدها المناهج التعليمية في إطار ما يسمى «إصلاح المنظومة التربوية» الذي تبقى ملامحه غامضة حتى الآن إلا أنه يقابَل دائمًا بقدر كبير من التحفظ والتوجس، وتنقسم الآراء في شأن إصلاح المناهج بين من يراها أداة تغريب ومن يعتقد بأنها وسيلة للتحديث.

شهدت الجزائر مراحل متأججة بالاحتقان والصراع خلال عمليات إصلاح المنظومة التربوية فيها. ويعد المختصون الحالة هذه‏[8] بمنزلة عجز عميق وفشل ذريع منيت به الدولة الوطنية في بناء مشروعيتها التاريخية بدليل تحول مؤسسة استراتيجية كالمدرسة إلى ساحة للعراك بين التيارين المتناحرين في الجزائر وهما: التيار العروبي الإسلامي والتيار اللائكي العلماني، وهو ما عقّد أوضاعها أكثر فأكثر في المرحلة الحالية بسبب احتدام جدل عميق بين عدة أطراف في خصوص إصلاح منظومتها‏[9] لتتحول هذه المسألة بصورة علنية ورسمية إلى إشكالات وفرضيات غذتها مختلف الأطراف السياسية والفكرية والإعلامية.

دخلت وزيرة التربية السابقة بن غبريط منذ تكليفها بتسيير القطاع عام 2014، في تبني مخطط إصلاحي للمنظومة التربوية من أجل «معالجة الاختلالات المتراكمة» بحسب تصريحات الوزارة، واستعانت بخبراء دوليين لمراجعة الكثير من المضامين المرتبطة بـ«الانفتاح على المبادئ والقيم الإنسانية، والخروج من قوقعة الهوية وتعزيز مبادئ المساواة والانفتاح». نشير هنا إلى أنه من بين ما ميَّز إصلاحات وزارة التربية والتعليم آنذاك (خلال المرحلة الممتدة بين عامي 2014 و2019) هو اعتمادها على ما سمي «إصلاحات الجيل الثاني للمنظومة التربوية»[10]، لكن سرعان ما اصطدم مخطط إصلاح المنظومة التربوية بردود فعل قوية من طرف تيارات سياسية ودينية محافظة، حيث وجهت لها انتقادات شديدة بعد الكشف عن مضامين حديثة تسوق لمفاهيم وأفكار وصفها القائمون على المشروع بـ «الإنسانية والعالمية».

رفضت الأطراف التابعة للتيار المحافظ، ممثلة بجمعية العلماء المسلمين‏[11]، وأحزاب مثل النهضة والإصلاح، وصحف تميل إلى هذا التوجه، مثل الشروق والخبر…‏[12] توجهات الوزارة في الإصلاحات، ورأت فيها انسلاخًا عن مقومات المجتمع الجزائري وابتعادًا منها، كاللغة العربية والإسلام والأمازيغية. كما عبَّرت عن رفضها المساس بمكانة التربية الإسلامية، وباللغة العربية، وبالتاريخ الوطني في المناهج التربوية. وطالبت في المقابل بإصلاحات تتمشّى والموروث الحضاري للشعب الجزائري، وتتمّشى ومضمون بيان أول تشرين الثاني/نوفمبر (الوثيقة الأساسية للثورة التحريرية: 1954 – 1962) لا أن يُسيِّر القطاع بأيديولوجيتها الخاصة التي لا تتمشّى مع ما يريده الشعب، ولا مع مواد الدستور الذي ينُص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية».

يُذكر أن المدرسة الجزائرية عاشت عام 1999 أزمة كبيرة، وكان ذلك مع تقديم لجنة إصلاح المنظومة التربوية، أو مثلما تسمى «لجنة بن زاغو»، تقريرها النهائي إلى رئيس الجمهورية في آذار/مارس 2001‏[13].

لم يلقَ تقرير هذه اللجنة وإصلاحاتها المقترحة ترحيبًا لدى فئة «المعربين» الذين انتقدوه ورفضوه جملة وتفصيلًا، كما اتهموا من خلال تجمعات أو عبر الصحافة (هي الملاحظة التي سجلناها من خلال صحف تلك الحقبة) هذه اللجنة بالقول «إنها تريد أن تستقوي وأن تندمج تمامًا في الفرنكوفونية كمؤسسة…»‏[14].

2 – إصلاح مادة التاريخ أم العقدة من التاريخ

في الحالة الجزائرية، عرف تدريس مادة التاريخ اختلافات جوهرية من حيث الأهداف في ما بين النظم التعليمية، بعد الاستقلال مباشرة، في التسعينيات وفي سنوات 2002 – 2007. يجب التسجيل في البداية أن تاريخ الجزائر قد صيغ للتدريس بعد الاستقلال مباشرة، أي عامي 1962 و1963 على النحو الآتي:

– العهد الروماني.

– الغزو العربي.

– السيطرة التركية.

– وصول الفرنسيين.

الملاحظ في هذا التقسيم كيف أن كل ما يتعلق بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، بهوية المجتمع الجزائري الأصلية (الأنا الجزائري) إما أنه غُيّب تمامًا كما هو الأمر بالنسبة إلى الحقبة النوميدية أو عدّ غزوًا وسيطرةً في حين عُرّفت المرحلة الرومانية وحقبة الاحتلال الفرنسي تعريفًا يخلو من أي إشارة إلى صبغته الاستعمارية فسمّي «عهد» و «وصول».

شهدت الإصلاحات المتعلقة بهذه المادة الحساسة اختلافات عميقة بين النظامين القديم (1992 – 2002) والجديد (2002 – 2007)‏[15]، ففي حين تمثل مادة التاريخ في المناهج السابقة وسيلة مهمة لتكوين المواطن الواعي بكل ما يتعلق بهويته، جاءت في المناهج الجديدة كمجرد وسيلة لتنمية روح الملاحظة وتنظيمها وتدقيقها. ويرى ذوو الاختصاص‏[16] أن عبارة «ترمي بالدرجة الأولى» لها مدلولها الكبير في صوغ المناهج، وهذا ما يجعل بقية الأهداف الواردة في تدريس هذه المادة لا ترتقي إلى مستوى الهدف الرئيسي. وعلى أساس ذلك يمكن حسبان هدف تدريس مادة التاريخ المذكور في تقديم المادة أكثر دلالة على الهوية والحضارة في المناهج السابقة منه في المناهج الجديدة.

تم التشديد في محتويات مادة التاريخ في المناهج السابقة على ربط التلميذ بتاريخ وطنه، علمًا أنه تم تخصيص خمسة محاور من أصل ستة للتركيز على تاريخ الثورة التحريرية بتفاصيل تدل على ربط التلميذ بهذا التاريخ تحديدًا. في المقابل غلب على معظم محتويات المناهج الجديدة الطابع التحسيسي والإيقاظي‏[17].

يعتقد بعض الدارسين‏[18] بأن محتويات مادة التاريخ في المناهج السابقة أكثر انسجامًا مع البعد التاريخي، كون الموضوعات المقررة تصب في مجملها في ربط التلميذ بوطنه من خلال الصراع مع المستعمر ومحاربته حتى تكون الجزائر ذات سيادة، وهو شرط رئيسي لخوض معركة التنمية والتقدم.

ورغم ذلك يُعاب على المناهج السابقة أنها لم تحقق المعنى التام للبعد التاريخي، على أساس أن الربط جاء مقتصرًا على الماضي القريب، وكان الأجدر تناول جذور المجتمع الجزائري في هذه المرحلة المبكرة، وبصفة خاصة المراحل التاريخية الحاسمة مثل دخول الإسلام إلى الجزائر، حتى تكون أكثر رسوخًا وتأثيرًا في شخصية الأجيال القادمة.

الملاحظ أنه منذ تطبيق النظام التعليمي القديم خلال العشريتين الأخيرتين، أدخلت تغييرات في محتويات الكتب المدرسية، كما هي حال السنة التاسعة أساسي في عام 1992 – 1993 والطبعة الأخيرة للسنة الثالثة ثانوي (2001 – 2002). ولعل أهم ما ميَّز الإصلاحات المنتهجة بخصوص هذه المادة ابتداءً من عام 2002 هو تناول حرب التحرير الوطنية في نظام المدرسة الأساسية (1976 – 2002) من خلال ثلاث مقاربات مقسمة على ثلاث سنوات موجودة في البرنامج‏[19].

قدّمت مادة التاريخ أول مرة إلى المتمدرسين (في السنة الخامسة أساسي) الذين راوح سنهم ما بين 10 سنوات و11 سنة، وهو ما وصفه المختص رمعون بـ «حدث خاص ومؤسس…»

وفي الطور الموالي (في برنامج السنة السابعة أساسي) تم اعتماد حقبات زمنية متلاحقة ابتداءً من العصر القديم مرورًا بالعصر الوسيط فالعصر الحديث والمعاصر وصولًا إلى الظاهرة الاستعمارية في السنة التاسعة أساسي.

أما في السنة النهائية (الثالثة ثانوي)، اعتُمد التاريخ كظاهرة معاصرة يحمل في طياته العلامة الكاملة لتاريخ القرن العشرين، بالتركيز على حلقات الثنائية القطبية الشرق والغرب وظهور العالم الثالث‏[20].

طرأت تغييرات كبيرة على المناهج الجديدة لإبراز التاريخ الوطني ما بعد تاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1954، وبدأ يظهر هذا التوجه في طبعات كتب البرنامج القديم ابتداءً من السنوات التسعينيات، وخصوصًا لجهة السنة السابعة أساسي (طبعة معادة للسنة المدرسية 1992 – 1993 التي تتطرق إلى العصر القديم) والسنة التاسعة أساسي (طبعة سنة 1992 – 1993) والسنة الثالثة ثانوي (أعيد طبعها سنة 2001 – 2002) التي تعالج المرحلة الاستعمارية وحرب التحرير الوطنية.

تعرَّف تلاميذ السنة التاسعة أساسي أول مرة إلى السِّيَر الذاتية لكل من مصالي الحاج (مرفوقة بصورة)، وفرحات عباس وبعض أسماء قادة جبهة التحرير الوطني الذين تمكنوا من البقاء في قيد الحياة بعد الحرب، إضافة إلى بعض الشخصيات السياسية أمثال بوضياف، ورابح بيطاط، وكريم بلقاسم، وآيت أحمد، وبن بلة، وخيضر، وبن خدّة، وبوصوف وأوعمران إضافة إلى صورة تبين الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان من دون أسماء…!

يؤكد رمعون من خلال دراساته أنه تم «سرد التاريخ البطولي ومجهول في الوقت نفسه حيث لم يتم ذكر سوى الشخصيات المتوفاة «شهداء»، أو بالنسبة إلى المرحلة التي تسبق الحرب، أسماء مسؤولي جمعية العلماء المسلمين مع أقوال متعددة وصور تمثل ابن باديس، والإبراهيمي وقياديين آخرين»‏[21].

لم يتم التخلي عن التابوهات، إذ كانت صورة عبّان رمضان على سبيل المثال، تظهر ثلاث مرات في كتاب السنة الرابعة متوسط (بمناسبة مؤتمر الصومام في آب/أغسطس 1956 أو كعضو في لجنتي التنسيق والتنفيذ التي تعاقبت بين عامي 1955 و1956)، فلم يكن اسمه واردًا في مكان آخر‏[22].

نستخلص في الأخير وجود تصورين متناقضين في خصوص حرب التحرير الجزائرية، إذ ينظر فريق من النخب المثقفة إلى حرب التحرير بوصفها جهادًا تقليديًا (بالمعنى الحربي للكلمة)، في حين يعتقد الفريق الثاني أنها بمنزلة عملية متعلقة بالحركات الوطنية الحديثة التي كان هدفها الدولة الوطنية.

يؤكد عدد من الدراسات المهتمة بالمدرسة وإصلاحات المنظومة التربوية‏[23] أن إصلاح التعليم في الجزائر ظل محكومًا بأدوات تقنية واختزالية، كما أُلحق بتدريس مادة التاريخ أضرار كثيرة حين حُدد مفهومه ببعد وطني منغلق تمامًا على نفسه، وجعل هذه المادة الدراسية مادة تتسم بالملل والسآمة من حيث كثافة البرامج وبالغموض من حيث موضوعاتها المتناولة. إذا كان هذا هو رأي النخب المثقفة الجامعية والأكاديمية في خصوص إصلاح المنظومة التربوية ومادة التاريخ تحديدًا، فما هو رأي وموقف وتحليل النخب الإعلامية بخصوص المسألة نفسها؟

ثانيًا: أزمة الهوية والتاريخ والمدرسة تمتد إلى الإعلام

يتميَّز الخطاب الإعلامي المُنتج من طرف الإعلاميين الجزائريين وهو يتناول مسألة إصلاح المدرسة الجزائرية في علاقته بالهوية والتاريخ (إلى جانب اللغة والدين)، بالتأزم وعدم القدرة على خلق خطاب جامع ومُتفق عليه نسبيًا حول هوية اجتماعية واضحة للمجتمع الجزائري، إذ نلحظ أن مسألة الهوية في الجزائر تمثل «إشكالية قصوى ضمن فسيفساء المشهد الثقافي ككل»، وهذا ما يتجلى في انقسامية النخب الإعلامية الجزائرية حين يتعلق الأمر بنظرتهم إلى الهوية المجتمع الجزائري وتاريخه تحديدًا.

1 – الصحف المُفرنسة: المدرسة الجزائرية في خطر..!

ترى الصحف الناطقة باللغة الفرنسية مثل الوطن، وليبرتي، ولوسوار دالجري (Le Soir d’Algéri) أن المؤسسة التعليمية بمختلف أطوارها تعيش أزمة تسيير وتنظيم حقيقية رغم حساسيتها وأهميتها كمؤسسة اجتماعية، واصفةً النظامَ التعليمي المنتهج بالضعيف المفتقر إلى ميكانيزمات فعالة، مطالبة في الوقت نفسه بوجوب اتباع نظام وإجراءات تربوية وتعليمية عالمية تستجيب للتطورات الحاصلة من خلال بناء نظام تعليمي جديد‏[24]. وقد أبدت جريدة الوطن (وهي أقوى الصحف الجزائرية الناطقة بالفرنسية) معارضتها لأيديولوجيا المنظومة التربوية، ودعت في المقابل إلى وضع نموذج عصري يسمح باحترام الحريات الفردية وتطبيق العدالة ومختلف العناصر التطورية.

لا يمكن بحسب صحف هذا التوجُّه طرح إشكالية المنظومة التربوية الجزائرية في محتواها وأهدافها الثقافية الحضارية، وهي ألحَّت على أن تناقش من منظور المنهجية المتَّبعة في توصيل المعارف مُنتقدة بذلك أصحاب الاتجاه المحافظ الذين يربطون النظام التربوي والتعليمي بأهداف ذات بُعد ثقافي وحضاري ذي مرجعية عربية إسلامية محاولين بذالك إجهاض كل المساعي الهادفة إلى إخراج المدرسة من النفق الضيق.

تبدو ملامح الصراع الأيديولوجي واضحة في الإعلام الجزائري، فقد كتب الصحافي المثير للجدل كمال داود‏[25] مقالًا في صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية تحت عنوان «أنقذوا بن غبريط… أنقذوا أطفالكم». وجاء في المقال: «إذا أردنا ألّا يحمل أطفالنا الكلاشنكوف والراية السوداء الكئيبة (راية داعش) فعلينا إنقاذ السيدة الوزيرة […] لأن الجريمة التي ارتكبتها هي إرادتها في أن تكون مدرستنا راقية وحرة وعصرية، أما أعداء مشروعها فهم الإسلاميون والعلماء القاعدون الذين لا فائدة منهم للأمة والمصابون بهستيريا الهوية».

وقد رد الخبير في التعليم أبو بكر سعد الله، بمقال آخر في صحيفة الشروق[26]، جاء فيه: «… ألا يشعر الإنسان، وهو يقرأ هذه الأسطر بأننا مقدمون على حرب طاحنة يتقاتل فيها أبناء الشعب الواحد إذا لم نساند وزيرة التربية؟»، وتابع «إذا كان كمال داود، يرى حقًا هذا الخطر داهمًا فالظاهر أنه هو من يدفع إليه بهذا النوع من المقالات المُرعبة للمواطن. وإذا لم يكن الأمر كذلك فهو يعيش في كوكب آخر يصوِّر له ما يصور حول واقع المدرسة الجزائرية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها».

2 – الصحف المعرَّبة: المدرسة الجزائرية نحو الانزلاق

جزمت الصحف ذات التوجه العروبي مثل الخبر، والشروق، والفجر وصوت الأحرار أن المدرسة الجزائرية تعاني مشاكل موضوعية، فهي ضعيفة وناقصة في الهياكل والتأطير مُرجعة سبب ذلك إلى عدم الصرامة وارتجالية القرارات السياسية في شأن هذا القطاع الحساس، وقد تم اتهام وبلهجة حادة من أسمتهم الأقليات الفرنكوفونية بسعيهم إلى تغريب المدرسة الأساسية قصد تحقيقها مكاسب جديدة، وذلك رغمًا عن أغلبية الشعب الرافض لأطروحاتها هذا ما تؤكده عبارة: «… ولكنها (الجماعة الفرنكوفونية) تريد معاقبة هذه الأغلبية التي رفضتها في ثلاثة مواعيد انتخابية كاملة»‏[27].

لا ترفض صحف هذا التوجه فكرة اعتماد المدرسة الجزائرية على مناهج ذات طابع عتيق وديني يعكس المقومات الأساسية للمجتمع الجزائري، مع دعوتها الدائمة إلى تعميق وتطوير وإصلاح هذه المؤسسة الحساسة لكي تكون في حالة انسجام دائم مع المجتمع. ذلك ما جاء مثلًا في مقالة العدد 102 الذي أبرزت من خلاله الشروق العربي أهمية قيام المدرسة على أسس متينة كونها أهم مؤسسة اجتماعية تقوم بوظيفة التنشئة الاجتماعية والتلقين لمبادئ وقيم المجتمع.

3 – الصحف المُفَرنَسَة: الأمازيغية جزء من التاريخ

ترفض الصحف المُفرنسة مثل ليبرتي (Liberté) والوطن (El Watan) فكرة تسيّس التاريخ وعدّته ديناميًا، وهو في حالة تطور مستمر، لأنه يُصنع من وعي اجتماعي، هو هوية للمجتمعات، يتسم بالصراع، وعليه فالتاريخ في مفهومه العام لا يمثل ماضيًا أو مرحلة سابقة فقط، بل أكثر من ذلك فهو يرتبط بالدينامية والعمل والوعي الاجتماعي.

ففي العددين 747 و748 عام 1993 نشرت الوطن تحقيقين‏[28]، ركزت من خلالهما على فكرة جوهرية مفادها أن سبب أزمة الجزائر (العشرية السوداء) هو تسييس السلطات للتاريخ، ووصفت هذه الممارسة بغير الواعية، ورأت أن التاريخ يتغير والهوية تعرف حراكًا متواصلًا وبخاصة تلك القائمة على خليط من الثقافات. في ذات التحقيقين أعلن أن تاريخ المجتمعات هو ذاكرة ونشاط جمعي لا يمكن تقييده «بالثوابت»، وفي مقال آخر حمل عنوان «التاريخ أداة في خدمة السلطة» أعلنت الجريدة على لسان المؤرخ محمد حربي أن السلطة الجزائرية تتعمد استغلال واستعمال التاريخ لأغراض سياسية محضة.

وترى هذه الصحف التراث الأمازيغي جزءًا مهمًا من تاريخ المجتمع وثقافته، لكونه يعبِّر عن الأصول والجذور والاعتزاز والمنجزات الفكرية والمادية‏[29] .

ثالثًا: البعد المتوسطي وتجاهل حقبة الفتوحات

بدا اهتمام واضح للصحف المفَرنَسة، مثل ليبرتي والوطن، بالبعد المتوسطي الذي تعدّه واقعًا ومرجعًا تاريخيًا لا يمكن تجاهله. دافعت جماعة هذا التوجه عن التراث الأمازيغي الشفوي أو المكتوب، مؤكدة أنه ليس فولكلورًا فقط وإنما هو نموذج معرفي حضاري مرتبط خصوصًا بالهوية المعاشة وغير المعترف بها.

تموضع هذا التصور بعد الكبت الطويل، والبروز القوي للتوجه الإسلامي وفوزه الساحق في الدور الأول للانتخابات التشريعية نهاية عام 1991، بمعنى أن التراث الأمازيغي في نظر العلمانيين سيؤدي إلى وظيفة محاربة الأصولية ويتبين منطق الحضارة العصرية. كما نجد هذه الفئة (جماعة العلمانيين) ترفض مواصلة التعامل مع الأمازيغية كفولكلور فقط.

إن رفض صحف التوجه العلماني لمفهوم الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية جعلها ترى في التراث والحضارة المتوسطية فرعًا مهمًا في تكوين الثقافة الجزائرية. وهي بهذا تعتمد على الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية التي أجريت على مجتمعات شمال أفريقيا، لكن هذه الفكرة قد لاقت رفضًا ومعارضة من الطرف المعادي سواء في الحقبة الاستعمارية أو بعد الاستقلال. وصفت الوطن مرحلة الفتوحات الإسلامية بحقبة الغزو والتغريب؛ الموقف هذا تجلى مثلًا في مقال في العدد 1338 لعام 1995‏[30]، إذ رأى محرر المقال أن ما قامت به الدولة العثمانية لم يكن تحريرًا وإنما كان احتلالًا واستغلالًا لخيرات المنطقة والتوسيع وتشييد قوة على حساب المغاربة.

تعتقد صحف هذا التوجه أن المجتمع الجزائري يزخر بالإرث المتوسطي الذي يتمثل أساسًا بمختلف المؤلفات العلمية والفكرية والآثار المادية (خصصت الجريدة عددًا كبيرًا من المقالات للحديث عن التراث المادي «آثار» التي خلّفتها الحضارة الرومانية والاستعمار كشرشال، الجميلة، تيمقاد…)‏[31] .

1 – ثورة نوفمبر والأفكار الرجعية

يمثل الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر مرحلة تاريخية مهمة في الوزن والدلالة الرمزية في مخيلة الجماعات الاجتماعية التي تعدّه جانبًا مهمًا وحساسًا في العملية التاريخية. فثورة نوفمبر 1954 استهدفت بحسب الوطن الذهنيات والأفكار الرجعية البالية، إذ يعكس تقييم ثورة نوفمبر من جانبها التغييري والتطوري العلاقة التي تقيمها الجريدة بين قيمها وأهداف الثورة وهو ما يستوجب القول إن عملية إدراك هذه المرحلة مرتبطة اجتماعيًا وثقافيًا ببعض الفاعلين الذين يصنعون الثورة ضمن الأحداث التاريخية الأكثر تأثيرًا في تشكيل الوعي الجماعي.

يتضح هذا الفهم أكثر من خلال رفض هذه الجماعة «العلمانية» المتمركزة في مختلف الحقول، فاتخاذ قيم الثورة كمرجعية يدخل في إطار تحديد نظرتها إلى العالم الاجتماعي والثقافي، وهذا ما نلاحظه مثلًا لدى مختلف الأحزاب العلمانية والتنظيمات الأخرى المرتبطة بها، وهو ما يفسر رغبتها في الوصول إلى الاعتراف الاجتماعي الشامل من خلال نشر وتوزيع رأس مالها الثقافي الأيديولوجي. على الضد من هذا التصور ربطت الشروق قيَم ثورة نوفمبر بكل ما لديه علاقة بالدين والعروبة والقومية، إذ تؤدي الأطر المعرفية لهذا الاتجاه من خلال معتقدات العناصر الاجتماعية ورؤيتها للوجود الاجتماعي دورًا مهمًا في فهم وبناء هذه المراحل التاريخية وفق أسس معيارية تصنيفية.

2 – ماسينيسا… الكاهنة والقديس أوغسطين… رموز الحرية

يعدّ تقييم الصحف المُفَرنَسة مثل الوطن وليبرتي لبعض الشخصيات التاريخية والفكربة نتيجة منطقية تعكس خلفيات معرفية وأيديولوجية تبنتها وتدافع عنها من حيث إنها جزء يعبّر ويدافع بمستويات وطرائق مختلفة عن جماعة مرجعية بنت موقفًا وأفكارًا خاصة بها انطلاقًا من تصوراتها ونشاطها.

وصفت الجريدة ماسينيسا (Massinisa) بأنه رجل دولة عظيم، مؤسس الدولة الأمازيغية وبأنه شخصية وجب الاعتزاز والافتخار بها بدلادًأ التشكيك في إخلاصها للوطن‏[32]، أما يوغرطة فقد وصفته الجريدة بالثوري والوطني ورمز البطولة لأنه قاوم الأجنبي ببسالة.

تعترف الوطن بأن الكاهنة هي امرأة حاربت من أجل شعبها الأجنبي، فهي رمز الحرية رغم إساءة الكثيرين لها.

أما القديس أوغسطين (Saint Augstin) فقد وُصف بالرجل العادل، المتدّين والمحب لوطنه والمقاوم، فالقديس أوغسطين بحسب الجريدة تفادى السقوط في فخ الصراعات العقائدية على حساب الوطنية، إنه الرجل العظيم الذي تعرّض للإساءة من جانب الكثيرين ممن اجتهدوا في تشويه صورته‏[33].

كما ترى أن قيم المقاومة وأهدافها، ومن بعدها الثورة، مرتبطة اجتماعيًا وثقافيًا ببعض الفاعلين الذين صنعوا هذه الأحداث والتي لا تنكر تأثيرها في تكوين الوعي الجماعي في طابعه المعصرن الرافض لمفهوم الرجعية. ورأت أن ما خلفته بعض الشخصيات في الثورة والحركة الوطنية أمثال عبّان رمضان وفرحات عباس‏[34] هو إرث حقيقي لا تملك إلا تخليده. «الحديث عن الذاكرة الجماعية للجزائر يبدأ من خلال الحديث عن المؤسسين، والأمير بلا أدنى شك هو أحد أهم الأعمدة والآباء المؤسسين للدولة الجزائرية الحديثة»‏[35]. أما الصورة التي أعطتها الجريدة لعبّان رمضان (وإن كان عدد المقالات التي خص بها الرجل قليلة، لم تتعدَّ المقالين) فاشتملت على وصفه بالثوري النزيه الذي ساهم في تكوين الوعي الجماعي في طابعه المعصرن. عبان رمضان بحسب الجريدة هو أيضًا الرجل الشجاع المحنك الذي وجّه بطريقته الذكية الحركة الوطنية‏[36].

وفي خصوص فرحات عباس الذي كان أكثر شخصية سياسية حضورًا في الجريدة (ليس فقط من خلال عدد المقالات التي خصصت له والتي فاقت العشرين، وإنما من حيث نوعية المقالات أيضًا التي جاء معظمها على شكل تحقيقات مطوَّلة أخذ نصف صفحة أو صفحة كاملة مرفوقة بالصور، ففرحات عباس بحسب الوطن هو رمز للقيم الوطنية المتطورة لكونه رجلًا وطنيًا دافع عن رموز الدولة العصرية‏[37].

يعد مولود معمري بحسب الوطن المفكر الخالد والمثقف الكبير الذي حاول معالجة وتفسير قضايا الجزائر الملحة‏[38]. معمري المعروف بأطروحته المطالبة بالاعتراف بالأمازيغية كلغة وتراث حضاري يرى في الأمازيغية البعد القوي لثقافة الجزائر وشمال أفريقيا وقد ترجمت هذه الرؤية في الكثير من رواياته وأنشطته.

كاتب ياسين هو واحد من الأسماء التي ترددت كثيرًا في مقالات الوطن، فقد وُصف بالمفكر الجزائري العملاق وبصاحب الأعمال المسرحية الخالدة. لأنه الرجل المثقف والمبدع الذي ساهم بنشاطه الفكري في تحريك القضايا الجوهرية للمجتمع الجزائري، فمؤلفات كاتب ياسين القصصية تتمتع، بحسب الجريدة، بقيمة فنية وببعد ثقافي وحضاري قوي جدًّا حملت تصورات عصرية وحديثة لهذا المجتمع‏[39].

كما تصف الصحف المفَرنَسة مصطفى الأشرف بالمثقف الجزائري العظيم لكونه ناقش المسائل الثقافية بحكمة مقترحًا حلولًا معتدلة‏[40]، صاحب مشروع الازدواجية اللغوية التي كانت بمنزلة الحل الأمثل لإشكالية العربية والفرنسية في الجزائر.

انطلاقًا مما سلف ذكره نستخلص أن الصحف ذات التوجه العلماني، مثل ليبرتي والوطن، ارتبطت ببعض الشخصيات السياسية والفكرية كمولود معمري، من حيث وظيفتهم المتعلقة بنشر الأفكار والمشاريع الوطنية، وهذا ما تجلى بوضوح في حقبة ما بعد الاستقلال من خلال المناوشات التي تعرضت لها السياسة الثقافية التي ارتكزت على الإسلام دين الدولة.

3 – الصحف المعربة: البعد العربي الإسلامي أولًا

تعتقد الصحف المعربة وعلى رأسها الشروق اليومي والخبر بأن الإرث الوطني هو عربي إسلامي. من هنا فالأمازيغية جزء من هذا الأخير ومكمِّل له كون أن هناك نوعًا من التقارب في العادات والتقاليد والممارسات والتصورات بين المغرب والمشرق العربي حتى قبل الفتوحات الإسلامية غير أن الطريقة التي يطرح بها الطرف الآخر «العلمانيين» الأمازيغية تقلص أو تنفي البعد العربي الإسلامي وأي محاولة لإعطاء البعد الأمازيغي وزنًا كبيرًا في فهم المجتمع والثقافة سيؤدي بحسب الشروق إلى زعزعة وربما إلى تمزيق المنظومة القيمية والمراجع الأولى للمجتمع الجزائري.

أبدت جريدة الخبر اهتمامًا واضحًا بمقومات البعد الأمازيغي داعية إلى تكريس هذا البعد في البرامج التعليمية من خلال التعريف بشخصيات ورموز أمازيغية من أجل توحيد الهوية‏[41].

يؤدي التراث في نظر هذا التوجه دورًا مهمًا في تكوين الشخصية الوطنية وتدعيم إسلامية هذا المجتمع وعروبته منذ عهد الفتوحات الإسلامية. فالإرث العربي الإسلامي هو من منجزات السلف الصالح على وجه الخصوص، سواء في طريقة التفكير أو في العمل، وهو مجموعة من الممارسات الروحية والمادية التي سمحت بتكوين الحضارة العربية الإسلامية المختلفة عن بقية الحضارات. فالأمازيغية هي الإرث الجماعي للجزائريين يحمل خصوصية مغاربية، لذا فهي رفضت استغلاله لأغراض سياسية لكي لا يتناقض مع التراث العربي الإسلامي من خلال ربطه بكل ما هو أوروبي ومتوسطي. هذا ما تؤكده عبارة: «…يجب العمل من أجل إعادة الاعتبار للبعد الأمازيغي في الشخصية الجزائرية بهدوء الباحث الرزين بعيدًا من الطرح السياسي ذي الشحنة الأيديولوجية المنجبة للضغائن والأحقاد…»[42].

في المقابل لوحظ تجاهل جرائد هذا التوجه التام للبُعد المتوسطي وحقبة ما قبل الفتح الإسلامي، التي وصفت بالمرحلة التي لم تتخذ فيها معالم الدولة، كونها لم تستهدف استقرارًا بفعل ظاهرة التبعية والاستعمار «.. إنها مرحلة الاستلاب …»، بحسب الشروق نظرًا إلى انعدام الثوابت «… إنها الرَومنة (استنادًا إلى روما) المنطقة…»‏[43].

ترفض صحف هذا التوجه الاعتراف بالبعد المتوسطي كإرث تاريخي لكونه يتناقض مع التراث العربي والأمازيغي فعدَّته بعدًا مرتبطًا باستعمار وبكل ما هو أوروبي‏[44]، ويهدف إلى سحق الإسلام، وبخاصة السياسي منه؛ لذا فهي تتناقض مع مرحلة ثورة نوفمبر 54 وحقبة الفتوحات الإسلامية.

تحتل مرحلة الفتح العربي الإسلامي مكانة مرموقة في تصور الجريدة لما حملته من قيم ومبادئ سياسية وثقافية، ومن هنا فالإرث العربي الإسلامي بحسب جماعة الشروق «شعاع علمي وفكري عالمي»‏[45]. هذا ما عكسته الدلالات التي استعملتها الشروق العربي لهذا المفهوم مثل: الإسلام، العروبة، العلم، الحضارة، الفن، النور، الخلافة، الشعاع المشرق، الأصالة، التغيير، المصدر المهم، المصاهرة، لتوطيد القوة، الهيمنة، المفخرة، التقدم، العقل، الثراء، الإبداع، الهوية…

فهذا التراث هو منبع الثقافة والهوية الوطنية‏[46]، لكونه يقدم إلينا نموذجًا ثقافيًا يساعدنا على الفهم والتحكم في الواقع الاجتماعي. المقصود بهذا التراث العربي الإسلامي المنبع الأساسي للوجود الاجتماعي من حيث إنه يمثل الممارسات والإبداعات والتصورات التي انتهجها المجتمع الجزائري في فترات تاريخية مختلفة…‏[47]؛ فالأشكال والرموز المادية والروحية والعقلية ذات علاقة بنوعية المصادر الثقافية التي اعتمد عليها الفرد الجزائري والتي تتمثل بـ: الدين، اللغة، العادات… ومختلف التجارب المرتبطة بالوعي العربي.

تظهر لنا هذه النظرة عروبة التراث المغاربي الذي يفسر أهمية دخول الوافد العربي في شمال أفريقيا من حيث التغيير النوعي الذي حدث بفعل احتكاك البربر مع العرب في مختلف المستويات في التفكير والممارسات من خلال عملية الأسلمة والتعريب. هذا ما تم الوقوف عنده في مقال العدد 1827 للشروق اليومي.

4 – ارتباط ثورة نوفمبر بالفتوحات

إن نمط المشروع الاجتماعي والثقافي الذي تناضل من أجله الجماعة المعربة يجعلها ترى ثورة نوفمبر ومرحلة الفتح الإسلامي كوجهين لحقيقة واحدة مفادها أن منجزات هذه المرحلة وقيمها من حيث نوعية الأفكار التي تبنتها ووظيفتها في هذا التغيير الاجتماعي تدخل بصورة مباشرة – أو غير مباشرة – في بناء مجتمع ودولة عربية إسلامية تنتمي إلى الأمة العربية، ذلك لأن ارتباطها بالإسلام والعروبة يكفي لاتخاذها كمرجعية تاريخية.

كان لتماثل هاتين المرحلتين من ناحية الدور الذي قدمته في العملية التاريخية والحضارية صدى في الممارسة السياسية والثقافية والإعلامية لهذين التوجهين (الحداثي – العروبي) بنسب متباينة ومتعارضة أحيانًا، بسبب طبيعة كل توجه حيث تترجم في مختلف المواقف والمنجزات من خلال سياسة التعريب، تدعيم الثوابت، معارضة السلطة في بعض القضايا الإنتاجات المكتوبة.

5 – عقبة بن نافع، الأمير وابن باديس… رموز الإسلام

يعد الحضور القوي لشخصيات معينة وبنوعية تقييم أقل ما توصف بأنها إيجابية إنما يدل على تقبّل جماعة الشروق وتعاطفها مع رموز أمثال الأمير عبد القادر، وعبد الحميد بن باديس وأعضاء جمعية العلماء المسلمين، مالك بن نبي، وعبد الله شريط، ومحمد العربي الزبيري، وعلي بن محمد وبعض المفكرين الإسلاميين العرب. كما يمكن أن نفسر غياب أو التغيب التام لبعض الشخصيات التاريخية، رغم حضورها ووزنها الكبير في الساحة الوطنية والعربية، بعدم تقبّل جماعة الشروق للمبادئ التي تبنوها ويدافعون عنها.

وصفت جماعة الشروق طارق بن زياد بالشخصية العسكرية التي خدمت الدين، فقد عُرف ببطولاته العسكرية ودفاعه عن الإسلام في بلاد المغرب العربي؛ فطارق بن زياد في نظر الشروق هو السفينة التي لا تغرق‏[48].

أما عقبة بن نافع فتعرفه جماعة الشروق بأنه الفاتح الإسلامي الشجاع والفارس المغوار الذي عرف بمواقفه وببطولاته.

تعدّ الصحف المعرّبة الأمير عبد القادر بطلًا ومؤسس الدولة الجزائرية كما وصفته رمزًا للنضال الثقافي والأصالة وقد أبدت جماعة الشروق افتخارًا كبيرًا بشخصية الأمير لكونه مجاهدًا شجاعًا دافع إبان المقاومة الوطنية الأولى عن ثوابت الأمة الجزائرية الإسلامية، ولهذا الغرض فهي لا تمانع في القول بأنه رمز من رموز الإسلام‏[49].

يعدّ الأمير عبد القادر أحد أهم الشخصيات التاريخية التي ساهمت في تشكيل الوعي الجماعي في طابعه المعصرن. فهو بحسب جماعة الشروق «… جامع لشتات القبائل والمُخطط العسكري القوي الذي أرهب فرنسا…»‏[50].

أما ابن باديس فيُنظر إليه كرائد النهضة الجزائرية والعالم الذي دافع عن قيم المجتمع الثقافية والحضارية وهو وفقها رمز للنضال الثقافي والفكري. وفي خصوص جمعية العلماء التي كان أسسها فقد ساهم من خلالها هو وصحبه (شيوخ الجمعية) في الدفاع عن مقومات الأمة من خلال الهوية الإسلامية. فشخصية مثل عبد الحليم بن سماية بحسب الشروق تعد رمزًا للمقاومة وهو الإعلامي الجزائري الذي تحدى الاستعمار بقلمه من خلال نشاطه المكثف وإسهاماته القوية في الصحف‏[51]. أما عبد الرحمن شيبان فهو في نظر الشروق اليومي الفارس الذي ناضل فكريًا وحضاريًا وثقافيًا ودافع عن مقومات المجتمع من خلال مساهمته في الحفاظ على إسلامية الأمة وهوية لسانها العربي، فهذه الشخصية التي عرفت بنشاطها الكبير في جمعية العلماء المسلمين، حافظت على موقفها الرافض للمسخ الحضاري الذي تعرضت له الجزائر‏[52].

في حين ينظر إلى مالك بن نبي ذلك المفكر والفيلسوف الجزائري الذي أعطى نظرة فكرية متكاملة لمشكلات العالم الإسلامي وهو رجل سعى إلى إصلاح تفكير المسلمين وبشر بالإمكان الحضاري الذي يعني أن الإرادة هي من تصنع الإمكانيات الفنية للتقدم‏[53]، كما وُصف الرجل بزعيم الفكر الإسلامي لحثه على ضرورة إعادة الاعتبار للتفكير الإسلامي للعقل المسلم وإعادة نشر المذهبية الإسلامية على أوسع نطاق وإحياء الثقافة الإسلامية بتوفير أدوات الحياة لها‏[54].

جاء في مقال العدد 1834 (تشرين الثاني/نوفمبر 2006) من الشروق اليومي أنه «… وبعد أكثر من 30 سنة من وفاة مالك بن نبي تغير العالم جوهريًا لصالح نظام تفكيره…». جاء تصور جماعة الشروق هذا ليؤكد موافقتها وتأييدها أطروحات مالك بن نبي الممجدة للنموذج العربي الإسلامي. فالاستناد إلى مثل هذه الأطروحات جاء ليترجم مدى انسجام أفكار هذه الجماعة الإعلامية وشخصية مثل مالك بن نبي الذي يشهد له أنه ساهم في بناء مجال معرفي قيمي أعطى للإسلام دورًا مركزيًا في إنتاج مختلف المظاهر الفكرية والاقتصادية… إلخ‏[55].

خاتمة

يجب الاعتراف في الختام أن طرح مسألة الهوية في الجزائر إنما يُعبّر بدرجة أساسية عن أزمة حضارية يعيشها هذا البلد، لينتج منها سؤال الهوية بوصفه مظهرًا من مظاهر التعويض. وما تعانيه الجزائر اليوم من توتر واستقواء عنيف ما هو إلا رد فعل ينطلق من محاولة سيطرة هوية على أخرى، فوحدة الهوية، كفكرة ممكنة التحقق إذا ما تم استحضار قيمة المحافظة على الأجيال اللاحقة، هي مصدر الإبداع المولد للتنمية والمحقق للإقلاع، فقد تعني محاولة اختزال الهوية في مكون واحد قصورًا استراتيجيًا ينطوي على تناقضات وصراعات تنام حينًا وتصحو أحيانًا.

لقد نتج من هذا الطرح بروز ثنائيات تحكمت في الحقول السياسية والاجتماعية والثقافية… في الجزائر‏[56]. وفي إطار هذه الثنائيات أخذت تسود التوفيقية كجسر نظري بين هذه الثنائيات التي تنطلق أساسًا من تقابل مُفتعل بين الآخر وحداثته ومنجزاته العلمية والتقنية والحضارية، والهوية الذاتية والخصوصية الدينية والهوية الحضارية العربية الإسلامية. فدعاة الحداثة يرون أن التخلص من سيادة الفكـر السلفي هو الاندماج المطلق بلا قيد ولا شرط في حداثة الغرب وفي مواجهة هذا الفكر يرتفع صوت نقيض رافع راية الفكر السلفي يدعو إلى الوقوف في وجه الحضارة الغربية المختلفـة عنـا والمخالفة لحضارتنا. وإذا كان دعاة الحداثة يرون أن تنمية الذات حضاريًا يكون بالانـدماج في حضارة الآخر، فإن مناوئيهم يرون أن خلاص الجزائر لا يكون إلا بالقطيعة مع الآخر، وهذه الرؤية لا تؤمن بوحدة التاريخ العالمي، تنتهي إلى بناء مركزية حضارية إسـلامية في مواجهـة المركزية الحضارية الغربية.

نعترف انطلاقًا من بحثنا هذا أن ما يحدث في الجزائر اليوم هو صراع حقيقي حول هوية الدولة، بل حرب حقيقية، بين التوجهين العروبي الإسلامي والفرنكوفوني. والرهان الدائر اليوم في مؤسسة استراتيجية ومهمة كالمدرسة ليس حول البرامج التعليمية حول اللغات، ومواد التربية الإسلامية، وموضوعات التاريخ بل حول مشروع حياة ومنهاج مجتمع بأكمله.

كتب ذات صلة:

من سلطة الهوية إلى نص التمثّل: قراءة نقدية لممارسات فكرية في السودان

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 553 في آذار/مارس 2025.

أم الخير تومي: أستاذة وباحثة، جامعة وهران 1 – أحمد بن بلة.

[1] Djamel Guerid, L’exception algérienne: La Modernisation à l’épreuve de la société (Alger: Casbah Editions, 2007).

[2] دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، 2008، ص 2.

[3] أم الخير تومي، «الخطاب الإعلامي والازدواجية الثقافية بالجزائر،» (أطروحة دكتوراه في العلوم، قسم علم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة وهران السانية، 2010)، وأم الخير تومي، «ازدواجية النخبة في الجزائر: النخبة الإعلامية كمثال،» في: آمال قاسمي [وآخرون]، الجزائر: إشكاليات الماضي ورؤى المستقبل، سلسلة كتب المستقبل العربي؛ 64 (الجزائر: مركز دراسات الوحدة العربية، 2013).

[4] تعدّ حقبة الاحتلال الفرنسي (1830 – 1962) أقوى وأهم الأوقات التي تغير فيها المجتمع على نحوٍ جذري وسريع، وذلك من طريق الإخضاع والعنف الذي مارسه الاستعمار. هذا ما أشار إليه محمد حربي الذي أكد أن آثار التغيير المفروض على الجزائريين كانت أليمة لكونها لم تتم وفق شروط النمو التدريجي والطبيعي، ورد في: Guy Perville, Les Etudiants algériens de l’université française 1880-1962: Populisme et nationalisme chez les étudiants et intellectuels musulmans algériens de formation française (Alger: Casbah Editions, 1997), p. 52.

[5] من أهم من طرحوا هذه الفرضية، نذكر: Guerid, L’exception algérienne: La Modernisation à l’épreuve de la société; Ali El Kenz, Au fil de la crise: 4 études sur l’Algérie et le monde arabe (Alger: Bouchene, 1989); Abdelkader Djeghloul: La Formation des intellectuels Algériens modernes 1880-1930 (Alger: Office des Publications Universitaires OPU, 1988), et Eléments d’histoire culturelle algérienne (Alger: Entreprise nationale algérienne du livre (ENAL), 1984).

[6] أم الخير تومي، «الخطاب الإعلامي والمسألة اللغوية بالجزائر،» المستقبل العربي، السنة 34، العدد 394 (كانون الأول/ديسمبر 2011).

[7] مولود قاسم نايت بلقاسم، سياسي وفيلسوف ومؤرخ وكاتب جزائري. تقلد منصب مدير في وزارة الخارجية، فوزيرًا للتعليم الأصلي والشؤون الدينية ومستشارًا لرئيس الجمهورية، ثمّ أصبح مسؤولًا في حزب جبهة التحرير مكلّفًا بتعميم استعمال اللغة الوطنية. ومسؤول على المجلس الأعلى للغة العربية.

[8] Mohamed Ghalem et Hassan Remaoun, Comment on enseigne l’histoire en Algérie (Oran: Editions CRASC, 1995).

انظر أيضًا: حسن رمعون، «تدريس حرب التحرير (1954 – 1962)، ضمن كتب التاريخ القديمة والجديدة في المدرسة الجزائرية،» إنسانيات، العددان 39 – 40 (2008)، <http://journals.openedition.org/insaniyat/1854>، والمعرفي والإيديولوجي في الكتاب المدرسي: العلوم الإنسانية في التعليم الثانوي (وهران: منشوارت مركز البحث والأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (CRASC)، قسم البحث سوسيو أنثروبولوجيا التاريخ والذاكرة، 2012).

[9] مرت الجزائر بثلاث محطات كبرى للإصلاح، حيث كان المصلح الأول الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد الاحتلال الفرنسي الذي حارب الثقافة العربية بهدف طمس الشخصية الجزائرية. أما المحطة الثانية من الإصلاح فقام بها الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1976 بتعريب جميع مواد التعليم، وتعد ثالث محطة من الإصلاح تلك التي باشرها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2000 بإنشاء اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية؛ والملاحظ أن هذه الإصلاحات لم تصل إلى أهدافها منذ نحو عقدين.

[10] تستهدف البرامج المدرسية للطور الابتدائي والمتوسط، إضافة إلى ميثاق أخلاقيات قطاع التربية وتسعى الوزارة إلى اعتماد «نموذج بديل» لإصلاح المدرسة الجزائرية هدفه كسب تحديات الجودة في إطار استراتيجية طويلة الأمد تمتد من عام 2016 إلى عام 2030 وترتكز على التحوير البيداغوجي والحوكمة واحترافية الموظفين من طريق التكوين. تتضمن ركائز السياسة التربوية الجديدة «الإطار الاستراتيجي للمدرسة الجزائرية وتحديات الجودة».

[11] «جمعية العلماء المسلمين تتهم بن غبريط بنشر قيم لائكية غير دينية،» DZ، 5 أيلول/سبتمبر 2017؛ عبد الحميد عثماني، «دعت بوتفليقة إلى اتخاذ الإجراءات الفعلية ومنع القرارات الخاطئة جمعية العلماء تطالب بـ«عزل» بن غبريط وحاشيتها،» الشروق، 16/8/2016، وسارة جقريف، «تشويه للغة القرآن واغتصاب فاضح لقواعدها،» الخبر، 25/12/2015.

[12] أنشأت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية في 13 أيار/مايو 2000 وتكونت من 160 عضوًا برئاسة بن علي بن زاغو (علمًا أن رئيسها الأول كان مختصًا في العلوم اللسانية البروفسور عبد الرحمن الحاج صالح) الحائز دكتوراه دولة في الرياضيات مدير جامعة باب الزوار، الجزائر وتضمن تقرير اللجنة النهائي المقدم في آذار/مارس 2001 لرئيس الجمهورية نحو 600 صفحة، وجاء الجزء الأكبر من التقرير بحسب الملاحظين وما نشر الصحافة آنذاك على شكل مقدمات أيديولوجية سياسية مدحت التفتح واللغات الأجنبية كما نقدت المدرسة الجزائر التي وصفت بالمنكوبة.

[13] أنشأت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية في 13 أيار/مايو 2000 وتألفت من 160 عضوًا برئاسة بن علي بن زاغو (علمًا أن رئيسها الأول كان مختصًا في العلوم اللسانية البروفسورعبد الرحمن الحاج صالح) الحائز دكتوراه دولة في الرياضيات مدير جامعة باب الزوار، الجزائر وتضمن تقرير اللجنة النهائي المقدم في آذار/مارس 2001 لرئيس الجمهورية نحو 600 صفحة، وجاء الجزء الأكبر من التقرير بحسب الملاحظين وما نشر في الصحافة آنذاك على شكل مقدمات إيديولوجية سياسية مدحت التفتح واللّغات الأجنبية كما نقدت المدرسة الجزائر التي وصفت بالمنكوبة.

[14] جاء ذلك في جريدتي الخبر والشروق، 20/5/2001.

[15] وزارة التربية الوطنية، مديرية التعليم الأساسي، «أهداف مناهج الجيل الثاني،» 24 آذار/مارس 2024،      <http://rebrand.ly/d2b4fd>.

[16] Hassan Remaoun: École, Histoire et enjeux institutionnels dans l’Algérie (Oran: Edition CRASC, 1995), et «L’enseignement de l’histoire de la Guerre de libération nationale à travers une lecture des manuels scolaires algériens,» Internationale Schulbuchforschung, vol. 26, no. 1 (2004), pp. 59-74.

[17]  «Les ouvrages du CRASC,» <https://ouvrages.crasc.dz/index.php/fr/44-le-cognitif>.

[18]  Ibid.

[19] Hassan Remaoun, «L’enseignement de la Guerre de libération nationale (1954-1962), dans les anciens et nouveaux manuels d’histoire,» Tréma (Faculté d’Education de l’Université de Montpellier), no. 29 (mars 2008), pp. 51-71.

[20] رمعون، «تدريس حرب التحرير (1954 – 1962)، ضمن كتب التاريخ القديمة والجديدة في المدرسة الجزائرية».

[21] المصدر نفسه.

[22] المصدر نفسه.

[23] حسن رمعون، «التاريخ الوطني والممارسات السياسية والانتمائية (الهوياتية): قراءة في الكتب المدرسية الرسمية المتداولة في المدرسة الجزائرية،» إنسانيات، العدد 6 (شتاء 1997)، ص 8.

[24] Nabil Lalmi, «Education et développement durables, la citoyenneté universelle,» El Watan, no. 4975 (mars 2007), p. 23, and Karim Kebir, «La Catastrophe vécue et venue de l’école,» Liberté, no. 6997 (août 2015), p. 3.

[25]  Kamel Daoud, «Sauvez Benghebrit, sauvez vos enfants!,» El Watan, 9/9/2016.

[26] أبو بكر سعد الله، «فصل اللغة عن الدين،» الشروق، 6/11/2016.

[27] المصدر نفسه.

[28] كان التحقيقان بمنزلة خلاصة للملتقى الذي نظمته وأشرفت عليه El Watan والذي حمل شعار «Que veulent les algériens».

[29] D. Ali, «Yennayer se prépare,» El Watan, no. 4903 (Décembre 2006), p. 22; «Sans signature, Yannayer… semaine culturelle,» El Watan, no. 1286 (janvier 1995) p 24, et Hassan Aourid, «L’amazightité: De l’identitaire au devenir,» Liberté, no. 6940 (juin 2015), pp. 10-11.

[30] Taher Amellal, «Islam et le monde musulman nationalisme et totalitarisme,» El Watan, no. 1338 (mars 1995), p. 13.

[31] B. M. Mohamed, «Question dans le siècles, l’attachement de la terre au Cestrale,» El Watan, no. 2746 (décembre 1995), p. 5.

[32] Mohamed Lqball, «Massinisa, Saint Augstin, Sidi Okba, Abelkader ou la mémoire collective en question,» El Watan, no. 4925 (janvier 2007), p. 15, et Khiari Saad, «Germane Tillon: Le courage et le sens de l’honneur,» Liberté, no. 6932, p. 20.

[33] Djamel Melouk, «Saint augustin, algérien malgré nous,» El Watan, no. 1288 (janvier 1995), p. 7.

[34] Farhat Abbas Benammar, «Abane Ramadan un lieu de confiance et un même engagent,» El Watan, no. 4928 (janvier 2007), p. 15.

[35] Aissa Sakkal, «Emir Abdelkader, où la quête de la modernité,» El Watan, no. 662 (novembre 1995), p. 2.

[36]  Benammar, Ibid., p. 15.

[37] Mohamed Kali, «Farhat Abbas un libéral impénitent,» El Watan, no. 688 (décembre 1995), p. 32.

[38] Ahmed Kadi, «Mouloud Mammeri, le sommeil du juste,» El Watan, no. 368 (décembre 1991), p. 15.

[39] Mohamed Cherif Ghbalou, «Kateb Yacine.. l’œil qui rajeunit l’âme,» El Watan, no. 638 (octobre 1992), p. 20.

[40] Amine Lotfi, «Mustapha Lachraf .. un grand algérien,» El Watan, no. 4916 (janvier 2007), p. 32.

[41] ن. وردة، «دعوة لتكريس البعد الوطني الأمازيغي،» الخبر، العدد 7590 (أيلول/سبتمبر 2014)، ص 23.

[42] الشروق، العدد 1938.

[43] مصطفى هميسي، «من أجل الخروج من تاريخ الأوهام … أين هي النهضة؟،» الشروق، العدد 17 (تشرين الثاني/نوفمبر 2000)، ص 12 – 13.

[44] قطاف عبد الله، «إيـدز حضاري،» الشروق، العدد 30 (كانون الأول/ديسمبر 2000)، ص 1.

[45] المصدر نفسه.

[46] هوادف رابح، «التنوع الثقافي وإشكالية الهوية،» الشروق، العدد 33 (كانون الأول/ديسمبر 2000)، ص 14.

[47] الزبيري محمد العربي، «هل هي الثورة أم مجرد حرب تحرير؟،» الشروق، العدد 1918 (شباط/فبراير 2007)، ص 14.

[48] حوار أُجري مع صحافي بالقسم الثقافي ليومية الشروق.

[49] محمد خلدون الجزائري، «إظهار المعارف في تبرئة الأمير عبد القادر الجزائري وقيمه الإنسانية،» الشروق، العدد 11 (تشرين الثاني/نوفمبر 2000)، ص 12 – 13.

[50] سليمان لحسن، «الأمير عبد القادر بعين أخرى،» الخبر، العدد 8171 (حزيران/يونيو 2016)، ص 17.

[51] حسين محمد الهادي، «القرآن صحيح أنتم كفار ولسنا مؤمنين،» الشروق، العدد 16 (تشرين الثاني/نوفمبر 2000)، ص 12 – 13.

[52] حميد لعدايسية، «عبد الرحمن شيبان والوساطة الفكرية بين جمعية العلماء وحركة العلماء والحركة الوطنية،» الشروق، العدد 5 (تشرين الثاني/نوفمبر 2000)، ص 12 – 13.

[53] بشير مصطفى، «في ذكرى وفاة مالك بن نبي… أما آن لهذا الفكر أن يقرأ؟،» الشروق، العدد 1829 (تشرين الأول/أكتوبر 2006)، ص 15.

[54] يحيى بوكحيلة، «في الطريق إلى الدولة الإسلامية،» الشروق، العدد 1834 (تشرين الثاني/نوفمبر 2006)، ص 9.

[55] تصريح صحافي في جريدة الشروق اليومي، مكتب وهران.

[56]  Guerid, L’exception algérienne: La Modernisation à l’épreuve de la société.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز